دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 09:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب حد السرقة (1/8) [السارق تقطع يده ونصاب القطع ربع دينار أو ثلاثة دراهم]


بابُ حَدِّ السَّرِقَةِ
عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا)). مُتَّفَقٌ عليهِ،واللفظُ لمُسْلِمٍ.
ولفظُ البخاريِّ: ((تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا)).
وفي روايَةٍ لأحمدَ: ((اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ)).
وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثلاثةُ دَرَاهِمَ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
وعنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ أيضًا.

  #2  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ
1/1149 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً): نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَيُسْتَعْمَلُ بِالْفَاءِ وَبِثُمَّ، وَلا يُؤْتَى بِالْوَاوِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَلَوْ زَادَ لَمْ يَكُنْ إلاَّ صَاعِداً، فَهُوَ حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ).
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: ((تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)). وَفِي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ؛ أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ:
2/1150- وَلَفْظُ البُخارِيِّ: ((تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ لِرُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعَداً))، وفي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ: ((اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ)).
(اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ). إيجَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآيَةَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ نِصَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلَ:
الأُولَى: هَلْ يُشْتَرَطُ النِّصَابُ أَوْ لا؟
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى اشْتِرَاطِهِ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَالْخَوَارِجُ إلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ، بَلْ يُقْطَعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لإِطْلاقِ الآيَةِ، وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ)).
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الآيَةَ مُطْلَقَةٌ فِي جِنْسِ الْمَسْرُوقِ وَقَدْرِهِ، وَالْحَدِيثُ بَيَانٌ لَهَا، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ الْبَيْضَةِ غَيْرُ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهَا، بَل الإِخْبَارُ بِتَحْقِيرِ شَأْنِ السَّارِقِ، وَخَسَارَةِ مَا رَبِحَهُ مِن السَّرِقَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَعَاطَى هَذِهِ الأَشْيَاءَ الْحَقِيرَةَ، وَصَارَ ذَلِكَ خُلُقاً لَهُ، جَرَّأَهُ عَلَى سَرِقَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَبْلُغُ قَدْرُهُ مَا يُقْطَعُ بِهِ، فَلْيَحْذَرْ هَذَا الْقَلِيلَ قَبْلَ أَنْ تَمْلِكَهُ الْعَادَةُ فَيَتَعَاطَى سَرِقَةَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، ذَكَرَ هَذَا الْخَطَّابِيُّ، وَسَبَقَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ إلَيْهِ.
وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ: ((مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ))، وَحَدِيثُ: ((تَصَدَّقِي، وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحَرَّقٍ)).
وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ مَفْحَصَ الْقَطَاةِ لا يَصِحُّ تَسْبِيلُهُ، وَلا التَّصَدُّقُ بِالظِّلْفِ الْمُحَرَّقِ؛ لِعَدَمِ الانْتِفَاعِ بِهِمَا، فَمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّرْهِيبِ مِن السَّرِقَةِ.
الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي قَدْرِ النِّصَابِ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِمْ لَهُ عَلَى أَقْوَالٍ بَلَغَتْ إلَى عِشْرِينَ قَوْلاً، وَالَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْهَا قَوْلانِ:
الأَوَّلُ: أَنَّ النِّصَابَ الَّذِي تُقْطَعُ بِهِ رُبُعُ دِينَارٍ مِن الذَّهَبِ، وَثَلاثَةُ دَرَاهِمَ مِن الْفِضَّةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ؛ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لإِطْلاقِ الآيَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ كَمَا سَمِعْتَ، وَهُوَ نَصٌّ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ، قَالُوا: وَالثَّلاثَةُ الدَّرَاهِمُ قِيمَتُهَا رُبُعُ دِينَارٍ، وَلِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الثَّلاثَةَ الدَّرَاهِمَ إذَا لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ تُوجِب الْقَطْعَ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضاً بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ أُتِيَ عُثْمَانُ بِسَارِقٍ سَرَقَ أُتْرُجَّةً قُوِّمَتْ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ حِسَابِ الدِّينَارِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، فَقَطَعَ.
وَأَخْرَجَ أَيْضاً أَنَّ عَلِيًّا عليهِ السَّلامُ قَطَعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفاً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُبُعُ الدِّينَارِ مُوَافِقٌ الثَّلاثَةَ الدَّرَاهِمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرْفَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَماً بِدِينَارٍ، وَكَانَ كَذَلِكَ بَعْدَهُ؛ وَلِهَذَا قُوِّمَت الدِّيَةُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً مِن الْوَرِقِ، وَأَلْفَ دِينَارٍ مِن الذَّهَبِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: لِلْهَادَوِيَّةِ وَأَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ، أَنَّهُ لا يُوجِبُ الْقَطْعَ إلاَّ سَرِقَةُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلا يَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.
وَرَوَى أَيْضاً مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِثْلَهُ، قَالُوا: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ، لَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَدْ عَارَضَتْ رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْوَاجِبُ الاحْتِيَاطُ فِيمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُضْوُ الْمُحَرَّمُ قَطْعُهُ إلاَّ بِحَقِّهِ، فَيَجِبُ الأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ، وَهُوَ الأَكْثَرُ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، مَعَ جَلالَتِهِ فِي الْحَدِيثِ، إلَى أَنَّ الْقَطْعَ لا يَكُونُ إلاَّ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَدَ مُحَرَّمَةٌ بِالإِجْمَاعِ، فَلا تُسْتَبَاحُ إلاَّ بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَالْعَشَرَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى الْقَطْعِ بِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَيُتَمَسَّكُ بِهِ مَا لَمْ يَقَع الاتِّفَاقُ عَلَى دُونِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: قَد اسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الاضْطِرَابُ فِي قَدْرِ قِيمَةِ الْمِجَنِّ مِنْ ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عَشَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ، وَرِوَايَةُ رُبُعِ دِينَارٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ صَرِيحَةٌ فِي الْمِقْدَارِ، فَلا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا مَا فِيهِ اضْطِرَابٌ، عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ قِيمَةَ الْمِجَنِّ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَبَاقِي الأَحَادِيثِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ لا تُقَاوِمُهُ سَنَداً.
وَأَمَّا الاحْتِيَاطُ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّلِيلِ، فَهُوَ اتِّبَاعُ الدَّلِيلَ لا فِيمَا عَدَاهُ، عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ التَّقْدِيرِ لِقِيمَةِ الْمِجَنِّ بِالْعَشَرَةِ جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَفِيهِمَا كَلامٌ مَعْرُوفٌ، وَإِنْ كُنَّا لا نَرَى الْقَدْحَ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ بِمَا ذَكَرُوهُ، كَمَا قَرَّرْنَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِشَرْطِيَّةِ النِّصَابِ فِيمَا يُقَدَّرُ بِهِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ: يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ لا بِرُبُعِ الدِّينَارِ؛ يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ صَرْفُهُمَا؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رُبُعُ دِينَارٍ صَرْفَ دِرْهَمَيْنِ مَثَلاً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الأَصْلُ فِي تَقْوِيمِ الأَشْيَاءِ هُوَ الذَّهَبُ؛ لأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الجَوَاهِرِ في الأَرْضِ كُلِّهَا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الصِّكَاكَ الْقَدِيمَةَ كَانَ يُكْتَبُ فِيهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، فَعُرِفَت الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ، وَحُصِرَتْ بِهَا، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الثَّلاثَةَ الدَّرَاهِمَ إذَا لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ تُوجِب الْقَطْعَ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقَالَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي التَّقْوِيمِ أَبُو ثَوْرٍ وَالأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي التَّقْوِيمِ بِالدَّرَاهِمِ، وَهَذَانِ الْقَوْلانِ فِي قَدْرِ النِّصَابِ تَفَرُّعاً عَن الدَّلِيلِ كَمَا عَرَفْتَ. وَفِي الْبَابِ أَقْوَالٌ كَمَا قَدَّمْنَا لَمْ يَنْهَضْ لَهَا دَلِيلٌ، فَلا حَاجَةَ إلَى شَغْلِ الأَوْرَاقِ بِهَا، وَالأَوْقَاتِ بِالْقَالِ وَالْقِيلِ.


3/1151- وعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْمِجَنُّ؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ: التُّرْسُ، مِفْعَلٌ مِن الاجْتِنَانِ، وَهُوَ: الاسْتِتَارُ وَالاخْتِفَاءُ، كُسِرَتْ مِيمُهُ؛ لأَنَّهُ آلَةٌ فِي الاسْتِتَارِ. قَالَ:

وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي = ثَلاثَ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ

وَقَدْ عَرَفْتَ مِمَّا مَضَى أَنَّ الثَّلاثَةَ الدَّرَاهِمَ رُبُعُ دِينَارٍ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ: ((وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ))، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَطْعَ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ، ثُمَّ أَخْبَرَ الرَّاوِي هُنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ، مَا ذَاكَ إلاَّ أَنَّهَا رُبُعُ دِينَارٍ، وَإِلاَّ لَنَا فِي قَوْلِهِ: ((وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ)). وَقَوْلُهُ هُنَا: ((قِيمَتُهُ)) هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ أَعْنِي الْقِيمَةَ.
ووَرَدَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِلَفْظِ: ((ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ)).
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ، وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَكَأَنَّهُ لِتَسَاوِيهِمَا عِنْدَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ فِي عُرْفِ الرَّاوِي، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ، وَإِلاَّ فَلَو اخْتَلَفَت الْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ الَّذِي شَرَاهُ بِهِ مَالِكُهُ لَمْ تُعْتَبَرْ إلاَّ الْقِيمَةُ.
4/1152 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضاً.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَدِلَّةِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِمَا ذُكِرَ قَرِيباً، وَالْمُوجِبُ تَأْوِيلَهُ مَا عَرَفْتَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: ((لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ))، وَقَوْلِهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ: ((وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ))، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ الأَعْمَشِ لَهُ بِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالْبَيْضَةِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ، وَبِالْحَبْلِ حَبْلُ السُّفُنِ، فَغَيْرُ صَحِيحٌ؛ لأَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي التَّهْجِينِ عَلَى السَّارِقِ؛ لِتَفْوِيتِهِ الْعَظِيمَ بِالْحَقِيرِ.
قِيلَ: فَالْوَجْهُ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: ((فَتُقْطَعُ)) خَبَرٌ، لا أَمْرٌ وَلا فِعْلٌ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ على القَطْعِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقْطَعُهُ مَنْ لا يُرَاعِي النِّصَابَ، أَوْ بِشَهَادَةٍ عَلَى النِّصَابِ، وَلا يَصِحُّ إلاَّ دُونَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.


  #3  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ
مُقَدِّمَةٌ
يُقَالُ: سَرَقَ يَسْرِقُ سَرَقاً، فَهُوَ سَارِقٌ، وَالشَّيْءُ مَسْرُوقٌ، وَصَاحِبُهُ مَسْرُوقٌ مِنْهُ.
وَالسَّرِقَةُ لُغَةً: أَخْذُ الشَّيْءِ فِي خفاءٍ وَحِيلَةٍ.
وَشَرْعاً: هِيَ أَخْذُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ لِغَيْرِهِ، مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، لا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، عَلَى وَجْهِ الاخْتِفَاءِ.
فَلا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلا مُخْتَلِسٍ، وَلا خَائِنٍ، وَلا جَاحِدِ وَدِيعَةٍ، وَنَحْوِهَا مِن الأَمَانَاتِ؛ لأَنَّهُمْ لا يَدْخُلُونَ فِي التعريفِ المذكورِ.
وَالأصلُ فِي قَطْعِ يَدِ السارقِ: الْكِتَابُ والسُّنَّةُ، وَالإجماعُ والقياسُ.
فَمِنَ الْقُرْآنِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. [المائدة: 38].
وَمِنَ السُّنَّةِ: مَا يَأْتِي مِن الأَحَادِيثِ.
وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ؛ اسْتِنَاداً إِلَى هَذِهِ النصوصِ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ:
فَإِنَّ الْقِيَاسَ والحكمةَ تَقْتَضِي إقامةَ الحدودِ كُلِّهَا، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، حِفْظاً للأَنْفُسِ، والأَعْرَاضِ والأموالِ؛ ولذا نَرَى الْبِلادَ الَّتِي عَمِلَتْ بأحكامِ اللَّهِ، وَنَفَّذَتْ حُدُودَهُ – اسْتَتَبَّ فِيهَا الأمنُ، وَلَوْ كَانَتْ ضَعِيفَةَ العُدَّةِ.
وَنَرَى الفَوْضَى، وَقَتْلَ الأَنْفُسِ، وَانْتِهَاكَ الأَعْرَاضِ، وَسَلْبَ الأموالِ فِي الْبِلادِ الَّتِي حَكَّمَتِ الْقَوَانِينَ، وَلَوْ كَانَتْ قَوِيَّةً مُتَمَدِّنَةً، فَمَضَتْ حَيَاتُهَا مَا بَيْنَ سَلْبٍ وَنَهْبٍ.
1067 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. واللفظُ لمُسْلِمٍ. ولفظُ البخاريِّ: ((تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)). وَفِي روايةٍ لأحمدَ: ((اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ)).
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
رِوَايَةُ أَحْمَدَ - وَإِنْ ضَعَّفَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - فَإِنَّهَا تَقْوَى بِحَدِيثِ عَائِشَةَ المُتَقَدِّمِ فِي الصحيحَيْنِ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- فَصَاعِداً: مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ المُؤَكِّدَةِ، يُسْتَعْمَلُ بِالْفَاءِ، وَثُمَّ، وَلا يُسْتَعْمَلُ بالوَاوِ، وَمَعْنَاهُ: وَلَوْ زَادَ.
- الدِّينَارُ: هُوَ المِثْقَالُ مِنَ الذَّهَبِ، وَزْنُهُ (4) غِرَامَاتٍ وَرُبْعٌ مِنَ الذَّهَبِ الصَّافِي.
1068 - وَعَن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- مِجَنٍّ: بِكَسْرِ الميمِ، وَفَتْحِ الجيمِ المُعْجَمَةِ، آخِرَهُ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ – هُوَ التُّرْسُ، جَمْعُهُ (مَجَانُّ)، وِزَانُ دَوَابَّ، مَأْخُوذٌ مِنَ: الاجْتِنَانِ، وَهُوَ الاسْتِتَارُ؛ لأَنَّ المِجَنَّ يُتَّقَى بِهِ ضَرْبُ السلاحِ فِي الحَرْبِ.
- الدِّرْهَمُ: وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنَ الفِضَّةِ هُوَ (2.975) غِرَاماً.
1069 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضاً.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الأَحَادِيثِ الثلاثةِ:
1- أَمَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دِمَاءَ النَّاسِ، وَأَعْرَاضَهُم، وَأَمْوَالَهُم بِكُلِّ مَا يَكْفُلُ رَدْعَ المُفْسِدِينَ المُعْتَدِينَ، فَكَانَ أَنْ جَعَلَ عُقُوبَةَ السارقِ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ حِرْزِهِ عَلَى وَجْهِ الاختفاءِ، قَطْعَ العُضْوِ الَّذِي تَنَاوَلَ بِهِ الْمَالَ المَسْرُوقَ؛ لِيُكَفِّرَ الْقَطْعُ ذَنْبَهُ، وَلِيَرْتَدِعَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَن الطُّرُقِ الدَّنِيئَةِ، وَيَنْصَرِفُوا إِلَى اكتسابِ الْمَالِ مِن الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ الكَرِيمَةِ، فَيَكْثُرَ الْعَمَلُ، وَتُسْتَخْرَجَ الثِّمَارُ، فَيَعْمُرَ الكَوْنُ، وَتَعِزَّ النُّفُوسُ.
2- وَمِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى: أَنْ جَعَلَ النِّصَابَ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ اليَدُ مَا يُعَادِلُ رُبْعَ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ؛ حِمَايَةً للأموالِ، وَصِيَانَةً للحياةِ، وَلِيَسْتَتِبَّ الأمنُ، وَتَطْمَئِنَّ النُّفُوسُ، وَيَنْشُرَ النَّاسُ أَمْوَالَهُم للكَسْبِ، والاسْتِثْمَارِ.
3- قَطْعُ يَدِ السارقِ، وَالْمُرَادُ بالسارقِ: الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ حِرْزِهِ عَلَى وَجْهِ الاختفاءِ، وَلَيْسَ مِنْهُ الغَاصِبُ، والمُنْتَهِبُ، والمُخْتَلِسُ.
قَالَ القاضي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: صَانَ اللَّهُ الأموالَ بِإيجَابِ الْقَطْعِ للسَّارِقِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ السرقةِ؛ كالاختلاسِ، والانتهابِ، والغَصْبِ؛ لأَنَّهُ قليلٌ بالنسبةِ إِلَى السرقةِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا النوعِ بالاستدعاءِ إِلَى وُلاةِ الأَمْرِ، وَتَسْهُلُ إقامةُ البَيِّنَةِ عَلَيْهِ، بخلافِ السرقةِ، فَإِنَّهُ تَنْدُرُ إقامةُ البَيِّنَةِ عَلَيْهَا، فَعَظَمُ أَمْرِهَا، وَاشْتَدَّتْ(1) عُقُوبَتُهَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا.
وَقَدْ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ فِي الجُمْلَةِ.
4- فِي الحديثَيْنِ الأَوَّلَيْنِ: أَنَّ نِصَابَ الْقَطْعِ رُبْعُ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ مِن الفِضَّةِ، وَيَأْتِي قَرِيباً مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي بَيَانِ النصابِ.
5- قَالَ ابْنُ دَقِيقِ العيدِ: القِيمَةُ، وَالثَّمَنُ مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَلَو اخْتَلَفَتِ القِيمَةُ وَالثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَالِكُهُ، لَمْ تُعْتَبَرْ إِلاَّ القِيمَةُ.
6- للعُلَمَاءِ شُرُوطٌ فِي قَطْعِ يَدِ السارقِ، تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَأَهَمُّ الْبَاقِي:
(أ‌) أَنْ يَكُونَ المسروقُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، والحِرْزُ يَخْتَلِفُ باختلافِ الأموالِ والبُلْدَانِ وَالحَاكِمِ، وَمَرْجِعُ الحِرْزِ العُرْفُ، فَلا قَطْعَ فِي سَرِقَةٍ مِنْ غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا.
(ب‌) وَأَنْ تَنْتَفِيَ الشُّبْهَةُ، فَلا قَطْعَ مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شركةٌ، كَسَرِقَةِ الابنِ مِنْ أَبِيهِ، أَو الأبِ مِن ابنِهِ، والفقيرِ مِنْ غلَّةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ مِنْ مَالٍ فِي شركةٍ.
(ج) وَأَنْ تَثْبُتُ السرقةُ: إِمَّا بِإِقْرَارٍ مِن السارقِ مُعْتَبَرٍ، أَوْ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ.
7- لِهَذَا الْحُكْمِ السَّامِي حِكْمَتُهُ التَّشْرِيعِيَّةُ العُظْمَى:
فالحدودُ كُلُّهَا عَلَى وَجْهِ العمومِ رَحْمَةٌ وَنِعْمَةٌ؛ فَإِنَّ فِي المجموعةِ البَشَرِيَّةِ أَفْرَاداً تَرَبَّتْ نُفُوسُهُم عَلَى حُبِّ الأَذَى، وَإِقْلاقِ النَّاسِ، وَإِفْزَاعِهِم فِي أَنْفُسِهِمْ، وأعراضِهِم، وأموالِهِم، وَإنَّهُ إِذَا لَمْ يُجْعَلْ لِهَؤُلاءِ الْمُجْرِمِينَ رَادِعٌ: مِنَ التأديبِ والعُقُوبَةِ، اضْطَرَبَتِ الأحوالُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ عُقُوبَاتٍ تُنَاسِبُ هَذِهِ الجرائمَ؛ لِيَرْتَدِعَ بِهَا المُجْرِمُ، وَلِيَكُفَّ عَن الجَرَائِمِ مَنْ يُحَاوِلُ غِشْيَانَهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ.
فَهَذَا المُعْتَدِي الَّذِي تَرَكَ مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، مِنَ المَكَاسِبِ الشَّرِيفَةِ، الَّتِي تَعُودُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مُجْتَمَعِهِ بالصالحِ العامِّ، فَأَقْدَمَ عَلَى أموالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَفْزَعَهُم وَأَخَافَهُم - يُنَاسِبُهُ فِي الْعُقُوبَةِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ؛ لأَنَّهَا الآلةُ الوَحِيدَةُ لِعَمَلِيَّةِ الإجرامِ، ولَكِنَّا مَعَ الأسفِ ابْتُلِينَا بهذهِ الطوائفِ المُتَزَنْدِقَةِ، الَّتِي عَشِقَتِ القوانِينَ الأُورُبِّيَّةَ الآثِمَةَ، تِلْكَ القوانِينَ الَّتِي لَمْ تَحْجِزِ الْمُجْرِمِينَ عَنْ إِفْسَادِهِم فِي الأَرْضِ، وإخافةِ الأَبْرِيَاءِ فِي بُيُوتِهِم وَسَلْبِهِمْ.
عَشِقُوا تِلْكَ القوانينَ الَّتِي حَاوَلَتْ إِصلاحَ الْمُجْرِمِينَ المُفْسِدِينَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِن العِلاجَاتِ الشَّافِيَةِ لَهُمْ، وَلِمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ مِنْ أَمْثَالِهِم، فَلَمْ تُفْلِحْ، بَلْ زَادَتْ عِنْدَهُم الجرائمُ والمفاسدُ؛ لأَنَّ عِقَابَهُم وَعِلاجَهُم السِّجْنُ، مَهْمَا عَظُمَتِ الْمَعْصِيَةُ، وَكَبُرَ الإجرامُ.
والسِّجْنُ يَلَذُّ لكثيرٍ مِن المفسدينَ الْعَاطِلِينَ، الَّذِينَ يَجِدُونَ فِيهِ الطَّعَامَ والشرابَ، وَفِي خَارِجِهِ الجُوعَ والبطَالَةَ.
وَلَمَّا كَانَت الحكومةُ السعوديَّةُ وَفَّقَهَا اللَّهُ قَائِمَةً بِتَحْكِيمِ شرعِ اللَّهِ تَعَالَى – قَلَّتْ عِنْدَهَا أَعْمَالُ الإجرامِ، لا سِيَّمَا سَلْبُ الأموالِ، بَيْنَمَا غَيْرُهَا مِن الأُمَمِ تَعِجُّ بالمُنْكَرَاتِ، وَعِصَابَاتِ الْمُجْرِمِينَ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالمُهَاجِمِينَ، أَعَادَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى حَظِيرَةِ دِينِهِمْ، والعملِ بِمَا فِيهِ مِن الْخَيْرِ والبركةِ.
قَرَارُ المجمعِ الفقهيِّ بِشَأْنِ حُكْمِ زِرَاعَةِ عُضْوٍ اسْتُؤْصِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ:
قَرَارٌ رَقْمُ (58):

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، وَالصَّلاةُ والسلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
إِنَّ مَجْلِسَ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ المُنْعَقِدَ فِي دَوْرَةِ مُؤْتَمَرِهِ السَّادِسِ بِجُدَّةَ فِي المَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، مِنْ 17 إِلَى 23 شَعْبَانَ 1410 هـ، المُوَافِقِ 14 - 20 آذارَ مَارِسَ 1990 م.
بَعْدَ اطِّلاعِهِ عَلَى البحوثِ الواردةِ إِلَى المجمعِ بخصوصِ موضوعِ (زراعةِ عُضْوٍ اسْتُؤْصِلَ فِي حَدٍّ أوقِصَاصٍ).
وَاسْتِمَاعِهِ للمُنَاقَشَاتِ الَّتِي دَارَتْ حولَهُ، وَبِمُرَاعَاةِ مَقَاصِدِ الشريعةِ مِنْ تطبيقِ الحدِّ فِي الزَّجْرِ، والرَّدْعِ وَالنَّكَالِ، وَإِبْقَاءً للمُرَادِ مِن الْعُقُوبَةِ بِدَوَامِ أَثَرِهَا للعِبْرَةِ والعِظَةِ، وَقَطْعِ دَابِرِ الْجَرِيمَةِ، وَنَظَراً إِلَى أَنَّ إعادةَ العُضْوِ الْمَقْطُوعِ تَتَطَلَّبُ الفَوْرِيَّةَ فِي عُرْفِ الطبِّ الْحَدِيثِ، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ بِتَوَاطُؤٍ وَإِعْدَادٍ طِبِّيٍّ خَاصٍّ، يُنْبِئُ عَن التَّهَاوُنِ فِي جِدِّيَّةِ إِقَامَةِ الحَدِّ وَفَاعِلِيَّتِهِ.
قَرَّرَ:
1- لا يَجُوزُ شَرْعاً إعادةُ العضوِ الْمَقْطُوعِ؛ تَنْفِيذاً لِلْحَدِّ؛ لأَنَّ فِي بَقَاءِ أَثَرِ الحدِّ تَحْقِيقاً كَامِلاً للعقوبةِ المُقَرَّرَةِ شَرْعاً، وَمَنْعاً للتعاونِ فِي اسْتِيفَائِهَا، وَتَفَادِياً لِمُصَادَمَةِ حُكْمِ الشرعِ فِي الظَّاهِرِ.
2- بِمَا أَنَّ القِصَاصَ قَدْ شُرِعَ لإقامةِ العدلِ، وإنصافِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَصَوْنِ حَقِّ الْحَيَاةِ للمجتمعِ، وَتَوْفِيرِ الأمنِ والاستقرارِ – فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ إِعَادَةُ عُضْوٍ اسْتُؤْصِلَ تَنْفِيذاً للقِصَاصِ إِلاَّ فِي الحالاتِ التاليةِ:
(أ‌) أَنْ يَأْذَنَ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ تَنْفِيذِ القِصَاصِ بإعادةِ العُضْوِ الْمَقْطُوعِ.
(ب‌) أَنْ يَكُونَ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ إعادةِ العضوِ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ.
3- يَجُوزُ إِعَادَةُ العُضْوِ الَّذِي اسْتُؤْصِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ بِسَبَبِ خَطَأٍ فِي الْحُكْمِ، أَوْ فِي التَّنْفِيذِ. انْتَهَى الْقَرَارُ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَدْرِ النِّصَابِ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ:
فَذَهَبَ الظاهريَّةُ إِلَى أَنَّهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}. [المائدة: 5] وَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي سَرِقَةِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ)).
وَذَهَبَ جمهورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى: أَنَّهُ لا بُدَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ نِصَابِ السرقةِ، مُسْتَدِلِّينَ بالأحاديثِ الصحيحةِ فِي تحديدِ النصابِ.
وَأَجَابُوا عَنْ أَدِلَّةِ الظاهريَّةِ: بِأَنَّ الآيَةَ مُطْلَقَةٌ فِي جِنْسِ المسروقِ وَقَدْرِهِ، وَالحديثَ بَيَانٌ لَهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ البيضةِ والحَبْلِ: فالمرادُ بِذَلِكَ بَيَانُ سُخْفِ وَضَعْفِ عَقْلِ السارقِ، وَخَسَاسَتِهِ، وَدَنَاءَتِهِ، فَإِنَّهُ يُخَاطِرُ بِقَطْعِ يَدِهِ للأشياءِ الحقيرةِ التافهةِ.
فَهَذَا التعبيرُ نوعٌ مِنْ أنواعِ البلاغةِ، فِيهِ التنفيرُ والتبشيعُ، وتصويرُ عَمَلِ الْمَعَاصِي بالصورةِ المَكْرُوهَةِ المُسْتَقْبَحَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الجمهورُ فِي تحديدِ قَدْرِ النصابِ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ، عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ نَذْكُرُ مِنْهَا الْقَوِيَّ:
فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وإسحاقُ، إِلَى أَنَّ النصابَ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضٌ (2) تَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى: أَنَّ النصابَ رُبْعُ دِينَارٍ ذَهَباً، أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ مِن الفضَّةِ، أَو العُرُوضِ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِن الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، والأَوْزَاعِيُّ، والليثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى: أَنَّ النِّصَابَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ، أَوْ مَا يُعَادِلُهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ عُرُوضٍ.
اسْتَدَلَّ الإمامُ أَحْمَدُ ومالكٌ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)).
وَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَن ابْنِ عُمَرَ.
وكما فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ والجمهورُ بالحديثِ السابقِ: ((لا قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)). فَإِنَّهُ جَعَلَ الذَّهَبَ أَصْلاً يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي النِّصَابِ.
وَلا يُنَافِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّ قِيمَةَ الدراهمِ الثلاثةِ فِي ذَلِكَ الوقتِ رُبْعُ دِينَارٍ؛ لأَنَّ صرفَ الدينارِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَماً.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُ بِمَا ثَبَتَ فِي الصحيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قِيمَةِ هَذِهِ المِجَنِّ، وَمِمَّا جَاءَ فِيهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ والطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّهُ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ).
وَهَذِهِ الروايةُ وَإِنْ خَالَفَتْ مَا فِي الصحيحَيْنِ مِنْ أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ – فالواجبُ الاحْتِيَاطُ فِيمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ قَطْعُ العُضْوِ المُحَرَّمِ، فَيَجِبُ الأخذُ بِهِ، وَهُوَ الأكثرُ.
وَمَا أَخْرَجَهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لا قَطْعَ إِلاَّ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ)). وَضَعَّفَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَهُ طَرِيقٌ حَسَّنَهَا ابْنُ حَجَرٍ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حقيقةِ اليدِ الَّتِي تُقْطَعُ عَلَى أَقْوَالٍ:
وَأَصَحُّهَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الجمهورُ، بَلْ نُقِلَ فِيهِ الإجماعُ، مِنْ أَنَّهَا الَّتِي تَبْتَدِئُ مِن الكُوعِ، فالآيةُ الكريمةُ ذَكَرَتْ قَطْعَ اليدِ، واليدُ عِنْدَ الإطلاقِ هِيَ الكَفُّ فَقَطْ، ومع هَذَا فَقَدْ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}. [النساء: 43] والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى كَفَّيْهِ فَقَطْ.
ثُمَّ إِنَّ الجمهورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا يُقْطَعُ اليَدُ اليُمْنَى، وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا).فَإِنْ سَرَقَ ثَانِياً، قُطِعَتِ الرِّجْلُ اليُسْرَى، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ قُطِعَتِ اليَدُ اليُسْرَى، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ، فالرِّجْلُ اليُمْنَى، هَذَا عِنْدَ الجمهورِ، وَذَكَرُوا أَدِلَّتَهُمْ فِي المُطَوَّلاتِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ العُصَاةِ غَيْرِ المُعَيَّنِينَ؛ لأَنَّهُ لَعْنُ جِنْسِ صَاحِبِ الْمَعْصِيَةِ، لا لَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ جَاءَتِ النصوصُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}. [هُود: 18].


(1) كذا، ولعلها: "وشدة".
(2) لعل الصواب: "عروض".


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, حد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir