بسم الله الرحمن الرحيم
1.سؤال عامّ لجميع الطلاب:
اذكر الموضوعات الرئيسة في سورة النبأ، ثم اذكر ثلاث فوائد سلوكية استفدتها من تدبّرك لهذه السورة.
** الموضُوعات الرّئيسيّة:
1- إنكار الله سبحانه وتعالى على المُشركين إنكارهم البعث واختلافهُم في أمره فيما بينهم, وهدّدهم وتوعّدهم أشد الوعيد على فعلهم هذا. (الآيات 1-6)
2- ثمّ شرع تعالى يبيّن قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدّالّة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره, وصدق ما أخبرت به الرّسُل, واستدلّ الله عليهم بنعمه التي يشهدونهَا على أمر البعث, فالذي أنعمَ عليهم بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدَّرُ قدرهَا، ولا يحصى عدُّها, كيفَ [تكفرونَ بهِ وتكذِّبونَ] ما أخبركمْ به منَ البعثِ والنشورِ على لسان أنبياءِه ورُسله؟ أمْ كيفَ تستعينونَ بنعمهِ على معاصيهِ وتجحدونَها؟. (الآيات 6-16)
3- ثمّ ذكر تعالى ما يكون في يومِ القيامةِ الذي يتساءلُ عنهُ المكذِّبونَ، ويجحدهُ المعاندونَ, وما ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب، فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، وتشقق السماء حتى تكون أبواباً، ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور. (الآيات 17-20)
4- وذكر الله مآل الطاغين المكذّبين في ذلك اليوم, فـ توقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للمخالفين للرسُل, فـ جعلها مثوى ومآباً لهم، وأنهم يلبثون فيها أحقاباً كثيرة وذكر ما يجدُونه فيها من أنواع العذاب الذي استحقّوه بكفرهم بالبعث وتكذيبهم بالآيات والرُّسل, ولقبح أفعالهم فهم في مزيدٍ من عذاب الله أبدًا. أعاذنا الله جميعًا.
(الآيات 18-30)
5- ولما ذكرَ سُبحانه حالَ المجرمينَ، ذكرَ مآلَ المتقينَ, الذين فازوا بنجاتهم من النّار, وما أعدّ لهم تعالى من الكرامة والنّعيم المقيم, وذكر من أنواع النّعيم الذي أُعده لهم في دار السّلام التي ليس فيها لغو ولا إثم, وذلك الجزاء أعطاهم الله إيّاه بفضله وإحسَانه ورحمته, بسبب أعمالهمُ التي وفقهمُ اللهُ لهَا. (الآيات 31-36)
6- ثم ذكرَ عظمتهُ وملكهُ العظيم يومَ القيامةِ، وأنّه الرّحمن الّذي شملت رحمته كلّ شيءٍ, وأنَّ في ذَلكَ اليوم الذي هو كائنٌ لا محالة جميعَ الخلقِ كلهُمْ ساكتون لا يتكلمون إِلاَّ فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ فِيهِ، وَلا يَمْلِكُونَ الشفاعةَ إِلاَّ بِإِذْنِه, فمن شاء اتّخذ عملًا صالحًا يرجع إليه في هذا اليوم الذي يعرض على المرء جميع أعماله, ويود الكافر من شدّة الحسرة يومئذٍ والشّفة من أنواع العذاب الذي أعده الله له – يتمنّى - أنه كان في الدنيا ترابًا لم يخرج إلى الوجُود. الآيات (37-40)
** الفوائد السّلوكيّة:
الآيات (6-16) :
1- التّفكر في آيات الله وعظمته وقدرته, يورث في قلب العبد التّيقن من لقاء الله, وصدق ما أخبرت به الرُسل, فيحصل في قلب العبد الخشية, ومن علم أنه ملاقي الله وأن الله سيرى عمله فيجتهدّ ويجدّ في عبادته, ويهمّه أمر دينه وآخرة أكثر من همّ الدُنيا.
2- أنعم الله علينا نعمة جليلة عظيمَة التي لا يقدَّرُ قدرهَا، ولا يحصى عدُّها, وبالتّفكر في هذه النّعم يعلم العبد يقينًا رحمة الله تعالى واعتاءِه بخلقه سُبحانه, فهو ربّهم الذي جعل لهم من النّعم ما يمهّد لهم العيش بل والتّمتع به, تفضلًا منه سُبحانه, فـ يورث هذا في قلب العبد المحبّة, فالنّفس تميل لمن يُحسن إليها, وإحسانُ الله سابقُ دائمٌ لا يُحصَى وهو الكريم يرزقُنا ويتفضّل علينا سواءٌ أشكرنا أم كفرنا, وباستحضار احسَن الله وفضله الدّائم تكُون عبادة الله محبّة له سُبحانه وابتغاء مرضاته, وخشية لسخطه.
الآية 20: قوله تعالى (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا):
يُخبر الله سُبحانه عن حال الجِبال يوم القيامة, أنها ستتحول تحولًا كاملًا عن خلقتها في الدنيا, فتقلع عن مقارّها, وتصير كالصُوف المنفُوش, وتمرّ كـ مرّ السّحاب الخفيف, ويخيّل إلى الناظر أنها سَراب, ثمّ ما تلبث أن تذهب بالكلّية حتى لا يبقى له أثر, فإن كان هذا حالُ الجبال العظيمة الخلقة؛ التي لن يبلُغ الإنسان عظمة طُولها – فإن كان هذا حالها في ذلك اليوم الذي يجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب- فما حال الإنسان وما يُفعل به وهوَ الذي حمَل الأمانة وأشفقت منها الجبال؟ وهذا يُورث في قلب العبد التواضع, وأن لا يأمن ذلك اليوم ويعمل له, ولا يُعجبه عمله الصّالح وكثرتُه, ولا يظنّ أنه يبلُغ بعمله هذا باب الجنّة أو يزحزَح عن النّار إلا أن يتغمّده الله برحمته وعفوه وكَرمه وإحسانِه, بل يسعى وحُسن ظنّه بربه وتوكله عليه والاستعانة به ملء قلبه, ويعمل عملًا يرجع إليه في ذلك اليوم الذي هو قادمٌ لا محالة, والذي سينظر فيه المرء إلى ما قدّمت يداه, فيجتهد الواحد منّا لـ عمل ما يسرُّه أن يراه حينها, ويشفق أن يجد سوءًا, فيومئذٍ لا ينفعه لوم نفسِه ولا النّدم ولا الحسرَة ولا يُؤجّل أجل الله إذا جاء.
المجموعة الثانية:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)}.
** إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا:
في هذه الآيات يُخبر الله سبحانه عَن يوم الفصل وما يكُون فيه، ويوم الفصل هو يوم القيامة, وَسُمِّيَ يَوْمَ الْفَصْلِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ خَلْقِهِ, - فـ يخبر سُبحانه – أن هذا اليوم يومٌ عظيمٌ، وأن اللهَ جعله مِيقَاتاً للخلق, أي وَقْتاً وَمَجْمَعاً وَمِيعَاداً للأَوَّلِينَ والآخِرِينَ, تجازى فيه كلّ نفسٍ بما عملت, (فمن يعمل مثال ذرةٍ خيرًا يره*ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره), ويوم القيامة ميقاتٌ كذلك باعتبار أنّه مؤقّتٌ بأجلٍ معدودٍ ووقت معلُوم، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، ولا يعلم وقته على التّعيين إلاّ اللّه عزّ وجلّ.
** يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا:
في هذا اليوم, يُنفخ في الصّور, والصُّور هُوَ القَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ. وينفخ إسرافيل في الصّورة نفختين؛ فـ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :ما بين النّفختين أربعون. قالوا: أربعون يوماً؟ قال أبيت. قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنةً؟ قال. أبيت. - ومعناه أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوما، أو سنة, أو شهرًا، بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة، وقد جاءت مفسرة في رواية أخرى أنها أربعون سنة.
فماذا بعد النفختين؟ نأتي إِلَى مَوْضِعِ العَرْضِ أَفْوَاجاً, أَيْ: زُمَراً زُمَراً وَجَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ, وقال ابن جريرٍ: يعني: تأتي
كلّ أمّةٍ مع رسولها ؛كقوله تعالى: (يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم).
** وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا:
ثمّ يكمُل الله سبحانه ذكر ما يجري في يوم القيامة من الزعازع والقلاقل مما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب, ففي ذلك اليوم تصيرُ السّماء طرقاً ومسالك ذَاتَ أبوابٍ كَثِيرَةٍ لنزول الملائكة.
** وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا:
وفي ذلك اليوم تُسيِّر الجبال عَنْ أَمَاكِنِهَا فِي الْهَوَاءِ، وَتُقلع عَنْ مَقَارِّهَا, وهذا كقوله تعالى في موضِع آخر: وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب}. وكقوله: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش.
ثمّ قال هنا فكانت سراباً, تُصبح الجِبال هَبَاءً مُنْبَثًّا، يَظُنُّ الناظرُ أنّها شيءٌ وليست بشيءٍ، كالسّراب الذي نظنّه ماءً وليس بماء. وبعد هذا تذهب الجبَال بالكلّيّة, قال سُبحانه في موضِع آخر: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً) فلا يبقى لها عين ولا أثر.
هذا والله أعلم, وصلّ اللهم على سيّدنا محمد وآله وصحبهِ أجمعين.
2.حرّر القول في:
المراد بالنبأ العظيم في قوله تعالى: {عمّ يتساءلون . عن النبأ العظيم}.
حاصل الأقوال في هذه المسألة قولان كما ذكر ابن كثير في تفسيره:
** القول الأول: عن يوم القيامة والبعث بعد الموت , قاله قتادة وابن زيد.
** القول الثاني: هو القرآن , وذكر هذا القول الأشقر في تفسيره.
والأظهر الأوّل؛ لقوله الّذي هم فيه مختلفون يعني: النّاس فيه على قولين؛ مؤمنٌ به وكافرٌ. ذكر ذلك ابن كثير.
3. بيّن ما يلي:
أ: كيف تردّ على من أنكر البعث؟
نثبت له البعث, وإثبات البعث له استدلالات كثيرة وطرق عديدة, مرجعها ومردّها والأصل التي تقوم عليه كلّ الطرق ابتداءً هوَ إثبات وجود الله سبحانه وتعالى وإثبات قدرته وحكمته وعدلِه, وأذكر هُنا طريقين:
الطريق الأوّل: إثبات قدرة الله تعالى, وعدلِه:
استدلّ في آيات سُورة النّبأ على قدرة الله, فـ شرع الله تعالى يبيّن قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدّالّة على قدرته (الآيات 6-16) ممّا يدلّ على قدرته على أمر المعاد والبعث.
وعدل الله سُبحانه وتعالى يقتضي أن يكون هناك حياةً أُخرى للخلق, يردّون فيهَا جميعًا ليُجازى كُلٌ بعمله, فمعلومٌ أنّ في هذه الحياة الدنيا لا يُجازى الصالحُون على قدرهم, ولا كلّ مظلمة تردّ إلى المظلومين, ولا يُؤخذ كُل الظالمون بذنُوبهم وإنّما يُملى لهم, وعدل الله يقتضي أن يوفّى كُل ذي حقّ حقّه ولا يُظلم أحدٌ مثقال ذرّة, فإن لم يكُن هذا في الدنيا وهو مُشاهدٌ محسُوس, فإنه لا محالة يوجد حياةٌ أخرى توفّى فيها كل نفسٍ ما كسبت, ووجدُوا ما عملُوا حاضرًا ولا يظلمُ ربُك أحدًا.
الطريق الثّاني: إثبات قدرة الله تعالى, وحكمته الّتي تقتضي إرسَال الرسُل:
ذكرنا وجه الإستدلال على قدرة الله في آيات سُورة النّبأ, (الآيات 6-16) ممّا يدلّ على قدرته على أمر المعاد والبعث.
ومن حكمتهِ سُبحانه أن يرسل رُسله مبشّرين ومنذرين إلى خلقه, ليدلّوهم على الطريق الصّحيح, وأيّد الله رُسله بالآيات والمُعجزات البيّنة الواضحة التي تدلّ على صِدق الرُسل, وإذا تثبّتنا من صدق الرُسل وأنّهم مبلّغون عن الله وحيه ورسَالته, فإنا نصدّقهم في كُل ما أخبروا به عن الله تعالى, وعن الغيب الذي لا طريق إلى معرفته إلا بالوحي الصّادق عن الله تعالى, ومن هذا الغيب الذي بلّغه رُسل الله: أمر الميعاد, والحسَابُ الذي يجازى فيه كُلٌ بعمله, والمصير إمّا إلى الجنّة أو إلى النّار, وفي سُورة النّبأ, استدلّ الله عليهم بنعمه التي يشهدونهَا على أمر البعث, فالذي أنعمَ عليهم بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدَّرُ قدرهَا، ولا يحصى عدُّها (الآيات 6-16) ، كيفَ [تكفرونَ بهِ وتكذِّبونَ] ما أخبركمْ به منَ البعثِ والنشورِ على لسان أنبياءِه ورُسله؟ أمْ كيفَ تستعينونَ بنعمهِ على معاصيهِ وتجحدونَها؟ بل السّاعةُ لا ريب فيها وستبعثُون من قبُوركُم, هذا ما وعدَ الرحمن وصَدق المُرسلُون.
ب: ما يفيده التكرار في قوله تعالى: {كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون}.
في الآية الأولى رَدْعٌ لَهُمْ وَزَجْرٌ، ثُمَّ كَرَّرَ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التأكيدِ والتشديدِ فِي الوعيدِ. وهذا قول الأشقر.
تمّ بحمد الله تعالى وفضله, وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمّد.