دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 10:57 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي عقيدة أبي حنيفة وصاحبيه

قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي:
هذا ذِكْرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ على مذهبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ: أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بنِ ثَابِتٍ الكُوفِيِّ، وأبي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بنِ إبراهيمَ الأَنْصَارِيِّ، وأبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ الحسنِ الشَّيْبَانِيِّ رِضْوَانُ اللهِ عليهِم أَجْمَعِينَ، وما يَعْتَقِدُونَ من أصولِ الدينِ وَيَدِينُونَ بهِ رَبَّ العَالَمِينَ.


  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 12:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

تعليق على العقيدة الطحاوية ([1])

الحمد لله رب العالمين ،
قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر رحمه الله : هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين.


([1]) نشر في مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 257-267.


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأَمِينِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فهذهِ تعليقاتٌ يَسِيرَةٌ على مَتْنِ العَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ، فُرِّغَتْ مِن أشرطةِ الدروسِ التي أَلْقَيْتُهَا على هذا المتنِ في الطائفِ، وقد رَاجَعْتُهَا وَأَجْرَيْتُ عليها بعضَ التصحيحاتِ والتعديلاتِ، وَأَذِنْتُ بِطَبْعِهَا وَنَشْرِهَا؛ رجاءَ الاستفادةِ منها، ومَن أَدْرَكَ فيها خَطَأً حَصَلَ مِنِّي فَأَرْجُو أنْ يُنَبِّهَنِي عَلَيْهِ، ولهُ مِن اللهِ المَثُوبَةُ. وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ في هذا العملِ ما يَنْفَعُ المسلمينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

كَـتَـبَـهُ
صَالِحُ بنُ فَوْزَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الفَوْزَانُ
13/6/1421 هـ

قال العَلاَّمَةُ حُجَّةُ الإسلامِ أبو جَعْفَرٍ الوَرَّاقُ الطَّحَاوِيُّ – بِمِصْرَ – رَحِمَهُ اللهُ:
(1) هذا ذِكْرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ على مذهبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ: أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بنِ ثَابِتٍ الكُوفِيِّ، وأبي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بنِ إبراهيمَ الأَنْصَارِيِّ، وأبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ الحسنِ الشَّيْبَانِيِّ رِضْوَانُ اللهِ عليهِم أَجْمَعِينَ، وما يَعْتَقِدُونَ من أصولِ الدينِ وَيَدِينُونَ بهِ رَبَّ العَالَمِينَ.


(1) بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
وصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ العقيدةَ هي أساسُ الدِّينِ، وهي مَضْمُونُ شهادةِ أنَّ لا إلهَ إِلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، والركنُ الأَوَّلُ من أركانِ الإسلامِ، فَيَجِبُ الاهتمامُ بها والعنايةُ بها وَمَعْرِفَتُهَا، ومَعْرِفَةُ ما يُخِلُّ بِهَا، حتى يكونَ الإنسانُ على بَصِيرَةٍ، وعلى عقيدةٍ صحيحةٍ؛ لأنَّهُ إذا قامَ الدينُ على أساسٍ صحيحٍ صَارَ دِينًا قَيِّمًا مَقْبُولًا عندَ اللَّهِ، وإذا قامَ على عقيدةٍ مَهْزُوزَةٍ وَمُضْطَرِبَةٍ، أو عقيدةٍ فاسدةٍ، صارَ الدينُ غيرَ صحيحٍ، وعلى غيرِ أساسٍ، ومِن ثَمَّ كانَ العلماءُ – رَحِمَهُم اللَّهُ – يَهْتَمُّونَ بِأَمْرِ العقيدةِ ولا يَفْتُرُونَ في بَيَانِهَا في الدروسِ وفي المناسباتِ، وَيَرْوِيهَا المُتَأَخِّرُ عن المُتَقَدِّمِ.
كانَ الصحابةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم – ليسَ عِنْدَهُم أيُّ شَكٍّ فيما جاءَ بهِ القرآنُ وما جَاءَتْ به سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ عَقِيدَتُهُم مَبْنِيَّةً على كتابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ، ولا يَعْتَرِيهِم في ذلكَ شَكٌّ وَلَا تَوَقُّفٌ، فما قَالَهُ اللَّهُ وَقَالَهُ رسولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ اعْتَقَدُوهُ وَدَانُوا بهِ، ولم يَحْتَاجُوا إلى كتابةِ تَأْلِيفٍ؛ لأنَّ هذا مُسَلَّمٌ بهِ عِنْدَهُم ومقطوعٌ بهِ، وكانتْ عَقِيدَتُهُم الكتابَ والسُّنَّةَ، ثم دَرَجَ على ذلكَ تَلَامِيذُهُم من التابعينَ الذين أَخَذُوا عنهم، فَلَمْ يَكُنْ هناكَ أَخْذٌ وَرَدٌّ في العقيدةِ، كانتْ قَضِيَّةً مُسَلَّمَةً، وَكَانَ مَرْجِعُهُم الكتابَ والسُّنَّةَ.
فَلَمَّا ظَهَرَت الفِرَقُ والاختلافاتُ، وَدَخَلَ في الدينِ مَن لمْ تَرْسَخ العقيدةُ في قَلْبِهِ، أو دَخَلَ في الإسلامِ وهو يَحْمِلُ بعضَ الأفكارِ المُنْحَرِفَةِ، وَنَشَأَ في الإسلامِ مَن لَمْ يَرْجِعْ إلى الكتابِ ولا إلى السُّنَّةِ في العقيدةِ، وَإِنَّمَا يرجعُ إلى قواعدَ ومَنَاهِجَ، أَصَّلَهَا أَهْلُ الضلالِ من عندِ أَنْفُسِهِم، عندَ هذا احْتَاجَ أَئِمَّةُ الإسلامِ إلى بَيَانِ العقيدةِ الصَّحِيحَةِ وَتَحْرِيرِهَا وَكِتَابَتِهَا وَرِوَايَتِهَا عن علماءِ الأُمَّةِ، فَدَوَّنُوا كُتُبَ العقائدِ، واعْتَنَوْا بها، وَصَارَتْ مَرْجِعًا لِمَن يَأْتِي بَعْدَهُم من الأُمَّةِ إلى أنْ تَقُومَ الساعةُ.
وهذا من حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لهذا الدينِ، وَعِنَايَتِهِ بِهَذَا الدِّينِ، أنْ قَيَّضَ لَهُ حَمَلَةً أُمَنَاءَ يُبَلِّغُونَهُ كما جاءَ عن اللَّهِ وعن رسولِهِ، ويَرُدُّونَ تأويلَ المُبْطِلِينَ وَتَشْبِيهَ المُشَبِّهِينَ، وَصَارُوا يَتَوَارَثُونَ هذه العقيدةَ خَلَفًا عن السَّلَفِ.
وَمِن جُمْلَةِ السَّلَفِ الصالحِ الذين كَانُوا على الاعتقادِ الثابتِ عن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ والتابعينَ، مِن جُمْلَتِهِم الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ؛ الإمامُ أبو حَنِيفَةَ، والإمامُ مَالِكٌ، والإمامُ الشَّافِعِيُّ، والإمامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُم من الأَئِمَّةِ الذين قَامُوا بِالدِّفَاعِ عن العقيدةِ وَتَحْرِيرِهَا، وَبَيَانِهَا وَتَعْلِيمِهَا للطُّلَّابِ.
وكانَ أَتْبَاعُ الأَئِمَّةِ الأربعةِ يَعْتَنُونَ بهذهِ العقيدةِ، وَيَتَدَارَسُونَهَا وَيُحَفِّظُونَهَا لِتَلَامِيذِهِم، وَكَتَبُوا فيها الكُتُبَ الكثيرةَ على مَنْهَجِ الكتابِ والسُّنَّةِ، وما كانَ عليه المُصْطَفَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم والتابعونَ، وَرَدُّوا العقائدَ الباطلةَ والمنحرفةَ، وَبَيَّنُوا زَيْفَهَا وَبَاطِلَهَا، وكذلكَ أَئِمَّةُ الحديثِ: كَإِسْحَاقَ بنِ رَاهُوَيَه، والبُّخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، والإمامِ ابنِ خُزَيْمَةَ، والإمامِ ابنِ قُتَيْبَةَ، وَمِن أَئِمَّةِ التفسيرِ: كالإمامِ الطَّبَرِيِّ، والإمامِ ابنِ كَثِيرٍ، والإمامِ البَغَوِيِّ، وغيرِهِم من أَئِمَّةِ التفسيرِ.
وَأَلَّفُوا في هذا مُؤَلَّفَاتٍ يُسَمُّونَهَا بِكُتُبِ السُّنَّةِ، مِثْلَ كِتَابِ السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وكِتَابِ السُّنَّةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، والسُّنَّةِ لِلْخَلَّالِ، والشريعةِ لِلآجُرِيِّ، وغيرِ ذلكَ.
ومِن جُمْلَةِ هؤلاءِ الأَئِمَّةِ الذين كَتَبُوا في عقيدةِ السَّلَفِ: الإمامُ أبو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلَامَةَ الأَزْدِيُّ الطَّحَاوِيُّ، من علماءِ القرنِ الثالثِ بِمِصْرَ، وَسُمِّيَ بالطَّحَاوِيِّ نِسْبَةً لِبَلْدَةٍ في مِصْرَ، فَكَتَبَ هذه العقيدةَ المُخْتَصَرَةَ النَّافِعَةَ المُفِيدَةَ.
وَكُتِبَتْ عليها شُرُوحٌ، حوالي سَبْعَةُ شُرُوحٍ، وَلَكِنْ لا تَخْلُو من أَخْطَاءٍ؛ لأنَّ الذينَ أَلَّفُوهَا كانوا على مَنْهَجِ المُتَأَخِّرِينَ، فلم تَخْلُ شُرُوحُهُم مِن مُلَاحَظَاتٍ ومُخَالَفَةٍ لِمَا في عقيدةِ الطَّحَاوِيِّ إِلَّا شَرْحًا وَاحِدًا فيما نَعْلَمُ، وهو شَرْحُ العِزِّ بنِ أَبِي العِزِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، المُشْتَهِرُ بِشَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ، وهذا مِن تلاميذِ ابنِ كَثِيرٍ فيما يَظْهَرُ، وقد ضَمَّنَ شَرْحَهُ هذا مَنْقُولَاتٍ من كُتُبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ، ومِن كُتُبِ ابنِ القَيِّمِ، ومِن كُتُبِ الأَئِمَّةِ، فهو شَرْحٌ حَافِلٌ، وكانَ العلماءُ يَعْتَمِدُونَ عليهِ وَيَعْتَنُونَ بهِ؛ لِنَقَاوَتِهِ وَصِحَّةِ مَعْلُومَاتِهِ، فهو مَرْجِعٌ عَظِيمٌ مِن مَرَاجِعِ العقيدةِ، والمُؤَلِّفُ – كَمَا ذُكِرَ – أَلَّفَ هذه العقيدةَ على مَذْهَبِ أهلِ السُّنَّةِ عُمُومًا، وَمَنهم الإمامُ أبو حَنِيفَةَ النُّعمانُ بنُ ثابتٍ الكُوفِيُّ، فهو أَقْدَمُ الأَئِمَّةِ الأربعةِ، وَأَدْرَكَ التابعينَ وَرَوَى عَنْهُم.
وكذلكَ صَاحِبَاهُ أبو يُوسُفَ، ومُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَئِمَّةُ المذهبِ الحَنَفِيِّ.
ذَكَرَ عَقِيدَتَهُم، وَأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وفي هذا رَدٌّ على المُنْتَسِبِينَ إلى الحَنِفِيَّةِ في الوقتِ الحاضرِ أو في العصورِ المُتَأَخِّرَةِ، يَنْتَسِبُونَ إلى الحَنِفِيَّةِ وَيُخَالِفُونَ أَبَا حَنِيفَةَ في العقيدةِ، فهم يَمْشُونَ على مَذْهَبِهِ في الفقهِ فقط، ويُخَالِفُونَهُ في العقيدةِ، فَيَأْخُذُونَ عقيدةَ أَهْلِ الكلامِ والمَنْطِقِ، وكذلكَ حَدَثَ في الشافعيَّةِ المُتَأَخِّرِينَ منهم, يُخَالِفُونَ الإمامَ الشافعيَّ في العقيدةِ، وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُونَ إليهِ في الفقهِ، كذلكَ كَثِيرٌ مِن المَالِكِيَّةِ المُتَأَخِّرِينَ لَيْسُوا على عقيدةِ الإمامِ مَالِكٍ، لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِن مذهبِ مَالِكٍ في الفقهِ فقطْ، أَمَّا العقيدةُ فَهُم أصحابُ طُرُقٍ وَأَصْحَابُ مَذَاهِبَ مُتَأَخِّرَةٍ.
فَفِي هذهِ العقيدةِ رَدٌّ على هؤلاءِ وَأَمْثَالِهِم مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ إلى الأَئِمَّةِ، وَيَتَمَذْهَبُونَ بمذاهبِ الأَئِمَّةِ الأربعةِ، وَيُخَالِفُونَهُم في العقيدةِ، كالأشاعرةِ: يَنْتَسِبُونَ إلى الإمامِ أبي الحسنِ الأَشْعَرِيِّ في مَذْهَبِهِ الأَوَّلِ، وَيَتْرُكُونَ ما تَقَرَّرَ وَاسْتَقَرَّ عليهِ أَخِيرًا مِن مَذْهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، فهذا انْتِسَابٌ غيرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُم لو كَانوا على مَذْهَبِ الأَئِمَّةِ لَكَانُوا على عَقِيدَتِهِم.


  #4  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 09:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين، وأوضح الحجة للمستبصرين، وسلك سبيله خير - القرون.
ثم خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم، وافترقوا، فأقام الله لهذه الامة من يحفظ عليها أصول دينها، كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم).
وممن قام بهذا الحق من علماء المسلمين: الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، تغمده الله برحمته، بعد المائتين، فإن مولده سنة تسع وثلاثين ومائتين، ووفاته [سنة إحدى وعشرين] وثلاثمائة.
فأخبر رحمه الله عما كان عليه السلف، ونقل عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وصاحبيه أبي سوف يعقوب بن ابراهيم الحميري الأنصاري، و محمد بن الحسن الشيباني رضي الله عنهم - ما كانوا يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين.
وكلما بعد العهد، ظهرت البدع، وكثر التحريف، الذي سماه أهله تأويلاً ليقبل، وقل من يهتدي إلى الفرق بين التحريف والتأويل. اذ قد يسمى صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلاً، وإن لم يكن ثم قرينة توجب ذلك، ومن هنا حصل الفساد. فإذا سموه تأويلاً قبل وراج على من لا يهتدي إلى الفرق بينهما.
فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إلى إيضاح الأدلة، ودفع الشبه الواردة عليها، وكثر الكلام والشغب، وسبب ذلك إصغاؤهم إلى شبه المبطلين، وخوضهم في الكلام المذموم، الذي عابه السلف، ونهوا عن النظر فيه والاشتغال به والإصغاء إليه، امتثالاً لأمر ربهم، حيث قال: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره فإن معنى الآية يشملهم.
وكل من التحريف والانحراف على مراتب: فقد يكون كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ.
فالواجب اتباع المرسلين، واتباع ما أنزله الله عليهم. و [قد] ختمهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم، فجعله آخر الأنبياء، وجعل كتابه مهيمناً على ما بين يديه من كتب السماء، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، وجعل دعوته عامة لجميع الثقلين، الجن والأنس، باقية إلى يوم القيامة، وانقطعت به حجة العباد على الله. وقد بين الله به كل شيء، وأكمل له ولأمته الدين خبراً وأمراً، وجعل طاعته طاعة له، ومعصيته معصية له، وأقسم بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم، وأخبر أن المنافقين يريدون أن يتحاكموا إلى غيره، وأنهم إذا دعوا إلى الله والرسول، وهو الدعاء إلى كتاب الله وسنة رسوله - صدوا صدودا، وأنهم يزعمون أنهم إنما أرادوا إحساناً وتوفيقاً، كما يقوله كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم: إنما نريد أن نحس الأشياء بحقيقتها، أي ندركها ونعرفها، ونريد التوفيق بين الدلائل التي يسمونها العقليات، - وهي في الحقيقة: جهليات - وبين الدلائل النقلية المنقولة عن الرسول، أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة. وكما يقوله كثير من المبتدعة، من المتنسكة والمتصوفة: إنما نريد الأعمال بالعمل الحسن، والتوفيق بين الشريعة وبين ما يدعونه من الباطل، الذي يسمونه: حقائق وهي جهل وضلال. وكما يقوله كثير من المتكلمة والمتأثرة: إنما نريد الإحسان بالسياسة الحسنة، والتوفيق بينها وبين الشريعة، ونحو ذلك.
فكل من طلب أن يحكم في شيء من أمر الدين غير ما جاء به الرسول، ويظن أن ذلك حسن، وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه - فله نصيب من ذلك، بل ما جاء به الرسول كاف كامل، يدخل فيه كل حق، وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه، فلم يعلم ما جاء به الرسول في كثير من الامور الكلامية الإعتقادية، ولا في كثير من الأحوال العبادية، ولا في كثير من الإمارة السياسية، أو نسبوا إلى شريعة الرسول، بظنهم وتقليدهم، ما ليس منها، وأخرجوا عنها كثيراً مما هو منها.
فبسبب جهل هؤلاء وضلالهم وتفريطهم، وبسبب عدوان أولئك وجهلهم ونفاقهم، كثر النفاق، ودرس كثير من علم الرسالة.
بل [إنما يكون] البحث التام، والنظر القوي، والإجتهاد الكامل، فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ليعلم ويعتقد، ويعمل به ظاهراً وباطناً فيكون قد تلي حق تلاوته، وأن لا يهمل منه شيء.
وإن كان العبد عاجزاً عن معرفة بعض ذلك، أو العمل به، فلا ينهي عما عجز عنه مما جاء به الرسول، بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به، ويرضى بذلك، ويود أن يكون قائماً به، وأن لا يؤمن ببعضه ويترك بعضه، بل يؤمن بالكتاب كله، وأن يصان عن أن يدخل فيه ما ليس منه، من رواية أو رأي، أو يتبع ما ليس من عند الله، اعتقاداً أو عملاً، كما قال تعالى: {
وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
وهذه كانت طريقة السابقين الأولين، [وهي طريقة التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة. وأولهم السلف القديم من التابعين الأولين]، ثم من بعدهم. ومن هؤلاء أئمة الدين المشهود لهم عند الأمة الوسط بالإمامة.
فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال لبشر المريسي: العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم، وإذا صار الرجل رأسا في الكلام قيل: زنديق، أو رمي بالزندقة. أراد بالجهل به اعتقاد عدم صحته، فإن ذلك علم نافع، أو أراد به الإعراض عنه أو ترك الالتفات إلى اعتباره. فإن ذلك يصون علم الرجل وعقله فيكون علماً بهذا الإعتبار. والله أعلم.
وعنه أيضاً أنه قال: من طلب العلم بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر [والقبائل]، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.
وقال أيضاً رحمه الله تعالى (شعراً):

كل العلوم سوى القرآن مشغلة = إلا الـحديث وإلا الفقه في الديــــن
العلم ما كان فيه قال حدثنــــــا = وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وذكرالأصحاب في الفتاوى: أنه لو أوصى لعلماء بلده: لا يدخل المتكلمون، وأوصى إنسان أن يوقف من كتبه ما هو من كتب العلم، فأفتى السلف أن يباع ما فيها من كتب الكلام. ذكر ذلك بمعناه في الفتاوى الظهيرية.
فكيف يرام الوصول إلى علم الاصول، بغير اتباع ما جاء به الرسول ؟! ولقد أحسن القائل:

أيها المغتدي ليطلب علماً = كــل عــلم عبد لعلم الــرســول
تطلب الفرع تصحح أصلاً = كيف أغفلت علم أصل الاصول
ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والأخروية على أتم الوجوه، ولكن كلما ابتدع شخص بدعة اتسعوا في جوابها، فلذلك صار كلام المتأخرين كثيراً، قليل البركة، بخلاف كلام المتقدمين، فإنه قليل، كثير البركة، [لا] كما يقوله ضلال المتكلمين وجهلتهم: أن طريقة القوم من المنتسبين إلى الفقه: إنهم لم يتفرغوا لاستنباط الفقه وضبط قواعده وأحكامه اشتغالاً منهم بغيره! والمتأخرون تفرغوا لذلك، فهم أفقه!!
فكل هؤلاء محجوبون عن معرفة مقادير السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، وكمال بصائرهم. وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والإشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها، وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء. فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.
وقد شرح هذه العقيدة غير واحد من العلماء، ولكن رأيت بعض الشارحين قد أصغى إلى أهل الكلام المذموم، واستمد منهم، وتكلم بعباراتهم.
والسلف لم يكرهوا التكلم بالجوهر والجسم والعرض ونحو ذلك لمجرد كونه اصطلاحاً جديداً على معان صحيحة، كالإصطلاح على ألفاظ العلوم الصحيحة، ولا كرهوا أيضاً الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل، بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق، ومن ذلك مخالفتها الكتاب والسنة، ولهذا لا تجد عند أهلها من اليقين والمعرفة ما عند عوام المؤمنين، فضلاً عن علمائهم.
ولاشتمال مقدماتهم على الحق والباطل، كثر المراء والجدال، وانتشر القيل والقال، وتولد [لهم] عنها من الأقوال المخالفة للشرع الصحيح والعقل الصريح ما يضيق عنه المجال. وسيأتي لذلك زيادة بيان عند قوله: فمن رام علم ما حظر عنه علمه.
وقد أحببت أن أشرحها سالكاً طريق السلف في عباراتهم، وأنسج على منوالهم، متطفلاً عليهم، لعلي أن أنظم في سلكهم، وأدخل في عدادهم، وأحشر في زمرتهم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ولما رأيت النفوس مائلة إلى الاختصار، آثرته على التطويل والإسهاب. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
[هو حسبنا ونعم الوكيل].


  #5  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر رحمه الله:
هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، على مذهب فقهاء الملة، أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين. نقول في توحيد الله...

الشيخ: هذه المقدمة اشتملت على مسائل:
الأولى منها أن هذه عقيدة، والعقيدة فعيلة، بمعنى مفعول، يعني معقوداً عليه، والمسائل منقسمة إلى أخبار وأحكام، كما قال جل وعلا: {‏وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} تمت كلمة الله على هذين القسمين، صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي، والأخبار يجب تصديقها، فما كان مرجعه إلى التصديق والإيمان به ولا دخل للعمليات به فإنه يسمى عقيدة؛ لأن مرجعه إلى علم القلب، فسمي هذا عقيدة؛ لأنه معقود عليه القلب، يعني كأنه دخل للقلب فعقد عليه، فلا يخرج منه من شدة الاستمساك به، ومن شدة الحرص عليه؛ لئلا يخرج أو ينفلت.

وهذا اللفظ لفظ العقيدة كما ذكرت راجع إلى علم القلب؛ لأنه هو الذي يعقد الشيء الذي فيه، وأما العمليات فهذه من الإيمان، كما هو معروف، لكن موردها عمل الجوارح، لذلك لم تدخل في العقيدة.
وهناك ألفاظ مرادفة للعقيدة للدلالة على ما ذكرنا وهي التوحيد، السنة، الشريعة وأشباه ذلك، فمنها ما يكون مختصا بالعقيدة كالتوحيد، ومنها ما يكون لها ولغيرها كالسنة والشريعة؛ فإن لفظ الشريعة يشمل العقيدة أيضاً؛ لأن الله جل وعلا بين لنا أن الأنبياء اجتمعوا على شريعة واحدة، فقال جل وعلا: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فيه}.
فهذه شريعة أجمع عليها بين المرسلين، والمقصود بها التوحيد والعقيدة الواحدة.

وتأتي الشريعة ويراد منها العمليات، كما قال جل وعلا: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}، وكما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((الأنبياء إخوة لعلام الدين واحد والشرائع شتى)).

نخلص من ذلك إلى أن التصانيف في العقيدة قد تكون باسم العقيدة، أو باسم التوحيد، أو باسم السنة، أو باسم الشريعة، كما هو موجود فعلاً في تصانيف أئمة أهل السنة والجماعة.

المسألة الثانية قوله: "أهل السنة والجماعة"، وأهل السنة والجماعة هذا لفظ أطلق في أواخر القرن الثاني الهجري على أتباع الأثر،والمخالفين للفرق المختلفة، الذين خرجوا عن طريقة الصحابة والتابعين، وأول من استعمله بعض مشايخ البخاري (رحمهم الله تعالى) وجمع بين لفظين بين السنة والجماعة؛ لأن هناك من يدعي اتباع السنة، ولكنه لا يكون مع الجماعة، وهناك من يدعو إلى الجماعة بلا اتباع سنة، فصارت طريقة أهل الحديث والأثر أتباع السلف الصالح مشتملة على شيئين: اتباع السنة والجماعة.

وكل منهما في الحقيقة لازم لآخر، فاتباع السنة هو اتباع الجماعة، واتباع الجماعة هو اتباع السنة؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام صح عنه في الحديث، الذي في السنن، أنه قال: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة وهي الجماعة))، فصارت الفرق في النار، يعني متوعدة بدخولها في النار، والناجية فرقة واحدة، هي الجماعة، وهم المتبعون للسنة، الممتثلون لقول النبي عليه الصلاة والسلام، ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ)) الحديث.

وإذا أفرد أهل السنة فقد يطلق ويراد بهم ما يقابل الرافضة والشيعة؛ لأن لفظ أهل السنة يطلق ويراد به ما يخالف التشيع، ويطلق ويراد به أهل الحديث والأثر، ولهذا زادوا على السنة الجماعة، مع أن كلا منها ملازمٌ للآخر؛ لأجل أن يكون هناك تحديد في الإطلاق، فيكون المراد بالإطلاق ما يخالف الفرق كلها، الرافضة، والخوارج، والجهمية، المرجئة، والقدرية، والجبرية... إلى آخر أصول الفرق.

وقد ذكرنا لكم في أول شرح الواسطية تفصيل معنى أهل السنة والجماعة، ومعنى الجماعة، والجماعة في الدين، وجماعة الأبدان، بما يرجع في ذلك إليه المسألة الثالثة، أن هذه العقيدة التي ذكرها الطحاوي رحمه الله بنيت على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وهؤلاء عند أهل الحديث والأثر وافقوا السنة والجماعة في أكثر المسائل، لكنهم خالفوهم في أصل عظيم من أصول الدين، ألا وهو الإيمان، فلهذا أطلق عليهم مرجئة الفقهاء، فهم مرجئة؛ لأن كلامهم في الإيمان كلام المرجئة؛ لأنهم أرجؤوا العمل عن مسمى الإيمان، وقالوا: إن أهله في أصله سواء، وقيل لهم: مرجئة الفقهاء؛ لأنهم فقهاء اشتهروا بذلك.

فإذن يظهر من هذا التقديم أن هذا المؤلف مبني على كلام أهل السنة والجماعة بعامة، وعلى مذهب مرجئة الفقهاء في الإيمان بخاصة، وهذا هو الواقع فعلاً؛ فإن كلامه في الإيمان هو كلام المرجئة، فإذن قوله: "أهل السنة والجماعة" يدخل فيهم المرجئة؛مرجئة الفقهاء، وهذا منه،وهذا منه يدل على أن مدلول أهل السنة والجماعة يشمل أهل الحديث والأثر، ويشمل الماتريدية والأشاعرة. وهذا باطل، وهذا القول صرح به بعض الشراح من المتقدمين، ومن المتأخرين كالسفاريني في (لوامع الأنوار)، حيث قال في فصل له: اعلم أن أهل السنة والجماعة ثلاث طوائف: أهل الحديث والأثر، والأشاعرة والماتريدية.

وهذا باطل؛ لأن أهل السنة والجماعة هم الذين أخذوا بالسنة والجماعة في كل المسائل، في كل أصول المسائل،وأعظم المسائل التي حصل فيها الاختلاف؛ أولا: هي مسألة الإيمان، ومسائل الأسماء والأحكام، فخالف فيها الخوارج، كما هو معلوم، ثم تبع ذلك ظهور المرجئة إلى آخر ما حصل.

فإذن هذه المسألة؛مسألة الإيمان من مسائل الأصول العظيمة، فلا يكون من نفاها على.. يعني من نفى دخول العمل في مسمى الإيمان على طريقة أهل السنة والجماعة، أتباع الحديث والأثر؛ لمخالفة قولهم للنصوص الكثيرة الدالة على أن العلم من الإيمان، كما سيأتي تقريره في موضعه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

المسألة الرابعة قوله: "وما يعتقدون من أصول الدين"، وهذه الكلمة أصول الدين يعبر عنها.. يعبر بها عن العقيدة؛ لأن التعبير عن العقيدة صارفيه اشتراك، فيعبر عنها عن العقيدة عند أهل الحديث بما ذكرنا لك من العبارات: العقيدة، السنة، التوحيد، الشريعة. وعبر بها المخالفون.. عبر عنها المخالفون بعلم الكلام، والذين تركوا الفلسفة، وما أصله علماء الكلام في بيان العقيدة، إلى ما دل عليه كلام معظمهم كالأشعري والماتريدي، عدلوا عن علم الكلام إلى أصول الدين؛ لأن كلمة أصول الدين فيها مخالفة للفظ علم الكلام المذموم، وفيها توسط ما به الألفاظ الشرعية، السنة، العقيدة، التوحيد، الشريعة، وما بين قولهم علم الكلام،فأتوا بهذا اللفظ الذي هو بين اللفظين.

ولهذا نقول: هذا اللفظ إن كان دليله ومأخذه هو مأخذ التوحيد والسنة،والعقيدة والشريعة فلا بأس باستعماله، فلهذا يستعمله أهل السنة والجماعة، ويريدون به المعنى الصحيح، وهو أن أصول الدين المقصود بها أصول الايمان الستة، وما يندرج في ذلك من المسائل الأصلية والتبعية، فكلمة إذن أصول الدين كلمة مركبة مضافة، ولذلك يقولون: هي مركب إضافي، أضيف فيه الأصل إلى الدين، وأصول الدين كلمة معناها العقيدة، يريدون بكلمة أصول ما يخالف الفروع، وهي العمليات، وإذا كان اللفظ محدثاً أو مصطلحاً عليه فنقول: لا مشاحة في الاصطلاح، إذا كان لم يختص به أهل البدع، فاستعمله طائفة من علماء الحديث والسنة، ويعنون به ما دلت عليه الألفاظ الشرعية: العقيدة، السنة، التوحيد، الشريعة، فإذن وما يعتقدون من أصول الدين، يعني المقصود بها أصول الإيمان المعروفة، وما يتصل بذلك من مباحث، وما خالف فيه أهل السنة أهل البدعة. نعم.


  #6  
قديم 4 ربيع الأول 1430هـ/28-02-2009م, 07:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


سبب تسمية أهل السنة والجماعة بهذا الاسم
قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي رحمه الله: [هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين]. قوله: (هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة): أهل السنة والجماعة إنما اختصوا بهذا الاسم لأنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق) ، وقد أخرج الشيخان وغيرهما في ذلك روايات متعددة من حديث جابر بن سمرة ، وأبي هريرة، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم رضي الله عنهم. وهذه الطائفة بإجماع أهل العلم مقتدية برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه العلمي والعملي، أي: فيما هو من محل الاعتقاد أو محل العمل؛ فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في المسند والسنن من حديث أبي هريرة ، وأنس ، و عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة...) إلى آخر الحديث. ومما ينبه إليه: أن ذكر هذه الطائفة ليس معتبراً بهذا الحديث فقط، فإن هذا الحديث قد تكلم فيه طائفة من أهل العلم، وصححه أو قواه آخرون، فسواء صح هذا الحديث أو لم يصح؛ فإن ثبوت هذا الانتماء إلى أهل السنة والجماعة معتبر بالنصوص المتواترة التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم افتراق الأمة، وذكر أن طائفة لا تزال على الحق إلى قيام الساعة، وغير ذلك من النصوص الصحيحة، فعدم صحة هذا الحديث لا يؤخذ منه إلا أن التخصيص لهذا العدد -وإن كان حسناً في الجملة- وهو الثلاث والسبعون لم ينضبط من جهة السنة، فإذا قلنا بأن الحديث لم يصح فإنه يسقط بذلك التصريح بهذا العدد، وهو أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وأما أن الافتراق نفسه يرتفع إذا ضُعف هذا الحديث أورد فليس كذلك؛ وذلك لوجهين: الوجه الأول: ما تواتر من السنة بأنه لا تزال طائفة على الحق، وأن الأمة ستفترق. الوجه الثاني: اعتبار الحال، فإن الافتراق شائع في الأمة منذ قرون متقدمة. ......

ظهور البدع في تاريخ الإسلام
لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم اختلاف في مسائل أصول الدين، وكذلك في زمن أبي بكر ، و عمر ، وعثمان ، وعلي ، إلا في آخر خلافة الخلفاء لما ظهرت الخوارج. وكان أول غلط وقع هو الغلط في مسألة الإيمان، وما يتعلق بها من الأسماء والأحكام -أي: حكم أهل الكبائر- وكان ذلك في آخر خلافة الخلفاء الأربعة الراشدين. ثم بعد انقراض عصر الخلفاء وفي آخر عصر الصحابة وبعد إمارة معاوية -أي: في زمن الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبني أمية- ظهر الخلاف في القدر، ثم بعد عصر الصحابة وفي قرن التابعين ظهر الخلاف في مسألة الصفات، وهلم جراً من التسلسل الذي ظهرت به البدع المخالفة لمعتقد السلف رحمهم الله، وهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ومن اتبعهم وسار على منهجهم. وإذا ذكر السلف فإن المراد بهم الصحابة ومن اقتدى بهم، على ما جاء في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } [التوبة:100] . وعليه: فإن تخصيصه لـأبي حنيفة وصاحبيه على التحقيق المتقدم ليس له ذاك الاختصاص، وإنما هو نوع من البيان والذكر، وإلا فإن عقيدة أبي حنيفة وصاحبيه هي عقيدة سائر الأئمة.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, عقيدة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir