دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب حد القذف

بابُ حدِّ القَذْفِ
إذا قَذَفَ الْمُكَلَّفُ مُحْصَنًا جُلِدَ ثمانينَ جَلدةً إن كان حُرًّا، وإن كانَ عبدًا أربعينَ، والْمُعْتَقُ بعضُه بحِسابِهِ، وقَذْفُ غيرِ الْمُحْصَنِ يُوجِبُ التعزيرَ، وهو حقٌّ للمقذوفِ.
و ( الْمُحْصَنُ ) هنا: الْحُرُّ المسلمُ العاقلُ العفيفُ الملتزِمُ الذي يُجامِعُ مِثْلُه، ولا يُشْتَرَطُ بلوغُه.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

............................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ
حَدِّ (القَذْفِ)
وهو: الرميُ بِزِناً أو لِوَاطٍ. (إذا قذَفَ المُكَلَّفُ) المُخْتَارُ، ولو أَخْرَسَ بإشارةٍ (مُحْصَناً)، ولو مَجْبُوباً، أو ذاتَ مَحْرَمٍ، أو رَتْقَاءَ، (جُلِدَ) قَاذِفٌ (ثَمَانِينَ جَلْدَةً إنْ كانَ) القاذِفُ (حُرًّا)؛ لقولِهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. (وإنْ كانَ) القاذِفُ (عبداً) أو أَمَةً ولو عُتِقَ عَقِبَ قَذْفٍ، جُلِدَ (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً؛ كما تَقَدَّمَ في الزِّنا. (و) القاذِفُ (المُعْتَقُ بعضُه)، يُجْلَدُ (بِحِسَابِهِ)، فمَن نِصْفُه حُرٌّ يُجْلَدُ سِتِّينَ جَلْدَةً. (وقذفُ غيرِ المُحْصَنِ) ولو قِنَّهُ، (يُوجِبُ التعزِيرَ) على القاذفِ؛ رَدْعاً عن أعراضِ المَعْصُومِينَ.
(وهو)؛ أي: حَدُّ القَذْفِ (حَقٌّ للمَقْذُوفِ) فيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ، ولا يُقامُ إلاَّ بِطَلَبِهِ؛ كما يَأْتِي، لكِنْ لا يَسْتَوْفِيهِ بنفسِه؛ وتَقَدَّمَ. (والمُحْصَنُ هنا)؛ أي: في بابِ القَذْفِ هو (الحُرُّ المسلِمُ العاقِلُ العَفِيفُ) عن الزِّنَا ظاهراً، ولو تَائِباً منه، (المُلْتَزِمُ الذي يُجَامِعُ مِثْلُه)، وهو ابنُ عَشْرٍ، وبِنْتُ تِسْعٍ، (ولا يُشْتَرَطُ بُلُوغُه) لكِنْ لا يُحَدُّ قاذفُ غيرِ بالغٍ، حتَّى يبلُغَ ويُطَالِبَ، ومَن قَذَفَ غائباً لم يُحَدَّ حتى يَحْضُرَ ويُطَالِبَ، أو يُثْبِتَ طَلَبَه في غَيْبَتِهِ، ومَن قالَ لابنِ عِشرينَ: زَنَيْتَ مِن ثَلاثِينَ سَنَةً. لم يُحَدَّ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب حد القذف([1])
وهو الرمي بزنا أو لواط([2]) (إذا قذف المكلف) المختار([3]) ولو أخرس بإشارة بالزنا (محصنا)([4]) ولو مجبوبا، أو ذات محرم، أو رتقاء([5]).
(جلد) قاذف (ثمانين جلدة إن كان) القاذف (حرا)([6]) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}([7]) (وإن كان) القاذف (عبدا) أو أمة ولو عتق عقب قذف، جلد (أربعين) جلدة كما تقدم في الزنا([8]) (و) القاذف (المعتق بعضه) يجلد (بحسابه)([9]) فمن نصفه حر يجلد ستين جلدة([10]).
(وقذف غير المحصن) ولو قنه (يوجب التعزير) على القاذف([11]) ردعا عن أعراض المعصومين([12]) (وهو) أي حد القذف (حق للمقذوف)([13]) فيسقط بعفوه ولا يقام إلا بطلبه، كما يأتي([14]) لكن لا يستوفيه بنفسه، وتقدم([15]) (والمحصن هنا) أي في باب القذف([16]) هو (الحر المسلم العاقل العفيف) عن الزنا ظاهرا، ولو تائبا منه([17]).
(الملتزم([18]) الذي يجامع مثله) وهو ابن عشر، وبنت تسع (ولا يشترط بلوغه)([19]) لكن لا يحد قاذف غير بالغ، حتى يبلغ ويطالب([20]) ومن قذف غائبا لم يحد، حتى يحضر، ويطالب([21]) أو يثبت طلبه في غيبته([22]).
ومن قال لابن عشرين: زنيت من ثلاثين سنة لم يحد([23])


([1]) القذف في الأصل: رمي الشيء بقوة، ثم استعمل في الرمي بالزنا ونحوه، من المكروهات، والقذف محرم بالكتاب والسنة والإجماع، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية وقوله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات» وعد منها قذف المحصنات، وأجمع المسلمون على تحريمه، بل عدوه من الكبائر.
([2]) أو شهادة بأحدهما، ولم تكمل البينة، كما تقدم، واللواط عمل قوم لوط، اشتق الناس من اسمه فعلا لمن عمل عمل قومه، واللوطية من عمل عملهم.
([3]) محصنا حد، لا المكره، وإن أذن له في قذفه، فمن قال: هو حق لله حد، ومن قال لآدمي: لم يجب عليه عنده الحد: ويعزر لفعل المحرم.
([4]) أي ولو كان القاذف أخرس، بإشارة مفهومه بالزنا حد، إذا قذف محصنا.
([5]) أي ولو كان قذف مجبوبا، أي مقطوع الذكر بالزنا، أو قذف ذات محرم منه بالزنا، أو قذف رتقاء بالزنا، أو قذف قرناء، وكذا إن قذف مريضا أو
مريضة.

([6]) قال الموفق غيره: قد أجمع العلماء على وجوب الحد، على من قذف محصنا، وأن حده ثمانون إن كان حرا.
([7]) أي والذين يقذفون بالزنا، المحصنات، الحرائر العفائف، العاقلات، ثم لم يأت القذفة بأربعة شهداء على ما رموهن به، فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، ولا فرق بين الذكر والأنثى، وإنما خصهن لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع، ثم قال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وقال ابن رشد: اتفقوا على انه يجب على القاذف مع الحد سقوط شهادته، ما لم يتب، واتفقوا على أن التوبة لا ترفع الحد.
([8]) إذا جلد فيه، لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وقال ابن رشد وغيره: اتفقوا على أن حد القذف ثمانون جلدة للقاذف الحر، والعبد على النصف، للآية وغيرها، ولأن الله لم يجعله كالحر من كل وجه، لا قدرا ولا شرعا.
([9]) أي بحساب ما عتق منه، كالحر، وما بقي كالعبد.
([10]) ومن ربعه حر يجلد خمسين، وهكذا، لأنه حد يتبعض، فكان على القن فيه من العذاب، نصف ما على الحر.
([11]) يعني لنحو مشرك وذمي وقن، ولو كان القاذف سيده، وكذا القاذف لمسلم دون تسع سنين، ومن ليس بعفيف.
([12]) وكفا له عن أذاهم، فحيث انتفى الحد وجب التعزير.
([13]) كالقود.
([14]) أي يسقط حق المقذوف، بعفوه عن القاذف، ولو بعد طلبه، ولا يستحلف المنكر فيه، ولا يقبل رجوعه عن القذف، كسائر حقوقه، ولا يقام حد القذف، إلا بطلبه، كما سيأتي قريبا، ولا يجوز أن يعرض له إلا بطلبه، وذكره الشيخ إجماعا.
([15]) في أول كتاب الحدود، وهو قوله: فيقيمه الإمام أو نائبه مطلقا، لأنه يفتقر إلى اجتهاد، ولا يؤمن من استيفائه الحيف، فإن فعل لم يعتد به، قال ابن رشد: لا خلاف أن الإمام يقيمه في القذف.
([16]) من وصفه، بخلاف الإحصان في باب النكاح.
([17]) أكثر الفقهاء، يشترط للإحصان، خمسة شروط، أحدها: الحرية، ورجحه الموفق وغيره، وكذا الإسلام، وأما العقل فاتفاق، وكذا العفاف ظاهرا، ولو كان تائبا من الزنا، لأن التوبة تمحو الذنب، والخامس من يجامع مثله.
([18]) كذا في الرعاية والوجيز، ولم يذكر في الفروع، ولا في الإقناع، ولا في المنتهى، ولا المغني ولا الشرح، لأن المتلزم، يراد به، ما قابل الحربي وغيره، فيدخل فيه الذمي مع أنه خارج بقوله: المسلم، وقيل: إذا قذف ذمية لها ولد مسلم، حد وقال الموفق: ما لا يحد قاذفه إذا لم يكن له ولد، لا يحد وله ولد كالمجنونة.
([19]) أي والمحصن: هو الحر المسلم العاقل، العفيف الذي يجامع مثله، وقال ابن رشد: اتفقوا على أن من شرط المقذوف، أن يجتمع فيه خمسة أوصاف، البلوغ والحرية والعفاف، والإسلام وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف لم يجب الحد والجمهور بالجملة، على اشتراط الحرية في المقذوف اهـ وعن أحمد: أن البلوغ شرط، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وما مشى عليه فقال الموفق: لأنه حر عاقل عفيف، أشبه الكبير، وهو قول مالك، وعليه: ولا بد أن يكون كبيرا يجامع مثله، وأدناه أن يكون للغلام عشر، وللجارية تسع.
([20]) أي بالحد بعد بلوغه، لعدم اعتبار كلامه قبل البلوغ، وليس لوليه المطالبة عنه بالحد، حذرا من فوات التشفي، وكذا لو جن المقذوف، أو أغمي عليه قبل الطلب.
([21]) لأنه حق له أشبه سائر حقوقه.
([22]) فيحد القاذف، لوجود شرطه، وإن كان القاذف مجنونا، أو مبرسما أو نائما، أو صغيرا، فلا حد عليه.
([23]) للعلم بكذبه، وإن قال لمسلمة، زنيت وأنت نصرانية، أو وأنت أمة، ولم تكن كذلك، حد للعلم بكذبه، وأما شرط القاذف، فقال ابن رشد: اتفقوا على أنه البلوغ، والعقل، سواء كان ذكرا أو أنثى، حرا أو عبدا، مسلما، أو غير مسلم.

  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 02:06 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ حَدِّ القَذْفِ
إِذَا قَذَفَ الْمُكَلَّفُ مُحْصَناً جُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً إِنْ كَانَ حُرّاً، وَإِنْ كَانَ عَبْداً أَرْبَعِينَ.
قوله: «حد القذف» «حد» مضاف و «القذف» مضاف إليه، والإضافة هنا من باب إضافة الشيء إلى سببه، يعني باب الحد الذي سببه القذف.
والقذف في الأصل: هو الرمي، والمراد به هنا رمي شخص بالزنا، أو اللواط، فيقول: يا زانٍ، يا لوطي، أو أنت زانٍ، أو أنت لوطي، وما أشبه ذلك.
وحكم القذف محرم، بل من كبائر الذنوب إذا كان المقذوف محصناً، والحكمة من تحريمه صيانة أعراض الناس عن الانتهاك، وحماية سمعتهم عن التدنيس، وهذا من أحكم الحكم؛ لأن الناس لو سُلط بعضهم على بعض في التدنيس، والسب، والشتم حصلت عداوات، وبغضاء، وربما حروب طواحن من أجل هذه الأمور، لكن حفظاً لأعراض الناس، وحماية لها، ولسمعة المسلمين جاء الشرع محرماً للقذف، وموجباً للعقوبة الدنيوية فيه، يقول الله ـ عزّ وجل ـ: {{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}} [النور:23] ، فرتب على ذلك أمرين عظيمين:
الأول: اللعنة في الدنيا والآخرة، والعياذ بالله.
الثاني: العذاب العظيم.
ثم قال: {{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}} [النور: 24، 25] ، وثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن من الكبائر الموبقة قذفَ المحصنات المؤمنات الغافلات[(142)].
إذاً فهو من كبائر الذنوب بدلالة الكتاب والسنة، والحكمة فيه ما أشرنا إليه من قبل.
والقذف تختلف عقوبته باختلاف القاذف، وباختلاف المقذوف، ويعلم ذلك من الشروط.
قوله: «إِذَا قَذَفَ المُكَلَّفُ مُحْصَناً جُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً إِنْ كَانَ حُرّاً وَإِنْ كَانَ عَبْداً أَرْبَعِينَ» «المكلف» البالغ العاقل، سواء كان هذا البالغ العاقل ذكراً أو أنثى، حتى المرأة لو أنها قذفت رجلاً يقام عليها حد القذف.
وكلمة: «المكلف» جاء بها ـ رحمه الله ـ من باب التبيين، وإلا فإنه قد سبق لنا في الشروط العامة في الحدود أنه يشترط أن يكون المحدود بالغاً عاقلاً.
وقوله: «محصناً» المحصن هنا غير المحصن في باب الزنا، فالمحصن هنا سيذكره المؤلف بقوله: «الحر المسلم العاقل العفيف الملتزم الذي يجامع مثله» بخلاف ما في باب الزنا.
وقوله: «محصناً» نكرة في سياق الشرط، فتعم ما إذا كان المحصن امرأة أو رجلاً، فتكون كلمة محصن بمعنى شخصاً محصناً، وقدَّرنا ذلك من أجل الشمول والعموم.
وقوله: «محصناً» ظاهره أن ذلك شامل لقذف الولد والده، فيجلد ثمانين جلدة، فإذا قذف والده فقال: يا زانٍ ـ والعياذ بالله ـ فإنه يجلد حد القذف؛ لأن قذف الولد الوالد شنيع جداً.
ويشمل كلام المؤلف: قذف الوالد ولده، فالوالد إذا قذف ولده، قال له: أنت لوطي، أنت زانٍ، أنت فاعل لشيء من هذه الخبائث، وما أشبه ذلك، فعلى كلام المؤلف يجلد الوالد؛ لأنه أطلق فقال: «محصناً» وهذا خلاف المذهب، فالمذهب أن الوالد إذا قذف ولده فإنه لا يجلد به، كما أنه لو قتله لا يقتص به، وقد سبق لنا أن هذه المسألة فيها خلاف.
والصواب أن قذف الوالد لولده يجب فيه الحد، سواء قلنا: إنه حق لله، أو للآدمي؛ لأننا إذا قلنا: إنه حق لله، فالأمر فيه ظاهر؛ لأنه لا سُلْطَة للوالد على ولده فيه، وإذا قلنا: إنه حق للآدمي، فإننا نقول: إن الولد إذا لم يرضَ بإسقاط حقه فإن له المطالبة به، فكما أن له أن يطالب والده بالنفقة، فهذا مثله، فلمَّا أهدر كرامة ولده، وأهانه أمام الناس، فليقم عليه الحد، والآية عامة.
ويدخل في كلام المؤلف من قذف نبياً، وقد قيل: إن من قذف نبياً فليس عليه إلا الحد، ولكن هذا القول ضعيف، والصحيح أن من قذف نبياً فإنه يكفر ويقتل كفراً، فإن تاب فإنه يقتل حداً، وليس كفراً؟ والفرق بين القِتْلتين:
أننا إذا قتلناه كفراً فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، وإذا قتلناه حداً صار الأمر بالعكس.
وظاهره أيضاً ولو قذف أم نبي ـ نسأل الله العافية ـ مثل أن يقول: إن مريم ـ والعياذ بالله ـ بغي، فهل يقتل أو لا؟
الجواب: لا بد أن يقتل؛ لأنه حتى لو فرضنا أنه ليس من باب القذف، فهو من باب تكذيب القرآن؛ لأن الله تعالى قال في مريم: {{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ }} [الأنبياء: 91] وأما أم نبي غير مريم، فالصحيح أنه يقتل كفراً، لما في ذلك من الشناعة العظيمة؛ حيث يوهم أن الأنبياء ـ وحاشاهم من ذلك ـ أولاد بغايا.
وظاهر كلامه أيضاً حتى لو قذف زوجة نبي فإنه يحد ثمانين؛ لأنه داخل في عموم «محصناً» ، ولكن هذا فيه خلاف إلا في عائشة ـ رضي الله عنها ـ فإن من رماها بما برأها الله منه فهو كافر؛ لأنه مكذب للقرآن، لكن لو رماها بغيره، أو رمى إحدى زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو أي نبي كان، فالصحيح أنه يكفر ـ أيضاً ـ ويقتل، قال شيخ الإسلام: لأن في هذا من الغضاضة، وإذلال النبي شيئاً لا يتهاون به، وهو أعظم من تحريم نكاح زوجاته بعده، فإذا كان الله قد نهانا أن نتزوج نساء الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعده؛ إكراماً له، وحماية لفراشه، فكيف يدنس بهذا؟! وهل قذف زوجات الأنبياء إلا استهزاءٌ بالأنبياء، وسخرية بهم، ولهذا فالصحيح أنه لا يدخل في كلام المؤلف، والظاهر أن هذه العمومات غير مرادة للمؤلف.
وقوله: «جلد ثمانين جلدة إن كان حراً» «جُلد» فعل ماضٍ مبني للمجهول، فمن الجالد؟ سبق لنا أنه لا يقيم الحدود إلا الإمام أو نائبه، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو الحق.
وقال بعض أهل العلم: إن حد القذف يقيمه المقذوف على القاذف، إذا جعلناه حقاً للمقذوف، وإذا جعلناه حقّاً لله فالذي يقيمه هو الإمام وسيأتي الخلاف فيه.
وقوله: «جلد ثمانين جلدة إن كان حراً» أي: إن كان القاذف حراً فإنه يجلد ثمانين، وهذا هو القسم الأول من عقوبة القاذف، والدليل قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *}} [النور:4] ، فقوله تعالى: {{الْمُحْصَنَاتِ}} جمع مؤنث سالم، فهل هي خاصة بالنساء أو عامة؟ وهل العموم باللفظ أو بالمعنى؟ ظاهر الآية الكريمة أنها خاصة بالنساء، ولكن بعض أهل العلم يقول: إن المحصنات صفة لموصوف محذوف، واختلفوا في تقديره، فقال بعضهم: الأنفس المحصنات، وقال آخرون: الفروج المحصنات، فيكون عاماً يشمل الرجال والنساء، واستدلوا بقول الله تعالى: {{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}} فالفرج إذاً محصن، لكن لا شك أن هذا تأويل مخالف لظاهر الآية، وأن الظاهر أن المراد بها النساء، ولكن الرجال في هذا مثل النساء بالإجماع، فيكون عمومها عموماً معنوياً؛ وذلك لعدم الفارق بين الرجال والنساء في هذا.
في هذه الآية رتب الله على القذف ثلاثة أمور:
الأول: الجلد.
الثاني: عدم قبول الشهادة.
الثالث: الفسق.
ثم قال: {{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}} [النور: 5] ، فهل هذا الاستثناء يرفع الأحكام الثلاثة، أو يرفع الحكم الأخير، أو يرفع الحكم الأخير والذي قبله؟ أما الأخير فهو بلا شك، فإذا تابوا من القذف زال عنهم وصف الفسق إلى العدالة، وهذا لا شك فيه؛ لأن الاستثناء من أقرب مذكور وقد حصل.
وقال بعض العلماء: إنه عائد إلى الأخير، وما قبله، وأنه إذا تاب ورجع قبلت شهادته، أما الحكم الأول فإنه لا يعود إليه بالاتفاق، إلا أن بعضهم قال: إذا جعلناه حقاً لله وتاب قبل القدرة عليه فإنه يسقط، فجعله عائداً للثلاثة.
وقوله: «وإن كان عبداً أربعين» يعني وإن كان عبداً جلد أربعين، وهذا هو القسم الثاني من عقوبة القاذف، قالوا: لأن العبد يتنصف الحد عليه، وقد سبق دليل ذلك، وهو قوله تعالى: {{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}} [النساء: 25] ، والقذف حَدٌّ، فيتنصف كما يتنصف حد الزنا، إذاً كون العبد يجلد أربعين، هذا من باب القياس.
وقال بعض العلماء: إنه إذا كان حراً أو عبداً فإنه يجلد ثمانين جلدة؛ لأن الآية عامة، والحق للمقذوف، والمقذوف بالزنا سيتدنس عِرضُه، سواء كان القاذف حراً أو عبداً فالأمر فيه ظاهر، وحد الزنا لله، وبشاعة الزنا وشناعته بالنسبة للحر والعبد تختلف، فاختلف جزاؤه، أما هنا فالمضرة على المقذوف، والمقذوف يقول: إن عرضي تدنس، سواء كان القاذف حراً أو عبداً.
فالصحيح عندي القول الثاني أنه يجلد ثمانين جلدة، سواء كان حراً أو عبداً، والدليل عموم قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}} [النور: 4] .
ولأنه لا معنى لتنصيف العقوبة على العبد، والحكم يتعلق بغيره، بخلاف الزنا، فالقياس إذاً لا يصح.

وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ، وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، وَهُوَ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ،.....
قوله: «وَالمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ» أي: إذا وُجد إنسان بعضه حر وبعضه رقيق، فإنه يجلد بحسابه من الأربعين، فإذا كان نصفه حراً جُلِدَ ـ على رأي المؤلف ـ أربعين على أنه حر، وعشرين على أنه رقيق، يعني ستين، فيزيد ما بين الحدَّين بنسبة حرِّيَّتِهِ.
لكن كيف يتصور أن يكون الإنسان نصفه حراً ونصفه رقيقاً؟ يتصور إذا كان عبدٌ بين شركاء، فَأعَتَقَ أحدُهم نصيبه، وكان الشركاء الآخرون فقراء، وكذلك المعتِق فقيراً، ففي هذه الحال يعتق منه ما عتق.
قوله: «وَقَذْفُ غَيْرِ المُحْصَنِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ» هذا هو القسم الثالث من عقوبة القاذف، فإذا قذف غير محصن فإن يعزر، والتعزير بمعنى التأديب، وليس له قدر معين، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الخلاف هل يزاد على عشر جلدات، أو لا يزاد؟ وما هو الصحيح من ذلك؟
قوله: «وَهُوَ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ» «وهو» ـ أي حد القذف ـ «حق للمقذوف» وليس حقاً لله، وقال أبو حنيفة: إنه حق لله عزّ وجل.
وبناءً على أنه حق للمقذوف يسقط بعفوه، فلو عفا بعد أن قذفه بالزنا فإن حد القذف يسقط؛ لأنه حق له، كما لو كان عليه دراهم فعفا عنها فإنها تسقط عنه، ولا يُستوفى بدون طلبه، فما دام المقذوف ساكتاً فلا نقول للقاذف شيئاً، حتى لو بلغت الإمام فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه حق للمقذوف، وإذا كان حقّاً للمقذوف فإننا لا نتعرض له، حتى يأتي صاحبُ الحق ويطالب.
ويترتب على ذلك أنه إذا كان المقذوف ولداً للقاذف فإنه لا يُحد، بناءً على أن الولد لا يثبت له حقٌّ على أبيه، إلا ما أوجبه الله له من النفقة، فالوالد لو قذف ولده فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه حق للولد، والولد لا يثبت له حق على والده.
وهل يترتب على هذا الخلاف أنه يتنصف على العبد، أو يبقى كاملاً؟ بعضهم بناه على هذا، وقال: ينبني على هذا الخلاف أنه إذا كان حقاً للمقذوف فإن العبد يُحَدُّ حداً كاملاً، وإن كان حقاً لله فإن العبد يُحَدُّ على النصف كالزنا.
إذاً يترتب على كون حد القذف حقاً للمقذوف أربعة أمور:
أولاً: أنه يسقط بعفوه.
الثاني: أنه لا يقام حتى يُطَالَب به.
الثالث: أنه لا يقام للولد على والده.
الرابع: أن العبد يُحَدُّ كاملاً.
فإن قلنا: إنه حق لله انعكست الأحكام، فيقام عليه الحد بدون طلب، ولا يسقط بالعفو إذا بلغ الإمام، كحد السرقة، ويجب للولد على والده، ويتنصف كالزنا؛ لأنه حق لله.
لكن الغريب أن الفرع الرابع ثابت حتى على القول بأنه حق للمقذوف، كما هو المذهب.
وعلى هذا فيكون فيه شيء من التناقض؛ لأنك إذا جعلته حقاً للمقذوف، فإنه لا فرق بين أن يكون القاذف له حراً أو عبداً.
والراجح أنه حق للمقذوف، لكن مسألة التنصف هي المشكلة، وإن كان عليها جمهور أهل العلم، لكن ظاهر الآية العموم.

وَالْمُحْصَنُ هُنَا: الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ الْمُلْتَزِمُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَلاَ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ،..........
قوله: «والمُحْصَنُ هُنَا» أي: في باب القذف، وقيده بقوله: «هنا» احترازاً من المحصن في باب الزنا، وسبق، وهو مَنْ وطئ امرأته في نكاح صحيح، وهما بالغان، عاقلان، حُرَّان.
قوله: «الحر» هل هو موافق لهناك؟
الجواب: نعم؛ لأنه يقول: وهما بالغان، عاقلان، حرَّان، فالحرية شرط هنا وهناك.
قوله: «المسلم» هذا شرط هنا، وهناك ليس بشرط، ولهذا رجم النبي صلّى الله عليه وسلّم اليهوديين[(143)].
قوله: «العاقل» هذا شرط هنا وهناك.
قوله: «العفيف» هذا هنا شرط، وهناك ليس بشرط، فهناك لو كان من أفجر الناس، بل هو في الواقع غير عفيف؛ لأنه زنا فإنه يكون محصناً.
قوله: «الملتزم» هذه في الحقيقة لا داعي لها، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنها سهو من المؤلف؛ لأن قيد الإسلام يُغني عن قيد الالتزام؛ لأن الملتزم أعم من المسلم، فالملتزم يدخل فيه المسلم والذمي كما سبق، وهنا خرج الذمي بقوله: «المسلم» ، ولهذا ما ذكره في الإقناع، ولا في المنتهى، ولا في المقنع الذي هو أصل الكتاب.
قوله: «الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ» قال في الروض[(144)]: وهو ابن عشر سنين، وبنت تسع سنين، فلو قذف صغيراً لم يبلغ عشراً فإنه لا يُحَدُّ، ولو قذف صغيرة لم يتم لها تسع فلا حد؛ لأنه لا يجامع مثله، فلا يلحقه العار بذلك، وهذا يختلف عن هناك.
قوله: «وَلاَ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ» وهناك «وهما بالغان» فيشترط هناك البلوغ، وهنا لا يشترط.
وهناك يشترط أن يكون قد جامع زوجته في نكاح صحيح، وهنا لا يشترط، إذاً هناك شروط تعتبر، لا تعتبر هنا، وهنا شروط تعتبر، لا تعتبر هناك.
فالذي يتفقان فيه: الحرية، والعقل.
وينفرد المحصن هنا باشتراط الإسلام، والعفة، وينفرد هناك بأنه لا بد أن يكون بالغاً، وأن يكون قد جامع في نكاح صحيح.
إذاً هذا يمتاز باثنين، وهذا يمتاز باثنين.
قالوا: وقذف غير المحصن يوجب التعزير، فلو كان القاذف حراً والمقذوف عبداً يعزر.
ولو قذف كافراً ـ ولو ذمياً ـ يعزر، ولو قذف شخصاً متهماً بالزنا يعزر، فلا يقام عليه الحد؛ لأنه ليس بعفيف.
ولو قذف صغيراً لا يجامع مثلُهُ يعزر، فلو قال قائل: الآية عامة {{الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}} قلنا: لكن العبد لا يسمى محصناً في عُرف الشرع، وعلى هذا فيكون خارجاً من القيد ليس داخلاً، فلا يحتاج إلى دليل على إخراجه.
وما الدليل على اشتراط أن يكون مسلماً؟
الجواب: قوله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} [النور:23] ، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قذف المحصنات الغافلات المؤمنات» [(145)].
واشتراط أن يجامع مثلُه؛ لأن من لا يجامع مثله لا يلحقه العار أبداً، ولا يتصور الناس منه غالباً الزنا، ولأن من كان بهذه السن فإنه لا يدنسه القذف، حتى لو ثبت أنه زنا.


[142] أخرجه البخاري في الوصايا باب قوله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} ...} (2766)، ومسلم في الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها (89) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[143] سبق تخريجه ص(212).
[144] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/333).
[145] سبق تخريجه ص(279).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, حد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir