دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > كتاب التوحيد

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م, 02:57 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تهذيب القول المفيد لفضيلة الشيخ:صالح بن عبدالله العصيمي

(1)
السِّحْرُ لغةً:ما خَفِيَ وَلَطُفَ سَببُهُ،
ومنهُ سُمِّيَ السَّحَرُ لآخرِ الليلِ؛ لأنَّ الأفعالَ التي تقعُ فيهِ تكونُ خفيَّةً، وكذلكَ سُمِّيَ السَّحُورُ لما يُؤْكَلُ في آخرِ الليلِ؛ لأنَّهُ يكونُ خفيًّا، فكلُّ شيءٍ خَفِيَ سببُهُ يُسَمَّى سِحْرًا.

وأمَّا في الشرعِ فإنَّهُ ينْقَسِمُ إلى قسميْنِ:
الأوَّلُ: عُقَدٌ ورُقًى، أيْ: قراءاتٌ وطلاسمُ يَتَوَصَّلُ بها الساحرُ إلى استخدامِ الشياطينِ فيما يُرِيدُ بهِ ضررَ مسحورٍ، لكنْ قدْ قالَ تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ بِإِذْنِ اللهِ}.
الثاني: أدويةٌ وعقاقيرُ تُؤَثِّرُ على بَدَنِ المسحورِ وعقلِهِ وإرادتِهِ وميلِهِ، فتجدُهُ ينصرفُ ويميلُ، وهو ما يُسَمَّى عنْدَهُم بالصَّرْفِ والعَطْفِ، فيجعلونَ الإنسانَ ينْعَطِفُ على زوْجَتِهِ أو امرأةٍ أخرى، حتَّى يكونَ كالبهيمةِ تقودُهُ كما تشاءُ، والصرفُ بالعكسِ منْ ذلكَ، فَيُؤَثِّرُ في بدنِ المسحورِ بإضعافِهِ شيئًا فشيئًا حتَّى يَهْلِكَ، وفي تصوُّرِهِ بأنْ يتخيَّلَ الأشياءَ على خلافِ ما هيَ عليهِ، وفي عقلِهِ فرُبَّما يصِلُ إلى الجنونِ، والعياذُ باللهِ.

فالسحرُ قسمانِ:

الأول: شِرْكٌ، وهوَ الأوَّلُ الذي يكُونُ بواسطةِ الشياطينِ؛ يعْبُدُهُم ويتقرَّبُ إليهم ليُسَلِّطَهُم على المسحورِ.
الثاني: عدوانٌ وفسقٌ، وهو الثاني الذي يكونُ بواسطةِ الأدويةِ والعقاقيرِ ونحْوِها.
وبهذا التقسيمِ الذي ذكَرْنَاهُ نتَوَصَّلُ بهِ إلى مسألةٍ مُهِمَّةٍ وهيَ:
هلْ يكْفُرُ الساحرُ أوْ لا يكْفُرُ؟

اختلفَ في هذا أهلُ العلمِ، فمِنْهُم مَنْ قالَ: إنَّهُ يكفرُ، ومنهم منْ قالَ: إنَّهُ لا يكفرُ.
ولكنَّ التقسيمَ السابقَ الذي ذكَرْنَاهُ يتبَيَّنُ بهِ حُكْمُ هذهِ المسألةِ، فمَنْ كانَ سحْرُهُ بواسطةِ الشياطينِ فإنَّهُ يكفرُ؛ لأنَّهُ لا يتأتَّى ذلكَ إلاَّ بالشركِ غالبًا؛ لقوْلِهِ تعالى:
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ...} إلى قوْلِهِ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ).
ومَنْ كانَ سحرُهُ بالأدويةِ والعقاقيرِ ونحوِها فلا يكفْرُ، ولكنْ يُعْتَبَرُ عاصيًا معتديًا.
وأمَّا قَتْلُ الساحرِ، فإنْ كانَ سحْرُهُ كُفْرًا قُتِلَ قَتْلَ رِدَّةٍ إلاَّ أنْ يتوبَ، على القولِ بقبولِ توْبَتِهِ، وهوَ الصحيحُ.
وإنْ كانَ سحرُهُ دونَ الكفرِ قُتِلَ قَتْلَ الصَّائِلِ، أيْ: قُتِلَ لدفعِ أذاهُ وفسادِهِ في الأرضِ. على هذا يُرْجَعُ في قَتْلِهِ إلى اجتهادِ الإمامِ.
وظاهرُ النصوصِ التي ذكرَها
المُؤَلِّفُ أنَّهُ يُقْتَلُ بكلِّ حالٍ، فالمُهِمُّ أنَّ السِّحْرَ يُؤَثِّرُ بلا شكٍّ، لكنَّهُ لا يُؤَثِّرُ بقلْبِ الأعيانِ إلى أعيانٍ أخرى؛ لأنَّهُ لا يَقْدِرُ على ذلكَ إلاَّ اللهُ عزَّ وجلَّ، وإنَّما يُخَيَّلُ للمسحورِ أنَّ هذا الشيءَ انقلبَ، وهذا الشيءَ تحرَّكَ أوْ مَشَى، وما أشبَهَ ذلكَ، كما جرى لموسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ أمامَ سحَرةِ آلِ فرعونَ، حيثُ كانَ يُخَيَّلُ إليهِ منْ سِحْرِهم أنَّها تسعى.

إذا قالَ قائلٌ:
ما وجهُ إدخالِ بابِ السحرِ في كتابِ التوحيدِ؟


نقولُ:
مناسبةُ البابِ لكتابِ التوحيدِ:

لأنَّ مِنْ أقسامِ السحرِ ما لا يتأَتَّي غالبًا إلاَّ بالشركِ،
فالشياطينُ لا تخْدِمُ الإنسانَ غالبًا إلاَّ لمصلحةٍ، ومعلومٌ أنَّ مصلحةَ الشيطانِ أنْ يغْوِيَ بني آدمَ فيُدْخِلَهم في الشركِ والمعاصي.

(2)
وقدْ ذكرَ المُؤَلِّفُ في البابِ آيتيْنِ:

الآيةُ الأولى: قوْلُهُ تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا}، ضميرُ الفاعلِ يعودُ على مُتَعَلِّمِي السحرِ، والجملةُ مُؤَكَّدَةٌ بالقسمِ المُقَدَّرِ واللامِ وقدْ.
ومعنى
{اشْتَرَاهُ} أيْ: تعلَّمَهُ.
قولُهُ:
{مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} أيْ: ما لهُ منْ نصيبٍ، وكلُّ مَنْ ليسَ لهُ في الآخرةِ منْ خَلاقٍ فمقتضاهُ أنَّ عمَلَهُ حابطٌ باطلٌ، لكنْ إمَّا أنْ ينتفِيَ النصيبُ انتفاءً كُلِّيًّا فيكونَ العملُ كُفْرًا، أوْ ينتفيَ كمالُ النصيبِ فيكونَ فسقًا.
قال في
(تيسير العزيز الحميد) ص393: (قوله (عن جندب) الصحيح أنه جندب الخير، لا جندب بن عبد الله البجلي، وصوَّبه ابن حجر).

وأخرج
البخاري
في (تأريخه): (أنه كان عند الوليد رجل يلعب، فذبح إنساناً فأبان رأسه، فعجبنا فأعاده؛ فجاء جندب الأزدي فقتله).

وزاد
البيهقي
: (إن كان صادقاً فليحيي نفسه).
قتل جندب يوم صفين رضي الله عنه.

(3)
الآيةُ الثانيةُ:
قَوْلُهُ تعالى: {يُؤْمِنُونَ} أي: اليهودُ، {بِالْجِبْتِ} أي: السحْرِ، كما فسَّرَهَا عمرُ بنُ الخطَّابِ.

واليهودُ كانوا منْ أكثرِ الناسِ تعلُّمًا للسحرِ وممارسةً لهُ، ويدَّعُونَ أنَّ
سليمانَ عليهِ السلامُ علَّمَهُم إيَّاهُ، وقد اعتَدَوْا فسَحَرُوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
قولُهُ:
{الطَّاغُوتِ} أجمَعُ ما قيلَ فيهِ: هوَ ما تَجاوَزَ بهِ العبدُ حَدَّهُ منْ معبودٍ، أوْ متبوعٍ، أوْ مُطاعٍ.
ومعنى
{مِنْ مَعْبودٍ} أيْ: (بعِلْمِهِ ورضاهُ) هكذا قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ.
الشاهدُ: قولُهُ: {بِالْجِبْتِ} حيثُ فسَّرها أميرُ المؤمنينَ عُمرُ رضيَ اللهُ عنهُ بأنَّها (السِّحرُ) وأمَّا تفسيرُهُ الطاغوتَ بالشيطانِ فإنَّهُ منْ بابِ التفسيرِ بالمثالِ.
فتفسيرُ
عُمرَ رضيَ اللهُ عنهُ للطاغوتِ بالشيطانِ تفسيرٌ بالمثالِ؛ لأنَّ الطاغوتَ أعمُّ من الشيطانِ، فالأصنامُ تُعْتَبَرُ من الطواغيتِ، كما قالَ تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} والعلماءُ والأُمَرَاءُ الذينَ يُضِلُّونَ الناسَ يُعْتَبَرُونَ طواغيتَ؛ لأنَّهُم طَغَوْا وزادوا وفعلوا ما ليسَ لهم بهِ حقٌّ.

(4)
قولُهُ: (الطَّواغيتُ كُهَّانٌ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِم الشَّيْطانُ، فِي كُلِّ حَيٍّ واحِدٌ) هذا أيضًا منْ بابِ التفسيرِ بالمثالِ، حيثُ إنَّهُ جعلَ منْ جُمْلَةِ الطواغيتِ الكُهَّانَ.
والكاهنُ قيلَ:
هوَ الذي يُخْبِرُ عمَّا في الضميرِ.

وقيلَ:
الذي يُخْبِرُ عن المُغَيَّبَاتِ في المستقبلِ.

وكانَ هؤلاءِ الكُهَّانُ تنزلُ عليهم الشياطينُ بما اسْتَرَقُوا من السَّمْعِ من السماءِ، وكان كلُّ حيٍّ منْ أحياءِ العربِ لهم كاهنٌ يستخدمُ الشياطينَ، فَتَسْتَرِقُ لهُ السمعَ فتأتي بخبرِ السماءِ إليهِ، وكانوا يتحاكَمُونَ إليهم في الجاهليَّةِ، والطواغيتُ ليْسُوا محصورينَ في هؤلاءِ، فتفسيرُ
جابرٍ رضيَ اللهُ عنهُ تفسيرٌ بالمثالِ كتفسيرِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُ.

(5)
قولُهُ:
((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)) النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْصَحُ الخَلْقِ للخَلْقِ، فكلُّ شيءٍ يضرُّ الناسَ في دينِهم ودُنْيَاهُم يُحَذِّرُهُم منهُ، ولهذا قالَ: ((اجْتَنِبُوا)).
وهيَ أبْلَغُ منْ قوْلِهِ: اتْرُكُوا؛ لأنَّ الاجتنابَ معناهُ أنْ تكونَ في جانبٍ وهيَ في جانبٍ آخرَ، وهذا يستلزمُ البُعْدَ عنها.
و
((اجْتَنِبُوا)) أي: اترُكوا، بلْ أَشَدُّ منْ مُجَرَّدِ الترْكِ؛ لأنَّ الإنسانَ قدْ يتْرُكُ الشيءَ وهو قريبٌ منهُ، فإذا قيلَ: اجتَنِبْهُ، يعني: اتْرُكْهُ معَ البُعْدِ.
وقولُهُ:
((السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)) هذا لا يقتضي الحصْرَ؛ فإنَّ هناكَ موبقاتٍ أُخْرَى، ولكنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يحْصُرُ أحيانًا بعضَ الأنواعِ والأجناسِ، ولا يعني بذلكَ عدمَ وجودِ غَيْرِها.
ومنْ ذلكَ حديثُ:
((السَّبعةِ الَّذينَ يُظِلُّهُم اللهُ فِي ظلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ)) فهناكَ غيرُهم، ومثلُهُ: ((ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وأمثلةُ هذا كثيرةٌ.
وإنْ قُلْنَا بدلالةِ حديثِ
أبي هُرَيْرَةَ في البابِ على الحَصْرِ لكونِهِ وقعَ بِـ((أَل)) المُعَرِّفَةِ، فإنَّهُ حصَرَها؛ لأنَّ هذهِ أعظمُ الكبائرِ.

(6)
قولُهُ: (قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَما هُنَّ؟) كانَ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم أحرصَ الناسِ على العلمِ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا ألْقَى إليهم الشيءَ مُبْهَمًا طَلَبُوا تفسيرَهُ وتبْيِينَهُ، فلَمَّا حذَّرَهُم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من السبعِ الموبقاتِ قالوا ذلكَ؛ لأجْلِ أنْ يجْتَنِبُوهُنَّ، فأخْبَرَهم.
وقولُهُ:
((الْمُوبِقَاتِ)) أي: الْمُهْلِكاتِ، قالَ تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} أيْ: مكانَ هلاكٍ.
وقولُهُ: (قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَما هُنَّ؟) سألوا عنْ تبْيِينِها، وبهِ تتَبَيَّنُ الفائدةُ من الإجمالِ، وهيَ أنْ يتطَلَّعَ المُخَاطَبُ لبيانِ هذا المُجْمَلِ؛ لأنَّهُ إذا جاءَ مُبَيَّنًا منْ أوَّلِ وَهْلَةٍ لم يكُنْ لهُ التَّلَقِّي والقبولُ كما إذا أُجْمِلَ ثمَّ بُيِّنَ.
قوْلُهُ: (وَمَا هُنَّ؟) (ما) اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، و(هنَّ) خبرُ المبتدأِ.
وقيلَ بالعكسِ: (ما) خبرٌ مُقَدَّمٌ وجوبًا؛ لأنَّ الاستفهامَ لهُ الصدارةُ. و(هُنَّ) مبتدأٌ مؤخرٌ؛ لأنَّ (هنَّ) ضميرٌ مَعْرِفةٌ و(ما) نكرَةٌ، والقاعدةُ المُتَّبَعَةُ أنَّهُ يُخْبَرُ بالنكرةِ عن المعرفةِ ولا عَكْسَ.

(7)
قولُهُ: (قالَ:
((الشركُ باللهِ))) قدَّمَهُ؛ لأنَّهُ أعظمُ الموبقاتِ؛ فإنَّ أعظَمَ الذنوبِ أنْ تجْعَلَ للهِ نِدًّا وهوَ خَلَقَكَ.
والشركُ باللهِ يتناولُ
الشركَ برُبُوبِيَّتِهِ، أوْ أُلُوهِيَّتِهِ، أوْ أسمائِهِ، أوْ صفاتِهِ.

فمَن اعتقدَ أنَّ معَ اللهِ خالِقًا أوْ مُعِينًا فهوَ مُشْرِكٌ، أوْ أنَّ أحدًا سوى اللهِ يسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ فهوَ مشركٌ، وإنْ لمْ يَعْبُدْهُ، فإنْ عَبَدَهُ فهوَ أعظمُ، أوْ أنَّ للهِ مثيلاً في أسمائِهِ فهوَ مشركٌ، أوْ أنَّ اللهَ استوى على العرشِ كاستواءِ المَلِكِ على عَرْشِ مملكتِهِ فهوَ مشركٌ، أوْ أنَّ اللهَ ينزلُ إلى السماءِ الدنيا كنزولِ الإنسانِ إلى أسفلِ بيْتِهِ منْ أعلى فهوَ مشركٌ.
-
قالَ تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.

-
وقالَ تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
وبَيَّنَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ الشركَ أعظمُ ما يكونُ من الجنايةِ والجُرْمِ بقوْلِهِ حينَ سُئِلَ: أيُّ الذنبِ أعظمُ؟:
((أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)).
فالَّذِي خلقَكَ وأوْجَدَكَ وأمَدَّكَ وأعدَّكَ ورزقَكَ كيفَ تجعلُ لهُ ندًّا؟
فلوْ أنَّ أحدًا من الناسِ أحسنَ إليكَ بما دونَ ذلكَ فجعَلْتَ لهُ نظيرًا، لكانَ هذا الأمرُ بالنسبةِ إليهِ كُفْرًا وجُحُودًا.

(8)
قولُهُ:
((والسِّحْرُ)) أيْ: من الموبِقاتِ. وظاهرُ كلامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ لا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ ذلكَ بواسطةِ الشياطينِ أوْ بواسطةِ الأدويةِ والعقاقيرِ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ بواسطةِ الشياطينِ فالَّذِي لا يأتي إلاَّ بالإشراكِ بهم فهوَ داخلٌ في الشركِ باللهِ.
وإنْ كانَ دونَ ذلكَ فهوَ أيضًا جُرْمٌ عظيمٌ؛ لأنَّ السحرَ منْ أعظمِ ما يكونُ في الجنايةِ على بني
آدمَ، فهوَ يُفْسِدُ على المسحورِ أمْرَ دينِهِ ودُنْياهُ، ويُقْلِقُهُ فيُصْبِحُ كالبهائمِ، بلْ أسوأَ منْ ذلكَ؛ لأنَّ البهيمةَ خُلِقَتْ هكذا على طبيعتِها، أمَّا الآدميُّ فإنَّهُ إذا صُرِفَ عنْ طبيعتِهِ وفِطْرَتِهِ لَحِقَهُ من الضيقِ والقلقِ ما لا يعلمُهُ إلاَّ ربُّ العبادِ، ولهذا كانَ السحرُ يلي الشركَ باللهِ عزَّ وجلَّ.

(9)
قولُهُ:
((وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالْحَقِّ))القتلُ: إزْهَاقُ الرُّوحِ، والمرادُ بالنفسِ البدنُ الذي فيهِ الروحُ، والمرادُ بالنفسِ هنا نفسُ الآدميِّ، وليسَ نفسَ البعيرِ والحمارِ وما أشْبَهَها.
وقولُهُ:
((الَّتي حَرَّمَ اللهُ)) مفعولُ ((حَرَّمَ)) محذوفٌ تقديرُهُ حَرَّمَ قتْلَها، فالعائدُ على الموصولِ محذوفٌ.
وقولُهُ:
((إلاَّ بِالْحَقِّ)) أيْ: بالعَدْلِ؛ لأنَّ هذا حُكْمٌ، والحقُّ إذا ذُكِرَ بإزاءِ الأحكامِ فالمرادُ بهِ العدلُ، وإنْ ذُكِرَ بإزاءِ الأخبارِ فالمرادُ بهِ الصدقُ، والعدلُ هوَ ما أمرَ اللهُ بهِ ورسولُهُ، قالَ تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}.
وقولُهُ:
((إلاَّ بِالْحَقِّ)) أيْ: ممَّا يُوجِبُ القتلَ، مثلَ: الثَّيِّبِ الزانِي، والنفسِ بالنفسِ، والتاركِ لدينِهِ المفارقِ للجماعةِ.

(10)
قولُهُ:
((وَأَكْلُ الرِّبَا))الرِّبَا في اللغةِ:الزيادةُ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} يعني: زَادَتْ.

وفي الشرعِ:
تفاضُلٌ في عَقْدٍ بينَ أشياءَ يجبُ فيها التساوي، ونَسْأٌ في عَقْدٍ بينَ أشياءَ يجبُ فيها التقابُضُ.

(11)
قولُهُ:
((وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ))اليتيمُ: هوَ الذي ماتَ أبُوهُ قبلَ بُلُوغِهِ سواءٌ كانَ ذكرًا أمْ أُنْثَى.

أمَّا مَنْ ماتتْ أمُّهُ قبلَ بُلُوغِهِ فليسَ يتيمًا لا شرْعًا ولا لُغَةً؛ لأنَّ اليتيمَ مأخوذٌ من اليُتْمِ، وهوَ الانفرادُ، أي: انفردَ عن الكاسِبِ لهُ؛ لأنَّهُ أباهُ هوَ الذي يكْسِبُ لهُ.
وخصَّ اليتيمَ لأنَّهُ لا أحدَ يُدَافعُ عنهُ؛
ولأنَّهُ أوْلَى أنْ يُرْحَمَ، ولهذا جعلَ اللهُ لهُ حقًّا في الفَيْءِ، وإذا كانَ أحقَّ أنْ يُرْحَمَ؛ فكيفَ يسْطُو هذا الرجلُ الظالمُ على مالِهِ فيأْكُلُهُ؟

(12)
قولُهُ:
((وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ)) التوَلِّي بمعنى الإدْبَارِ والإعراضِ، ويومُ الزحفِ أيْ: يومُ تلاحُمِ الصفَّيْنِ في القتالِ معَ الكُفَّارِ، وسُمِّيَ يومَ الزحفِ؛ لأنَّ الجُمُوعَ إذا تقَابَلَتْ تجِدُ أنَّ بعضَها يزحفُ إلى بعضٍ، كالذي يمْشِي زحفًا، كلُّ واحدٍ منهم يَهابُ الآخرَ فيمشي رُوَيْدًا رُوَيْدًا.

والتوَلِّي يومَ الزحفِ منْ كبائرِ الذنوبِ؛
لأنَّهُ يتضَمَّنُ الإعراضَ عن الجهادِ في سبيلِ اللهِ، وكَسْرَ قلوبِ المسلمينَ، وتقويةَ أعداءِ اللهِ، وهذا يُؤَدِّي إلى هزيمةِ المسلمينَ.
لكنَّ هذا الحديثَ خصَّصَتْهُ الآيةُ، وهيَ قولُهُ تعالى:
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ}.

(13)
قولُهُ:
((وَقَذْفُ الْمُحْصَناتِ))القذفُ: بمعنى الرَّمْيِ، والمرادُ بهِ هنا الرميُ بالزِّنَا، والمحصناتُ هنا الحرائرُ، وهوَ الصحيحُ.

وقيلَ:
العَفِيفَاتُ عن الزِّنا.

((الغافلاتِ)) وهنَّ: العفيفاتُ عن الزنا، البعيداتُ عنهُ اللاَّتِي لا يخْطُرُ على بالِهِنَّ هذا الأمرُ.

الشاهدُ منْ هذا الحديثِ قولُهُ: ((السِّحْرُ)).
قال في
(تيسير العزيز الحميد) (394): (هذا الأثر رواه البخاري كما ذكرها المصنف، لكنه لم يذكر قتل السحرة، ولعل المصنف أراد أن أصله في البخاري لا لفظه، ورواه الترمذي والنسائي مختصراً، ورواه عبد الرزاق وأحمد وأبو داود مطولاً) .

(14)
قولُهُ: (وعَنْ
جُنْدُبٍ) ليسَ هوَ جُنْدُبَ بنَ عبدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ، بلْ جُنْدُبَ الخيرِ المعروفَ بقاتلِ الساحرِ.
قولُهُ: (مَرْفُوعًا) أيْ: إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيكونُ منْ قولِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، لكنْ نقلَ المؤلِّفُ عن
الترمذيِّ قوْلَهُ: (والصحيحُ أنَّهُ موقوفٌ) أيْ: منْ قولِ جُنْدُبٍ.

(15)
قولُهُ:
((حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ)) حدُّهُ: عُقُوبتُهُ المُحَدَّدَةُ شرْعًا، وظاهرُهُ: أنَّهُ لا يكْفُرُ؛ لأنَّ الحدودَ تُطَهِّرُ المحدودَ من الإثمِ، والكافرُ إذا قُتِلَ على رِدَّتِهِ فالقتلُ لا يُطَهِّرُهُ.
وهذا محمولٌ على ما سبقَ، أنَّ منْ أقسامِ السِّحرِ ما لا يُخْرِجُ الإنسانَ عنِ الإسلامِ، وهو ما كانَ بالأدويةِ والعقاقيرِ التي تُوجِبُ الصرفَ والعطفَ وما أشبَهَ ذلكَ.
قولُهُ: (ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ) رُوِيَ بالتاءِ بعدَ الباءِ، ورُوِيَ بالهاءِ، وكِلاهُما صحيحٌ، لكنَّ الأُولَى أبلغُ؛ لأنَّ التنكيرَ وصيغةَ الْوَحْدَةِ يدُلاَّنِ على أنَّها ضربةٌ قويَّةٌ قاضيةٌ، هذا كنايةٌ عن القتلِ، وليسَ معناهُ أنْ يُضْرَبَ بالسيفِ معَ كونِ ظهرِهِ مُصَفَّحًا.

