دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الأول 1440هـ/18-11-2018م, 09:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (85) إلى الآية (87) ]

تفسير قوله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا (87)}

تفسير قوله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا (85)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيّئة يكن له كفل منها وكان اللّه على كلّ شيء مقيتا} الكفل في اللغة: النصيب، أخذ من قولهم أكفلت البعير إذا أدرت على سنامه أو على موضع من ظهره كساء، وركبت عليه وإنما قيل له كفل، واكتفل البعير؛ لأنه لم يستعمل الظهر كله، إنما استعمل نصيب من الظهر، ولم يستعمل كله.
وقوله:
{وكان اللّه على كلّ شيء مقيتا}
قال بعضهم: "المقيت" القدير.

وقال بعضهم: "المقيت" الحفيظ، وهو عندي - واللّه أعلم - بالحفيظ أشبه، لأنه من القوت مشتق، يقال: قت الرجل أقوته قوتا إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته.
والقوت: اسم ذلك الشيء الذي يحفظ نفسه، ولا فضل فيه على قدرة الحفظ، فمعنى المقيت - واللّه أعلم -: الحفيظ الذي يعطي الشيء قدر الحاجة من الحفظ قال الشاعر:
ألي الفضل أم عليّ إذا... حوسبت إني على الحساب مقيت). [معاني القرآن: 2/85-86]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: من يشفع شفاعةً حسنةً الآية. أصل الشفاعة والشفعة ونحوها من الشفع، وهو الزوج في العدد، لأن الشافع ثان لوتر المذنب، والشفيع ثان لوتر المشتري، واختلف في هذه الآية المتأولون، فقال الطبري: المعنى من يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين، أو من يشفع وتر الكفر بالمعونة على الإسلام، ودله على هذا التأويل ما تقدم من أمر القتال، وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم: هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم، فمن يشفع لينفع فله نصيب، ومن يشفع ليضر فله كفل، وقال الحسن وغيره: «الشفاعة الحسنة» هي في البر والطاعة، والسيئة هي في المعاصي، وهذا كله قريب بعضه من بعض، «والكفل» النصيب، ويستعمل في النصيب من الخير ومن الشر، وفي كتاب الله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته [الحديد: 28] ومقيتاً معناه قديرا، ومنه قول الشاعر، وهو الزبير بن عبد المطلب: [الوافر]
وذي ضغن كففت النّفس عنه = وكنت على إذايته مقيتا
أي قديرا، وعبر عنه ابن عباس ومجاهد، بحفيظ وشهيد، وعبد الله بن كثير، بأنه الواصب القيم بالأمور، وهذا كله يتقارب، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت» على من رواها هكذا أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره، وذهب مقاتل بن حيان، إلى أنه الذي يقوت كل حيوان، وهذا على أن يقال أقات بمعنى قات، وعلى هذا يجيء قوله عليه السلام «من يقيت» من أقات وقد حكى الكسائي «أقات» يقيت، فأما قول الشاعر [السموأل بن عادياء]: [الخفيف]
ليت شعري وأشعرنّ إذا ما = قرّبوها مطويّة ودعيت
أإلى الفضل أم عليّ؟ إذا حو = سبت، إنّي على الحساب مقيت
فقال فيه الطبري: إنه من غير هذا المعنى المتقدم، وإنه بمعنى موقوت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يضعفه أن يكون بناء فاعل بمعنى بناء مفعول). [المحرر الوجيز: 2/616-618]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها} أي: من سعى في أمرٍ، فترتّب عليه خيرٌ، كان له نصيبٌ من ذلك {ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفلٌ منها} أي: يكون عليه وزرٌ من ذلك الأمر الّذي ترتّب على سعيه ونيّته، كما ثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اشفعوا تؤجروا ويقضي اللّه على لسان نبيّه ما شاء".
وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الآية في شفاعات النّاس بعضهم لبعضٍ.
وقال الحسن البصريّ: قال اللّه تعالى: {من يشفع} ولم يقل: من يشفّع.
وقوله: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتًا} قال ابن عبّاسٍ، وعطاءٌ، وعطيّة، وقتادة، ومطرٌ الورّاق: {مقيتًا} أي: حفيظًا. وقال مجاهدٌ: شهيدًا. وفي روايةٍ عنه: حسيبًا. وقال سعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ، وابن زيدٍ: قديرًا. وقال عبد اللّه بن كثيرٍ: المقيت: الواصب وقال الضّحّاك: المقيت: الرّزّاق.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد الرّحيم بن مطرّفٍ، حدّثنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل، عن رجلٍ، عن عبد اللّه بن رواحة، وسأله رجلٌ عن قول اللّه: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتًا} قال: يقيت كلّ إنسانٍ على قدر عمله). [تفسير القرآن العظيم: 2/368]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ اللّه كان على كلّ شيء حسيبا}
قال النحويون: " أحسن " ههنا: صفة لا تنصرف لأنه على وزن أفعل وهو، والمعنى: فحيوا بتحية أحسن منها.

وقيل في التفسير: التحية هنا السلام، وهي تفعله - من حييت.
ومعنى {حيّوا بأحسن منها}: إذا قيل لكم " السلام عليكم " فقولوا: وعليكم السلام ورحمة اللّه "، فالتحية التي هي أحسن منها هي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ".
ويقال لكل شيء منتهى، ومنتهى السلام كلمة وبركاته.
ويروى أنّ داخلا دخل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليك))، ودخل آخر فقال: السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليكم السلام ورحمة اللّه))، ودخل رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته)) فقام الداخل الأول فقال: يا رسول الله سلمت فلم تزد على " وعليك " وقام هذا فقال السلام عليكم فزدته، وقام هذا فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه فزدته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنك لم تترك من السلام شيئا، فرددت عليك، وهذان تركا منه شيئا فزدتهما))، وهذا دليل أنّ: آخر ما في السنة من السلام كلمة وبركاته.
وقوله جلّ وعزّ: {إنّ اللّه كان على كلّ شيء حسيبا}
أي: يعطي كل شي من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه، أي: يكفيه، تقول حسبك بهذا، أي: اكتف بهذا.
وقوله تعالى: {عطاء حسابا } أي: كافيا، وإنما سمّي الحساب في المعاملات حسابا لأنه يعلم ما فيه كفاية ليس فيها زيادة على المقدار ولا نقصان). [معاني القرآن: 2/86-87]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذا حيّيتم الآية. التحية وزنها تفعلة من حيي، وهذا هو الأغلب من مصدر فعل في المعتل، وروي عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس، وفيه ضعف، لأنه ليس في الكلام على ذلك دلالة، أما أن الرد على المشمت مما يدخل بالقياس في معنى رد التحية، وهذا هو منحى مالك رحمه الله إن صح ذلك عنه والله أعلم، واختلف المتأولون، فقالت فرقة: التحية أن يقول الرجل: سلام عليك، فيجب على الآخر أن يقول: عليك السلام ورحمة الله، فإن قال البادئ: السلام عليك ورحمة الله، قال الراد عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فإن قال البادئ: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقد انتهى ولم يبق للراد أن يحيي بأحسن منها، فهاهنا يقع الرد المذكور في الآية، فالمعنى عند أهل هذه القالة إذا حيّيتم بتحيّةٍ، فإن نقص المسلم من النهاية فحيوا بأحسن. وإن انتهى فردوا، وقالت فرقة: إنما معنى الآية تخيير الراد، فإذا قال البادئ: السلام عليك، فللراد أن يقول، وعليك السلام فقط، وهذا هو الرد، وله أن يقول، وعليك السلام ورحمة الله، وهذا هو التحية بأحسن منها، وقال ابن عباس وغيره: المراد بالآية، إذا حيّيتم بتحيّةٍ، فإن كانت من مؤمن فحيوا بأحسن منها، وإن كانت من كافر فردوا على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال لهم: وعليكم، وروي عن ابن عمرو وابن عباس وغيرهما، انتهى السلام إلى البركة، وجمهور أهل العلم على أن لا يبدأ أهل الكتاب بسلام، فإن سلم أحد ساهيا أو جاهلا فينبغي أن يستقيله سلامه، وشذ قوم في إباحة ابتدائهم، والأول أصوب، لأن به يتصور إذ لا لهم، وقال ابن عباس: كل من سلم عليك من خلق الله فرد عليه وإن كان مجوسيا، وقال عطاء: الآية في المؤمنين خاصة، ومن سلم من غيرهم قيل له: عليك، كما في الحديث، وأكثر أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنة مؤكدة، ورده فريضة، لأنه حق من الحقوق، قاله الحسن بن أبي الحسن وغيره، وحسيباً معناه:
حفيظا، وهو فعيل من الحساب، وحسنت هاهنا هذه الصفة، إذ معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفي قدر ما يجيء به). [المحرر الوجيز: 2/618-619]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها} أي: إذا سلّم عليكم المسلم، فردّوا عليه أفضل ممّا سلّم، أو ردّوا عليه بمثل ما سلّم [به] فالزّيادة مندوبةٌ، والمماثلة مفروضةٌ.
قال ابن جريرٍ: حدّثني موسى بن سهلٍ الرّمليّ، حدّثنا عبد اللّه بن السّري الأنطاكيّ، حدّثنا هشام بن لاحقٍ، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي عثمان النّهدي، عن سلمان الفارسيّ قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه. فقال: "وعليك السّلام ورحمة اللّه". ثمّ أتى آخر فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وعليك السّلام ورحمة اللّه وبركاته". ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته فقال له: "وعليك" فقال له الرّجل: يا نبيّ اللّه، بأبي أنت وأمّي، أتاك فلانٌ وفلانٌ فسلّما عليك فرددت عليهما أكثر ممّا رددت عليّ. فقال: "إنّك لم تدع لنا شيئًا، قال اللّه تعالى: {وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها} فرددناها عليك".
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ معلّقًا فقال: ذكر عن أحمد بن الحسن التّرمذيّ، حدّثنا عبد اللّه بن السّريّ -أبو محمّدٍ الأنطاكيّ -قال أبو الحسن: وكان رجلًا صالحًا -حدّثنا هشام بن لاحقٍ، فذكر بإسناده مثله.
ورواه أبو بكر بن مردويه: حدّثنا عبد الباقي بن قانعٍ، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن لاحقٍ أبو عثمان، فذكره بمثله، ولم أره في المسند واللّه أعلم.
وفي هذا الحديث دلالةٌ على أنّه لا زيادة في السّلام على هذه الصّفة: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، إذ لو شرع أكثر من ذلك، لزاده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ -أخو سليمان بن كثيرٍ -حدّثنا جعفر بن سليمان، عن عوفٍ، عن أبي رجاءٍ العطاردي، عن عمران بن حصين؛ أنّ رجلًا جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: السّلام عليكم فردّ عليه ثمّ جلس، فقال: "عشرٌ". ثمّ جاء آخر فقال: "السّلام عليكم ورحمة اللّه. فردّ عليه، ثمّ جلس، فقال: "عشرون". ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. فردّ عليه، ثمّ جلس، فقال: "ثلاثون".
وكذا رواه أبو داود عن محمّد بن كثيرٍ، وأخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ والبزّار من حديثه، ثمّ قال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي سعيدٍ وعليٍّ وسهل بن حنيف [رضي اللّه عنهم].
وقال البزّار: قد روي هذا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من وجوهٍ، هذا أحسنها إسنادًا وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن الرّؤاسيّ عن الحسن بن صالحٍ، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: من يسلّم عليك من خلق اللّه، فاردد عليه وإن كان مجوسيًّا؛ ذلك بأنّ اللّه يقول: {فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها}
وقال قتادة: {فحيّوا بأحسن منها} يعني: للمسلمين {أو ردّوها} يعني: لأهل الذّمّة.
وهذا التّنزيل فيه نظرٌ، بل كما تقدّم في الحديث من أنّ المراد أن يردّ بأحسن ممّا حيّاه به، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السّلام؛ ردّ عليه مثل ما قال، فأمّا أهل الذّمّة فلا يبدؤون بالسّلام ولا يزادون، بل يردّ عليهم بما ثبت في الصّحيحين، عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "إذا سلّم عليكم اليهود فإنّما يقول أحدهم: السّامّ عليك فقل: وعليك".
وفي صحيح مسلمٌ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "لا تبدؤوا اليهود والنّصارى بالسّلام، وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطرّوهم إلى أضيقه".
وقال سفيان الثّوريّ، عن رجلٍ، عن الحسن البصريّ قال: السّلام تطوّعٌ، والرّدّ فريضةٌ.
وهذا الّذي قاله هو قول العلماء قاطبةً: أنّ الرّدّ واجبٌ على من سلّم عليه، فيأثم إن لم يفعل؛ لأنّه خالف أمر اللّه في قوله: {فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها} وقد جاء في الحديث الّذي رواه). [تفسير القرآن العظيم: 2/368-370]


تفسير قوله تعالى: {اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {اللّه لا إله إلّا هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من اللّه حديثا}
{ليجمعنّكم إلى يوم القيامة
}هذه لام القسم، كقولك: واللّه ليجمعنكم، ومعنى القيامة في اللغة – والله أعلم - على ضربين:
جائز أن تكون: سميت القيامة لأن الناس يقومون من قبورهم، قال الله جلّ وعزّ: {يخرجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر}
وجائز أن تكون: سمّيت القيامة لأن الناس يقومون للحساب.

قال الله عزّ وجلّ:
{يوم يقوم النّاس لربّ العالمين}
ومعنى {ليجمعنّكم} - واللّه أعلم - أي: يجمعكم في الموت وفي قبوركم). [معاني القرآن: 2/87]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: اللّه لا إله إلاّ هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من اللّه حديثاً (87) فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً (88)
لما تقدم الإنذار والتحذير الذي تضمنه قوله تعالى إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ حسيباً [النساء: 86] تلاه مقويا له الإعلام بصفة الربوبية، وحال الوحدانية، والإعلام بالحشر، والبعث من
القبور، للثواب، والعقاب، إعلاما بقسم، والمقسم به تقديره وهو: أو وحقه، أو وعظمته، ليجمعنّكم والجمع هنا بمعنى الحشر، فلذلك حسنت بعده إلى، أي: إليه السوق والحشر، والقيامة: أصلها القيام، ولما كان قيام الحشر من أذل الحال وأضعفها إلى أشد الأهوال وأعظمها لحقته هاء المبالغة ولا ريب فيه تبرئة هي وما بعدها بمثابة الابتداء تطلب الخبر، ومعناه: لا ريب فيه في نفسه وحقيقة أمره، وإن ارتاب فيه الكفرة فغير ضائر، ومن أصدق من اللّه حديثاً؟ ظاهره الاستفهام ومعناه تقرير الخبر، تقديره:
لا أحد أصدق من الله تعالى، لأن دخول الكذب في حديث البشر إنما علته الخوف والرجاء أو سوء السجية، وهذه منفية في حق الله تعالى وتقدست أسماؤه، والصدق في حقيقته أن يكون ما يجري على لسان المخبر موافقا لما في قلبه، وللأمر المخبر عنه في وجوده، وحديثاً نصب على التمييز). [المحرر الوجيز: 2/619]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {اللّه لا إله إلا هو} إخبارٌ بتوحيده وتفرّده بالإلهيّة لجميع المخلوقات، وتضمّن قسمًا، لقوله: {ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} وهذه اللّام موطّئةٌ للقسم، فقوله: {اللّه لا إله إلا هو} خبرٌ وقسم أنّه سيجمع الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ فيجازي كلّ عاملٍ بعمله.
وقوله تعالى: {ومن أصدق من اللّه حديثًا} أي: لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره، ووعده ووعيده، فلا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 2/370]



* للاستزادة ينظر: هنا

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir