دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 ربيع الثاني 1443هـ/28-11-2021م, 11:53 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
الدرس (هنا)
- مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير.

تنبيه:
- الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 01:42 PM
محمد حجار محمد حجار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 350
افتراضي

مجلس مذاكرة دروس أساليب التفسير
تطبيق على أسلوب التقرير العلمي
رسالة في تفسير قوله تعالى ( إنَّ الإنسان لربه لكنود ) بأسلوب التقرير العلمي
يُخبر الباري جلَّ شأنه في هذه الأية الكريمة خبراً عن الإنسان بأنه كنود فما معنى كنود ومن هو هذا الإنسان الكنود ؟ و هل لفظ الإنسان على عمومه أم أنَّ هناك ما يُخصصه و ما دلالات تأكيد الخبر بعدة مؤكدات ، فلا بد لفهم الأية و تدبرها من الإجابة على هذه المسائل الثلاث و هي
1- المسألة الأولى :معنى كنود و يتفرع عنها مسألتان ، معنى الكنود في اللغة و معنى الكنود في أقوال السلف و المفسرين
2- المسألة الثانية :المراد بالإنسان هل هو على عمومه أم يُوجد ما يخصصه
3- المسألة الثالثة :دلالة تعدد أدوات تأكيد الخبر و هي وقوعه جواباً للقسم و تصديره بإنَّ المؤكدة و دخول اللام على خبر إنَّ
جواب المسألة الأولى : في معنى الكنود
معنى الكنود في اللغة
· ذكر الشنقيطي في أضواء البيان ما روي عن ابن عباس بأنَّ معنى كنود في اللغة يختلف باختلاف القبائل العربية فهي بلسان مالك بن كنانة البخيل و بلسان ربيعة و مضر الكفور و بلسان كندة وحضرموت العاصي
· قال ابن فارس في مقاييس اللغة : ‌‌(كَنَدَ) الكاف والنون والدال أصل صحيح واحد يدل على القطع. يقال كند الحبل يكنده كندا. والكنود: الكفور للنعمة. وهو من الأول، لأنه يكند الشكر، أي يقطعه. ومن الباب: الأرض الكنود، وهي التي لا تنبت
· و قال ابن منظور في لسان العرب : كنَد الشّخصُ النعمةَ كفَر بها وجحَدها.
· و جاء في المعجم الرائد - الكَنُودُ : اللَّوَّام لربه تعالى ، يَذكُرُ المصيباتِ وينسى النِّعم و الكَنُودُ البخيلُ و الكَنُودُ العاصي و الكَنُودُ الأرضُ لا تُنْبتُ شَيئًا.
· و جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة - كنود : كافر النعمة - كنود : عاص، متمرد - كنود : الذي يعد المصائب وينسى النعم فيلوم ربه.- كنود بخيل - كنود : «أرض كنود» : لا تنبت شيئا.
· و جاء في مختار الصحاح - الكِنْدَةُ : القطْعةُ من الجبل.
معنى كنود في أقوال السلف و المفسرين
ورد في معنى كنود عدة أقوال
القول الأول :الكفور - قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وإبراهيم النَّخعِي ، وأبو الجوزاء ، وأبو العالية ، وأبو الضحى ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن قيس ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وابن زيد ذكر ذلك ابن كثير و تكاد تجمع أقوال المفسرين من الخلف و السلف على أنَّ معنى كنود أي كفور و لكنهم عبَّروا عن معنى كفور بصيغ مختلفة و أقوال متعددة منها ما هو متقارب و منها ما هو بعيد و منها ما هو مختلف و منها ما هو تفسير ببعض المعنى و منها ما هو تفسير بلازم المعنى أو ما يتضمنه و لكنها بمجموعها تُشكل في الذهن صورة لمعنى الكفور
1- المعنى الأول :هو الذي يَأكلُ وَحدَهُ ، ويَمنعُ رِفدَهُ ويَضرِبُ عَبدَهُ . قاله - زيد بن علي و بنحوه قال مقاتل و غيره
2- المعنى الثاني : هو الذي يَعدّ المَصائبَ ، ويَنسى نِعمةَ رَبهِ . قاله زيد بن علي و بنحوه قال الحسن و غيره .
3- المعنى الثالث : هو الذي خالف العهد ، وجانب الصدق ، وألف الهوى ، فحينئذ يؤيسه الله من كل بر وتقوى .قاله التستري
4- المعنى الرابع : هو الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة ، ويعامل الله على عقد عوض قاله الفضيل. ذكره ابن عطية
5- المعنى الخامس : هو الذي يكفر اليسير ولا يشكر الكثير قاله العز بن عبد السلام و غيره
6- المعنى السادس : هو الذي ينفق نعم الله في معاصيه قاله العز بن عبد السلام و غيره
القول الثاني : البخيل قاله العز بن عبد السلام و ذكر أنه بلسان مالك بن كنانة و ذكره الشوكاني بصيغة التضعيف
القول الثالث : العاصي قاله العز بن عبد السلام و ذكر أنه بلسان كندة وحضرموت
القول الرابع : جاحد الحق قاله العز بن عبد السلام و ذكر أنَّ قبيلة كندة سُمّيت بهذا الإسم لأنها جحدت أباها
القول الخامس : الحسود ذكره الشوكاني بصيغة التضعيف
القول السادس : الجهول لقدره ذكره الشوكاني بصيغة التضعيف
الراجح في المسألة
و القول الأول هو الراجح لاشتهاره و لكونه بلسان مضر التي منها قريش مع أنَّ بقية الأقوال لا تخلو من بعض معاني الكفور على تفاوت في القرب و البعد من معنى الكفور الذي ترسمه في الذهن عبارات السلف و المفسرين في معنى الكفور
جواب المسألة الثانية : في المراد بالإنسان
في المسألة ثلاثة أقوال
القول الأول : عموم الإنسان و هذا العموم هو من قبيل العموم العرفي أو المخصوص ذكره ابن عطية و الشنقيطي و ابن عاشور و السعدي و الطنطاوي و فيما يلي نص أقوالهم
· قال ابن عطية : وقد يكون من المؤمنين الكفور بالنعمة ، فتقدير الآية : إن الإنسان لنعمة ربه لكنود
· وقال السعدي : فطبيعة [ الإنسان ] وجبلته ، أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق ، فتؤديها كاملة موفرة ، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية والبدنية ، إلا من هداه الله ، وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق .
· و قال ابن عاشور : والتعريف في { الإنسان } تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً ، أي أن في طبع الإنسان الكُنود لربه ، أي كفرانَ نعمته ، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوتٍ فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكُمَّل أهل الصلاح لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكّرُ حق غيره . وبذلك قد يذهل أو ينسَى حق الله ، والإِنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخُلق منها ، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته . وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : { وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد } فلذلك كان الاستغراق عرفياً أو عامّاً مخصوصاً ، فالإِنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة ، بالقول والقصد ، أو بالفعل والغفلة ، فالإِشراك كنود ، والعِصيان كنود ، وقِلة ملاحظة صَرف النعمة فيما أعطيت لأجله كنود ، وهو متفاوت ، فهذا خلق متأصل في الإِنسان فلذلك أيقظ الله له الناس ليَريضوا أنفسهم على أمانة هذا الخلق من نفوسهم كما في قوله تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعاً } [ المعارج : 19 ] وقوله : { خلق الإنسان من عجل } [ الأنبياء : 37 ] وقوله : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ]
· و قال الشنقيطي : وقوله : إن الإنسان عام في كل إنسان ، ومعلوم أن بعض الإنسان ليس كذلك ، كما قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } ، مما يدل على أنه من العام المخصوص . وأن هذه الصفات من طبيعة الإنسان إلا ما هذبه الشرع ، كما قال تعالى: { وَأُحْضِرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ } . وقوله : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . ونص الشيخ في إملائه أن المراد به الكافر .
· و قال الطنطاوي فالمراد بالإِنسان هنا : جنسه ، إذ إن هذه الصفة غالبة على طبع الإِنسان بنسب متفاوتة ، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله - تعالى - . وقيل : المراد بالإِنسان هنا : الكافر ، وأن المقصود به ، الوليد بن المغيرة . والأولى أن يكون المراد به الجنس ، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا .
القول الثاني : بعض أفراد الإنسان – وهو الكافر ذكره الشوكاني و صديق حسن خان و الطنطاوي
القول الثالث : لام التعريف للعهد و المراد شخص واحد هو الوليد بن المغيرة ، وقيل : قرطة بن عبد عمرِو بن نوفل القرشي . ذكره ابن عاشور و الشنقيطي و الطنطاوي
الراجح في المسألة
و الراجح القول الأول للأسباب التالية
1- أنَّ الكفران قد يقع من المؤمن كما يقع من الكافر
2- أنَّ العام يبقى على عمومه ما لم تقم قرينة على تخصيصه و ما ذُكر من قرائن فهو ضعيف و لو كان المراد الكافر ابتداءً لكان التقدير ( إنَّ الكافر لربه لكفور ) باعتبار معنى الكنود الكفور و بذلك لم يبقى للأية إلا معنى التأكيد على كفر الكافر ، و أمَّا إذا كان المراد بالكافر انتهاءً - أي بمعنى أنَّ من يحصُل منه الكفران هو الكافر - فهذا من باب تحصيل الحاصل
3- و أما كون المراد شخص واحد فلم يقم دليل قوي عليه
جواب المسألة الثالثة : دلالة تعدد أدوات تأكيد الخبر
أكَّد الله سبحانه و تعالى خبر أنَّ الإنسان كنود بثلاث أدوات هي
1- وقوع الخبر جواباً للقسم ، فقد أقسم الله تعالى بالخيل أو الإبل و أحوالها و ما فيها من إعجاز و أتى بجملة ( إنَّ الإنسان لربه لكنود ) جواباً للقسم الذي افتُتحت به السورة
2- تصدير الخبر بحرف التوكيد إنَّ
3- دخول اللام المزحلقة على خبر إنَّ
و دلالة ذلك التنبيه على عظم و خطر و أهمية الخبر الذي يُخبر الله به عباده ليتدبروه و يعملوا بمقتضاه فمن تدبَّر هذه الأية و عَلِم عِلْم يقين أنَّ الإنسان بطبعه كنود بادر في تزكية نفسه ليُبعدها عن هذا الخطر العظيم ألا و هو الكفران

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 03:31 PM
جوري المؤذن جوري المؤذن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 215
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله -تعالى- :" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً " .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين .

الاستعاذة لغةً : مصدر استعاذ ، استعاذ بالله أي قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
و العَوْذ : الملجأ ، وعاذ به : لاذ ولجأ إليه واعتصم .

وقد وردت ألفاظ الاستعاذة في مواضع متعددة في القرآن الكريم ، منها :
قوله -تعالى- :" إني عذت بربي وربكم من كل متكبر" ، " قل أعوذ برب الفلق " ، " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " ، " قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي " .

و وردت أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو بأدعية يستعيذ بالله من بعض الأمراض والآفات ، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- : " اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام " . وأمر -عليه الصلاة والسلام- بالاستعاذة من أمور كثيرة تضر الإنسان ، مثل قوله -صلى الله عليه و سلم- :" اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك و تحول عافيتك و فجاءة نقمتك وجميع سخطك " .


قال ابن القيم -رحمه الله- :" اعلم أن لفظ عاذوا وما تصرف منها تدل على التحرز والتحصن والنجاة وحقيقة معناها: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه ولهذا يسمى المستعاذ به : معاذاً ، كما يسمى ملجأً و وزراً " .

أما المسائل في قوله -تعالى- :"وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" ، كالتالي :
1-سبب نزول الآية .
2- تحرير القول في معنى الآية .
3- حكم الاستعاذة بغير الله .

أولاً: ما جاء في سبب نزول الآية عدة روايات منها، ما روي عن كردم بن أبي السّائب الأنصاريّ قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجةٍ، وذلك أوّل ما ذكر رسول -اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- بمكّة، فآوانا المبيت إلى راعي غنمٍ. فلمّا انتصف اللّيل جاء ذئبٌ فأخذ حملًا من الغنم، فوثب الرّاعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى منادٍ لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحمل يشتدّ حتّى دخل في الغنم لم تصبه كدمةٌ. وأنزل اللّه تعالى على رسوله بمكّة "وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا" . ذكره ابن كثير في تفسيره .

و ذكر السيوطي في لباب النقول عن سبب نزول الآية و فيمن نزلت بما روي عن سعيد بن جبير أن رجلاً من بني تميم يقال له رافع بن عمير حدث عن بدء إسلامه قال: إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم، فنزلت عن راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي فقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن، فرأيت في منامي رجلا بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي فانتبهت فزعا فنظرت يميناً وشمالاً فلم أرى شيئا، فقلت: هذا حلم ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذاك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت وإذا برجل شاب كالذي رأيته بالمنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يدفعه عنه فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى: قم فخذ أيتها شئت فداء لناقة جاري الإنسي، فقام الفتى فأخذ منها ثوراً وانصرف ثم التفت إلي الشيخ، وقال: يا هذا إذا نزلت وادياً من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ برب محمد من هول هذا الوادي ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها فقلت له: ومن محمد هذا؟ قال: نبي عربي لا شرقي ولا غربي بعث يوم الاثنين قلت: فأين مسكنه؟ قال: يثرب ذات النخل، فركبت راحلتي حين ترقى لي الصبح وجددت السير حتى تقحمت المدينة فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر منه شيئا ودعاني إلى الإسلام فأسلمت. قال سعيد بن جبير: وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" .

ثانياً : ما ورد في معنى قوله -تعالى-:" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً " ، قولين :
القول الأول : أنه كان رجال من الإنس يستعيذون بالجن إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً ، فلما علم الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زاد الجن الإنس خوفاً و ذعراً و ضعفاً . قاله أبو العالية و الربيع و زيد بن أسلم ذكره ابن كثير ، و السعدي ، و الأشقر .
القول الثاني : أنه كان رجال من الإنس يستعيذون بالجن إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً ، فلما علم الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم ، ازداد الجن طغياناً و تكبراً و جرأة لما رأوا أن الإنس يستعيذون بهم . قاله قتادة ذكره ابن كثير ، و السعدي ، و الأشقر .


ثالثاً : مما ينبغي على المسلم معرفته أن حكم الاستعاذة بغير الله شرك أكبر ؛ لأن الاستعاذة من جملة أنواع العبادة التي يجب صرفها لله -وحده- فلا يُستعاذ بالجن ولا بالملائكة ولا الأنبياء ولا غيره .
لذا على المسلم صرف جميع أنواع العبادات لله -وحده- و الإخلاص له في ذلك ، وعليه أن يعلق قلبه بالله – تعالى- في السراء و الضراء فهو -سبحانه- نعم المولى ونعم النصير .



-وصلّ اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين- .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 10:05 PM
شريفة المطيري شريفة المطيري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 190
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة في المراد بتزويج النفوس في قوله تعالى قوله تعالى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) )

المعنى اللغوي للتزويج :
إذا تأملنا علماء اللغة وجدناهم قد قالوا :
زوَّجَ يُزوِّج ، تزويجًا ، فهو مزوِّج ، والمفعول مزوَّج
زوَّج فلانًا امرأةً/ زوَّج فلانًا بامرأةٍ : جعله يتزوَّجها، أنكحه إيّاها : قُرنت بأجسادها أو بأشكالها أو بأعمالها
زَوَّجَ الأَشْياءَ : قَرَنَ بَعْضَها بِبَعْضٍ
الزَّوْجُ : كل واحد معه آخر من جنسه

فهذا تلخيص كلام علماء اللغة في معنى التزويج ، وأقوال المفسرين في تفسير الآية لا تخرج عن هذا المعنى اللغوي:

أقوال المفسرين في معنى التزويج:
وفيه أقوال :

القول الأول : يُجمع كل شكل إلى نظيره، وكل صاحب عمل إلى رفيقه ، ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر،
واستدل ابن كثير بالحديث : عن النّعمان، بن بشيرٍ أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذا النّفوس زوّجت}. قال: ((الضّرباء كلّ رجلٍ مع كلّ قومٍ كانوا يعملون عمله وذلك بأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {وكنتم أزواجاً ثلاثةً فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسّابقون السّابقون})) ،
وبالأثر : في روايةٍ عن النّعمان قال: سئل عمر عن قوله تعالى: {وإذا النّفوس زوّجت}. فقال: يقرن بين الرّجل الصّالح مع الرّجل الصّالح، ويقرن بين الرّجل السّوء مع الرّجل السّوء في النّار، فذلك تزويج الأنفس.
واسندل الأشقر بالأثر : قالَ الْحَسَنُ: (أُلْحِقَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ: الْيَهُودُ باليهودِ، وَالنَّصَارَى بالنَّصَارَى، والمَجُوسُ بالمجوسِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً مِنْ دُونِ اللَّهِ يَلْحَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَالْمُنَافِقُونَ بِالْمُنَافِقِينَ، وَيَلْحَقُ الْمُؤْمِنونَ بِالْمُؤْمِنِينَ)

القول الثاني : تجمع النفوس بالأجساد ، ذكره ابن كثير، واستدل بقول ابن عباس : (يسيل وادٍ من أصل العرش من ماءٍ فيما بين الصّيحتين، ومقدار ما بينهما أربعون عاماً، فينبت منه كلّ خلقٍ بلي من الإنسان أو طيرٍ أو دابّةٍ ولو مرّ عليهم مارٌّ قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على وجه الأرض قد نبتوا ثمّ ترسل الأرواح فتزوّج الأجساد، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذا النّفوس زوّجت})
وكذا قال أبو العالية وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ والشّعبيّ والحسن البصريّ أيضاً في قوله: {وإذا النّفوس زوّجت}. أي: زوّجت بالأبدان

القول الثالث : يزوج المؤمنون بالحور العين ويزوج الكفار بالشياطين ، حكاه القرطبيّ في (التّذكرة)، و ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر

والتحقيق أن دلالة الآية تَسَعُ جميع الأقوال:

فالنفوس زوجت فيها الأرواح بالأجساد ، والنفوس زوجت كل صاحب عمل مع نظيره ، وزوج المؤمنون بالحور العين بالجنة وزوج الكفار بالشياطين في النار

وهذا مثال بديع لحسن بيان القرآن الكريم، ودلالته على المعاني العظيمة بألفاظ وجيزة.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 11:28 PM
عزيزة أحمد عزيزة أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 174
افتراضي

رسالة في المراد بالطاغية في قوله تعالى "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية"
لم يرد لفظ الطاغية في القرآن إلا في سورة الحاقة في قوله تعالى "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية" وإن كان ورد لفظ "الطاغوت" في ثمانية مواضع من كتاب الله في خمس سور منها قوله تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
وأصل الطاغية: طغا يطغو ويطغي طغيانا إذا جاوز الحد في العصيان فهو طاغ وهي طاغية وتستعمل هذه المادة في اللغة في معان تدل على الكثرة ومجاوزة الحد منها:
١- طغا الرجل: إذا جاوز الحد
٢- طغا البحر: إذا هاج
٣- طغا السيل: إذا كثر ماؤه
ومنه قوله تعالى: "إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية "
والطاغية مصدر نحو الجاثية
واختلف المفسرون في المراد بالطاغية في الآية على ثلاثة أقوال:
١- الصيحة: قال قتادة: بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم
وقال ابن كثير:
(الصيحة الذي أسكتتهم والزلزلة التي أسكنتهم)
قال السعدي: وهي الصَّيْحَةُ العَظيمةُ الفَظيعةُ التي انْصَدَعَتْ منها قُلوبُهم، وزَهَقَتْ لها أرواحُهم، فأَصْبَحُوا موتَى لا يُرَى إلاَّ مَساكِنُهم وجُثَثُهم
وقال الأشقر: والطاغيةُ الصيْحَةُ التي جاوَزَتِ الْحَدَّ
٢- طغيانهم وكفرهم بالله وذنوبهم
قال مجاهد: "بالطاغية" بالذنوب
وقال ابن زيد: "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية" فقرأ قول الله "كذبت ثمود بطغواها"
وقال: هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات الله
وقيل: الطاغية صفة موصوفها محذوف تقديره: وأما ثمود فأهلكوا بأفعالهم الطاغية
٣- عاقر الناقة، قال السدي
واختار ابن جرير أن المراد بالطاغية الصيحة قائلا: "وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به"
وإذا نظرنا لسياق الآية نجد أنها تحتمل هذه الأقوال فبسبب ذنوب ثمود التي تجاوزت الحد والتي منها عقر الناقة الذي قام بها أشقى القوم، أي بسبب هذه الذنوب والطغيان استحقوا الهلاك بالصيحة التي أخمدتهم كما قال تعالى "فأما ثمود فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون" كقوله تعالى "فكلا أخذنا بذنبه" أي بسبب ذنبه
فالباء في الآية تحتمل أن تكون بمعنى السببية أي بسبب ذنوبهم ومجاوزتهم الحد وطغيانهم، ويتحمل أن تكون الباء للاستعانة أي الصيحة التي تجاوزت الحد المتعارف عليه حتى أهلكتهم

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 4 جمادى الأولى 1443هـ/8-12-2021م, 05:01 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تطبيقات أسلوب التقرير العلمي

بارك الله فيكم جميعا.
أوصيكم وفقكم الله العناية بالآتي في كتابة الرّسائل.
- الإشارة إلى المصادر والمراجع، ليتبين قول الكاتب من قول صاحب المصدر، فهذا العنصر لا يمكن إغفاله لأنّ الأمانة العلميّة ركيزة أساسّية لطالب العلم.
- تجنّب الاعتماد على نسخ أقوال المفسّرين دون إعادة صياغتها، فهذا الجانب يضعف من قيمة الرّسالة؛ إذ أن القارئ حينها لا يشعر بأسلوب الكاتب وإنما يقرأ نصوص مقتبسة من كلام أهل العلم .
- عند ذكر النّظائر من الآيات أشيروا وفقكم الله إلى اسم السورة لكل آية.
- ينبغي أن يظهر أسلوب الكاتب في الرّسالة فلا تكون عبارة عن جمع للمعلومات من المصادر.
- يجب العناية أكثر بالمصادر الأصيلة التي تعتني بأقوال الصّحابة والتّابعين والتي من خلالها يكون التحقق من صحة نسبة الأقوال كتفسير عبد الرزاق و ابن أبي حاتم وتفسير الطبري .
كما نعتني بالتفاسير التي اعتنت بترجيح الأقوال كتفسير ابن جرير وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي.



تقييم التطبيقات :

1: محمد حجار.أ+
أحسنت في رسالتك سددك الله ونفع بك.

2: جوري المؤذن.ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
وإليك بعض التوجيهات:
- انتبهي لعنصر الترتيب الموضوعي في الرّسالة، فبما أنّكِ لم تحددي مسألة معينة للحديث عنها في الآية، فينبغي أن تبدئي بسبب النزول.
- يحسن الإشارة إلى المصدر اللغوي المستخرج منه معاني الألفاظ في اللغة.
- في مسألة الأقوال في معنى الآية، كان يحسن عنونة المسألة بــ المراد بقوله تعالى: ( فزادوهم رهقا) وبيان مرجع الضمير بصورة أوضح.
- تنوع المصادر في الرّسالة يغنيها، فيحسن التوسّع في البحث والرّجوع إلى تفاسير متعدّدة، كالطّبري وابن عاشور وغيرهم..


3: شريفة المطيري.أ
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
وإليك بعض التوجيهات:
- يحسن الإشارة إلى المصدر اللغوي المستخرج منه معاني الألفاظ في اللغة.
- عند نسبة الأقوال نبدأ بقائله من الصّحابة والتابعين ثم نذكر من ذكره من المفسّرين في تفسيره، وانظري كيف ذكر ابن كثير اختيار ابن جرير للرأي الأول ووافقه عليه، فينبغي ذكر ذلك في الترجيح بين الأقوال.
- تنوع المصادر يغني الرّسالة، فاحرصي على ذلك وفقكِ الله.

4: عزيزة أحمد.أ
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
وإليك بعض التوجيهات:

- يحسن الإشارة إلى المصدر اللغوي المستخرج منه معاني الألفاظ في اللغة.
- يحسن بدلا أن ننسخ قول كل مفسّر في القول الواحد، أن نقول وذكره ابن كثير واختاره السعدي والأشقر في تفسيرهم، أو نحو ذلك..
فالإكثار من النقول يُضعف الرسالة.



سددكم الله ونفع بكم.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 جمادى الأولى 1443هـ/12-12-2021م, 02:53 PM
دانة عادل دانة عادل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 173
افتراضي

رسالة علمية في قوله تعالى ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله ﷺ .
أما بعد:

فإن معرفة معاني الآيات والعلم بها وتدبرها من أعظم المقاصد القرآنية التي حثّ عليها الشارع، فقال تعالى:
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾ [النساء: 82]
وينبغي لطالب العلم أن يدرس معانيه ويتدبرها ليحقق الفلاح في دنياه وآخرته.

ومن الآيات التي احتوت على مسائل علمية قوله تعالى: ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]
ونذكر أبرز ما مرّ معنا من مسائلها:

المسألة الأولى: اختلاف القراءات في قوله (لتركبن)
اختلفت أقوال القرّاء في قوله (لتركبن) على قولين:

1- القول الأول: القراءة بفتح التاء والباء (لتَركبَن)، قرأ بها عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس والقرّاء المكييّن والكوفييّن.

واختلف القائلون بهذا القول في المراد بالمعنى على عدة أقوال:
القول الأول:
لتَركبَّن يا محمد حالاً بعد حال وأمرًا بعد أمر، ومنزلاً بعد منزل، قال به ابن عباس وذكر مجاهد عنه بأنه كان يقرأ: (لتَركبَن طبقًا عن طبق) يعني نبيكم ﷺ حالًا بعد حال.
وفي رواية أخرى عنه قال: منزلًا بعد منزل.

القول الثاني:
لتَركبَن يا محمد سماءً بعد سماء، وذكر ابن كثير بأنهم يعنون به ليلة الإسراء، قال به ابن عباس في رواية والحسن وأبو العالية ومسروق وغيرهم، ذكره الطبري.

القول الثالث:
لتَركبَن الآخرة بعد الأولى، قال به ابن زيد ذكره الطبري.

القول الرابع:
المراد به تغيّر السماء وأحوالها، فمرة تتشقق كالغمام، ومرة تكون وردة كالدهان، وغيرها من أحوال السماء، ورد عن ابن مسعود وقال: هي السماء تغبرّ وتحمرّ وتَشَقَّق.
وقال في رواية أخرى عنه: ﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ السماء حالا بعد حال، ومنزلة بعد منزلة.

القول الخامس:
أنها وعدٌ بالنصر، فيكون المراد: لتَركبَن يا محمد أمر العرب قبيلًا بعد قبيل وفتحًا بعد فتح كما حدث بعد ذلك، ذكره ابن عطية في محررّه بصيغة التضعيف.

هذه المعاني الواردة في معنى قوله تعالى ﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ بقراءة فتح التاء والباء وهي ما رجحه الإمام الطبري واختار معنى الآية ما ورد في القول الأول: لتركبَن يا محمد حالًا بعد حال ومنزلًا بعد منزل.

2- القول الثاني: القراءة بضم الباء ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾، قرأ به المدنييّن وبعض الكوفييّن.

واختلفوا في المعنى المراد على عدة أقوال:

القول الأول:
لتركبُّن أيها الناس أحوال الشدة حالًا بعد حال، فالموت والبعث والحساب حالًا بعد حال، ذكره الطبري.

القول الثاني:
لتركبن حالًا بعد حال من النطفة إلى الهرم، قال به عكرمة ذكره ابن كثير في تفسيره وابن عطية في محررّه.

القول الثالث:
لتركبُن سنن من كان قبلكم مأخوذًا من حديث النبي ﷺ: " لتركبُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم شِبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ..." فيكون من باب تفسير القرآن بالسنة، قاله أبو عبيدة والسدي وذكره ابن كثير في تفسيره وابن عطية في محررّه.

القول الرابع:
من كان على صلاح دعاه إلى صلاح آخر، ومن كان على فساد دعاه إلى فسادٍ فوقه؛ لأن كل شيء يجرّ إلى شكله، ذكره ابو عاشور في تفسيره.

المسألة الثانية: توجه الخطاب في قوله تعالى: ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾، ورد الاختلاف على قولين:

القول الأول: الخطاب خاص بالنبي محمد ﷺ على قراءة: ﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ .

القول الثاني: عام للناس كلها، على قراءة: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ .

واختار الإمام الطبري بأن الخطاب للنبي محمد ﷺ لكن أمته تدخل تبعًا له بأنهم يلقون من أهوال يوم القيامة وشدائده أحوالًا.

المسألة الثالثة:
مناسبة الآية بما قبلها:
الشفق والليل والقمر في الآيات السابقة، يعتريها من الأحوال ما يحدث فيها تغييرًا وتبديلًا من حيث النور والظلمة، والظهور والخفاء وغيرها من الأمور، فناسب بعدها ذكر قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ لما يحدث للناس من تغير الأحوال من الدنيا والموت إلى الآخرة والبعث، أو تبدل أحوال الخير بالشر والشر بالخير، أو انتظار تغير الأحوال إلى ما يرضونه ويرغبونه، فلما كان فيما قبلها تبديل في الأحوال الكونيّة ناسب ذكر ما فيه تغيير أحوال العباد وتبدلها، ذكره ابن عاشور في تفسيره.


المسألة الرابعة:
معنى "عن" في قوله تعالى ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾:

وردت عن بمعنى "بعد" كما يقال: ورث المجد كابرًا عن كابر.
ذكره ابن الجوزي وابن عطية وابن عاشور.

والحمدلله رب العالمين..

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 جمادى الأولى 1443هـ/14-12-2021م, 02:49 PM
أفراح قلندة أفراح قلندة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 141
افتراضي

فسير قوله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) )
•مسائل علوم الآية:
القراءات :
-وطئا: فيها قراءتان :
1. قرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة {أشد وطئا} بفتح الواو وسكون الطاء.
2. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام: (وطاء) بكسر الواو ومد الألف على أنه مصدر من قول القائل: واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء.
- قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب»(1)
- وقال الرازي: فيه وجهان الأول: قال الفراء: أشد ثبات قدم، لأن النهار يضطرب فيه الناس ويتقلبون فيه للمعاش، والثاني: أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار، وهو من قولك: اشتدت على القوم وطأة سلطانهم إذا ثقل عليهم معاملتهم معه، وفي الحديث: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» فأعلم الله نبيه أن الثواب في قيام الليل على قدر شدة الوطأة وثقلها، ونظيره ، قوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل العبادات أحمزها» أي أشقها. واختار أبو عبيدة القراءة الأولى، قال: لأنه تعالى لما أمره بقيام الليل ذكر هذه الآية، فكأنه قال: إنما أمرتك بصلاة الليل لأن موافقة القلب واللسان فيه أكمل، وأيضا الخواطر الليلية إلى المكاشفات الروحانية أتم.(2)

- أقوم قيلا قرأت وأصوب قيلا:
قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا الأعمش، أنّ أنس بن مالكٍ قرأ هذه الآية: "إن ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئًا وأصوب قيلًا" فقال له رجلٌ: إنّما نقرؤها {وأقوم قيلا} فقال له: إنّ أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحدٌ.(3)

•المعنى اللغوي:
- ناشئة:
نَشَأَتْ تَنْشَأُ نَشْأً فَهِيَ نَاشِئَةٌ، وَالْإِنْشَاءُ الْإِحْدَاثُ، فَكُلُّ مَا حَدَثَ [فَهُوَ نَاشِئٌ] فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلذَّكَرِ نَاشِئٌ وَلِلْمُؤَنَّثِ نَاشِئَةٌ(4)
- وطئا:
أي مواطأة وملاءمة وموافقة، وهي مصدر يقال: واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطأة ومنه ليواطؤا عدة ما حرم الله [التوبة: 37] أي ليوافقوا (5)
- أقوم:
بمعنى أفضل وأنفع (6)

•مسائل تفسيرية:
- مناسبة الآية لما قبلها:
جاءت الآية تبّين الحِكْمَةَ في أَمْرِ سبحانه بقيامِ الليلِ (7) ذكره السعدي.
- المراد بـ( ناشئة الليل)
فيه أقولان:
القول الأول: أنها عبارة عن الأمور التي تحدث في ساعات الليل(8)
فقيل قيام الليل وهو رواية عن ابن عبّاسٍ: نشأ: قام بالحبشة. ذكره ابن كثير(9) ، يُقالُ لقيامِ الليلِ: ناشئةٌ. إذا كانَ بعدَ نَومٍ، فإذا نِمْتَ مِن أوَّلِ الليلِ ثم قُمتَ فتلكَ الْمَنْشَأَةُ والنشأةُ. قال به الأشقر(10) وكذلك ذكره به السعدي(11) .
القول الثاني: أنها عبارة عن ساعات الليل(12)
فقيل اللّيل كلّه ناشئةٌ وهو قول عمر، وابن عبّاسٍ، وابن الزّبير. وكذا قال مجاهد، وغير واحد، ذكرهم ابن كثير(13) ، وقيل بعد العشاء وهي روايةٍ عن مجاهدٍ وكذا قال أبو مجلز، وقتادة، وسالمٌ وأبو حازمٍ، ومحمّد بن المنكدر. ذكرهم ابن كثير(14)
ورجح ابن كثير القول الثاني إذ قال : والغرض أنّ ناشئة اللّيل هي: ساعاته وأوقاته، وكلّ ساعةٍ منه تسمّى ناشئةً، وهي الآنّات(15) .
- المقصود ب(أشد وطئا)
فيه قولين:
القول الأول: أنّ قيام اللّيل هو أشدّ مواطأةً بين القلب واللّسان، وأقرب إلى تحصيل مقصود القرآن. ذكره ابن كثير والسعدي.
القول الثاني: أثْقَلُ على المصلِّي مِن صلاةِ النهارِ؛ لأنَّ الليلَ للنومِ (16) قال به الأشقر
- المقصود ب(وأقوم قيلا)
قال ابن عباس: أحسن لفظا، قال ابن قتيبة: لأن الليل تهدأ فيه الأصوات وتنقطع فيه الحركات ويخلص القول، ولا يكون دون تسمعه وتفهمه حائل وأجمع على التّلاوة؛ وأجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهّمها من قيام النّهار ولهذا قال: {إنّ لك في النّهار سبحًا طويلا} قال به ابن كثير (17) وكذلك ذكره السعدي(18) والرازي(19) .

•المعنى الإجمالي:
والمعنى: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة. فإن العبادة الناشئة بالليل. هي أشد مواطأة وموافقة لإصلاح القلب، وتهذيب النفس، وأقوم قولا، وأنفع وقعا، وأفضل قراءة من عبادة النهار، لأن العبادة الناشئة بالليل يصحبها ما يصحبها من الخشوع والإخلاص، لهدوء الأصوات بالليل، وتفرغ العابد تفرغا تاما لعبادة ربه(20)

-------------------
المراجع:
1. الطبري، محمد بن جرير بن يزيد ، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م (23/ 369)
2. فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن ، مفاتيح الغيب ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ (30/ 685):
3. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، المحقق: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت، الطبعة: الأولى - ١٤١٩ هـ (8/ 263)
4. تفسير الرازي (30/ 684)
5. المرجع السابق (30\685)
6. الطنطاوي، محمد سيد، التفسير الوسيط لطنطاوي، الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، الطبعة: الأولى (15/ 157):
7. السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله ، تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق ، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى ١٤٢٠هـ -٢٠٠٠ م ، (ص892)
8. تفسير الرازي (30/ 684)
9. تفسير ابن كثير (8/ 263)
10. الأشقر، الدكتور محمد سليمان عبد الله، زبدة التفسير - بهامش مصحف المدينة المنورة، 2007م ، ص574
11. تفسير السعدي (ص892)
12. تفسير الرازي (30/ 684)
13. تفسير ابن كثير (8/ 263)
14. المرجع السابق نفسه
15. المرجع السابق نفسه.
16. تفسير الاشقر (ص574)
17. تفسير ابن كثير (8/ 263)
18. تفسير السعدي (ص892)
19. تفسير الرازي (30/ 684)
20. التفسير الوسيط لطنطاوي (15/ 157):

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 جمادى الأولى 1443هـ/14-12-2021م, 09:44 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دانة عادل مشاهدة المشاركة
رسالة علمية في قوله تعالى ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله ﷺ .
أما بعد:

فإن معرفة معاني الآيات والعلم بها وتدبرها من أعظم المقاصد القرآنية التي حثّ عليها الشارع، فقال تعالى:
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾ [النساء: 82]
وينبغي لطالب العلم أن يدرس معانيه ويتدبرها ليحقق الفلاح في دنياه وآخرته.

ومن الآيات التي احتوت على مسائل علمية قوله تعالى: ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]
ونذكر أبرز ما مرّ معنا من مسائلها:

المسألة الأولى: اختلاف القراءات في قوله (لتركبن)
اختلفت أقوال القرّاء في قوله (لتركبن) على قولين:

1- القول الأول: القراءة بفتح التاء والباء (لتَركبَن)، قرأ بها عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس والقرّاء المكييّن والكوفييّن.

واختلف القائلون بهذا القول في المراد بالمعنى على عدة أقوال:
القول الأول:
لتَركبَّن يا محمد حالاً بعد حال وأمرًا بعد أمر، ومنزلاً بعد منزل، قال به ابن عباس وذكر مجاهد عنه بأنه كان يقرأ: (لتَركبَن طبقًا عن طبق) يعني نبيكم ﷺ حالًا بعد حال.
وفي رواية أخرى عنه قال: منزلًا بعد منزل.

القول الثاني:
لتَركبَن يا محمد سماءً بعد سماء، وذكر ابن كثير بأنهم يعنون به ليلة الإسراء، قال به ابن عباس في رواية والحسن وأبو العالية ومسروق وغيرهم، ذكره الطبري.

القول الثالث:
لتَركبَن الآخرة بعد الأولى، قال به ابن زيد ذكره الطبري.

القول الرابع:
المراد به تغيّر السماء وأحوالها، فمرة تتشقق كالغمام، ومرة تكون وردة كالدهان، وغيرها من أحوال السماء، ورد عن ابن مسعود وقال: هي السماء تغبرّ وتحمرّ وتَشَقَّق.
وقال في رواية أخرى عنه: ﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ السماء حالا بعد حال، ومنزلة بعد منزلة.

القول الخامس:
أنها وعدٌ بالنصر، فيكون المراد: لتَركبَن يا محمد أمر العرب قبيلًا بعد قبيل وفتحًا بعد فتح كما حدث بعد ذلك، ذكره ابن عطية في محررّه بصيغة التضعيف.

هذه المعاني الواردة في معنى قوله تعالى ﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ بقراءة فتح التاء والباء وهي ما رجحه الإمام الطبري واختار معنى الآية ما ورد في القول الأول: لتركبَن يا محمد حالًا بعد حال ومنزلًا بعد منزل.

2- القول الثاني: القراءة بضم الباء ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾، قرأ به المدنييّن وبعض الكوفييّن.

واختلفوا في المعنى المراد على عدة أقوال:

القول الأول:
لتركبُّن أيها الناس أحوال الشدة حالًا بعد حال، فالموت والبعث والحساب حالًا بعد حال، ذكره الطبري.

القول الثاني:
لتركبن حالًا بعد حال من النطفة إلى الهرم، قال به عكرمة ذكره ابن كثير في تفسيره وابن عطية في محررّه.

القول الثالث:
لتركبُن سنن من كان قبلكم مأخوذًا من حديث النبي ﷺ: " لتركبُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم شِبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ..." فيكون من باب تفسير القرآن بالسنة، قاله أبو عبيدة والسدي وذكره ابن كثير في تفسيره وابن عطية في محررّه.

القول الرابع:
من كان على صلاح دعاه إلى صلاح آخر، ومن كان على فساد دعاه إلى فسادٍ فوقه؛ لأن كل شيء يجرّ إلى شكله، ذكره ابو عاشور في تفسيره.

المسألة الثانية: توجه الخطاب في قوله تعالى: ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾، ورد الاختلاف على قولين:

القول الأول: الخطاب خاص بالنبي محمد ﷺ على قراءة: ﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ .

القول الثاني: عام للناس كلها، على قراءة: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ .

واختار الإمام الطبري بأن الخطاب للنبي محمد ﷺ لكن أمته تدخل تبعًا له بأنهم يلقون من أهوال يوم القيامة وشدائده أحوالًا.

المسألة الثالثة:
مناسبة الآية بما قبلها:
الشفق والليل والقمر في الآيات السابقة، يعتريها من الأحوال ما يحدث فيها تغييرًا وتبديلًا من حيث النور والظلمة، والظهور والخفاء وغيرها من الأمور، فناسب بعدها ذكر قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ لما يحدث للناس من تغير الأحوال من الدنيا والموت إلى الآخرة والبعث، أو تبدل أحوال الخير بالشر والشر بالخير، أو انتظار تغير الأحوال إلى ما يرضونه ويرغبونه، فلما كان فيما قبلها تبديل في الأحوال الكونيّة ناسب ذكر ما فيه تغيير أحوال العباد وتبدلها، ذكره ابن عاشور في تفسيره.


المسألة الرابعة:
معنى "عن" في قوله تعالى ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾:

وردت عن بمعنى "بعد" كما يقال: ورث المجد كابرًا عن كابر.
ذكره ابن الجوزي وابن عطية وابن عاشور.

والحمدلله رب العالمين..
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
- يحسن بكِ تقديم مسألة مناسبة الآية لما قبلها.
- لا يفوتك وفقكِ الله ظهور أسلوبك في صياغة المعلومات، لئلا تكون الرسالة مجرد نقول.

- أوصيك في التطبيقات الاحقة الاستفادة من موقع جمهرة العلوم (قسم التفسير) ففيه مزيدا من الفائدة تثري رسائلك.
https://jamharah.net/forumdisplay.php?f=578


الدرجة:ب+


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 جمادى الأولى 1443هـ/14-12-2021م, 10:41 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أفراح قلندة مشاهدة المشاركة
فسير قوله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) )
•مسائل علوم الآية:
القراءات :
-وطئا: فيها قراءتان :
1. قرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة {أشد وطئا} بفتح الواو وسكون الطاء.
2. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام: (وطاء) بكسر الواو ومد الألف على أنه مصدر من قول القائل: واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء.
- قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب»(1)
- وقال الرازي: فيه وجهان الأول: قال الفراء: أشد ثبات قدم، لأن النهار يضطرب فيه الناس ويتقلبون فيه للمعاش، والثاني: أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار، وهو من قولك: اشتدت على القوم وطأة سلطانهم إذا ثقل عليهم معاملتهم معه، وفي الحديث: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» فأعلم الله نبيه أن الثواب في قيام الليل على قدر شدة الوطأة وثقلها، ونظيره ، قوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل العبادات أحمزها» أي أشقها. واختار أبو عبيدة القراءة الأولى، قال: لأنه تعالى لما أمره بقيام الليل ذكر هذه الآية، فكأنه قال: إنما أمرتك بصلاة الليل لأن موافقة القلب واللسان فيه أكمل، وأيضا الخواطر الليلية إلى المكاشفات الروحانية أتم.(2)

- أقوم قيلا قرأت وأصوب قيلا:
قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا الأعمش، أنّ أنس بن مالكٍ قرأ هذه الآية: "إن ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئًا وأصوب قيلًا" فقال له رجلٌ: إنّما نقرؤها {وأقوم قيلا} فقال له: إنّ أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحدٌ.(3)

•المعنى اللغوي:
- ناشئة:
نَشَأَتْ تَنْشَأُ نَشْأً فَهِيَ نَاشِئَةٌ، وَالْإِنْشَاءُ الْإِحْدَاثُ، فَكُلُّ مَا حَدَثَ [فَهُوَ نَاشِئٌ] فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلذَّكَرِ نَاشِئٌ وَلِلْمُؤَنَّثِ نَاشِئَةٌ(4)
- وطئا:
أي مواطأة وملاءمة وموافقة، وهي مصدر يقال: واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطأة ومنه ليواطؤا عدة ما حرم الله [التوبة: 37] أي ليوافقوا (5)
- أقوم:
بمعنى أفضل وأنفع (6)

•مسائل تفسيرية:
- مناسبة الآية لما قبلها:
جاءت الآية تبّين الحِكْمَةَ في أَمْرِ سبحانه بقيامِ الليلِ (7) ذكره السعدي.
- المراد بـ( ناشئة الليل)
فيه أقولان:
القول الأول: أنها عبارة عن الأمور التي تحدث في ساعات الليل(8)
فقيل قيام الليل وهو رواية عن ابن عبّاسٍ: نشأ: قام بالحبشة. ذكره ابن كثير(9) ، يُقالُ لقيامِ الليلِ: ناشئةٌ. إذا كانَ بعدَ نَومٍ، فإذا نِمْتَ مِن أوَّلِ الليلِ ثم قُمتَ فتلكَ الْمَنْشَأَةُ والنشأةُ. قال به الأشقر(10) وكذلك ذكره به السعدي(11) .
القول الثاني: أنها عبارة عن ساعات الليل(12)
فقيل اللّيل كلّه ناشئةٌ وهو قول عمر، وابن عبّاسٍ، وابن الزّبير. وكذا قال مجاهد، وغير واحد، ذكرهم ابن كثير(13) ، وقيل بعد العشاء وهي روايةٍ عن مجاهدٍ وكذا قال أبو مجلز، وقتادة، وسالمٌ وأبو حازمٍ، ومحمّد بن المنكدر. ذكرهم ابن كثير(14)
ورجح ابن كثير القول الثاني إذ قال : والغرض أنّ ناشئة اللّيل هي: ساعاته وأوقاته، وكلّ ساعةٍ منه تسمّى ناشئةً، وهي الآنّات(15) .
- المقصود ب(أشد وطئا)
فيه قولين:
القول الأول: أنّ قيام اللّيل هو أشدّ مواطأةً بين القلب واللّسان، وأقرب إلى تحصيل مقصود القرآن. ذكره ابن كثير والسعدي.
القول الثاني: أثْقَلُ على المصلِّي مِن صلاةِ النهارِ؛ لأنَّ الليلَ للنومِ (16) قال به الأشقر
- المقصود ب(وأقوم قيلا)
قال ابن عباس: أحسن لفظا، قال ابن قتيبة: لأن الليل تهدأ فيه الأصوات وتنقطع فيه الحركات ويخلص القول، ولا يكون دون تسمعه وتفهمه حائل وأجمع على التّلاوة؛ وأجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهّمها من قيام النّهار ولهذا قال: {إنّ لك في النّهار سبحًا طويلا} قال به ابن كثير (17) وكذلك ذكره السعدي(18) والرازي(19) .

•المعنى الإجمالي:
والمعنى: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة. فإن العبادة الناشئة بالليل. هي أشد مواطأة وموافقة لإصلاح القلب، وتهذيب النفس، وأقوم قولا، وأنفع وقعا، وأفضل قراءة من عبادة النهار، لأن العبادة الناشئة بالليل يصحبها ما يصحبها من الخشوع والإخلاص، لهدوء الأصوات بالليل، وتفرغ العابد تفرغا تاما لعبادة ربه(20)

-------------------
المراجع:
1. الطبري، محمد بن جرير بن يزيد ، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م (23/ 369)
2. فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن ، مفاتيح الغيب ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ (30/ 685):
3. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، المحقق: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت، الطبعة: الأولى - ١٤١٩ هـ (8/ 263)
4. تفسير الرازي (30/ 684)
5. المرجع السابق (30\685)
6. الطنطاوي، محمد سيد، التفسير الوسيط لطنطاوي، الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، الطبعة: الأولى (15/ 157):
7. السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله ، تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق ، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى ١٤٢٠هـ -٢٠٠٠ م ، (ص892)
8. تفسير الرازي (30/ 684)
9. تفسير ابن كثير (8/ 263)
10. الأشقر، الدكتور محمد سليمان عبد الله، زبدة التفسير - بهامش مصحف المدينة المنورة، 2007م ، ص574
11. تفسير السعدي (ص892)
12. تفسير الرازي (30/ 684)
13. تفسير ابن كثير (8/ 263)
14. المرجع السابق نفسه
15. المرجع السابق نفسه.
16. تفسير الاشقر (ص574)
17. تفسير ابن كثير (8/ 263)
18. تفسير السعدي (ص892)
19. تفسير الرازي (30/ 684)
20. التفسير الوسيط لطنطاوي (15/ 157):
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
رسالتك قيمّة بالمعلومات لتنوع المصادر وقد أجدت في عرضها، ووددت أن يكون أسلوبك أظهر وخاصة في المعنى الإجمالي، ففيه تظهر شخصية الكاتب وقدرته على صياغة المعنى بعد الاطلاع على عدد من المراجع.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 28 جمادى الأولى 1443هـ/1-01-2022م, 08:19 PM
عبير الغامدي عبير الغامدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 423
افتراضي

تفسير قوله تعالى :ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا) . سورة الانسان
إطعام الطعام من أجل القربات وهو صدقة خالصة لايراد بها جزاء ولاشكرا فهي إحساس بالمحتاج ورحمة له ومودة وقربة عظيمة ؛وخصها الله تعالى بالذكر لعظمها وفضلها فالنفس تحب الطعام وتخرجه لتقديم حب الله على النفس ؛ وقد ورد في معنى الضمير على حبه: أنه عائد على الله تعالى لأن السياق يدل عليه؛ والراجح : أنه يعود على الطعام- كما ذكر مجاهد ومقاتل وابن جرير- لأنهم يطعمونه على محبتهم له؛ كقوله تعالى:( وآتى المال على حبه). وفي الحديث الصحيح:(أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) ؛ والمسكين واليتيم معروف ، والأسير فيه معاني: أنه من أهل القبلة . ذكره سعيد بن جبير والحسن والضحاك؛ أو أنه من المشركين. ذكره ابن عباس. او من العبيد . كما قال عكرمة وابن جرير.
أوالمحبوس. ذكره مجاهد.
وقال الأشقر: يطعمون الطعام على قلته وشهوتهم له؛ أوعلى حب الله تعالى.
وقال الصنعاني رحمه الله: الأسير : هو المسجون.


إن العطاء- أياكان نوعه- إذا كان خالصا لله تعالى دون طلب لمقابل او شكر يكون نفعه واضحا وآثاره حميدة على المعطي والمعطى لأنه يبتغي بذلك وجه ربه ؛ لايريد دنيا ولا ثناء ؛ وهذا أدب علمنا الله إياه كمافي هذه الآية في إطعام الطعام ؛ وهو ثقيل على النفس لكنه يهذبها ويربيها ويصلح عباداتها ؛ فمن تعود ذلك في أعماله كان الاخلاص في عبادته أيسر، لأن ذلك أصبح من طبيعته ،
ومعنى الآية كماذكر ابن كثير رحمه الله: إنما نطعمكم لابتغاء مرضاة الله وثوابه؛ لانطلب منكم مجازاة ولاشكر.
قال مجاهد وسعيد بن جبير: أما والله ماقالوه بألسنتهم بل بقلوبهم لأن الله علم ذلك من قلوبهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب.
وهذا الأمر يحتاج من الانسان الصدق والتفاني في العمل دون كلل ،لأنه إنما يعمل لخالقه فمهما وجد من أذى أو تعب فليصبر لأنه أولى ؛فالعاملون لهذا لايطلبون جزاء ولامكافأة بل رضا ربهم خير لهم.

قال الامام السيوطي رحمه الله:( يطعمون الطعام وهم يشتهونه) والأسير: المسجون.
وعن الحسن قال: كان الأسارى مشركين يوم نزلت هذه الآية {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}).
وذكر السيوطي رحمه الله عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} الآية قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وذكر الطبري في قوله: {ولا شكورًا} وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون جمع الشّكر كما الفلوس جمع فلسٍ، والكفور جمع كفرٍ. والآخر: أن يكون مصدرًا واحدًا في معنى جمعٍ، كما يقال: قعد قعودًا، وخرج خروجًا.
والمعنى : ان الانسان إذا أطعم الطعام فإنه لاينتظر من ذلك شكرا ولا ردا لمعروف ؛ بل فعله ابتغاء وجه الله فهو خالص له وحده.
ولهذا ينبغي أن يتذكر المسلم في جميع عباداته ومعاملاته ان تكون خالصة لله وحده لاينتظر الشكر عليها أو الثناءفهو يربي نفسه ويطهر قلبه بذلك ، لأن نفسه وقلبه ملك لله ليست ملكا له فمآله ومرجعه له سبحانه قال تعالى:( إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير).
رزقنا الله الاخلاص في القول والعمل وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المرجع:
#موقع جمهرة العلوم قسم التفسير.
#تفسير الطبري.
#تفسير السيوطي.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 جمادى الآخرة 1443هـ/9-01-2022م, 10:32 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبير الغامدي مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى :ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا) . سورة الانسان
إطعام الطعام من أجل القربات وهو صدقة خالصة لايراد بها جزاء ولاشكرا فهي إحساس بالمحتاج ورحمة له ومودة وقربة عظيمة ؛وخصها الله تعالى بالذكر لعظمها وفضلها فالنفس تحب الطعام وتخرجه لتقديم حب الله على النفس ؛ وقد ورد في معنى الضمير على حبه: أنه عائد على الله تعالى لأن السياق يدل عليه؛ والراجح : أنه يعود على الطعام- كما ذكر مجاهد ومقاتل وابن جرير- لأنهم يطعمونه على محبتهم له؛ كقوله تعالى:( وآتى المال على حبه). وفي الحديث الصحيح:(أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) ؛ والمسكين واليتيم معروف ، والأسير فيه معاني: أنه من أهل القبلة . ذكره سعيد بن جبير والحسن والضحاك؛ أو أنه من المشركين. ذكره ابن عباس. او من العبيد . كما قال عكرمة وابن جرير.
أوالمحبوس. ذكره مجاهد.
وقال الأشقر: يطعمون الطعام على قلته وشهوتهم له؛ أوعلى حب الله تعالى.
وقال الصنعاني رحمه الله: الأسير : هو المسجون.


إن العطاء- أياكان نوعه- إذا كان خالصا لله تعالى دون طلب لمقابل او شكر يكون نفعه واضحا وآثاره حميدة على المعطي والمعطى لأنه يبتغي بذلك وجه ربه ؛ لايريد دنيا ولا ثناء ؛ وهذا أدب علمنا الله إياه كمافي هذه الآية في إطعام الطعام ؛ وهو ثقيل على النفس لكنه يهذبها ويربيها ويصلح عباداتها ؛ فمن تعود ذلك في أعماله كان الاخلاص في عبادته أيسر، لأن ذلك أصبح من طبيعته ،
ومعنى الآية كماذكر ابن كثير رحمه الله: إنما نطعمكم لابتغاء مرضاة الله وثوابه؛ لانطلب منكم مجازاة ولاشكر.
قال مجاهد وسعيد بن جبير: أما والله ماقالوه بألسنتهم بل بقلوبهم لأن الله علم ذلك من قلوبهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب.
وهذا الأمر يحتاج من الانسان الصدق والتفاني في العمل دون كلل ،لأنه إنما يعمل لخالقه فمهما وجد من أذى أو تعب فليصبر لأنه أولى ؛فالعاملون لهذا لايطلبون جزاء ولامكافأة بل رضا ربهم خير لهم.

قال الامام السيوطي رحمه الله:( يطعمون الطعام وهم يشتهونه) والأسير: المسجون.
وعن الحسن قال: كان الأسارى مشركين يوم نزلت هذه الآية {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}).
وذكر السيوطي رحمه الله عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} الآية قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وذكر الطبري في قوله: {ولا شكورًا} وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون جمع الشّكر كما الفلوس جمع فلسٍ، والكفور جمع كفرٍ. والآخر: أن يكون مصدرًا واحدًا في معنى جمعٍ، كما يقال: قعد قعودًا، وخرج خروجًا.
والمعنى : ان الانسان إذا أطعم الطعام فإنه لاينتظر من ذلك شكرا ولا ردا لمعروف ؛ بل فعله ابتغاء وجه الله فهو خالص له وحده.
ولهذا ينبغي أن يتذكر المسلم في جميع عباداته ومعاملاته ان تكون خالصة لله وحده لاينتظر الشكر عليها أو الثناءفهو يربي نفسه ويطهر قلبه بذلك ، لأن نفسه وقلبه ملك لله ليست ملكا له فمآله ومرجعه له سبحانه قال تعالى:( إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير).
رزقنا الله الاخلاص في القول والعمل وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المرجع:
#موقع جمهرة العلوم قسم التفسير.
#تفسير الطبري.
#تفسير السيوطي.
أحسنتِ سددكِ الله وبارك فيكِ، وإليك بعض الملحوظات على تطبيقك:-
- مما يمّيز أسلوب التقرير العلمي عن غيره من الأساليب أنّه يعتني بتحرير الأقوال ونسبتها، وقد اختصرتِ هذه الخطوة في أول مسألة تطرقتِ إليها وهي مرجع هاء الضمير في قوله تعالى:(على حبه)، فكان يجب أن تذكري الأقوال ابتداء وتتحقين من نسبتها وتذكرين من اختار هذا القول من المفسرين ثمّ تذكرين الراجح في المسألة.
- مسألة أسباب النزول من مسائل علوم الآية التي يحسن الابتداء بها.


الدرجة:ب+

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10 جمادى الآخرة 1443هـ/13-01-2022م, 11:07 PM
هند محمد المصرية هند محمد المصرية غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 203
افتراضي

التفسير :
هذه الآية المباركة قرأت كما ورد في الموسوعة القرآنية لابراهيم الأبياري :-
ألهاكم:
1- على الخبر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالمد، على الاستفهام، وهى قراءة ابن عباس، وعائشة، ومعاوية، وأبى عمران الجونى، وأبى صالح، ومالك بن دينار، وأبى الجوزاء.
3- بهمزتين، وهى قراءة الشعبي، وأبى العالية، وابن أبى عبلة، والكسائي، فى رواية.
وتعد هذه الآية في سورة التكاثر من الآيات التي لها سبب نزول، فقد ورد في سبب نزولها قولان:
القول الأول:
عن قال مقاتل والكلبي أنها نزلت في حيين من قريش كان بينهما لحاء، فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر.فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيدا و أعز عزيزا وأكثر نفرا
وقال بنو سهم مثل ذلك، فكثرهم بنو عبد مناف وقالوا نعد موتانا وموتاكم، فذهبوا إلى القبور ليعدوا موتاهم فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر في الجاهلية.
القول الثاني:
وقال قتادة : أنها نزلت في اليهود كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان وبني فلان أكثر من بني فلان حتى ماتوا ضلالا.
وقد أجمع جمهور المفسرين على السبب الأول، كابن جرير والبغوي وابن كثير وغيرهم وجاء أيضا في أسباب النزول للواحدي.
وافتتحت السورة بالفعل الماضي (أَلْهاكُمُ) ماض ومفعوله ﴿التَّكاثُرُ﴾ فاعل والجملة ابتدائية لا محل لها.
والمراد بقوله تعالى ( ألهاكم ) كما جاء في أضواء البيان للشنقيطي: أيْ: شَغَلَكم، ولَهاهُ: تُلْهِيهِ، أيْ عَلَّلَهُ.
وَمِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
فَمِثْلُكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٌ فَألْهَيْتُها عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوَلِ
و قال الزجاج:( ألهاكم) بمعنى شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد عن طاعة الله
وقال ابن قتيبة شغلكم التكاثر بالعدد والقربات
وقال الفراء شغلكم التكاثر حتى ذكرتم الأموات.
والأية فيها عتاب من الله لعباده كما ذكر ابن جرير في تفسيره ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم، وعما ينجيكم من سخطه عليكم.
ولاشك أن هذا التكاثر المذموم بسبب حب الدنيا والاغترار بها والانشغال بها عن أمور الأخرة.

والتَّكاثُرُالمقصود هنا بمعنى المُكاثَرَةُ. ولَمْ يَذْكُرْ هُنا في أيِّ شَيْءٍ كانَتِ المُكاثَرَةُ الَّتِي ألْهَتْهم لإرادة العموم، فحذف المعمول للدلالة على العموم فيكون المقصود ، أي شئ قد ألهاهم التكاثر فيه.
وقال ابن القيم في حذف المعمول وتركه دون أن يذكر : قالَ ابْنُ القَيِّمِ: تَرَكَ ذِكْرَهُ، إمّا لِأنَّ المَذْمُومَ هو نَفْسُ التَّكاثُرِ بِالشَّيْءِ لا المُتَكاثَرُ بِهِ، وإمّا إرادَةَ الإطْلاقِ.
وقد أورد البقاعي هنا كلام في غاية النفاسة عن علاقة هذه الآية بالسورة السابقة لها وهي سورة القارعة ، فقال رحمه الله :
لَمّا أثْبَتَ في القارِعَةِ أمْرَ السّاعَةِ، وقَسَّمَ النّاسَ فِيها إلى شَقِيٍّ وسَعِيدٍ، وخَتَمَ بِالشَّقِيِّ، افْتَتَحَ هَذِهِ بِعِلَّةِ الشَّقاوَةِ ومَبْدَأِ الحَشْرِ لِيَنْزَجِرَ السّامِعُ عَنْ هَذا السَّبَبِ لِيَكُونَ مِنَ القِسْمِ الأوَّلِ، فَقالَ ما حاصِلُهُ: انْقَسَمْتُمْ فَكانَ قِسْمٌ مِنكم هالِكًا لِأنَّهُ ﴿ألْهاكُمُ﴾ أيْ أغْفَلَكم إلّا النّادِرَ مِنكم غَفْلَةً عَظِيمَةً عَنِ المَوْتِ الَّذِي هو وحْدَهُ كافٍ في البَعْثِ عَلى الزُّهْدِ فَكَيْفَ بِما بَعْدَهُ﴿التَّكاثُرُ﴾ وهو المُباهاةُ والمُفاخَرَةُ بِكَثْرَةِ الأعْراضِ الفانِيَةِ مِن مَتاعِ الدُّنْيا: المالِ والجاهِ والبَنِينَ ونَحْوِها مِمّا هو شاغِلٌ عَنِ اللَّهِ، فَكانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِصَرْفِ الهِمَّةِ كُلِّها إلى الجَمْعِ، فَصَرَفَكم ذَلِكَ إلى اللَّهْوِ، فَأغْفَلَكم عَمّا أمامَكم مِنَ الآخِرَةِ والدِّينِ الحَقِّ وعَنْ ذِكْرِ رَبِّكم وعَنْ كُلِّ ما يُنْجِيكم مِن سُخْطِهِ، أوْ عَنِ المُنافَسَةِ في الأعْمالِ المُوصِلَةِ إلى أعْلى الدَّرَجاتِ بِكَثْرَةِ الطّاعاتِ، وذَلِكَ كُلُّهُ لِأنَّكم لا تُسَلِّمُونَ بِما غَلَبَ عَلَيْكم مِنَ الجَهْلِ الَّذِي سَبَبُهُ شَهْوَةُ النَّفْسِ.

فالأية تحمل معنى عظيم في ذم الانشغال بالدنيا والتكاثر والتباهي بما فيها.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 17 جمادى الآخرة 1443هـ/20-01-2022م, 04:14 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هند محمد المصرية مشاهدة المشاركة
التفسير :
هذه الآية المباركة قرأت كما ورد في الموسوعة القرآنية لابراهيم الأبياري :- يحسن أن تذكري الآية ابتداء.
ألهاكم:
1- على الخبر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالمد، على الاستفهام، وهى قراءة ابن عباس، وعائشة، ومعاوية، وأبى عمران الجونى، وأبى صالح، ومالك بن دينار، وأبى الجوزاء.
3- بهمزتين، وهى قراءة الشعبي، وأبى العالية، وابن أبى عبلة، والكسائي، فى رواية.
وتعد هذه الآية في سورة التكاثر من الآيات التي لها سبب نزول، فقد ورد في سبب نزولها قولان:
القول الأول:
عن قال مقاتل والكلبي أنها نزلت في حيين من قريش كان بينهما لحاء، فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر.فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيدا و أعز عزيزا وأكثر نفرا
وقال بنو سهم مثل ذلك، فكثرهم بنو عبد مناف وقالوا نعد موتانا وموتاكم، فذهبوا إلى القبور ليعدوا موتاهم فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر في الجاهلية.
القول الثاني:
وقال قتادة : أنها نزلت في اليهود كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان وبني فلان أكثر من بني فلان حتى ماتوا ضلالا.
وقد أجمع جمهور المفسرين على السبب الأول، كابن جرير والبغوي وابن كثير وغيرهم وجاء أيضا في أسباب النزول للواحدي.
وافتتحت السورة بالفعل الماضي (أَلْهاكُمُ) ماض ومفعوله ﴿التَّكاثُرُ﴾ فاعل والجملة ابتدائية لا محل لها.
والمراد بقوله تعالى ( ألهاكم ) كما جاء في أضواء البيان للشنقيطي: أيْ: شَغَلَكم، ولَهاهُ: تُلْهِيهِ، أيْ عَلَّلَهُ.
وَمِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
فَمِثْلُكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٌ فَألْهَيْتُها عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوَلِ
و قال الزجاج:( ألهاكم) بمعنى شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد عن طاعة الله
وقال ابن قتيبة شغلكم التكاثر بالعدد والقربات
وقال الفراء شغلكم التكاثر حتى ذكرتم الأموات.
والأية فيها عتاب من الله لعباده كما ذكر ابن جرير في تفسيره ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم، وعما ينجيكم من سخطه عليكم.
ولاشك أن هذا التكاثر المذموم بسبب حب الدنيا والاغترار بها والانشغال بها عن أمور الأخرة.

والتَّكاثُرُالمقصود هنا بمعنى المُكاثَرَةُ. ولَمْ يَذْكُرْ هُنا في أيِّ شَيْءٍ كانَتِ المُكاثَرَةُ الَّتِي ألْهَتْهم لإرادة العموم، فحذف المعمول للدلالة على العموم فيكون المقصود ، أي شئ قد ألهاهم التكاثر فيه.
وقال ابن القيم في حذف المعمول وتركه دون أن يذكر : قالَ ابْنُ القَيِّمِ: تَرَكَ ذِكْرَهُ، إمّا لِأنَّ المَذْمُومَ هو نَفْسُ التَّكاثُرِ بِالشَّيْءِ لا المُتَكاثَرُ بِهِ، وإمّا إرادَةَ الإطْلاقِ.
وقد أورد البقاعي هنا كلام في غاية النفاسة عن علاقة هذه الآية بالسورة السابقة لها وهي سورة القارعة ، فقال رحمه الله :
لَمّا أثْبَتَ في القارِعَةِ أمْرَ السّاعَةِ، وقَسَّمَ النّاسَ فِيها إلى شَقِيٍّ وسَعِيدٍ، وخَتَمَ بِالشَّقِيِّ، افْتَتَحَ هَذِهِ بِعِلَّةِ الشَّقاوَةِ ومَبْدَأِ الحَشْرِ لِيَنْزَجِرَ السّامِعُ عَنْ هَذا السَّبَبِ لِيَكُونَ مِنَ القِسْمِ الأوَّلِ، فَقالَ ما حاصِلُهُ: انْقَسَمْتُمْ فَكانَ قِسْمٌ مِنكم هالِكًا لِأنَّهُ ﴿ألْهاكُمُ﴾ أيْ أغْفَلَكم إلّا النّادِرَ مِنكم غَفْلَةً عَظِيمَةً عَنِ المَوْتِ الَّذِي هو وحْدَهُ كافٍ في البَعْثِ عَلى الزُّهْدِ فَكَيْفَ بِما بَعْدَهُ﴿التَّكاثُرُ﴾ وهو المُباهاةُ والمُفاخَرَةُ بِكَثْرَةِ الأعْراضِ الفانِيَةِ مِن مَتاعِ الدُّنْيا: المالِ والجاهِ والبَنِينَ ونَحْوِها مِمّا هو شاغِلٌ عَنِ اللَّهِ، فَكانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِصَرْفِ الهِمَّةِ كُلِّها إلى الجَمْعِ، فَصَرَفَكم ذَلِكَ إلى اللَّهْوِ، فَأغْفَلَكم عَمّا أمامَكم مِنَ الآخِرَةِ والدِّينِ الحَقِّ وعَنْ ذِكْرِ رَبِّكم وعَنْ كُلِّ ما يُنْجِيكم مِن سُخْطِهِ، أوْ عَنِ المُنافَسَةِ في الأعْمالِ المُوصِلَةِ إلى أعْلى الدَّرَجاتِ بِكَثْرَةِ الطّاعاتِ، وذَلِكَ كُلُّهُ لِأنَّكم لا تُسَلِّمُونَ بِما غَلَبَ عَلَيْكم مِنَ الجَهْلِ الَّذِي سَبَبُهُ شَهْوَةُ النَّفْسِ.

فالأية تحمل معنى عظيم في ذم الانشغال بالدنيا والتكاثر والتباهي بما فيها.
أحسنتِ بارك الله فيكِ وإليكِ بعض الملحوظات لتساعدك في مزيدا من التطوير على تطبيق هذا الأسلوب.
- اقتباس كلام أهل العلم مما يستحسن ذكره لكن دون إسراف يغطّي على شخصية الكاتب، فيملّ منه السامع أو القاريء.
- في عرض الأقوال تعلمنا ذكر القول ثم نسبته.
الدرجة:ب

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21 جمادى الآخرة 1443هـ/24-01-2022م, 10:14 PM
هاجر محمد أحمد هاجر محمد أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 199
افتراضي

قال تعالى (يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)
معنى الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه، كدح جلده إذا خدشه ،ومعنى كادح: جاهد الى لقاء ربه وهو الموت وما بعده من الحال .1
"الكَدْح: العمل والسعيُ والكسبُ والخَدْشُ.
والكَدْحُ: عمل الإِنسان لنفسه من خير أَو شر.
كَدَحَ يَكْدَحُ كَدْحاً وكَدَحَ لأَهله كَدْحاً: وهو اكتسابه بمشقة.
الأَزهري: يَكْدَحُ لنفسه بمعنى يسعى لنفسه؛ ومنه قوله تعالى: إِنك كادِحٌ إِلى ربك كَدْحاً أَي ناصِبٌ إِلى ربك نَصْباً؛ وقال الجوهري: أَي تسعى.
قال أَبو إِسحق: الكَدْحُ في اللغة السَّعْيُ والحِرْصُ والدُّؤُوبُ في العمل في باب الدنيا وباب الآخرة؛ قال ابن مقبل: وما الدَّهرُ إِلا تارَتانِ: فمنهما أَموتُ، وأُخْرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ أَي تارة أَسعى في طلب العيش وأَدْأَبُ. 2

(الإنسان) المراد به جنس الانسان وهم جميع بني آدم مؤمنهم وكافرهم
فكل ابن آدم عامل عملاً في الدنيا

(إلى ربك )
أي أن عملك ينتهي إلى ربك وهو الله سبحانه وتعالى له الربوبية
وتعليق مجروره في هذه الآية بحرف ( إلى ) تؤذن بأن المراد به عمل ينتهي إلى لقاء الله.قاله ابن عاشور

{ كدحاً } منصوب على المفعولية المطلقة لتأكيد { كادح } المضمن معنى ساع إلى ربك ، أي ساع إليه لا محالة ولا مفر . ابن عاشور

(فملاقيه )
وفي الآية قولان في مرجع الضمير الهاء :
القول الأول: فملاق ربك ومعناه فيجازيك على عملك قاله ابن كثير والقرطبي والسعدي
القول الثاني : فملاق عملك ابن كثير القرطبي

ومعنى الآية :
على القول الأول : يا أيها الإنسان إنك عامل عملاً في الدنيا تلاق به ربك يوم القيامة فيجازيك عليه
قال العوفي عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) يقول تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا . ذكره ابن كثير
وعلى القول الثاني : يا أيها الإنسان إنك عامل عملاً في الدنيا وتلاق كتاب عملك يوم القيامة
قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك: ( إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ) قال: عامل إلى ربك عملا قال: كدحا: العمل. ذكره الطبري

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 25 جمادى الآخرة 1443هـ/28-01-2022م, 12:39 AM
دينا المناديلي دينا المناديلي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 231
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى:
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}


بأسلوب التقرير العلمي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أما بعد ..

فقد قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
يخبرنا الله عز وجل عن مشهد عظيم يكونُ يوم القيامة، فيقول تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ}
ففي هذا اليوم ذي الأهوال العظيمة يجمع الله الخلائق كلهم من إنس وجن للحساب والجزاء، قال تعالى: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} وقال تعالى: {قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ}
فيجمع فيه الأولون والآخرون، يُجمع فيه بين الأنبياء وأممهم، وبين كل عبد وعمله، وبين الظالم والمظلوم وبين ثواب من عمل بطاعة الله وعقاب من عمل بمعصية الله، وكلٌّ يُجازى على عمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.


مادة الغُبن تدور على الخفاء والنقصان، ولذا سمي ما خفي من الجسد مغابن، ولخفاء حرف الغين في الحلق، كان الغبن لما خفي، ويدلّ على فوات الحظ.

وسمي يوم القيامة بيوم التغابن كما قاله ابن عباس، وقد قال الشاعر:

وما أرْتَجِي بِالعَيْشِ مِن دارِ فُرْقَةٍ ....ألا إنَّما الرّاحاتُ يَوْمُ التَّغابُنِ

وسمي بيوم التغابن لعدة أوجه قد ذكرها العلماء نوردها فيما يلي:

الوجه الأول: أنّ لكل كافر منزلا في الجنة، يرثه المؤمن، وعندها يُغبن الكافر.
وفي صحيح البخاري عن أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَدْخُلُ أحَدٌ الجَنَّةَ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لو أساءَ؛ لِيَزْدادَ شُكْرًا، ولا يَدْخُلُ النَّارَ أحَدٌ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ لو أحْسَنَ؛ لِيَكونَ عليه حَسْرَة).
وروى أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُفتَحُ له بابٌ إلى النَّارِ، فيقولُ: هذا كان مَنزِلَك لو كفَرْتَ برَبِّك، فأمَّا إذ آمَنْتَ فهذا مَنزِلُك، فيُفتَحُ له بابٌ إلى الجنَّةِ، فيُريدُ أن ينهَضَ إليه فيقولُ له: اسكُنْ، ويُفسَحُ له في قَبْرِه».
الوجه الثاني: يغبن أهل الجنة أهل النار، وهذا لأنّ أهل النار اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم ويُغبنون يوم القيامة فيها.
الوجه الثالث: يوم يُغبَن فيه الظالم من قبل المظلوم، وذاك لأنّ المظلوم كان مغبونا في الدنيا فصار العكس في الآخرة.
الوجه الرابع: يظهر في هذا اليوم غبنُ الكافر بتركه الإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان
الوجه الخامس: لأنّ في هذا اليوم يَغبُن من كثرت طاعاته من كثرت معصيته.
الوجه السادس: لأنّ هذا اليوم أخفاهُ الله عن خلقه، والغبن يُقال لما خفي.
الوجه السابع: يَغبُن من كانت درجته في الجنة عالية من دونه في الدرجة.
الوجه الثامن: مقابلة بين أهل الجنة وأهل النار فالتغابن – على وزن التفاعل – يفيد أنّ كلّا منهم يطلب أن يكون غابِنا، ويظنُّ الكفار أنهم بما حصلوه في الدنيا فاقوا المؤمنين وربحوا،
ويعلم المؤمنون حقيقةً أن الآخرة هي دار الفوز العظيم لمن آمن بالله ورسله.

الوجه الأول: قاله ابن عباس، ذكره الألوسي وأبو السعود وأبو بكر الجزائري، واختاره محيي السنة.
الوجه الثاني: قاله مجاهد وقتادة والقرظي ذكره الماوردي والسندي والطبري والقرطبي وصديق خان والسعدي.
الوجه الثالث: ذكره الماوردي وابن جزي.
الوجه الرابع: قاله الثعلبي وذكره القرطبي.
الوجه الخامس: قاله الأشموني.
الوجه السادس: قاله الماوردي.
الوجه السابع: قاله الزجاج.
الوجه الثامن: قاله البقاعي.

والوجه الثامن يندرج ضمن المُقابلة بين الفريقين أما بقية الأوجه فهي على أنّ التغابن يكون على الإطلاق -أي أنّ طرفا واحدا يغبن الآخر- وجميع الأوجه التي ذُكرت من اختلاف التنوع، وكلها يصحّ حمل الآية عليها والله تعالى أعلم فكلها حاصلة يوم القيامة.

ولمّا أخبرنا الله عز وجل بأنّ يوم التغابن وهو يوم القيامة سيجمع فيه الخلائق ويكون هناك مغبونون، حيثُ أنّهم بُعثوا وحشروا على صعيد واحد للجزاء والحساب، آنذاك غُبِنَ الكفار لأنهم اشتروا الرديء على الجيد واشتروا الحياة الدنيا الفانية على الحياة الباقية دار الآخرة،
فخسروا بتجارتهم الخسارة الأبدية واستحقوا العذاب السرمدي ، ثمّ أخبرنا بالسبيل الذي إن سلكناه كنا من الفريق الفائز وهو سبيل أهل الإيمان والعمل الصالح، فقد قال تعالى: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فمن آمن بربه وآمن بما جاء به الرسول من الشرائع والأحكام وعمل عملا صالحا، فقام بالمأمورات واجتنب المنهيات فإنّ هذا جزاؤه {يكفّر عنه سيّئاته} فتمحى ذنوبه، {ويدخله جنّاتٍ } ويدخله الله البساتين التي فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلا بد للعبد أن يعمل صالحا،
فدعوى الإيمان دون عمل دعوى باطلة صاحبها مرجئ لا بد له أن يعمل صالحا فتصديق الإيمان العمل، قال تعالى: { فلما أسلما وتلّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا} عندما جاء بالعمل واستعد له وباشر فيه عندها فقط { قد صدّقت الرؤيا} فلا بد من العمل. وأما الجنات التي أخبرنا الله تعالى
عنها في الآية الكريمة وهي البساتين، وهذه البساتين {تجري من تحتها الأنهار}، ويقول الله تعالى: {خالدين فيها أبدًا} فإنها دارهم ومستقرهم ماكثين فيها أبدا سرمدا فهذا جزاء من أحسن واتقى وآثر الآخرة الباقية على الحياة الدنيا الفانية وهذا جزاء من اشترى الآخرة بالحياة الدنيا
فهذا الذي ربحت تجارته {ذلك الفوز العظيم} فهذا هو النعيم الكامل وهذا هو الفوز الذي لا يدانيه فوز، فهو الفوز العظيم، فيه المصالح والمنافع لأولياء الله الصالحين. ثم تأتي الآية التي تليها تخبرنا عن جزاء الكفار وجزاء من سلك مسلكهم للتحذير من عاقبتهم،
قال تعالى: { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير}


وقد قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: اشْتَرِ نَفسك اليَوْم فَإن السُّوق قائِمَة والثمن مَوْجُود والبضائع رخيصة، وسَيَأْتِي على تِلْكَ السُّوق والبضائع يَوْم لا تصل فِيها إلى قَلِيل ولا كثير{ذَلِكَ يَوْم التغابن} { ويوم يعض الظالم على يديه}

وربنا سبحانه بيّن لعباده طريق الخير وطريق الشر، بيّن طريق السعداء وطريق الأشقياء، ومما يعين على العمل الصالح في ضوء هذه الآية تذكر خسارة الناس يوم القيامة، وتذكر زوال النعيم الناقص الذي تعلق به الكفار في الدنيا؛ فهذا نعيم ناقص منغص،
ليسَ ثمة شيء في الدنيا إلا وفيه التنغيص، إما يزول أو نزول نحنُ عنه. وقد خلق الإنسان في كبد ومشقة وما زال هذا حاله إلى أن يلقَ ربه الذي ربّاه بنعمه وأعده وأمده ولطف له ولطف به وأحسن إليه غاية الإحسان، ركنه الشديد الذي يأوي إليه، القائم عليه،
فكيف بعد هذا ينسى العبدُ ربه، كيف نركنُ إلى النقص وننسى الكمال والنعيم ، نسأل الله العفو والعافية والرزق من عنده والفوز العظيم في الآخرة.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 19 رجب 1443هـ/20-02-2022م, 02:36 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هاجر محمد أحمد مشاهدة المشاركة
قال تعالى (يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)
معنى الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه، كدح جلده إذا خدشه ،ومعنى كادح: جاهد الى لقاء ربه وهو الموت وما بعده من الحال .1
"الكَدْح: العمل والسعيُ والكسبُ والخَدْشُ.
والكَدْحُ: عمل الإِنسان لنفسه من خير أَو شر.
كَدَحَ يَكْدَحُ كَدْحاً وكَدَحَ لأَهله كَدْحاً: وهو اكتسابه بمشقة.
الأَزهري: يَكْدَحُ لنفسه بمعنى يسعى لنفسه؛ ومنه قوله تعالى: إِنك كادِحٌ إِلى ربك كَدْحاً أَي ناصِبٌ إِلى ربك نَصْباً؛ وقال الجوهري: أَي تسعى.
قال أَبو إِسحق: الكَدْحُ في اللغة السَّعْيُ والحِرْصُ والدُّؤُوبُ في العمل في باب الدنيا وباب الآخرة؛ قال ابن مقبل: وما الدَّهرُ إِلا تارَتانِ: فمنهما أَموتُ، وأُخْرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ أَي تارة أَسعى في طلب العيش وأَدْأَبُ. 2

(الإنسان) المراد به جنس الانسان وهم جميع بني آدم مؤمنهم وكافرهم
فكل ابن آدم عامل عملاً في الدنيا

(إلى ربك )
أي أن عملك ينتهي إلى ربك وهو الله سبحانه وتعالى له الربوبية
وتعليق مجروره في هذه الآية بحرف ( إلى ) تؤذن بأن المراد به عمل ينتهي إلى لقاء الله.قاله ابن عاشور

{ كدحاً } منصوب على المفعولية المطلقة لتأكيد { كادح } المضمن معنى ساع إلى ربك ، أي ساع إليه لا محالة ولا مفر . ابن عاشور

(فملاقيه )
وفي الآية قولان في مرجع الضمير الهاء :
القول الأول: فملاق ربك ومعناه فيجازيك على عملك قاله ابن كثير والقرطبي والسعدي
القول الثاني : فملاق عملك ابن كثير القرطبي

ومعنى الآية :
على القول الأول : يا أيها الإنسان إنك عامل عملاً في الدنيا تلاق به ربك يوم القيامة فيجازيك عليه
قال العوفي عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) يقول تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا . ذكره ابن كثير
وعلى القول الثاني : يا أيها الإنسان إنك عامل عملاً في الدنيا وتلاق كتاب عملك يوم القيامة
قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك: ( إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ) قال: عامل إلى ربك عملا قال: كدحا: العمل. ذكره الطبري
أحسنتِ جدا في تطبيقك، نقع الله بكِ.
ملحوظة مهمة، وهي لابد من نسبة الأقوال لقائليها وليس فقط لمن ذكرها في تفسيره، وأشهر التفاسير التي اعتنت بذكر الأسانيد تفسير ابن أبي حاتم والطبري رحمهما الله، وهذه مسألة مهمة وميّزة خاصة في أسلوب التقرير العلمي، فانتبهي لذلك وفقكِ الله.

الدرجة:ب+

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 19 رجب 1443هـ/20-02-2022م, 02:43 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا المناديلي مشاهدة المشاركة
رسالة في تفسير قول الله تعالى:
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}


بأسلوب التقرير العلمي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أما بعد ..

فقد قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
يخبرنا الله عز وجل عن مشهد عظيم يكونُ يوم القيامة، فيقول تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ}
ففي هذا اليوم ذي الأهوال العظيمة يجمع الله الخلائق كلهم من إنس وجن للحساب والجزاء، قال تعالى: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} وقال تعالى: {قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ}
فيجمع فيه الأولون والآخرون، يُجمع فيه بين الأنبياء وأممهم، وبين كل عبد وعمله، وبين الظالم والمظلوم وبين ثواب من عمل بطاعة الله وعقاب من عمل بمعصية الله، وكلٌّ يُجازى على عمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.


مادة الغُبن تدور على الخفاء والنقصان، ولذا سمي ما خفي من الجسد مغابن، ولخفاء حرف الغين في الحلق، كان الغبن لما خفي، ويدلّ على فوات الحظ.

وسمي يوم القيامة بيوم التغابن كما قاله ابن عباس، وقد قال الشاعر:

وما أرْتَجِي بِالعَيْشِ مِن دارِ فُرْقَةٍ ....ألا إنَّما الرّاحاتُ يَوْمُ التَّغابُنِ

وسمي بيوم التغابن لعدة أوجه قد ذكرها العلماء نوردها فيما يلي:

الوجه الأول: أنّ لكل كافر منزلا في الجنة، يرثه المؤمن، وعندها يُغبن الكافر.
وفي صحيح البخاري عن أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَدْخُلُ أحَدٌ الجَنَّةَ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لو أساءَ؛ لِيَزْدادَ شُكْرًا، ولا يَدْخُلُ النَّارَ أحَدٌ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ لو أحْسَنَ؛ لِيَكونَ عليه حَسْرَة).
وروى أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُفتَحُ له بابٌ إلى النَّارِ، فيقولُ: هذا كان مَنزِلَك لو كفَرْتَ برَبِّك، فأمَّا إذ آمَنْتَ فهذا مَنزِلُك، فيُفتَحُ له بابٌ إلى الجنَّةِ، فيُريدُ أن ينهَضَ إليه فيقولُ له: اسكُنْ، ويُفسَحُ له في قَبْرِه».
الوجه الثاني: يغبن أهل الجنة أهل النار، وهذا لأنّ أهل النار اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم ويُغبنون يوم القيامة فيها.
الوجه الثالث: يوم يُغبَن فيه الظالم من قبل المظلوم، وذاك لأنّ المظلوم كان مغبونا في الدنيا فصار العكس في الآخرة.
الوجه الرابع: يظهر في هذا اليوم غبنُ الكافر بتركه الإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان
الوجه الخامس: لأنّ في هذا اليوم يَغبُن من كثرت طاعاته من كثرت معصيته.
الوجه السادس: لأنّ هذا اليوم أخفاهُ الله عن خلقه، والغبن يُقال لما خفي.
الوجه السابع: يَغبُن من كانت درجته في الجنة عالية من دونه في الدرجة.
الوجه الثامن: مقابلة بين أهل الجنة وأهل النار فالتغابن – على وزن التفاعل – يفيد أنّ كلّا منهم يطلب أن يكون غابِنا، ويظنُّ الكفار أنهم بما حصلوه في الدنيا فاقوا المؤمنين وربحوا،
ويعلم المؤمنون حقيقةً أن الآخرة هي دار الفوز العظيم لمن آمن بالله ورسله.

الوجه الأول: قاله ابن عباس، ذكره الألوسي وأبو السعود وأبو بكر الجزائري، واختاره محيي السنة.
الوجه الثاني: قاله مجاهد وقتادة والقرظي ذكره الماوردي والسندي والطبري والقرطبي وصديق خان والسعدي.
الوجه الثالث: ذكره الماوردي وابن جزي.
الوجه الرابع: قاله الثعلبي وذكره القرطبي.
الوجه الخامس: قاله الأشموني.
الوجه السادس: قاله الماوردي.
الوجه السابع: قاله الزجاج.
الوجه الثامن: قاله البقاعي.

والوجه الثامن يندرج ضمن المُقابلة بين الفريقين أما بقية الأوجه فهي على أنّ التغابن يكون على الإطلاق -أي أنّ طرفا واحدا يغبن الآخر- وجميع الأوجه التي ذُكرت من اختلاف التنوع، وكلها يصحّ حمل الآية عليها والله تعالى أعلم فكلها حاصلة يوم القيامة.

ولمّا أخبرنا الله عز وجل بأنّ يوم التغابن وهو يوم القيامة سيجمع فيه الخلائق ويكون هناك مغبونون، حيثُ أنّهم بُعثوا وحشروا على صعيد واحد للجزاء والحساب، آنذاك غُبِنَ الكفار لأنهم اشتروا الرديء على الجيد واشتروا الحياة الدنيا الفانية على الحياة الباقية دار الآخرة،
فخسروا بتجارتهم الخسارة الأبدية واستحقوا العذاب السرمدي ، ثمّ أخبرنا بالسبيل الذي إن سلكناه كنا من الفريق الفائز وهو سبيل أهل الإيمان والعمل الصالح، فقد قال تعالى: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فمن آمن بربه وآمن بما جاء به الرسول من الشرائع والأحكام وعمل عملا صالحا، فقام بالمأمورات واجتنب المنهيات فإنّ هذا جزاؤه {يكفّر عنه سيّئاته} فتمحى ذنوبه، {ويدخله جنّاتٍ } ويدخله الله البساتين التي فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلا بد للعبد أن يعمل صالحا،
فدعوى الإيمان دون عمل دعوى باطلة صاحبها مرجئ لا بد له أن يعمل صالحا فتصديق الإيمان العمل، قال تعالى: { فلما أسلما وتلّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا} عندما جاء بالعمل واستعد له وباشر فيه عندها فقط { قد صدّقت الرؤيا} فلا بد من العمل. وأما الجنات التي أخبرنا الله تعالى
عنها في الآية الكريمة وهي البساتين، وهذه البساتين {تجري من تحتها الأنهار}، ويقول الله تعالى: {خالدين فيها أبدًا} فإنها دارهم ومستقرهم ماكثين فيها أبدا سرمدا فهذا جزاء من أحسن واتقى وآثر الآخرة الباقية على الحياة الدنيا الفانية وهذا جزاء من اشترى الآخرة بالحياة الدنيا
فهذا الذي ربحت تجارته {ذلك الفوز العظيم} فهذا هو النعيم الكامل وهذا هو الفوز الذي لا يدانيه فوز، فهو الفوز العظيم، فيه المصالح والمنافع لأولياء الله الصالحين. ثم تأتي الآية التي تليها تخبرنا عن جزاء الكفار وجزاء من سلك مسلكهم للتحذير من عاقبتهم،
قال تعالى: { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير}


وقد قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: اشْتَرِ نَفسك اليَوْم فَإن السُّوق قائِمَة والثمن مَوْجُود والبضائع رخيصة، وسَيَأْتِي على تِلْكَ السُّوق والبضائع يَوْم لا تصل فِيها إلى قَلِيل ولا كثير{ذَلِكَ يَوْم التغابن} { ويوم يعض الظالم على يديه}

وربنا سبحانه بيّن لعباده طريق الخير وطريق الشر، بيّن طريق السعداء وطريق الأشقياء، ومما يعين على العمل الصالح في ضوء هذه الآية تذكر خسارة الناس يوم القيامة، وتذكر زوال النعيم الناقص الذي تعلق به الكفار في الدنيا؛ فهذا نعيم ناقص منغص،
ليسَ ثمة شيء في الدنيا إلا وفيه التنغيص، إما يزول أو نزول نحنُ عنه. وقد خلق الإنسان في كبد ومشقة وما زال هذا حاله إلى أن يلقَ ربه الذي ربّاه بنعمه وأعده وأمده ولطف له ولطف به وأحسن إليه غاية الإحسان، ركنه الشديد الذي يأوي إليه، القائم عليه،
فكيف بعد هذا ينسى العبدُ ربه، كيف نركنُ إلى النقص وننسى الكمال والنعيم ، نسأل الله العفو والعافية والرزق من عنده والفوز العظيم في الآخرة.
أحسنتِ في تطبيقك، بارك الله فيكِ.
يحسن إسناد القول مباشرة لئلا يتعب القارئ في مراجعة الأقوال.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir