دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب حد المسكر

بابُ حدِّ الْمُسْكِرِ
كلُّ شرابٍ أَسْكَرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ، وهو خَمْرٌ من أيِّ شيءٍ كان , ولا يُباحُ شُربُه لِلَذَّةٍ ولا لتَدَاوٍ ولا عَطَشٍ ولا غيرِه، إلا لدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بها ولم يَحْضُرْه غيرُه، وإذا شَرِبَه المسلِمُ مختارًا عالِمًا أنَّ كثيرَه يُسْكِرُ فعليه الْحَدُّ ثَمانونَ جَلْدَةً معَ الْحُرِّيَّةِ , وأربعون مع الرِّقِّ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ
(حَدِّ المُسْكِرِ)
أي: الذي يَنْشَأُ عنه السُّكْرُ، وهو اختلاطُ العقلِ. (كلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فقليلُه حرامٌ، وهو خمرٌ مِن أيِّ شيءٍ كانَ)؛ لقولِهِ عليه السلامُ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)). رَوَاهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ. (ولا يُبَاحُ شُرْبُهُ)؛ أي: شُرْبُ ما يُسْكِرُ كثيرُه (لِلَذَّةٍ ولا لِتَدَاوٍ ولا عَطَشٍ ولا غيرِهِ؛ إلاَّ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بها، ولم يَحْضُرْهُ غَيْرُه)؛ أي: غيرُ الخمرِ، وخافَ تَلَفاً؛ لأنَّه مُضْطَرٌّ، ويُقَدَّمُ عليه بولٌ، وعليهما ماءٌ نَجِسٌ. (وإذا شَرِبَه)؛ أي: المُسْكِرَ (المسلِمُ)، أو شَرِبَ ما خُلِطَ به، ولم يَسْتَهْلِكْ فيه، أو أَكَلَ عَجِيناً، لُتَّ به (مُخَتاراً عالِماً أنَّ كثيرَه يُسْكِرُ، فعليه الحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً، معَ الحُرِّيَّةِ)؛ لأنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ الناسَ في حَدِّ الخمرِ، فقالَ عبدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الحُدُودِ ثَمَانِينَ. فضَرَبَ عُمَرُ ثمانينَ، وكَتَبَ به إلى خَالِدٍ وأَبِي عُبَيْدَةَ في الشَّامِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُه. فإنْ لم يَعْلَمْ أنَّ كثيرَه يُسْكِرُ، فلا حَدَّ عليه، ويُصَدَّقُ في جَهْلِ ذلك، (و) عليه (أربعونَ معَ الرِّقِّ) عبداً كانَ أو أَمَةً، ويُعَزَّرُ مِن وُجِدَ مِنه رَائِحَتُها، أو حَضَرَ شُرْبَهَا، لا مَنْ جَهِلَ التحريمَ، لكِنْ يُقْبَلُ مِمَّن نَشَأَ بينَ( ) المُسْلِمِينَ، ويَثْبُتُ بإقرارِهِ مَرَّةً؛ كقَذْفٍ، أو بشهادةِ عَدْلَيْنِ، ويَحْرُمُ عصيرٌ غَلَى وأَتَى عليه ثلاثةُ أيَّامٍ بلَيَالِيها، ويُكْرَهُ الخَلِيطَانِ؛ كنَبِيذِ تَمْرٍ معَ زَبِيبٍ، لا وَضْعُ تَمْرٍ أو نحوِه وحدَه في ماءٍ لِتَحْلِيلِهِ، ما لم يَشْتَدَّ، أو تَتِمَّ له ثلاثةُ أيامٍ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب حد المسكر([1])

أي الذي ينشأ عنه السكر، وهو اختلاط العقل([2]) (كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام([3]) وهو خمر من أي شيء كان)([4]) لقوله عليه الصلاة والسلام «كل مسكر خمر وكل خمر حرام»([5]).
رواه أحمد وأبو داود([6]) (ولا يباح شربه) أي شرب ما يسكر كثيره (للذة ولا لتداو([7]) ولا عطش ولا غيره([8]) إلا لدفع لقمة غص بها، ولم يحضره غيره) أي غير الخمر، وخاف تلفا، لأنه مضطر([9]) ويقدم عليه بول([10]).

وعليهما ماء نجس([11]) (وإذا شربه) أي المسكر (المسلم)([12]) أو شرب ما خلط به ولم يستهلك فيه([13]) أو أكل عجينا لت به([14]) (مختارا عالما أن كثيره يسكر، فعليه الحد([15]) ثمانون جلدة مع الحرية)([16]) لان عمر استشار الناس في حد الخمر([17]).

فقال عبد الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين([18]) فضرب عمر ثمانين([19]) وكتب به إلى خالد، وأبي عبيدة في الشام، رواه الدارقطني وغيره([20]) فإن لم يعلم أن كثيره يسكر فلا حد عليه، ويصدق في جهل ذلك([21]) (و) عليه (أربعون مع الرق) عبدا كان، أو أمة([22]).

ويعزر من وجد منه رائحتها([23]) أو حضر شربها([24]) لا من جهل التحريم([25]) لكن لا يقبل ممن نشأ بين المسلمين([26]) ويثبت بإقراره مرة، كقذف([27]) أو بشهادة عدلين([28]).

ويحرم عصير غلا([29]) أو أتي عليه ثلاثة أيام بلياليها([30]) ويكره الخليطان كنبيذ تمر مع زبيب([31]) لا وضع تمر أو نحوه وحده في ماء لتحليته([32]) ما لم يشتد([33]) أو تتم له ثلاثة أيام([34]).


([1]) أي هذا باب يذكر فيه حد متناول المسكر، والمسكر: اسم فاعل، من أسكر الشراب، فهو مسكر: إذا جعل صاحبه سكرانا، أو كان فيه قوة تفعل ذلك، والسكران خلاف الصاحي، والخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
([2]) أي والسكر: هو اختلاط العقل، وقال الشافعي وأحمد: هو أن يخلط في كلامه خلاف عادته، وقال مالك: إذا استوى عنده الحسن والقبيح فهو سكران.
([3]) حده بحد يتناول كل فرد من أفراد المسكر لقوله صلى الله عليه وسلم «ما أسكر كثيره فقليله حرام» رواه أبو داود وغيره.
قال الوزير: اتفقوا على أن كل شراب يسكر قليله فكثيره حرام، ويسمى خمرا، وفيه الحد، وقال: اتفقا على أن الخمر حرام، قليلها وكثيرها، وفيها الحد، وكذلك اتفقوا على أنها نجسة، وأجمعوا على أن من استحلها حكم بكفره.
([4]) وسواء كان ذلك من عصير العنب النيئ، أو مما عمل من التمر والزبيب، والحنطة والشعير، والذرة، والأرز، والعسل والجوز، ونحوها، مطبوخا كان ذلك أو نيئا، إلا أبا حنيفة فيسمى عنده نقيعا ونبيذا.
([5]) وقال عمر: الخمر ما خامر العقل، وقال الراغب وغيره: كل شيء يستر
العقل يسمى خمرا، لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل، وسترها له، وهو قول جمهور أهل اللغة، وحكى ابن عبد البر عن أهل الحجاز، وأهل الحديث، وغيرهم أن كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، بإجماع المسلمين، قال الشيخ: والحشيشة نجسة في الأصح، وهي حرام، سواء سكر منها، أو لم يسكر، والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين، وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر، وظهورها في المائة السادسة.

([6]) وهو في الصحيحين من غير وجه، بهذا اللفظ، وبلفظ «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، وكل شراب أسكر فهو حرام»، فكل مسكر يقال له خمر، ويحكم بتحريمه، قال أحمد: في تحريم المسكر عشرون وجها، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
([7]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إنه ليس بدواء، ولكنه داء» رواه مسلم، وقال ابن مسعود، إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
([8]) أي غير ما ذكر، للذة أو لتداو، أو عطش، فإنه لا يحصل به ري، بل فيه من الحرارة ما يزيد العطش.
([9]) بحيث لم يجد ما يسيغها، فيجوز له تناوله، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} حفظا للنفس.
([10]) أي يقدم على الخمر لدفع لقمة غص بها، بول لوجوب الحد باستعمال المسكر دون البول.
([11]) أي: ويقدم على المسكر والبول ماء نجس، لأن الماء مطعوم، بخلاف البول، وإنما منع من حل استعماله نجاسته، وإن شرب الخمر لعطش، فقال الموفق: إن كانت ممزوجة بما يروي من العطش أبيحت لدفعه عند الضرورة، وصرفا، لم تبح، وعليه الحد.
([12]) فعليه الحد بشرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم «من شرب الخمر فاجلدوه» رواه أبو داود وغيره، ولا نزاع في ذلك.
([13]) حد، فإن استهلك فيه ثم شرب لم يحد لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه.
([14]) أو طبخ به لحما فأكل من مرقة، حد، لأن عين الخمر موجودة في ذلك.
([15]) مختارا لا مكرها، عالما أن كثيره يسكر، سواء كان من عصير العنب، أو غيره من المسكرات، ولو لم يسكر حد لما سبق.
([16]) لإجماع الصحابة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.
([17]) وذلك أن غالب الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة، وكان عنده المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، فلم ينكره منهم أحد، وقال السائب: حتى إذا عتوا في شرب الخمر وفسقوا، جلد عمر ثمانين.
([18]) ولأبي داود، فأجمعوا أن يضرب ثمانين.
([19]) قال ابن القيم: ألحق عمر حد الخمر بحد القذف، وأقره الصحابة، وقال الشيخ: حد الشرب ثابت بالسنة، وإجماع المسلمين، أربعين والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة، إذا أدمن الناس الخمر، وكانوا لا يرتدعون بدونها ونحو ذلك.
([20]) ولأبي داود عن ابن أزهر، ثم أثبته معاوية رضي الله عنه، ولم ينكر عليه، وهذا والله أعلم لتهالك أكثر الناس في شربها، ولم يرتدعوا قال الشيخ: الصحيح أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين، ليست واجبة على الإطلاق، ولا محرمة على الإطلاق، بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام، كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه، بالجريد والنعال وأطراف الثياب، بخلاف بقية الحدود، ومع قلة الشاربين، وقرب أمر الشارب، قال الشيخ: تكفي الأربعون، وهذا أثبت القولين اهـ، ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فالزيادة تعزير إذا رآها الإمام.
([21]) فيشترط لوجوب الحد، علمه بالتحريم، قال الموفق: في قول عامة أهل العلم، وقال عمر وعثمان، لا حد إلا على من علمه.
([22]) وأجمعوا على أنهم على النصف من حد الأحرار على أصل كل من أهل العلم، الأئمة الأربعة، وغيرهم، للآية وغيرها.
([23]) وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وعن أحمد: أنه يحد بوجود الرائحة إذا لم يدع شبهة، وهو قول مالك، واختيار الشيخ، وقال: من قامت عليه شواهد الحال بالجناية، كرائحة الخمر، أولى بالعقوبة ممن قامت عليه شهادة به أو إخباره عن نفسه، التي تحتمل الصدق والكذب، وهذا متفق عليه بين الصحابة وقال ابن القيم: حكم عمر وابن مسعود بوجوب الحد برائحة الخمر في الرجل أو غيره، ولم يعلم لهما مخالف، ومن وجد سكران، أو تقيأه حد لأنه لم يسكر ولم يتقيأ إلا وقد شربها.
([24]) عزر، نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه» رواه أبو داود.
([25]) قال الشيخ: إذا شك في المطعوم والمشروب، هل يسكر أم لا، لم يحرم بمجرد الشك، ولم يقم الحد على شاربه، ولا ينبغي إباحته للناس، إذا كان يجوز أن يكون مسكرا، لأن إباحة الحرام، مثل تحريم الحلال.
([26]) لأنه لا يكاد يخفى على مثله، فلا تقبل دعواه فيه.
([27]) لأن كل منهما لا يتضمن إتلافا، بخلاف السرقة، ومتى رجع قبل منه لانه حق الله تعالى.
([28]) أي: أو يثبت حد المسكر، بشهادة رجلين عدلين يشهدان أنه شرب مسكرا، ولا يحتاج إلى بيان نوعه، ولا أنه شربه مختارا عالما أنه مسكر، عملا بالظاهر.
([29]) أي يحرم عصير عنب أو قصب أو رمان أو غيره، غلا كغليان القدر، بأن قذف بزبده، ولو لم يسكر، لأن علة التحريم: الشدة الحادثة، وهي توجد بوجود الغليان، قال الموفق: لا خلاف في تحريمه، وهو ظاهر حديث أبي هريرة: تحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته به، فإذا هو ينش فقال: «اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر» رواه أبو داود.
([30]) حرم ولو لم يوجد منه غليان، لما روي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشربه إلى مساء ثالثة، ثم يأمر به فيسقى الخادم، أو يهراق.
([31]) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وقال أخمد:الخليطان حرام، وفي الصحيحين نهى أن يجمع بين التمر والزهو، والتمر والزبيب، ولينبذ كل واحد منهما على حدة وقال القاضي: قول أحمد هو حرام، إذا اشتد وأسكر، وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لعلة إسراعه إلى السكر المحرم.
([32]) أي لا يكره وضع تمر وحده في ماء لتحليته، أو وضع نحو التمر، كزبيب أو مشمش أو عناب، كل منها وحده، في ماء لم يكره، لما تقدم، ولما رواه مسلم وغيره: نهانا أن نخلط بسرا بتمر، أو زبيبا بتمر، وقال: من شربه منكم فليشربه زبيبا فردا، أو تمرا فردا، أو بسرا فردا.
([33]) أي: يغل، كما تقدم.
([34]) أي ولو لم يغل، لأن الشدة تحصل في الثلاث، غالبا، وهي خفية تحتاج إلى ضابط، فجعلت الثلاث ضابطا لها، ولا يكره فقاع حيث لم يشتد، ولم يغل، لأنه نبيذ يتخذ لهضم الطعام، ولا انتباذ في دباء، ونحوه.

  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 02:17 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ حَدِّ المُسْكِرِ

قوله: «حد المسكر» أي: عقوبة المسكر، وعلم من ذلك أن عقوبة السكران حدٌّ، لا يُتَجَاوز ولا يُنقص؛ لأن جميع الحدود التي رتبها الشارع على الجرائم لا تزاد ولا تنقص، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، بل المشهور من المذاهب الأربعة.
ودليل ذلك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قدرها بثمانين، وأن أبا بكر ضرب في عهده أربعين[(146)]، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لهما سُنَّة متبعةٌ، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» [(147)]، وهما في قمة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فيكون لهما سنة واجبة الاتباع بنص الحديث عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكن هل هي أربعون، أو ثمانون، أو أربعون وجوباً، وما بين الأربعين إلى الثمانين راجع إلى نظر الإمام، فإن أكْثَرَ الناسُ منها بلغ الثمانين، وإن أقلوا لم يتجاوز الأربعين؟ في هذا ـ أيضاً ـ خلاف.
والقول الثاني: أن عقوبة شارب المسكر من باب التعزير، الذي لا يُنْقص عن أربعين جلدة؛ لأن هذا أقل ما روي فيه، ولكن للحاكم أن يزيد عليه إذا رأى المصلحة في ذلك، واستدلوا بالتالي:
أولاً: أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يذكر حده في القرآن.
ثانياً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر حدَّه في السنة، بل قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه» [(148)] ولم يحدَّه.
ثالثاً: أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا إذا أُتِي بالشارب قاموا إليه يضربونه بالجريد، والنعال، وطرف الرداء، والأيدي[(149)]، وما أشبه ذلك، ولو كان هذا حدّاً لا يُتجاوز لوجب ضبطه، وألا يكون كل من جاء ضَرَبَ.
رابعاً: أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما تشاوروا في عهد عمر رضي الله عنه حين أكثر الناس من شربه، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخف الحدود ثمانون، فوافق على ذلك الصحابة[(150)]؛ وجه الدلالة من هذا الحديث أنه قال: «أخف الحدود ثمانون» ، ونحن نعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ضُرِبَ الشارب في عهده نحو أربعين[(151)]، وفي عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أربعين[(152)]، ولو كان حدّاً لكان أخف الحدود أربعين، ثم لو كان حدّاً ما استطاع عمر ولا غيره أن يتجاوزه، فالحد لا يمكن أن يزيده أحد، كما لا تزاد صلاة الظهر عن أربع، وصلاة المغرب عن ثلاث، وصلاة الفجر على اثنتين، أيضاً الحدود التي قدرها الله أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
وأيضاً قوله: أخف الحدود ثمانون، يدل على أنه يجوز أن نتجاوز ما كان الشارب يُجْلَد إيَّاه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو كان حدّاً ما جازت مجاوزته، ولا استشار عمر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في الزيادة، مع أنه كان ـ رضي الله عنه ـ معروفاً بالوقوف عند حدود الله سبحانه وتعالى.
خامساً: ما صح الحديث به عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ: «إذا شرب فاجلدوه» ، وذكر ذلك ثلاثاً، ثم قال: «فإن شرب الرابعة فاقتلوه» [(153)]، وهذا دليل على أنه عقوبة تتدرج حتى تصل إلى القتل، ولو كان حدّاً محدوداً لكان الحد فيه لا يتغير.
وهذا هو الراجح عندي، وهو ظاهر كلام ابن القيم في إعلام الموقعين، وهو أنه تعزير لكن لا ينقص عن أقل تقدير وردت به السنة، وأما الزيادة فلا حرج في الزيادة إذا رأى الحاكم المصلحة في ذلك.
وقوله: «المسكر» اسم فاعل من أسكر، أي: غطى العقل على سبيل اللذة والطرب، وتغطية العقل لها وجوه متعددة، فإذا كان على وجه اللذة والطرب، والنشوة، والارتقاء، والتعالي، فذلك هو السَّكَرُ، فالمسكر هو الذي إذا تناوله الإنسان غطى عقله على سبيل اللذة والطرب، وهو حرام.

كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. وَهُوَ خَمْرٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَلاَ يُبَاحُ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ وَلاَ لِتَدَاوٍ وَلاَ عَطَشٍ وَلاَ غَيْرِهِ، إِلاَّ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُهُ،......
قوله: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» هذه قاعدة مأخوذة من الحديث، قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» [(154)]، وقال: «ما أسكر منه الفَرَقُ فملء الكفِّ منه حرام» [(155)]، والفَرَق يسع ستة عشر رطلاً.
فقوله: «كل شراب أسكر» هذا مبتدأ، خبره: الجملة المقرونة بالفاء «فقليله حرام» ، وقرن الخبر بالفاء؛ لأن المبتدأ يشبه الشرط في العموم؛ ووجه العموم الذي فيه «كل شراب».
وقوله: «كل شراب» هذا على سبيل الأغلبية، أن يكون الخمر مشروباً، وإلا فقد يكون مأكولاً، فيعجن، ويؤكل، وقد يكون معجوناً من جهة أخرى بحيث يبل به العجين، ويؤكل ـ أي: يُعْجَن العجين بماء خمر ـ فيأكله الإنسان لقيمات، فيحصل السكر، ولهذا الأحسن أن نقول: «كل ما أسكر كثيرُهُ» كما جاء في الحديث، سواء كان شراباً، أو معجوناً، أو مطحوناً، فكل ما أسكر فإنه حرام.
وإذا أسكر كثيره فظاهر أنه حرام؛ وأما القليل فحرام بدليل الحديث؛ ولأنه ذريعة إلى شُرب الكثير المسكر، فلهذا منع الشرع منه.
ويجب أن نعرف الفرق بين أن نقول: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، وبين أن نقول: «ما كان مسكراً وخلط بغيره فهو حرام»، لأن ما أسكر كثيره بمعنى هذا الشراب بعينه، إن أكثرت منه سكرت، وإن أقللت لم تسكر، فيكون القليل حراماً؛ لأنه ذريعة.
وأما خلط الخمر بغيره على وجه لا يظهر فيه أثره، فإن هذا لا يؤثر، فهو كما لو وقعت نجاسة بماء فلم تغيره.
ففي هذه الحال لا يكون الماء نجساً؛ فإذا عَجَن عجيناً بخمر فإنه يكون حراماً، وهذا بشرط أن يسكر، ومعلوم أنك إذا عجنت العجين بخمر فإنه سوف يؤثر عليه بلا شك، أما إذا لم يؤثر، أي: يكون خلطاً قليلاً يتضاءل ويذهب أثره فلا عبرة به.
قوله: «وَهُوَ خَمْرٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ» «وهو» أي: المسكر، «خمر» لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل مسكر خمر» [(156)]؛ ووجه التسمية بيَّنها عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال: الخمر ما خامر العقل[(157)]، أي: غطاه، ومنه سمي خمار المرأة؛ لأنه يغطي رأسها، وعلى هذا فنقول: كل ما غطى العقل على سبيل اللذة والطرب فهو خمر من أي نوع كان، وإنما قال: «من أي نوع كان» رداً على من قال: إن الخمر لا يكون إلا من العنب، فإن هذا القول ضعيف جداً، ومردود على قائله؛ لأن أفصح من نطق بالضاد محمداً صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل مسكر خمر» [(158)]، وما قال: من العنب، فكل مسكر من العنب، أو الرُّطب، أو الشعير، أو الذرة، أو البرِّ، أو أي شيء كان فإنه خمر، وداخل في التحريم، وهو محرم بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
فدليله من الكتاب قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} [المائدة:90] .
ووجه الدلالة من الآية قوله: {{فَاجْتَنِبُوهُ}}، والأصل في الأمر الوجوب، ولأنه أضافه إلى الشيطان، فقال: {{مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}}، وما كان من عمل الشيطان فإنه حرام لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}} [النور: 21] ، ولأن فيه إثماً زائداً على منفعته، والإثم محرم؛ لقوله تعالى: {{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}} [الأعراف: 33] .
وأما السنة فهي صريحة في أنه حرام، في عدة أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنَّ بيعه حرام أيضاً، كما في حديث جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب في مكة عام الفتح، وقال: «إن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام» [(159)]، وقال لصاحب الراوية: «إن الله إذا حرَّم شيئاً حرم ثمنه» [(160)].
فما الحِكَمُ من تحريمه؟
الجواب: الحكم من تحريمه كثيرة، منها قوله تعالى: {{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}} وكل ذي فطرة سليمة فإنه لا يقبل الرجس من عمل الشيطان.
ومنها أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، لقوله: {{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ}} [المائدة: 91] .
ومنها أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأن السكران ـ والعياذ بالله ـ إذا سكر غفل، وبقي مدة لا يذكر الله، ولا يصلي إذا جاء وقت الصلاة؛ لأنه منهي عنها: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}} [النساء: 43] .
ومنها أنه جماع الإثم، أي: جامع للإثم كله، ومفتاح لكل شر.
وهذا ـ أيضاً ـ ظاهر؛ لأن الإنسان ـ والعياذ بالله ـ إذا سكر فقد وعيه، فقد يقتل نفسه، وقد يقتل ابنه، وقد يقتل أمه، وقد يزني ببنته ـ والعياذ بالله ـ، وكم من قضايا نسمع عنها، أن الرجل إذا سكر قرع بابه، وطلب من زوجته أن تمكنه من ابنته، وهذا شيء واقع.
وقد نشر في إحدى الصحف في البلاد التي ظهر فيها غضب الله، ونقمته، أن شاباً دخل على أمه في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وقال لها: إنه يريد أن يفعل بها، فنهته، ووبخته، فذهب وأتى بالسكين، وقال: إن لم تمكنيني فسأقتل نفسي، فأدركها حنان الأم ورحمتها، فمكنته من نفسها، فزنا بأمه، فلما أتى الصباح كأنه أحس أنه فعل هذه الجريمة العظيمة مع أمه، فدخل الحمام ومعه بنزين فصبه على نفسه، ثم أحرق نفسه والعياذ بالله، ومن تأمل ما حصل من الشرور والمفاسد في شرب الخمر عرف بذلك حكمة الله عزّ وجل، ورحمته بعباده، حيث حرم ذلك عليهم، فالحكمة تقتضي تحريمه، والإنسان العاقل يبعد عنه بعقله، دون أن يعرف شرع الله فيه.
قوله: «وَلاَ يُبَاحُ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ» فلو قال إنسان: سأشرب الخمر من أجل أن يتلذذ به، يقول عن نفسه: أنا تعبان، وأرهقتني الهموم، ويريد أن يشرب هذا الكأس من الخمر حتى يرتاح، ويتلذذ، ويرى نفسه أنه ليس أمامه هم، ولا غم، ولا دنيا، ولا أهل، ولا ولد، وإنما هو ملك من ملوك الدنيا، ويقول: ارحموني قد مللت من حياتي، ولا يطيب لي الزمان حتى أشرب كأساً من الخمر، فهل يجوز أن يشربه لهذا الغرض؟
نقول: لا يجوز، ونرحمك بمنعك؛ لأنك إذا فعلت هذا فإنه يحصل لك النشوة، والطرب، والذهول، والنسيان في لحظات، ولكن يعقبها همٌّ وغمٌّ أكثر من الأول، فهي أم الخبائث.
قوله: «ولاَ لِتداوٍ» أي: لا يباح لتداوٍ؛ لأننا نعلم علم اليقين أنه لا دواء فيه، وإنما هو كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنه ليس بدواء ولكنه داء» [(161)]، ولو كانت دواءً ما حرمها الله ـ عزّ وجل ـ على عباده، فإن الله لا يحرم على عباده ما كان نافعاً لهم.
قوله: «وَلاَ عَطَشٍ» كرجل هالك من العطش إلى آخر رمق، وعنده كأس من الخمر، فقال: إنه يريد أن يشربها من العطش فلا يجوز؛ لأنه يزيد العطش، فلا يروي غليلاً ولا يشفي عليلاً.
قوله: «وَلاَ غَيْرِهِ» كالمفاخرة، والاختبار، وما أشبه ذلك، إلا في حالة واحدة قد تكون نادرة، ولكن قد تقع، قال المؤلف:
«إِلاَّ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُهُ» مسألة غريبة، انظر العلماء كيف تذهب أفكارهم إلى هذا الأمر البعيد، مثل ما يذهب بعض الشعراء إلى خيال بعيد، كقول بعضهم:
بَلِيت بِلى الأطلال إن لم أقف بها
وقوف شحيح ضاع في التُّربِ خَاتمُهُ
بليت بلى الأطلال أي: أطلال محبوبه، فهو يحب امرأة، وأطلالها ما تخلَّف من بيوتها ودارها، «إن لم أقف بها» أي بهذه الأطلال (وقوف شحيح) وهو البخيل بالمال، الممسك له، الحريص عليه (ضاع في التُّرب خاتمه) خاتم الشحيح غالٍ عليه جداً، فإذا ضاع في التراب، فسيظل يبحث فيه أبد الآبدين، لعله يجده.
فهذه الصورة التي ذكرها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ مما يدل على أنهم يتعمقون في تصوير المسائل حتى النادرة، فمن يتصور أن رجلاً يأكل، ويُكبِّر اللقمة، ثم بعد ذلك يغص، ثم بعد ذلك لا يوجد عنده إلا كأس خمر، في بلد الإسلام!! هذا شيء بعيد لكن قد يكون.
ففي هذه الحال إذا غَصَّ ـ فقد يموت إذا لم تندفع اللقمة ـ وعنده كأس خمر، فيشرب بقدر ما تندفع به اللقمة، أي: بقدر الضرورة فقط، فإذا اندفعت أمسك.
ولماذا جازت هذه الصورة مع أن الخمر حرام؟ الجواب: لأن اندفاع الضرورة بالمحرم هنا حاصلة، فالضرورة هنا تندفع بما إذا شرب الخمر قطعاً، لكن الضرورة في العطش لا تندفع بشرب الخمر، ولا في التداوي أيضاً.
مسألة: يوجد في بعض الأدوية والعقاقير نسبة من الكحول، تعطى للمرضى في بعض الأحيان عند الضرورة، فما حكم هذا؟
الجواب: هذه لا تُسكر، ولكنها يحصل بها شيء من التخدير، وتخفيف الآلام على المريض، أما أن يسكر سكر شارب الخمر فلا، فهي تشبه البنج الذي يحصل به تعطيل الإحساس بدون أن يشعر المريض باللذة والطرب، ومعلوم أن الحكم المعلق بعلة إذا تخلفت العلة تخلف الحكم، فما دام الحكم معلقاً بالإسكار، وهنا لا إسكار فلا تحريم.
مسألة: ما حكم الحشيش؟
الجواب: الحشيش يراه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أخبث من الخمر، وهو كذلك، فإن الحشيشة تسكر، وهي شر منه؛ لأنها تؤثر على المخ أكثر مما يؤثر الخمر، ومثل ذلك ـ أيضاً ـ فيما يظهر الحبوب المخدرة؛ لأن مضرتها عظيمة، وهي أشد من مضرة الخمر، وفي بعض الدول غير الإسلامية يوجبون القتل على مروِّجها، ولكنها لا تسمى خمراً، وفيها التعزير، ويرجع فيه إلى اجتهاد الإمام.

، وَإِذَا شَرِبَهُ الْمُسْلِمُ مُخْتَاراً عَالِماً أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، ثَمَانُونَ جَلْدَةً مَعَ الْحُرِّيَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مَعَ الرِّقِّ.
قوله: «وَإَذا شَرِبَهُ المُسْلِمُ» هذا الشرط الأول، وخرج به من ليس بمسلم، حتى وإن كان ملتزماً كالذمي فإنه لا يحد؛ لأن المسلم هو الذي يعتقد تحريمه، أما غير المسلم فهم لا يعتقدون تحريمه؛ ولهذا لا يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر، ولكنهم يمنعون من إظهاره في بلاد المسلمين.
قوله: «مُخْتَاراً» هذا الشرط الثاني، فإن كان مكرهاً فإنه لا حد عليه؛ لقوله تعالى في الكفر، وهو أعظم الذنوب: {{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} [النحل:106] ، ولكن المكره على فعل المعصية، تارة يفعلها لدفع الإكراه، وتارة يفعلها لذاتها، فهل الآية عامة والأحكام عامة؟ أو خاصة بمن فعله لدفع الإكراه؟
الجواب: اختلف في هذا أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه إذا وُجِدَ الإكراه فإن الإنسان ـ وإن اختار الفعل ـ لا يعاقب عليه.
ومنهم من قال: يشترط لعدم العقوبة أن ينوي دفع الإكراه، لا ذات الفعل، فلو أن رجلاً أكره على شرب الخمر، كأن قيل له: إما أن تشرب هذه الكأس، وإما أن نقتلك؟ قال: ما دمتم أكرهتموني فهاتوها، فشربها اختياراً لا لدفع الإكراه، فهل يحد؟ ينبني على القولين، إن قلنا: إنه لا يشترط أن ينوي دفع الإكراه فإنه لا يحدُّ؛ لأن الإنسان قد لا يكون في نفسه قبل تلك اللحظة إرادة دفع الإكراه، وإنما يقول: أكرهت على هذا الفعل، فسأفعله، وهذا هو الأقرب، بدليل أنه لولا أنه أكره ما شَرِبَ، وإن قلنا: إنه لا بد أن ينوي دفع الإكراه فإنه يُحَدُّ، والصحيح أنه لا يُحَدُّ.
قوله: «عَالماً أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ» هذا الشرط الثالث، فيشترط أن يعلم أنه خمر، وأن يعلم أن كثيره يسكر، فإن لم يعلم أنه خمر، أي: ظن أنه شراب من سائر المشروبات، ثم لما شربه سَكِر فليس عليه حدٌّ؛ لأنه جاهل بالحال.
كذلك لو علم أنه مسكر، لكن لم يظن أن كثيره يسكر، فإنه لا يحد؛ لأنه يشترط أن يعلم أن كثيره يسكر، فإن علم أن قليله يسكر فإنه يحد من باب أولى.
ويشترط مع ذلك الشروط العامة، أن يكون عالماً بالتحريم، بالغاً، عاقلاً.
قوله: «فعليه الحد» ظاهره أنه سواء سكر منه، أو لم يسكر، فإذا علم أن كثيره يسكر فشرب ـ وإن لم يسكر ـ فعليه الحد؛ لأنه محرم، والنصوص عامة في التحريم، وعامة في وجوب عقوبته، وليس فيها اشتراط أن يسكر.
قوله: «ثَمَانُونَ جَلْدَةً مَعَ الحُرِّيَّةِ» هذا بناءً على قضاء عمر ـ رضي الله عنه ـ حيث رفع العدد إلى ثمانين جلدة[(162)]، وعمر ـ رضي الله عنه ـ له سنة متبعة[(163)]، وهذا نظير أخذ أهل العلم برأي عمر في الطلاق الثلاث أنه يكون طلاقاً بائناً، مع أنه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وعهد أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، كان الطلاق الثلاث واحدة[(164)]، فأخذوا بالأخير من فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ، وهو أنه يُجلد شارب الخمر ثمانين جلدة.
واختار كثير من أهل العلم أن ما بين الأربعين إلى الثمانين راجع إلى نظر الحاكم، فإن رأى من المصلحة أن يبلغ الثمانين بلغ، وإلا فأربعون.
قوله: «وَأَرْبَعُونَ مَعَ الرِّقِّ» بناءً على القاعدة التي سبقت، وهي أن الرقيق عقوبته على النصف من عقوبة الحر.
وهنا مسألة ما ذكرها الماتن ـ رحمه الله ـ، والناس يحتاجون إليها، وهي هل يَحْرُم عصير العنب، وعصير البرتقال، وما أشبه ذلك، أم لا؟
الجواب: هذا حلال ليس فيه شك، إلا إذا غلا ـ أي: تخمر ـ بأن يكون فيه زَبَد صار حراماً، أو إذا أتى عليه ثلاثة أيام على المشهور من المذهب، وإن لم يغلِ فإنه يكون حراماً؛ قالوا: لأن ثلاثة الأيام يغلي فيها العصير غالباً، ولما كان الغليان قد يخفى أنيط الحكم بالغالب لظهوره، وهو ثلاثة أيام.
والصحيح خلاف ذلك، فالصحيح أنه لا يحرم إذا أتى عليه ثلاثة أيام، لا سيما في البلاد الباردة، أما إذا كان في البلاد الحارة فإنه بعد ثلاثة أيام ينبغي أن ينظر فيه، والاحتياط أن يتجنب، وأن يعطى البهائم، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يخشى أن يكون قد تخمر وأنت لا تعلم به.

-------------------------

[146] أخرجه مسلم في الحدود/ باب حد الخمر (1707)، عن علي رضي الله عنه، والحديث أخرجه البخاري في الحدود/ باب ما جاء في ضرب شارب الخمر (6773) ولم يذكر فيه أن عمر رضي الله عنه قدرها بثمانين.
[147] سبق تخريجه ص(263).
[148] أخرجه أحمد (4/96)، وأبو داود في الحدود باب إذا تتابع في شرب الخمر (4482)، والترمذي في الحدود باب ما جاء في شرب الخمر فاجلدوه ومن عاد في الرابعة فاقتلوه (1444)، وابن ماجه في الحدود باب من شرب الخمر مراراً (2573) عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ وصححه الحاكم على شرط مسلم (4/371) وقال ابن عبد الهادي في المحرر (1165): «رواته ثقات»، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (61).
[149] سبق تخريجه ص(291).
[150] أخرجه مسلم في الحدود باب حد الخمر (1706) عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ.
[151] سبق تخريجه ص(293).
[152] أخرجه البخاري في الحدود/ باب ما جاء في ضرب شارب الخمر (6773)، ومسلم في الحدود/ باب حد الخمر (1706) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[153] سبق تخريجه ص(294).
[154] أخرجه الإمام أحمد (3/343)، وأبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر (3681)، والنسائي في الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر كثيره (8/300)، والترمذي في الأشربة باب ما جاء ما أسكر كثيره... (1865)، وابن ماجه في الأشربة باب ما أسكر كثيره... (3392)، وابن حبان (5358)، قال الترمذي: «حديث حسن غريب»، وصححه الألباني كما في الإرواء (8/42).
[155] أخرجه الإمام أحمد (6/71، 131)، وأبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر (3687)، والترمذي في الأشربة باب ما جاء ما أسكر كثيره... (1866) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقال الترمذي: «حديث حسن» وصححه الألباني كما في الإرواء (8/44).
[156] سبق تخريجه ص(222).
[157] أخرجه البخاري في التفسير باب قوله: {{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}} (4619)، ومسلم في التفسير باب في نزول تحريم الخمر (3032) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[158] سبق تخريجه ص(222).
[159] أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الميتة والأصنام (2236)، ومسلم في البيوع باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (1581) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[160] أخرجه الإمام أحمد (1/247، 322)، وأبو داود في البيوع بابٌ في ثمن الخمر والميتة (3488) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وصححه ابن حبان (4938)، والنووي في «المجموع» (9/273)، وابن القيم في «الهدي» (5/746).
[161] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب تحريم التداوي بالخمر وبيان أنها ليست بدواء (1984) عن وائل بن حجر ـ رضي الله عنه ـ.
[162] سبق تخريجه ص(294).
[163] سبق تخريجه ص(293).
[164] أخرجه مسلم في الطلاق/ باب طلاق الثلاث (1472) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, حد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir