النوع التاسع: الفراشي
ذكر البلقيني مثالاً واحداً وهو آية الثلاثة الذين خلفوا كما تقدم أنها نزلت وقد بقي من الليل نحو الثلث وهو عند أم سلمة، وظفرت بمثال آخر، وهو: {والله يعصمك من الناس} كما تقدم، واستشكل الجمع بين ما تقدم من نزول الآية في بيت أم سلمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عائشة: ((ما نزل عليَّ الوحي في فراش امرأة غيرها))، قال البلقيني: ولعل هذا كان قبل القصة التي نزل فيها الوحي في فراش أم سلمة.
قلت: ظفرت بما يحصل به الجواب وهو أحسن من هذا، فروى أبو يعلى بسنده عن عائشة قالت: أعطيت تسعاً – الحديث، وفيه: "وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه" وبهذا علم أنه لا معارضة بين الحديثين كما لا يخفى.
النوع العاشر: النومي
ذكره البلقيني وجعله ملحقاً بما قبله ورأينا إفراده بنوع أليق، ومثل له بما في صحيح مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: ((أنزل عليَّ آنفاً سورة)) فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر}.
وقال الإمام الرافعي في أماليه: فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة وقالوا: من الوحي ما كان يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي قال: وهذا صحيح، لكن الأشبه أن يقال: إن القرآن كله نزل في اليقظة، وكأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة فقرأها عليهم وفسرها لهم، قال: وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي – ويقال لها: برحاء الوحي. انتهى.
قلت: الذي قاله الرافعي في غاية الاتجاه، وهو الذي كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه والتأويل الأخير أصح من الأول، لأن قوله: أنزل علي آنفاً يدفع كونها نزلت قبل ذلك، بل نقول: نزلت في تلك الحالة وليست الإغفاءة إغفاءة نوم، بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا.