بعد ذلك ذكر الناظم-رحمه الله تعالى-: النوع الثالث والرابع : وهذه الأنواع التي يذكرها متقابلة : مكي يقابله المدني.
الثالث يقابله الرابع: حضري وسفري. والخامس يقابله السادس. وكذا السابع والثامن.
يقول في (النوع الثالث والرابع: الحَضَرِيُّ والسَّفَرِيُّ ): من آي القرآن؛ يعني ما نزل في الحضر حال الإقامة وما نزل في السفر؛ في أسفاره-عليه الصلاة والسلام-للغزو أو للحج أو للعمرة - هذه أسفاره-عليه الصلاة والسلام-ما كان عنده أسفار نزهة إنما أسفاره أسفار عبادة.
(والسفري): منسوب إلى السفر، من الإسفار؛ وهو البروز والوضوح. منه:
_ أسفر الصبح؛ إذا أظهر الأشياء.
_ ومنه: السفر لبروز المسافر عن بلده.
_ ومنه: السفور: لإبراز المرأة شيئاً مما يجب عليها تغطيته.
والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ
مَائِدَةٌ بذَاتِ جَيْشٍ ......
آية التيمم التي في المائدة؛ لأن هناك آية للتيمم في سورة النساء. والمقصود بالآية التي نزلت في السفر آية المائدة؛ نزلت بذات الجيش؛ وهو موضع وراء ذو لحليفة قرب المدينة.
...... بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ
أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ ..........
في طرف ذو الحليفة. والتي قال عنها ابن عمر:" بيداؤكم التي تكذبون فيها على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-"؛ لأنه جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي-عليه الصلاة والسلام-أَهَل لما علا على شرف البيداء، وهي من ذو الحليفة في طرفها.
والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ
................. مَائِدَةً
إعرابها: إعراب مائدةً ؟ منصوبة بنزع الخافض؛ أي: كآية التيمم الواقعة في المائدة.
(مَائِدَةً بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ): آية التيمم نزلت أثناء قفوله-عليه الصلاة والسلام-من غزوة بني المصطلق. سنة أربع أو خمس أوست-على أقوال-. والقصة شهيرة في الصحيح وغيره.
(أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ ، ثُمَّ الفَتْحِ فيْ): يعني ثم سورة الفتح. مجرورة عطفاً على (آية) المجرورة بالكاف.
(كراع الغميم): طرف الغميم؛ لأن كُراع الشيء طرفه. والغميم: قريب من مكة بينه وبين مكة: ثلاثين ميلاً، وبينه وبين المدينة مئة وسبعين أو أكثر من الأميال.
(كُراعِ الغَمِيْمِ):كَراع-أو كُراع-الغميم: كُراع: مضاف ، والغميم: مضافٌ إليه. وهنا نون المضاف؟ هل هذه إضافة؟ مع أن المضاف يجب حذف التنوين منه؟
نوناً تلي الإعراب أو تنوينا = مما تضيف احذف: كطور سينا
يجب حذفه. وهنا قال:(كراعٍ الغميمِ)؟ أو يكون الغميم بدل من كراع؟
بدل، كراعٍ هو الغميم؟ لأنها مضبوطة بكسر الطرفين، كسر التنوين "كراعٍ "، ولابد من التنوين وإلا ينكسر البيت؟ والغميم: الأصل أنها مضاف إليه. طرف الغميم، كراع الغميم : مضاف ومضاف إليه. فلمَ لم يحذف التنوين؟
هذه ضرورة شعرية لكن ألا يمكن توجيهه؟ بأن الطرف يطلق عليه الكل؛ فنقول: كراعٍ، الغميم بدل منه-بدل كل من بعض-يجيء وإلا ما يجيء؟
ما فيه ضمير؛ لكن صيانة النظم من المخالفة الظاهرة، وحذف الضمير قد يرد به في مثل هذه الحالة. قد تحوج إليه الضرورة بخلاف التنوين. التنوين قبيح في المضاف.
(كراعٍ الغميم يا مَنْ يَقْتَفِيْ): يا من يتبع اعرف ما ذكر، والحاجة إليه ماسة.
(وبِمِنَى ):وبمنى مع حذف التنوين للوزن: (وبِمِنَى (اتقوا))
وبِمِنَى ﴿﴾ وبعدُ ﴿﴾
و﴿﴾ أَوْلِ هذا الخَتْـمَا
يعني نزل بمنى قول الله-جل وعلا- {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} [1]...إلخ إلى ختم الآية. تقول: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } إلى ختم الآية.
ويومَ فَتْحٍ﴿﴾
لآخرِ السُّـورَةِ يا سَئُــولُ
نزل يوم الفتح أواخر سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ } [2] إلخ السورة.
(يا سَئُولُ): يعني يا من يفترض فيه أنه طالب علم، وحريصٌ على مثل هذه العلوم. ومن شرطه أن يكون سئولاً لا خجولاً.
لكن السيوطي لم يقف لهذا على دليل؛ وإنما قلد فيه.
(ويومَ بَدْرٍ): يعني ونزل في يوم بدر.
(سُورَةُ الأَنْفَالِ): كلها.
...................... مَعْ
﴿﴾ ومَا بَعْدُ تَبَعْ
مع آية {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } [3] .
.........................
..............ومَا بَعْدُ تَبَعْ
إِلى ﴿﴾
.......................
يعني إلى قوله-جل وعلا- :( الحميد) {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ }..إلخ إلى قوله-جل وعلا-{الحميد }.
( ثُمَّ ): آية:
.............. ( إِنْ عَاقَبْتُمُ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمُ )
يعني إلى آخر سورة النحل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [4] .
.......... ثُمَّ { إِنْ عَاقَبْتُمُ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمُ }
إلى آخر السورة؛ هذه نزلت بأحد والقصة معروفة؛ لما مثل المشركون بحمزة عم النبي-عليه الصلاة والسلام-ذكر أنه-عليه الصلاة والسلام-سوف يمثل بسبعين منهم؛ فنزل قول الله-جل وعلا-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }، يعني ما عاقبتم بالمثل:{لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }...إلخ السورة. هذه نزلت بأحد.
(وعَرَفاتٍ):يعني نزل بعرفات في حجة الوداع.
(وعَرَفاتٍ رَسَمُوا): يعني بعرفات في حجة الوداع كتبوا نزول قوله-تعالى: {اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمُ} [5] . وفي الصحيح من حديث عمر أن اليهود قالوا للعمر-رضي الله تعالى عنه-:( لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيداً ) { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }فقال عمر:"لقد علمت اليوم والمكان الذي نزلت فيه هذه الآية؛ نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع"
.......... وعَرَفاتٍ رَسَمُوا
﴿اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمُ﴾
يعني كتبوا نزول هذه الآية.
(وما ذَكَرْنَا هَا هُنَا اليَسِيْر): يعني مما نزل في السفر.
(وما ذَكَرْنَا هَا هُنَا اليَسِيْر): واستوفى السيوطي في التحبير جميع ما وقف عليه، في كتابه التحبير الذي أوصل فيه أنواع علوم القرآن إلى اثنين ومئة من الأنواع. استوفى الآيات التي نزلت في السفر.
وما ذَكَرْنَا هَا هُنَا اليَسِيْر
والحَضَرِيْ وقُوعُهُ كَثِيْرُ : لأنه هو الأصل، لأن الأصل الإقامة لا السفر. السفر طارئ ، تقتضيه الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها. وجاء في الحديث الصحيح:( السفر قطعة من العذاب ). ما مفاد هذا؟
( إذا قضى أحدكم نهمته فليعد ) فليرجع. فالأصل هو الحضر وعلى هذا أكثر القرآن نزوله في الحضر.
[1] سورة (البقرة:281)
[2] سورة (البقرة:285)
[3] سورة (الحج:19)
[4] سورة (النحل:126)
[5] سورة (المائدة:3)