دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:11 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي 2: الوصف وما يلازمه


وزائدًا فَعْلَانَ فِي وَصْفٍ سَلِمْ = مِنْ أنْ يُرَى بتاءِ تأنيثٍ خُتِمْ
ووَصْفٌ اصْلِيٌّ ووَزْنُ أَفْعَلَا = مَمْنُوعَ تأنيثٍ بِتَاكأَشْهَلَا
وأَلْغِيَنَّ عارِضَ الوصْفِيَّةْ= كأربعٍ وعارِضَ الإِسْمِيَّةْ
فالأَدْهَمُ القَيْدُ لكَوْنِهِ وُضِعْ = في الأصلِ وَصْفًا انصرافُهُ مُنِعْ
وأَجْدَلٌ وأَخْيَلٌ وَأَفْعَى = مَصْرُوفَةٌ وقدْ يَنَلْنَ الْمَنْعَا
ومَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ = في لفظِ مَثْنَى وثُلاثَ وأُخَرْ
ووَزْنُ مَثْنَى وثُلاثَ كَهُمَا = مِنْ واحدٍ لأرْبَعٍ فَلْيُعْلَمَا


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 06:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)



وزائدَا فَعْلاَنَ فِي وَصْفٍ سَلِمْ = مِنْ أنْ يُرَى بتاءِ تأنيثٍ خُتِمْ ([1])

أي: يُمْنَعُ الاسمُ مِن الصرْفِ للصِّفَةِ وزِيادةِ الألِفِ والنونِ، بشرْطِ أنْ لا يكونَ المؤنَّثُ في ذلك مَختوماً بتاءِ التأنيثِ، وذلك نحوُ: سَكْرَانَ وعَطْشَانَ وغَضْبَانَ، فتقولُ: "هذا سَكْرَانُ، ورأيتُ سَكْرَانَ، ومَرَرْتُ بِسَكْرَانَ"، فتَمْنَعُه مِن الصرْفِ للصفةِ وزِيادةِ الألِفِ والنونِ، والشرْطُ مَوجودٌ فيه؛ لأنك لا تَقولُ للمُؤَنَّثَةِ: سَكْرَانَةٌ، وإنما تقولُ: سَكْرَى، وكذلك عَطْشَانُ وغَضبانُ، فتَقولُ: امْرَأَةٌ عَطْشَى وغَضْبَى، ولا تَقولُ: عَطشانَةٌ ولا غَضبانَةٌ.
فإنْ كانَ المذكَّرُ على فَعْلانَ والمؤنَّثُ على فَعْلانَةٍ، صُرِفَتْ، فتقولُ: هذا رجُلٌ سَيْفانٌ؛ أيْ: طويلٌ، ورأيتُ رَجُلاً سَيْفَاناً، ومَررتُ برجُلٍ سَيفانٍ، فتَصْرِفُه؛ لأنَّكَ تَقولُ للمُؤَنَّثَةِ: سَيْفَانَةٌ؛ أيْ: طويلةٌ.

ووَصْفٌ اصْلِيٌّ ووَزْنُ أَفْعَلاَ = مَمْنُوعَ تأنيثٍ بِتَا كأَشْهَلاَ ([2])

أيْ: وتُمْنَعُ الصفةُ أيضاً بشَرْطِ كونِها أصْلِيَّةً؛ أيْ: غيرَ عارِضَةٍ، إذا انْضَمَّ إليها كونُها على وزْنِ أفعلَ، ولم تَقْبَلِ التاءَ، نحوُ: أَحْمَرَ وأَخْضَرَ.
فإنْ قَبِلَتِ التاءَ صُرِفَتْ، نحوُ: "مَررتُ برَجُلٍ أرْمَلٍ"؛ أيْ: فَقيرٍ([3])، فتَصرِفُه؛ لأنَّكَ تَقولُ للمؤنَّثَةٍ: أَرْمَلَةٌ، بخِلافِ أحمرَ وأخضَرَ؛ فإنَّهما لا يَنْصَرِفانِ؛ إذ يُقالُ للمؤنَّثَةِ: حَمْرَاءُ وخَضْرَاءُ، ولا يُقالُ: أَحْمَرَةٌ وأخضرةٌ، فمُنِعَا للصفةِ ووزْنِ الفعْلِ.
وإنْ كانَتِ الصفَةُ عارِضَةً؛ كأَرْبَعٍ، فإنَّه ليسَ صفَةً في الأصْلِ، بل اسمُ عدَدٍ ثم استُعْمِلَ صفةً في قولِهم: "مَررتُ بنِسوةٍ أربعٍ"، فلا يُؤَثِّرُ ذلك في مَنْعِه مِن الصرْفِ، وإليه أَشارَ بقولِه:

وأَلْغِيَنَّ عارِضَ الْوَصْفِيَّهْ = كأربعٍ وعارِضَ الإسْمِيَّهْ ([4])


فالأَدْهَمُ القَيْدُ لكونِه وُضِعْ = في الأصلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعْ ([5])


وأَجْدَلٌ وأَخْيَلٌ وأَفْعَى = مَصروفةٌ وقد يَنَلْنَ الْمَنْعَا([6])

أيْ: إذَا كانَ استعمالُ الاسمِ على وزْنِ أَفْعَلَ صِفَةً ليسَ بأصْلٍ، وإنما هو عارِضٍ؛ كأربعٍ، فأَلْغِه؛ أيْ: لا تَعْتَدَّ به في منْعِ الصرْفِ، كما لا تَعْتَدَّ بعُروضِ الاسْمِيَّةِ فيما هو صِفَةٌ في الأصْلِ؛ كـ"أَدْهَمَ" للقَيْدِ؛ فإنَّه صِفَةٌ في الأصْلِ لشيءٍ فيه سوادٌ، ثم استُعْمِلَ استعمالَ الأسماءِ، فيُطْلَقُ على كلِّ قَيْدٍ أدَهْمُ، ومعَ هذا تَمنَعُه نَظَراً إلى الأصْلِ، وأشارَ بقولِه: (وأَجْدَلٌ... إلى آخِرِه) إلى أنَّ هذه الألفاظَ - أَعْنِي أَجْدَلاً للصقْرِ، وأَخْيَلاً([7]) لطائِرٍ، وأَفْعَى للحيَّةِ، لَيْسَتْ بصِفاتٍ، فكانَ حَقُّها أنْ لا تُمْنَعَ مِن الصرْفِ، ولكنْ مَنَعَها بعضُهم لتخَيُّلِ الوصْفِ فيها، فتَخَيَّلَ في "أَجْدَلٍ" معنَى القُوَّةِ، وفي "أَخْيَلٍ" معنى التخيُّلِ، وفي "أَفْعَى" معنى الْخُبْثِ، فمَنَعَها لوزْنِ الفعْلِ والصفَةِ الْمُتَخَيَّلَةِ، والكثيرُ فيها الصرْفُ؛ إذ لا وَصفِيَّةَ فيها مُحَقَّقَةٌ.


ومَنْعُ عَدْلٍ معَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ = في لفظِ مَثْنَى وثُلاثَ وأُخَرْ ([8])


ووَزْنُ مَثْنَى وثُلاثَ كَهُمَا = مِن واحدٍ لأربعٍ فلْيُعْلَمَا ([9])


مِمَّا يَمْنَعُ صرْفَ الاسمِ العْدْلُ والصفةُ، وذلك في أسماءِ العدَدِ الْمَبْنِيَّةِ على فُعَالَ ومَفْعَلَ؛ كثُلاثَ ومَثْنَى، فثُلاثُ مَعدولةٌ عن ثَلاثةٍ ثلاثةٍ، ومَثْنَى مَعدولةٌ عن اثنينِ اثنينِ، فتَقولُ: "جاءَ القومُ ثُلاثَ"؛ أي: ثَلاثةً ثلاثةً، و"مَثْنَى"؛ أي: اثنينِ اثنينِ، وسُمِعَ استعمالُ هذينِ الوَزْنَيْنِ - أَعْنِي فُعالَ ومَفْعَلَ - مِن واحدٍ واثنينِ وثلاثةٍ وأربعةٍ، نحوُ: أُحادَ ومَوْحَدَ، وثُناءَ ومَثْنَى، وثُلاثَ ومَثْلَثَ، ورُباعَ ومَرْبَعَ، وسُمِعَ أيضاً في خمسةٍ وعَشَرَةٍ، نحوُ: خُمَاسَ ومَخْمَسَ، وعُشَارَ ومَعْشَرَ.
وزَعَمَ بعضُهم([10]) أنَّه سُمِعَ أيضاً في سِتَّةٍ وسَبعةٍ وثمانيةٍ وتِسعةٍ، نحوُ: سُداسَ ومَسْدَسَ وسُباعَ ومَسْبَعَ، وثُمانَ ومَثْمَنَ، وتُسَاعَ ومَتْسَعَ.
ومِمَّا يُمْنَعُ مِن الصرْفِ للعَدْلِ والصفةِ "أُخَرُ" التي في قولِكَ: "مَرَرْتُ بِنِسْوَةٍ أُخَرَ"، وهو مَعدولٌ عن الآخَرِ.
وتَلَخَّصَ مِن كلامِ الْمُصَنِّفِ أنَّ الصِّفَةَ تُمْنَعُ معَ الألِفِ والنونِ الزائدتينِ، ومعَ وزْنِ الفعْلِ ومعَ العَدْلِ.


([1]) (وزائدَا) معطوفٌ على الضميرِ المستَتِرِ في (مَنَع) الواقِعِ في البيتِ السابِقِ، وجازَ العطْفُ على الضميرِ المستَتِرِ المرفوعِ للفصْلِ بينَ المتعاطِفَيْنِ، وزائداً مَرفوعٌ بالألِفِ نِيابةً عن الضمَّةِ، وزائِدَا مُضافٌ و(فَعْلاَنَ) مُضافٌ إليه، وهو ممنوعٌ مِن الصرْفِ للعَلَمِيَّةِ وزيادةِ الألِفِ والنونِ، (في وَصْفٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لزائدي فَعْلاَنَ، أو حالٌ منه، (سَلِمْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى وصْفٍ، والجُملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ نعْتٌ لوَصْفٍ، (مِن) حرْفُ جَرٍّ، (أنْ) مَصدريَّةٌ، (يُرى) فعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ للمَجهولِ مَنصوبٌ تَقديراً بأنْ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى وَصْفٍ، وهو مفعولُه الأوَّلُ، و(أنْ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصدَرٍ مَجرورٍ بِمِن، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بسَلِمَ، (بتاءِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (خُتِم) الآتي، وتاءِ مُضافٌ و(تأنيثٍ) مُضافٌ إليه، (خُتِمْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى نائبِ فاعِلِ يُرَى، والجُملةُ في مَحَلِّ نصْبٍ مفعولٌ ثانٍ لِيُرَى.

([2]) (ووَصْفٌ) معطوفٌ على (زائِدَا فَعْلاَنَ) في البيتِ السابِقِ، (أَصْلِيٌّ) نعْتٌ لوَصْفٌ، (و وَزْنُ) معطوفٌ على وصْفٍ، ووَزْنُ مُضافٌ و(أَفْعَلاَ) مُضافٌ إليه، و(ممنوعَ) حالٌ مِن أَفعَلاَ، وممنوعَ مُضافٌ و(تأنيثٍ) مُضافٌ إليه، (بتا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتأنيثٍ أو بمحذوفٍ صِفَةٌ له، (كأَشْهَلاَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ لِمُبتَدَأٍ محذوفٍ؛ أيْ: وذلك كائنٌ كأَشْهَلَ.

([3]) مِن مَجيءِ (أَرْمَلٍ) وَصْفاً للمذَكَّرِ قولُ جَريرِ بنِ عَطِيَّةَ:
هَذِي الأرامِلُ قد قَضَّيْتَ حاجَتَها = فمَن لحاجَةِ هذا الأرْمَلِ الذَّكَرِ
ومِن مَجيءِ أَرمَلَةٍ – بالتاءِ – وصْفاً للمؤنَّثِ قولُ الشاعِرِ، وأَنْشَدَه ابنُ بَرِّيٍّ:
ليَبْكِ على مِلحانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ = وأَرمَلَةٌ تُزْجِي معَ الليلِ أَرْمَلاَ

([4]) (وأَلْغِيَنَّ) أَلْغِ: فعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (عارِضَ) مفعولٌ به لأَلْغِ، وعارِضَ مُضافٌ و(الوصفيَّةِ) مُضافٌ إليه، (كأربَعٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، (وعارِضَ) معطوفٌ على عارِضَ السابِقِ، وعارِضَ مُضافٌ و(الإسْمِيَّةِ) مُضافٌ إليه، وقد قَطَعَ الهمزةَ في قولِه: (الإسميَّةِ)، وأَصْلُها هَمزةُ وَصْلٍ؛ لِيَتَيَسَّرَ له إقامَةُ الوزْنِ.

([5]) (فالأدْهَمُ) مُبتدأٌ أوَّلُ، (القَيْدُ) عطْفُ بَيانٍ له، (لكونِه) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُنِع) الآتي آخِرَ البيتِ، وكونِ مُضافٌ والهاءُ العائدةُ إلى الأدهَمُ مُضافٌ إليه مِن إضافَةِ المصدَرِ الناقِصِ لاسمِه، (وُضِعْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى الأدْهَمُ بمعنى القَيْدِ، والجُملةُ في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ الكونِ الناقصِ، (في الأصْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بوُضِعَ، (وَصْفاً) حالٌ مِن الضميرِ المستَتِرِ في وُضِعَ، (انصِرَافُهُ) انصرافُ: مُبتدأٌ ثانٍ، وانصرافُ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (مُنِعْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى انصرافُهُ، والجُملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ الثاني، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبَرِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ الأوَّلِ.

([6]) (وأَجدَلٌ) مُبتدأٌ، (وأَخيَلٌ وأَفْعَى) مَعطوفانِ عليه، (مَصروفَةٌ) خَبَرُ المبتدأِ وما عُطِفَ عليه، (وقد) حرْفُ تَقليلٍ، (يَنَلْنَ) فعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ على السكونِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ النِّسوةِ، ونونُ النِّسوةِ فاعِلُه، (الْمَنْعَا) مفعولٌ به لـ (يَنَلْنَ).

([7]) وَرَدَ في مَثَلٍ مِن أمثالِهم: "بَيْضُ القَطَا يَحْضُنُه الأَجْدَلُ"، يُضرَبُ للوَضيعِ يُؤْوِيهِ الشريفُ، ووَرَدَ في مَثَلٍ آخَرَ: "أَشْأَمُ مِن أَخْيَلٍ"، والعرَبُ تَتَشَاءَمُ بالطائِرِ المسمَّى بالأَخيَلِ.

([8]) (ومَنْعُ) مُبتدأٌ، ومَنْعُ مُضافٌ و(عَدْلٍ) مُضافٌ إليه، (معَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لِعَدْلٍ، ومعَ مُضافٌ و(وَصْفٍ) مُضافٌ إليه، (مُعْتَبَرْ) خبَرُ المبتدَأِ، (في لفْظِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمعْتَبَرٍ، ولفْظِ مُضافٌ و(مَثْنَى) مُضافٌ إليه، (وثُلاثَ وأُخَرْ) مَعطوفانِ على مَثْنَى.

([9]) (ووَزْنُ) مُبتدأٌ، ووَزْنُ مُضافٌ و(مَثْنَى) مُضافٌ إليه و(ثُلاثَ) مَعطوفٌ على مَثْنَى، (كَهُما) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتدأِ، ودُخولُ الكافِ على الضميرِ المنفَصِلِ نادِرٌ كما تَقَدَّمَ شرْحُه في بابِ حُروفِ الْجَرِّ، (مِن واحِدٍ لأربَعٍ) جَارَّانِ ومَجرورانِ مُتَعَلِّقَانِ بمحذوفٍ، حالٌ مِن الضميرِ الْمُستَكِنِّ في الخبَرِ، (فلْيُعْلَمَا) اللامُ لامُ الأمْرِ، ويُعْلَمَا: فعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ للمَجهولِ، مبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ المنقلِبَةِ ألِفاً لأجْلِ الوقْفِ في مَحَلِّ جزْمٍ بلامِ الأمْرِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو.

([10]) ذكَرَ أبو حَيَّانَ أنَّ هذا الزعْمَ هو الصحيحُ، ونَقَلَ عن جَمْعٍ مِن عُلماءِ اللغَةِ أنَّ المنقولَ عن العرَبِ استعمالُ هذين الوَزنينِ مِن ألفاظِ العدَدِ مِن واحدٍ إلى عَشَرَةٍ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 06:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


النوعُ الثاني: ما يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ بِعِلَّتَيْنِ و، هو نوعانِ:
أَحَدُهما: ما يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ نَكِرَةً ومعرفةً، وهو ما وُضِعَ صِفَةً، وهو إما مَزِيدٌ في آخِرِهِ ألِفٌ ونونٌ، أو مُوَازِنٌ للفِعْلِ، أو مَعْدُولٌ.
أما ذو الزِّيَادَتَيْنِ فهو فَعْلاَنُ بشرطِ أنْ لا يَقْبَلَ التاءَ؛ إما لأنَّ مُؤَنَّثَه فَعْلَى؛ كـ (سَكْرَانَ وغَضْبَانَ وعَطْشَانَ)، أو لكونِه لا مُؤَنَّثَ له؛ كـ (لَحْيَانَ)([1])، بخلافِ نحوِ مَصَّانَ لِلَئِيمٍ، وسَيْفَانَ للطويلِ، وأَلْيَانَ لِكَبِيرِ الأَلْيَةَ ونَدْمَانَ مِن المنادمةِ، لا من الندمِ؛ فإنَّ مُؤَنَّثَاتِها فَعْلاَنَةٌ.
وأما ذو الوَزْنِ فهو أَفْعَلُ، بشرطِ أنْ لا يَقْبَلَ التاءَ؛ إما لأنَّ مُؤَنَّثَه فَعْلاَءُ؛ كـ (أَحْمَرَ)، أو فُعْلَى؛ كـ (أَفْضَلَ)، أو لكونِه لا مُؤَنَّثَ له؛ كـ (أَكْمَرَ) و(آدَرَ)، وإنما صُرِفَ أَرْبَعٌ في نحوِ: (مَرَرْتُ بِنِسْوَةٍ أَرْبَعٍ)؛ لأنَّه وُضِعَ اسماً، فلم يُلْتَفَتْ لِمَا طَرَأَ له مِن الوصفيَّةِ، وأيضاً فإنَّه قابلٌ للتاءِ، وإنما مَنَعَ بعضُهم صرفَ بابِ أَبْطَحَ وأَدْهَمَ للقيدِ، وأَسْوَدَ وأَرْقَمَ لِلْحَيَّةِ، معَ أنها أسماءٌ؛ لأنَّها وُضِعَتْ صِفَاتٍ، فلم يُلْتَفَتْ إلى ما طَرَأَ لها مِن الاسميَّةِ، وربما اعْتَدَّ بعضُهم باسْمِيَّتِها فصَرَفَها، وأمَّا أَجْدَلٌ للصَّقْرِ وأَخْيَلٌ لطائرٍ ذي خِيلاَنٍ، وأَفْعَى للحيَّةِ([2]) فإنَّها أسماءٌ في الأصلِ والحالِ؛ فلهذا صُرِفَتْ في لغةِ الأكثرِ، وبعضُهم يَمْنَعُ صَرْفَهَا لِلَمْحِ معنى الصفةِ فيها، وهي القوَّةُ والتلوُّنُ والإيذاءُ، قالَ:
478- فِرَاخُ القَطَا لاَقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا([3])
وقالَ:
479- فما طَائِرِي يَوْماً عَلَيْكِ بِأَخْيَلاَ([4])
وأمَّا ذو العَدْلِ فنوعانِ:
أَحَدُهما: مُوَازِنُ فُعَالَ ومَفْعَلَ، من الواحدِ إلى الأربعةِ باتِّفَاقٍ، وفي الباقي على الأصحِّ([5])، وهي مَعْدُولَةٌ عن ألفاظِ العددِ الأصولِ مُكَرَّرَةً، فأصلُ (جاءَ القومُ أُحَادَ) جاؤُوا واحداً واحداً، وكذا الباقي، ولا تُسْتَعْمَلُ هذه الألفاظُ إلاَّ نُعُوتاً، نحوُ {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}([6])، أو أحوالاً، نحوُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}([7])، أو أخباراً، نحوُ: ((صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى))، وإنما كَرَّرَ لِقَصْدِ التوكيدِ، لا لإفادةِ التكريرِ.
الثاني: (أُخَرُ) في نحوِ: (مَرَرْتُ بِنِسْوَةٍ أُخَرَ)؛ لأنَّها جَمْعُ الأُخْرَى، والأُخْرَى أُنْثَى آخَرَ بالفتحِ بمعنى مُغَايِرٍ، وآخَرُ مِن بابِ اسمِ التفضيلِ، واسمُ التفضيلِ قِيَاسُه أنْ يكونَ في حالِ تَجَرُّدِهِ مِن ألْ والإضافةِ مُفْرَداً مُذَكَّراً، نحوُ: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا}([8])، ونحوُ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قولِهِ سُبْحَانَهُ: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ}([9])، فكانَ القياسُ أنْ يقالَ: (مَرَرْتُ بامرأةٍ آخَرَ)، و(بِنِسَاءٍ آخَرَ)، و(برجالٍ آخَرَ)، و(بِرَجُلَيْنِ آخَرَ)، ولكنهم قالُوا: أُخْرَى وأُخَرَ وآخَرُونَ وآخَرَانِ، قالَ اللهُ تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}([10])، {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}([11])، {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا}([12])، {فآخَرَانِ يَقُومَانِ}([13]).
وإنَّما خَصَّ النَّحْوِيُّونَ أُخَرَ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ في أُخْرَى ألِفُ التأنيثِ، وهي أَوْضَحُ مِن العَدْلِ، وآخَرُونَ وآخَرَانِ مُعْرَبَانِ بالحروفِ، فلا مَدْخَلَ لهما في هذا البابِ، وأمَّا آخَرُ فلا عَدْلَ فيه، وإنما العَدْلُ في فُرُوعِهِ، وإنما امْتَنَعَ مِن الصرفِ للوصفِ والوزنِ.
وإنْ كانَتْ أُخْرَى بمعنى آخِرَةٍ، نحوُ: {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ}([14])، جُمِعَتْ على أُخَرَ مَصْرُوفاً؛ لأنَّ مُذَكَّرَهَا آخَرُ بالكسرِ؛ بدليلِ: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى}([15])، {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ}([16])، فلَيْسَتْ من بابِ اسمِ التفضيلِ.
وإذا سُمِّيَ بشيءٍ من هذه الأنواعِ بَقِيَ على منعِ الصرفِ؛ لأنَّ الصفةَ لَمَّا ذَهَبَتْ بالتسميةِ خَلَفَتْهَا العَلَمِيَّةُ([17]).


([1]) أمَّا فَعْلاَنُ الذي جاءَ له مُؤَنَّثٌ على وَزْنِ فَعْلَى؛ كَسَكْرَانَ وغَضْبَانَ، فقد اتَّفَقَ العربُ على مَنْعِهِ مِن الصرفِ، ووجهُ ذلك وُجُودُ العِلَّتَيْنِ الفَرْعِيَّتَيْنِ اللتيْنِ تَرْجِعُ إحداهما إلى لفظِه، وتَرْجِعُ الأخرى إلى معناه، أما فَرْعِيَّةُ اللفظِ فهي زيادةُ الألفِ والنونِ؛ لأنَّ المَزِيدَ فيه فرعٌ عن المجرَّدِ مِن الزيادةِ، وأمَّا فَرْعِيَّةُ المعنى فهي الوصفيَّةُ؛ لأنَّها فرعُ الجُمُودِ؛ إذ كانَتِ الصفةُ تَحْتَاجُ إلى موصوفٍ، وأما فَعْلاَنُ الذي لا مُؤَنَّثَ له كَلَحْيَانَ فقدِ اخْتُلِفَ فيه، والصحيحُ فيه المنعُ من الصرفِ على تقديرِ أنَّ له مُؤَنَّثاً على فَعْلَى، وحَكَى قومٌ أنَّ مِن العَرَبِ مَن يَصْرِفُ هذا النوعَ؛ بدَعْوَى أنه لو كانَ له مُؤَنَّثٌ لكانَ بالتاءِ.

([2]) اخْتَلَفَ النُّحاةُ في أَصْلِ (أَفْعًى)؛ فذَهَبَ أبو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ إلى أنَّ أصلَ مَادَّتِها (ي ف ع)، وعلى هذا يكونُ أَصْلُها أَيْفَعَ، فأُخِّرَتِ الياءُ التي هي فاءُ الكَلِمَةِ إلى موضعِ اللامِ فصَارَتْ أَفْعًى، ثمَّ تَحَرَّكَتِ الياءُ وانْفَتَحَ ما قَبْلَها فقُلِبَتْ ألفاً، فوَزْنُ أَفْعًى على هذا أَعْلَفُ، وذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى أنَّ أصلَ مَادَّتِهَا (ف و ع)؛ وعلى هذا يكونُ أَصْلُها أَفْوَعَ، فأُخِّرَتِ الواوُ التي هي عينُ الكَلِمَةِ إلى مَوْضِعِ اللامِ، فصَارَتْ أَفْعُو، ثُمَّ قُلِبَتِ الواوُ أَلِفاً لِتَحَرُّكِهَا وانفتاحِ ما قَبْلَها، فصَارَتْ أَفْعًى، فوَزْنُ أَفْعًى على هذا أَفْلَعُ، وقالَ جماعةٌ مِن أهلِ هذه الصناعةِ: إنَّ أصلَ مَادَّتِهِا: (ف ع و)؛ بدليلِ (الأُفْعُوَانِ)، فلا تقديمَ ولا تَأْخِيرَ في حُرُوفِها، وعلى هذا يكونُ وَزْنُ أَفْعَى أَفْعَلَ، وعليه يَجْرِي كلامُ المؤلِّفِ.

([3]) 478-هذا الشاهِدُ من كلامِ القُطَامِيِّ عُمَيْرِ بنِ شِيَيْمِ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطويلِ، وصَدْرُه قولُه:
*كَأَنَّ العُقَيْلِيِّينَ يَوْمَ لَقِيتُهُمْ*
اللغةُ: (العُقَيْلِيِّينَ) جمعُ عُقَيْلِيٍّ، وهو المنسوبُ إلى عُقَيْلٍ – بضمِّ العينِ، بزِنَةِ التصغيرِ – وكلُّ عَقِيلٍ فهو بفتحِ العينِ، إلا عُقَيْلٌ القَبِيلَةُ، وعُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ، ويَحْيَى بنُ عُقَيْلٍ، فهؤلاء الثلاثةُ بِضَمِّ العينِ، (لَقِيتُهُمْ) أرادَ لِقَاءَهُ إيَّاهُم في الحربِ، (فِرَاخُ) جمعُ فَرْخٍ، وهو الصغيرُ مِن الطيورِ، (الْقَطَا) بفتحِ القافِ مَقْصُوراً: جنسٌ مِن الطَّيْرِ يُشْبِهُ الحَمَامَ، (أَجْدَلَ) من جوارحِ الطيرِ الكواسِرِ التي تَصِيدُ ولا تُصادُ، (بَازِيَا) مثالُ الأَجْدَلِ.
المعنى: وَصَفَ الشاعرُ في هذا البيتِ بَنِي عُقَيْلٍ بأنهم مَهَازِيلُ ضِعَافٌ لا يَثْبُتُونَ عندَ اللقاءِ في مَعَارِكِ الحربِ، وشَبَّهَهُم بالفِرَاخِ مِن جِنْسِ الْقَطَا – وهو طائرٌ ضَعِيفٌ يُصَادُ ولا يَصِيدُ – حينَ تُصَادِفُ كَاسِراً مِن كواسرِ الطيرِ.
الإعرابُ: (كَأَنَّ) حرفُ تَشْبِيهٍ ونصبٍ، (العُقَيْلِيِّينَ) اسمُ كأنَّ منصوبٌ بالياءِ نِيَابَةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٍ، (يومَ) ظرفُ زمانٍ يَتَعَلَّقُ بكأنَّ؛ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِن معنى أَشْبَهَ، (لَقِيتُهُمْ) لَقِيَ: فعلٌ ماضٍ، وتاءُ المتكلِّمِ فاعلُه، وضميرُ الغائبينَ العائدُ إلى العُقَيْلِيِّينَ مفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ يومَ إليها، (فِرَاخُ) خبرُ كأنَّ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(القَطَا) مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألِفِ، (لاَقَيْنَ) لاَقَى: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ المقدَّرِ أو على السكونِ؛ لاتِّصَالِهِ بنونِ النسوةِ، ونونُ النِّسْوَةِ فاعلُه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رَفْعٍ، (أَجْدَلَ) مفعولٌ به لِلاَقَيْنَ، (بَازِيَا) يَجُوزُ أنْ يكونَ بَدَلاً مِن أَجْدَلَ، ويَجُوزُ أنْ يكونَ معطوفاً بِعَاطِفٍ مُقَدَّرٍ، ويَجُوزُ أنْ يكونَ نعتاً؛ لأنَّه ضَمَّنَه معنى جارِحٍ أو كاسرٍ أو مُخْتَطِفٍ، أو نحوِ ذلك.
الشاهدُ فيه: قولُه: (أَجْدَلَ)؛ حَيْثُ مَنَعَهُ مِن الصرفِ معَ أنه اسمٌ في الأصلِ وفي الحالِ؛ إذ هو اسمٌ للصقرِ أحدِ كواسرِ الطيورِ، والسرُّ الذي من أَجْلِهِ مَنَعَه مِن الصرفِ هو أنه ضَمَّنَهُ الوصفيَّةَ – وهي القوةُ – فانْضَمَّتْ إلى وزنِ الفِعْلِ.

([4]) 479- هذا الشاهِدُ مِن كَلامِ حَسَّانَ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصَدْرُهُ قولُه:
*ذَرِينِي وَعِلْمِي بِالأُمُورِ وَشِيمَتِي*

وقبلَ هذا البيتِ المُسْتَشْهَدِ بِعَجُزِهِ قولُه:
لَكَ الخَيْرُ غُضِّي اللَّوْمَ عَنِّي فإنَّنِي = أُحِبُّ مِنَ الأَخْلاقِ ما كانَ أَجْمَلاَ
اللغةُ: (ذَرِينِي) اتْرُكِينِي ودَعِينِي، والمستعمَلُ من هذه المادَّةِ المضارِعُ، نحوُ قولِهِ تعالى: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}، والأمرُ كما في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}، فأمَّا الماضي فقدْ أَمَاتَتْهُ العربُ، (وعِلْمِي بالأمورِ) أرادَ خِبْرَتَه بها الناشئةُ عن التَّجْرِبَةِ، (شِيمَتِي) خُلُقِي وسَجِيَّتِي وطَبِيعَتِي، وتُجْمَعُ على شِيَمٍ، بكسرِ الشينِ وفتحِ الياءِ المثنَّاةِ من تحتُ (انْظُرِ الشاهدَ رَقْمَ 468)، (بِأَخْيَلاَ) الأَخْيَلُ، بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الخاءِ المعجمةِ: اسمُ طائرٍ أَخْضَرَ، على جَنَاحَيْهِ لُمَعٌ مِن لونٍ يُخَالِفُ لونَ سائرِ جسدِه، =وفتح الراءِ مُشَدَّدَةً، وبعدَ الألِفِ قافٌ أُخْرَى، وبهذه اللُّمَعُ التي تُرَى على جَنَاحَيْهِ سُمِّيَ أَخْيَلَ، كأنهم أَخَذُوه مِن الخَالِ الذي هو نقطةٌ سوداءُ تكونُ في الوجهِ.
الإعرابُ: (ذَرِينِي) ذَرِي: فِعْلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على حذفِ النونِ، وياءُ المؤنّثَةِ المخاطَبَةِ فاعلُه، والنونُ الموجودةُ نونُ الوقايةِ، وياءُ المتكلِّمِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (وَعِلْمِي) الواوُ واوُ المَعِيَّةِ، عِلْمِ: مفعولٌ معَه منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قَبْلَ ياءِ المتكلِّمِ، وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (بِالأُمُورِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعِلْمٍ، (وشِيمَتِي) الواوُ حرفُ عطفٍ، شِيمَةِ: معطوفٌ على عِلْمِي، وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (فما) الفاءُ للتعليلِ، ما: حرفُ نَفْيٍ، (طَائِرِي) طائرِ: مبتدأٌ أو اسمُ ما النافيةِ، وهو مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (يَوْماً) ظرفُ زمانٍ متعلِّقٌ بقولِهِ: أَخْيَلَ الآتي؛ لِمَا فيه من معنى الوصفِ، (عَلَيْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَخْيَلَ أيضاً؛ لِمَا ذَكَرْنَا، (بِأَخْيَلاَ) الباءُ حرفُ جرٍّ زائدٌ، وأَخْيَلَ: خبرُ المبتدأِ إنْ قَدَّرْتَ ما مُهْمَلَةً، وخَبَرُ ما إنْ جَعَلْتَهَا حِجَازِيَّةً عاملةً عملَ ليسَ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (بِأَخْيَلاَ)؛ حيثُ مَنَعَه من الصرفِ وجَرَّ بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ، معَ أنه اسمٌ في الأصلِ والحالِ، فإنَّه اسمٌ لطائرٍ معروفٍ ذِي خِيلاَنٍ، ولكنه ضَمَّنَهُ معنى الوصفِ، وهو التَّلَوُّنُ أو التشاؤمُ؛ لأنَّ العربَ تَتَشَاءَمُ بهذا الطائرِ، فيقولون: فلانٌ أَشْأَمُ مِن أَخْيَلَ، فلَمَّا لَحَظَ فيه هذا المعنى وانْضَمَّ إلى وَزْنِ الفعلِ مَنَعَه من الصرفِ.

([5]) اخْتَلَفَ أهلُ اللغةِ في وَزْنِ فُعَالَ ومَفْعَلَ مِن واحدٍ إلى عشرةٍ، أَهُما مسموعانِ عن العربِ أم أنَّ المسموعَ بعضُها وما بَقِيَ مَقِيسٌ على ما سُمِعَ منهم؟
فذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّ المسموعَ عن العربِ مِن واحدٍ إلى خمسةٍ، وأما ما بينَ الخمسةِ والعشرةِ فإنَّه مَقِيسٌ، وتَبِعَهم على هذا الزَّجَّاجُ، وذَهَبَ قومٌ إلى أنه لا يُقاسُ إلاَّ وَزْنُ فُعَالَ، فأمَّا مَفْعَلُ فلا، وهذا القولُ فيه من التحكُّمِ ما لا يَخْفَى، وذَهَبَ أبو عُبَيْدَةَ إلى أن المسموعَ عن العربِ من واحدٍ إلى أربعةٍ، فأما مِن الخمسةِ فما فوقَها فلم يَسْمَعْ عنهم، وحَكَى أبو عمرٍو الشَّيْبَانِيُّ أنَّ البِنَاءَيْنِ مَسْمُوعانِ من الواحدِ إلى العشرةِ، وقولُ أبي عمرو هذا هو مختارُ المؤلِّفِ ههنا.
هذا، وقد ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ أنه يُعْدَلُ من الواحدِ إلى العشرةِ أيضاً على وزنِ فُعْلاَنَ بضمِّ الفاءِ وسكونِ العينِ، فيقالُ: (وُحْدَانُ) و(ثُنْيَانُ)، ومن ذلك قولُ الحَمَاسِيِّ:
قَوْمٌ إِذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُم = طَارُوا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا
(الزَّرَافَاتُ: الجماعاتُ، يُرِيدُ: أَسْرَعُوا لِنَجْدَتِهِ جَماعاتٍ وآحاداً؛ أي: وَاحِداً واحداً.
وذَهَبَ كثيرٌ مِن حَمَلَةِ اللغةِ إلى أنَّ قولَ شاعرِ الحماسةِ: (وُحْدَانَا) جمعُ واحدٍ، ونَظِيرُه رَاكِبٌ ورُكْبَانٌ وصَاحِبٌ وصُحْبَانٌ، فلا دَلِيلَ فيه لِمَا قالَهُ السَّخَاوِيُّ.
ورُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ هذه المعدولاتُ استعمالَ الأسماءِ، لا استعمالَ المشتقَّاتِ، ومن ذلك قولُ الشاعِرِ:
وَخَيْلٌ كَفَاها ولَمْ يَكْفِهَا = ثُنَاءُ الرجالِ ووُحْدَانُهَا

([6]) سورةُ فاطرٍ، الآيةُ:1

([7]) سورةُ النساءِ، الآيةُ: 3

([8]) سورةُ يُوسُفَ، الآيةُ: 8

([9]) سُورةُ التوبةِ، الآيةُ: 24

([10]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 282

([11]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 184

([12]) سورةُ التوبةِ، الآيةُ: 102

([13]) سورةُ المائدةِ، الآيةُ: 107

([14]) سورةُ الأعرافِ، الآيةُ: 39

([15]) سورةُ النَّجْمِ، الآيةُ: 47

([16]) سورةُ العَنْكَبُوتِ، الآيةُ: 20

([17]) هذا الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ، مِن أنه إذَا سُمِّيَ بواحدٍ مِن الثلاثةِ التي هي الوصفُ المَزيدُ في آخِرِهِ الألفُ والنونُ، والوصفُ الذي على وزنِ الفعلِ، والوصفُ المعدولُ، فإنَّه بعدَ التسميةِ به يَبْقَى ممنوعاً من الصرفِ، هو مَذْهَبُ جمهورِ النحاةِ، ووجهُه ما ذَكَرَه المؤلِّفُ مِن أنَّ الوصفيَّةَ لَمَّا زَالَتْ عنه بالتسميَةِ خَلَّفَتْهَا العَلَمِيَّةُ، معَ أنَّ كُلاًّ مِن زيادةِ الألِفِ والنونِ ووَزْنِ الفعلِ والعَدْلِ باقٍ بحالِه على ما كانَ عليه قبلَ التسميَةِ، فالعِلَّتانِ اللتانِ تَرْجِعُ إحداهما إلى اللفظِ والأُخْرَى إلى المعنى موجودتانِ فيه، ألاَ تَرَى أنَّ الاسمَ يُمْنَعُ من الصرفِ للعَلَمِيّةِ وزيادةِ الألفِ والنونِ؛ كعُثْمَانَ وقَحْطَانَ، كما يُمْنَعُ من الصرفِ للوصفيَّةِ وزيادةِ الألفِ النونِ؛ كشَبْعَانَ ورَيَّانَ، وكذلك الوصفيَّةُ ووزنُ الفعلِ والعلميَّةُ ووزنُ الفعلِ، والوصفيَّةُ والعَدْلُ والعَلَمِيَّةُ والعَدْلُ.
وذَهَبَ الأَخْفَشُ وأبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ إلى أنه إذا سُمِّيَ بالممنوعِ من الصرفِ للوصفيَّةِ والعَدْلِ؛ كمَثْنَى وثُلاَثَ انْصَرَفَ، وارْتَضَى هذا المذهَبَ ابنُ عُصْفُورٍ، وعَلَّلُوا مَقَالَتَهُم هذه بأنَّ معنى مَثْنَى المعدولِ اثنيْنِ اثنيْنِ، فإذا سُمِّي به صارَ معناه الذاتَ المُعَيَّنَةَ، فزالَ معنى العَدْلِ، وأَصْبَحَ ما فيه مِن العِلَلِ هو العلميَّةَ وَحْدَها، وهي وَحْدَها لا تَمْنَعُ صَرْفَ الاسمِ، فمُحَمَّدٌ وخالدٌ =وعمرٌو وعامرٌ أعلامٌ مصروفةٌ.
ويُرْوَى عن أبي عليٍّ الفارِسِيِّ في هذه المسألةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهما كمَذْهَبِ الأخفشِ وأبي العبَّاسِ، والثانيةُ كمَذْهَبِ الجماعةِ، ونَصُّ عِبَارَتِه فيها: (الوصفُ يَزُولُ فيَخْلُفُه التعريفُ الذي للعَلَمِ، والعَدْلُ قائمٌ في الحالتيْنِ جَمِيعاً). اهـ.
ومِمَّا يُحْتَجُّ به لمذهَبِ الجمهورِ أنه إذا زَالَتْ حَقِيقَةُ العدلِ فإنَّ شَبَهَ العَدْلِ قائمٌ، وهو كافٍ، خُصُوصاً إذا لَحِظْتَ أنَّ العَدْلَ يَرْجِعُ إلى اللفظِ، لا إلى المعنَى، فوقَ أنه يَلْزَمُ على قولِ الأخفشِ وأبي العبَّاسِ أنْ يكونَ لنا اسمٌ يُمْنَعُ من الصرفِ وهو نَكِرَةٌ ويُصْرَفُ وهو معرفةٌ، وهذا ما لا نَظِيرَ له في العربيَّةِ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 06:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


651- وزَائِدًا فَعْلاَنَ ـ فِي وَصْفِ سَلِمْ = مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تأنيثٍ خُتِمْ
(وزائِدًا فَعْلَانَ) رُفِعَ بالعطفِ عَلَى الضميرِ فِي مَنَع، أيْ: وَمَنَعَ صرفَ الاسمِ أيضًا زَائِدًا فَعُلَانَ، وهُمَا الألفُ والنونُ (فِي وصفِ سَلِمْ * مِنْ أَنْ يُرَى بتاءِ تأنيثٍ خُتِمْ) إمَّا لأنَّ مؤنَّثَهُ فُعْلَى كَسَكْرَانَ، وغَضْبَانَ ونَدْمَانَ مِنَ النَّدَمِ، وهذَا مُتَّفَقٌ علَى مَنْعِ صَرْفِهِ، وإمَّا لأنَّهُ لا مؤنثَ لَهُ، نحوَ لَحْيَانَ لِكَبِيْرِ اللِّحْيَةِ، وهَذَا فيهُ خِلَافٌ، والصحيحُ مَنْعُ صرفِهِ أيضًا لأنَّهُ وإنْ لمْ يَكُنْ لَهُ فَعْلَى وُجُودًا فَلَهْ فَعْلَى تَقْدِيْرًا، لأنَّا لو فَرَضْنَا لهُ مُؤَنَّثًا لكانَ فَعْلَى أَوْلَى بِهِ مِنْ فَعْلَانَه، لأنَّ بَابَ فَعْلَانَ فَعْلَى أَوْسَعُ مِنْ بَابِ فَعْلَان فَعْلَانَة، والتقديرُ فِي حُكْمِ الوجودِ بدليلِ الإجماعِ علَى مَنْعِ صَرْفِ أَكْمَرَ وآدَرَ مَعَ أَنَّهُ لَا مُؤَنَّثَ لَهُ وَلَوْ فُرِضَ لهُ مُؤَنَّثٌ لَأَمْكَنَ أنْ يكونَ كمؤنثِ أَرْمَلَ وَأَنْ يكونَ كمؤنثِ أَحْمَرَ، ولَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحْمَرَ أَوْلَى لِكَثْرَةِ نَظَائِرِهِ.
واحْتَرِزْ مِنْ فَعْلَانَ الذِي مُؤَنَّثُهُ فَعْلَانَة فإنَّهُ مَصْرُوفٌ، نحوَ: نَدْمَانَ مِنَ المُنَادَمَةِ ونَدْمَانَةٍ وسَيْفَانٍ وسَيْفَانَةٍ، وقَدْ جَمَعَ المُصَنِّفُ مَا جَاءَ عَلَى فَعْلَانَ، وَمُؤَنُّثُهُ فَعْلَانَةُ، فِي قولِهِ [مِنَ الهَزَجِ]:
أَجِزْ فَعْلَى لِفَعْلَانَا = إذَا اسْتَثْنَيْتَ حَبْلَانَا
ودَخْنَانًا وسَخْنَانَا = وسَيْفَانًا وصَحْيَانَا
وصَوْجَانًا وعَلَّانَا = وقَشْوَانًا ومَصَّانَا
ومَوْتَانًا ونَدْمَانَا = وَأَتْبِعْهُنَّ نَصْرَانَا
واسْتُدْرِكَ عليهِ لفظانِ، وهمَا خُمْصَانُ لُغَةٌ فِي خُمْصَانَ، وَأَلْيَانُ، فِي "كَبْشٍ أَلْيَانَ" أيْ: كبيرُ الأِلْيَةِ، فَذَيَّلَ الشارحُ المُرَادِيُّ أبيَاتَهُ بقولِهِ:
وزِدْ فِيْهِنَّ خَمْصَانَا = عَلَى لُغَةٍ وَأَلْيَانَا
فالحَبْلَانُ: الكبيرُ البطنِ، وقيلَ: المُمْتَلِى غَيظًا، والدَّخْنانُ: اليومُ المظلمُ، والسَّخُنَانُ: اليومُ الحَارُّ، والسَّيْفَانُ، الرَّجُلُ الطَّوِيْلُ،والصَّحْيَانُ: اليومُ الذِي لَا غَيْمَ فيهِ، والصَّوُجَانُ: البعيرُ اليَابِسُ الظهرِ، والعَلَّانُ: الكثيرُ النسيانِ، وقيلَ: الرَّجُلُ الحقيرُ، والقَشْوَانُ: الدقيقُ السَّاقَيْنِ، والمَصَّانُ، اللئيمُ، والمَوْتَانُ البليدُ الميتُ القلبِ، والنَّدْمَانُ: المُنَادِمُ، أمَّا نَدْمَانُ مِنَ النَّدَمِ فغيرُ مَصْرُوْفٍ، إذْ مؤنثُهُ نَدْمَى وقدْ مَرَّ، والنَّصْرَانُ، وَاحِدْ النَّصَارَى.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: إنَّمَا مَنَعَ نَحْوَ سَكْرَانَ مِنَ الصَّرْفِ لِتَحَقُّقِ الفرعيتينِ فيهِ: أمَّا فرعيةُ المعنَى فَلِأَنَّ فيهِ الوصفيةُ؛ وهي فرعٌ عَنِ الجُمُوْدِ، لأنَّ الصِّفَةَ تَحْتَاجُ إلى موصوفٍ، يُنْسَبُ معنَاهُ إليهِ، والجامدُ لا يَحْتَاجُ إلى ذَلكَ.
وأمَّا فَرْعِيَّةُ اللفظِ فَلِأَنَّ فيهِ الزيادتينِ المُضَارِعَتَيْنِ لِأَلِفَي التأنيثِ فِي نحوَ حَمْرَاءَ فِي أَنَّهُمَا فِي بِنَاءٍ يَخُصُّ المُذَكَّرَ، كَمَا أنَّ أَلِفَي حَمْرَاءَ فِي بناءٍ يَخُصُّ المؤنثَ، وأنهُمَا لا تَلْحَقَهُمَا التاءُ، فَلا يُقَالُ: سَكْرَانَةٌ كَمَا لا يُقَالُ، حَمْرَاءَةٌ، مَعَ أنَّ الأوَّلَ مِنْ كلٍّ مِنَ الزيادتينِ أَلِفٌ، والثانِي حرفٌ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ المُتَكَلِّمِ فِي أَفْعَلَ ونَفْعَلُ، فلمَّا اجْتَمَعَ فِي نَحْوِ سَكْرَانَ المذكورِ الفرعيتانِ امْتَنَعَ مِنَ الصرفِ، وإنَّمَا لمْ تَكُنْ الوصفيةُ فِيْهِ وحدَهَا مَانعَةً ـ مَعَ أَنَّ فِي الصفةِ فرعيةً فِي المعنَى كمَا سَبَقَ، وفرعيةً فِي اللفظِ، وِهَي الاشتقاقُ مِنَ المصدرِ لضعفِ فرعيةِ اللفظِ فِي الصفةِ, لأنَّها كالمصدرِ فِي البقاءِ علَى الاسْمِيَّةِ والتنكيرِ، ولمْ يُخْرِجْهَا الاشتقاقُ إلى أكثرَ مِنْ نِسْبَةِ مَعْنَى الحَدَثِ فيهَا إلى الموصوفِ، والمصدرُ بالجملةِ صالحٌ لذلكَ كَمَا فِي "رَجُلٌ عَدْلٌ، ودِرْهَمٌ ضَرْبُ الأميرِ" فلمْ يكُنِ اشتقاقُهَا مِنَ المصدرِ مُبْعِدًا لهَا عَنْ معناهُ، فكانَ كالمفقودِ، فلمْ يُؤَثِّرْ، ومِنْ ثَمَّ كانَ نحوَ: "عالِمٌ، وشريفٌ" مَصْرُوْفًا مَعَ تَحَقُّقِ ذلكَ فيهِ، وكذَا إنَّمَا صُرِفَ نحوَ: "نَدْمَانٌ" معَ وجودِ الفرعيتينِ لضعفِ فرعيةِ اللفظِ فيهِ مِنْ جِهَةِ أنَّ الزيادةَ فيهِ لا تَخُصُّ المُذَكَّرَ، وتلحَقُهُ التاءُ فِي المؤنثِ نَحْوَ: "نَدْمَانَةٌ" فأَشْبَهَتِ الزيادةُ فيهِ بعضَ الأصولِ فِي لِزُوْمِهَا فِي حَالَتَي التذكيرِ والتأنيثِ وقَبُوْلِ علامَتِهِ، فلمْ يُعْتَدَّ بِهَا، ويشْهَدُ لذلكَ أنَّ قَوْمًا مِنَ العربِ ـ وهمْ بَنُو أَسَدٍ ـ يَصْرِفُوْنَ كُلَّ صِفَةٍ عَلَى فَعْلَانَ، لأنَّهُم يؤَنِّثُوْنَهُ بالتاءِ، ويستغنُونَ فيهِ بِفَعْلَانَةَ عَنْ فَعْلَى، فيقولونَ سَكْرَانَةٌ، وغَضْبَانَةٌ وعَطْشَانَةٌ، فَلَمْ تَكُنِ الزيادةُ عندهُمْ شَبِيْهَةً بِأَلِفَي حَمْرَاءَ، فلمْ تَمْنَعْ مِنَ الصَّرْفِ.
الثانِي: فُهِمَ مِنْ قوْلِهِ: "زَائِدًا فَعْلَانَ" أنَّهُمَا لا يُمْنَعَانِ فِي غيرِهِ مِنَ الأوزانِ، كفُعْلَانَ بضمِّ الفاءِ نحوَ خُمْصَانَ، لعدمِ شَبِيْهِهِمَا فِي غيرِهِ بِأَلِفَي التأنيثِ.
الثالثُ: مَا تَقَدَّمَ ـ مِنْ أنَّ المنعَ بِزَائِدَي فَعْلَانَ لشَبَهِهِمَا بِأَلِفَي التانيثِ في نحوِ حَمْرَاءَ ـ هو مذهبُ سِيْبَوَيْهَ وزعمَ المُبَرِّدُ أنَّهُ امْتَنَعَ لكونِ النونِ بعدَ الألفِ مُبْدَلَة ٌْمِنْ أَلِفِ التانيثِ، ومذهبُ الكوفيينَ أنَّهُمَا مُنِعَا لكونِهِمَا زائِدَيْنِ لَا يَقْبَلانِ الهاءَ لا للتَّشْبِيْهِ بِأَلِفَي التأنيثِ.

652- ووَصْفٌ اصْلِيٌّ ووزنُ أَفْعَلَا = مَمْنُوْعُ تَأْنِيْثٍ بِتَا كَأَشْهَلَا
(ووَصْفٌ أصْلِيٌّ ووزنْ أَفْعَلَا * مَمْنُوعُ) بالنَّصْبِ عَلَى الحالِ مِنْ وزنِ أَفْعَلَا، أيْ: حَالَ كَوْنِهِ مَمْنُوعٌ (تأنيثٍ بِتَا كَأَشْهَلَا) أيْ: ويَمْنَعُ الصرفَ أيضًا اجتماعُ الوصفِ الأصليِّ ووزنُ أَفْعَلَ، بِشَرْطِ أنْ لَا يَقْبَلَ التأنيثَ بالتاءِ، إمَّا لأنَّ مؤنثَةُ فَعْلَاءَ، كأَشْهَلَ، أو فُعْلَى كأَفْضَلَ، أوْ لأنَّهُ لا مؤنثَ لهْ كَأَكْمَرَ وآدَرَ، فهذِهِ الثلاثةُ ممنوعةٌ مِنَ الصَّرْفِ؛ للوصفِ الأصليِّ ووزنِ أَفْعَلَ، فإنَّ وزنَ الفعلِ بِهِ أَوْلَى، لأنَّ فِي أوَّلِهِ زيادةٌ تدلُّ عَلَى معنًى فِي الفعلِ، دُوْنَ الاسْمِ، فكانَ ذلكَ أصلًا فِي الفعلِ، لأنَّ مَا زِيَادَتُهُ لمعنًى أصلٌ لمَا زيادَتُهُ لغيرِ معنًى، فإنْ أُنِّثَ بالتاءِ انْصَرَفَ، نحوَ: أَرْمَلَ، بمعنَى فقيرٍ، فإنَّ مؤنثَهُ أرْمَلَةٌ، لضعفِ شَبَهِهِ بلفظِ المضارعِ، لأنَّ تاءَ التأنيثِ لَا تَلْحَقُهُ، وأَجَازَ الأخْفَشُ مَنْعَهُ لجريِهِ مَجْرَى أَحْمَرَ لأنَّهُ صِفَةٌ، وعَلَى وَزْنِهِ، نَعَمْ قولُهُمْ: "عَامٌ أَرْمَلُ"، غيرُ مَصْرُوفٍ، لأنَّ يَعْقُوبَ حَكَى فيهِ "سَنَةٌ رَمْلَاءُ" واحتَرَزَ بالأصليِّ عَنِ العارضِ فإنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: مَثَّلَ الشارحُ لمَا تلحقُهُ التاءُ بِأَرْمَلَ، وأُبَاتِرَ، وهو القاطِعُ لِرَحِمِهِ، وَأُدَابِرَ وهو الذِي لا يقبلُ نُصْحًا، فإنَّ مُؤَنَّثَها أَرْمَلَةٌ وأُبَاتِرَةَ وأُدَابِرَةَ: أمَّا أَرْمَلُ فواضحٌ، وأمَّا أُبَاتِرْ وأُدَابِرْ فَلا يحتاجُ هُنَا إلى ذِكْرِهِمَا، إذَا لمْ يَدْخُلَا فِي كلامِ النَّاظِمِ، فإنَّهُ عَلَّقَ المنعَ عَلَى وزنِ أَفْعَلَ، وإنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) لأنَّهُ عَلَّقَ المَنْعَ عَلَى وزنٍ أصْلِيٍّ فِي الفِعْلِ، أيْ: الفعلُ بِهِ أوْلَى، ولم يَخُصَّهُ بِأَفْعَلَ، ولفظُهُ فِيْهَا.
ووَصْفٌ أَصْلِيٌّ ووزنٌ أُصِّلَا = فِي الفعلِ تَا أُنْثَى بِهِ لَنْ تُوْصَلَا
ولهَذَا احْتَرَزَ أيضًا مِنْ يَعْمَلٍ ومؤنثِهِ يَعْمَلَةٍ، وهو الجَمَلُ السرِيْعُ.
الثانِي: الأَوْلَى تعْلِيقُ الحُكْمِ عَلَى وزنِ الفعلِ الذِي هو بِهِ أَوْلَى، لا عَلَى وزنِ أَفْعَلَ، وَلا الفعلِ مُجَرَّدًا؛ لِيَشْمَلَ نَحْوَ: أحْيَمَرَ وأفَيْضِلَ مِنَ المُصَغَّرِ، فَإِنَّهُ لا يَنْصَرِفُ لِكَونِهِ عَلَى الوزنِ المذكورِ, نحوَ: أُبَيْطِرُ، ولا يردُّ نحوَ: بَطَل وجَدَلِ ونَدُسٍ، فإنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منْهَا وإنْ كانَ أصْلًا فِي الوصفيةِ، وعَلَى وزنِ فَعَلَ، لكنَّهُ وزنٌ مُشْتَرَكٌ فيهِ، ليسِ الفعلُ أوْلَى بِهِ مِنَ الاسمِ، فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ، اهـ.
653- وأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّةِ = كَأَرْبَعٍ، وعَارِضَ الإِسْمِيَّةِ
(وأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوصْفِيَّةِ * كأَرْبَعٍ) في نَحوِ: "مَرَرْتُ بِنِسْوَةٍ أَرْبَعٍ" فإنَّهُ اسْمٌ مِنْ أسماءِ العَدَدِ، لَكِنَّ العربَ وصَفَتْ بِهِ، فهو منصرفٌ نظرًا للأصلِ، ولا نظرَ لِمَا عَرَضَ لَهُ مِنَ الوصفيةِ، وأيضًا فهو يقبلُ التاءَ، فهو أحقُّ بالصرفِ مِنْ أَرْمَلٍ، لأنَّ فِيْهِ ‌ مَعَ قَبُولِ التاءِ كَونُهُ عَارِضُ الوصفِيَّةَ، وكذلكَ أَرْنَبٌ مِنْ قولِهِم: "رَجَلٌ أَرْنَبٌ" أيْ: ذَلِيلٌ فإنَّهُ منصرفٌ لعَرْضِ الوصفيةِ، إذْ أصلُهُ الأَرْنَبُ المعروفُ (وعَارِضَ الاسميةِ) أيْ: وأَلْغِ عَارِضَ الاسميةِ عَلَى الوصفِ، فتكونُ الكلمةُ باقيةً علَى مَنْعِ الصرفِ للوصفِ الأصليِّ، ولا يُنْظَرُ إلى مَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الاسميةِ.
654- (فَالأَدْهَمُ القيدُ لكونِهِ وُضِعْ = فِي الأصلِ وَصْفًا انْصِرَافُهُ مُنِعْ)
نَظَرًا إلى الأصلِ، وطَرحًا لِمَا عُرِضَ مِنَ الاسميةِ.
تنبيهٌ: مِثْلُ أدْهَمَ فِي ذلكَ أسْوَدُ لِلْحَيَّةِ العظيمةِ، وأَرْقَمُ لِحَيَّةٍ فيها نُقَطٌ + كالرَّقْمِ، نَظَرًا إلى الأصلِ وطَرحًا لِمَا عَرَضَ مِنَ الاسميةِ.
655- وأَجْدَلٌ وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى = مَصْرُوفَةٌ، وقدْ يَنَلْنَ المَنْعَا
(وأَجْدَلٌ) للصَّقْرِ (وأخْيَلٌ) لطائرٍ ذِي نُقَطٍ كالخِيَلَانِ، يُقَالُ لَهُ الشِّقْرَاقُ (وَأْفَعَى) لَلْحَيَّةِ (مصروفةٌ) لأنَّهَا أسماءٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الوصفيةِ في أصلِ الوضعِ، ولا أَثَرَ لمَا يُلْمَحُ فِي أَجْدَلَ مِنَ الجَدْلِ وهو الشِّدَّةُ، ولا في أَخْيَلَ مِنَ الخُيُوْلِ، وهو كَثْرَةُ الخِيَلَانِ، ولا في أَفْعَى مِنَ الإيذاءِ، لعُرُوْضِهِ عليهنَّ (وقَدْ يَنَلْنَ المَنْعَا) مِنَ الصَّرْفِ، لذلكَ، وهو فِي أفْعَى أَبْعَدُ منْهُ فِي أَجْدَلَ وأَخْيَلَ، لأنَّهُمَا مِنَ الجَدَلِ، ومِنَ الخُيولِ كمَا مَرَّ. وأمَّا أَفْعَى فَلا مَادَّةَ لهَا فِي الاشْتِقَاقِ، لَكِنْ ذَكْرَهَا يُقَارِنُهُ تَصَوُّرُ إيْذَائِهَا فأَشْبَهَتِ المُشْتَقَّ وجَرَتْ مَجْرَاهُ عَلَى هِذِه اللغةِ. وممَّا اسْتُعْمِلَ فيهِ أَجْدَلُ وَأَخْيَلُ غيرَ مصروفينِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
981- كأنَّ العُقَيْلِيِّيْنَ يَومَ لقِيْتُهُمْ = فِرَاخْ القَطَا لاقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا
وقولِ الآخَرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
982- ذَرِيْنِي وَعِلْمِي بالأمورِ وشِيْمَتِي = فَمَا طَائِرِي يَومًا عليكِ بِأَخْيَلَا
وكَمَا شَذَّ الاعتدادُ بعُرُوضِ الوصفيةِ في أَجْدَلَ وأَخْيَلَ وأَفْعَى كذلكَ شذَّ الاعتدادُ بِعُرُوْضِ الاسميةِ في أَبْطَحَ وأَجْرَعَ وأَبْرَقَ، فصَرَفَهَا بعضُ العربِ، واللغةُ المشهورةُ منعُهَا مِنَ الصرفِ، لأنَّهَا صِفَاتٌ اسْتُغْنِيَ بها عَنْ ذِكْرِ الموصوفاتِ، فيُسْتَصْحَبُ منعُ صرفِهَا كَمَا اسْتُصْحِبَ صرفُ أرنبٍ وأَكْلَبٍ، حينَ أُجْرِيَا مَجْرَى الصفاتِ إلا أنَّ الصرفَ لكونِهِ الأصلُ رُبَّمَا رُجِعَ إليهَ بسببٍ ضعيفٍ بخلافِ مَنْعِ الصرفِ، فإنَّهُ خروجٌ عنِ الأصلِ، فلا يُصَارُ إليهِ إلا بسببٍ قويٍّ.

656- (ومَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرٍ = فِي لفظِ مَثْنَى وثُلَاثَ وأُخَرْ)
مَنْعُ: مبتدأٌ، وهو مصدرٌ مضافٌ إلى فاعلِهِ وهو عدْلٌ، والمفعولُ محذوفٌ وهو "الصرفُ" و"معتبرٌ": خبرُهُ، وفي لفظٍ مُتعلقٍ بِهِ.
أيْ: مَمَّا يَمنعُ الصرفَ اجتماعُ العدلِ والوصفِ، وذلكَ في موضعينِ، أحدُهُمَا: المَعْدولُ في العددِ إلى مَفْعَلَ نحوَ مَثْنَى، أو فُعَالَ نحوَ ثُلَاثَ.
والثانِي: فِي آُخَرَ المُقَابِلِ لآخَرِيْنَ.
أمَّا المَعْدُولُ فِي العَدَدِ فالمَانِعُ لَهُ عندَ سِيْبَوَيْهَ والجمهورِ العَدْلُ والوصفُ، فأُحَادُ ومَوُحَدُ مَعدولانِ عنْ وَاحِدٍ واحدٍ، وثُنَاءُ ومَثْنَى معدولانِ عنِ اثنينِ اثنينِ وكذلكَ سائِرُهَا.
وأمَّا الوصفُ فَلِأَنَّ هِذِهِ الألفاظَ لمْ تُستعملْ إلا نَكِرَاتٍ، إِمَّا نَعتًا، نَحْوَ: {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلَاثَ ورُبَاعَ} وإمِّا حَالًا، نَحْوَ قولِهِ تَعَالى: {فانْكِحُوا مَا طَابَ لكمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلَاثَ ورُبَاعَ} وإمَّا خَبَرًا نحوَ: ((صَلَاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى)) وإنِّمَا كُرِّرَ لقصدِ التأكيدِ، لا لإفادةِ التكريرِ، ولا تَدْخُلُهَا "ألْ" قالَ فِي (الارْتِشَافِ): وإضافَتُهَا قليلةٌ.
وذهبَ الزَّجَّاجُ إلى أنَّ المانعَ لها العدلُ في اللفظِ وفي المعنَى، أمَّا في اللفظِ فظاهرٌ، وأمَّا في المعنَى, فلكونِهَا تَغيَّرَتْ عن مفهومِهَا فِي الأصلِ إلى إفادةِ معنَى التضعيفِ.
ورُدَّ بأنَّهُ لو كانَ المانعُ مِنَ صرفِ "أُحَادَ" مثلًا عَدْلُهُ عَنْ لفظِ واحدٍ وعنْ معناهُ إلى مَعْنَى التضعيفِ لَلَزِمَ أحدُ أمرينِ: إمَّا مَنْعُ صرفِ كلِّ اسمٍ يَتَغَيَّرُ عَنْ أَصْلِهِ لتَجَدُّدِ معنًى فيهِ كأبنيةِ المبالغةِ وأسماءِ الجُمُوعِ، وإمَّا ترجيحُ المُتَساوِيَيْنِ عَلَى الآخَرِ، واللازمُ مُنْتَفٍ باتفاقٍ، وأيضًا كُلُّ مَمْنوعٍ مِنَ الصرفِ لا بُدَّ أنْ يكونَ فيهِ فرعيةٌ فِي اللفظِ وفرعيةٌ في المعنَى، ومِنْ شَرْطِهَا أنْ تَكُونَ مِنْ غيرِ جِهَةٍ فرعيةَ اللفظِ، ليَكْمُلَ بذلكَ الشبهُ بالفعلِ، ولا يَتَأَتَّى ذلكَ في "أُحَادَ" إلا أنْ تَكُوْنَ فرعيِّتُهُ فِي اللفظِ بعدلِهِ عنْ واحدٍ المُضَمَّنِ معنَى التَّكْرَارِ، وفي المعنَى بلزومِهِ الوصفيةَ وكذَا القولُ في أَخواتِهِ.
وأمَّا أُخَرُ فهو جمعُ أُخْرَى أُنْثَى آَخَرَ بفَتْحِ الخَاءِ بمعنَى مُغَايِرٍ، فالمانعُ له أيضًا العدلُ والوصفُ، أمَّا الوصفُ فظاهرٌ، وأمَّا العدلُ فقالَ أكثرُ النحويينَ إنَّهُ معدولٌ عنِ الأَلِفِ واللامِ، لأنَّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلِ التفضيلِ، فحَقُّهُ أنْ لا يُجْمَعَ إلا مَقْرُونًا بألْ، والتحقيقُ أنَّهُ معدولٌ عَمَّا كانَ يستحقُّهُ مِنَ اسْتعمالِهِ بلفظِ مَا للواحدِ المُذَكَّرِ بدونِ تغيرِ معناهُ، وذلكَ أنَّ آخَرَ مِنْ بابِ أَفْعَلِ التفضيلِ فحقُّهُ أنْ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعَ ولا يؤنثَ إلا معَ الألفِ واللامِ أو الإضافةِ، فعُدِلَ في تجرُّدِهِ منهما، واستعمالِهِ لغيرِ الواحدِ المْذَكَّرِ عنْ لفظِ آخَرَ إلى لفظِ التثنيةَ والجَمْعِ والتأنيثِ بحسبِ مَا يُرَادُ بِهِ مِنَ المعنَى، فقيلَ عندي رَجُلانِ آخَرَانِ، ورجالٌ آخَرُونَ وامْرَأَةٌ أُخْرَى، ونساءٌ أُخَرُ فكلٌ مِنْ هذهِ الأمثلةِ صفةٌ معدولةٌ عَنْ آخَرَ إلا أنَّهُ لم يَظْهَرْ أثرُ الوصفيةِ والعدلِ إلا في "أُخَرَ" لأنَّهُ مُعْرَبٌ بالحركاتِ، بخلافِ "آخَرَانِ وآخَرونَ" وليسَ فيهِ مَا يمنعُ مِنَ الصرفِ غيرُهُمَا، بخلافِ "أُخْرَى" فإنَّ فيها أيضًا أَلِفُ التأنيثِ، فلذلكَ خَصَّ "أُخَرَ" بنسبةِ اجْتِمَاعِ الوصفيةِ والعدلِ إليهِ، وإحالةِ مَنْعِ الصرفِ عليهِ، فَظَهَرَ أنَّ المانعَ منْ صرفِ "أُخَرَ" كونُهُ صفةٌ معدولةٌ عَنْ "آخَرَ" مُرادًا بِهِ جَمْعُهُ المؤنثُ، لأنَّ حقَّهُ أنْ يُستغنَى فيهِ بأفعلَ عنْ فُعَلَ لتجرُّدِهِ مِنْ "ألْ", كما يُسْتَغْنَي بأكبرَ عن كُبَرَ في قولهم: "رَأَيْتُهَا مَعَ نساءٍ أكبرَ منهَا".
تنبيهانِ: الأوَّلُ: قَدْ يكونُ "أُخَرُ" جَمْعَ أخْرَى بمعنَى آخِرَةٍ فيُصْرَفُ لانتفاءِ العَدْلِ، لأنَّ مذكَّرَهَا آخِرُ بالكسرِ، بدليلِ {وَأَنَّ عليهِ النَّشْاةَ الأُخْرَى} {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْاةَ الآخِرَةَ} فليستْ مِنْ بابِ أفْعَلِ التفضيلِ.
والفرقُ بينَ أُخْرَى أُنْثَى آخَرَ، وأُخْرَى بمعنَى آخِرَةٍ أنَّ تلكَ لا تدلُّ علَى الانتهاءِ، ويُعْطَفُ عليها مِثْلُهَا مِنْ جِنْسِهَا نحوَ: "جَاءتِ امرأةٌ أُخْرَى وأُخْرَى" وأمَّا أُخْرَى بمعنَى آخِرَةٍ فتدلُّ عَلَى الانتهاءِ ولا يُعْطَفُ عليها مِثْلُهَا مِنْ جنسٍ واحدٍ، وهي المقابِلَةُ لأُوْلَى فِي قولِهِ تَعالى: {وقالتْ أُوْلَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} إذا عَرَفْتَ ذلكَ فكانَ ينبغِي أنْ يُحْتَرَزَ عنْ هذِهِ كمَا فَعَلَ فِي (الكَافِيَةِ) فقالَ:
ومَنَعَ الوصفُ وعَدْلٌ أَخَرَا = مُقَابلًا لآخَرِينَ فاحْصُرَوا
الثانِي: إذَا سُمِّيَ بشيءٍ مِنْ هذِهِ الأنواعِ الثلاثةِ ـ وهي: ذُو الزيادتينِ، وذُو الوزنِ، وذو العدلِ ـ بقَي علَى مَنْعِ الصرفِ لأنَّ الصفةَ لمَّا ذهبتْ بالتسميةِ خَلَفَتْهَا العَلَمِيَّةُ.
657- (ووزنُ مَثْنَى وثُلَاثَ كَهُمَا = مِنْ وَاحِدٍ لأربعَ فَلْيُعْلَمَا)
يعنِي مَا وَازَنَ مَثْنَى وثُلَاثَ مِنْ ألفاظِ العَدَدِ المَعْدولِ مِنْ واحدٍ إلى أربَعٍ، فهو مِثْلُهُمَا في امتناعِ الصرفِ للعَدْلِ والوصفِ، تقولُ: "مررتُ بقومٍ مَوْحَدَ وأُحَادَ"، و"مَثْنَى وثُنَاءَ ومَثْلَثَ وثُلَاثَ، ومَرْبَعَ ورُبَاعَ" وهذِهِ الألفاظُ الثمانيةُ متفقٌ عليها، ولهذَا اقتصرَ عليها قالَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، ورُوِيَ عنْ بعضِ العربِ "مَخْمَسَ وعُشَارَ ومَعْشَرَ" ولَمْ يَرِدْ غيرُ ذلكَ، وظاهرُ كلامِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ) أنَّهُ سَمِعَ فيهَا خُمَاسَ أيضًا واخْتُلِفَ فيمَا لَمْ يُسْمَعْ علَى ثلاثةِ مذاهبٍ:
أحدِهَا: أنَّهُ يُقَاسُ على مَا سُمِعَ، وهو مذهبُ الكوفيينَ والزَّجَّاجِ، ووافَقَهُمْ الناظمُ في بعضِ نُسَخِ (التَّسْهِيْلِ)، وخَالَفَهُمْ في بعضِهَا.
الثانِي: لا يُقَاسُ، بَلْ يُقْتَصَرُ علَى المَسْمُوْعِ، وهو مذهبُ جمهورِ البصريينَ.
الثالثِ: أنَّهُ يُقَاسُ علَى فُعَالَ لكثرتِهِ، لا عَلَى مَفْعَلَ.
قالَ الشيخُ أبو حَيَّانَ: والصحيحُ أنَّ البِنَاءَيْنِ مسموعانِ مِنْ واحدٍ إلى عشْرَةٍ، وحَكَى البِنَاءَيْنِ أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وحَكَى أبو حَاتِمٍ وابْنُ السِّكِّيْتِ، مِنْ أُحَادَ إلى عُشَارَ، ومَنْ حَفِظَ حجةٌ عَلَى مَنْ لم يَحْفَظْ.
تنبيهٌ: قَالَ في (التَّسْهِيْلِ): وَلا يجوزُ صَرْفُهَا، يعنِي "آخَرَ" مُقَابلَ آخَرِيْنَ وفُعَالَ ومَفْعَل فِي العَدَدِ مذهوبًا بِهَا مذهبَ الأسماءِ خلافًا للفَرَّاءِ، ولا مُسَمًّى بها، خِلافًا لأبِي عَلِيٍّ وابنِ بَرْهَانَ، ولا مُنَكَّرَةً بعدَ التسميةِ بِهَا، خِلافًا لبعضِهِمْ اهـ
أمَّا المسألةُ الأولى فالمعنِى أنَّ الفَرَّاءَ أَجَازَ "ادْخُلُوا ثُلاثَ ثُلاثَ، وثُلاثًا ثُلاثًا"، وخَالَفَهُ غيرُهُ، وهو الصحيحُ، وأمَّا الثانيةُ فقد تقدَّمَ التنبيهُ عليْهَا.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 06:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


1- الوَصْفِيَّةُ وزِياةُ الألِفِ والنونِ وشَرْطُ ذلكَ
651- وَزَائِدَا فَعْلانَ فِي وَصْفٍ سَلِمْ = مِنْ أنْ يُرَى بتَاءِ تأْنِيثٍ خُتِمْ
هذا النوعُ الأوَّلُ مِنْ أسبابِ الْمَنْعِ مِن الصرْفِ معَ الوَصْفِيَّةِ، وهوَ الوَصفيَّةُ معَ زيادةِ الألِفِ والنونِ إذا كانَ الاسمُ على وَزْنِ (فَعْلانَ). والمرادُ بالصفةِ هنا بعضُ الأسماءِ الْمُشْتَقَّةِ التي لَيْسَتْ أَعلاماً، وليسَ المرادُ النعْتَ. فإذا كانَ على هذا الوزْنِ مُنِعَ بشَرطينِ:
1- أنْ يكونَ تأنيثُهُ بغيرِ التاءِ، إمَّا لأنَّهُ لا مُؤَنَّثَ لهُ؛ لاختصاصِهِ بالذُّكُورِ؛ كـ(لَحْيَانَ) لكبيرِ اللِّحْيَةِ، أوْ لأنَّ مُؤَنَّثَهُ على وَزْنِ (فُعْلَى) كـ(عَطشانَ) و(غَضبانَ) و(ظَمآنَ)؛ فإنَّ أشْهَرَ مُؤَنَّثَاتِها: عَطْشَى، وغَضْبَى، وظَمْأَى.
2- أنْ تكونَ وَصفيَّتُهُ أَصيلةً؛ أيْ: غيرَ طارئةٍ، كما في الأمثلةِ، تقولُ: لا تَبْخَلْ على عطشانَ ولا عَطْشَى، قالَ تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً}. فـ (غَضْبَانَ): ممنوعٌ مِن الصرْفِ، وهوَ (حالٌ) مِن الفاعلِ. ومِنْ أمثالِ العرَبِ: رُبَّ شَبْعَانَ مِن النِّعَمِ غَرْثَانُ مِن الكَرَمِ.
فإنْ كانَ تأنيثُهُ بالتاءِ هوَ الغالِبَ، أوْ كانتْ وَصفيَّتُهُ طارئةً؛ فإنَّهُ لا يُمْنَعُ مِن الصرْفِ. فالأوَّلُ نحوُ: (سَيْفَانٍ، للرَّجُلِ الطويلِ)؛ فإنَّ مؤنَّثَهُ الشائعَ: سَيْفَانَةٌ. والثاني نحوُ: صَفْوَانٍ، في قولِهم: هذا رَجُلٌ صَفْوَانٌ قَلْبُهُ؛ أيْ: قَاسٍ، وأصْلُ الصَّفوانِ: الحجَرُ الأَمْلَسُ.
وهذا معنى قولِهِ: (وزائدَا فَعلانَ.. إلخ). فـ(زائدَا): مرفوعٌ بالألِفِ عَطْفاً على الضميرِ المستَتِرِ في (مَنَعَ) في البيتِ السابقِ؛ أيْ: ومَنَعَ صرْفَ الاسمِ أيضاً (زَائِدَا فَعلانَ)، وهما: الألِفُ والنونُ، بشرْطِ أنْ يكونَ وصْفاً سَلِمَ آخِرُهُ مِن الهاءِ عندَ التأنيثِ؛ أيْ: لا يَكُونُ مُؤَنَّثُهُ مَختوماً بالتاءِ. وسَكَتَ عن الشرْطِ الثاني، ويُمْكِنُ أنْ يُستفادَ مِنْ قولِهِ الآتي: (وأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّهْ..)، ولا يُنافِي ذلكَ أنَّهُ راجِعٌ إلى وَزْنِ (أفْعَلَ)؛ لأنَّ تفريعَ بعضِ الأمثلةِ والأوزانِ الخاصَّةِ لا يَقتضِي التخصيصَ.

2- الوَصفيَّةُ ووَزنُ أفْعَلَ وشَرْطُ ذلكَ
652- وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنُ أفْعَلا = مَمْنُوعَ تَأْنِيثٍ بِتَا كَأشْهَلا
653- وَألْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ = كَأرْبَعٍ وَعَارِضَ الإْسْمِيَّهْ
654- فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَوْنِهِ وُضِعْ = فِي الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعْ
655- وَأَجْدَلٌ وَأخْيَلٌ وَأفْعَى = مَصْرُوفَةٌ وَقَدْ يَنَلْنَ الْمَنْعَا
النوعُ الثاني مِنْ أسبابِ الْمَنْعِ مِن الصرْفِ معَ الوَصفيَّةِ: الوَصفيَّةُ ووزْنُ (أفعلَ)، وذلكَ بالشرطينِ المتَقَدِّمَيْنِ، وهما:
1- أنْ يكونَ تأنيثُهُ بغيرِ التاءِ.
2- أنْ تكونَ وَصفيَّتُهُ أصيلَةً؛ أيْ: غيرَ طارئةٍ؛ نحوَ: أحسَنَ وأجملَ وأبيضَ؛ كقولِ: لا فَرْقَ بينَ أسودَ وأبيضَ إلاَّ بالتَّقْوَى. قالَ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. فـ(أحسَنَ): اسمٌ مجرورٌ بالفتحةِ؛ لأنَّهُ ممنوعٌ مِن الصرْفِ للوَصفيَّةِ ووَزْنِ الفعْلِ.
فإنْ كانَ الوصْفُ مؤَنَّثُهُ بالتاءِ لم يُمْنَعْ مِن الصرْفِ؛ نحوُ: (أَرْمَلٍ) في قولِكَ: عَطَفْتُ على رَجُلٍ أَرْملٍ (بالكسْرِ معَ التنوينِ)؛ أيْ: فقيرٍ؛ لأن مُؤَنَّثَهُ: أرْمَلَةٌ.
وكذلكَ يَنصرِفُ الوصْفُ إذا كانت وَصفيَّتُهُ طارئةً؛ أيْ: غيرَ أصِيلةٍ؛ نحوُ: (أَرْنَبٍ) في قولِكَ: مَرَرْتُ برَجُلٍ أرْنَبٍ (بالكسْرِ والتنوينِ)، بمعنى: جَبَانٍ؛ لأنَّ الوَصفيَّةَ طارئةٌ، فـ(أَرنَبٍ) اسمٌ لدابَّةٍ معروفةٍ، فالاسميَّةُ هيَ الأصْلُ.
وممَّا فَقَدَ الشرطَيْنِ معاً كلمةُ (أَرْبَعٍ) في نحوِ: قَضَيْتُ في المكتبةِ سَاعَاتٍ أربعاً، بالتنوينِ؛ لأنَّهُ مصروفٌ؛ لأنَّ مؤَنَّثَهُ بالتاءِ، فتقولُ: سَافَرْتُ أيَّاماً أربعةً، ولأنَّ وَصفيَّتَهُ طارئةٌ؛ فإنَّهُ ليسَ صِفةً في الأصْلِ بل اسمُ عددٍ، ثمَّ استُعْمِلَ صِفةً.
ومِنْ أمثلةِ الوَصفيَّةِ الطارئةِ التي لا تُؤَثِّرُ في منْعِ الاسمِ مِن الصرْفِ كَلِماتٌ أُخرى، مثلُ: (أَجْدَلَ) للصَّقْرِ، و(أَخْيَلَ) لطائرٍ فيهِ نُقَطٌ تُخالِفُ في لونِها لونَ الجسْمِ، و(أَفْعَى) للحَيَّةِ. فهذهِ ليستْ بصفاتٍ، بلْ أسماءٌ في الأصْلِ والحالِ؛ فلهذا صُرِفَتْ في لُغةِ الأكثرِ، وهوَ الأَرْجَحُ.
وقدْ يُلْحَظُ فيها الوَصفيَّةُ، فيُلحَظُ في (أَجْدَلَ) القوَّةُ؛ لأنَّهُ مشْتَقٌ مِنْ (الجَدْلِ) بسكونِ الدالِ بهذا المعنى. وفي (أخْيَلَ) التَّلَوُّنُ؛ لأنَّهُ مِن الخَيَلانِ بهذا المعنى. وفي (أَفْعَى) معنى الإِيذَاءِ؛ لأنَّها مِنْ (فَوْعَةِ السُّمِّ)؛ أي: اشتدادِهِ وحرارتِهِ. وعلى هذا فَتُمْنَعُ مِن الصرْفِ للوَصفيَّةِ المُتَخَيَّلَةِ ووزنِ (أفْعَلَ). والكثيرُ فيها الصَّرْفُ؛ إذْ لا وَصفيَّةَ فيها مُحَقَّقَةٌ.
وكما أنَّهُ لا يُعْتَدُّ بالوَصفيَّةِ العارِضَةِ فيما هوَ اسمٌ في الأصلِ، كذلكَ لا يُعْتَدُّ بالاسْمِيَّةِ العارِضَةِ فيما هوَ صِفةٌ في الأصْلِ؛ كـ(أَدْهمَ) للقيْدِ المصنوعِ مِن الحديدِ؛ فإنَّهُ في أَصْلِ وَضْعِهِ وَصْفٌ للشيءِ فيهِ سَوَادٌ، ثمَّ انْتَقَلَ منهُ فصارَ اسماً مُجَرَّداً لكلِّ قَيْدٍ، فيُمْنَعُ مِن الصرْفِ نَظَراً إلى الأصْلِ، وهوَ الأَرْجَحُ. ويَجوزُ صَرْفُهُ على اعتبارِ أنَّ وَصْفِيَّتَهُ الأصلِيَّةَ قدْ زالتْ بسببِ الاسميَّةِ الطارئةِ.
وهذا معنى قولِهِ: (ووَصْفٌ أصْلِيٌّ.. إلخ). فـ(وَصْفٌ): معطوفٌ على (زائدَا فَعلانَ) في البيتِ السابقِ، والتقديرُ: ومَنَعَ صرْفَ الاسمِ أيضاً (وَصْفٌ أَصْلِيٌّ ووزْنُ أفْعَلا)؛ أيْ: أنَّ الاسمَ يُمْنَعُ مِن الصرْفِ للوصْفِ الأصليِّ معَ وَزْنِ (أفْعَلَ)، وهذا الشرْطُ الأوَّلُ. وقولُهُ: (مَمنُوعَ تَأْنِيثٍ بِتَا)؛ أيْ: حالَ كونِهِ ممنوعَ تأنيثٍ بالتاءِ، وهذا الشرْطُ الثاني.
ثمَّ مَثَّلَ للمُستوفِي الشرطَيْنِ بقولِهِ: (كأَشْهَلا)، فنقولُ: مَرَرْتُ بطِفْلٍ أَشْهَلَ وطِفلةٍ شَهلاءَ. والشَّهَلُ: مُحَرَّكَةٌ، أنْ يَشُوبَ بياضَ العينِ حُمرةٌ أوْ زُرقةٌ.
ثمَّ انْتَقَلَ لبيانِ حُكْمِ الوَصفيَّةِ الطارئةِ والاسميَّةِ الطارئةِ والتمثيلِ لَهُمَا، فقالَ: (وأَلْفِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّهْ)، وهذا مِنْ إضافةِ الصفةِ للموصوفِ، وفيهِ تصريحٌ بمفهومِ قولِهِ: (ووَصْفٌ أَصْلِيٌّ)، والمعنى: أَلْغِ الوصفيَّةَ العارضةَ كالتي في (أَرْبَعٍ)، ولا تَعْتَدَّ بها في منْعِ الصرْفِ، (وعارِضَ الإِسْمِيَّهْ)؛ أيْ: أَلْغِ الاسميَّةَ العارضةَ.
(فالأدْهَمُ): مُبتدأٌ أوَّلُ خَبَرُهُ (انْصِرَافُهُ مُنِعْ). وقولُهُ: (القَيْدُ): عطْفُ بيانٍ مِنْ توضيحِ الأَخْفَى بالأَجْلَى؛ (لكونِهِ وُضِعْ في الأصْلِ وَصْفاً)؛ أيْ: أنَّ وصْفِيَّتَهُ أصليَّةٌ، واسميَّتَهُ طارئةٌ، فهوَ ممنوعٌ مِن الصرْفِ.
ثمَّ ذَكَرَ أمْثِلَةً لألفاظٍ في أصْلِها أسماءٌ خَالِيَةٌ مِن الوَصفيَّةِ فصُرِفَتْ، ويَجوزُ مَنْعُها على اعتبارِ تَخَيُّلِ الوصْفِ فيها. وقولُهُ: (وقدْ يَنَلْنَ الْمَنْعَا)؛ أيْ: يَأْخُذْنَ المنْعَ، والألِفُ للإطلاقِ.

3- الوَصفيَّةُ والعدْلُ
656- وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ = فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَأُخَرْ
657- وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاثَ كَهُمَا = مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ فَلْيُعْلَمَا
هذا النوعُ الثالثُ ممَّا يُحْذَفُ تنوينُهُ للوَصفِيَّةِ، وهوَ الوَصفيَّةُ والعدْلُ، وذلكَ في مَوْضِعَيْنِ:
الأوَّلُ: الأعدادُ التي على وَزْنِ (فُعَالَ ومَفْعَلَ) مِنْ واحدٍ إلى أربعةٍ؛ كثُلاثَ ومَثْنَى. فـ(ثُلاثُ) مَعدولٌ عن العددِ الأَصْلِيِّ الْمُكَرَّرِ مَرَّتَيْنِ للتوكيدِ، فإذا قُلْتَ: حَضَرَ الطلاَّبُ أُحَادَ، فهوَ مَعدولٌ عنْ قولِكَ: حضَرَ الطلاَّبُ واحداً واحداً.
ولا تُستعمَلُ الأعدادُ المعدولةُ في الغالِبِ إلاَّ نُعُوتاً؛ كقولِهِ تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}. فـ (مَثْنَى): صِفةٌ لـ (أَجْنِحَةٍ) مَجرورةٌ بالفتحةِ المقَدَّرَةِ على الألِفِ للتعَذُّرِ، (وثُلاثَ): مَعطوفٌ على (مَثْنَى)، و(رُبَاعَ): معطوفٌ على ما قبْلَهُ. أوْ أحوالاً؛ كقولِهِ تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}. فـ (مَثْنَى): حالٌ مِن (النِّسَاءِ). أوْ أخباراً؛ كقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى))، فـ(مَثْنَى) الأُولَى خبرٌ لـ(صَلاةُ)، والثانيَةُ توكيدٌ.
الْمَوْضِعُ الثاني: لفْظُ (أُخَرَ)، وهيَ جَمْعُ (أُخْرَى) مُؤَنَّثِ (آخَرَ) بمعنى: مُغَايِرٍ؛ نحوُ: سَجَّلَ التاريخُ لعائشةَ أُمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ولنِسَاءٍ أُخَرَ أَثَرَهُنَّ في حِفْظِ السُّنَّةِ. وكانَ الأصْلُ أنْ يُقالَ: ولنساءٍ آخَرَ، بِمَدِّ الهمزةِ وفتْحِ الخاءِ؛ لأنَّ أفْعَلَ التفضيلِ المُجَرَّدَ مِنْ (أَلْ) والإضافةِ يَلْزَمُ الإفرادَ والتذكيرَ، ولكنَّهُم عَدَلُوا عنهُ وَقَالُوا: نِساءٍ أُخَرَ، بضمِّ الهمزةِ وفَتْحِ الخاءِ، فمُنِعَ مِن الصرْفِ للوَصفيَّةِ والعدْلِ.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. فـ (أُخَرَ): صِفةٌ لـ (أَيَّامٍ) مجرورةٌ بالفتحةِ نِيابةً عن الكسرةِ للوَصفيَّةِ ووَزْنِ (فُعَلَ).
وهذا معنى قولِهِ: (ومَنْعُ عَدْلٍ معَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ.. إلخ). فـ(مَنْعُ): مبتدأٌ، و(عَدْلٍ): مُضافٌ إليهِ مِنْ إضافةِ المصدَرِ إلى فاعلِهِ، والمفعولُ محذوفٌ تقديرُهُ: ومَنْعُ عَدْلٍ معَ وَصْفٍ الصرْفَ مُعتبَرٌ؛ أيْ: ممَّا يَمْنَعُ الصرْفَ اجتماعُ الوصْفِ والعدْلِ في الألفاظِ المذكورةِ. ثمَّ بَيَّنَ أنَّ (مَثْنَى وثُلاثَ) يُشْبِهُهما ما جاءَ على وزْنِهما مِنْ ألفاظِ الأعدادِ الأربعةِ الأُولَى، ولم يَذْكُرْ ما زادَ على الأربعةِ. وفي قولِهِ: (كَهُمَا) دخولُ الكافِ على الضميرِ المتَّصِلِ، وهوَ خاصٌّ بالضرورةِ كما ذَكَرَ ذلكَ ابنُ هشامٍ في حروفِ الْجَرِّ مِنْ (أَوْضَحِ المَسَالِكِ).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2, النصف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir