دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 06:43 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع ) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

34- يَسْعَى الوُشاةُ جَنَابَيْهَا وقَوْلُهم = إنكَ يا ابنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
" يَسْعَى": مِن قولِهم: سَعَى به إلى السُّلطانِ سِعَايةً، إذا وَشَى به، أو مِن قولِهم: سَعَى سَعْيًا: إذا عَدَا، ومنه قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ )). أو مِن قولِهم: سَعَى إليه، إذا أَتَاه، ومنه قولُه تعالى: { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ }.
و" الوُشاةِ ": جَمْعُ " وَاشٍ " كالرُّماةِ، والغُزاةِ والقُضاةِ , والواشِي: اسمُ فاعلٍ مِن وَشَى به يَشِي وِشايةً ووَشْيًا: إذا سَعَى به، سُمُّوا بذلك ؛ لأنهم يَشُونَ الحديثَ، أي: يُزَيِّنُونَه، ومنه سُمِّيَ الوَشْيُ وَشْيًا.
والْجَنَابُ بفتْحِ الجيمِ: الفَناءُ وما قَرُبَ مِن مَحَلَّةِ القومِ، وجَمْعُه: " أَجْنِبَةٌ ". مِثلُ: قَذالٍ وأَقْذِلَةٍ، وطَعامٍ وأَطْعِمَةٍ، يُقالُ: أَخْصَبَ جَنابُ القَوْمِ، وسارُوا جَنَابَيْهِ، أي: ناحِيَتَيْهِ، وأمَّا قولُهم: فَرَسٌ طَوْعُ الْجِنَابِ، فإنه بكسْرِ الجيمِ، ومعناه: سَهْلُ القِيادِ، ومِثلُ الْجَنابِ بالفتْحِ: الْجَنابَةُ, والْجَنَبَةُ ومعناهما أيضًا: الناحيةُ، يُقالُ: جَنَبَةُ الوادي أي: ناحيةٌ منه، وقالَ الفَرزدَقُ ( البحر الوافر )
فبِتُّنْ جَنَابَتَيَّ مُطَّرَّحَاتٍ = وبِتُّ أَفُضُّ مَعقودَ الْخِتَامِ
وانتصابُ " جَنَابَيْهَا " على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ؛ لأنَّه بمعنى الناحيتينِ، وهذا مُبْهَمٌ عن الإبهامِ اختصاصُه بالإضافةِ، كما تقولُ: جَلَسْتُ مَكانَ زيدٍ، وقَعَدْتُ مَوْضِعَه، وزيدٌ مكانُ عبدِ اللهِ ومَوْضِعُه، وفي أمثلةِ سِيبويهِ: هما خَطَّانِ جَنَابَتَيْ أَنْفِها بالتأنيثِ، وأَوْرَدَه في صِنْفِ الْمُبْهَمِ، والإبهامُ فيه ظاهِرٌ، كما ذَكَرْنا، ونَظَرَه سِيبويهِ بقولِ الأَعْشَى: ( البحر البسيط ).
نحن الفَوارِسُ يومَ الْحِنْوِ ضاحيةً = جَنْبَيْ فُطيمةَ لا مَيْلٌ ولا عَزْلُ
وفُطَيْمَةُ: جَبَلٌ، وقيلَ: امرأةٌ قَعَدَتْ مع بَناتِها، وقاتَلَ قومُها عنها، ولم تَخْتَصَّ الْجَنبتانِ بإضافتِهما إلى الْجَبَلِ والمرأةِ، بل هو باقٍ على إبهامِه؛ لأنَّ أَصْلَه الإبهامُ، وإنما عَرَضَ له الاختصاصُ في التركيبِ، بخِلافِ المسجِدِ والدارِ، مِمَّا لا يَنْطَلِقُ على كلِّ مَوضِعٍ، بل هو بأصْلِ وَضْعِه لِمُعَيَّنٍ مخصوصٍ.
ويُرْوَى: حَوَالَيْهَا، وهو بمعنى جَنَابَيْهَا، يُقالُ: قَعَدُوا حَوْلَهُ, وحَوالَهُ، وأحوالَه، وَحَوْلَيْهِ، وحوالَيْهِ، قالَ اللهُ تعالى: { فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } وقالَ الشاعرُ :
وأنا أَمْشِي الدَّأَلَى حوالِكَا.
وقالَ آخَرُ :
ماءٌ رَواءٌ ونصي حَوْلَيْه.ِ
وفي الحديثِ: (( اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ))، والعامِلُ هنا محذوفٌ، أي: أَنْزِل الْمَطَرَ حوالَيْنَا، ولا تُنْزِلْه عَلَيْنا، وقالَ امرُؤ القَيْسِ: ( البحر الطويل )

فقَالَتْ سَبَاكَ اللهُ إنك فاضِحِي = ألسْتَ تَرَى السُّمَّارَ والناسَ أَحْوَالِي
ولم يُسْمَعْ " أَحْوَالِي " بهذا المعنى إلا في هذا البيتِ.
وضَميرُ جَنَابَيْهَا، أو حَوَالَيْهَا لسُعادَ التي ذَكَرَ أنه لا يُبَلِّغُه أرْضَها إلا العِتاقُ الْمَراسيلُ التي وَصَفَها , أي: أنَّ الوُشاةَ يَسْعَوْنَ إليها بوَعيدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ، وجُملةُ، " يَسْعَى الوُشاةُ حَوَالَيْهَا " مُستأنَفَةٌ للتَّخَلُّصِ للمَدْحِ، أو حالٌ مِن سُعادَ، أي: فارَقْتُ, والحالُ أنَّ الوُشاةَ يَسْعَوْنَ حَوْلَها.
وقولُه: " وقولُهم " الواوُ واوُ الحالِ، وما بعدَها مرفوعٌ بالابتداءِ، والجملةُ بعدَه خبرٌ، وهي نفسُ المبتدأِ في المعنى، فلا تَحتاجُ إلى رَابطٍ، ويُرْوَى بنَصبِ ما بعدَ الواوِ على أنه مَصدرٌ نابَ مَنابَ فِعْلِه، مِثلَ: سُبحانَ اللهِ، ومَعاذَ اللهِ، بمعنى: أُسَبِّحُه وأَعوذُ به، أي: يَسْعَوْنَ, ويَقولونَ، والواوُ على هذا واوَ العَطْفِ، ويَضْعُفُ أن تكونَ واوُ الحالِ حتى يُقَدَّرَ أنَّ الأَصْلَ وهم يَقولونَ، لتكونَ الواوُ دَاخلةً على الجملةِ الاسمِيَّةِ.
ويُرْوَى: وقِيلُهم رَفعًا ونَصْبًا، قالَ قولًا، وقِيلًا، وقالًا، ومَقَالًا، ومَقالَةً.
وقولُه: " يا ابنَ أبي سُلْمَى " جُملةٌ مُعْتَرِضَةٌ بينَ اسمِ إنَّ وخَبَرِها، ونَسَبَ بُنُوَّتَه لِجَدِّه، كقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: (( أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ )). وسُلْمَى بضَمِّ السينِ: قالَ التِّبريزيُّ: وليس في العربِ سُلْمَى بالضمِّ غيرُه.
وقولُه :" لَمَقتولُ" أي: لصائِرٌ إلى القَتْلِ، ومِثلُه: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } وفي الحديثِ: (( مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ )) .
قالَ:
35- وقالَ كلُّ خليلٍ كنتُ آمُلُهُ = لا أُلْهِيَنَّكَ إني عَنْكَ مَشغولُ
لَمَّا سَمِعَ: بهذا الوَعيدِ الْتَجَأَ إلى إخوانِه الذين كان يَرْجُوهُمْ ويُؤَمِّلُهم، فتَبَرَّؤُوا منه؛ يَأْسًا مِن سَلامتِه، وخَوْفًا مِن غَضَبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكَلمةُ " كلُّ " هنا للمُبالَغَةِ، كما تَقولُ: أَعْرَضَ الناسُ كُلُّهُم عن فُلانٍ، ومِثلُه قولُه تعالى: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا }.
وكان ومَعْمُولاها صِفةٌ لِخَلِيلٍ، فمَوضِعُها خَفْضٌ، أو لِكُلٍّ فمَوضِعُها رَفْعٌ، والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ كُلًّا إنما تَدْخُلُ لإفادةِ العُمومِ والْمُسْنَدُ إليه بالحقيقةِ مَخفوضُها، ومِن ثَمَّ كان ضَعيفًا قولُه: ( البحر الوافر )
وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخوهُ = لعَمْرُ أبيكَ إلا الفَرقدانِ
مِن وَجهينِ:
أحدُهما: استعمالُ " إلا " صفةً مع إمكانِ الاستثناءِ، وإنما يَحْسُنُ ذلك عندَ تَعَذُّرِه، كقولِه تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا }, وقولِهم: لو كان معنا رجلٌ إلا زيدٌ لغُلِبْنَا، إذ الاستثناءُ مِن النَّكِرَةِ إنما يَجوزُ إذا كانت عددًا نحوَ: له عندي عَشرةٌ إلا واحدًا، أو مَوصوفةً بصفةٍ تُفيدُ التعيينَ، نحوَ: جاءني رجالٌ جاؤوك إلا واحدًا منهم، أو كانتْ في غيرِ الإيجابِ، نحوَ: ما جاءَني رَجُلٌ إلا زيدًا، ولا يَجوزُ فيما عدا ذلك، لا يُقالُ: جاءني رجالٌ إلا زيدًا، ولا جاءني رجُلٌ إلا عَمْرًا.
والثاني: أنه وَصَفَ كُلًّا، وكان حَقُّه أن يَصِفَ مَخفوضَها؛ لأنَّه المقصودُ.
والخليلُ فَعيلٌ مِن الْخُلَّةِ بالضمِّ، وهي الصداقةُ، ويكونُ الخليلُ بمعنى الفقيرِ، مِن الْخَلَّةِ بالفتْحِ، وهي الحاجةُ، وفي ذلك يقولُ زُهَيْرٌ : ( البحر البسيط )

وإنْ أتاه خَليلٌ يومَ مَسألةٍ = يَقولُ لا غائبٌ مالِي ولا حُرُمُ

وجَوَّزُوا ذلك في قولِهم في حقِّ أَبينَا إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسلامُ: خليلُ اللهِ، أن يكونَ بمعنى فقيرِ اللهِ.
وقولُه: " آمُلُه " أي: أُؤَمِّلُ خَيْرَه، أو مَعونتَه؛ لأنَّ الذواتِ لا تُؤَمَّلُ.
وقولُه: " لا أُلْهِيَنَّكَ": الجملةُ بنَصْبٍ بالقولِ، ولا نافيةٌ فالتوكيدُ بالنونِ ضَرورةٌ، أو جائزٌ في النَّثْرِ على الْخِلافِ الْمُتَقَدِّمِ، بخِلافِ التوكيدِ بعدَ " لا " الناهيةِ فإنه قِياسٌ، ويَجوزُ كونُ " لا " ناهيةً على حَدِّ قولِهم: لا أُرَيَنَّكَ ها هنا، فالتوكيدُ مِثلُه في قولِه:
فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّتْ.
وقد مَضَى شَرْحُه.
ومعنى لا أُلْهِيَنَّكَ: لا أُشْغِلَنَّكَ عمَّا أنتَ فيه بأن أُسَهِّلَه عليك، وأُسَلِّيَكَ، فاعمَلْ لنفْسِك، فإني لا أُغْنِي عنك شيئًا، يُقالُ: لَهِيتُ عنه أَلْهَى، مِثلَ خَشِيتُ أَخْشَى، إذا تَشَاغَلْتَ عنه بغيرِه، وفي الحديثِ: (( إِذَا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِشَيْءٍ فَالْهَ عَنْهُ )). أي: تَشاغَلْ عنه وتَغافَلْ ـ وكان ابنُ الزُّبيرِ إذا سَمِعَ المؤَذِّنَ لَهَى عن كُلِّ ما بحَضْرَتِه ـ فإذا أَرَدْتَ تَعْدِيَتَه أَدْخَلْتَ عليه هَمزةَ النقلِ، فقلتَ: أَلْهَيْتُه عنه، أي: شَغَلْتَه عنه، ومنه قولُه تعالى: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }.
ومشغولُ: اسمُ مفعولٍ مِن شَغَلَه يَشْغَلُه بالفَتْحِ فيهما , لأجْلِ حرْفِ الْحَلْقِ، وعنك: مُتَعَلِّقٌ به، وإن ومَعْمُولاها: إمَّا بَدَلٌ مِن " لا أُلْهِيَنَّكَ " كقولِه تعالى: { أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ }, وقولِ الشاعِرِ:
أَقُولُ له ارْحَلْ لا تُقِيمَنَّ عِنْدَنا .
وإمَّا في مَوْضِعِ التعليلِ، فإن كان على طريقةِ الاستئنافِ كُسِرَتْ إن، كما في وَجْهِ الإبدالِ، وإن كان على إضمارِ اللامِ فُتِحَتْ، وقد مَضَى هذا مَشروحًا في شَرْحِ قولِه:
إنَّ الأمانِيَّ والأحلامَ تَضليلُ.
قالَ رَحِمَه اللهُ:

36- فقُلْتُ خَلُّوا سَبِيلِي لا أَبَا لَكُمُ = فكُلُّ مَا قَدَّرَ الرحمنُ مَفعولُ
لَمَّا يَئِسَ مِن نُصرَةِ أَخِلَّائِهِ، أَمَرَهم أن يُخَلُّوا طَريقَه، ولا يَحْبِسُوهُ عن الْمُثولِ بينَ يَدَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليُمْضِيَ فيه حُكْمَه؛ فإنَّ نَفْسَه قد أَيْقَنَتْ أنَّ كلَّ شيءٍ قَدَّرَه اللهُ تعالى فهو وَاقِعٌ.

" وخَلُّوا ": أَمْرٌ مِن التخليةِ وهِي التَّرْكُ.
والسبيلُ والطريقُ مُتَّفِقانِ في المعنى، وفي الوَزْنِ، وفي الجمْعِ على فُعُلٍ، وفي جَوازِ تَخفيفِ عينِ الجمْعِ بالإسكانِ، والصراطُ مِثْلُها إلا في الوَزْنِ، ويَجوزُ في الثلاثةِ التذكيرُ والتأنيثُ، ومِن أَدِلَّةِ تأنيثِ السبيلِ قولُه تعالى: (( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )) في قِراءةِ ابْنَيْ كَثيرٍ وعامرٍ، وأبي عمرٍو وحَفْصٍ بتأنيثِ الفِعلِ، وبرَفْعِ السبيلِ، أمَّا استدلالُ كثيرٍ مِن أهلِ اللغةِ والتفسيرِ بقولِه تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي } فغَلَطٌ؛ لأنَّ الْمُرادَ هذه الطريقةُ التي أنا عليها سَبيلِي، وليستِ الإشارةُ للسبيلِ، ولو صَحَّ هذا الاستدلالُ، لصَحَّ الاستدلالُ على أنَّ الرحمةَ مُذَكَّرَةٌ بقولِه تعالى: { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي }, ومِن أَدِلَّةِ التذكيرِ: { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا }, ولا دليلَ في قِراءةِ أبي بَكرٍ والأخوينِ: لِيَسْتَبِينَ بالتذكيرِ، (سَبيلُ) بالرفْعِ؛ لأنَّ التأنيثَ المجازيَّ يَجوزُ معه تَذكيرُ الفعلِ الْمُسْنَدِ إلى ظاهِرِه.
وقولُه: " لا أَبَا لَكُمُ "[1] " لا " النافِيَةُ للجِنْسِ، وأبا اسْمُها، وهو مُعَرَّفٌ، والكافُ والميمُ مُضافٌ إليه، واللامُ زائدةٌ لتأكيدِ مَعْنَى الإضافةِ، فلا تَتَعَلَّقُ بشيءٍ، وأُقْحِمَتْ بينَ الْمُتضايِفَيْنِ، هنا، كما أُقْحِمَتْ بينَهما في قولِ: ( البحر الكامل )
يا بُؤْسَ للحربِ التي وَضَعَتْ = أراهطَ فاسْتَرَاحُوا

وهي مُعْتَدٌّ بها مِن وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، أمَّا وَجْهُ الاعتدادِ: فإنَّ اسمَ " لا " لا يُضافُ إلى الْمَعرِفَةِ فهذه اللامُ مُزيلةٌ لصُورةِ الإضافةِ، وأمَّا وَجهُ عَدَمِ الاعتدادِ: فهو أنَّ ما قَبْلَها مُعْرَبٌ بدليلِ ثُبوتِ الألِفِ، وإنما يُعْرَبُ اسمُ " لا " إذا كان مُضافًا، أو شَبيهًا بالْمُضافِ، هذا قولُ سِيبويهِ والجمهورِ، ويُشْكِلُ عليه قولُهم: لا أَبَا لِي، ولا يَجوزُ أن تُعْرَبَ الأسماءُ الستَّةُ بالأَحْرُفِ إذا كانتْ مُضافةً للياءِ، وذَهَبَ هشامٌ وابنُ كَيْسَانَ وابنُ مالِكٍ إلى أنَّ اللامَ غيرُ زائدةٍ، وأنها ومَصحوبَها صِفةٌ للأبِ، فتَتَعَلَّقُ بكونٍ مَحذوفٍ منصوبٍ أو مَرفوعٍ، وأنهم نَزَّلُوا الموصوفَ مَنْزِلَةَ الْمُضافِ لطُولِه بصِفَتِه، ولِمُشارَكَتِه للمُضافِ في أَصْلِ مَعناهُ، إذ معنى أَبوكَ: وأبٌ لك شيءٌ واحدٌ، ويُشْكِلُ عليه أنَّ الأسماءَ الستَّةَ لا تُعْرَبُ بالحروفِ إلا إذا كانتْ مُضافةً، وأنهم يَقولونَ: لا غُلامِي له، يَحذِفونَ النونَ، ويُجابُ عنهما بأنَّ شَبيهَ الشيءِ جارٍ مَجراهُ، وعلى القولينِ فيَحتاجُ إلى تقديرِ الْخَبَرِ، وذَهَبَ الفارسيُّ وابنُ يَسعونَ وابنُ الطَّرَاوَةِ إلى أنَّ اللامَ غيرُ زائدةٍ، وأنها ومَجرورَها خَبَرٌ، فيَتَعَلَّقُ بكونٍ محذوفٍ مرفوعٍ، وأنَّ اسمَ " لا " مُفْرَدٌ مَبْنِيٌّ، ولكنه جاءَ على لُغةِ مَن يَقولُ:
إنَّ أباها وأبَا أَباها...
ويَرُدُّه أَمرانِ: أحدُهما: أنَّ الذي يقولُ: جاءني أباك. بعضُ العربِ، والذي يقولُ: لا أبا لزيدٍ. جميعُ العربِ.
والثاني: قولُهم لا غُلامِي له بحَذْفِ النونِ.
واعْلَمْ أنَّ قولَهم: لا أبَا له: كلامٌ يُستعمَلُ كِنايةً عن الْمَدْحِ والذمِّ، ووَجْهُ الأَوَّلِ أنْ يُرادَ نَفْيُ نَظيرِ الممدوحِ بنَفْيِ أبيهِ، ووَجْهُ الثاني أن يُرادَ به أنه مَجهولُ النَّسَبِ، والْمَعنيانِ مُحتَمَلانِ هنا، أمَّا الثاني فوَاضِحٌ؛ لأنَّهم لَمَّا لم يُغْنُوا عنه شيئًا أَمَرَهم بتَخليةِ سَبيلِه، ذَامًّا لهم، وأمَّا الأوَّلُ فعَلَى وَجهِ الاستهزاءِ.
وقولُه: فكلُّ : الفاءُ للتعليلِ، والْمُعَلَّلُ الأَمْرُ، وما بينَهما اعتراضٌ، و " ما " بمعنى شيءٍ، أو بمعنى الذي، وعائدُ الصِّلَةِ أو الصفةِ مَحذوفٌ، وهو مَفعولُ " قَدَّرَ ".
و " الرحمنُ ": معناه الواسِعُ الرحمةِ، وهل هو صِفةٌ غالِبَةٌ مُلْتَحِقَةٌ بالأعلامِ كالدَّبْرانِ والعُيوقِ، أو صِفةٌ مَحْضَةٌ كالغَضبانِ؟ الأَوَّلُ: اختيارُ الأَعْلَمِ، وابنِ مالِكٍ، وعليه فهو في البَسملةِ بَدَلٌ، والرحيمُ صِفَةٌ له , أي: للرحمنِ , لا صِفةٌ لِلَّهِ؛ لأنَّه لا يَتَقَدَّمُ البَدَلُ على النَّعْتِ.
والثاني: قولُ الجمهورِ وعليه فهو والرحيمُ صِفتانِ، وحينئذٍ يَصِحُّ إيرادُ السؤالِ الْمَشهورِ، وهو أن يُقالَ: لِمَ بُدِئَ بالوَصْفِ الأَبْلَغِ، وإنما المألوفُ أن يُخْتَمَ به؟ فيُقالُ: عالِمٌ نِحريرٌ، وشُجاعٌ باسِلٌ، وجَوَادٌ فَيَّاضٌ، ولذلك أَجْوِبَةٌ مَذكورةٌ في مَوْضِعِها.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
37- كلُّ ابنِ أُنْثَى وإن طَالَتْ سَلامَتُهُ = يَوْمًا على آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحمولُ
يقولُ: إذا كان كلُّ مَن وَلَدَتْه أُنثى وإن عاشَ زَمَنًا طويلًا سالِمًا مِن النوائبِ، فلا بُدَّ له مِن الموتِ ، فمِمَّ الْجَزَعُ يا نَفْسُ وبما تَفرَحونَ أيُّها الشامِتونَ؟! ومنه:
فقُلْ للشَّامتينَ بنا أَفِيقُوا = سَيَلْقَى الشامِتونَ كما لَقِينَا
وللآلةِ ثلاثةُ مَعانٍ:
أحدُها: النَّعْشُ ذَكَرَه الجوهريُّ، وأَنْشَدَ عليه هذا البيتَ، وما أَحْسَنَ قولَ الشاطِبِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه مُلْغِزًا : ( البحر الطويل )

أَتَعْرِفُ شيئًا في السماءِ يَطيرُ = إذا سارَ صاحَ الناسُ حيث يَسيرُ
فتَلقاهُ مَركوبًا وتَلقاهُ راكبًا = وكلُّ أَميرٍ يَعتليهِ أَسِيرُ
يَحُضُّ على التقوى ويُكْرَهُ قُرْبُهُ = وتَنْفِرُ منه النفْسُ وهْوَ نَذيرُ
ولم يُسْتَزَرْ عن رَغبةٍ في زيارةٍ = ولكنْ على رَغمِ الْمَزُورِ يَزورُ
الثاني: الحالةُ، وعليه حَمَلَ التِّبريزيُّ وغيرُه هذا البيتَ، والآلةُ والحالةُ مُتقارِبانِ أَحْرُفًا، مُتَمَاثِلان وَزْنًا ومَعْنًى، قالَ: ( البحر الرجَز ).
قد أَرْكَبُ الآلةَ بعدَ الآلَهْ = وأَتْرُكُ العاجِزَ بالْجدالَهْ
الثالثُ: الأداةُ التي يُعْمَلُ بها.
والْحَدباءُ: تأنيثُ الأَحْدَبِ، ومعناها هنا: قيلَ: الصعْبَةُ، وقيلَ: المرْتَفِعَةُ، ومنه الْحَدَبُ مِن الأرضِ، وقيلَ: إنه مِن قولِهم: ناقةٌ حَدباءُ، إذا بَدَتْ حَرَاقِيفُها؛ لأنَّ الآلةَ التي يُحْمَلُ عليها تُشْبِهُ الناقةَ الْحَدباءَ في ذلك، وأَصْلُ الْحَدَبِ الْمَيْلُ، ومنه قولُهم لِمَن عَطَفَ على شَخْصٍ: حَدِبَ عليه بكَسْرِ الدالِ، أي: مالَ إليه، وانْخَفَضَ له، والظرفانِ مَعمولانِ لِخَبَرِ "كلُّ"، ورُبَّمَا يَسْبِقُ إلى الخاطِرِ تَعَلُّقُ "يومًا" بـ "طَالَتْ"، وهو فاسِدٌ في المعنى، وما بينَ المبتدأِ والخبَرِ مُعْتَرِضٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ سَدَّ مَسَدَّهُ خَبَرُ ما قَبْلَه، ومِثلُه قولُه تعالى: { وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ }.
والواوُ مِن قولِه: " وإنَّ " قالَ جَماعةٌ: واوُ الحالِ، والصوابُ أنها عاطِفَةٌ على حالٍ مَحذوفةٍ مَعمولةٍ للخَبَرِ، والتقديرُ مُحْتَمِلٌ لوَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ الأصْلُ مَحمولًا على آلَةٍ حَدباءَ على كلِّ حالٍ , وإن طالَتْ سَلامَتُه، فيكونَ مِن عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ.
والثاني: أن يكونَ الأَصْلُ إن قَصُرَتْ مُدَّةُ سَلامتِه وإن طالَتْ، كما تقولُ: آتِيكَ إن أَتَيْتَنِي وإن لم تأتِ. ويَجوزُ للجُملةِ الشرطِيَّةِ أن تَقَعَ حالًا إذا شُرِطَ فيها شَرطٌ ونَقيضُه، نحوَ: لأَضْرِبَنَّه إنْ ذَهَبَ وإن مَكَثَ، والذي سَوَّغَ حَذْفَ الشرطِيَّةِ الأُولَى، أنَّ الثانيةَ أبدًا مُنافِيَةٌ لثُبوتِ الْحُكْمِ، والأُولَى مُناسِبَةٌ لثُبوتِه، فإذا أُثْبِتَ الْحُكْمُ على تقديرِ وُجودِ الْمُنافِي، دَلَّ ثُبوتُه على تقديرِ الْمُناسِبِ مِن بابِ أَوْلَى، ودَلَّ هذا على ذلك الْمُقَدَّرِ، ومتى أُسْقِطَت الواوُ مِن هذا البيتِ ونحوِه فَسَدَ المعنى.




 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir