دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 02:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي 2- الشروط الفاسدة

ومنها ( فاسدٌ ) يُبْطِلُ العَقْدَ , كاشتراطِ أحدِهما على الآخَرِ عَقْدًا آخَرَ , كسَلَفٍ وقَرْضٍ , وبيعٍ وإجارةٍ وصَرْفٍ، وإن شَرَطَ أن لا خَسارةَ عليه، أو متى نَفَقَ الْمَبيعُ وإلا رَدَّه، أو لا يَبيعُه ولا يَهَبُه ولا يُعْتِقُه , وإن أعْتَقَ فالولاءُ له، أو أن يَفعلَ ذلك بَطَلَ الشرْطُ وَحدَه , إلا إذا شَرَطَ الْعِتْقَ، وبِعْتُكَ على أن تُنْقِدَنِي الثمَنَ إلى ثلاثٍ , وإلا فلا بَيْعَ بينَنا -صَحَّ، وبِعْتُك إن جِئْتَنِي بكذا أو رَضِيَ زيدٌ، أو يَقولُ للمُرْتَهِنِ: إن جِئْتُكَ بِحَقِّكَ وإلا فالرَّهْنُ لك لا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وإن باعَه وشَرَطَ البَراءَةَ من كلِّ عيبٍ مجهولٍ لم يَبْرَأْ , وإن باعَه دارًا على أنها عَشرةُ أَذْرُعٍ فبَانَتْ أكثرَ أو أقلَّ -صَحَّ، ولِمَن جَهِلَه وفاتَ غَرَضُه الْخِيارُ.


  #2  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 07:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

والضَّرْبُ الثَّانِي مِن الشروطِ أشَارَ إليه بقَوْلِه: (ومِنْهَا فَاسِدٌ) وهو ما يُنَافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، وهو ثلاثةُ أَنْوَاعٍ؛ أَحَدُها (يُبْطِلُ العَقْدَ) مِن أَصْلِه (كاشتِراطِ أَحدِهِما على الآخَرِ عَقْداً آخَرَ كسَلَفٍ)؛ أي: سَلَمٍ (وقَرْضٍ وبَيْعٍ وإجارةٍ وصَرْفٍ) للثمنِ أو غَيْرِه وشَرِكَةٍ وهو بَيْعَتَانِ في بَيْعَةٍ المَنْهِيُّ عنه، قالَه أَحْمَدُ.
الثَّانِي: ما يَصِحُّ معَه البَيْعُ وقد ذَكَرَه بقَوْلِه: (وإن شَرَطَ أن لا خَسَارَةَ عليه أو مَتَى نَفَقَ المَبِيعُ وإلا رَدَّه، أو) شَرَطَ أن (لا يَبِيعَ) المَبِيعَ (ولا يَهِبَه ولا يَعْتِقَه، أو) شَرَطَ (إن عُتِقَ فالوَلاءُ له)؛ أي: للبائعِ، (أو) شَرَطَ البائعُ على المُشْتَرِي (أن يَفْعَلَ ذلك)؛ أي: أن يَبِيعَ المَبِيعَ أو يَهَبَه ونَحْوَه (بَطَلَ الشَّرْطُ وَحْدَه) لقَولِه عليه السَّلامُ: ((مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ)) مُتَّفقٌ عليه. والبيعُ صحيحٌ؛ لأنَّه صلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ في حديثِ بُرَيْرَةَ أَبْطَلَ الشرطَ ولم يُبْطِلِ العَقْدَ، (إلا إذا شَرَطَ) البائعُ (العِتْقَ) على المُشْتَرِي فيَصِحُّ الشرطُ أيضاً، ويُجْبَرُ المُشتَرِي على العِتْقِ إن أَبَاهُ والوَلاءُ له، فإن أَصَرَّ أَعْتَقَه حَاكِمٌ، وكذا شَرْطُ رَهْنٍ فَاسِدٍ كخَمْرٍ ومَجْهُولٍ وخِيارٍ، أو أَجَلِ مجهولِيْنَ ونحوِ ذلك فيَصِحُّ البيعُ ويَفْسَدُ الشَّرْطُ.


  #4  
قديم 28 صفر 1430هـ/23-02-2009م, 07:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

والضرب الثاني من الشروط أشار إليه بقوله (ومنها فاسد)([1]) وهو ما ينافي مقتضى العقد([2]).
وهو ثلاثة أنواع:
«أحدها» (يبطل العقد) من أصله([3]) (كاشتراط أحدهما على الآخر عقدا آخر كسلف) أي سلم (وقرض([4]) وبيع، وإجارة، وصرف) للثمن أو غيره، وشركة([5]) وهو «بيعتان في بيعة» المنهي عنه، قاله أحمد([6]).
«الثاني» ما يصح معه البيع([7]) وقد ذكره بقوله (وإن شرط أن لا خسارة عليه([8]) أو متى نفق المبيع وإلا رده([9]) أو) شرط أن (لا يبيع) المبيع (ولا يهبـ) ـه (ولا يعتقد) ـه([10]) (أو) شرط (إن أعتق فالولاء له) أي للبائع([11]).
(أو) شرط البائع على المشتري (أن يفعل ذلك) أي أن يبيع المبيع، أو يهبه ونحوه([12]) (بطل الشرط وحده)([13]) لقوله عليه السلام ((من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط)) متفق عليه([14]) والبيع صحيح([15]) لأنه صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة أبطل الشرط، ولم يبطل العقد([16]).
(إلا إذا شرط) البائع (العتق) على المشتري فيصح الشرط أيضا([17]) ويجبر المشتري على العتق إن أباه، والولاء له([18]) فإن أصر أعتقه حاكم([19]) وكذا شرط رهن فاسد، كخمر، ومجهول([20]) وخيار أو أجل مجهولين، ونحو ذلك([21]) فيصح البيع، ويفسد الشرط([22]).
(و) إن قال البائع (بعتك) كذا بكذا (على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث) ليال مثلا([23]) أو على أن ترهننيه بثمنه (وإلا) تفعل ذلك (فلا بيع بيننا) وقبل المشتري (صح) البيع والتعليق([24]) كما لو شرط الخيار([25]) وينفسخ إن لم يفعل([26]) (و) «الثالث» ما لا ينعقد معه بيع([27]).
نحو (بعتك إن جئتني بكذا([28]) أو) إن (رضي زيد) بكذا([29]) وكذا تعليق القبول([30]).
(أو يقول) الراهن (للمرتهن: إن جئتك بحقك) في محله (وإلا فالرهن لك، لا يصح البيع)([31]) لقوله عليه السلام ((لا يغلق الرهن من صاحبه)) رواه الأثرم، وفسره أحمد بذلك([32]).
وكذا كل بيع علق على شرط مستقبل([33]) غير : إن شاء الله([34]) وغير بيع العربون([35]) بأن يدفع بعد العقد شيئا([36]).

ويقول: إن أخذت المبيع أتممت الثمن،وإلا فهو لك([37]) فيصح، لفعل عمر رضي الله عنه([38]) والمدفوع للبائع، إن لم يتم البيع([39]) والإجارة مثله([40]).
(وإن باعه) شيئا (وشرط) في البيع (البراءة من كل عيب مجهول) ([41]).
أو من عيب كذا إن كان (لم يبرأ) البائع([42]) فإن وجد المشتري بالمبيع عيبا فله الخيار، لأنه إنما يثبت بعد البيع، فلا يسقط بإسقاطه قبله([43]).
وإن سمى العيب([44]) أو أبرأه المشتري بعد العقد برئ([45]) (وإن باعه دارا) أو نحوها([46]) مما يذرع (على أنها عشرة أذرع، فبانت أكثر) من عشرة (أو أقل) منها (صح) البيع([47]).
والزيادة للبائع، والنقص عليه([48]) (ولن جهله) أي الحال من زيادة أو نقص (وفات غرضه الخيار) ([49]) فلكل منهما الفسخ([50]) ما لم يعط البائع الزيادة للمشتري مجانا في المسألة الأولى([51]) أو يرض المشتري بأخذه بكل الثمن في الثانية([52]) لعدم فوات الغرض([53]) وإن تراضيا على المعاوضة، عن الزيادة أو النقص جاز([54]) ولا يجبر أحدهما على ذلك([55]).
وإن كان المبيع نحو صبرة على أنها عشرة أقفزة، فبانت أقل أو أكثر، صح البيع ولا خيار([56]) والزيادة للبائع والنقص عليه([57]).



([1]) يحرم اشتراطه في الجملة.
([2]) أي حكمه، ووجه المنافاة: أن حكم العقد يقتضي ترف كل بما آل إليه، وشرط ذلك ينافيه.
([3]) وحكمه البطلان أنه إذا فسد الشرط وجب رد ما يقابله من الثمن، وهو مجهول، فيصير الثمن مجهولا.
([4]) لما تقدم أنه «لا يحل سلف وبيع» وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه لا يجوز بيع وسلف، وهو أن يبيع الرجل السلعة على أنه يسلفه سلفا، أو يقرضه قرضا، وقال ابن القيم: «نهى عن سلف وبيع» لأنه ذريعة إلى أن يقرضه ألفا، ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى، فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه ألفين، وهذا هو عين الربا.
([5]) فالبيع والإجارة كبعتك كذا، على أن تؤجرني دارك بكذا، والبيع والصرف للثمن أو غيره كبعتك هذه الأمة بعشرة دنانير، على أن تصرفها بمائة درهم، وبعتك هذا الثوب، على أن تصرف لي هذه الدنانير بدراهم، والبيع والشركة كبعتك كذا، على أن تشاركني في كذا، فاشتراط ذلك يبطل البيع.
([6]) أي ما تضمنه البيع من الشروط المذكورة هو «بيعتان في بيعة» المنهي عنه أي في حديث ((نهى عن بيعتين في بيعة)) وفيه ((فله أوكسهما أو الربا)) وفسره أحمد بما تقدم، ورجح غير واحد أنه بيع بثمن واحد بأحد ثمنين مختلفين كما تقدم.
وقال ابن القيم: البيعتان في بيعة هو الشرطان في البيعة، فإنه إذا باعه السلعة بمائة مؤجلة، ثم اشتراها منه بثمانين حالة، فقد باع بيعتين في بيعة، فإن أخذ بالثمن
الزائد أخذ بالربا، وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما، وهذا من أعظم الذرائع إلى الربا، بخلاف : بمائة مؤجلة، أو خمسين حالة، فليس هنا ربا، ولا جهالة ولا غرر، ولا ضرر، وإنما خيره بين أي الثمنين شاء.
([7]) أي ويبطل الشرط المنافي لمقتضى البيع.
([8]) أي شرط مشتر على بائع أن لا يخسر في مبيع، وكذا إن شرط ضمان المبيع من بلد إلى بلد، فالبيع صحيح، والشرط باطل، لمخالفته لمقتضى العقد، إذ مقتضاه ملكه واستقلاله، فإن تلف فمن ضمان المشتري، يحط ما زاد به الثمن لأجل الشرط.
([9]) أي وإن شرط أنه متى «نفق» بالفتح أي راج المبيع، فربح فيه، وإلا رد المبيع على البائع، بطل الشرط، وصح البيع.
([10]) أي لا يفعل واحدا من هذه الأشياء، فالواو بمعنى «أو» وعبر في المنتهى بـ «أو» فمتى شرط ذلك بطل الشرط وحده، والبيع صحيح، إذ مقتضى العقد التصرف المطلق، ويزيد العتق بترغيب الشارع فيه، وفي الاختيارات -فيما إذا شرط أن لا يتسرى بها- قال: لا بأس ومثله: أن لا يبيعه أو لا يهبه، فإذا امتنع المشتري من الوفاء فهل يجبر عليه، أو ينفسخ المبيع؟ على وجهين، وهذا قياس قولنا: إذا شرط في النكاح أن لا يسافر بها، أو لا يتزوج، إذ لا فرق في الحقيقة بين الزوجة والمملوكة.
([11]) بطل الشرط وحده، لقصة بريرة، فإنهم أبوا إلا أن يكون لهم الولاء
فقال: «خذيها واشترطي لهم الولاء» قاله زجرا وتوبيخا، يعلم منه أنه قد بين لهم بطلانه، ثم قال: «فإنما الولاء لمن أعتق»
([12]) كأن يؤجره، أو يقفه.
([13]) وصار وجوده كعدمه، كأن يشترط ضمان المبيع من بلد إلى بلد، والبيع صحيح بشرطه في تلك الصور، وإن تلف المبيع فمن ضمان المشتري، ويحط ما زاد به الثمن لأجل الشرط.
([14]) أي من اشترط شرطا ليس في حكم الله وشرعه فهو باطل، ولو شرط مائة شرط، لمخالفته للحق، قال ابن القيم: ليس المراد به القرآن قطعا، فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن، بل علمت من السنة، فعلم أن المراد بكتاب الله حكمه، فإنه يطلق على كلامه،وعلى حكمه، الذي حكم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن كل شرط ليس في حكم الله، فهو مخالف له، فيكون باطلا، والصواب إلغاء كل شرط خالف حكم الله، واعتبار كل شرط لم يحرمه الله، ولم يمنع منه.
([15]) لمفهوم الخبر، ولعود الشرط على غير العاقد.
([16]) بل أقره، وقال «اشتريها» مع تصريحه ببطلان الشرط.
([17]) لخبر بريرة، وهو مذهب جمهور العلماء، ولبنائه على السراية، وتشوف الشرع له، ولو شرط أنه متى دخل ملكه فهو عتيق، ولم يصح الشرط، لأنه ينافي ملك المشتري، بل يشتريه ثم يعتقه، فإن أبى أجبر، لحديث ((المسلمون على شروطهم)).
([18]) أي للمشتري وهذا بناء على أنه حق لله كالنذر، وهو المشهور، ومذهب الجمهور.
([19]) أي فإن امتنع المشتري من عتقه أعتقه حاكم عليه، لأنه عتق مستحق عليه، لكونه قربة التزمها كالنذر، وكما يطلَّق على المولي.
([20]) أي ومثل الشروط الباطلة شرط رهن فاسد، كخمر، أو خنزير، أو شرط رهن مجهول لم يصح الشرط.
([21]) كشرط ضمين، أو كفيل غير معين، وكشرط تأخير تسليمه بلا انتفاع بائع به، وتقدم أنه إن شرط تأخير قبضه بلا غرض صحيح لم يجز، أو كشرط: إن باعه فهو أحق به بالثمن.
([22]) لما تقدم من حديث بريرة وغيره، وهو المذهب، ولأن العقد لا يفتقر إلى التأجيل، فلم يبطل البيع، ولجاهل فساد الشرط، وفات غرضه الخيار، وفي الاختيارات: وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع، وفي جميع العقود، فلو باعه جارية، وشرط على المشتري أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن، صح البيع والشرط.
([23]) وإلا تفعل فلا بيع بيننا، وقبل المشتري، صح التعليق، والبيع، فإن أعطاه الثمن عند الأجل،وإلا فله الفسخ، وإن شرط الإحالة بثمنها، أو شرط المشتري على البائع أن أحيلك بثمنها، والمحال عليه معروف عند العقد صح، فإن لم يف بالشرط، فله خيار الفسخ.
([24]) قال في الفروع: يصح شرط رهن المبيع على ثمنه، في المنصوص فيقول: بعتك على أن ترهننيه بثمنه، وكذا إن قال المشتري: اشتريت على أن تسلمني المبيع إلى ثلاث، أو أقل أو أكثر صح.
([25]) أي يصح البيع بشرط رهنه على ثمنه، كما يصح لو شرط الخيار المتفق على جوازه.
([26]) أي إن لم يعطه أو يرهنه، ولا يحتاج لفسخ، وإن لم يقل: وإلا تفعل فلا بيع بيننا، وفات شرطه، لم ينفسخ البيع إلا بفسخه، فإن باع، وقبض الثمن، واشترط إن رده إلى وقت كذا، فلا بيع صح، حيث لم يقع حيلة ليربح في قرض.
([27]) أي النوع الثالث من الشروط في البيع، وهو تعليق البيع، لأن البيع في تلك الصور لم ينعقد من أصله، ولم تدخل السلعة في ملك المشتري والفرق بينه وبين الأول أنه شرط عقد في عقد، والثاني تعليق عقد على شيء فهما شيئان وإن اتفقا في إبطالهما للعقد من أصله.
([28]) لم يصح البيع، لعدم نقل الملك، ولأنه عقد غير مجزوم به، بل معلق، على شرط، أو متردد في ثبوته وعدمه، لأن مجيئه بكذا قد يجيء به، وقد لا يجيء به.
([29]) لم يصح البيع، لتعليقه بشرط، بخلاف: على أن أستأمر فلانا وذكر ابن رجب أن أحمد نص على صحة بيع الغائب إن كان سالما، قال: فإن هذا مقتضى إطلاق العقد، فلا يضر تعليق البيع عليه.
([30]) كقبلت إن رضي زيد، أو: إن جئتني بكذا، ونحو ذلك، فلا يصح البيع، لأن مقتضى البيع نقل الملك حال التبايع، والشرط هنا يمنعه، وقال الشيخ: يصح البيع والشرط، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
([31]) محله بكسر الحاء، أي أجله، أي إن جاء الغريم بحق المرتهن عند الأجل، وإلا فالرهن للمرتهن، مبيعا بما للمرتهن من الدين، لم يصح البيع، لأنه بيع معلق على شرط مستقبل، فلم يصح، هذا المذهب وهو غلق الرهن عندهم رحمهم الله، قال شيخنا: ودلالة الحديث الآتي على صحته، أقرب من الدلالة على البطلان، لأنه لا ينتفع به المالك، فيكون مغلوقا.
([32]) أي فسر الإغلاق بما في المتن، وفي النهاية: غلق الرهن غلوقا، إذا بقي في يد المرتهن، لا يقدر راهنه على تحصيله، والمعنى أنه لا يستحقه المرتهن إذا عجز صاحبه عن فكه، أو غلق الرهن استحقاق المرتهن له بوضع العقد، وكان هذا من فعل الجاهلية، أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المعين، ملكه المرتهن
فأبطله الإسلام، وأما إذا شرطه فالأولى الصحة، فأحمد رهن نعليه عند خباز، وقال: إن جئتك بحقك إلا فهما لك.
قال ابن القيم: وليس في الأدلة الشرعية، ولا القواعد الفقهية، ما يمنع تعليق البيع بالشرط، والحق جوازه، فإن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا،وهذا لم يتضمن واحدا من الأمرين، فالصواب جواز هذا العقد، وهو اختيار شيخنا، وعلى عادته حمل ذلك وفعل إمامنا.
([33]) أي لا يصح، لبقاء العقد متردد فيه، ولما تقدم، وفي الاختيارات: تصح الشروط التي لم تخالف الشرع، في جميع العقود، وعن أحمد نحو العشرين نصا على صحة الشرط، سواء اشترط على البائع فعلا أو تركا في البيع، مما هو مقصود للبائع، أو المبيع نفسه، فيصح البيع والشرط، وتقدم معناه لابن القيم وغيره، ومفهومه أن غير المستقبل صحيح، كبعتك هذا الثوب إن كان ملكي؛ وهو يملكه ويعلمانه لعدم التردد ها.
([34]) أي غير قول بائع: بعتك إن شاء الله، وكذا: قبلت إن شاء الله، لأن القصد منه التبرك، لا التردد غالبا، قال شيخنا: فإن هنامشيئة كونية قدرية لا وصول إلى العلم بها، والشرعية إذا نظرنا إليها فهو تنجيز البيع، فأمضاه، فصح.
([35]) بالضم وبالتحريك، ويقال: أربون، وأربان، وعربان، سمي بذلك لأنه فيه إعرابا بالعقد، يعني اصطلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره.
([36]) متعلق بمحذوف وقع خبرا لمحذوف، أي: وذلك حاصل بدفع، والجملة مفسرة.
([37]) أي ما قبضته أيها البائع، سواء عين وقتا أو لا، عند الأكثر، بدل ما فاته من ترك البيع، واشترط بعضهم المدة.
([38]) فروي عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا، قيل لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر، وعن ابن عمر أنه أجازه، وعن أحمد: لا يصح، وهو مذهب مالك،والشافعي، واختاره أبو الخطاب، قال الموفق: وهو القياس، ولابن ماجه «نهى عن بيع العربون».
([39]) وإن تم العقد فالدرهم من الثمن، وإن دفع لبائع قبل العقد درهما، وقال: لا تعقد مع غيري، فإن لم آخذه فالدرهم لك، فإن عقد معه، واحتسب الدرهم من الثمن صح، وإلا رجع بالدرهم، لأنه بغير عوض، ولا يصلح جعله عوضا عن انتظاره ، وتأخيره لأجله، لأنه لا تجوز المعاوضة عنه.
([40]) أي مثل البيع، بأن يعقد معه إجارة، ويقول: إن أخذت المؤجر احتسبت بما دفعت من أجرة، وإلا فما قبضته لك، وإن دفع إليه قبل العقد فكبيع أيضا.
([41]) لم يبرأ منه، لأنه غرر وغش إن كان يعلمه، وإلا لما فيه من التدليس والتعمية، فإنه قد يفهم من قوله: أنه إنما قاله على وجه الاحتياط لئلا يرجع عليه، فلا يبرأ من عيب لم يبينه، بل حتى يسمى العيب، ويوقفه عليه، قال أحمد:
حتى يضع يده على العيب ، فيقول: أبرأ إليك من ذا، فأما إذا لم يعمد إلى الداء، ولم يوقفه عليه، فلا أراه يبرأ، يرده المشتري بعيبه، لأنه مجهول، فالشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي، وذلك السلامة من العيب، حتى يسوغ له الرد بوجود العيب، تنزيلا لاشتراط سلامة المبيع عرفا، منزلة اشتراطها لفظا، قال ابن القيم: ولا يقول: بشرط البراءة من كل عيب، وليقل: وإنك رضيت بها بجملة ما فيها من العيوب التي توجب الرد، أو يبين عيوبا، يدخله في جملتها، وأنه رضي بها كذلك.
([42]) لأن هذا شرط مجهول، ولو أراه العيب وشاهده لم يبرأ منه، إذا كان ظاهره لا يستلزم الإحاطة بباطنه، وباطنه فيه فساد آخر، كإباق بعبد، وسرقة عظيمة، والمشتري يظنه يسيرا، لم يبرأ حتى يبين له ذلك، قال ابن القيم: إذا كان في المبيع عيب يعلمه البائع بعينه، فأدخله في جملة عيوب ليست موجودة، وتبرأ منها كلها، لم يبرأ حتى يفرده بالبراءة، ويعين موضعه، وجنسه، ومقداره بحيث لا يبقى للمبتاع فيه قول.
قال ابن رشد: وحجة من لم يجز البراءة على الإطلاق أن ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه البائع، ومن باب الغبن والغش فيما يعلمه، وظاهره لا تأثير له في البيع، وأنه صحيح ، قال في الإنصاف، وهو المذهب.
([43]) كالشفعة، ولأن البراءة قبل ثبوت الحق لا تجدي شيئا، وسواء كان العيب ظاهرا ولم يعلمه المشتري، أو باطنا، لقصة عبد الله بن عمر في عبد باعه على زيد
بشرط البراءة، فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم هذا العيب؟ قال. لا، فرده عليه.

وقال الشيخ: البراءة من كل عيب باطل، والصحيح الذي قضى به الصحابة، وعليه أكثر أهل العلم أنه إذا لم يكن علم بالعيب فلا رد للمشتري، لكن إن ادعى علمه به، فأنكر البائع، حلف أنه لم يعلم، فإن نكل قضي عليه، قال ابن القيم: وإذا أبطلنا الشرط، فللبائع الرجوع بالتفاوت الذي نقص من ثمن السلعة، بالشرط الذي لم يسلم له، فإنه إنما باعها بذلك الثمن، بناء على أن المشتري لا يردها عليه بعيب، وإلا لم يبعها بذلك الثمن، فله الرجوع بالتفاوت، وهذا هو العدل، وقياس أصول الشريعة.
([44]) أي سمى بائع لمشتر العيب بأن قال: فيه جرب. مثلا، لا مجرد تسمية فقط، برئ منه لدخوله على بصيرة، ورضاه به بعد علمه به.
([45]) أي أبرأ المشتري البائع بعد عقد البيع من العيب، برئ منه، لأنه قد أسقطه بعد ثبوته بالعقد، ولصحة البراءة من المجهول، قال في الاختيارات عللوه بأنه خيار يثبت بعد البيع، فلا يسقط قبله، ومقتضاه صحة البراءة من العيوب بعد عقد البيع، قال الشيخ أبا بطين: لم يذكر هذه العبارة في الفروع، ولا الإنصاف، ولا الإقناع، وإنما قاله ابن نصر الله، ومراده -والله أعلم- إذا لم يكن البائع عالما بالعيب، ويحلف إذا أنكر علمه على نفي العلم.
([46]) كبيت وحانوت وثوب.
([47]) لأن ذلك نقص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالعيب
([48]) أي الزائد عن العشرة للبائع، لأنه لم يبعه مشاعا في الدار ونحوها والنقص عليه، لأنه التزامه بالعقد.
([49]) من بائع ومشتر، ففي البائع ما نقص، وفي المشتري ما زاد.
([50]) أي فلكل من بائع ومشتر فسخ المبيع، دفعا لضرر الشركة.
([51]) أي بلا عوض، فيما إذا بانت الدار ونحوها أكثر، فيسقط خيار مشتر، لأن البائع زاده خيرا.
([52]) وهي ما إذا بانت أقل، ويسقط خيار بائع.
([53]) ولانتفاء الضرر عن بائع برضى مشتر به.
([54]) لأن الحق لا يعدوهما، وكحالة الابتداء، ولأن الثمن يقسط على كل جزء من أجزاء المبيع، فإذا فات جزء استحق ما قابله من الثمن.
([55]) أي لا يجبر بائع ولا مشتر على المعاوضة.
([56]) أي لبائع ولا مشتر، لأنه لا ضرر في رد الزائد إن زاد، ولا في أخذ الناقص بقسطه، وهذا بخلاف الأرض ونحوها مما ينقصه التفريق.
([57]) أي فيما إذا بانت أكثر من عشرة أقفزة، والنقص عليه إذا بانت أقل من عشرة مثلا، بقدره من الثمن، والمقبوض بعقد فاسد لا يملك به، ولا ينفذ تصرفه فيه، ويضمنه كالغصب، ويلزمه رد النماء المنفصل والمتصل، وأجرة مثله مدة بقائه في يده، وإن نقص ضمن نقصه، وإن تلف فعليه ضمانه بقيمته.



  #5  
قديم 15 جمادى الأولى 1431هـ/28-04-2010م, 12:09 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

ومنها ( فاسدٌ ) يُبْطِلُ العَقْدَ , كاشتراطِ أحدِهما على الآخَرِ عَقْدًا آخَرَ ,كسَلَفٍ وقَرْضٍ , وبيعٍ وإجارةٍ وصَرْفٍ(5)، وإن شَرَطَ أن لا خَسارةَ عليه، أو متى نَفَقَ الْمَبيعُ وإلا رَدَّه، أو لا يَبيعُه ولا يَهَبُه ولا يُعْتِقُه , وإن أعْتَقَ فالولاءُ له، أو أن يَفعلَ ذلك بَطَلَ الشرْطُ وَحدَه(6) , إلا إذا شَرَطَ الْعِتْقَ، وبِعْتُكَ على أن تُنْقِدَنِي الثمَنَ إلى ثلاثٍ , وإلا فلا بَيْعَ بينَنا -صَحَّ(7)، وبِعْتُك إن جِئْتَنِي بكذا أو رَضِيَ زيدٌ، أو يَقولُ للمُرْتَهِنِ: إن جِئْتُكَ بِحَقِّكَ وإلا فالرَّهْنُ لك لا يَصِحُّ الْبَيْعُ(8)، وإن باعَه وشَرَطَ البَراءَةَ من كلِّ عيبٍ مجهولٍ لم يَبْرَأْ (9), وإن باعَه دارًا على أنها عَشرةُ أَذْرُعٍ فبَانَتْ أكثرَ أو أقلَّ صَحَّ(10)، ولِمَن جَهِلَه وفاتَ غَرَضُه الْخِيارُ(11).



(5) هذا هو النوع الأول من الشروط الفاسدة ومعه أمثلته ، والسلف هو : السلم ، والصرف : بيع نقد بنقد .
(6) هذا هو النوع الثاني من الشروط الفاسدة ، وهو الذي يفسد في نفسه ولا يفسد العقد وقد ذكر أمثلته ، ودليله أنه صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة أبطل الشرط ولم يبطل العقد ، ومعنى نفق المبيع أي : راج وربح فيه .

(7) أي : صح البيع والشرط فيصح أن يشترط البائع على المشتري العتق لحديث بريرة ولتشوف الشرع للعتق . ويصح أن يشترط البائع على المشتري تسليمه الثمن خلال مدة بعينها إذا انتهت فله فسخ البيع .
(8) هذا هو النوع الثالث من الشروط الفاسدة وهو ما لا يصح معه عقد ، والفرق بينه وبين النوع الأول : أن الأول شرط عقد في عقد ، وهذا تعليق عقد على شيء .
فهما نوعان مختلفان وإن اتفقا في إبطالهما العقد من أصله ، فلا يصح العقد مع هذا النوع من الشروط ؛ لأنه عقد غير مجزوم به بل معلق على شرط ومتردد في ثبوته وعدمه فلا ينتقل به الملك .
(9) أي : لم يبرأ البائع ، بل إن وجد المشتري في المبيع عيباً فله الخيار ؛ لأنه إنما يثبت بعد البيع فلا يسقط بإسقاطه قبله ، ولما في ذلك من الغرر والغش إن كان يعلم به عيبًا ، فلا يبرأ من عيب لم يبينه بل لا بد من تشخيص العيب وإيقاف المشتري عليه .
(10) أي : صح البيع ؛ لأن ذلك نقص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالعيب ، وفي حالة الزيادة في المساحة تكون الزيادة للبائع ؛ لأنه لم يبعه ، وفي حالة نقصان المساحة يكون النقص على البائع ؛ لأنه التزمه بالعقد .
(11) أي : لم نجهل الحال من الطرفين في مقدار المساحة زيادة ونقصًا خيار الفسخ إذا ترتب على ذلك ضرر به .
فالخيار في هذه الحالة يكون لأحد الطرفين بثلاثة شروط :
١- أن يجهل الحال عند العقد .
٢- أن يحصل عليه ضرر بالزيادة أو النقص .
٣- أن لا يدفع البائع الزيادة مجاناً للمشتري أو يرضى المشتري بالنقص مع دفعه كل الثمن


  #6  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 03:55 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَمِنْهَا فَاسِد يُبْطِلُ العَقْدَ كاشْتِرَاطِ أحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ عَقْداً آخَرَ كَسَلَفٍ، وَقَرْضٍ، وَبَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَصَرْفٍ ...........
قوله: «ومنها فاسد يبطل العقد» هذا هو القسم الثاني من أقسام الشروط، وهي الشروط الفاسدة.
وقوله: «ومنها فاسد يبطل العقد» أي: وفاسد لا يبطل العقد، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كلام المؤلف.
قوله: «كاشتراط أحدهما على الآخر عقداً آخر كسلف» هذا فاسد يفسد العقد، فإذا شرط أحدهما على الآخر عقداً آخر بطل العقد «كسلف» أي: السلم، والسلم تقديم الثمن وتأخير المثمن، فيقول المشتري للبائع: هذه مائة درهم بمائة صاع من البر تعطيني إياها بعد سنة، فإذا باع أحدهما على الآخر شيئاً كدارٍ مثلاً، وقال: بشرط أن تسلمني مائة درهم بمائة صاع من البر، فالشرط هنا فاسد مفسد للعقد.
فإن قال قائل: لماذا فصل هذا عما سبق؟
قلنا: لأن ما سبق يكون صحيحاً ويكون فاسداً، فإذا شرط شرطاً واحداً كان الشرط صحيحاً، وإن جمع بين شرطين صار فاسداً، أما هنا فهو فاسد من أصله فليس فيه تقسيم، ولذلك فصله عما سبق.
قوله: «وقرض» كذلك لو اشترط قرضاً، مثاله: قال له: بع عليَّ بيتك هذا، فقال: أبيعه عليك بشرط أن تقرضني مائة ألف، فهذا الشرط فاسد ومفسد للعقد، فلا يصح القرض، ولا يصح البيع.
قوله: «وبيع» أي: لو اشترط عليه بيعاً فطلب منه أن يبيعه سيارته، قال: أبيعك إياها بخمسين ألفاً بشرط أن تبيع علي سيارتك بخمسين ألفاً أو بأقل أو بأكثر، فهنا لا يصح البيع لا الأصل ولا المشروط.
قوله: «وإجارة» مثاله، بعتك هذا البيت بمائة ألف، بشرط أن تؤجرني بيتك لمدة سنة فالعقد لا يصح؛ لأنه جمع بين عقدين.
قوله: «وصرف» مثل أن يقول: بعني بيتك بمائة ألف فيقول: نعم بشرط أن تصرف لي هذه الدنانير بدراهم، فهنا يبطل البيع والصرف. والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((نهى عن بيعتين في بيعة)) [(1)]، وقال: ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) [(2)]، وهذا الاستدلال بهذا الدليل غير صحيح؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيعتين في بيعة، وقال: ((له أوكسهما أو الربا)) ، وهذا لا ينطبق على ما ذكر، إنما ينطبق على مسألة العينة التي سبقت وهي أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل، ثم يشتريه نقداً بأقل، فهنا نقول: هذه بيعتان في بيعة؛ لأن المبيع واحد والعقد اثنان، ولهذا قال: ((له أوكسهما أو الربا)) ، فهنا إذا باعه بمائة مؤجلاً، واشتراه بثمانين نقداً، فنقول: إما ألا تأخذ من المشتري شيئاً وهو الزائد، وخذ بالأقل، وهو الثمانون، فإن أخذت الزائد فقد وقعت في الربا؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:((له أوكسهما أو الربا)) .
مثاله: بعت هذه السيارة بمائة ألف إلى سنة، فهذه بيعة، اشتريتها من المشتري بثمانين نقداً، فهذه بيعة أخرى، أيهما أوكس؟ الثمانون، البائع إما أن يقتصر على الثمانين، ولا يطالبه بالزائد وهو عشرون، فإن طالبه بالزائد فهذا هو الربا، ولهذا قال: ((له أوكسهما أو الربا)) ، بمعنى أن نقول للبائع: ليس لك إلا الثمانون ولا تطالب المشتري بشيء، أو له ((الربا)) لأن هذا لا شك حيلة على الربا.
وأما من قال: بأن معنى الحديث: ((نهى عن بيعتين في بيعة))، هو أن يقول الإنسان: بعتك هذا بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة فغير صحيح، بل هذا لا بأس به، لأنه لا يخلو إما أن نتفرق بدون قطع ثمن، وإما أن نقطع الثمن من قبل التفرق، إن قطعنا الثمن قبل التفرق وقلت: أخذته بعشرة نقداً فالبيعة واحدة، وإن تفرقنا فإنه يبقى الثمن مجهولاً، ومعلوم أن من شروط البيع أن يكون الثمن معلوماً، فهنا ينهى عنه لا لأنه بيعتان في بيعة، ولكن لأن الثمن مجهول، ولهذا لو حدد بأن قال: بعتك هذا بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة ولك الخيار لمدة يومين فهذا جائز؛ لأنه لا محذور فيه.
إذاً البيعتان في بيعة لا تصدق إلا على مسألة العينة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) وهذا الذي ذكر المؤلف لا يصدق عليه أوكسهما أو الربا، وعلى هذا فالقول الصحيح أنه إذا شرط عقداً في البيع فإن الشرط صحيح، والبيع صحيح إلا في مسألتين كما سيأتي.
ويدل لذلك أن الأصل في المعاملات الحل، وأنه لو جمع بين عقدين بلا شرط فهو جائز كما سبق، وسبق أنه إن جمع بين عقدين فلا بأس إذا لم يكن شرطاً، فنقول: إذا كان هذا يباح بلا شرط، فما الذي يجعله ممنوعاً مع الشرط، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((الشرط جائز بين المسلمين إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)) [(3)]، وهذا الشرط لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، وعلى هذا فالصواب جواز ذلك إلا في مسألتين:
الأولى: إذا شرط قرضاً ينتفع به، فهنا لا يحل لأنه قرض جر نفعاً فيكون ربا.
مثال القرض: إذا جاء الرجل ليستقرض من شخص، فقال: أنا أقرضك، لكن بشرط أن تبيع بيتك عليّ بمائة ألف، وهو يساوي مائة وعشرين، فهنا شرط القرض مع البيع على وجه ينتفع به، فالبائع انتفع من قرضه حيث نزل له من قيمة البيت عشرون ألفاً، وهذا ربا فلا يصح.
الثانية: أن يكون حيلة على الربا، بأن يشترط بيعاً آخر يكون حيلة على الربا، فإنه لا يصح.
مثاله: أن يكون عند شخص مائة صاع بر جيد، وعند الثاني مائتا صاع بر رديء، فيأتي صاحب البر الرديء ويقول لصاحب البر الجيد: بعني المائة صاع البر الجيد بمائتي درهم، قال: لا بأس بشرط أن تبيع عليّ مائتي الصاع الرديئة بمائتي درهم، فهذا لا يجوز لأنه حيلة على أن يبيع مائة صاع بر جيد بمائتي صاعٍ رديئة من البر، وهذا حرام، لأنه ربا، لأن البر بالبر لا بد أن يكون سواء.
وما رجحناه هو الذي ينطبق على القواعد الشرعية، وهو مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ، ومذهب الإمام مالك في المعاملات هو أقرب المذاهب إلى السنة، ولا تكاد تجد قولاً للإمام مالك في المعاملات إلا وعن الإمام أحمد نفسه رواية توافق مذهب مالك، لكن من المعلوم أن أصحاب المذاهب كلما ازدادوا عدداً، جعل المذهب ما كان الأكثر عدداً، هذا الغالب، لذلك لا يمكن أن نقول: إن مذهب الإمام أحمد مثلاً هو تحريم هذا البيع، وأنه عنه رواية واحدة، بل لا بد أن تكون له رواية توافق ما يدل عليه الدليل الصحيح، ومذهب الإمام مالك في هذه المسألة هو أحسن المذاهب وأقواها، ولدينا قاعدة مطردة: «الأصل في المعاملات الحل حتى يقوم دليل على التحريم».

وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لاَ خَسَارَةَ عَليْهِ أَوْ مَتَى نَفِقَ المَبِيْعُ وَإِلاّ ردَّهُ، أوْ لاَ يَبِيْع وَلاَ يَهَبَهُ وَلاَ يُعْتِقهُ أوْ إِن أعْتَقَ فَالولاَءُ لَهُ،........
قوله: «وإن شرط أن لا خسارة عليه» هذا هو القسم الثاني وهو الشرط الفاسد غير المفسد، فيفسد الشرط، ويصح العقد.
وضابطه: أن يكون الفساد مختصاً بالشرط لمنافاته مقتضى العقد.
مثاله: شرط أن لا خسارة عليه، الشارط المشتري، قال المشتري: اشتريته منك بمائة ألف بشرط ألا يكون عليّ خسارة، أي لو نزلت السوق وبعته بأقل فلا خسارة علي، الخسارة على البائع، فهذا الشرط لا يصح؛ لأنه مخالف لمقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن المشتري يملك المبيع فله غنمه وعليه غرمه، فهو مالك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الخراج بالضمان)) [(4)]، أي من له ربح شيء فعليه خسارته، ومعلوم أنه لو ربح هذا المبيع فالربح للمشتري بلا شك، فإذا كان الربح للمشتري فلا يصح أن يشترط الخسارة على البائع.
والدليل على أن الشرط إذا كان مخالفاً لمقتضى العقد يكون باطلاً أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أبطل شرط البائع لنفسه الولاء في قصة بريرة، حيث كاتبت أهلها على تسع أواقٍ من الورق وجاءت تستأذن عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقالت عائشة: إذا أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي، فذهبت لأهلها فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فأخذتها بهذا الشرط، فلما تم العقد خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيّن أن هذا شرط باطل، فقال: ((ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)) [(5)]، فأبطل الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذا الشرط، لأنه يخالف مقتضى العقد، إذ أن مقتضى العتق أن يكون الولاء للمعتق لا لغيره، ولهذا قال العلماء: كل شرط خالف مقتضى العقد فهو باطل.
فإذا قال قائل: هل العقد صحيح؟
قلنا: نعم؛ لأن العقد قد تمت فيه الشروط، وانتفت الموانع، والخلل هنا إنما هو بالشرط.
قوله: «أو متى نفق المبيع وإلا رده» نفق بمعنى زاد، وصار له سوق يُشترى، وإلا رده على البائع، هذا ـ أيضاً ـ شرط فاسد؛ لأنه يخالف مقتضى العقد، إذ إن مقتضى العقد أن المبيع للمشتري سواء نفق أو لا.
قوله: «أو لا يبيع» الشارط البائع، شرط البائع على المشتري ألا يبيعه، فيقول المؤلف: إن الشرط فاسد.
وهذا تحته صورتان:
الصورة الأولى: أن يشترط عليه أن لا يبيعه مطلقاً.
الصورة الثانية: أن يشترط عليه أن لا يبيعه على فلان خاصة.
وكلاهما على المذهب شرط فاسد، لأنهما يخالفان مقتضى العقد، إذ مقتضى العقد أن المالك يبيع ملكه على من شاء وإن شاء لم يبعه، فإذا قيد وقيل له: بشرط أن لا تبيعه، فإن هذا الشرط يرونه فاسداً لمخالفته مقتضى العقد.
ولكن الصحيح أن في ذلك تفصيلاً، وهو إن كان شرط عدم البيع لمصلحة تتعلق بالعاقد أو بالمعقود عليه فإن الصحيح صحة ذلك، مثال التي تتعلق بالعاقد: أنا أعرف أن هذا الرجل محتاج إلى بيت وأريد أن أبيعه بيتي، ولكن أعرف أن الرجل لا يحسن التصرف يمكن أبيعه عليه في الصباح ويبيعه هو في آخر النهار، وأنا إنما أريد أن أبيعه عليه من أجل أن ينتفع به ويسكنه، فأقول له: لا أبيعك هذا البيت إلا بشرط أن لا تبيعه، فيلتزم بهذا، فهذا من مصلحة العاقد (المشتري).
مثال مصلحة المعقود عليه: عندي عبد له منزلة عالية فجاءني شخص أثق به وآمنه على هذا العبد فقال: بعني عبدك، فقلت: أبيعك بشرط أن لا تبيعه؛ لأنني أخشى إذا باع عبدي على إنسان غشيم يظلمه ويذله، فقلت: نعم أبيعك عبدي بشرط أن لا تبيعه، فالمصلحة هنا تعود على العبد المعقود عليه.
والصحيح ـ أيضاً ـ في الصورة الثانية أنها جائزة؛ لأنه قد يكون شخص معروفاً بالشر والفساد وعندي عبد، فجاء شخص ثقة أمين، فقلت: لا بأس أبيع عليك العبد لكن بشرط أن لا تبيعه على فلان خاصة، فهذا من مصلحة المعقود عليه.
كذلك عندي ـ مثلاً ـ بعير، فأقول: أبيعك هذه البعير بشرط أن لا تبيعها لفلان؛ لأنه معروف أنه لا يرحم البهائم، يحملها ما لا تطيق ويضربها على غير خطأ، ويجيعُها ويجعلها في العراء في البرد، فأقول: بشرط أن لا تبيعها على فلان، خوفاً من أن يسيء لهذه البهيمة، فالصحيح أنه يجوز، لأن فيه مصلحة المعقود عليه.
قوله: «ولا يهبه» والهبة هي التبرع بالمال بدون عوض في حال الحياة، فإنه لا يصح الشرط.
مثاله: أن يقول: أبيعك هذا المتاع بشرط ألا تهبه لأحد، أو ألا تتصدق به على أحد، فلا يصح؛ لأن هذا ليس فيه مصلحة للبائع، وإنما هو مجرد تحجير على المشتري، فلا يصح؛ لأنه يخالف مقتضى العقد.
فإن قيل: ما الفرق بين الهبة وبين البيع، إذا شرط ألا يبيع فهو صحيح، وإذا شرط ألا يهبه فهو غير صحيح؟
قلنا: لا فرق، ولهذا نقول: القول الصحيح أنه إذا شرط عليه ألا يهبه ففيه تفصيل:
إذا كان له غرض مقصود فلا بأس، وإن لم يكن له غرض مقصود فإنه لا يصح هذا الشرط؛ لأنه تحجير على المشتري.
فإذا قال قائل: هو تحجير على المشتري بكل حال؛ لأنه إذا لم يهبه والتزم بالشرط أمكنه أن يخرجه عن ملكه بالبيع مثلاً.
قلنا: وكذلك نقول في البيع، ما دمنا نعرف أن البائع قصد باشتراط ألا يهبه ألا يخرجه من ملكه، فسواء جاء بلفظ الهبة أو جاء بلفظ البيع أو بغير ذلك؛ لأن الأمور بمقاصدها.
قوله: «ولا يعتقه» فالشرط فاسد والعقد صحيح؛ لأنه ينافي مقتضى العقد، إذ مقتضى العقد أن يتصرف المشتري تصرفاً تاماً.
فإن قال قائل: هل يمكن أن يكون للبائع غرض في اشتراط عدم العتق؟
نقول: ربما يكون له غرض، مثل أن يكون هذا العبد لا يتمكن من الكسب، فيشترط ألا يعتقه لئلا يهمله، وربما يشترط ألا يعتقه؛ لأنه لو عتق صار حرّاً وتصرف كيف شاء، وربما يؤدي تصرفه هذا إلى الفسوق والفجور، أو الذهاب إلى الكفار ـ أيضاً ـ إذا كان أسيراً من قبل وما أشبه ذلك.
فالمهم أن الذي يترجح أنه إذا كان له غرض صحيح فإن الشرط صحيح، وغاية ما فيه أنه يمنع المشتري من بعض التصرف الذي جعله الشارع له، وهو ـ أي: المشتري ـ يسقطه باختياره، فكان الأمر إليه.
قوله: «أو إن أعتق فالولاء له» أي للبائع، فإن الشرط لا يصح، أي: أن البائع باع العبد على إنسان، وشرط عليه إن أعتقه أن يكون الولاء له، أي: للبائع، فهنا العقد صحيح، والشرط غير صحيح.
والدليل على ذلك: حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قصة بَريرة، أن بريرة كاتبها أهلها فجاءت تستعين عائشة، فقالت: إن أحبوا أن أنقدها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، وقالوا: لا، الولاء لنا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خذيها واشترطي لهم الولاء» ففعلت، ثم قام خطيباً في الناس فقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن شرط مائة مرة، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق»[(6)]. فأجاز البيع، ولم يجز الشرط.
فما هو الولاء؟.
الولاء معناه أن الإنسان إذا أعتق عبداً صار كأنه من أقاربه، كما يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ((الولاء لُحْمَة كلُحْمَة النسب)) [(7)]، أي: التحام بين السيد والعتيق كالتحام النسب، فيرثه المعتِق إذا لم يكن له وارث من النسب، حتى إنه إذا هلك هالك عن بنت أخ شقيق، وعن معتِق، فالمال للمعتِق مع أن الميت عمها، لكنها هي ليست بذي فرض ولا عصبة، فيكون المال للسيد المعتق، فالولاء في الواقع لحمة كلحمة النسب يثبت به ما يثبت بالنسب من جهة الميراث، والولاية، وما أشبه ذلك عند عدم عاصب النسب، لكنه ليس كالنسب في ثبوت المحرمية، ولذلك أعتق النبي صلّى الله عليه وسلّم صفية وجعل عتقها صداقها وتزوجها[(8)].

أوْ أن يَفْعَلَ ذَلِكَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ إِلاَّ إِذَا شَرَطَ العِتْقَ وَبِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إِلَى ثَلاَثٍ وَإِلاَّ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا صح، وَبِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أو رَضِي زَيْدٌ أَوْ يَقُولَ لِلْمرتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ وَإلاَّ فَالرَّهْنُ لَكَ، لاَ يَصِحُّ البَيْعُ.......
قوله: «أو أن يفعل ذلك بطل الشرط وحده» «ذلك» المشار إليه أن يبيع أو يهب أو يعتق، بأن يقول: بعتك هذا العبد بكذا وكذا بشرط أن تبيعه على فلان، فهنا لا يصح الشرط؛ لأن مقتضى العقد أن المشتري حر، يتصرف إن شاء باع، وإن شاء لم يبع، فهل يمكن أن نقول كما قلنا في الأول: إذا كان هناك غرض صحيح للبائع فلا بأس؟
الجواب: إذا أمكن أن يوجد غرض صحيح فلا بأس؛ لأن الحق في التصرف للمشتري فإذا أسقطه فهو حقه، لكن يبقى النظر هل هناك غرض صحيح يقابل إسقاط المشتري للتصرف؟
ربما يكون ذلك، مثل أن يكون عندي عبد وأعرف أن فلاناً لا يشتريه مني أبداً، إما رأفة بي أو لغير ذلك، فبعته على آخر، وقلت: بشرط أن تبيعه على فلان فهذا غرض صحيح؛ لأني أحب أن أبر فلاناً به، لكني أعلم أنه لو جاء من طريقي فإنه لا يقبل، فإذا جاء من طريق آخر فربما يقبل.
فإذا كان هناك غرض صحيح، فالصواب أنه لا بأس أن يشترط البائع على المشتري أن يبيعه، لكن الغرض الصحيح هنا لا بد أن يكون لشخص معين لا في البيع مطلقاً، وكذلك إذا شرط أن يهبه، نقول: هذا الشرط فاسد.
لو قلت: بعتك هذا الشيء بشرط أن توقفه على الغزاة في سبيل الله، فلا يصح على المذهب، ولكن ذكروا أثراً عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ أنه اشترى من صهيب ـ رضي الله عنه ـ أرضاً واشترط عليه صهيب وقفها[(9)]، ومقتضى هذا جواز شرط وقف المبيع؛ لأن في ذلك مصلحة، مصلحة لي أنا ومصلحة لك، أما لي فلأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وأما لك فلأن الأجر سيكون لك، وهذا قد يكون خيراً لك من الدنيا، فالصحيح في هذه المسألة أنه إذا شرط أن يوجهه إلى شيء فيه خير فإنه لا بأس به ولا حرج.
قوله: «إلا إذا شرط العتق» فيستثنى، فإذا باع العبد على شخص وقال: بشرط أن تعتقه فوافق، فإن البيع والشرط صحيح؛ لأن الشارع له تشوف إلى العتق، ورغب فيه، ولأن الشراء يراد للعتق، فمن عليه كفارة يشتري عبداً ليعتقه، فلا يكون ذلك مخالفاً لمقصود العقد.
فإن قال قائل: لماذا يشترط على المشتري العتق ولم يعتقه هو بنفسه؟
قلنا: إن البائع محتاج للدراهم مثلاً، ومعلوم أنه إذا باعه بشرط العتق، فسوف ينقص الثمن إذا التزم بهذا الشرط، فيكون في هذا مصلحة للبائع، وهو قضاء حاجته بالدراهم، ومصلحة للمشتري وهو نقص الثمن؛ لأنه سوف ينقص بلا شك، وفيه أيضاً مصلحة وهو أن له الولاء؛ لأن المشتري هو الذي يُباشر العتق فيكون الولاء له.
وقوله: «إلا إذا شرط العتق» أي: إذا اشتراه المشتري وقد شُرط عليه العتق، ولكنه صار يماطل وفي النهاية أبى، فيقول الشارح: إنه يجبر المشتري على أن يعتق؛ لأنه مشروط عليه[(10)].
قوله: «وبعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع بيننا صح» أي: على أن تعطيني الثمن قبل ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع بيننا، فالشرط صحيح؛ لأن التعليق هنا تعليق للفسخ، وليس تعليقاً للعقد فجاز التعليق؛ لأن الفسخ أوسع من العقد، فلهذا جاز تعليقه بخلاف العقد، ولأن فيه مصلحة للبائع إذا خشي المماطلة، ولا يخالف شرعاً.
قوله: «وبعتك إن جئتني بكذا أو رضي زيد» قال: بع علي هذا البيت، فقلت: بعتك إن أحضرت لي كذا وكذا غير الثمن، فهنا لا يصح؛ لأنه بيع معلق، ومن شرط البيع التنجيز، فالبيع المعلق لا يصح، وكذلك إذا قال: إن رضي زيد، فإنه لا يصح.
مثاله: قال: بعتك هذه السيارة إن رضي أبي، فقال: اشتريت، فالبيع هنا ليس بصحيح؛ لأنه بيع معلق، والبيع من شرطه أن يكون منجزاً، إذاً ماذا نصنع لو وقع العقد على هذه الصفة؟
نقول: لو وقع على هذه الصفة، فإنه يعاد بعد رضا زيد، فإذا رضي زيد فنقول: أعد العقد، لكن هل يترتب على هذا شيء؟
الجواب: نعم، فلو قلنا: بصحة العقد الأول، لكان النماء والكسب فيما بين العقد والرضا للمشتري، وإذا قلنا: لا بد من عقد جديد فالنماء فيما بين العقد والرضا للبائع، إذاً فبينهما فرق.
والصحيح: أن البيع المعلق جائز، وأنه لا بأس أن يقول: بعتك إن جئتني بكذا، لكن يجب أن يحدد أجلاً أعلى، فيقول: إن جئتني بكذا في خلال ثلاثة أيام مثلاً أو يومين أو عشرة أيام؛ لئلا يبقى البيع معلقاً دائماً، إذ قد لا يتيسر أن يأتي بذلك في يوم أو يومين، مع أنه كان يظن أنه يتمكن من ذلك، ولكن قد لا يتمكن، لأنه إذا بقي معلقاً هكذا إن جئتني بكذا، ربما لا يأتيه إلا بعد مدة طويلة لا يتوقعانها، فإذا حُدد أجل فالصحيح أن البيع جائز؛ لأنه قد تمت فيه الشروط، وانتفت الموانع.
وقوله: «أو رضي زيد» الصحيح ـ أيضاً ـ أنه جائز، لكن ـ أيضاً ـ لا بد من تحديد المدة؛ لئلا يماطل المشتري في ذلك فيحصل الضرر على البائع.
وعلى القول بالصحة متى ينتقل الملك هل هو بالعقد أو بوجود الشرط؟ يحتمل وجهين:
الأول: أنه بالعقد، لأنه يقول: إن رضي زيد، أي: فالعقد هذا صحيح.
الثاني: يحتمل إن رضي زيد فقد تم العقد.
والظاهر الأول: أن الملك يثبت بالعقد الأول؛ لأن هذا عقد تام. لكن لزومه معلق على شرط، فإذا حصل الشرط تبين صحة العقد.
قوله: «أو يقول للمرتهن: إن جئتك بحقك» أي في وقت الحلول.
قوله: «وإلا فالرهن لك» فإنه «لا يصح البيع» وهل عندنا بيع؟ نعم: وهو قوله: «فالرهن لك» فهذا بيع؛ لأنه لا يشترط صيغة معينة للإيجاب، بل ما دل على الإيجاب تم به البيع.
مثال ذلك: شخص اشترى من آخر مائة صاع بر، وأعطاه ساعة تساوي مائة ريال، فقال: إن جئتك بحقك في الوقت الذي حددناه، وإلا فالساعة لك، أو إن جئتك بحقك في خلال يومين، وإلا فالساعة لك، ولم يأت بحقه في هذه المدة، فتكون الساعة للبائع، وهذا في الواقع بيع معلق فنقول: لا يصح؛ لأنه بيع معلق، والبيع المعلق لا يصح.
لو قال قائل: أليس الأصل في المعاملات الحل؟ قلنا: بلى، ولهذا كان القول الراجح أنه يصح أن يعطي البائع رهناً، ويقول: إن جئتك بحقك، أي: بالثمن في خلال ثلاثة أيام، وإلا فالرهن لك؛ لأن فيه مصلحة للطرفين، ولأنه شرط لا ينافي مقتضى العقد، وعلى المذهب إذا تمت المدة لم يملك البائع الرهن بل يبقى رهناً عنده، وعلى القول بصحة الشرط فإن البائع يملك الرهن، لكن إذا تأخر المشتري عن وقت الحلول بأمر قهري، وكان ثمن الرهن أضعاف أضعاف ما رهنه به، فهنا نقول: بأنه لا يصح العقد، أو نقول: بالصحة؛ لكن نقول: للمشتري الخيار؛ لأنه مغبون.
وهذا القول، أي: الراجح، رواية عن الإمام أحمد فإنه قد اشترى من بقّال حاجة ورهنه نعليه، وقال له: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فهما لك، فتكون رواية ثانية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أن هذه المسألة جائزة.
فإن قال قائل: ما هو الدليل على أن هذا لا يصح؟
قلنا: لأنه بيع معلق؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:((لا يَغْلَقُ الرهن من صاحبه)) [(11)]، أي: لا يؤخذ على سبيل الغلبة من صاحبه.
فيقال: أما هذا الحديث فلا دليل فيه؛ لأن الرهن هنا لم يؤخذ على سبيل الغلبة؛ بل على سبيل الاختيار، والمشتري هو الذي اختار هذا، وأما غلق الرهن من صاحبه، فمعناه أنه لا يحل للمرتهن إذا حل الأجل أن يأخذ الرهن قهراً على الراهن، أما إذا كان باختياره فلا إغلاق فيه، وأما التعليل بأنه بيع معلق فلا يصح فإنه غير مسلم، والقاعدة على المذهب أن كل بيع معلق على شرط فإنه لا يصح، إلا أنهم استثنوا من ذلك عقود الولايات والوكالات فإنه جائز؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحاب غزوة مؤتة:((أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة)) [(12)]، فعلق الولاية بالشرط، فقالوا: كل الولايات التي يكون الإنسان فيها نائباً عن غيره يجوز تعليقها مثل الوكالة، وأما بقية العقود المحضة، فالأصل فيها عدم جواز التعليق.
والصحيح أنه يصح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، إذا كان المعلق عليه أمراً ممكناً معلوماً، وقولنا: «ممكناً» يعني شرعاً وقدراً؛ لأن ذلك فيه مصلحة، وكوننا نفرق بين عقد وعقد فهذا تناقض، إلا بدليل واضح يقتضي التفريق، بل كوننا نفرق بين العقد والفسخ لا دليل عليه؛ لأن الأصل أنه إذا جاز تعليق الفسخ جاز تعليق العقد، إلا أنهم استثنوا من هذه القاعدة مسألتين:
الأولى: أن يعلقه بالمشيئة، فيقول: بعتك هذا بكذا ـ إن شاء الله ـ فالبيع صحيح؛ وذلك لأن تعليقه بالمشيئة، ثم وقوعه يدل على أن الله شاءه؛ لأن الله لو لم يشأه لم يقع.
الثانية: بيع العَرَبون وهو معروف عندنا ويسمى العُربون، وهو أن يعطي المشتري البائع شيئاً من الثمن، ويقول: إن تم البيع فهذا أول الثمن، وإن لم يتم فالعربون لك.
فإن قيل: كيف تصححون هذا، والبائع أخذ شيئاً بغير مقابل؟
فالجواب: أولاً: أن نقول: إنه أخذ هذا باختيار المشتري.
ثانياً: أن فيه مقابلاً؛ لأن السلعة إذا ردت نقصت قيمتها في أعين الناس، فمثلاً إذا قيل: هذا الرجل اشترى هذه السيارة بخمسين ألفاً وأعطاه خمسمائة ريال عربوناً، ثم جاء للبائع وقال: أنا لا أريدها، فإن الناس سيقولون: لولا أن فيها عيباً ما ردها فتنقص القيمة، وقد روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ[(13)].

وَإِنْ بَاعَهُ وَشَرَطَ البَرَاءَةَ مِنْ كُلِ عَيْبٍ مَجْهُولٍ لَمْ يَبْرَأ وَإِنْ بَاعَهُ دَارَاً عَلَى أنَّها عَشَرَةُ أذْرُعٍ فَبَانَتْ أَكْثَرَ أوْ أَقَلَّ صَحَّ، وَلَمِنْ جَهِلَهُ وَفَاتَ غَرَضُهُ الخِيَارُ.
قوله: «وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ» أي باع عليه شيئاً لأن (باع) تتعدى بنفسها وتتعدى بـ(على) تارة وبـ(مِنْ) تارة، فهنا «باعه» أي: إن باعه شيئاً، فالمفعول محذوف، وقال: بشرط أن أبرأ من كل عيب مجهول، فقال المشتري: نعم أنت بريء، فإن هذا الشرط لا يصح، فإذا وجد المشتري به عيباً فله الرد.
فإن قال البائع: هذا شرط عليك أن تصبر على كل عيب فيها.
فنقول: هذا شرط غير صحيح؛ لأن الرد بالعيب لا يثبت إلا بعد العقد، وهذا شَرَطَه مع العقد فلا يصح.
مثاله: باع عليه السيارة بشرط أن يبرئه من كل عيب، قال المشتري: أبرأتك، فالشرط هنا غير صحيح، فإذا وجد المشتري بها عيباً ردَّها، فإن قيل: أليس قد أبرأه؟
نقول: أبرأه قبل أن يثبت له حق الرد؛ لأن حق الرد إنما يثبت بعد العقد، فهي لم تدخل ملك المشتري.
فإن كان بعد العقد، فالبراءة صحيحة.
مثاله: اشتراها ثم أبرأه المشتري من كل عيب فتصح البراءة؛ لأنه الآن ملكها وملك ردها، وعليه فإن باعها وبعد البيع قال البائع: أنا أخشى أن يكون فيها عيوب، قال المشتري: أبرأتك من كل عيب، فالإبراء صحيح؛ لأنه الآن ملكها، وملك الرد بالعيب، فإن كان فيها عيب فقد أسقطه.
هذا هو التفصيل في هذه المسألة على المشهور من المذهب، وعلى هذا فالذين يبيعون في معارض السيارات، ويصوت ويقول: لا أبيع عليك إلا الكبوت بعشرين ألفاً، وهو لا يساوي هذا الثمن، لكن من أجل أن يبرأ، ويقول: ما تطالبني بشيء، فاشترى على هذا الشرط، فالشرط ملغى غير صحيح، فإذا وجد فيها عيباً فليردها.
أما لو كان الشرط بعد أن تمت البيعة، قال: أنا أخشى غداً أن تجد فيها عيباً، ثم تأتيني تقول: إن السيارة معيبة، فقال: أبرأتك؛ لأن المشتري الآن مقبل لا يهمه، ثم ذهب بها، وإذا فيها كل شيء، غير سليم، فلا يردها لأنه أبرأه بعد العقد.
ولكن الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية:
وهو: إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال، سواء شرط مع العقد، أو قبل العقد، أو بعد العقد.
وإن كان غير عالم فالشرط صحيح، سواء شرط قبل العقد، أو مع العقد، أو بعد العقد.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو المروي عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ[(14)]، وهو الذي يمكن أن تمشي أحوال الناس عليه؛ لأنه إذا كان عالماً بالعيب، فهو غاش خادع، فيعامل بنقيض قصده، بخلاف ما إذا كان جاهلاً، كما لو ملك السيارة قريباً، ولا يدري بالعيوب التي فيها وباعها واشترط البراءة، فالشرط صحيح.
قوله: «وإن باعه داراً» أو نحوها مما يذرع كالأرض.
قوله: «على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر» فالبيع صحيح.
قوله: «أو أقل صح» أي: وإن بانت أقل فالبيع ـ أيضاً ـ صحيح، لكن إذا بانت أكثر، فالزيادة تكون للبائع؛ لأنه باعها على صفة معينة، وهي أنها عشرة أذرع فبانت خمسة عشر ذراعاً، فنقول: الزيادة للبائع فخذ من الخمسة عشر ذراعاً عشرة، وأعط البائع خمسة.
وكذلك إذا بانت أقل بأن باعها على أنها عشرون ذراعاً فبانت خمسة عشر، فالبيع صحيح، والنقص على البائع، فيسقط من الثمن بمقدار ما نقص من الأذرع، والذي نقص إذا باعها على أنها عشرون فبانت خمسة عشر هو ربع الثمن، فالزيادة للبائع، والنقص على البائع.
قوله: «ولمن جهله وفات غرضه الخيار» أي: جهل المقدار، وفات غرضه له الخيار، فاشترط المؤلف شرطين في ثبوت الخيار للمغبون.
مثال ذلك: اشترى إنسان هذه الأرض على أنها مائة متر، فتبين أنها تسعون متراً، فنقول: البيع صحيح؛ لأنه وقع على شيء معين معلوم بالمشاهدة، والتقدير اختلف، والتقدير يحاسب من عليه النقص بقدره، فإذا كان باعها بمائة ألف فينقص من الثمن عشرة آلاف، لكن إذا قال المشتري: أنا كنت أظن أن هذا التقدير صحيح، وقد خططت بأن أعمرها عمارة على هذه المساحة، والآن لما نقصت لا أريدها، فهل له الخيار؟
الجواب: نعم له الخيار؛ لأنه فات غرضه، فلما فات غرضه قلنا: لك الخيار.
فإن كان المشتري يعلم أنها تسعون متراً فإنه لا خيار له؛ لأنه دخل على بصيرة، وكان عليه أن يقول للبائع ـ حين قال: إنها مائة متر ـ: إن هذا غلط بل هي تسعون متراً.
إذاً شَرْطُ ملك الفسخ اثنان:
الأول: الجهل.
الثاني: فوات الغرض.
فإذا قال المشتري الذي اشتراها على أنها مائة متر، فبانت تسعون متراً: أنا أسمح بالعشرة، وقال البائع: أنا أريد أن أفسخ؛ لأنه تبين أن التقدير خطأ، فلا يملك البائع الفسخ؛ لأنه ليس له غرض الآن؛ لأنه باعها على أنها مائة متر، وتبين أنها أقل، وسومح بالناقص، فليس له غرض، إلا أنه أحياناً ربما تكون الأراضي قد زادت في هذه المدة، وأنها تساوي أكثر من مائة ألف، وهي تسعون، فنقول: ليس لك أن تفسخ؛ لأنه لا ضرر عليك.
مثال آخر: اشتراها على أنها مائة متر فتبين أنها مائة وعشرون، فقال المشتري: أنا أريد أن أفسخ؛ لأنها تغيرت عما قُدِّرت به، فقال البائع: لك العشرون مجاناً لا تعطني إلا الثمن الذي اتفقنا عليه، فلا خيار للمشتري؛ لأنه لا ضرر عليه، فإذا قال المشتري: أنا قد قدرت أن أبني بيتاً قدره مائة متر، والآن صارت مائة وعشرين فتزيد عليّ المواد، وقيمة البناء؛ لأنه يلزم أن أوسع الحجر والغرف، فنقول له: اجعلها فسحة، فإذا قال: حتى لو جعلتها فسحة فيزيد عليَّ الجدار (السور)، نقول: اجعل الزائد مواقف أو شارعاً، إذاً ليس عليه ضرر.
والمؤلف اشترط أن يفوت غرضه، وهنا لا يفوت الغرض.
ولو تراضيا على النقص أو الزيادة جاز؛ لأن الحق لهما، فإذا تصالحا على إسقاطه، مثل: أن يقول: بعتها على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون متراً وتصالحا بحيث قالا: يسقط من الثمن كذا وكذا، واتفقا على ذلك فلا بأس.
وفي «الروض»[(15)] صورة قد تكون مشابهة لها، ولكنها مخالفة لها في الحكم، قال: «وإن كان المبيع نحو صبرة، أي: كومة طعام، على أنها عشرة أقفزة فبانت أقل أو أكثر صح البيع ولا خيار، والزيادة للبائع والنقص عليه».
أي: عنده كومة طعام، فقال: بعتك هذه الصبرة على أنها مائة كيلو فتبينت أقل من مائة، وأنها تسعون كيلو، فنقول: البيع صحيح، وهذا كالأرض، لكن لا خيار للمشتري، ويجبر البائع على التكميل، وإن بانت أكثر، قال: بعتك هذه الكومة من الطعام على أنها مائة كيلو، فتبينت أنها مائة وعشرون كيلو، فالبيع صحيح والزيادة للبائع.
فإذا قال المشتري: إذا أخذ الزيادة فأنا لي الخيار، يقول الشارح: «إنه لا خيار له».
ولو قال البائع: أنا لي الخيار بين أخذ الزيادة وبين فسخ البيع، نقول: ليس لك الخيار أصلاً، الزيادة لك فخذها.
لكن ما هو الفرق؟ نقول: الفرق أن الأرض لا يمكن الزيادة فيها ولا النقص، أي: لو باعها على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون متراً، فلا يمكن أن يأتي بمتر يضيفه إلى هذه التسعين، لكن الصبرة من الطعام يمكن أن يأتي بطعام آخر من جنس هذا الطعام، ويكمل الناقص، وكذلك فيما إذا زاد.
لكن ينبغي أن يقال: إذا تبين أنها زائدة عن المقدر، وكان للمشتري غرض في نفس الصبرة، أي: هو مقدر أن هذه الصبرة تكفي الضيوف الذين عنده، فإذا كان البائع يريد أن يأخذ الزيادة، فهي في نظره لا تكفي الضيوف.
فنقول: إن هذا قد فات غرضه فله الخيار، ومقتضى القاعدة السابقة أن من فات غرضه له الخيار؛ لأنها نقصت، إلا إذا قال البائع للمشتري: أنا أكمل لك مائة الكيلو من جنس هذا الطعام، فهنا لا خيار للمشتري؛ لأن غرضه لم يفت، لكن إن قدر أنه فات غرضه بأن تأخر البائع عن التكميل أو أتى بطعام دون الطعام الذي وقع عليه العقد فهنا يكون للمشتري الخيار.



[1] أخرجه الإمام أحمد (2/432، 475)؛ والترمذي في البيوع/ باب النهي عن بيعتين في بيعة (1231)؛ والنسائي في البيوع/ باب بيعتين في بيعة (7/296)؛ وابن حبان (4973) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
وقال الترمذي: «حسن صحيح» وصححه ابن حبان، وقال في «الإرواء» (5/149): «حسن».
[2] أخرجه أبو داود في البيوع/ باب فيمن باع بيعتين في بيعة (3461)؛ وصححه ابن حبان (4974)؛ والحاكم (2/45) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي، وصححه ابن حزم في «المحلى» (9/16)؛ وقال في «الإرواء» (5/150): «حسن».
[3] سبق تخريجه ص(224).
[4] أخرجه الإمام أحمد (6/49، 80، 116)؛ وأبو داود في البيوع/ باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله (3508، 3509، 3510)؛ والنسائي في البيوع/ باب الخراج بالضمان (7/254)؛ والترمذي في البيوع/ باب ما جاء فيمن يشتري العبد (1285)؛ وابن ماجه في التجارات/ باب الخراج بالضمان (2242، 2243)؛ وابن حبان (4927، 4928) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ. وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وصححه أيضاً المنذري في «مختصر أبي داود» (3367) وحسنه البغوي في «شرح السنة» (2119)؛ وصححه ابن القطان كما في «بيان الوهم والإيهام» (2718) وانظر الكلام حول هذا الحديث في: «مختصر أبي داود» للمنذري، و«التلخيص» (1189)؛ و«الإرواء» (5/158).
[5] سبق تخريجه ص(189).
[6] سبق تخريجه ص(189).
[7] أخرجه الشافعي في «المسند» (237)؛ وابن حبان (4950) إحسان؛ والحاكم (4/341)؛ والبيهقي (10/292) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، وله شواهد تقويه، وقد صححه ابن التركماني في «الجوهر النقي» (10/292)؛ والحافظ في «التلخيص» (2151)؛ والألباني في «الإرواء» (5/109).
[8] أخرجه البخاري في صلاة الخوف/ باب التكبير والغلس بالصبح (947)؛ ومسلم في النكاح/ باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (1365) (85) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[9] لم نقف عليه.
[10] «الروض مع حاشية ابن قاسم» (4/404).
[11] أخرجه الشافعي في «المسند» (2/164)؛ وابن ماجه في الرهون/ باب لا يغلق الرهن (2441)؛ وابن حبان (5934) إحسان؛ والدارقطني (3/32)؛ والحاكم (2/51)؛ والبيهقي (6/39) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وأخرجه مالك في «الموطأ» (2/728)؛ والشافعي (2/163) ومن طريقه البيهقي (6/39)؛ وعبد الرزاق (15034)؛ وأبو داود في المراسيل (186، 187) عن الزهري عن سعيد مرسلاً قال البيهقي: «وهو المحفوظ»، ورجحه ابن عبد الهادي في المحرر (892) وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/430): «وهذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعللونها»، وانظر: «بيان الوهم والإيهام» لابن القطان (2334)؛ و«نصب الراية» (4/320)؛ و«التلخيص» (1232).
[12] أخرجه البخاري في المغازي/ باب غزوة مؤتة من أرض الشام (4261) عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ.
[13] أخرجه البخاري معلقاً في الخصومات/ باب الربط والحبس في الحرم، ووصله عبد الرزاق (9213)؛ وابن أبي شيبة (7/306)؛ والبيهقي (3416).
[14] كعثمان وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ، «الموطأ» (2/613)؛ و«سنن البيهقي» (5/328).
[15] «الروض مع حاشية ابن قاسم» (4/404).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2, الشروط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir