دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > تفسير سورة الفاتحة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو القعدة 1437هـ/21-08-2016م, 09:01 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}

تفسير قول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}


مقصد الآية:
هذه الآية دعاء ومسألة لله تعالى، وهي مقصود العبد بعدما تقدّم من الحمد والثناء والتمجيد لله تعالى، والتوسّل إليه بإخلاص العبادة والاستعانة له، وما يتضمّن هذا الإخلاص من البراءة من الشرك وما يقدح في إخلاص العبادة لله تعالى، والبراءة من الحول والقوّة إلا به تعالى.
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى: (فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
وهذا الدعاء الذي اصطفاه الله تعالى لهذه الأمّة ورضيه لها، وفرضه عليها؛ أعظم الدعاء وأنفعه، وأحبّه إلى الله، وقد وعدها الإجابة عليه؛ فمن أحسن الإتيان بما دلَّ عليه أوّل هذه السورة كان أسعد بإعطاء مسألته، وإجابة دعوته في آخرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؛ فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب)ا.هـ.
وقال أيضا: (والذين هداهم الله من هذه الأمة حتى صاروا من أولياء الله المتقين كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم الله بهذا الدعاء في كل صلاة، مع علمهم بحاجتهم وفاقتهم إلى الله دائما في أن يهديهم الصراط المستقيم؛ فبدوام هذا الدعاء والافتقار صاروا من أولياء الله المتقين)ا.هـ.
وإذا حصلت الهداية حصل ما يترتب عليها من النصر والرزق والتوفيق وأنواع الفضائل والبركات، وما تطلبه النفس من أحوال السعادة، ومن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة.


بيان مراتب الهداية:
الهداية على مرتبتين:
المرتبة الأولى: هداية الدلالة والإرشاد، وهي هداية علمية، ثمرتها: العلم بالحقّ، والبصيرة في الدين.
والمرتبة الثانية: هداية التوفيق والإلهام، وهي هداية عملية، ثمرتها: إرادة الحقّ والعمل به.
ولا تتحقّق الهداية إلا بالجمع بين المعنيين؛ وهو مقتضى الجمع بين العلم والعمل.
ولذلك فإن من لم يعرف الحقّ لا يهتدي إليه، ومن عرفه لكن لم تكن في قلبه إرادة صحيحة له فهو غير مهتدٍ.
ويطلق لفظ "الهدى" وما تصرّف منه في النصوص مراداً به المعنى الأول تارة كما في قوله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى} وقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}.وقوله: {وأهديك إلى ربّك فتخشى}.
ويأتي تارة مراداً به المعنى الثاني كما في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء} وقوله تعالى: {فبهداهم اقتده} أي بعملهم الصالح وسيرتهم الحسنة.
ويأتي تارة بما يحتملهما كما في هذا الموضع، وقوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}.

ويطلق لفظ الهدى على معانٍ أخر كما في قوله تعالى: {الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى} المراد به الإلهام الفطري لكلّ الكائنات بما تقوم به مصالحها، وهذا من دلائل ربوبيّته تعالى.


درجات المهتدين:
والمهتدون على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: الذين تحقق لهم أصل الهداية، وهم الذين هداهم الله لأصل الإسلام اعتقاداً وقولاً وعملاً، فأدّوا ما صحّ به إسلامهم، واجتنبوا نواقض الإسلام، مع اقترافهم لبعض الكبائر وتفريطهم في بعض الواجبات؛ فأصحاب هذه الدرجة مسلمون، لهم نصيب من الهداية بحسب ما معهم من الإيمان علماً وعملاً، لكنَّهم ظالمون لأنفسهم بسبب ما ارتكبوا من المعاصي.
وهؤلاء وإن كانوا موعودين بدخول الجنّة إلا أنّهم مستحقون للعقاب والعذاب الأليم على بعض ما اقترفوا من المحرّمات وما فرّطوا فيه من الواجبات؛ فمنهم من يُعذّب في الدنيا بأنواع من العذاب، ومنهم من يعذّب في قبره، ومنهم من يعذّب في عرصات يوم القيامة، حتى يكون منهم من يعذّب في النار حتى يُطهّر من ذنوبه فلا يدخل الجنّة إلا وهو طيّب قد ذهب عنه خَبَثُه، ويعفو الله عمن يشاء.
والدرجة الثانية: المتقّون، وهم الذين هداهم الله لفعل الواجبات وترك المحرمات؛ فنجوا بذلك من العذاب، وفازوا بكريم الثواب.
والدرجة الثالثة: المحسنون، وهم أكمل الناس هداية، وأحسنهم عملاً، وهم الذين هداهم الله لأن يعبدوه كأنّهم يرونه، فاجتهدوا في إحسان أداء الواجبات، والكفّ عن المحرّمات، وأحسنوا التقرّب إلى الله تعالى بالنوافل حتى أحبّهم.
وأصحاب كلّ درجة يتفاضلون فيها تفاضلاً كبيراً لا يحصيه إلا من خلقهم.
وقد جمع الله هذه الأصناف الثلاثة في قوله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)}.
فالظالمون لأنفسهم من الذين اصطفاهم الله هم أصحاب الكبائر من المسلمين؛ اصطفاهم الله على غيرهم من الكفار والمنافقين، وهم على ظلمهم لأنفسهم موعودون بدخول الجنّة لصحّة إسلامهم لكنّهم على خطر من العقوبة على بعض ذنوبهم.
والمقتصدون هم المتقون.
والسابقون بالخيرات هم المحسنون، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم بمنّه وكرمه، وأن يهدينا لما هداهم إليه.

معنى {اهدنا}:
{اهدنا}: أي أرشدنا ووفقنا لاتّباع هداك؛ فسؤال الهداية هنا يتضمَّن سؤال هداية الدلالة والإرشاد، وسؤال هداية التوفيق والإلهام.
1. فبهداية الدلالة والإرشاد يُبصر المرءُ الحقّ ويتبيّن حقيقته وعلاماته، ويبصر الباطل ويتبيّن حقيقتَه وعلاماته؛ فيميّز الحقَّ من الباطل، والهدى من الضلال، والطيّب من الخبيث، وما يقرّب إلى الله مما يباعد منه.
وهذه الهداية يتفاضل فيها المهتدون تفاضلاً كبيراً:
أ: فمنهم من يزيده الله هدى وبصيرة حتى يكون من الموقنين أولى البصائر والألباب، ويجعل الله له نوراً يمشي به، وفرقانا يفرق له بين الحقّ والباطل؛ كما قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
وهذه البصيرة التي أنزلها الله تعالى في هذه الآية هي من الهداية التي يهدي بها من يشاء من عباده؛ وهي دالة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً وأتقى لله تعالى كان نصيبه من هذا الفرقان أعظم، وكلما ضعف إيمانه ونقص تقواه ضعفت بصيرته.
ب: ومنهم من يكون له أصل الهداية التي يميّز بها الكفر من الإسلام، ويعرف بها كثيراً من حدود الله تعالى كفرائض الدين وكبائر الذنوب، لكن يكون في بصيرته ضعفٌ عن معرفة إدراك كثير من شعائر الإسلام، ومقاصد الدين؛ فيكون له نصيب من هذه الهداية بقدر ما معه من الفقه في الدين.

2. وبهداية التوفيق والإلهام يٌوفَّق المرء لاتّباع هدى الله تعالى، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، وتصديق خبره، فيحبِّب الله إليه الإيمانَ والعمل الصالحَ ويزيّنه في قلبه، ويعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته، فيكون مهتدياً حقاً.
وهذه الهداية هي أصل الفلاح والفوز، وهي لا تتحقق للعبد إلا بتحقّق المرتبة التي قبلها؛ فيكون جامعاً بين العلم النافع والعمل الصالح.

مقاصد المهتدين من سؤال الهداية:
إذا تبيّن ما تقدّم من معنى سؤال الهداية، ومعرفة مراتبها، ودرجات المهتدين فيها؛ فاعلم أنّ لكل داعٍ بالهداية مقصدٌ من دعائه؛ والله تعالى يعطي كلَّ سائل ما أراده بسؤاله.
فأهل الإحسان مقصدهم جمع مراتب الهداية وبلوغ أعلى درجاتها؛ ويشهدون شدّة حاجتهم إلى أن يُبصرّهم الله بالحقّ في جميع شؤونهم، وأن يجعلهم مريدين لاتّباع هداه، وأن يوفّقهم ويعينهم على ذلك.
ومَن دونهم كلٌّ بحسب مقصده وعزيمته وصدق إرادته، حتى يكون منهم من يذكر الدعاء وهو لا يدري ما يقول.
وقد رُوي من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يستجيب لعبد دَعَاه عن ظهر قلب غافل )).
ورواه ابن المبارك من حديث صفوان بن سليم مرسلاً.
والحديث حسَّنه بعض أهل العلم لتعدد مخارجه، وإن كانت أسانيده لا تخلو من ضعف.
ويشهد له ما في سنن أبي داوود والسنن الكبرى للنسائي من حديث سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم، عن عبد الله بن عنمة، أن عمار بن ياسر قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، خمسها ربعها ثلثها نصفها».
ورواه الإمام أحمد من طريق سعيد المقبري عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه، أن عمارا صلى ركعتين، فقال له عبد الرحمن بن الحارث: يا أبا اليقظان، لا أراك إلا قد خففتهما.
قال: هل نقصت من حدودها شيئا؟
قال: لا، ولكن خففتهما.
قال: إني بادرت بهما السهو، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرجل ليصلي، ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها، وتسعها، أو ثمنها، أو سبعها» حتى انتهى إلى آخر العدد.
وقال سفيان الثوري: «يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها» رواه أبو نعيم في الحلية.
وأما ما اشتهر على ألسنة بعض الوعاظ والعلماء من رفع حديث: (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها). فلا أصل له بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا قريب منه، ولعله مما فُهِم بالمعنى فاشتهر لفظه خطأ.
وقد نسبه ابن تيمية في مواضع من كتبه إلى ابن عباس موقوفاً عليه، ولم أقف على إسناده، ومعناه يدلّ عليه حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه، وعمل بعض الصحابة رضي الله عنهم.
قال أبو رجاء العطاردي: قلت للزبير بن العوام رضي الله عنه: ما لي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة؟
فقال: (نبادر الوسواس). رواه الطحاوي شرح مشكل الآثار، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
وفي رواية عند أبي نعيم في الحلية أنه قال: (ولكنكم أهل العراق يطيل أحدكم الصلاة حتى يغيب في صلاته).

اختلاف أحوال السائلين للهداية:
مما ينبغي التفطّن له ومعرفة أثره العظيم: اختلاف أحوال السائلين عند سؤالهم الهداية، فلا يستوي سؤال أهل الإحسان في دعائهم وسؤال المقصّرين فيه.
وقد دلّت الأدلّة الصحيحة على أنّ الله تعالى ينظر إلى قلوب عباده، وأنّ لما ينبعث منها من أعمال له شأنه واعتباره العظيم عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}، وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)}
وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
وقال تعالى: { إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}
وقال تعالى في شأن المنافقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ }
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم في صحيحه، وأحمد وابن حبان وغيرهم من طريق جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

إذا تبيَّن ذلك؛ فما يقوم بقلب العبد عند الدعاء من شهود الاضطرار إلى هداية الله، والإنابة إليه تعالى وخشيته، وما يصحب ذلك من الخوف والرجاء، والصدق والإخلاص، والتوكّل على الله، وحسن الظنّ به؛ كلّ ذلك من الأعمال القلبية العظيمة التي إذا صاحبت الدعاء كان الداعي أسعد بالإجابة والإثابة.
وقد قال الله تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
فهاتان الآيتان تدلان دلالة بيّنة على أنَّ من كان هذا حاله في دعائه فهو من أهل الإحسان، وأنَّ رحمة الله قريب منه.
ومن كان في دعائه شيء من التقصير والتفريط والإساءة كان حظّه من دعائه بقدر ما أحسن فيه.
ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومن اشتدّ حرصه على رضوان الله تعالى وكرمه وثوابه ودخول جنَّته والفوز بشرف رؤيته تعالى كان خوفه مما يحول بينه وبين ذلك أعظم.
ولذلك فإنَّ أهل الإحسان أشدّ الناس حرصاً على الهداية وبصيرة بعظم الحاجة إليها في جميع شؤونهم لما يبصرونه من كثرة الفتن والابتلاءات، وما يعتبرون به من أنواع العقوبات التي حلّت بالمسيئين؛ فأورثهم هذا الفقه من المعارف الجليلة والبصائر النافعة والأعمال التعبّدية ما طهرت به قلوبهم، وزكت به نفوسهم، وخشعوا به لربّهم جلّ وعلا في صلاتهم؛ فكان من ثوابهم تحقّق فلاحهم كما قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون . والذين هم للزكاة فاعلون ...} الآيات.

تلخيص أوجه تفاضل السائلين في سؤال الهداية:
الذين يسألون الله تعالى الهداية ليسوا سواءً في هذا السؤال العظيم، بل يتفاضلون فيه من وجوه:
أحدها: حضور القلب عند الدعاء؛ فليس دعاء الغافل اللاهي كدعاء المدرك الواعي.
والوجه الثاني: الإحسان في الدعاء؛ فليس من يدعو الله تعالى بتضرّعٍ وتقرّبٍ خوفاً وطمعاً؛ ويشهد اضطراره لإجابة الله دعاءه كمن هو دون ذلك.
فمن كان من أهل الإحسان في الدعاء كان نصيبه من الإجابة أعظم وأكمل، ومن كان دونه كان نصيبه بقدره، وقد جعل الله لكلّ شيء قدراً.
والوجه الثالث: مقاصد الداعي من سؤال الهداية، فإنما الأعمال بالنيات، ولكلّ امرئ ما نوى، والله يعلم قصد كلّ سائل من سؤاله، ولذلك فإنَّ الأكمل للإنسان أن يقصد بسؤاله الهداية التامة التي يبصر بها الحقّ، ويتّبع بها الهدى، وأن يهديه بما هدى به عباده المحسنين.

الهداية منّة من الله تعالى:
الهداية للحقّ منَّةٌ من الله تعالى، لا تكون إلا به، وكلّ الناس ضالّون إلا من هداهم الله، كما في الحديث القدسي الجليل الذي رواه مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربّه جلّ وعلا أنه قال: [ يا عبادي كلّكم ضالّ إلا من هديتُه فاستهدوني أهدكم ]
والناس لا يهتدون إلى شيء ينفعهم في دينهم ودنياهم إجمالاً وتفصيلاً إلا بالله تعالى.
وقد جَعَل الله تعالى الهداية للحق علامة بيّنة على استحقاقه للعبادة، وبطلان عبادة ما سواه؛ كما قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}.
وقال تعالى: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)}
وقال تعالى: {والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل} والضمير {هو} هنا لإفادة الحصر، أي هو وحده الذي يهدي السبيل.
وقال تعالى: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، كلّها تبيّن أنَّ الله تعالى هو الذي يمنّ بالهداية على من يشاء من عباده، وأنَّ الله يحول بين المرء وقلبه؛ فإن شاء أن يقيم قلبه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه.
ولذلك كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بتثبيت قلبه؛ كما في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ))
فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟
قال: (( نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)).

وقد روي نحو هذا الحديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشهود هذه الحقيقة يدفع عن العبد طغيان الشعور بالاستغناء عن طلب الهداية الذي هو من أعظم أسباب الحرمان.

الحكمة من سؤال المسلم الهداية:
اشتهر في كتب التفسير وغيرها السؤال عن الحكمة من سؤال المسلم الهداية إلى الصراط المستقيم وقد هداه الله إلى الإسلام، وكذلك الحكمة من تكرار هذا الدعاء في كلِّ ركعة، ولم أقف على ذكر أوّل من أثار هذا السؤال، والذي يظهر أنّ هذه المسألة لم تكن مشكلة عند السلف حتى يُسأل عنها، وإنما نشأ السؤال بعدهم، وللمفسّرين كلام مشتهر في الجواب على هذا السؤال الكبير، وما تقدّم شرحُه من المسائل كافٍ بإذن الله تعالى في إيضاح الجواب، لكن تلخيص أقوال أهل العلم فيما أجابوا به على هذا السؤال نافع بإذن الله تعالى.
فذهب ابن جرير وأبو إسحاق الزجاج وأبو جعفر النحاس وجماعة من اللغويين إلى أنّ المعنى: ثبّتنا على الهدى.
قال الزجاج: (ومعنى {اهدنا} وهم مهتدون: ثبّتنا على الهدى، كما تقول للرجل القائم: قم لي حتى أعود إليك. تعني: اثبُتْ لي على ما أنت عليه)ا.ه.
وشيخ الإسلام ابن تيمية أطال بحث هذه المسألة في مواضع من كتبه، وله عناية بالجواب على هذا السؤال لاتّصاله بالردّ على بعض أهل الأهواء الذين أساؤوا فهم هذه المسألة.
ومما قاله في ذلك: (وهذا كما يقول بعضهم في قوله {اهدنا الصراط المستقيم} فيقولون: المؤمن قد هُدي إلى الصراط المستقيم؛ فأي فائدة في طلب الهدى؟
ثم يجيب بعضهم بأن المراد ثبتنا على الهدى كما تقول العرب للقائم: قم حتى آتيك.
- أو يقول بعضهم: أَلْزِم قلوبنا الهدى؛ فحذف الملزوم.
- ويقول بعضهم: زدني هدى.
وإنما يوردون هذا السؤال لعدم تصورهم الصراط المستقيم الذي يَطْلُب العبدُ الهداية إليه؛ فإنَّ المراد به العمل بما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه في جميع الأمور.
والإنسان وإن كان أقرَّ بأن محمداً رسول الله، وأن القرآن حقٌّ على سبيل الإجمال؛ فأكثر ما يحتاج إليه من العلم بما ينفعه ويضره وما أمر به وما نهى عنه في تفاصيل الأمور وجزئياتها لم يعرفْه، وما عرفه فكثير منه لم يعمله، ولو قدر أنه بلغه كلُّ أمرٍ ونهيٍ في القرآن والسنة؛ فالقرآن والسنة إنما تُذكر فيهما الأمور العامة الكلية لا يمكن غير ذلك، لا يذكر مايخصّ به كل عبد.
ولهذا أُمِرَ الإنسان في مثل ذلك بسؤال الهدى إلى الصراط المستقيم، والهدى إلى الصراط المستقيم يتناول هذا كله:
- يتناول التعريف بما جاء به الرسول مفصلاً.
- ويتناول التعريف بما يدخل في أوامره الكليات.
- ويتناول إلهام العمل بعلمه؛ فإن مجرد العلم بالحق لا يحصل به الاهتداء إن لم يعمل بعلمه.
ولهذا قال لنبيه بعد صلح الحديبية أوَّلَ سورة الفتح {إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} وقال في حق موسى وهارون {وآتيناهما الكتاب المستبين . وهديناهما الصراط المستقيم}).ا.هـ.
وله في مواضع أخرى من كتبه كلام حسنٌ في الجواب على هذا السؤال، ولتلميذه ابن القيّم رحمه الله عناية أيضاً بالجواب على هذا السؤال.

وتلخيص الجواب على هذا السؤال: أن دخول المسلم في الإسلام هو أصل الهداية؛ لكنّه يحتاج إلى هدايات كثيرة متنوّعة ومتجددة، وبيان ذلك من وجوه:
1. أن الهداية قائمة على العلم والعمل، وهما يتفاضلان؛ فيحتاج المؤمن إلى البصيرة في الدين، وإلى الإعانة على الطاعة، والعصمة من الضلالة في كلّ أمرٍ من أموره.
2. أنّ الهداية الإجمالية لا تغني عن الهداية التفصيلية.
3. أن القلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت والهداية دائمة متجددة.
4. أن الفتن التي تعترض المؤمن في يومه وليلته كثيرة متنوّعة ومن لم يهده الله ضلّ بها، وكم أصابت الإنسان المقصّر من فتنة تضرر بها وبعقوباتها ولو أنَّه أحسن الاستعاذة بالله منها وسؤاله الهداية لَسَلِم من شرّ كثير.
5. أنّ لكل عبد حاجات خاصّة للهداية، بما يناسب حاله، فهو محتاج إلى أن يمدّه الله بتلك الهدايات، وإن لم يهده الله لم يهتد.

معنى ضمير الجمع في قوله: {اهدنا}
لا خلاف في أنّ المنفرد يدعو بهذا الدعاء كما أنزله الله تعالى بصيغة الجمع {اهدنا} ، وأن هذا الدعاء وإن كان من المنفرد فهو دعاء صحيح، قد وعد الله عبده الإجابة عليه، كما في الحديث القدسي المتقدّم ذكره: (فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
ولمّا أثير السؤال عن الحكمة من الإتيان بضمير الجمع في قوله: {اهدنا} مع أنَّ الداعي قد يكون منفرداً، اختلف العلماء في جوابه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لأنَّ كلَّ عضو من أعضاء العبد وكل حاسة ظاهرة وباطنة مفتقرة إلى هداية خاصة به فأتى بصيغة الجمع تنزيلاً لكل عضو من أعضائه منزلة المسترشد الطالب لهداه، وهذا القول حكاه ابن القيّم في بدائع الفوائد عمّن لم يسمّه ثم قال: (عرضت هذا الجواب على شيخ الإسلام ابن تيمية فاستضعفه جداً، وهو كما قال؛ فإن الإنسان اسم للجملة لا لكل جزء من أجزائه وعضو من أعضائه، والقائل إذا قال: "اغفر لي وارحمني واجبرني وأصلحني واهدني" سائل من الله ما يحصل لجملته ظاهرِه وباطنِه؛ فلا يحتاج أن يستشعر لكل عضو مسألة تخصه يفرد لها لفظة)ا.هـ.
فهذا القول ضعيف، وإنما ذكرته ليعلم.
والقول الثاني: ليتضمّن دعاؤه الدعاء لإخوانه المسلمين بالهداية؛ فيكون له أجر بالدعاء لنفسه ولإخوانه، وليحظى بدعوة الملَك له بمثل ما دعا لإخوانه، وهذا القول ذكر معناه ابن كثير في تفسيره.
قال: (ثمّ يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: {اهدنا} لأنّه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة)ا.هـ.
وهذا القول وإن كان صحيحاً في نفسه إلا أنه لا يستقلّ بالجواب.
والقول الثالث: الجمعُ هنا نظير الجمع في قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}، ومطابق لهما، وهذا جواب ابن القيّم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد، وقد أحسن فيه وأجاد.
فقال: (الصواب أن يقال هذا مطابق لقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} والإتيان بضمير الجمع في الموضعين أحسن وأفخم فإن المقام مقام عبودية وافتقار إلى الرب تعالى وإقرار بالفاقة إلى عبوديته واستعانته وهدايته؛ فأتى به بصيغة ضمير الجمع أي نحن معاشر عبيدك مقرون لك بالعبودية، وهذا كما يقول العبد للملك المعظم شأنه: نحن عبيدك ومماليكك وتحت طاعتك ولا نخالف أمرك فيكون هذا أحسن وأعظم موقعاً عند الملك من أن يقول أنا عبدك ومملوكك، ولهذا لو قال: أنا وحدي مملوكك استدعى مقته؛ فإذا قال: أنا وكل من في البلد مماليكك وعبيدك وجند لك كان أعظم وأفخم؛ لأن ذلك يتضمن أن عبيدك كثيرٌ جداً، وأنا واحدٌ منهم وكلنا مشتركون في عبوديتك والاستعانة بك وطلب الهداية منك فقد تضمن ذلك من الثناء على الرب بسعة مجده وكثرة عبيده وكثرة سائليه الهداية ما لا يتضمنه لفظ الإفراد فتأمله وإذا تأملت أدعية القرآن رأيت عامتها على هذا النمط نحو: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ونحو دعاء آخر البقرة وآخر آل عمران وأولها وهو أكثر أدعية القرآن الكريم)ا.هـ.


الحكمة من تعدية فعل الهداية بنفسه في هذه الآية
تعدية فعل الهداية في القرآن له أنواع:
- فيأتي معدّى بإلى كما في قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقوله: {وهديناهم إلى صراط مستقيم} وقوله: {واهدنا إلى سواء الصراط}.
- ويأتي معدّى باللام كما في قوله تعالى: {قل الله يهدي للحقّ} وقوله: {وقالوا الحمد الله الذي هدانا لهذا}، وقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}
- ويأتي معدّى بنفسه كما في هذه الآية {اهدنا الصراط المستقيم} وقوله: {وهديناهما الصراط المستقيم}.
وقد اختلف العلماء في دلائل هذا التنويع في تعدية الفعل، وهذه المسألة من دقائق مسائل التفسير البياني، وكثير من العلماء يتجوّزون في التعبير عن الجواب؛ لأنَّ غاية المفسّر تقريب المعنى، وهذا يتأدّى بأيّ عبارة مقاربة تحصل بها الإفادة.
والقاعدة في مثل هذه المسائل مراعاة معاني الحروف، وما يحتمله السياقُ من المعاني المضمَّنة بالتعدية، وما يناسب مقاصد الآيات، وهذا يختلف من موضع لآخر.
ففي قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم} تضمّن فعل الهداية معنى الدعوة أي تهديهم وتدعوهم إلى صراط مستقيم؛ ففيه بيان أنّك على الهداية وأنّك مع اهتدائك تدعوهم إلى صراط مستقيم دعوة حقّ أنت مهتدٍ فيها؛ فكان لتعدية فعل الهدى بإلى في هذا الموضع أربع فوائد ظاهرة:
الأولى: الحكم بأنّك على الهدى.
والثانية: الحكم بأنّ دعوتك دعوة هداية.
والثالثة: الإفادة بأنك تدعوهم إلى صراط مستقيم لا إلى غيره.
والرابعة: اختصار اللفظ وحسن سبكه.
وأما في قوله تعالى عن أنبيائه صلى الله عليهم وسلم، { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} فيضمّن الفعل ما يناسب السياق من معنى الإيصال والأخذ بأيديهم إلى ما تقرّ به أعينهم من المراتب العالية في الهداية.
فليس كلّ تعدية بحرف يكون المعنى جامداً عليها؛ إذ لا بدّ من مراعاة السياق.
وأما تعدية فعل الهداية باللام فهو لتحقيق ثمرة الهداية وبيان اختصاصها بالمهتدي، فقوله تعالى عن أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}
فالمشار إليه ما هم فيه من النعيم الذي هو من ثمرات هدايتهم.
وقوله: {قل الله يهدي للحق} أي يهدي من استهداه حتى يكون على الحقّ، ولو قال: يهدي إلى الحق، لكان المعنى محتمل الاختصاص بهداية الدلالة والبيان، لكن المراد هنا تحقيق ثمرة الهداية وأن الله {يهدي للحق} أي يهيّئ لعبده ما يتحقّق به أنّه على الهدى.
وأنت إذا عرض لك عارضٌ ثمَّ اتّبعت هدى الله فحصلت لك الطمأنينة وفرّج الله عنك كربك ووجدت ثمرة اتّباعك للهدى من السكينة والطمأنينة وانشراح الصدر قلتَ: الحمد لله الذي هداني لهذا، أي هيأ لي هذا الذي أنعم به، واختصّني به.
وكذلك قول الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} أي يتحقّق لمن اتّبع هداه أقوم الأمور في كلّ شيء من شؤونه؛ وهذه الثمرة تتفاضل بتفاضل اتّباع الهدى؛ فمن كان أحسن اتّباعاً لهدى القرآن كان نصيبه من ثمرة الهداية أعظم.
وأمَّا قوله تعالى هنا : {اهدنا الصراط المستقيم} فهو معنى جامع لكل ما تقدّم من البيان والدلالة والإلهام والتوفيق والتهيئة.
قال ابن القيّم رحمه الله: (فالقائل إذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو طالبٌ من الله أن يُعرِّفَه إيَّاه ويبّينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه؛ فيجعل في قلبه علمَه وإرادتَه والقدرةَ عليه؛ فجَرَّدَ الفعلَ من الحرف، وأتى به مجرَّدا معدىً بنفسه ليتضمَّن هذه المراتب كلَّها، ولو عُدِّيَ بحرفٍ تعيَّن معناه وتخصَّص بحسب معنى الحرف؛ فتأمَّله فإنه من دقائق اللغة وأسرارها)ا.هـ.


معنى الصراط لغة:
الصراط في لغة العرب: الطريق الواضح الواسع السهل المستقيم الموصل للمطلوب.
قال ابن جرير: ( أجمعت الحجة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. وكذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطيّة بن الخطفى: أمير المؤمنين على صراطٍ.......إذا اعوجّ الموارد مستقيم)ا.هـ.
وأصل الصاد في الصراط منقلبة عن السين، وفي قراءة ابن كثير المكّي (السِّراط) بالسين، وفي قراءةٍ لأبي عمرو (الزِّرَاط) بالزّاي الخالصة، ومن القُرّاء من يشمّ الزاي بالصاد.
قال ابن الجزري: (ووجه ذلك أن حروف الصفير يبدل بعضها من بعض).
وكلّها متفقة في المعنى، وإنما اختلف النطق بها لاختلاف لغات العرب، وقد رُسمت في المصحف صاداً على خلاف الأصل لتحتمل هذه الأوجه كلها.
والمقصود أنَّ الأصل هو السين، وقد نَقَل أبو منصور الأزهري عن بعض أهل اللغة أنَّ السِّرَاط إنما سُمّي سِراطاً؛ لأنه يسترط المارّة، أي يسعهم.
ومن أمثال العرب: لا تكن حلواً فتُسترَط أي: تُبتَلع.
وقال ابن القيّم رحمه الله: (الصراط ما جمع خمسة أوصاف: أن يكون طريقاً مستقيماً سهلاً مسلوكاً واسعاً موصلاً إلى المقصود؛ فلا تسمّي العربُ الطريقَ المعوجَّ صراطاً ولا الصعب المُشِقّ ولا المسدودَ غير الموصول).
قال: (وبنوا "الصراط" على زِنَةِ فِعَال لأنَّه مُشْتَمِلٌ على سالكِهِ اشتمالَ الحلقِ على الشيءِ المسرُوط)ا.هـ.
والمقصود أنَّ اختيار لفظ "الصراط" على غيره من الألفاظ كالطريق والسبيل والمنهج وغيرها له حِكَمٌ ودلائل.

المراد بالصراط المستقيم:
لا ريب أنَّ المراد بالصراط المستقيم ما فسّره الله به في الآية التي تليها بقوله: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
وهو وصف جامع مانع لما يوصل إلى رضوان الله وجنّته، وينجّي من سخط الله وعقوبته.
ولذلك سُمّي صراطاً لوضوحه واستقامته ويسره وسعته، فإنّ الله تعالى قد يسّر الدين ووسّع على عباده فلم يجعل عليهم فيه من حرج، وجعله شريعته سمحة بيّنة مستقيمة لا اعوجاج فيها، ولا تناقض ولا اختلاف؛ فمن أطاع الله ورسوله فقد اتّبع الهدى وسلك الصراط المستقيم؛ فهو صراط يُسار فيه بالإيمان والأعمال الصالحة؛ وكلما عمل العبد حسنة ازداد بها قرباً إلى الله تعالى واستقامة على صراطه.
وهذا الصراط له (سَواءٌ) هو أوسطه وأعدله، قال الله تعالى: {واهدنا إلى سواء الصراط} أي أعدله وأوسطه، وللصراط مراتب يتفاضل فيها السالكون، وله حدود من خرج عنها انحرف عن الصراط المستقيم وسلك سبيلاً من السبل المعوجة عن يمينه أو شماله يضلّ بها عن الصراط المستقيم وتفضي به إلى النار والعياذ بالله.
ومن كان انحرافه بقدْرٍ لا يخرجه عن حدود هذا الصراط، وإنما يصرفه عن مراتبه العليا فهو في المرتبة التي ارتضاها لنفسه في سلوك هذا الصراط.
وبهذا يتبيّن أنَّ السالكين للصراط المستقيم يتفاضلون في سلوكهم تفاضلاً كبيراً من أوجه متعددة؛ فيتفاضلون في مراتب السلوك، وفي الاستباق في هذا السلوك، وفي الاحتراز من العوارض التي تعرض لهم عند سلوكهم.
وعلم السلوك مبناه على فقه هذه المسائل الكبيرة.

تنوّع عبارات السلف في المراد بالصراط المستقيم:
تنوعت عبارات السلف في التعريف بالصراط المستقيم بعبارات لا اختلاف في مدلولها، وإن اختلفت مسالكهم في الدلالة على هذا الصراط، والمحفوظ عن الصحابة والتابعين في هذه المسألة خمسة أقوال:
القول الأول: دين الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ورواية الضحاك عن ابن عباس، وهو قول محمّد بن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورواية عن أبي العالية الرياحي، وهو قول جمهور المفسّرين.
وهذا القول هو أشهر الأقوال وأصلها، والإسلام إذا أطلق شمل مراتب الدين كلها؛ فكلّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من شريعة الإسلام، وكل عبادة صحيحة يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى فهي من اتّباع دين الإسلام، ومن سلوك الصراط المستقيم.
واستدلّ بعض المفسّرين لهذا القول بحديث النوَّاس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)). رواه أحمد وابن نصر المروزي وابن أبي عاصم والطحاوي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم من طريق معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري مرفوعاً، ولهذا الحديث طرق أخرى بألفاظ مقاربة.
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم مختصراً.
والشاهد فيه قوله: (والصراط الإسلام). وهذا اللفظ تفرّد بروايته معاوية بن صالح الليثي.
- وروى الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: « {الصراط المستقيم} هو الإسلام، وهو أوسع مما بين السماء والأرض» رواه الحاكم وصححه،
ورواه ابن جرير في تفسيره من طريق علي والحسن ابنا صالح.
- وقال عاصم الأحول: قال أبو العالية: «تعلَّموا الإسلام؛ فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم؛ فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الصراط شمالا ولا يمينا». رواه عبد الرزاق في مصنّفه وابن نصر المروزي في السنة، وابن وضاح في البدع، والآجرّي في الشريعة.

والقول الثاني: هو كتاب الله تعالى، وهو رواية صحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
- روى منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن هذا الصراط محتضَرٌ تحضره الشياطين يقولون: يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإنَّ الصراط المستقيم كتاب الله). رواه الطبراني في الكبير، وابن نصر المروزي في السنة، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
واستدلّ بعض المفسّرين لهذا القول بما رواه الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث وصف القرآن المشهور وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم). رواه ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي وغيرهم من طريق أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن عليّ مرفوعا، ورواه الدارمي أيضاً من طريق عمرو بن مرة عن أبي البختري عن الحارث به، والحارث هو الأعور الهمداني متروك الحديث، وكان من كبار أصحاب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، لكنَّه تغيّر بعده، وأحدث ما أحدث فترك أهل العلم حديثه، ومنهم من انتقى بعض حديثه مما لا نكارة فيه؛ كهذا الحديث ونحوه.
وهذا القول صحيح في نفسه باعتبار أنَّ من اتّبع القرآن فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم.

والقول الثالث: هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا القول رواية عن ابن مسعود.
روى الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: «الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان، ولفظه: (الصراط المستقيم تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرفه، والطرف الآخر الجنة).
- وروى ابن وهب في جامعه من طريق أبان بن أبي عياش عن مسلم ابن أبي عمران، عن عبيد الله بن عمر بن الخطاب أنه أتى ابنَ مسعود عشيةً خميس وهو يذكّر أصحابه، قال: فقلت يا أبا عبد الرحمن، ما الصراط المستقيم؟
قال: يا ابن أخي، تركَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادٌّ، وعن شماله جوادٌّ، وعلى كلِّ جوادٍّ رجالٌ يدعون كلَّ من مرَّ بهم: هَلُمَّ لك، هَلُمَّ لك، فمن أخذ معهم وردوا به النار، ومن لزم الطريق الأعظم وردوا به الجنة).
وأبان ضعيف الحديث، لكن يشهد له ما قبله.

والقول الرابع: هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري.
- عن عاصم الأحول، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى {الصراط المستقيم} قال: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه» قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: «صدق والله ونصح، والله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما». رواه الحاكم موقوفاً على ابن عباس وصححه، ورواه محمد بن نصر المروزي في السنة مقطوعاً على أبي العالية.
وهذا القول له سبب، وإنما قاله ابن عباس وأبو العالية الرياحي بعد مقتل عثمان وظهور الفرق؛ فأرادا أن يبيّنا للناس أن الصراط المستقيم ما كانت الأمة مجتمعة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر ليحذّرا بذلك مما أُحدثَ بعده؛ فإنَّ كلّ تلك الفرق كانت تنتسب إلى الإسلام.
قال عاصم الأحول: قال لنا أبو العالية: (تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الصراط يمينا وشمالا، وعليكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم والذي كانوا عليه من قبل أن يقتلوا صاحبهم ويفعلوا الذي فعلوا، فإنا قد قرأنا القرآن من قبل أن يقتلوا صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا بخمس عشرة سنة، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء).
قال: فأخبرت به الحسن فقال: (صدق ونصح).
قال: وحدثت به حفصة بنت سيرين فقالت لي: بأهلي أنت هل حدثت بهذا محمدا؟ قلت: لا، قالت: فحدّثه إياه) رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.
ولهذا اشتهر هذا القول عن أبي العالية مع تصريحه بأنّ الصراط المستقيم هو الإسلام.
القول الخامس: هو الحقّ ، وهو قول مجاهد بن جبر رواه ابن أبي حاتم.
وهذا القول حقيقته بيان وصف هذا الصراط المستقيم بأنَّه الحقّ، لأنّ كلَّ ما اتّبع سواه فهو باطل.
فهذه الأقوال الخمسة هي المأثورة عن الصحابة والتابعين في بيان المراد بالصراط المستقيم.
قال ابن كثير: (وكلّ هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر، فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد)ا.هـ.
ومما ينبغي التنبّه له أن بعض هذه الأقوال تجوّز في اختصارها وروايتها بالمعنى بعض المفسّرين؛ حتى زعم بعضهم أن الصراط المستقيم هو حبّ أبي بكر وعمر، وهذا نقل مخلّ، وإن كان حبّ الشيخين من الدين، لكن الأمانة في نقل الأقوال تقتضي الإتيان بنصّها أو التعبير عنها بما لا يخلّ بالمعنى.
ولذلك ينبغي لطالب علم التفسير إذا تجاوز مرحلة المتوسّطين فيه أن لا يكتفي بما يُنقل من أقوال السلف في التفاسير المتأخرّة، بل ينبغي له أن يرجع إلى المصادر الأصلية، فيأخذ عباراتهم بنصّها، ويميّز ما يصحّ مما لا يصحّ؛ فتندفع عنه بذلك إشكالات كثيرة سببها النقل المخلّ، وحذف الأسانيد، والتوسّع في استخراج الروايات.


معنى التعريف في الصراط المستقيم:
التعريف في الصراط للعهد الذهني الذي يفيد الحصر؛ فهو صراط واحد لا غير.
والتعريف هنا مع إفادته الحصر يفيد معنى التشريف والتفضيل والكمال، وهذا كما تقول للطبيب: أعطني الدواء الناجع؛ فهو أبلغ من قولك: أعطني دواءً ناجعاً.
فالأول يفيد أنك تطلب منه أفضل ما لديه، وهو الدواء الذي يكون أحقّ بالتعريف مما دونه من الأدوية.


معنى وصف الصراط بالاستقامة
إذا قيل: إنَّ الصراط في اللغة لا يكون إلا مستقيماً؛ فوصفه بأنَّه مستقيم في هذه الآية وصف كاشف للتأكيد على استقامته، وهذا كما يؤكَّد وصف الاستقامة بانتفاء العوج؛ فتقول: طريق مستقيم غير معوجّ، فنفي العوج وصف مؤكّد للاستقامة، وتقول: رجل صادق غير كاذب، فنَفْي الكذب عنه تأكيد لوصفه بالصدق، ونظير هذا قوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا . قيّما} وقوله: {حنفاء لله غير مشركين به} ، وقوله: {محصنات غير مسافحات}
وإذا قيل: إن وصف الصراط بالاستقامة معنى زائد؛ فالوصف هنا مؤكّد للتقييد المستفاد من التعريف في لفظ "الصراط"؛ فالتعريف في "الصراط" للعهد الذهني، وهو منصرف إلى صراط معروف باستقامته؛ فالنصّ على وصفه بالاستقامة
يُستفاد منه التوكيد.
فهذا من جهة التخريج البياني لمعنى وصف الصراط هنا بالاستقامة.
ومن جهة أخرى فإنّ هذا الوصف يفيد بأنَّ هذا الصراط صوابٌ كلّه لا خطأ فيه ولا ضلال، وأنَّ من هُدي إليه فقد هدي للحقّ والدين القيّم، قال ابن جرير رحمه الله: (وإنّما وصفه اللّه بالاستقامة، لأنّه صوابٌ لا خطأ فيه).

تمّ هذا الدرس ولله الحمد والمنّة، والله تعالى أعلم بمراده، وأسأله العفو والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir