قال محمد بن صالح العثيمين (ت:1421هـ): ( الضمير
الضمير لغة: من الضمور وهو الهزال لقلة حروفه أو من الإضمار وهو الإخفاء لكثرة استتاره.
وفي الاصطلاح: ما كني به عن الظاهر اختصارا وقيل: ما دل على حضور، أو غيبة لا من مادتهما.
فالدال على الحضور نوعان:
أحدهما: ما وضع للمتكلم مثل: {وأفوّض أمري إلى اللّه} [غافر: 44].
الثاني: ما وضع للمخاطب مثل: {صراط الّذين أنعمت عليهم }[الفاتحة: 7] .
وهذان لا يحتاجان إلى مرجع اكتفاء بدلالة الحضور عنه. والدال على الغائب، ما وضع للغائب. ولابد له من مرجع يعود عليه.
والأصل في المرجع أن يكون سابقا على الضمير لفظا ورتبه مطابقا له لفظا ومعنى مثل: {ونادى نوحٌ ربّه} [هود: 45].
وقد يكون مفهوما من مادة الفعل السابق مثل: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى} [المائدة: 8] .
وقد يسبق لفظا لا رتبة مثل: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه} [البقرة: 124] .
وقد يسبق رتبة لا لفظا مثل: (حمل كتابه الطالب).
وقد يكون مفهوما من السياق مثل: {ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولد} [النساء: 11] فالضمير يعود على الميت المفهوم من قوله: {مما ترك}.
وقد لا يطابق الضمير معنى مثل: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة} [المؤمنون 12، 13] فالضمير يعود على الإنسان باعتبار اللفظ، لأن المجعول نطفة ليس الإنسان الأول.
وإذا كان المرجع صالحا للمفرد والجمع جاز عود الضمير عليه بأحدهما مثل: {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحاً يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن اللّه له رزقاً}[الطلاق: 11]
والأصل اتحاد مرجع الضمائر إذا تعددت مثل: {علّمه شديد القوى (5) ذو مرّةٍ فاستوى (6) وهو بالأفق الأعلي (7) ثمّ دنا فتدلّى (8) فكان قاب قوسين أو أدنى (9) فأوحى إلى عبده ما أوحى (10) } [النجم: 5-10] فضمائر الرفع في هذه الآيات تعود إلى شديد القوى وهو جبريل.
والأصل عود الضمير على أقرب مذكور إلا في المتضايفين فيعود على المضاف؛ لأنه المتحدث عنه مثال أول: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدىً لبني إسرائيل} [الإسراء: 2].
ومثال الثاني {وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها} [إبراهيم: 34] .
وقد يأتي على خلاف الأصل فيما سبق بدليل يدل عليه.
الإظهار في موقع الإضمار
الأصل أن يؤتى في مكان الضمير بالضمير لأنه أبين للمعنى وأخصر للفظ، ولهذا ناب الضمير بقوله تعالى {أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} [الأحزاب: 135] عن عشرين كلمة المذكورة قبله، وربما يؤتى مكان الضمير بالاسم الظاهر وهو ما يسمى (الإظهار في موضع الإضمار) . وله فوائد كثيرة، تظهر بحسب السياق منها:
1- الحكم على مرجعه بما يقتضيه الاسم الظاهر.
2- بيان علة الحكم.
3- عموم الحكم لكل متصف بما يقتضيه الاسم الظاهر.
مثال ذلك قوله تعالى: {من كان عدوّاً للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين} [البقرة: 98] ولم يقل فإن الله عدو له، فأفاد هذا الإظهار:
1- الحكم بالكفر على من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل.
2- إن الله عدو لهم بكفرهم.
3- أن كل كافر فالله عدو له.
مثال آخر: قوله تعالى: {والّذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين} [الأعراف: 170] ولم يقل إنا لا نضيع أجرهم، فأفاد ثلاثة أمور:
1- الحكم بالإصلاح للذين يمسكون الكتاب. ويقيمون الصلاة.
2- أن الله آجرهم لإصلاحهم.
3- أن كل مصلح وله أجر غير مضاع عند الله تعالى.
وقد يتعين الإظهار، كما لو تقدم الضمير مرجعان، يصلح عوده إلى كل منهما والمراد أحدهما مثل: اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم وبطانة ولاة أمورهم، إذ لو قيل: وبطانتهم، لأوهم أن يكون المراد بطانة المسلمين.
ضمير الفصل
ضمير الفصل: حرف بصيغة ضمير الرفع المنفصل يقع بين المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين
ويكون بضمير المتكلم كقوله تعالى: {إنّني أنا اللّه لا إله إلّا أنا} [طه: 14] وقوله: {وإنّا لنحن الصّافّون} [الصافات: 165] وبضمير المخاطب كقوله تعالى: {كنت أنت الرّقيب عليهم} [المائدة: 117] وبضمير الغائب كقوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون}وله ثلاثة فوائد:
الأولى: التوكيد، فإن قولك: زيد هو أخوك أوكد من قولك: زيد أخوك.
الثانية: الحصر، وهو اختصاص ما قبله بما بعده، فإن قولك المجتهد هو الناجح يفيد اختصاص المجتهد بالنجاح.
الثالثة: الفصل: أي التمييز بين كونه ما بعده خبرا، أو تابعا، فإن قولك: زيد الفاضل يحتمل أن تكون الفاضل صفة لزيد، والخبر منتظر، ويحتمل أن تكون الفاضل خبرا، وإذا قلت: زيد هو الفاضل، تعين أن تكون الفاضل خبرا، لوجود ضمير الفصل). [أصول في التفسير: 64-67]