(16)
قولُهُ: (وَفِي (صَحِيحِ البُخاريِّ
)) ذَكَرَ في الشرحِ - أعني (تيسيرَ العزيزِ الحميدِ) - أنَّ هذا اللفظَ ليسَ في (البخاريِّ) والذي في (البخاريِّ) أنَّهُ: (أَمَرَ بَأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مِن الْمَجُوسِ) لأنَّهُم يُجَوِّزُونَ نكاحَ المحارمِ والعياذُ باللهِ، فأمرَ عُمَرُ أنْ يُفَرَّقَ بينَ ذويِ الرحمِ ورَحِمِهِ، لكنْ ذكرَ الشارحُ، صاحبُ (تيسيرِ العزيزِ الحميدِ)، أنَّ الْقَطِيعِيَّ رواهُ في الجزءِ الثاني منْ (فوائِدِهِ)، وفيهِ: (ثُمَّ اقْتُلُوا كُلَّ كَاهِنٍ وَسَاحِرٍ).
وقالَ، أي: الشارحُ:
(إسنادُهُ حَسَنٌ) قالَ: وعلى هذا فعَزْوُ المصنِّفِ إلى (البخاريِّ) يَحْتَمِلُ أنَّهُ أرادَ أصْلَهُ لا لَفْظَهُ. ا هـ.
قال
ابن عطية: (الخَلاق في أصله الحظ والنصيب؛ إلا أنه في الآية بمعنى الجاه والقدر).
وهذا القتلُ هلْ هوَ حدٌّ أمْ قتْلُهُ لكُفْرِهِ؟
يحْتَمِلُ هذا وهذا؛ بناءً على التفصيلِ السابقِ في كُفْرِ الساحرِ، ولكنْ بناءً على ما سبقَ من التفصيلِ نقولُ:
مَنْ خرجَ بهِ السِّحرُ إلى الكفرِ فقَتْلُهُ قتلُ رِدَّةٍ، ومَنْ لمْ يَخْرُجْ بهِ السحرُ إلى الكفرِ فقتْلُهُ منْ بابِ دفعِ الصائلِ، يَجِبُ تنفيذُهُ حيثُ يراهُ الإمامُ.
والحاصلُ: أنَّهُ يجبُ أنْ نَقْتُلَ السحرةَ سواءٌ قُلْنَا بكفرِهم أمْ لمْ نَقُلْ؛ لأنَّهُم يُمْرِضُونَ ويَقْتُلُونَ؛ ويُفَرِّقُونَ بينَ المرءِ وزوجِهِ، وكذلكَ بالعكسِ، فقدْ يعْطِفُونَ فيُؤَلِّفُونَ بينَ الأعداءِ ويتوَصَّلُونَ إلى أغراضِهم، فإنَّ بعضَهم قدْ يَسْحَرُ أحدًا ليَعْطِفَهُ إليهِ وينالَ مَأْرَبَهُ منهُ، كما لوْ سحرَ امرأةً ليبغيَ بها؛ ولأنَّهُم كانوا يسْعَوْنَ في الأرضِ فسادًا فكانَ واجبًا على وليِّ الأمرِ قتْلُهم بدونِ استتابةٍ ما دامَ أنَّهُ لدفعِ ضررِهم وفظاعةِ أمرِهِم، فإنَّ الحدَّ لا يُسْتَتَابُ صاحبُهُ، متى قُبِضَ عليهِ وَجَبَ أنْ يُنَفَّذَ فيهِ الحدُّ.

(17)
قولُهُ: (قالَ
أَحْمَدُ: عَنْ ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهم: عمرُ، وحَفْصَةُ، وجُنْدُبُ الخيرِ، أيْ: صحَّ قتلُ الساحرِ عنْ ثلاثةٍ منْ أصحابِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

والقولُ بقتلِهِم موافقٌ للقواعدِ الشرعيَّةِ؛
لأنَّهُم يسْعَوْنَ في الأرضِ فسادًا، وفسادُهم منْ أعظمِ الفسادِ، فقتلُهم واجبٌ على الإمامِ، ولا يجوزُ للإمامِ أنْ يتخَلَّفَ عنْ قتلِهم؛ لأنَّ مثلَ هؤلاءِ إذا تُرِكوا وشأْنَهُم انتشرَ فسادُهم في أرضِهم وفي أرضِ غيرِهم؛ وإذا قُتِلُوا سَلِمَ الناسُ مِنْ شرِّهم؛ وارْتَدَعَ الناسُ عنْ تعاطي السحرِ.

(18)
فِيهِ مَسائِلُ:

الأُولى: ((تَفْسِيرُ آيةِ البَقَرَةِ)) وهيَ قولُهُ تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} أيْ: نصيبٍ، ومَنْ لا خلاقَ لهُ في الآخرةِ فإنَّهُ كافرٌ؛ إذْ كُلُّ مَنْ لهُ نصيبٌ في الآخرةِ فإنَّ مآلَهُ إلى الجَنَّةِ.

(19)
الثانيةُ:
((تَفْسيرُ آيةِ النِّساءِ)) وهيَ قولُهُ تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}، وفسَّرَ عُمرُ الجبتَ بالسحرِ وبأنَّ الطاغوتَ الشيطانُ، وفُسِّرَ بأنَّ الجِبْتَ: كلُّ ما لا خيرَ فيهِ من السحرِ وغيْرِهِ.

وأمَّا الطاغوتُ فهوَ: كلُّ ما تجاوزَ بهِ الإنسانُ حدَّهُ منْ معبودٍ أوْ متبوعٍ أوْ مُطَاعٍ.

(20)
الثالثةُ: ((تَفْسِيرُ الْجِبْتِ والطَّاغُوتِ والفَرْقُ بَيْنَهُمَا))
وهذا بناءً على تفسيرِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُ.

(21)
الرَّابِعَةُ: ((أَنَّ الطاغوتَ قَدْ يَكُونُ مِن الْجِنَّ وَقَدْ يَكُونُ مِن الإنْسِ))
تُؤْخَذُ منْ قولِ جابرٍ: (الطواغيتُ كُهَّانٌ).

وكذلكَ:
قولُ عمرَ: (الطاغوتُ الشيطانُ) فإنَّ الطاغوتَ إذا أُطْلِقَ فالمرادُ بهِ: شيطانُ الجنِّ، والكُهَّانُ شياطينُ الإنسِ.

(22)
الخامِسَةُ:((مَعْرِفَةُ السَّبْعِ الْمُوبِقاتِ الْمَخْصوصاتِ بالنَّهْيِ))
وقدْ سبقَ بيانُها.

(23)
السَّادِسَةُ: ((أنَّ السَّاحِرَ يَكْفُرُ))
.
تُؤْخَذُ منْ قولِهِ تعالى:
{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ...} الآيةَ.

(24)
السَّابِعَةُ: ((أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلا يُسْتَتَابُ))
يُؤْخَذُ منْ قولِهِ: (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بالسَّيفِ).
والحدُّ إذا بلغَ الإمامَ لا يُسْتَتَابُ صاحبُهُ، بلْ يُقْتَلُ بكلِّ حالٍ، أمَّا الكفرُ فإنَّهُ يستتابُ صاحبُهُ، وهذا هوَ الفرقُ بينَ الحدِّ وبينَ عقوبةِ الكفرِ، وبهذا نعرفُ خطأَ مَنْ أدخلَ حُكْمَ المُرْتَدِّ في الحدودِ، وذَكَرُوا من الحدودِ قتْلَ الرِّدَّةِ.

فقتْلُ المرْتَدِّ ليسَ من الحدودِ؛
لأنَّهُ يُسْتَتَابُ، فإذا تابَ ارتفعَ عنهُ القتلُ، وأمَّا الحدودُ فلا تَرْتَفِعُ بالتوبةِ إلاَّ أنْ يتُوبَ قبلَ القُدْرَةِ عليهِ، ثمَّ إنَّ الحدودَ كفَّارةٌ لصاحبِها وليسَ بكَافِرٍ، والقتلَ بالرِّدَّةِ ليسَ كفَّارةً، وصاحبُها كافرٌ لا يُصَلَّى عليهِ ولا يُغَسَّلُ ولا يُدْفَنُ في مقابرِ المسلمينَ.

(25)
الثامنةُ: ((وُجودُ هَذا فِي الْمُسْلِمينَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ))
فَكَيْفَ بَعْدَهُ؟
تُؤْخَذُ منْ قوْلِهِ: (كَتَبَ
عُمرُ أن اقْتُلُوا كلَّ سَاحِرٍ وسَاحِرَةٍ) فهذا إذا كانَ في زمنِ الخليفةِ الثاني في القرونِ المُفَضَّلَةِ، بلْ أفْضَلِها، فكيفَ بعدَهُ من العصورِ التي بَعُدَتْ عنْ وقتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وخلفائِهِ وأصحابِهِ، فهوَ أكثرُ انتشارًا بينَ المسلمينَ.

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir