دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 08:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب حد الزاني (1/11) [حد الزاني المحصن وغير المحصن]


بابُ حَدِّ الزَّانِي
عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وزيدِ بنِ خالدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما،أنَّ رجلًا مِن الأعرابِ أَتَى رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أَنْشُدُكَ باللَّهِ إلَّا قَضَيْتَ لي بكِتَابِ اللَّهِ. فقالَ الآخَرُ،وهوَ أَفْقَهُ منهُ: نَعَمْ، فاقضِ بَيْنَنا بكتابِ اللَّهِ، وائْذَنْ لِي. فقالَ: ((قُلْ))، قالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا على هذا، فَزَنَى بامْرَأَتِهِ، وإنِّي أُخْبِرْتُ أنَّ على ابنِي الرَّجْمَ، فافْتَدَيْتُ منهُ بمِائةِ شاةٍ ووَليدةٍ، فسَأَلْتُ أهلَ العِلمِ فأَخْبَرُوني أَنَّما على ابْنِي جَلْدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرأةِ هذا الرَّجْمَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)). مُتَّفَقٌ عليهِ، وهذا اللفظُ لمُسْلِمٍ.
وعنْ عُبادَةَ بنِ الصامتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي؛ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ)). رواهُ مسلمٌ.


  #2  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 10:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ حَدِّ الزَّانِي
1/1130 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلاً مِن الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ: ((قُلْ))، قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَجُلاً مِن الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُكَ). قَالَ فِي الْفَتْحِ: ضَمَّنَ أَنْشُدُكَ مَعْنَى أُذَكِّرُكَ، فَحَذَفَ الْبَاءَ؛ أَيْ: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ رَافِعاً نِشْدَتِي؛ أَيْ: صَوْتِي، وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فَنُونٍ سَاكِنَةٍ وَضَمِّ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ؛ أَيْ: أَسْأَلُكَ.
(اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى): اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ؛ إذ الْمَعْنَى: لا أَنْشُدُكَ إلاَّ الْقَضَاءَ بِكِتَابِ اللَّهِ.
(فَقَالَ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)، كَأَنَّ الرَّاوِيَ يَعْرِفُ أَنَّهُ أَفْقَهُ، أَوْ مِنْ كَوْنِهِ سَأَلَ أَهْلَ الْفِقْهِ.
(نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي. فَقَالَ: قُلْ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً): بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَفَاءٍ؛ بزِنَةِ أَجِيرٍ وَمَعْناهُ.
(عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ)؛ أيْ: مَرْدُودٌ عَلَيْكَ، ومَعْنَاهُ يَجِبُ رَدُّهَا؛ لأَنَّ الْحُدُودَ لا تَقْبَلُ الفِدَاءَ.
(وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ)، كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ، وَقَدْ كَانَ اعْتَرَفَ بِالزِّنَى.
(وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ): تَصْغِيرُ أَنَسٍ؛ رَجُلٌ مِن الصَّحَابَةِ لا ذِكْرَ لَهُ إلاَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وهوَ عَبْدُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.
(إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ).
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَعَلَيْهِ دَلَّ الْقُرْآنُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْرِيبُ عَامٍ، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَعَلَى أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي الاعْتِرَافِ بِالزِّنَى مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الأَحْكَامِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ وَآخَرُونَ.
وَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الإِقْرَارِ بِالزِّنَى أَرْبَعُ مَرَّاتٍ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا يَأْتِي مِنْ قِصَّةِ مَاعِزٍ، وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ فِي شَرْحِهِ حَدِيثَهُ.
وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْساً بِرَجْمِهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ عِنْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لا يَصِحُّ ذَلِكَ، قَالُوا: وَقِصَّةُ أُنَيْسٍ يَطْرُقُهَا احْتِمَالُ الأَعْذَارِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ((فَارْجُمْهَا)) بَعْدَ إِعْلامِي، أَوْ أَنَّهُ فَوَّضَ الأَمْرَ إلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: فَإِذَا اعْتَرَفَتْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِم حَكَمْتَ.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَكَلُّفَاتٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْعَثْ إلَى الْمَرْأَةِ لأَجْلِ إثْبَاتِ الْحَدِّ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِاسْتِتَارِ مَنْ أَتَى بِفَاحِشَةٍ، وَبِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَنَهَى عَن التَّجَسُّسِ، وَإِنَّمَا بَعَثَ إليها؛ لأَنَّهَا لَمَّا قُذِفَت الْمَرْأَةُ بِالزِّنَى بَعَثَ إلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُنْكِرَ أوْ تُطَالِبَ بِحَدِّ الْقَذْفِ، أَوْ تُقِرَّ بِالزِّنَى فَيَسْقُطَ عَنْهُ، فَكَانَ مِنْهَا الإِقْرَارُ، فَأَوْجَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْحَدَّ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلاً أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَ الْمَرْأَةَ فَقَالَتْ: كَذَبَ، فَجَلَدَهُ جَلْدَ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ. وَقَدْ سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ النَّسَائِيُّ.
2/1131 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي؛ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي؛ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً}، بَيَّنَ فيهِ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ السَّبِيلَ بِمَا ذَكَرَهُ مِن الْحُكْمِ.
وَفِي الْحَدِيثِ مَسْأَلَتَانِ:
الأُولَى: حُكْمُ الْبِكْرِ إذَا زَنَى، وَالْمُرَادُ بِالْبِكْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الْحُرُّ الْبَالِغُ الَّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ.
وَقَوْلُهُ: ((بِالْبِكْرِ)) هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لا أنَّه يُرَادُ بِهِ مَفْهُومُهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبِكْرِ الْجَلْدُ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ كَمَا فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ.
وَقَوْلُهُ: ((نَفْيُ سَنَةٍ)) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّغْرِيبِ لِلزَّانِي الْبِكْرِ عَاماً، وَأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ، وَادُّعِيَ فِيهِ الإِجْمَاعُ.
وَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ التَّغْرِيبُ، وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي آيَةِ النُّورِ، فَالتَّغْرِيبُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَلا يُعْمَلُ بِهِ، فلا يَكُونُ نَاسِخاً.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ؛ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ، وَكَثْرَةِ مَنْ عَمِلَ بِهِ مِن الصَّحَابَةِ، وَقَدْ عَمِلَت الْحَنَفِيَّةُ بِمِثْلِهِ، بَلْ بِدُونِهِ؛ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ مِن الْقَهْقَهَةِ، وَجَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَقْسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ))، وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَخَطَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ، وَكَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمَّا رَأَى ضَعْفَ جَوَابِ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا أَجَابَ عَنْهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ التَّغْرِيبِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ: ((إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا))، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: ((فَلْيَبِعْهَا)).
وَالْبَيْعُ يُفَوِّتُ التَّغْرِيبَ، قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ عَن الأَمَةِ سَقَطَ عَن الْحُرَّةِ؛ لأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، قَالَ: وَيَتَأَكَّدُ بِحَدِيثِ: ((لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)). قَالَ: وَإِذَا انْتَفَى عَن النِّسَاءِ انْتَفَى عَن الرِّجَالِ، انْتَهَى. وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ لَمْ يَبْقَ دَلِيلاً، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عُرِفَ فِي الأُصُولِ.
ثُمَّ نَقُولُ: الأَمَةُ خُصِّصَتْ مِنْ حُكْمِ التَّغْرِيبِ، وَكَانَ الْحَدِيثُ عَامًّا فِي حُكْمِ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالأَمَةِ وَالْعَبْدِ، فَخُصِّصَتْ مِنْهُ الأَمَةُ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا دَاخِلاً تَحْتَ الْحُكْمِ.
وَاسْتَدَلَّ الْهَادَوِيَّةُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ.
قُلْتُ: التَّغْرِيبُ عُقُوبَةٌ لا حَدٌّ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: " جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ "، وَلِنَفْيِ عُمَرَ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يُنْكِرْ، ثُمَّ قَالَ: لا أَنْفِي بَعْدَهَا أَحَداً، وَالْحُدُودُ لا تَسْقُطُ. انْتَهَى. وَلا يَخْفَى ضَعْفُ مَا قَالَهُ.
أَمَّا كَلامُ عَلِيٍّ عليهِ السلامُ؛ فَإِنَّهُ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ؛ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْحَبْسَ عِوَضاً عَن التَّغْرِيبِ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ، وَأَمَّا نَفْيُ عُمَرَ فِي الْخَمْرِ فَاجْتِهَادٌ مِنْهُ وزِيَادَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا يَنْفِي أحَداً بِاجْتِهَادِهِ، وَالنَّفْيُ بالزِّنَى بِالنَّصِّ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ عليهِ السلامُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ: إنَّ الْمَرْأَةَ لا تُغَرَّبُ، قَالُوا: لأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَفِي نَفْيِهَا تَضْيِيعٌ لَهَا، وَتَعْرِيضٌ لِلْفِتْنَةِ؛ وَلِهَذَا نُهِيَتْ أنْ تُسافِرَ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لا يَرُدُّ مَا ذَكَرُوهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ شَرَطَ مَنْ قَالَ بِالتَّغْرِيبِ أَنْ تَكُونَ مَعَ مَحْرَمِهَا، وَتكونَ أُجْرَتُهُ مِنْهَا إذْ وَجَبَتْ بِجِنَايَتِهَا، وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ كَأُجْرَةِ الْجَلاَّدِ.
وَأَمَّا الرِّقُّ؛ فَإِنَّهُ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنْ لا يُنْفَى، قَالُوا: لأَنَّ نَفْيَهُ عُقُوبَةٌ لِمَالِكِهِ؛ لِمَنْعِهِ نَفْعَهُ مُدَّةَ تَغْرِيبِهِ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ قَاضِيَةٌ أَنَّه لا يُعَاقَبُ إلاَّ الْجَانِي، وَمِنْ ثَمَّ سَقَطَ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ عَن الْمَمْلُوكِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُدُ: يُنْفَى؛ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ التَّغْرِيبِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، وَيُنْصِفُ فِي حَقِّ الْمَمْلُوكِ؛ لِعُمُومِ الآيَةِ.
وَأَمَّا مَسَافَةُ التَّغْرِيبِ، فَقَالُوا: أَقَلُّهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ لِتَحْصُلَ الْغُرْبَةُ. وَغَرَّبَ عُمَرُ مِن الْمَدِينَةِ إلَى الشَّامِ، وَغَرَّبَ عُثْمَانُ إلَى مِصْرَ، وَمَنْ كَانَ غَرِيباً لا وَطَنَ لَهُ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّتِي وَاقَعَ فِيهَا الْمَعْصِيَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: ((وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ))، الْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ مَنْ قَدْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُ. وَهَذَا الْحُكْمُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَالْحُكْمُ هُوَ مَا دَلَّ لَهُ قَوْلُهُ: ((جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ))؛ فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلثَّيِّبِ بيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ عليهِ السلامُكَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: قِيلَ لِعَلِيٍّ عليهِ السلامُ: جَمَعْتَ بَيْنَ حَدَّيْنِ؟ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ.
قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَذَهَبَ إلَى هَذَا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مَنْسُوخٌ بِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ والجُهَنِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّيْنِ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَهُمْ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ جَلَدَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّت السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ ثَابِتٌ عَلَى الْبِكْرِ، سَاقِطٌ عَن الثَّيِّبِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مُقَدَّمٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، عَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِهَا، تَصْرِيحٌ بِسُقُوطِ الْجَلْدِ عَن الْمَرْجُومِ؛ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ رِوَايَتِهِ؛ لِوُضُوحِهِ، وَلِكَوْنِهِ الأَصْلَ.
واحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِنَظِيرِ هَذَا حِينَ عُورِضَ فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ، بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُر الْعُمْرَةَ، فَأَجَابَ بِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ ذَلِكَ لا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ جَلْدَ مَنْ ذَكَرَ مِن الْخَمْسَةِ الَّذِينَ رَجَمَهُم النبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ وَقَعَ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ يَحْضُرُ عَذَابَهُمَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُؤْمِنِينَ، لَبَعُدَ أَنَّهُ لا يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَ.
فَعَدَمُ إثْبَاتِهِ فِي رِوَايَةٍ مِن الرِّوَايَاتِ، مَعَ تَنَوُّعِهَا وَاخْتِلافِ أَلْفَاظِهَا، دَلِيلُ أَنَّهُ لَمْ يَقَع الْجَلْدُ، فَيَقْوَى مَعَهُ الظَّنُّ بِعَدَمِ وُقوعِهِ.
وَفِعْلُ عَلِيٍّ عليهِ السلامُظَاهِرٌ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ عَمِلَ بِرَأْيِهِ في الْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، فَلا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِهِ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَوْقِيفٌ.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى قُوَّةُ دَلالَةِ حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَى إثْبَاتِ جَلْدِ الثَّيِّبِ، ثُمَّ رَجْمِهِ، وَلا يَخْفَى ظُهُورُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْلِدْ مَنْ رَجَمَهُ، فَأَنَا أَتَوَقَّفُ فِي الْحُكْمِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ، وَكُنْتُ قَدْ جَزَمْتُ فِي مِنْحَةِ الْغَفَّارِ بِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، ثُمَّ حَصَلَ لِيَ التَّوَقُّفُ هَاهُنَا.

  #3  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 10:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ حَدِّ الزَّانِي
الْحُدُودُ: هِيَ جَمْعُ (حَدٍّ)، وَهُوَ لُغَةً: المَانِعُ، وَالحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، يَمْنَعُ اخْتِلاطَ أَحَدِهِمَا بالآخَرِ.
وَشَرْعاً: هِيَ عُقُوبَاتٌ؛ لِتَمْنَعَ مِنَ الوقوعِ فِي مِثْلِ الذَّنْبِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ الحَدُّ.
وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى تُطْلَقُ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ:
الأَوَّلُ: نَفْسُ الْمَحَارِمِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا؛ وَذَلِكَ كالزِّنَا، فَهَذِهِ عَبَّرَ الْقُرْآنُ الكريمُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا}. [البقرة: 187] فَقَدْ نَهَى عَنْهَا،وَعَن الوسائلِ الَّتِي قَدْ تُوقِعُ فِيهَا.
الثَّانِي: حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي نَهَى عَنْ تَعَدِّيهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا: جُمْلَةُ مَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُهُ عَنْ طَرِيقِ الوُجُوبِ، أَو النَّدْبِ، أَو الإباحةِ، والاعتداءُ فِيهَا هُوَ تَجَاوُزُهَا، وَعَبَّرَ الْقُرْآنُ الكريمُ عَنْ مِثْلِ هَذَا بِقَوْلِهِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا}. [البقرة: 229].
وَهَذِهِ الآيَةُ وَرَدَتْ فِيمَنْ يَتَجَاوَزُ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنْ إِمْسَاكِ الزوجةِ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحِهَا بِإِحْسَانٍ، فَإِذَا أَمْسَكَهَا بِغَيْرِ معروفٍ، أَوْ سَرَّحَهَا بِغَيْرِ إحسانٍ فَقَدْ تَعَدَّى مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ.
الثالثُ: يُرَادُ بِهَا الحدودُ المُقَدَّرَةُ الرَّادِعَةُ عَن المحارمِ، فَيُقَالُ: حَدُّ الزِّنَا، وَحَدُّ الشُّرْبِ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأسامةَ بْنِ زَيْدٍ: ((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟)). يُرِيدُ بِذَلِكَ حَدَّ السَّرِقَةِ، فَهَذِهِ يَجِبُ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا قُدِّرَ فِيهَا، بِلا زِيَادَةٍ وَلا نُقْصَانٍ.
وَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نُورِدَ فِي هَذِهِ المُقَدِّمَةِ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَظِيمَ؛ فَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ، فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا)). حَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أصولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، مَنْ عَمِلَ بِهِ فَأَدَّى الفَرَائِضَ، وَاجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ، وَوَقَفَ عِنْدَ الحدودِ، وَتَرَكَ البحثَ عَمَّا غَابَ عَنْهُ – فَقَد اسْتَوْفَى أَقْسَامَ الفَضْلِ، وَوَفَّى حُقُوقَ الدِّينِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينَ فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَالْحُدُودُ الرَّادِعَةُ ثابتةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فِي الجُمْلَةِ، وَيَقْتَضِيهَا الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، فَهِيَ جَزَاءٌ لِمَا انْتَهَكَهُ العَاصِي مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى.
حِكْمَتُهَا التَّشْرِيعِيَّةُ:
لَهَا حِكَمٌ جَلِيلَةٌ، وَمَعَانٍ سَامِيَةٌ، وَأَهْدَافٌ كَرِيمَةٌ.
وَلِذَا يَجِبُ إِقَامَتُهَا لِدَاعِي التأديبِ والتطهيرِ والمعالجةِ، لا لِغَرَضِ التَّشَفِّي والانتقامِ؛ لِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ والمصلحةُ، فَهِيَ نِعْمَةٌ مِن اللَّهِ تَعَالَى كبيرةٌ عَلَى خَلْقِهِ، فَهِيَ للمحدودِ طُهْرَةٌ عَنْ إِثْمِ الْمَعْصِيَةِ، وَكَفَّارَةٌ عَنْ عِقَابِهَا الأُخْرَوِيِّ، وَهِيَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ رَادِعَةٌ عَن الوُقُوعِ فِي المعاصِي.
وَهِيَ مَانِعَةٌ وَحَاجِزَةٌ مِنَ انْتِشَارِ الشُّرُورِ، وَالْفَسَادِ فِي الأَرْضِ، وَبِإِقَامَتِهَا يَصْلُحُ الكونُ، وَتَعْمُرُ الأَرْضُ، وَيَسُودُ الهُدُوءُ والسكونُ، وَتَتِمُّ النِّعْمَةُ بِانْقِمَاعِ أَهْلِ الشَّرِّ والفسادِ، وَبِتَرْكِهَا – وَالعِيَاذُ بِاللَّهِ – يَنْتَشِرُ الشَّرُّ، وَيَكْثُرُ الفسادُ، فَيَحْصُلُ مِن الفضائحِ والقبائحِ مَا مَعَهُ يَكُونُ بَطْنُ الأَرْضِ خَيْراً مِنْ ظَهْرِهَا. وَلا شَكَّ أَنَّهَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وَهُوَ الشارعُ الرَّحِيمُ حِينَ شَرَعَ الحدودَ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ فِيهَا عِقَابَهُ، فَعَفَا عَن الصِّغَارِ، وَذَاهِبِي العقولِ، والذينَ فَعَلُوهَا لِجَهْلٍ بِحَقِيقَتِهَا.
وَصَعَّبَ أيضاً ثُبُوتَهَا، فَاشْتَرَطَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ عُدُولٍ، يَشْهَدُونَ بِصَرِيحِ وُقُوعِ الفاحشةِ، أَو اعْتِرَافاً مِنَ الزَّانِي بِلا إِكْرَاهٍ، وَبَقَاءً مِنْهُ عَلَى اعترافِهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الحدُّ.
وَفِي السرقةِ لا قَطْعَ إِلاَّ بالثبوتِ التامِّ، وَانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ، وَأَمَرَ بِدَرْءِ الحدودِ بالشُّبُهَاتِ، كُلُّ هَذَا؛ لتكونَ تَوْبَةُ الْعَبْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قَرَارُ مجمعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بِشَأْنِ مَرَضِ نَقْصِ الْمَنَاعَةِ المُكْتَسَبِ (الإِيدْزِ):
قَرَارٌ رَقْمُ (82):

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ والسلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
إِنَّ مَجْلِسَ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ المُنْعَقِدَ فِي دورةِ مُؤْتَمَرِهِ الثامنِ ببندرِ سري باجوانَ، بروناي دَارِ السَّلامِ، مِنْ 1 إِلَى 7 مُحَرَّمٍ 1414 هـ، المُوَافِقِ 21 - 27 يونيو 1993 م.
بَعْدَ اطِّلاعِهِ عَلَى البحوثِ الواردةِ إِلَى المجمعِ بِخُصُوصِ موضوعِ: مَرَضِ نَقْصِ المَنَاعَةِ المُكْتَسَبِ (الإِيدْزِ).
وَبَعْدَ اسْتِمَاعِهِ إِلَى المناقشاتِ الَّتِي دَارَتْ حَوْلَهُ.
قَرَّرَ مَا يَلِي:
1- بِمَا أَنَّ ارْتِكَابَ فَاحِشَتَيِ الزِّنَا وَاللوَاطِ أَهَمُّ سَبَبٍ للأمراضِ الجِنْسِيَّةِ الَّتِي أَخْطَرُهَا الإِيدْزُ مُتَلازِمَةُ العَوَزِ المَنَاعِيِّ المُكْتَسَبِ، فَإِنَّ مُحَارَبَةَ الرَّذِيلَةِ وَتَوْجِيهَ الإعلامِ وَالسِّيَاحَةِ وِجْهَةً صَالِحَةً تُعْتَبَرُ عَوَامِلَ هَامَّةً فِي الوقايةِ مِنْهَا، وَلا شَكَّ أَنَّ الالتزامَ بِتَعَالِيمِ الإِسْلامِ الحَنِيفِ، وَمُحَارَبَةَ الرَّذِيلَةِ، وَإِصْلاحَ أَجْهِزَةِ الإعلامِ، وَمَنْعَ الأفلامِ وَالمُسَلْسَلاتِ الخَلِيعَةِ، وَمُرَاقَبَةَ السِّيَاحَةِ – تُعْتَبَرُ مِنَ الْعَوَامِلِ الأَسَاسِيَّةِ للوقايةِ مِنْ هَذِهِ الأمراضِ.
وَيُوصِي مجلسُ المجمعِ الجهاتِ المُخْتَصَّةَ فِي الدولِ الإسلاميَّةِ بِاتِّخَاذِ كافَّةِ التدابيرِ للوقايةِ مِن الإيدزِ، وَمُعَاقَبَةِ مَنْ يَقُومُ بِنَقْلِ الإيدزِ إِلَى غَيْرِهِ مُتَعَمِّداً، كَمَا يُوصِي حكومةَ المَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ بِمُوَاصَلَةِ تَكْثِيفِ الجهودِ لحمايةِ ضيوفِ الرَّحْمَنِ، واتِّخَاذِ مَا تَرَاهُ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ كَفِيلَةٍ بِوِقَايَتِهِمْ مِنَ احْتِمَالِ الإصابةِ بمَرَضِ الإيدزِ.
2- فِي حالةِ إصابةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِهَذَا المرضِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ الآخَرَ، وَأَنْ يَتَعَاوَنَ مَعَهُ فِي إِجْرَاءَاتِ الوقايةِ كَافَّةً.
وَيُوصِي المجمعُ بتوفيرِ الرعايةِ للمصابِينَ بِهَذَا المرضِ، وَيَجِبُ عَلَى المُصَابِ، أَوْ حَامِلِ الفيروسِ أَنْ يَتَجَنَّبَ كُلَّ وسيلةٍ يُعْدِي بِهَا غَيْرَهُ، كَمَا يَنْبَغِي تَوْفِيرُ التعليمِ للأطفالِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ فيروسَ الإيدزِ بالطُّرُقِ المُنَاسِبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

1048 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: يَا رسولَ اللهِ! أَنْشُدُكَ باللهِ إِلاَّ قَضَيْتَ لي بِكِتَابِ اللهِ. فَقَالَ الآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ:نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وأْذَنْ لي. فقالَ: ((قُلْ)). قالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا، فزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابنِي الرَّجْمَ، فافْتَدَيْتُ مِنْهُ بمِائةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أهلَ العِلمِ فَأَخْبَرُونِي: أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائةٍ وتَغريبَ عامٍ، وأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ.فَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لمُسْلِمٍ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، فنونٍِ ساكنةٍ، ثُمَّ شِينٍ مَضْمُومَةٍ مُعْجَمَةٍ، مِنْ (نَشَدَهُ) إِذَا سَأَلَهُ؛ أَيْ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ تَعَالَى.
- إِلاَّ قَضَيْتَ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ، وَالْمَعْنَى: مَا أَطْلُبُ مِنْكَ إِلاَّ قَضَاءً.
- أَفْقَهُ مِنْهُ: الفِقْهُ لُغَةً: الفَهْمُ،وَمِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي}. [طه: 28، 27] وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ: الْوَاوُ للحَالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَفْقَهُ مُطْلَقاً، أَوْ أَفْقَهُ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ.
- عَسِيفاً: بِفَتْحِ الْعَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ السينِ المهملةِ، ثُمَّ يَاءٍ، فَفَاءٍ مُوَحَّدَةٍ، عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَالعَسِيفُ هُوَ: الأجيرُ المُسْتَعَانُ بِهِ، جَمْعُهُ: عُسَفَاءُ وَعَسَفَةٌ.
- عَلَى هَذَا: قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ: إِنَّمَا قَالَ: (عَلَى هَذَا)؛ لِمَا يَتَوَجَّهُ للأجيرِ عَلَى المُسْتَأْجِرِ مِن الأُجْرَةِ، بخلافِ مَا لَوْ قَالَ: عَسِيفاً لهذا؛ لِمَا يَتَوَجَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهِ مِن الخدمةِ والعملِ، فَـ (عَلَى هَذَا) صِفَةٌ مُمَيِّزَةٌ لِـ (الأَجِيرِ)، فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ.
- افْتَدَيْتُ مِنْهُ: أَي: اسْتَنْقَذْتُ ابْنِي مِنَ الرَّجْمِ بِمِائَةِ شَاةٍ وأَمَةٍ.
- وَلِيدَةٍ: الشَّابَّةُ مِنَ العَبِيدِ.
- لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: أَيْ: بِحُكْمِهِ؛ إِذْ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ ذِكْرُ الرَّجْمِ مَنْصُوصاً عَلَيْهِ.
- فَاقْضِ: (الفاءُ) جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِذَا اتَّفَقْتُ مَعَهُ بِمَا عَرَضَ عَلَيْكَ فَاقْضِ، فَوَضَعَ كَلِمَةَ التصديقِ مَوْضِعَ الشَّرْطِ.
- تَغْرِيبَ عَامٍ: التَّغْرِيبُ: التَّسْفِيرُ سَفَراً بَعِيداً، وَمَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ: نَفْيُ المَحْدُودِ عَنْ بَلَدِهِ سَنَةً كَامِلَةً.
- اغْدُ يَا أُنَيْسُ: اغْدُ مِنْ غَدَا يَغْدُو - بالغَيْنِ المعجمةِ - مِنَ الغَدْوِ، وَهُوَ الذَّهَابُ بالغَدَاةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مُطْلَقُ الذهابِ، أَيْ: بَكِّرْ إِلَيْهَا صَبَاحاً.
- أُنَيْسُ: تَصْغِيرُ أَنَسٍ، وَهُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ الأَسْلَمِيُّ، وَقَدْ عَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذهِ المُهِمَّةِ؛ لأَنَّهُ مِن القبيلةِ الَّتِي سَيُقَامُ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْهُم الحَدُّ، وَالقَبِيلَةُ تُمَكِّنُ مِنْ إقامةِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ المُتَوَلِّي إِقَامَتَهُ مِنْهُمْ.
- ارْجُمْهَا: الرَّجْمُ هُوَ الرَّمْيُ بالحجارةِ حَتَّى الْمَوْتِ، وَهُوَ حَدُّ الزَّانِي الثَّيِّبِ.
1049 - وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي؛ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- خُذُوا عَنِّي: يُشِيرُ إِلَى أَمْرٍ قَدْ خَفِيَ شَأْنُهُ، وَأُبْهِمَ بَيَانُهُ، فَعُلِمَ سَبِيلُهُ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ.
- لَهُنَّ سَبِيلاً: السَّبِيلُ المُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ المذكورُ فِي آيَةِ النساءِ: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً}. [النساء: 15] وَهُوَ: البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، والثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ.
- البِكْرُ: الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَهِيَ خِلافُ الثَّيِّبِ، رَجُلاً كَانَ أَو امْرَأَةً، وَالْبَكَارَةُ عُذْرَةُ الْمَرْأَةِ.
- البِكْرُ بالبِكْرِ: مُبْتَدَأٌ، وَ (جَلْدُ مِائَةٍ) خَبَرُهُ؛ أَيْ: حَدُّ زِنَا البِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ.
- الثَّيِّبُ: عَلَى وَزْنِ فَيْعِلٍ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ (ثَابَ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالأُنْثَى، وَإِطْلاقُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ؛ لأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهَا بِوَجْهٍ غَيْرِ الأَوَّلِ، وَلأَنَّهَا تُوطَأُ وَطْئاً بَعْدَ وَطْءٍ، مِنْ قَوْلِهِ: ثَابَ؛ إِذَا رَجَعَ.
- جَلْدُ: يُقَالُ: جَلَدَ يَجْلِدُ جَلْداً، فَالجَلْدُ: الضَّرْبُ بالسوطِ، سُمِّيَ جَلْداً؛ لأَنَّ الضَّرْبَ يَقَعُ عَلَى الْجِلْدِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ:
1- جَفَاءُ الأَعْرَابِ لِبُعْدِهِم عَن الْعِلْمِ، والأحكامِ، والآدابِ؛ حَيْثُ نَاشَدَ مَنْ لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أَلاَّ يَحْكُمَ إِلاَّ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
2- حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ لَمْ يُعَنِّفْهُ عَلَى سُوءِ أَدَبِهِ مَعَهُ.
3- أَنَّ حَدَّ الزَّانِي المُحْصَنِ الرَّجْمُ بالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ.
والمُحْصَنُ: هُوَ مَنْ جَامَعَ مِنْ قُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ.
4- أَنَّ حَدَّ الزَّانِي الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ مِائَةُ جَلْدَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ.
5- أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَخْذُ العِوَضِ لِتَعْطِيلِ الحدودِ، وَإِنْ أُخِذَتْ فَهُوَ مِنْ أكلِ الأموالِ بِالْبَاطِلِ.
6- أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مُحَرَّمٍ جَهْلاً أَوْ نِسْيَاناً لا يُؤَدَّبُ، بَلْ يُعْلَمُ، فَهَذَا افْتَدَى الحَدَّ عَن ابْنِهِ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، ظَانًّا إِبَاحَتَهُ وَفَائِدَتَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَنْ أَعْلَمَهُ بِالحُكْمِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ شِيَاهَهُ، وَوَلِيدَتَهُ.
7- وَفِي الْحَدِيثِ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَهِيَ: أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئاً؛ لِظَنِّهِ وُجُودَ سَبَبِهِ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ وُجُودِ السَّبَبِ، فَإِنَّ فِعْلَهُ مُلْغًى لا يُعْتَدُّ بِهِ، وَيَرْجِعُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ظَنِّهِ الَّذِي لَمْ يَتَحَقَّقْ.
8- قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: (وَالحَقُّ أَنَّ الإذنَ بالتصرُّفِ مُقَيَّدٌ بالعقودِ الصحيحةِ). قَالَ ابْنُ دَقِيقِ العيدِ: (فَمَا أُخِذَ بالمُعَاوَضَةِ الفَاسِدَةِ يَجِبُ رَدُّهُ، وَلا يُمَلَّكُ).
9- أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إثباتِ الحدودِ وَاسْتِيفَائِهَا.
10- أَنَّ الحدودَ مَرْجِعُهَا إِلَى الإمامِ الأَعْظَمِ، أَوْ نَائِبِهِ، وَلا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِهِمَا.
11- اسْتُدِلَّ بالحديثِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لثبوتِ الحدِّ وإقامتِهِ الاعترافُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
12- قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي حِكْمَةِ جَلْدِ الزَّانِي: (وَأَمَّا الزَّانِي فَإِنَّهُ يَزْنِي بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِقَضَاءِ الشهوةِ يَعُمُّ البَدَنَ).
13- وَالحِكْمَةُ فِي رَجْمِ المُحْصَنِ وَجَلْدِ غَيْرِ المُحْصَنِ: أَنَّ الأَوَّلَ قَدْ تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ بالزَّوْجَةِ، فَإِقْدَامُهُ عَلَى الزِّنَا يُعَدُّ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ الشَّرَّ مُتَأَصِّلٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ المُحْصَنِ فَلَعَلَّ دَاعِيَ الشهوةِ غَلَبَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَخُفِّفَ عَنْهُ الحدُّ؛ مُرَاعَاةً لِحَالِهِ وَعُذْرِهِ.
14- جَوَازُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى لِتَأْيِيدِ صِحَّةِ المسائلِ الهَامَّةِ.
15- فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ استفتاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَعَلَى جَوَازِ سُؤَالِ المَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ.
16- وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى استعمالِ حُسْنِ الأَدَبِ مَعَ أَهْلِ الفَضْلِ، والعلمِ، وَالكِبَارِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِقْهِ النفسِ.
17- إِنَّمَا سَأَلَ المُتَرَافِعَانِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ لا يَحْكُمُ إِلاَّ بِحُكْمِ اللَّهِ؛ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بالحُكْمِ بالفَصْلِ، لا بِالنَّصَائِحِ، والتَّرْغِيبِ فِيمَا هُوَ الأَرْفَقُ بِهِمَا، ذَلِكَ أَنَّ للحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ بِرِضَا الخَصْمَيْنِ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
قَوْلُهُ: ((وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ)). يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ حَدَّيِ البِكْرِ وَالمُحْصَنِ، وَهِيَ مسألةٌ خِلافِيَّةٌ.
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ – وَمِنْهُم الأَئِمَّةُ الأربعةُ – إِلَى أَنَّهُ لا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بالرَّجْمِ فَقَطْ، وَهُوَ المَرْوِيُّ عَن الخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ عُمَرَ وعُثْمَانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ، والنَّخَعِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، ذَلِكَ أَنَّ الثابتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَمَ مَاعِزاً، وَالغَامِدِيَّةَ، وَغَيْرَهُمَا، وَلَمْ يَجْلِدْهُمْ؛ ولأنَّ الحدودَ إِذَا اجْتَمَعَتْ وفيها قَتْلٌ سَقَطَ مَا سِوَاهُ.
وَذَهَبَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ والرجمِ جَمَاعَةٌ مِن السَّلَفِ، مِنْهُم ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالْحَسَنُ البَصْرِيُّ، وداودُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَن الإمامِ أَحْمَدَ، أَخَذَ بِهَا الْخِرَقِيُّ، والقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ أَخْذاً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ جَلَدَ وَرَجَمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمَّا سَأَلَهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الحَدَّيْنِ قَالَ: (جَلَدْتُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
والقولُ الأَوَّلُ هُوَ الراجحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, حد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir