دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 02:41 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَخَافُ زِنًا بِتَرْكِهِ،........
قوله: «ويجب على من يخاف زناً بتركه» ، هذا هو الحكم الثاني للنكاح، وهو الوجوب على من يخاف زنا بتركه؛ وذلك لشدة شهوته، ولتيسر الزنا في بلده؛ لأن الإنسان ربما تشتد به الشهوة ويخشى أن يزني، لكن لا يتيسر له؛ لأن البلد محفوظ، لكن مراده إذا اشتدت شهوته في بلد يتيسر فيه الزنا، أما إذا لم يتيسر فهو وإن اشتدت به الشهوة لا يمكن أن يزني، فإذا خاف الزنا لوجود أسبابه وانتفاء موانعه، صار النكاح في حقه واجباً دفعاً لهذه المفسدة؛ لأن ترك الزنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال بعض أهل العلم: إنه واجب مطلقاً، وأن الأصل فيه الوجوب؛ لأن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) ، اللام للأمر، والأصل في الأمر الوجوب، إلا أن يوجد ما يصرفه عن الوجوب، ولأن تركه مع القدرة عليه فيه تشبه بالنصارى الذين يعزفون عن النكاح رهبانيةً، والتشبه بغير المسلمين محرم، ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة واندفاع المفاسد الكثيرة، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ولكن لا بد من شرط على هذا القول وهو الاستطاعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قيد ذلك بالاستطاعة فقال: ((من استطاع منكم الباءة)) ، ولأن القاعدة العامة في كل واجب أن من شرطه الاستطاعة.
والقول بالوجوب عندي أقرب، وأن الإنسان الذي له شهوة، ويستطيع أن يتزوج فإنه يجب عليه النكاح، ولكن المشهور من المذهب هو ما ذكره المؤلف.
ومتى يباح؟ يباح لمن لا شهوة له إذا كان غنياً؛ لأنه ليس هناك سبب يوجب، ولكن من أجل مصالح الزوجة بالإنفاق عليها وغير ذلك.
فإن قصد بذلك إعفاف الزوجة وتحصين الفرج كان مسنوناً لمصلحة الآخرين، وهكذا المباحات إذا كانت وسيلة للمحبوبات صارت محبوبة ومطلوبة.
ومتى يكره؟ يكره لفقير لا شهوة له؛ لأنه حينئذٍ ليس به حاجة، ويُحَمِّل نفسه متاعب كثيرة، فإن كانت المرأة غنية لا يهمها أن ينفق أو لا ينفق، فالنكاح في حقه سنة.
ومتى يحرم؟ قالوا: يحرم بدار حرب، إذا صار الإنسان في دار الكفار يقاتل في سبيل الله، فإنه لا يجوز أن يتزوج؛ لأنه يخشى على عائلته في هذه الدار، ومن ذلك إذا كان الإنسان معه زوجة وخاف إذا تزوج ثانية ألا يعدل، فالنكاح حرام لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] ، فأمر الله ـ تعالى ـ بالاقتصار على الواحدة إذا خفنا عدم العدل، ويستحب فيما عدا ذلك؛ لأنه هو الأصل.
فإذا قلنا: إن الأصل فيه الوجوب وهو القول الثاني، فإننا نجعل الأصل هو الواجب، ونقول: يستحب لإنسان ليس له شهوة ولكن عنده مال ويريد أن ينفع الزوجة، ولكن المذهب أنه تجري فيه الأحكام الخمسة، وفي هذه الحال التي ذكرنا لا يجب وإنما يباح.
وينبغي لمن تزوج ألا يقصد قضاء الشهوة فقط، كما هو مراد أكثر الناس اليوم، إنما ينبغي له أن يقصد بهذا التالي:
أولاً: امتثال أمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) [(1)].
ثانياً: تكثير نسل الأمة؛ لأن تكثير نسل الأمة من الأمور المحبوبة إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ[(2)]، ولأن تكثير نسل الأمة سبب لقوتها وعزتها، ولهذا قال شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86]، وامتن الله به على بني إسرائيل في قوله: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6] .
ثالثاً: تحصين فرجه وفرج زوجته، وغض بصره وبصر زوجته، ثم يأتي بعد ذلك قضاء الشهوة.
ثم انتقل المؤلف -رحمه الله- من بيان حكم النكاح إلى بيان من تنكح كَمًّا وكيفاً، أما الكم، فقال:

وَيُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ،.............
«ويسن نكاح واحدة» يعني لا أكثر، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فمن العلماء من قال: إنه ينبغي أن يتزوج أكثر من واحدة، ما دام عنده قدرة مالية وطاقة بدنية، بحيث يقوم بواجبهن فإن الأفضل أن يتزوج أكثر؛ تحصيلاً لمصالح النكاح، والمفاسد التي تتوقع تنغمر في جانب المصالح، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده عدة نساء، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: خير هذه الأمة أكثرها نساء[(3)]، لكن من المعلوم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعدد الزوجات من أجل قضاء الوطر، وإنما من أجل المصلحة العامة؛ حتى يكون له في كل قبيلة صلة، فتكون كل قبائل العرب لها صلة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن المصاهرة قسيم النسب، وعديل النسب، عَادَلَ الله بينهما في قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] ، ومن جهة أخرى أن رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد أن يكثر الأخذ عنه في الأعمال الخفية التي لا تكون إلا في البيوت، فزوجاته تأخذن عنه، ولهذا كان كثير من السنن التي لا يعلنها الرسول صلّى الله عليه وسلّم تؤخذ من زوجاته ـ رضي الله عنهن ـ، وكذلك تحصين فروجهن، وجبر قلوبهن، كقضية صفية بنت حيي ـ رضي الله عنها ـ، وكانت أسيرة في غزوة خيبر، وأبوها سيد بني النضير، ومعلوم أن امرأة بنتاً لسيد بني النضير تؤخذ أسيرة سوف ينكسر قلبها، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجبر قلبها فتزوجها[(4)]، ولو كان يريد أن يقضي الوطر، ما كانت زوجاته كلهن ثيبات إلا واحدة؛ لأن البكر بدون شك أحسن من الثيب، حتى قال صلّى الله عليه وسلّم لجابر رضي الله عنه: ((هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها)) [(5)]، فعلى كل حال نقول: التعدد خير لما فيه من المصالح، ولكن بالشرط الذي ذكره الله عزّ وجل، وهو أن يكون الإنسان قادراً على العدل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن أن يقتصر على واحدة، وعلل ذلك بأنه أسلم للذمة من الجَوْرِ؛ لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهما، ولأنه أقرب إلى منع تشتت الأسرة، فإنه إذا كان له أكثر من امرأة تشتت الأسرة، فيكون أولاد لهذه المرأة، وأولاد لهذه المرأة، وربما يحصل بينهم تنافر بناء على التنافر الذي بين الأمهات، كما هو مشاهد في بعض الأحيان، ولأنه أقرب إلى القيام بواجبها من النفقة وغيرها، وأهون على المرء من مراعاة العدل، فإن مراعاة العدل أمر عظيم، يحتاج إلى معاناة، وهذا هو المشهور من المذهب.
فإن قال قائل: قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ} [النساء: 3] ألا يرجح قولَ من يقول بأن التعدد أفضل؟ لأنه قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل، وهذا يقتضي أنه إذا كان يتمكن من العدل فإن الأفضل أن ينكح أربعاً؟
قلنا: نعم، قد استدل بهذه الآية من يرى التعدد، وقال: وجه الدلالة أن الله تعالى يقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل.
ولكن عند التأمل لا نجد فيها دلالة على هذا؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] كأنه يقول: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى اللاتي عندكم، فإن الباب مفتوح أمامكم إلى أربع، وقد كان الرجل تكون عنده اليتيمة بنت عمه أو نحو ذلك، فيجور عليها، ويجعلها لنفسه، ويخطبها الناس ولا يزوجها، فقال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[(6)]، أي: اتركوهن والباب أمامكم مفتوح لكم، إلا أنه لا يمكن أن تتزوجوا أكثر من واحدة إذا كان في حال خوف عدم العدل، فيكون المعنى هنا بيان الإباحة لا الترغيب في التعدد.
وعلى هذا فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس.
دَيِّنَةٍ،............
قوله: «ديِّنَةٍ» ، أي: صاحبة دين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) [(7)]. فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتصلح من يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله وتحفظ بيته، بخلاف غير الدينة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((فاظفر بذات الدين)) ، فإذا اجتمع مع الدين جمال ومال وحسب فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة.
فلو اجتمع عند المرء امرأتان: إحداهما جميلة وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
لكن أحياناً بعض الناس يكون مولعاً بالجمال، وإذا علم أن هناك امرأة جميلة، لا تطيب نفسه بنكاح من دونها في الجمال، ولو كانت أدين، فهل نقول: إنك تكره نفسك على هذه دون هذه وإن لم ترتح إليها؟ أو نقول: خذ من ترتاح لها ما دامت غير فاجرة ولا فاسقة؟
الظاهر الثاني، إلا إذا كانت غير دينة، بمعنى أنها فاسقة، فهذه لا ينبغي أن يأخذها، إلا في مسألة الفجور والزنا فلا تحل، وقد يقول بعض الناس: أتزوج امرأة غير دينة لعل الله أن يهديها على يدي، ونقول له: نحن لا نكلف بالمستقبل، فالمستقبل لا ندري عنه، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله على يدك، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها.
وكذلك بالعكس بعض الناس يخطب منهم الرجل الفاسق، لكن يقولون: لعل الله أن يهديه، وأقبح من ذلك أن يعرف بعدم الصلاة فيقولون: لعل الله أن يهديه، فنقول: نحن لا نكلف بالمستقبل، لكن نكلف بما بين أيدينا، بالحاضر، فلعل هذا الرجل الذي ظننت أن يستقيم لعله يعوج ابنتكم ويضلها؛ لأن الرجل له سيطرة على المرأة، وكم من امرأة ملتزمة تزوجت شخصاً تظن أنه دين فيتبين أنه غير دين، فتتعب معه التعب العظيم، ونحن دائماً يشكى إلينا هذا الأمر من النساء، حتى تود أن تفر بدينها من هذا الرجل، ولو بكل ما تملك من المال، ولهذا يجب التحرز في هذه المسائل، سواء من جهة الرجل يتزوج المرأة، أو من جهة المرأة تتزوج الرجل.
أَجْنَبِيَّةٍ،..............
قوله: «أجنبية» يعني ليس بينه وبينها نسب، لا تكون من بني عمه، بل تكون من أناس أجانب، وعللوا ذلك بأمرين:
أحدهما: أنه أنجب للولد يعني يكون فيه نجابة؛ لأنه يأخذ من طبائع أخواله، ومن طبائع أهله، فيتكون من ذلك خلق من الخلقين جميعاً، وهذا أمر مقصود، وكم من أناس كثيرين جذبهم أخوالهم في الكرم، والشهامة، والرجولة.
الثاني: أنه ربما حصل بينه وبينها جفوة، فيؤدي إلى قطيعة الرحم، كأن يقع بينه وبينها مشاكل، فيأتي -مثلاً- عمه ويتنازع معه أو مع أبيه، فيحصل بذلك قطيعة الرحم، فكونه يأخذ امرأة أجنبية أولى.
وما قالوه صحيح، لكن إذا وجد في الأقارب من هو أفضل منها بالاعتبارات الأخرى، فإنه يكون أفضل، يعني عند التساوي ربما تكون الأجنبية أولى، لكن مع التفاضل بالاعتبارات الأخرى لا شك أننا نقدم القريبة، ومن ذلك إذا كانت ـ مثلاً ـ بنت العم امرأة ذات دين وخلق، وأحوالهم ـ مثلاً ـ ضعيفة يحتاجون إلى رفق ومساعدة، فإنه لا شك أن هذا مصلحة كبيرة، فالإنسان يراعي المصالح في هذا الأمر، وما دامت المسألة ليس فيها نص شرعي يجب الأخذ به فإن الإنسان يتبع في هذا المصالح.
بِكْرٍ،........
قوله: «بكر» ، وهي التي لم تتزوج من قبل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لجابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ لما سأله تزوجت؟ قال: نعم، قال: ((بكراً أم ثيباً؟)) ، قال: بل ثيباً، فقال: ((فهلاَّ بكراً تلاعبك وتلاعبها)) [(7)]، فالبكر أفضل؛ لأنها لم تطمح إلى رجال سابقين، ولم يتعلق قلبها بأحد قبله، ولأن أول من يباشرها من الرجال هذا الرجل، فتتعلق به أكثر.
لكن قد يختار الإنسان الثيب لأسباب، مثل ما فعل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ فإنه اختار الثيب؛ لأن والده عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ استشهد في أحد، وخلف بناتاً يحتجن إلى من يقوم عليهن، فلو تزوج بكراً لم تقم بخدمتهن ومؤنتهن، فاختار ـ رضي الله عنه ـ ثيباً لتقوم على أخواته، ولهذا لما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك أقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فإذا اختار الإنسان ثيباً لأغراض أخرى فإنها تكون أفضل، وفي هذا دليل على اعتبار الأمور، وأن التفضيل يرجع إلى هذه الاعتبارات، كما سبق ذكره.

وَلُودٍ،.......
قوله: «ولود» ، أي: كثيرة الولادة، وهذا ظاهره يتناقض مع قوله: «بكر» ؛ لأن البكر ما ولدت حتى نعلم أنها ولود أم لا، ولكن لا تناقض، ويمكن معرفة هذا بمعرفة قريباتها، فإذا كانت من نساء عرفن بكثرة الولادة فالغالب أنها تكون مثلهن، فيختار المرأة التي عرفت قريباتها بكثرة الولادة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك فقال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) [(8)]؛ ولأن كثرة الأمة عِزٌّ لها، وإياك وقول الماديين الذين يقولون: إن كثرة الأمة يوجب الفقر، والبطالة، والعطالة، بل والكثرة عِزٌّ امتن الله به على بني إسرائيل، حيث قال: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6] ، وذَكَّر شعيب عليه الصلاة والسلام قومه بها، حيث قال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86] .
فكثرة الأمة عِزٌّ، لا سيما إذا كانت أرضهم قابلة للحراثة، والزراعة، والصناعة، بحيث يكون فيها مواد خام للصناعة وغير ذلك، وليس ـ والله ـ كثرة الأمة سبباً للفقر والبطالة أبداً.
لكن -مع الأسف- أن بعض الناس -الآن- يختار المرأة التي يمكن أن تكون عقيماً، فهي أحب من الولود، ويحاولون أن لا تلد نساؤهم إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات من الزواج وما أشبه ذلك، وهذا خطأ؛ لأنه خلاف مراد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون أحياناً: إن تربيتهم تشق، فنقول: إذا أحسنتم الظن بالله أعانكم الله.
ويقولون أحياناً: إن المال الذي عندنا قليل، نقول لهم: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ، وأحياناً يرى الإنسان الرزق ينفتح إذا ولد له، وقد حدثني من أثق به ـ وهو رجل يبيع ويشتري ـ يقول: إني منذ تزوجت فتح الله علي باب رزق، ولما ولد ولدي فلان انفتح باب رزق آخر، وهذا معلوم؛ لأن الله يقول {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ، ويقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: 151] ، وقال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31] ، وقال: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] ، فالحاصل أن هذه العلة وهي ـ كون الأولاد سبباً للفقر ـ خطأ.
قد يقول قائل: أنا أحب أن تبقى زوجتي شابة فلا أحب أن تلد.
فنقول: هذا غرض لا بأس به، لكن الولادة، أو كثرة الأولاد أفضل من ذلك.
ولو قال قائل: أنا أريد أن أنظم النسل، بمعنى أن أجعل امرأتي تلد كل سنتين مرة، فهل يجوز أو لا؟
الجواب: هذا لا بأس به، وقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يعزلون في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم[(9)]، والعزل لا شك أنه يمنع من الحمل غالباً.
بِلاَ أُمٍّ.........
قوله: «بلا أم» ، أي: أن يختار امرأة لا أم لها؛ أي لا أم لها حية؛ لأن الأم ربما تفسدها عليه ـ سبحان الله ـ هذا تشاؤم، ولو تأملت الواقع وجدت أكثر النساء لهن أمهات، ولم تفسدهن، والحمد لله، بل نادراً أن الأم تفسد، وأيضاً نقول: الزوج بلا أم؛ لأن بعض أمهات الأزواج تفسده على المرأة، وكم من أم غارت من محبة ابنها لزوجته، ثم حاولت أن تفسد بينها وبين زوجها، وإذا كان كذلك فإنه لا ينبغي أن نقول: إنه يختار امرأة لا أم لها، بل نقول: يختار امرأة أمها صالحة، أما أن نقول: بلا أم، فهذا فيه نظر؛ لأن من الأمهات من تكون خيراً على بناتهن، وعلى أزواجهن.
ثم إن المفسدة ليست محصورة في الأم، فقد تفسدها خالتها أو أختها أو أحد أقاربها، أو أحد من الأباعد، وتكون الأم حامية لها، تحميها من هؤلاء الذين يفسدونها على زوجها.

وَلَهُ نَظَرُ مَا يَظْهَرُ غَالِباً، مِرَارَاً، بِلاَ خَلْوَةٍ............
قوله: «وله نظر ما يظهر غالباً مراراً بلا خلوة» ، «وله» ، اللام للإباحة، والضمير يعود على من أراد خطبة امرأة، ولو قال: للخاطب، لكان أولى وأوضح، أي: ولمن أراد خطبة امرأة نظر... إلى آخره.
وظاهر كلام المؤلف هنا أن النظر للمخطوبة مباح وليس بمطلوب؛ وعلَّلوا كونه مباحاً أنه ورد بعد الحظر، فيكون مباحاً كالأمر بعد الحظر عند أكثر الأصوليين يكون للإباحة، ولكن العلماء ـ رحمهم الله ـ يعبرون بما يفيد الإباحة أحياناً لدفع توهم المنع، لا لإثبات الحكم المباح، مثلاً قالوا في باب الحج: ويجوز للقارن والمفرد أن يتحول إلى عمرة ليصير متمتعاً، مع أن الأمر سنة.
قال صاحب الفروع: لعلهم عبروا بالجواز لدفع قول من يقول بالمنع، فلا ينافي أن يكون مستحباً، فهنا قال: «وله نظر» فيحتمل أن المؤلف عبر بما يدل على الإباحة دفعاً لتوهم المنع، فلا ينافي أن يكون مستحباً، ولهذا نقول: يسن لمن أراد أن يخطب امرأة أن ينظر إلى ما يظهر غالباً، فإن كان المؤلف أراد دفع توهم المنع فلا إشكال، وإن كان أراد إثبات حكم الإباحة، فالمسألة فيها قول آخر وهو أنه سنة وهو الصواب، إلا إذا علم الإنسان بصفتها بدون نظر، فلا حاجة، كما لو أرسل امرأة يثق بها تماماً فإنه لا حاجة إلى أن ينظر.
على أنه في الحقيقة نظر الغير لا يغني عن نظر النفس، فقد تكون المرأة جميلة عند شخص وغير جميلة عند شخص آخر، وقد يرى الإنسان ـ مثلاً ـ المرأة على حال غير حالها الطبيعية؛ لأنه أحياناً يكون الإنسان في حال السرور وما أشبه ذلك له حال، وفي حال الحزن له حال، وفي الحال الطبيعية له حال أخرى، ثم إنه ـ أيضاً ـ بعض الأحيان إذا علمت المرأة أنه سينظر إليها أدخلت على نفسها تحسينات، فإذا نظر إليها ظن أنها جميلة جداً، وهي ليست كذلك.
وعلى كل حال نقول: إن ظاهر السنة أن النظر إلى المخطوبة سنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر به وقال: ((إنه أحرى أن يؤدم بينكما)) [(10)]، أي: يؤلف بينكما.
ولكن كيف ينظر؟ إذا أمكن أنه ينظر إليها باتفاق مع وليها، بأن يحضر وينظر لها فله ذلك، فإن لم يمكن فله أن يختبئ لها في مكان تمر منه، وما أشبه ذلك، وينظر إليها، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) [(11)].
وقوله: «وله نظر ما يظهر غالباً» مثل الوجه، والرقبة، واليد والقدم، ونحوها، أما أن ينظر إلى ما لا يظهر غالباً، فهذا لا يجوز، فكلمة «غالباً» مربوطة بعرف السلف الصالح، لا بعرف كل أحد؛ لأننا لو جعلناها بعرف كل أحد لضاعت المسألة، واختلف الناس اختلافاً عظيماً، لكن المقصود ما يظهر غالباً وينظر إليه المحارم، فللخاطب أن ينظر إليه، وأهم شيء في الأمر هو الوجه، وينظر إليها قبل الخطبة، ويجوز للمرأة أن تمكن الخاطب من النظر إليها بالشروط التي ذكرها المؤلف.
وقوله: «مراراً» ، أي: يجوز أن يكرر النظر إليها، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل)) ، فإذا كان في أول مرة ما وجد ما يدعوه إلى نكاحها، فلينظر مرة ثانية، وثالثة.
وهل يجوز له مكالمتها؟ لا؛ لأن المكالمة أدعى للشهوة والتلذذ بصوتها، ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((أن ينظر منها)) ، ولم يقل: أن يسمع منها.
وقوله: «بلا خلوة» لأنها لم تزل أجنبية منه، والأجنبية يحرم على الرجل أن يخلو بها؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) [(12)]، والنهي للتحريم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)) [(13)]، وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
فشروط جواز النظر إلى المرأة ستة:
الأول: أن يكون بلا خلوة.
الثاني: أن يكون بلا شهوة، فإن نظر لشهوة فإنه يحرم؛ لأن المقصود بالنظر الاستعلام لا الاستمتاع.
الثالث: أن يغلب على ظنه الإجابة.
الرابع: أن ينظر إلى ما يظهر غالباً.
الخامس: أن يكون عازماً على الخطبة، أي: أن يكون نظره نتيجة لعزمه على أن يتقدم لهؤلاء بخطبة ابنتهم، أما إذا كان يريد أن يجول في النساء، فهذا لا يجوز.
السادس: ـ ويخاطب به المرأة ـ ألا تظهر متبرجة أو متطيبة، مكتحلة أو ما أشبه ذلك من التجميل؛ لأنه ليس المقصود أن يرغب الإنسان في جماعها حتى يقال: إنها تظهر متبرجة، فإن هذا تفعله المرأة مع زوجها حتى تدعوه إلى الجماع، ولأن في هذا فتنة، والأصل أنه حرام؛ لأنها أجنبية منه، ثم في ظهورها هكذا مفسدة عليها؛ لأنه إن تزوجها ووجدها على غير البهاء الذي كان عهده رغب عنها، وتغيرت نظرته إليها، لا سيما وأن الشيطان يبهي من لا تحل للإنسان أكثر مما يبهي زوجته، ولهذا تجد بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ عنده امرأة من أجمل النساء، ثم ينظر إلى امرأة قبيحة شوهاء؛ لأن الشيطان يبهيها بعينه حيث إنها لا تحل له، فإذا اجتمع أن الشيطان يبهيها، وهي -أيضاً- تتبهى وتزيد من جمالها، وتحسينها، ثم بعد الزواج يجدها على غير ما تصورها، فسوف يكون هناك عاقبة سيئة.
فإن قيل: كيف يغلب على ظنه الإجابة؟
الجواب: الله -سبحانه وتعالى- جعل الناس طبقات، كما قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ، فلو تقدم أحد الكنَّاسين إلى بنت وزير، فالغالب عدم إجابته، وكذلك إنسان كبير السن زمِن، أصم، يتقدم إلى بنت شابة جميلة، فهذا يغلب على ظنه عدم الإجابة.


[1] سبق تخريجه ص(6).
[2] أخرجه أبو داود في النكاح/ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050) والنسائي في النكاح/ باب كراهية تزويج العقيم (6/65) عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم (2/162) ووافقه الذهبي، انظر: خلاصة البدر المنير (1908) والإرواء (1784).
[3] أخرجه البخاري في النكاح/ باب كثرة النساء (5069) موقوفاً على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[4] أخرجه البخاري في النكاح/ باب من جعل عتق الأمة صداقها (5086)؛ ومسلم في النكاح/ باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (1365) (84) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه البخاري في النكاح/ باب تزويج الثيبات (5079)؛ ومسلم في النكاح/ باب استحباب نكاح البكر (715) (56) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[6] أخرجه البخاري في الشركة/ باب شركة اليتيم وأهل الميراث (2494)؛ ومسلم في التفسير/ باب في تفسير آيات متفرقة (3018).
[7] أخرجه البخاري في النكاح/ باب الأكفاء في الدين (5090)؛ ومسلم في النكاح/ باب استحباب نكاح ذات الدين (1466) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[8] سبق تخريجه ص(11).
[9] أخرجه أحمد (3/158)؛ وابن حبان (4028)؛ والطبراني في الأوسط (5099) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ انظر: خلاصة البدر المنير (1908)؛ والإرواء (1784).
[10] كما في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ كنا نعزل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخرجه البخاري في النكاح/ باب العزل (5207)؛ ومسلم في النكاح/ باب حكم العزل (1440).
[11] أخرجه أحمد (4/245)؛ والترمذي في النكاح/ باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة (1087)؛ والنسائي في النكاح/ باب إباحة النظر قبل التزويج (6/69)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها (1865) عن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ، وحسنه الترمذي، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الحاكم (2/165)، على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[12] أخرجه أحمد (3/334)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها (2082)؛ عن جابر ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم (2/165) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
[13] أخرجه البخاري في الجهاد والسير/ باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة (3006)، ومسلم في الحج/ باب سفر المرأة مع المحرم إلى حج وغيره (1341) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[14] أخرجه أحمد (1/26)، والترمذي في الفتن/ باب ما جاء في لزوم الجماعة (2165) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ، وصححه ابن حبان (4557) ط/ الأفكار الدولية، والألباني في الصحيحة (430).
وأخرجه أبو داود في النكاح/ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050)؛ والنسائي في النكاح/ باب كراهية تزويج العقيم (6/65) عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ بلفظ «الأمم» بدل «الأنبياء»، وصححه الحاكم (2/162) ووافقه الذهبي.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, دية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir