دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات شراح الأحاديث > مقدمة التمهيد لابن عبد البر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ربيع الأول 1433هـ/22-02-2012م, 02:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي مقدمة كتاب التمهيد لابن عبد البر

مقدمة كتاب التمهيد لابن عبد البر النمري

قالَ أبو عمرَ يوسُفُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمَّدِ ابنُ عبدِ البَرِّ النَّمرِيُّ (ت:463هـ) : (الحمد للّه الأوّل والآخر الظّاهر الباطن القادر القاهر شكرًا على تفضّله وهدايته وفزعًا إلى توفيقه وكفايته ووسيلةً إلى حفظه ورعايته ورغبةً في المزيد من كريم آلائه وجميل بلائه وحمدًا على نعمه الّتي عظم خطرها عن الجزاء وجلّ عددها عن الإحصاء.
وصلّى اللّه على محمّدٍ خاتم الأنبياء وعلى آله أجمعين وسلّم تسليمًا.
أمّا بعد فإنّي رأيت كلّ من قصد إلى تخريج ما في موطّأ مالك بن أنسٍ رحمه اللّه من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قصد بزعمه إلى المسند، وأضرب عن المنقطع والمرسل، وتأمّلت ذلك في كلّ ما انتهى إليّ ممّا جمع في سائر البلدان وألّف على اختلاف الأزمان فلم أر جامعيه وقفوا عند ما شرطوه، ولا سلم لهم في ذلك ما أمّلوه، بل أدخلوا من المنقطع شيئًا في باب المتّصل، وأتوا بالمرسل مع المسند، وكلّ من يتفقّه منهم لمالكٍ وينتحله إذا سألت من شئت منهم عن مراسيل الموطّأ قالوا: صحاحٌ لا يسوغ لأحدٍ الطّعن فيها، لثقة ناقليها وأمانة مرسليها، وصدقوا فيما قالوه من ذلك، لكنّها جملةٌ ينقضها تفسيرهم؛ بإضرابهم عن المرسل والمقطوع.
وأصل مذهب مالكٍ رحمه اللّه والّذي عليه جماعة أصحابنا المالكيّين أنّ مرسل الثّقة تجب به الحجّة، ويلزم به العمل ،كما يجب بالمسند سواءً.
وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل، وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثرٍ أو إجماعٍ، على هذا جميع الفقهاء في كلّ عصرٍ من لدن الصّحابة إلى يومنا هذا، إلّا الخوارج وطوائف من أهل البدع شرذمةٌ لا تعدّ خلافًا.
وقد أجمع المسلمون على جواز قبول الواحد السّائل المستفتي لما يخبره به العالم الواحد إذا استفتاه فيما لا يعلمه، وقبول خبر الواحد العدل فيما يخبر به مثله، وقد ذكر الحجّة عليهم في ردّهم أخبار الآحاد جماعةٌ من أئمّة الجماعة وعلماء المسلمين، وقد أفردت لذلك كتابًا موعبًا كافيًا والحمد لله.
ولأئمّة فقهاء الأمصار في إنفاذ الحكم بخبر الواحد العدل مذاهب متقاربةٌ بعد إجماعهم على ما ذكرت لك من قبوله وإيجاب العمل به دون القطع على مغيبه؛ فجملة مذهب مالكٍ في ذلك إيجاب العمل بمسنده ومرسله ما لم يعترضه العمل الظّاهر ببلده، ولا يبالي في ذلك من خالفه في سائر الأمصار، ألا ترى إلى إيجابه العمل بحديث التفليس، وحديث المصرّاة، وحديث أبي القعيس في لبن الفحل، وقد خالفه في ذلك بالمدينة وغيرها جماعةٌ من العلماء.
وكذلك المرسل عنده سواءٌ ألا تراه يرسل حديث الشّفعة ويعمل به، ويرسل حديث اليمين مع الشّاهد ويوجب القول به، ويرسل حديث ناقة البراء بن عازبٍ في جنايات المواشي ويرى العمل به، ولا يرى العمل بحديث خيار المتبايعين ولا بنجاسة ولوغ الكلب ولم يدر ما حقيقة ذلك كله لما اعترضهما عنده من العمل، ولتخليص القول في ذلك موضعٌ غير هذا.
وقالت طائفةٌ من أصحابنا: مراسيل الثّقات أولى من المسندات واعتلّوا بأنّ من أسند لك فقد أحالك على البحث عن أحوال من سمّاه لك ومن أرسل من الأئمّة حديثًا مع علمه ودينه وثقته فقد قطع لك على صحّته وكفاك النّظر.
وقالت منهم طائفةٌ أخرى: لسنا نقول إنّ المرسل أولى من المسند، ولكنّهما سواءٌ في وجوب الحجّة والاستعمال، واعتلّوا بأنّ السّلف رضوان اللّه عليهم أرسلوا ووصلوا وأسندوا؛ فلم يعب واحدٌ منهم على صاحبه شيئًا من ذلك، بل كلّ من أسند لم يخل من الإرسال، ولو لم يكن ذلك كلّه عندهم دينًا وحقًّا ما اعتمدوا عليه، لأنّا وجدنا التّابعين إذا سئلوا عن شيءٍ من العلم وكان عندهم في ذلك شيءٌ عن نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم أو عن أصحابه رضي اللّه عنهم قالوا: قال رسول اللّه كذا، وقال عمر كذا، ولو كان ذلك لا يوجب عملًا ولا يعدّ علمًا عندهم لما قنع به العالم من نفسه، ولا رضي به منه السّائل.
وممّن كان يذهب إلى هذا القول من أصحابنا: أبو الفرج عمرو بن محمّدٍ المالكيّ، وأبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه بن صالحٍ الأبهريّ، وهو قول أبي جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ.
وزعم الطّبريّ أنّ التّابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد الأئمّة بعدهم إلى رأس المائتين ،كأنّه يعني أنّ الشّافعيّ أوّل من أبى من قبول المرسل.
وقالت طائفةٌ أخرى من أصحابنا: لسنا نقول: إن المسند الّذي اتّفقت جماعة أهل الفقه والأثر في سائر الأمصار وهم الجماعة على قبوله والاحتجاج به واستعماله كالمرسل الّذي اختلف في الحكم به وقبوله في كلّ أحواله، بل نقول: إن للمسند مزيّة فضلٍ لموضع الاتّفاق، وسكون النّفس إلى كثرة القائلين به، وإن كان المرسل يجب أيضًا العمل به، وشبّه ذلك من مذهبه بالشّهود يكون بعضهم أفضل حالًا من بعضٍ وأقعد وأتمّ معرفةٍ وأكثر عددًا، وإن كان البعض عدلين جائزي الشّهادة، وكلا الوجهين يوجب العمل، ولا يقطع العذر، وممّن كان يقول هذا أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن إسحاق بن خوازبنداذ البصريّ المالكيّ.
وأمّا أبو حنيفة وأصحابه فإنّهم يقبلون المرسل ولا يردّونه إلّا بما يردّون به المسند من التّأويل والاعتلال على أصولهم في ذلك.
وقال سائر أهل الفقه وجماعة أصحاب الحديث في كلّ الأمصار فيما علمت: الانقطاع في الأثر علّةٌ تمنع من وجوب العمل به، وسواءٌ عارضه خبرٌ متّصلٌ أم لا، وقالوا: إذا اتّصل خبرٌ وعارضه خبرٌ منقطعٌ لم يعرّج على المنقطع مع المتّصل، وكان المصير إلى المتّصل دونه.
وحجّتهم في ردّ المراسيل: ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر وأنّه لا بدّ من علم ذلك؛ فإذا حكى التّابعيّ عمّن لم يلقه لم يكن بدٌّ من معرفة الواسطة؛ إذ قد صحّ أنّ التّابعين أو كثيرًا منهم رووا عن الضّعيف وغير الضّعيف؛ فهذه النّكتة عندهم في ردّ المرسل؛ لأنّ مرسله يمكن أن يكون سمعه ممّن يجوز قبول نقله وممّن لا يجوز، ولا بدّ من معرفة عدالة النّاقل؛ فبطل لذلك الخبر المرسل للجهل بالواسطة.
قالوا: ولو جاز قبول المراسيل لجاز قبول خبر مالكٍ والشّافعيّ والأوزاعيّ ومثلهم إذا ذكروا خبرًا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ولو جاز ذلك فيهم لجاز فيمن بعدهم إلى عصرنا، وبطل المعنى الّذي عليه مدار الخبر.
ومن حجّتهم أيضًا في ذلك: أنّ الشّهادة على الشّهادة قد أجمع المسلمون أنّه لا يجوز فيها إلّا الاتّصال والمشاهدة؛ فكذلك الخبر يحتاج من الاتّصال والمشاهدة إلى مثل ما تحتاج إليه الشّهادة؛ إذ هو بابٌ في إيجاب الحكم واحدٌ.
هذا كلّه قول الشّافعيّ وأصحابه وأهل الحديث، ولهم في ذلك من الكلام ما يطول ذكره.
وأمّا أصحابنا فكلّهم مذهبه في الأصل استعمال المرسل مع المسند، كما يوجب الجميع استعمال المسند، ولا يردّون بالمسند المرسل كما لا يردّون الخبرين المتّصلين ما وجدوا إلى استعمالهما سبيلًا، وما ردّوا به المرسل من حجّةٍ بتأويلٍ أو عملٍ مستفيضٍ أو غير ذلك من أصولهم فهم يردّون به المسند سواءً لا فرق بينهما عندهم.
قال أبو عمر: هذا أصل المذهب، ثمّ إنّي تأمّلت كتب المناظرين والمختلفين من المتفقّهين وأصحاب الأثر من أصحابنا وغيرهم؛ فلم أر أحدًا منهم يقنع من خصمه إذا احتجّ عليه بمرسلٍ، ولا يقبل منه في ذلك خبرًا مقطوعًا، وكلّهم عند تحصيل المناظرة يطالب خصمه بالاتّصال في الأخبار، واللّه المستعان.
وإنّما ذلك لأنّ التّنازع إنّما يكون بين من يقبل المرسل وبين من لا يقبله؛ فإن احتجّ به من يقبله على من لا يقبله قال: له هات حجّةً غيره؛ فإنّ الكلام بيني وبينك في أصل هذا، ونحن لا نقبله، وإن احتجّ من لا يقبله على من يقبله كان من حجّته كيف تحتجّ عليّ بما ليس حجّةً عندك؟!!
ونحو هذا، ولم نشاهد نحن مناظرةً بين مالكيٍّ يقبله وبين حنفيٍّ يذهب في ذلك مذهبه، ويلزم على أصل مذهبهما في ذلك قبول كلّ واحدٍ منهما من صاحبه المرسل إذا أرسله ثقةٌ عدلٌ رضًا ما لم يعترضه من الأصول ما يدفعه، وباللّه التّوفيق.
واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل: هل يوجب العلم والعمل جميعًا أم يوجب العمل دون العلم؟
والّذي عليه أكثر أهل العلم منهم أنّه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشّافعيّ وجمهور أهل الفقه والنّظر ولا يوجب العلم عندهم إلّا ما شهد به على اللّه، وقطع العذر بمجيئه قطعًا ولا خلاف فيه.
وقال قومٌ كثيرٌ من أهل الأثر وبعض أهل النّظر: إنّه يوجب العلم الظّاهر والعمل جميعًا، منهم الحسين الكرابيسيّ وغيره، وذكر ابن خوازبنداذ أنّ هذا القول يخرج على مذهب مالكٍ.
قال أبو عمر: الّذي نقول به إنّه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشّاهدين والأربعة سواءٌ، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر، وكلّهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ويعادى ويوالى عليها ويجعلها شرعًا ودينًا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السّنّة، ولهم في الأحكام ما ذكرنا، وباللّه توفيقنا.
ولمّا أجمع أصحابنا على ما ذكرنا في المسند والمرسل واتّفق سائر العلماء على ما وصفنا رأيت أن أجمع في كتابي هذا كلّ ما تضمّنه موطّأ مالك بن أنسٍ رحمه اللّه في رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي عنه من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مسنده ومقطوعه ومرسله، وكلّ ما يمكن إضافته إليه صلوات اللّه وسلامه عليه، ورتّبت ذلك مراتب قدّمت فيها المتّصل ثمّ ما جرى مجراه ممّا اختلف في اتّصاله، ثمّ المنقطع والمرسل.
- وجعلته على حروف المعجم في أسماء شيوخ مالكٍ رحمهم اللّه ليكون أقرب للمتناول.

- ووصلت كلّ مقطوعٍ جاء متّصلًا من غير رواية مالكٍ، وكلّ مرسلٍ جاء مسندًا من غير طريقه رحمة اللّه عليه، فيما بلغني علمه، وصحّ بروايتي جمعه، ليرى النّاظر في كتابنا هذا موقع آثار الموطّأ من الاشتهار والصّحّة.
- واعتمدت في ذلك على نقل الأئمّة، وما رواه ثقات هذه الأمّة.
- وذكرت من معاني الآثار وأحكامها المقصودة بظاهر الخطاب ما عوّل على مثله الفقهاء أولو الألباب.
- وجلبت من أقاويل العلماء في تأويلها وناسخا ومنسوخها وأحكامها ومعانيها ما يشتفي به القارئ الطّالب، ويبصّر وينبّه العالم ويذكّره.
- وأتيت من الشّواهد على المعاني والإسناد بما حضرني من الأثر ذكره، وصحبني حفظه، ممّا تعظم به فائدة الكتاب.
- وأشرت إلى شرح ما استعجم من الألفاظ مقتصرًا على أقاويل أهل اللّغة.
- وذكرت في صدر الكتاب من الأخبار الدّالّة على البحث عن صحّة النّقل وموضع المتّصل والمرسل، ومن أخبار مالكٍ رحمه اللّه، وموضعه من الإمامة في علم الدّيانة ومكانه من الانتقاد والتّوقّي في الرّواية ومنزلة موطّئه عند جميع العلماء المؤلّفين منهم والمخالفين نبذًا يستدلّ بها اللّبيب على المراد، وتغني المقتصر عليها عن الازدياد.
- وأومأت إلى ذكر بعض أحوال الرّواة وأنسابهم وأسنانهم ومنازلهم.
- وذكرت من حفظت تاريخ وفاته منهم معتمدًا في ذلك كلّه على الاختصار، ضاربًا عن التّطويل والإكثار.
واللّه أسأله العون على ما يرضاه، ويزلف فيما قصدناه؛ فلم نصل إلى شيءٍ ممّا ذكرناه إلّا بعونه وفضله لا شريك له؛ فله الحمد كثيرًا دائمًا على ما ألهمنا من العناية بخير الكتب بعد كتابه، وعلى ما وهب لنا من التّمسّك بسنّة رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما توفيقي إلّا باللّه، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وإنّما اعتمدت على رواية يحيى بن يحيى المذكورة خاصّةً لموضعه عند أهل بلدنا من الثّقة والدّين والفضل والعلم والفهم، ولكثرة استعمالهم لروايته وراثةً عن شيوخهم وعلمائهم إلّا أن يسقط من روايته حديثٌ من أمّهات أحاديث الأحكام أو نحوها؛ فأذكره من غير روايته إن شاء اللّه.
فكلّ قومٍ ينبغي لهم امتثال طريق سلفهم فيما سبق إليهم من الخير، وسلوك منهاجهم فيما احتملوا عليه من البرّ، وإن كان غيره مباحًا مرغوبًا فيه.
والرّوايات في مرفوعات الموطّأ متقاربةٌ في النّقص والزّيادة، وأمّا اختلاف روايته في الإسناد والإرسال والقطع والاتصال؛ فأرجوا أن ترى ما يكفي ويشفي في كتابنا هذا ممّا لا يخرجنا عن شرطنا إن شاء اللّه لارتباطه به، واللّه المستعان.
فأمّا روايتنا للموطّأ من طريق يحيى بن يحيى الأندلسيّ رحمه اللّه؛ فحدّثنا بها أبو عثمان سعيد بن نصرٍ لفظًا منه قراءةً عليّ من كتابه رحمه اللّه وأنا أنظر في كتابي، قال: حدّثنا قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرّة قالا: حدّثنا محمّد بن وضّاحٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يحيى، عن مالكٍ.
- وحدّثنا به أيضًا أبو الفضل أحمد بن قاسمٍ قراءةً منّي عليه قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أبي دليمٍ ووهب بن مسرّة قالا: حدّثنا ابن وضّاحٍ، قال: حدّثنا يحيى عن مالكٍ.
- وحدّثنا به أيضًا أبو عمر أحمد بن محمّد بن أحمد قراءةً منّي عليه قال: حدّثنا وهب بن مسرّة، قال: حدّثنا ابن ضاح، قال: حدّثنا يحيى عن مالكٍ.
- وحدّثني به أيضًا أبو عمر أحمد بن محمّد بن أحمد المذكور رحمه اللّه، قال: حدّثنا أبو عمر أحمد بن مطرّفٍ وأحمد بن سعيدٍ، قالا: حدّثنا عبيد اللّه بن يحيى بن يحيى، قال: حدّثني أبي عن مالكٍ.
وبين رواية عبيد الله ورواية أبو وضّاحٍ حروفٌ قد قيّدتها في كتابي، واللّه أسأله حسن العون على ما يرضيه، ويقرّب منه؛ فإنّما نحن به، لا شريك له، وحسبنا الله ونعم الوكيل).[التمهيد: 1-11]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 ربيع الثاني 1433هـ/23-02-2012م, 10:50 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب معرفة المرسل والمسند والمنقطع والمتصل والموقوف ومعنى التدليس


قَالَ أَبُو عُمَرَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ (ت: 463هـ) : ( (باب معرفة المرسل والمسند والمنقطع والمتصل والموقوف ومعنى التدليس)
قال أبو عمر هذه أسماءٌ اصطلاحيّةٌ وألقابٌ اتّفق الجميع عليها وأنا ذاكرٌ في هذا الباب معانيها إن شاء اللّه اعلم وفّقك اللّه أنّي تأمّلت أقاويل أئمّة أهل الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصّحيح في النّقل منهم ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروط ثلاثةً وهي عدالة المحدّثين في أحوالهم ولقاء بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدةً وأن يكونوا برآءً من التّدليس والإسناد المعنعن فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ عن فلانٍ وقد حدّثنا إسماعيل بن عبد الرحمن حدثنا إبراهيم بن بكر حدّثنا محمّد بن الحسين بن أحمد الأزديّ الحافظ الموصلي
[التمهيد: 1/12]
قال حدّثنا ابن زاكيا قال حدّثنا أبو معمرٍ عن وكيعٍ قال: قال شعبة فلانٌ عن فلانٍ ليس بحديثٍ قال وكيعٌ وقال سفيان هو حديثٌ قال أبو عمر ثمّ إنّ شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان وقد أعلمتك أنّ المتأخّرين من أئمّة الحديث والمشترطين في تصنيفهم الصحيح قد أجمعا على ما ذكرت لك وهو قول مالكٍ وعامّة أهل العلم والحمد للّه إلّا أن يكون الرّجل معروفًا بالتّدليس فلا يقبل حديثه حتّى يقول حدّثنا أو سمعت فهذا ما لا أعلم فيه أيضًا خلافًا ومن الدّليل على أنّ عن محمولةٌ عند أهل العلم بالحديث على الاتّصال حتّى يتبيّن الانقطاع فيها ما حكاه أبو بكرٍ الأثرم عن أحمد ابن حنبلٍ أنّه سئل عن حديث المغيرة بن شعبة أنّ النّبيّ عليه السّلام مسح أعلى الخفّ وأسفله فقال هذا الحديث ذكرته لعبد الرّحمن بن مهديٍّ
[التمهيد: 1/13]
فقال عن ابن المبارك أنّه قال عن ثورٍ حدّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة وليس فيه المغيرة قال أحمد وأمّا الوليد فزاد فيه عن المغيرة وجعله ثورٌ عن رجاءٍ ولم يسمعه ثورٌ من رجاءٍ لأنّ ابن المبارك قال فيه عن ثورٍ حدّثت عن رجاءٍ قال أبو عمر ألا ترى أنّ أحمد بن حنبلٍ رحمه اللّه عاب على الوليد بن مسلمٍ قوله عن في منطقع ليدخله في الاتّصال فهذا بيان أنّ عن ظاهرها الاتّصال حتّى يثبت فيها غير ذلك ومثل هذا عن العلماء كثيرٌ وسنذكر هذا الحديث بطرقه عند ذكر حديث المغيرة بن شعبة في باب ابن شهابٍ عن عبّاد بن زيادٍ إن شاء اللّه
[التمهيد: 1/14]
وأمّا التّدليس فهو أن يحدّث الرّجل عن الرّجل قد لقيه وأدرك زمانه وأخذ عنه وسمع منه وحدث عنه بما لم يسمعه منه وإنّما سمعه من غيره عنه ممّن ترضى حاله أو لا ترضى على أنّ الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مرضيّةً لذكره وقد يكون لأنّه استصغره هذا هو التّدليس عند جماعتهم لا اختلاف بينهم في ذلك وسنبيّن معنى التّدليس بالإخبار عن العلماء في الباب بعد هذا إن شاء اللّه واختلفوا في حديث الرّجل عمّن لم يلقه مثل مالكٍ عن سعيد بن المسيّب والثّوريّ عن إبراهيم النّخعيّ وما أشبه هذا فقالت فرقةٌ هذا تدليسٌ لأنّهما لو شاءا لسمّيا من حدّثهما كما فعلا في الكثير ممّا بلغهما عنهما قالوا وسكوت المحدّث عن ذكر من حدّثه مع علمه به دلسةٌ قال أبو عمر فإن كان هذا تدليسًا فما أعلم أحدًا من العلماء سلم منه في قديم الدّهر ولا في حديثه اللّهمّ إلّا شعبة بن الحجّاج ويحيى بن سعيدٍ القطّان فإنّ هذين ليس يوجد لهما شيءٌ من هذا لا سيّما شعبة فهو القائل لأن أزني أحب إلي من أن أدلس
[التمهيد: 1/15]
حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ حدّثنا محمّد بن عبد السّلام الخشنيّ حدّثنا بندارٌ حدّثنا غندرٌ قال سمعت شعبة يقول التّدليس في الحديث أشدّ من الزنا ولأن أسقط من الماء إلى الأرض أحبّ إليّ من أن أدلّس وقال أبو نعيمٍ سمعت شعبة يقول لأن أزني أحبّ إليّ من أن أدلّس وقال أبو الوليد الطّيالسيّ سمعت شعبة يقول لأن أخرّ من السّماء إلى الأرض أحبّ إليّ من أن أقول زعم فلانٌ ولم أسمع ذلك الحديث منه وقالت طائفةٌ من أهل الحديث ليس ما ذكرنا يجري عليه لقب التّدليس وإنّما هو إرسالٌ قالوا وكما جاز أن يرسل سعيدٌ عن النّبيّ صلّى اللّه عيه وسلّم وعن أبي بكرٍ وعمر وهو لم يسمع منهما ولم يسمّ أحدٌ من أهل العلم ذلك تدليسًا كذلك مالكٌ عن سعيد بن المسيب
[التمهيد: 1/16]
والإرسال قد تبعث عليه أمورٌ لا تضيره مثل أن يكون الرّجل سمع ذلك الخبر من جماعةٍ عن المعزيّ إليه الخبر وصحّ عنده ووقر في نفسه فأرسله عن ذلك المعزيّ إليه علمًا بصحّة ما أرسله وقد يكون المرسل للحديث نسي من حدّثه به وعرف المعزيّ إليه الحديث فذكره عنه فهذا أيضًا لا يضرّ إذا كان أصل مذهبه أن لا يأخذ إلّا عن ثقةٍ كمالكٍ وشعبة أو تكون مذاكرةً فربّما ثقل معها الإسناد وخفّ الإرسال إمّا لمعرفة المخطابين بذلك الحديث واشتهاره عندهم أو لغير ذلك من الأسباب الكائنة في معنى ما ذكرناه والأصل في هذا الباب اعتبار حال المحدّث فإن كان لا يأخذ إلّا عن ثقةٍ وهو في نفسه ثقةٌ وجب قبول حديثه مرسله ومسنده وإن كان يأخذ عن الضّعفاء ويسامح نفسه في ذلك وجب التّوقّف عمّا أرسله حتّى يسمّي من الّذي أخبره وكذلك من عرف بالتّدليس المجتمع عليه وكان من المسامحين في الأخذ عن كلّ أحدٍ لم يحتجّ بشيءٍ ممّا رواه حتّى يقول أخبرنا أو سمعت هذا إذا كان عدلًا ثقةً في نفسه وإن كان ممّن لا يروي إلّا عن ثقةٍ استغني عن توقيفه ولم يسأل عن تدليسه وعلى ما ذكرته لك أكثر أئمّة الحديث قال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معينٍ عن التّدليس فكرهه وعابه
[التمهيد: 1/17]
قلت له فيكون المدلّس حجّةً فيما روى حتّى يقول حدّثنا أو أخبرنا فقال لا يكون حجّةً فيما دلّس فيه قال يعقوب وسألت على ابن المدينيّ عن الرّجل يدلّس أيكون حجّةً فيما لم يقل حدّثنا فقال إذا كان الغالب عليه التّدليس فلا حتّى يقول حدّثنا قال عليٌّ والنّاس يحتاجون في صحيح حديث سفيان إلى يحيى القطّان يعني عليٌّ أنّ سفيان كان يدلّس وأنّ القطّان كان يوقفه على ما سمع وما لم يسمع وسترى في الباب الّذي بعد هذا ما يدلّك على ذلك ويكشف لك المذهب والمراد فيه إن شاء الله
[التمهيد: 1/18]
فأمّا المرسل فإنّ هذا الاسم أوقعوه بإجماعٍ على حديث التّابعيّ الكبير عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل أن يقول عبيد اللّه بن عديّ بن الخيار أو أبو أمامة ابن سهل بن حنيفٍ أو عبد اللّه بن عامر بن ربيعة ومن كان مثلهم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
[التمهيد: 1/19]
وكذلك من دون هؤلاء مثل سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه وأبي سلمة بن عبد الرّحمن والقاسم بن محمّدٍ ومن كان مثلهم وكذلك علقمة بن قيسٍ ومسروق بن الأجدع والحسن وابن سيرين والشّعبيّ وسعيد بن جبيرٍ ومن كان مثلهم من سائر التّابعين الّذين صحّ لهم لقاء جماعةٍ من الصّحابة ومجالستهم فهذا هو المرسل عند أهل العلم ومثله أيضًا ممّا يجري مجراه عند بعض أهل العلم مرسلٌ من دون هؤلاء مثل حديث ابن شهابٍ وقتادة وأبي حازمٍ ويحيى ابن سعيدٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يسمّونه مرسلًا كمرسل كبار التّابعين
[التمهيد: 1/20]
وقال آخرون حديث هؤلاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يسمّى منقطعًا لأنّهم لم يلقوا من الصّحابة إلّا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التّابعين فما ذكروه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يسمى منقطعا قال أبو عمر المنقطع عندي كل ما لا يتصل سواءً كان يعزى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم أوالى غيره وأمّا المسند فهو ما رفع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً فالمتّصل من المسند مثل مالكٍ عن نافعٍ عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ومالكٌ عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومالكٌ عن يحيى بن سعيدٍ عن عمرة عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم
[التمهيد: 1/21]
ومالكٌ عن أبي الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومالكٌ عن ابن شهابٍ عن سعيد بن المسبب أو أبي سلمة بن عبد الرحمن أو الأعرج عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعمرٌ عن همّام بن منبّهٍ عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأيّوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وما كان مثل هذا كلّه والمنقطع من المسند مثل مالكٌ عن يحيى بن سعيدٍ عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وعن عبد الرحمن بن قاسم عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم
[التمهيد: 1/22]
وعن ابن شهابٍ عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعن ابن شهابٍ عن أبي هريرة وعن زيد ابن أسلم عن عمر بن الخطّاب عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فهذا وما كان مثله مسند لأنّه أسند إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ورفع إليه وهو مع ذلك منقطعٌ لأن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ابن القاسم لم يسمعا من عائشة وكذلك بن شهابٍ لم يسمع من ابن عبّاسٍ ولا من أبي هريرة ولا سمع زيد بن أسلم من عمر وقد اختلف في سماعه من ابن عمر والصّحيح عندي أنّه سمع منه وسترى ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء اللّه وأكثر من هذا في الانقطاع مالكٌ أنّه بلغه عن جابر بن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعن عائشة وعن أنسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وما كان مثله وأمّا المتّصل جملةً فمثل مالكٌ عن نافعٍ وعبد اللّه بن دينارٍ عن ابن عمر مرفوعًا أو موقوفًا وكذلك أيّوب عن أبي قلابة عن أنسٍ مرفوعًا أو موقوفًا
[التمهيد: 1/23]
وشعبة عن قتادة عن أنسٍ مرفوعًا أو موقوفًا وشعبة عن الحكم بن عتيبة عن مصعب بن سعدٍ عن أبيه مرفوعًا أو موقوفًا ومثل منصورٍ عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعودٍ مرفوعًا أو موقوفًا ومثل الأوزاعيّ وهشامٍ الدّستوائيّ عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا أو موقوفًا والزّهريّ عن أبي سلمة عن عائشة وأبي هريرة مرفوعًا أو موقوفًا وما كان مثل هذا وإنّما سمّي متّصلًا لأنّ بعضهم صحّت مجالسته ولقاؤه لمن بعده في الإسناد وصحّ سماعه منه
[التمهيد: 1/24]
والموقوف ما وقف على الصّاحب ولم يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل مالك عن نافعٌ عن ابن عمر عن عمر قوله وعن الزّهريّ عن سالمٍ عن أبيه قوله وابن عيينة عن عمرو ابن دينارٍ عن جابر بن زيدٍ عن ابن عبّاسٍ قوله وما كان مثل هذا والانقطاع يدخل المرفوع وغير المرفوع وقد ذهب قومٌ إلى أنّ المرفوع كلّ ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم متصلا كان أو مقطوعًا وأنّ المسند لا يقع إلّا على ما اتّصل مرفوعًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ففرّقوا بين المرفوع والمسند بأنّ المسند هو الّذي لا يدخله انقطاعٌ وممّا يعرف به اتّصال الرّواة ولقاء بعضهم بعضًا فلذا صار الحديث مقطوعًا وإن كان مسندًا لأنّ ظاهره يتّصل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو منقطعٌ وقال آخرون المرفوع والمسند سواءٌ وهما شيءٌ واحدٌ والانقطاع يدخل عليهما جميعًا والاتّصال
[التمهيد: 1/25]
واختلفوا في معنى أنّ هل هي بمعنى عن محمولة على الاتصال الشرائط التي ذكرنا حتى يتبين انقطاعها حتّى يعرف صحّة اتّصالها وذلك مثل مالكٍ عن ابن شهابٍ أنّ سعيد بن المسيّب قال كذا ومثل مالك عن هشان بن عروة أنّ أباه قال كذا ومثل حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب أنّ الحسن قال كذا فجمهور أهل العلم على أنّ عن وأن سواءٌ وأنّ الاعتبار ليس بالحروف وإنّما هو باللّقاء والمجالسة والسّماع والمشاهدة فإذا كان سماع بعضهم من بعضٍ صحيحًا كان حديث بعضهم عن بعضٍ أبدًا بأيّ لفظٍ ورد محمولًا على الاتّصال حتّى تتبيّن فيه علّة الانقطاع وقال البرديجيّ أنّ محمولةٌ على الانقطاع حتّى يتبيّن السّماع في ذلك الخبر بعينه من طريقٍ آخر أو يأتي ما يدلّ على أنّه قد شهده وسمعه قال أبو عمر هذا عندي لا معنى لا لإجماعهم على أنّ الإسناد المتّصل بالصّحابيّ سواءٌ قال فيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال أو عن رسول اللّه أنّه قال أو سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ ذلك سواءٌ عند العلماء واللّه أعلم
[التمهيد: 1/26]
وأمّا التّدليس فمعناه عند جماعة أهل العلم بالحديث أن يكون الرّجل قد لقي شيخًا من شيوخه فسمع منه أحاديث لم يسمع غيرها منه ثمّ أخبره بعض أصحابه ممّن يثق به عن ذلك الشّيخ بأحاديث غير تلك التي سمع منه (هـ) فيحدّث بها عن الشّيخ دون أن يذكر صاحبه الذي حدثه بها فيقول فيه عن فلانٍ يعني ذلك الشّيخ وهذا لا يجوز إلّا في الإسناد المعنعن ولا أعلم أحدًا يجيز للمحدّث أن يقول أخبرني أو حدّثني أو سمعت من لم يخبره ولم يحدّثه ولم يسمع منه وإنّما يقول اكتبوا فلانٌ عن فلانٍ كما لو قال مالكٌ اكتبوا مالك عن نافعٍ أو ابن عيينة يقول اكتبوا سفيان عن عمرو بن دينارٍ أو الثّوريّ أو شعبة يقول اكتبوا سفيان أو شعبة عن الأعمش وهو قد سمعه من رجلٍ وثق به عن الّذي حمله عنه وهذا أخفّ ما يكون في الّذين لقي بعضهم بعضًا وأخذ بعضهم عن بعضٍ وإذا وقع ذلك فيمن لم يلقه فهو أقبح وأسمج وسئل يزيد بن هارون عن التّدليس في الحديث فكرهه وقال هو من التزين
[التمهيد: 1/27]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 ربيع الثاني 1433هـ/23-02-2012م, 10:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب بيان التدليس ومن يقبل نقله ويقبل مرسله وتدليسه ومن لا يقبل ذلك منه


قَالَ أَبُو عُمَرَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ (ت: 463هـ) : (
باب بيان التدليس ومن يقبل نقله ويقبل مرسله وتدليسه
ومن لا يقبل ذلك منه
قال أبو عمر الّذي اجتمع عليه أئمّة الحديث والفقه في حال المحدّث الّذي يقبل نقله ويحتجّ بحديثه ويجعل سنّةً وحكمًا في دين اللّه هو أن يكون حافظًا إن حدّث من حفظه عالمًا بما يحيل المعاني ضابطًا لكتابه إن حدّث من كتابٍ يؤدّي الشّيء على وجهه متيقّظًا غير مغفلٍ وكلّهم يستحبّ أن يؤدّي الحديث بحروفه لأنّه أسلم له فإن كان من أهل الفهم والمعرفة جاز له أن يحدّث بالمعنى وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك لأنّه لا يدري لعلّه يحيل الحلال إلى الحرام ويحتاج مع ما وصفنا أن يكون ثقةً في دينه عدلًا جائز الشّهادة مرضيًّا فإذا كان كذلك وكان سالمًا من التّدليس كان حجّةً فيما نقل وحمل من أثرٍ في الدّين وجملة تلخيص القول في التّدليس الّذي أجازه من أجازه من العلماء بالحديث هو أن يحدّث الرّجل عن شيخٍ قد لقيه وسمع منه بما لم يسمع منه وسمعه من غيره عنه فيوهم أنّه سمعه من شيخه ذلك وإنّما سمعه من غيره أو من بعض أصحابه عنه ولا يكون ذلك إلّا عن ثقةٍ فإن دلّس عن غير ثقةٍ فهو تدليسٌ مذمومٌ عند جماعة أهل الحديث وكذلك إن دلّس عمّن لم يسمع منه فقد جاوز حدّ التّدليس الّذي رخّص فيه من رخص العلماء إلى ما ينكرونه ويذمّونه ولا يحمدونه وباللّه العصمة لا شريك له وكلّ حامل علمٍ معروف العناية به فهو عدلٌ محمولٌ في أمره أبدًا على العدالة حتّى تتبيّن جرحته في حاله أو في كثرة غلطه لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل هذا العلم من كلّ خلفٍ عدوله
[التمهيد: 1/28]
وسنذكر هذا الخبر بطرقه في آخر هذا الباب إن شاء اللّه قال صالح بن أحمد بن حنبلٍ حدّثنا عليّ بن المدينيّ قال سمعت عبد الرّحمن بن مهديٍّ يقول قال شعبة يومًا حدّثني رجلٌ عن سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم بكذا ثمّ قال ما يسرّني أنّي قلت قال منصورٌ وأنّ لي الدّنيا كلّها وقد يكون المحدّث عدلًا جائز الشّهادة ولا يعرف معنى ما يحمل فلا يحتجّ بنقله قال أحمد بن حنبلٍ سمعت يزيد بن هارون يقول قد تجوز شهادة الرّجل ولا يجوز حديثه ولا يجوز حديثه حتّى تجوز شهادته وقال أيّوب إنّ بالبصرة رجلًا من أزهدهم وأكثرهم صلاةً عييًّا لو شهد عندي شهادةً ما أجزت شهادته يريد فكيف أقبل حديثه وقال ابن مهديٍّ إنّي لأدعو اللّه لقومٍ قد تركت حديثهم حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بنن أصبغ حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا الوليد بن شجاعٍ حدّثنا سويد بن عبد العزيز عن مغيرة قال خرجنا إلى شيخٍ بلغنا أنّه يحدّث بأحاديث فلمّا انتهينا إلى إبراهيم قال ما حبسكم قلنا أتينا شيخًا يحدّث بأحاديث قال إبراهيم لقد رأيتنا وما نأخذ الأحاديث إلّا ممّن يعرف وجوهها وإنّا لنجد الشّيخ يحدّث بالحديث يحرّف حلاله من حرامه وما يعلم
[التمهيد: 1/29]
وقال علي ابن المدني سمعت يحيى بن سعيدٍ يعني القطّان يقول ينبغي لصاحب الحديث أن تكون فيه خصالٌ ينبغي أن يكون جيّد الأخذ ويفهم ما يقال له ويبصر الرّجال ويتعاهد ذلك من نفسه وقد ذكرنا في باب أخبار مالكٍ بعد هذا الباب قوله فيمن يؤخذ العلم عنه ومذهبه في ذلك هو مذهب جمهور العلماء والشّرط في خبر العدل على ما وصفنا أن يروي عن مثله سماعًا واتّصالًا حتّى يتّصل ذلك بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّا الإرسال فكلّ من عرف بالأخذ عن الضّعفاء والمسامحة في ذلك لم يحتجّ بما أرسله تابعيًّا كان أو من دونه وكلّ من عرف أنّه لا يأخذ إلّا عن ثقةٍ فتدليسه ومرسله مقبولٌ فمراسيل سعيد بن المسيّب ومحمّد بن سيرين وإبراهيم النّخعيّ عندهم صحاحٌ وقالوا مراسيل عطاءٍ والحسن لا يحتجّ بها لأنّهما كانا يأخذان عن كلّ أحدٍ وكذلك مراسيل أبي قلابة وأبي العالية وقالوا لا يقبل تدليس الأعمش لأنّه إذا وقف أحال على غير مليءٍ يعنون على غير ثقةٍ إذا سألته عمّن هذا قال عن موسى بن طريفٍ وعباية بن ربعيٍّ والحسن بن ذكوان
[التمهيد: 1/30]
قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنّه إذا وقف أحال على ابن جريحٍ ومعمرٍ ونظائرهما أخبرني أبو عثمان سعيد بن نصرٍ رحمه اللّه قال حدّثنا أبو عمر أحمد بن دحيم بن خليلٍ قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز البغويّ قال حدّثنا أحمد بن حنبلٍ قال حدّثنا سفيان بن عيينة يومًا عن زيد بن أسلم عن عليّ بن الحسين قال يجزي الجنب أن ينغمس في الماء قلنا من دون زيد بن أسلم قال معمرٌ قلنا من دون معمرٍ قال ذاك الصّنعانيّ عبد الرّزّاق وروي عن ابن معينٍ قال كان ابن عيينة يدلّس فيقول عن الزّهريّ فإذا قيل له من دون الزّهريّ فيقول لهم أليس لكم في الزّهريّ مقنعٌ فيقال بلى فإذا استقصي عليه يقول معمرٌ اكتبوا لا بارك اللّه لكم قال يحيى بن معينٍ وكان هشيم مدلسا كان الأعمش مدلسا وكان الوليد بن مسلمٍ مدلّسًا
[التمهيد: 1/31]
حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن رشيقٍ قال حدّثنا أبو الطّيّب أحمد بن سليمان بن عمرٍو البغداديّ قال حدّثنا محمّد بن محمد ابن سليمان الباغنذي قال حدّثنا عليّ بن عبد اللّه المدينيّ قال حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان عن سفيان الثّوريّ قال حدّثنا سليمان الأعمش عن إبراهيم التّيميّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال من بنى للّه مسجدًا ولو كمفحص قطاةٍ بنى اللّه له بيتًا في الجنّة قال عليّ بن المدينيّ قال يحيى بن سعيدٍ قال سفيان وشعبة لم يسمع الأعمش هذا الحديث من إبراهيم التّيميّ قال أبو عمر هذه شهادة عدلين إمامين على الأعمش بالتّدليس وأنّه كان يحدّث عن من لقيه بما لم يسمع منه وربّما كان بينهما رجلٌ أو رجلان فلمثل هذا وشبهه قال ابن معينٍ وغيره في الأعمش إنّه مدلّسٌ حدّثنا إسماعيل بن عبد الرّحمن حدّثنا إبراهيم بن بكر بن عمران حدّثنا محمّد بن الحسين الأزديّ حدّثنا عمران بن موسى
[التمهيد: 1/32]
حدّثنا أبو موسى الزّمن حدّثنا أبو الوليد قال سمعت أبا معاوية الضّرير يقول كنت أحدّث الأعمش عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهدٍ فيجيء أصحاب الحديث بالعشيّ فيقولون حدّثنا الأعمش عن مجاهدٍ بتلك الأحاديث فأقول أنا حدّثته عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهدٍ قال أبو عمر التّدليس في محدّثي أهل الكوفة كثيرٌ قال يزيد بن هارون لم أر بالكوفة أحدًا إلّا وهو يدلّس إلّا مسعرًا وشريكًا وذكر إسحاق بن إبراهيم عن أبي بكر بن عيّاشٍ عن الأعمش قال: قال لي حبيب بن أبي ثابتٍ لو أنّ رجلًا حدّثني عنك بحديثٍ ما باليت أن أرويه عنك
[التمهيد: 1/33]
وروى معاذ بن معاذٍ عن شعبة قال ما رأيت أحدا إلا وهو يدلس إلا عمرو بن مرّة وابن عونٍ وقال يحيى بن سعيدٍ القطّان مالكٌ عن سعيد بن المسيّب أحبّ إليّ من الثّوريّ عن إبراهيم لأنّه لو كان شيخ الثّوريّ فيه رمقٌ لبرح به وصاح وقال مرّةً أخرى كلاهما عندي شبه الرّيح حدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا سعيد بن عثمان حدّثنا الخشنيّ حدّثنا أبو موسى الزّمن حدّثنا الحسن ابن عبد الرّحمن عن ابن عونٍ قال ذكر أيّوب لمحمّدٍ يومًا حديثًا عن أبي قلابة فقال أبو قلابة رجلٌ صالحٌ ولكن انظر عمّن ذكره أبو قلابة وحدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا الحضرميّ حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ حدّثنا أبي حدّثنا إسماعيل بن عليّة عن أيّوب قال كان الرّجل يحدّث محمّدًا بالحديث فلا يقبل عليه ويقول واللّه ما أتّهمك ولا أتّهم ذاك ولكن أتّهم من بينكما
[التمهيد: 1/34]
حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد ابن زهيرٍ حدّثنا أحمد بن حنبلٍ قال حدّثنا أبو داود يعني الطّيالسيّ قال: قال شعبة كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة ممّا لم يسمع كان إذا جاء ما سمع يقول حدّثنا أنس بن مالكٍ وحدّثنا الحسن وحدّثنا سعيد بن المسيّب وحدّثنا مطرّفٌ وإذا جاء ما لم يسمع يقول قال سعيد بن جبيرٍ وقال أبو قلابة وذكر أبو عيسى التّرمذيّ حدّثنا حسين بن مهديٍّ البصريّ حدّثنا عبد الرّزّاق حدّثنا ابن المبارك قال قلت لهشيمٍ ما لك تدلّس وقد سمعت كثرا قال كان كبيراك يدلّسان الأعمش والثّوريّ وذكر أنّ الأعمش لم يسمع عن مجاهدٍ إلّا أربعة أحاديث وقال: قال أبو عيسى قلت لمحمّد بن إسماعيل البخاريّ لم يسمع الأعمش من مجاهدٍ إلّا أربعة أحاديث قال ريحٌ ليس بشيءٍ لقد عددت له أحاديث كثيرةً نحوًا من ثلاثين أو أقلّ أو أكثر يقول فيها حدّثنا مجاهدٌ قال البخاريّ ولا أعرف لسفيان الثّوريّ عن حبيب بن أبي ثابتٍ ولا عن سلمة بن كهيلٍ ولا عن منصورٍ وذكر مشايخ كثيرةً فقال لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسًا ما أقلّ تدليسه
[التمهيد: 1/35]
قال البخاريّ وكان حميدٌ الطّويل يدلّس حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن سعيدٍ قال حدّثنا أحمد بن مطرّفٍ قال حدّثنا سعيد بن عثمان الأعناقيّ قال حدّثنا أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل الأيليّ قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم قال: قال عبد اللّه بن عمر دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسجد بني عمرو بن عوفٍ يعني مسجد قباءٍ يصلّي فيه ودخلت رجالٌ من الأنصار يسلّمون عليه ودخل معهم صهيبٌ فسألت صهيبًا كيف كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصنع إذا سلّم عليه قال يشير بيده قال سفيان بن عيينة فقلت لرجلٍ سل زيد بن أسلم وفرقت أن أسأله هل سمعت هذا من ابن عمر فقال له يا أبا أسامة أسمعته من ابن عمر قال زيدٌ أمّا أنا فقد رأيته قال أبو عمر جواب زيدٍ هذا جواب حيرةٍ عمّا سئل عنه وفيه دليلٌ واللّه أعلم على أنّه لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر ولو سمعه منه لأجاب بأنّه سمعه ولم يجب بأنّه رآه وليست الرّؤية دليلًا على صحّة السّماع
[التمهيد: 1/36]
وقد صحّ سماعه من ابن عمر لأحاديث وقد ذكرنا ذلك في أوّل بابه من هذا الكتاب والحمد للّه حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أحمد بن زهيرٍ قال حدّثنا أحمد بن حنبل شعيب بن حربٍ قال: قال مالك بن أنسٍ كنّا نجلس إلى الزّهريّ وإلى محمّد بن المنكدر فيقول الزّهريّ قال ابن عمر كذا وكذا فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له الّذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به قال ابنه سالمٌ وقال حبيب بن الشّهيد قال لي محمّد بن سيرين سل أ) الحسن من سمع حديث العقيقة فسألته فقال من سمرة قال أبو عمر فهكذا مراسيل الثّقات إذا سئلوا أحالوا على الثّقات يقولون لم يسمع الحسن من سمرة غير حديث العقيقة هكذا قال ابن معينٍ وغيره وقال البخاريّ قد سمع منه أحاديث كثيرةً وصحّح سماعه من سمرة فيما ذكر التّرمذيّ أبو عيسى عن البخاريّ فاللّه أعلم حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أحمد بن زهيرٍ قال حدّثنا أحمد بن حنبلٍ قال حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال حدّثنا شعبة عن سليمان الأعمش قال قلت لإبراهيم إذا
[التمهيد: 1/37]
حدّثتني حديثًا فأسنده فقال إذا قلت عن عبد اللّه يعني ابن مسعودٍ فاعلم أنّه عن غير واحدٍ وإذا سمّيت لك أحدًا فهو الّذي سمّيت قال أبو عمر إلى هذا نزع من أصحابنا من زعم أنّ مرسل الإمام أولى من مسنده لأنّ في هذا الخبر ما يدلّ على أنّ مراسيل إبراهيم النّخعيّ أقوى من مسانيده وهو لعمري كذلك إلّا أنّ إبراهيم ليس بعيّارٍ على غيره أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن شاكرٍ قال حدّثنا محمّد بن يحيى بن عبد العزيز قال حدّثنا أسلم بن عبد العزيز قال حدثنا الربيع بن سلمان قال حدّثنا الشّافعيّ رحمه اللّه قال حدّثنا عمّي محمّد بن عليّ بن شافعٍ قال حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلّا كراهية أن يسمعه سامعٌ فيقتدي به وذلك أنّي أسمعه من الرّجل لا أثق به قد حدّث به عمّن أثق به أو أسمعه من رجلٍ أثق به قد حدّث به عمّن لا أثق به فلا أحدّث به
[التمهيد: 1/38]
قال أبو عمر هذا فعل أهل الورع والدّين كيف ترى في مرسل عروة بن الزبير وقد صح عنه ما ذكرنا أليس قد كفاك المؤنة ولو كان النّاس على هذا المذهب كلّهم لم يحتج إلى شيءٍ ممّا نحن فيه وفي خبر عروة هذا دليلٌ على أنّ ذلك الزّمان كان يحدّث فيه الثّقة وغير الثّقة فمن بحث وانتقد كان إمامًا ولهذا شرطنا في المرسل والمقطوع إمامة مرسله وانتقاده لمن يأخذ عنه وموضعه من الدّين والورع والفهم والعلم حدّثنا إسماعيل بن عبد الرّحمن حدّثنا إبراهيم بن بكر بن عمران حدّثنا محمّد بن الحسين بن أحمد الأزديّ الحافط قال حدّثنا عليّ بن إبراهيم قال حدّثنا الرّبيع بن سليمان قال حدّثنا الشّافعيّ قال أخبرني عمّي محمّد بن عليّ بن شافعٍ قال حدّثني هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال إنّي لأسمع الحديث أستحسنه فذكر كلام عروة كما تقدّم حرفًا بحرفٍ إلى آخره إلّا أنّه قال في أخره فأدعه لا أحدث به وزاد قال الشّافعيّ كان ابن سيرين وإبراهيم النّخعيّ وطاوسٌ وغير واحدٍ من التّابعين يذهبون إلى أن لا يقبلوا الحديث إلّا عن ثقةٍ يعرف ما يروي ويحفظ وما رأيت أحدًا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب
[التمهيد: 1/39]
قال أبو عمر ما أظنّ قول عروة هذا إلا مأخوذ من قول صلّى اللّه عليه وسلّم من روى عنّي حديثًا يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكذّابين وذلك أن كل من حديث بكلّ ما سمع من ثقةٍ وغير ثقةٍ لم يؤمن عليه أن يحدّث بالكذب واللّه أعلم حدّثني أحمد بن قاسمٍ وسعيد بن نصرٍ قالا حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل أبو إسماعيل التّرمذيّ قال حدّثنا نعيم بن حمّادٍ قال حدّثنا ابن المبارك قال سمعت يحيى ابن عبيد الله قال سمعت أبي تقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكلّ ما سمع قال ابن المبارك وأخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٍ عن قيس بن أبي حازمٍ قال سمعت أبا بكرٍ الصّدّيق يقول إيّاكم والكذب فإنّه مجانب الإيمان وروينا عن الثّوريّ قال: قال حبيب بن أبي ثابتٍ الّذي يروي الكذب هو الكذّاب حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا بكر بن حمّادٍ قال حدّثنا مسدّدٌ قال حدّثنا يحيى القطّان وأخبرنا
[التمهيد: 1/40]
عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أبو عليٍّ الحسن بن سلام السويقي قال حدثنا عفان بن مسلمٍ قالا حدّثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من روى عنّي حديثًا وهو يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكاذبين قال أبو عمر عن شعبة في هذا إسناد آخر أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن سلام السويقي قال حدثنا عفان بن مسلمٍ وعليّ بن الجعد قالا حدّثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن ميمون بن أبي شبيبٍ عن المغيرة بن شعبة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال من حدث عني بحديثٍ وهو يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكاذبين ورواه الثّوريّ عن حبيبٍ بإسناده مثله حدّثنا عبد الوارث قال حدّثنا قاسمٌ قال حدّثنا أحمد بن زهيرٍ قال حدّثنا أبو نعيمٍ قال حدّثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن ميمون بن أبي شبيبٍ عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكره

[التمهيد: 1/41]
حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن محمّدٍ قال حدّثنا الميمون بن حمزة الحسنيّ قال حدّثنا أبو جعفرٍ الطّحاويّ قال حدّثنا المزنيّ وحدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن يوسف قال حدّثنا سليمان بن أيّوب قال حدّثنا أسلم بن عبد العزيز قال حدّثنا الرّبيع بن سليمان قالا حدّثنا الشّافعيّ قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن محمّد بن عمرٍو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدّثوا عني لا تكذبوا عليّ قال الشّافعيّ رحمه اللّه هذا أشدّ حديثٍ روي في تخريج الرّواية عمّن لا يوثق بخبره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم معلومٌ منه أنّه لا يبيح اختلاق الكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم فلمّا فرّق بين الحديث عن بني إسرائيل وبين الحديث عنه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يحتمل إلّا أنّه أباح الحديث عن بني إسرائيل عن كلّ أحدٍ
[التمهيد: 1/42]
وأنّه من سمع منهم شيئًا جاز له أن يحدّث به عن كلّ من سمعه منه كائنًا من كان وأن يخبر عنهم بما بلغه لأنّه واللّه أعلم ليس في الحديث عنهم ما يقدح في الشّريعة ولا يوجب فيها حكمًا وقد كانت فيهم الأعاجيب فهي الّتي يحدّث بها عنهم لا شيء من أمور الدّيانة وهذا الوجه المباح عن بني إسرائيل هو المحظور عنه صلّى اللّه عليه وسلّم فلا ينبغي لأحدٍ أن يحدّث عنه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا عمّن يثق بخبره ويرضى دينه وأمانته لأنّها ديانةٌ أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصرٍ قالا حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل التّرمذيّ قال حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ قال حدّثنا سليمان التّيميّ عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار أخبرنا محمّد بن عبد الملك قال أخبرنا ابن الأعرابيّ قال حدّثنا سعدان بن نصرٍ قال حدّثنا سفيان عن هشام بن حجيرٍ عن طاوسٍ قال كنت عند ابن عبّاسٍ وبشير بن كعبٍ العدويّ يحدّثه فقال ابن عبّاسٍ عد لحديث كذا وكذا فعاد له ثمّ إنّه حدّث فقال له ابن عبّاسٍ عد لحديث كذا وكذا فعاد له ثمّ إنّه حدّث فقال له بشيرٌ ما لك تسألني عن هذا الحديث من بين حديثي كلّه أأنكرت حديثي كلّه وعرفت هذا أو عرفت حديثي كلّه وأنكرت هذا فقال له ابن عبّاسٍ إنّا كنّا نحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ لم يكن يكذب عليه فلمّا ركب النّاس الصعب والذلول
[التمهيد: 1/43]
تركنا الحديث عنه وفي هذا الحديث دليلٌ على أنّ الكذب على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد كان أحسّ به ابن عباس في عصره وقال رجل لابن المبارك هل يمكن أن يكذب أحدٌ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فانتهره وقال وماذا من الكذب وقال حمّاد بن زيدٍ وضعت الزّنادقة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اثني عشر ألف حديثٍ بثّوها في النّاس قال أبو عمر تخويف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته بالنّار على الكذب دليلٌ على أنّه كان يعلم أنّه سيكذب عليه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّثنا خلف بن قاسمٍ حدّثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق الرّازيّ حدّثنا أبو الزّنباع روح بن الفرج القطّان حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ويزيد بن موهبٍ قالا حدّثنا اللّيث بن سعدٍ قال حدّثني ابن شهابٍ عن أنس بن مالكٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال من كذب عليّ قال حسبت أنّه قال متعمّدًا فليتبوا بيته في النار (هـ)
[التمهيد: 1/44]
حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ حدّثنا أبو غياثٍ أصرم بن غياثٍ قال حدّثني أبو سنانٍ عن هرون بن عنترة قال: قال أبو هريرة إنّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه حدّثنا عبد الوارث حدّثنا قاسمٌ حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا الوليد بن شجاعٍ حدّثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عامر بن سعدٍ أنّ عقبة بن نافعٍ قال لبنيه يا بنيّ لا تقبلوا الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا من ثقةٍ وروّينا عن ابن معينٍ أنّه قال كان فيما أوصى به صهيبٌ بنيه أن قال يا بنيّ لا تقبلوا الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا من ثقةٍ وقال ابن عون لا تأخذوا العلم إلا من شهد له بالطّلب وفيما أجاز لنا عبد بن أحمد وحدّثناه عبد اللّه بن سعيدٍ عنه قال حدّثنا عليّ بن عمر قال حدّثنا محمّد بن مسلمٍ حدّثنا محمّد بن هشام بن البختريّ قال حدّثنا هشام بن هارون حدّثنا الحسين بن خالدٍ عن حمّاد بن زيدٍ عن شعيب بن الحبحاب قال غدوت إلى أنس بن مالكٍ
[التمهيد: 1/45]
فقال يا شعيب ما غدا بك فقلت يا أبا حمزة غدوت لا تعلم مننك وألتمس ما ينفعني فقال يا شعيب إنّ هذا العلم دينٌ فانظر ممّن تأخذه وقال سعيد ابن عبد العزيز عن سليمان بن موسى قال لا يؤخذ العلم من صحفيٍّ وقال القاسم بن محمّدٍ أقبح من الجهل أن أقول بغير علمٍ أو أحدّث عن غير ثقةٍ حدّثنا عبد الوارث حدّثنا قاسمٌ حدّثنا أحمد بن زهير حدثنا أحمد ابن يونس حدّثنا زائدة حدّثنا هشام بن حسّان قال: قال محمّد بن سيرين انظروا عمّن تأخذون هذا الحديث فإنّما هو دينكم حدّثنا عبد الوارث حدّثنا قاسمٌ حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ الشّافعيّ حدّثنا فضيل بن عياضٍ عن هشامٍ عن ابن سيرين قال إنّما هذا العلم دينٌ فانظروا عمّن تأخذونه حدّثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقريّ حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن سمعون ببغداد حدّثنا محمّد بن محمد بن أبي حذيفة حدثنا ربيعة ابن الحارث حدّثنا محمّد بن زيادٍ حدّثنا هشيمٌ عن المغيرة عن
[التمهيد: 1/46]
إبراهيم قال إنّ هذه الأحاديث دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينكم قال المغيرة كنّا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرا إلى سمته وصلاته وقد روى جماعةٌ عن هشيمٍ عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا إذا أتوا الرّجل ليأخذوا عنه نظروا إلى هديه وسمته وصلاته ثمّ أخذوا عنه أخبرنا عبد الوارث حدّثنا قاسمٌ حدّثنا أبو إسماعيل التّرمذيّ حدّثنا ابن أبي أويسٍ قال سمعت خالي مالك بن أنس يقول إن هذا العلم دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينكم لقد أدركت سبعين فذكر الحديث وهو بتمامه في الباب الّذي بعد هذا في أخبار مالكٍ رحمه اللّه حدّثنا خلف بن أحمد وعبد الرّحمن بن يحيى قالا حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن النّعمان حدثنا محمد بن علي ابن مروان قال سمعت عفّان بن مسلمٍ قال سمعت يحيى بن سعيدٍ القطّان يقول سمعت عبد الرّحمن بن مهديٍّ يقول سألت شعبة وابن المبارك والثّوريّ ومالك بن أنسٍ عن الرّجل يتّهم بالكذب فقالوا انشره فإنّه دينٌ وروّينا عن حمّاد بن زيدٍ أنّه قال كلّمنا شعبة في أن يكفّ عن أبان ابن أبي عيّاشٍ لسنّه وأهل بيته فقال لي يا أبا إسماعيل لا يحلّ الكفّ عنه لأنّ الأمر دينٌ
[التمهيد: 1/47]
حدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا أبو جعفر محمد ابن عمرو بن موسى العقيليّ حدّثنا محمّد بن إسماعيل حدّثنا الحسن بن عليٍّ قال سمعت يزيد بن هارون يقول حدّث سليمان التّيميّ بحديثٍ عن ابن سيرين فذكر له الحديث فقال له ابن سيرين ما هذا يا سليمان اتّق اللّه ولا تكذب عليّ فقال سليمان إنّما حدّثنا مؤذّننا أين هو فجاء المؤذّن فقال سليمان أليس حدّثتني عن ابن سيرين بكذا وكذا فقال إنّما حدّثنيه رجلٌ عن ابن سيرين أخبرنا خلف بن قاسمٍ قال حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ابن مهران السّرّاج قال حدّثنا جعفر بن أحمد بن الفرج الدّوريّ قال حدّثنا محمّد بن سعيد بن غالبٍ قال حدّثنا نصر بن حمّادٍ يعني الورّاق قال كنّا قعودًا على باب شعبة نتذاكر الحديث فقلت حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن عطاءٍ عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال (كنّا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجئت ذات يومٍ والنّبيّ عليه السّلام حوله أصحابه فسمعته يقول من توضّأ ثمّ صلّى ركعتين ثمّ استغفر اللّه غفر له قلت بخٍ بخٍ قال فجذبني رجل من خلف فالتفتّ فإذا عمر بن الخطّاب فقال ما لك تبخبخ فقلت عجبا بها (ب) قال لو سمعت الّتي قبلها كانت أعجب وأعجب قلت وما قال؟ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من شهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه قيل له ادخل من أيّ أبواب الجنّة شئت قال: قال نصرٌ فخرج علينا شعبة
[التمهيد: 1/48]
فلطمني ثمّ رجع فدخل قال فتنحّيت ناحيةً أبكي ثمّ خرج فقال ما له بعد يبكي فقال له عبد اللّه بن إدريس إنّك أسأت إليه قال انظر ما يحدّث به عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن عطاء عن عقبة بن عامرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنا قلت لأبي إسحاق من حدّثك قال حدّثنا عبد اللّه بن عطاءٍ عن عقبة بن عامرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت لأبي إسحاق أو سمع عبد اللّه من عقبة قال فغضب ومسعر بن كدامٍ حاضرٌ فقال لي مسعرٌ أغضبت الشّيخ فقلت ليصحّحنّ هذا الحديث أو لأرمينّ بحديثه فقال لي مسعرٌ هذا عبد اللّه بن عطاءٍ بمكّة قال شعبة فرحلت إلى مكّة لم أرد الحجّ أردت الحديث فلقيت عبد اللّه بن عطاءٍ فسألته فقال سعد بن إبراهيم حدّثني قال شعبة فلقيت مالك بن أنسٍ فسألته عن سعدٍ فقال سعد بن إبراهيم بالمدينة لم يحجّ العام فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم بالمدينة فسألته فقال الحديث من عندكم حدّثني زياد بن مخراقٍ قال شعبة فلمّا ذكر زياد بن مخراقٍ قلت أيّ شيءٍ هذا بينما هو كوفي (هـ) إذ صار مدنيًّا إذ صار بصريًّا قال شعبة فرحلت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراقٍ فسألته فقال ليس الحديث من بانتك (كذا) فقلت حدّثني به قال لا تردّه قلت حدّثني به قال حدّثني شهر بن حوشبٍ قلت ومن لي بهذا الحديث لو صحّ لي مثل هذا عن رسول اللّه
[التمهيد: 1/49]
صلّى اللّه عليه وسلّم كان أحبّ إليّ من أهلي ومالي ومن النّاس أجمعين وذكره الدّارقطنيّ عن أبي عبيدٍ القاسم بن إسماعيل المحامليّ ومحمّد بن مخلد بن حفصٍ العطّار قالا حدّثنا أبو يحيى محمّد بن سعيد ابن غالبٍ قال سمعت نصر بن حمّادٍ يقول كنّا قعودًا على باب شعبة فذكر مثله إلى آخره وقد روي هذا المعنى من وجوهٍ عن شعبة ولذلك ذكرته عن نصر بن حمّادٍ لأنّ نصر بن حمّادٍ الورّاق يروي عن شعبة مناكير تركوه وقد رواه الطّيالسيّ عن شعبة حدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا أحمد بن خالدٍ حدّثنا أحمد بن عبد اللّه الصّنعانيّ قال سمعت أبا حفصٍ يعني الفلّاس يقول سمعت أبا داود يقول كنّا عند شعبة فجاء بشر بن المفضّل فقال له أتحفظ عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن عطاء عن عقبة ابن عامرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما من مسلمٍ يتوضّأ فضحك شعبة فقال بشرٌ إنّا نراك قد سقط عنك حديثٌ جيّدٌ من حديث أبي إسحاق وتضحك قال فقال شعبة كنت عند أبي إسحاق فحدّث بهذا الحديث فقال حدثي عبد اللّه بن عطاءٍ عن عقبة بن عامرٍ قال شعبة وكان أبو إسحاق إذا حدّثني عن رجلٍ لا أعرفه قلت أنت أكبر أم هذا فقال حدّثني
[التمهيد: 1/50]
ذاك الفتى فتحوّلت فإذا شابٌ جالسٌ فسألته فقال صدق أنا حدثته فقلت أنت من حدّثك فقال حدّثني نعيم بن أبي هند فأتيت نعيم بن أبي هند فقلت من حدّثك قال زياد بن مخراقٍ قال شعبة فقدمت البصرة فلقيت زياد بن مخراقٍ فسألته فقال حدّثني رجلٌ من أهل البصرة لا أدري من هو عن شهر بن حوشبٍ قال أبو عمر هكذا يكون البحث والتّفتيش وهذا معروفٌ عن شعبة ولهذا وشبهه قال أبو عبد الرّحمن النّسائيّ أمناء اللّه عزّ وجلّ على حديث رسوله ثلاثةٌ مالك بن أنسٍ وشعبة بن الحجّاج ويحيى بن سعيدٍ القطّان قال أبو عمر الحديث الّذي جرى ذكره بين شعبة وبشرر بن المفضّل من حديث أبي إسحاق حدّثناه سعيد بن نصرٍ حدّثنا قاسمٌ حدّثنا ابن وضّاحٍ حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن عطاءٍ عن عقبة بن عامرٍ قال كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ فكنّا نتناوب الرّعية فلمّا كانت نوبتي سرحت ثمّ رحت فجئت ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب النّاس فسمعته يقول ما من مسلمٍ يتوضّأ فيسبغ الوضوء ثمّ يقوم في صلاته فيعلم ما يقول فيها إلّا انفتل وهو كيوم ولدته أمّه من الخطايا ليس عليه ذنبٌ قال فما ملكت نفسي عند ذلك أن قلت بخٍ بخٍ
[التمهيد: 1/51]
حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ قال سمعت يحيى بن سعيدٍ القطّان يقول ما رأيت الكذب في أحدٍ أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد وقال عفّان سمعت محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان يقول سمعت أبي يقول ما رأيت الصّالحين أكذب منهم في الحديث قال أبو عمر هذا معناه واللّه أعلم أنّه ينسب إلى الخير وليس كما نسب إليه وظنّ به وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قيل له أيكون المؤمن كذّابًا قال لا وهذا أيضًا على أنّه لا يغلب عليه الكذب أو لا يكذب على دينه ليضلّ غيره وقد تكلّمنا على هذا المعنى في باب صفوان بن سليمٍ والحمد للّه حدّثنا خلف بن سعيدٍ قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عليٍّ قال حدّثنا أحمد بن خالدٍ قال حدّثنا عليّ بن عبد العزيز وحدّثنا إبراهيم بن شاكرٍ قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عثمان حدّثنا سعيد بن حميدٍ وسعيد بن عثمان قالا حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن صالحٍ
[التمهيد: 1/52]
قال حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الرّقاشيّ حدّثنا يزيد بن زريعٍ حدّثنا محمّد بن إسحاق قال حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيدٍ قال أمّرني يحيى بن الحكم على جرشٍ فقدمتها فحدّثوني أنّ عبد اللّه بن جعفرٍ حدّثهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتّقوا صاحب هذا الدّاء يعني الجذام كما يتّقى السّبع إذا هبط واديًا فاهبطوا غيره فقلت واللّه لئن كان ابن جعفرٍ حدّثكم هذا ما كذبكم قال فلمّا عزلني عن جرشٍ قدمت المدينة فلقيت عبد اللّه بن جعفرٍ فقلت له يا أبا جعفرٍ ما حديثٌ حدّثه عنك أهل جرشٍ ثمّ حدّثته الحديث فقال كذبوا واللّه ما حدّثتهم ولقد رأيت عمر بن الخطّاب يدعو بالإناء فيه الماء فيناله معيقبًا وقد كان أسرع فيه هذا الدّاء ثمّ يتناوله فيتيمّم بفمه موضع فمه يعلم أنّه إنّما يصنع ذلك كراهية أن يدخل نفسه شيءٌ من العدوى ولقد كان يطلب له الطّبّ من كلّ من سمع عنده بطبٍّ حتّى قدم عليه رجلان من أهل اليمن فقال هل عندكما من طبٍّ لهذا الرّجل فإنّ هذا الوجع قد أسرع فيه قالا أمّا شيءٌ
[التمهيد: 1/53]
يذهبه فلا ولكنّا نداويه دواءً يقفه فلا يزيد قال عمر عافيةٌ عظيمةٌ قالا هل تنبت أرضك هذا الحنظل قال نعم قالا فاجمع لنا منه قال فأمر عمر فجمع منه مكتلتان عظيمتان فأخذا كلّ حنظلةٍ فشقّاها باثنتين ثم أخد كل واحد منها بقدم معيقيبٍ فجعلا يدلّكان بطون قدميه حتّى إذا أمحقت طرحاها وأخذا أخرى حتّى رأيا معيقيبا يتنخمه أخضرر مرًّا ثمّ أرسلاه قال فواللّه ما زال معيقيبٌ منها متماسكًا حتّى مات قال أبو عمر فهذا محمود بن لبيدٍ يحكي عن جماعةٍ أنّهم حدّثوه عن عبد اللّه بن جعفرٍ بما أنكره ابن جعفرٍ ولم يعرفه بل عرف ضدّه وهذا في زمنٍ فيه الصحابة فما ظنك بزمن بعدهم وقد تقدّم في هذا الباب عن ابن عبّاسٍ في عصره نحو هذا المعنى حدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيد بن حزمٍ حدّثنا أحمد بن خالدٍ حدّثنا ابن وضّاحٍ حدّثنا أحمد بن سعدٍ حدّثنا عمّي سعيد بن أبي مريم عن اللّيث بن سعدٍ قال قدم علينا رجلٌ من أهل المدينة يريد الإسكندريّة مرابطًا فنزل على جعفر بن ربيعة قال فعرضوا له بالحملان وعرضوا له بالمعونة فلم يقبل واجتمع هو وأصحابنا يزيد ابن أبي حبيبٍ وغيره فأقبل يحدّثهم حدّثني نافعٌ عن عبد اللّه بن عمر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال فجمعوا تلك الأحاديث وكتبوا بها إلى ابن نافعٍ وقالوا له إنّ رجلًا قدم علينا وخرج الى الاسكندرية مرابطا
[التمهيد: 1/54]
وحدثنا فأحببا أن لا يكون بيننا وبينك فيها أحدٌ فكتب إليهم واللّه ما حدّث أبي من هذا بحرف قط فانظرا عمّن تأخذون واحذروا قصّاصنا ومن يأتيكم حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ حدّثنا محمّد بن الجهم حدّثنا يعلى عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشّعبيّ عن الرّبيع بن خثيمٍ قال من قال لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ عشر مرّاتٍ كان له كعتق رقابٍ أو رقبةٍ قال الشّعبيّ فقلت للرّبيع بن خثيمٍ من حدّثك بهذا الحديث فقال عمرو بن ميمونٍ الأوديّ فلقيت عمرو بن ميمونٍ فقلت من حدّثك بهذا الحديث فقال عبد الرّحمن بن أبي ليلى فلقيت ابن أبي ليلى فقلت من حدّثك قال أبو أيّوب الأنصاريّ صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعلى هذا كان النّاس على البحث عن الإسناد وما زال النّاس يرسلون الأحاديث ولكنّ النّفس أسكن عند الإسناد وأشدّ طمأنينةً والأصل ما قدّمنا حدّثني خلف بن القاسم قال حدّثنا أبو الميمون عبد الرّحمن بن عمر بن راشدٍ البجليّ بدمشق قال حدّثنا أبو زرعة
[التمهيد: 1/55]
الدّمشقيّ قال حدّثنا الحسن بن الصّباح قال حدّثنا أبو قطنٍ عن أبي خلدة عن أبي العالية قال كنّا نسمع الرّواية بالبصرة عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فما رضينا حتّى رحلنا إليهم فسمعناها من أفواههم حدّثنا أبو عمر أحمد بن محمّد بن أحمد قال حدّثنا أبو عليٍّ الحسن بن سلمة بن المعلّى قال حدّثنا أبو عبد اللّه بن بحرٍ المصريّ قال حدّثنا الحسين بن الحسن المروزيّ قال سمعت ابن المبارك يقول لولا الإسناد لقال كلّ من شاء ما شاء ولكن إذا قيل له عن من بقي حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا بكر بن حمّادٍ قال حدّثنا مسدّدٌ قال حدّثنا عبد الواحد قال حدّثنا عاصمٌ الأحول عن أبي العالية قال حدّثني من سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول أعطوا كلّ سورةٍ حظّها من الرّكوع والسّجود قال عاصمٌ فقلت لأبي العالية أنسيت من حدّثك قال لا وإنّي لأذكره وأذكر المكان الّذي حدّثني فيه حدّثنا خلف بن أحمد الأمويّ مولًى لهم قال أخبرنا أحمد بن سعيدٍ قال حدّثنا محمّد بن قاسمٍ قال حدّثنا محمّد بن خيرون قال
[التمهيد: 1/56]
حدّثنا محمّد بن الحسين البغداديّ قال سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول سمعت يحيى بن سعيدٍ يقول الإسناد من الدّين قال يحيى وسمعت شعبة يقول إنّما يعلم صحّة الحديث بصحّة الإسناد وقرأت على خلف بن القاسم أنّ أبا الميمون عبد الرّحمن بن عمر الدّمشقيّ حدّثهم بدمشق قال حدّثنا أبو زرعة قال حدّثنا أبو مسهرٍ قال حدّثنا عقبة صاحب الأوزاعيّ قال سمعت الأوزاعيّ يقول ما ذهاب العلم إلّا ذهاب الإسناد أخبرنا أبو محمّدٍ إسماعيل بن عبد الرّحمن القرشيّ قال حدّثنا إبراهيم بن بكر بن عمران قال حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزديّ الموصليّ الحافظ قال حدّثنا عمران بن موسى قال حدّثنا محمّد بن المثنّى قال حدّثنا الحسين بن عبد الرّحمن قال حدّثنا ابن عونٍ قال كان الحسن يحدّثنا بأحاديث لو كان يسندها كان أحبّ إلينا قال أبو عمر اختلف النّاس في مراسيل الحسن فقبلها قومٌ وأباها آخرون وقد روى حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيدٍ قال ربّما حدّثت بالحديث الحسن ثمّ أسمعه بعد يحدّث به فأقول من حدّثك يا أبا سعيدٍ فيقول ما أدري غير أنّي قد سمعته من ثقةٍ فأقول أنا حدّثتك به وقال عبّاد بن منصورٍ سمعت الحسن يقول ما حدّثني به رجلان قلت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
[التمهيد: 1/57]
وقال ابن عونٍ قال بكرٌ المزنيّ للحسن وأنا عنده عمّن هذه الأحاديث الّتي تقول فيها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال عنك وعن هذا حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا أبي حدّثنا يزيد بن هارون قال حدّثنا بقيّة بن الوليد قال حدّثنا أبو العلاء عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هلاك أمّتي في القدريّة والعصبيّة والرّواية عن غير ثبتٍ هذا حديثٌ انفرد به بقيّة عن أبي العلاء هو إسنادٌ فيه ضعفٌ لا تقوم به حجّةٌ ولكنّا ذكرناه ليعرف والحديث الضّعيف لا يرفع وإن لم يحتجّ به وربّ حديثٍ ضعيف الإسناد صحيح المعنى حدّثنا أبو عثمان سعيد بن نصرٍ قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل التّرمذيّ قال حدّثنا الحميديّ قال حدّثنا سفيان قال سمعت سعد بن إبراهيم يقول لا يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (هـ) إلا الثقات وها معناه لا يحدّث عن رسول اللّه من لم يلقه إلّا من يعرف كيف يؤخذ الحديث وعن من يؤخذ وهو الثّقة حدّثنا خلف بن أحمد الأمويّ قال حدّثنا أحمد بن سعيدٍ الصّدفيّ قال حدّثنا أبو جعفرٍ العقيليّ قال حدّثنا جدّي وحدّثنا عبد اللّه بن محمد ابن يوسف قال حدّثنا يوسف بن أحمد قال حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن عمرو
[التمهيد: 1/58]
ابن موسى العقيليّ قال حدّثنا عليّ بن عبد العزيز قالا حدّثنا القعنبيّ قال حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ عن معان بن رفاعة السّلاميّ عن إبراهيم ابن عبد الرّحمن العذريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل هذا العلم من كلّ خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وحدّثنا إسماعيل بن عبد الرّحمن قال حدّثنا إبراهيم بن بكرٍ قال حدّثنا محمّد بن الحسين الأزديّ قال حدّثنا أبو يعلى وعبد اللّه بن محمّدٍ قالا حدّثنا أبو الرّبيع الزّهرانيّ عن حمّاد بن زيدٍ عن بقيّة بن الوليد عن معان بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرّحمن العذريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل هذا العلم من كلّ خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجالين وانتحال المبطلين حدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن عمرو بن موسى العقيلي قال حدثنا أحمد بن داود القومسيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر الخطّابيّ قال حدّثنا خالد بن عمرٍو عن اللّيث بن سعدٍ عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن أبي قبيلٍ عن عبد اللّه بن عمرٍو وأبي هريرة قالا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل هذا العلم من كلّ خلفٍ عدوله فذكره
[التمهيد: 1/59]
وروي أيضًا من حديث القاسم بن عبد الرّحمن عن أبي أمامة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله سواءٌ حدّثنا خلف بن أحمد قال حدّثنا أحمد بن سعيدٍ قال حدّثنا عبد الله ابن محمّد بن الفرج الزّطّنيّ قال حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهريّ قال سمعت أبا رجاءٍ يقول بلغني أنّ عبد الرّحمن بن مهديٍّ قال لابن المبارك أما تخشى على هذا الحديث أن يفسدوه قال كلّا فأين جهابذته حدّثنا خلف بن القاسم قال حدّثنا عبد اللّه بن جعفر بن الورد قال حدّثنا أبو عليٍّ الحسن بن ياسرٍ البغداديّ قال حدّثنا أبو حاتمٍ الرّازيّ قال حدّثنا عبدة بن سليمان المروزيّ قال قلت لابن المبارك أما تخشى على العلم أن يجيء المبتدع فيزيد في الحديث ما ليس منه قال لا أخشى هذا بعيش الجهابذة النّقّاد قال أبو عمر لعلم الإسناد طرقٌ يصعب سلوكها على من لم يصل بعنايته إليها يقطع كثيرًا من أيّامه فيها ومن اقتصر على حديث مالكٍ رحمه اللّه فقد كفي تعب التفتيش البحث ووضع يده من ذلك على عروةٍ وثقى لا تنفصم لأنّ مالكًا قد انتقد وانتقى وخلّص ولم يرو إلّا عن ثقةٍ حجّةٍ وسترى موقع مرسلات كتابه وموضعها من الصّحّة والاشتهار في النّقل في كتابنا هذا إن شاء الله وإنما روى مالك عن عبد الكريم بن أبي الخارق وهو مجتمع على ضعفه وتركه لأنه لم يعرفه إذا لم يكن من أهل بلده وكان حسن السمت الصلاة فغره ذلك منه لم يدخل في كتابه عه حكمًا أفرده به
[التمهيد: 1/60]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 ربيع الثاني 1433هـ/23-02-2012م, 10:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب ذكر عيونٍ من أخبار مالك رحمه الله وذكر فضل موطاه


قَالَ أَبُو عُمَرَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ (ت: 463هـ) : (
قال أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ النّمريّ في كتابه الاستيعاب
(باب ذكر عيونٍ من أخبار مالك رحمه الله وذكر فضل موطاه)
حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن قالا حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أبي دليمٍ قال حدّثنا محمّد بن وضّاحٍ قال حدّثنا الحارث بن مسكينٍ قال سمعت عبد اللّه بن وهبٍ يقول لولا أنّي أدركت مالكًا واللّيث لضللت
[التمهيد: 1/61]
قال ابن وضّاحٍ وسمعت أبا جعفرٍ الأيليّ يقول سمعت ابن وهبٍ ما لا أحصي يقول لولا أنّ اللّه أنقذني بمالكٍ واللّيث لضللت حدثا أحمد بن عبد اللّه قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه قال حدّثنا أحمد بن الحسين قال حدّثنا عليٌّ قال حدّثنا هارون قال سمعت الشّافعيّ يقول وذكر الأحكام والسّنن فقال العلم يعني الحديث يدور على ثلاثةٍ مالك بن أنسٍ وسفيان بن عيينة واللّيث بن سعد وقال عبد الرحمن بن مهديٍّ أئمّة النّاس في زمانهم أربعةٌ سفيان الثّوريّ بالكوفة ومالكٌ بالحجاز والأوزاعيّ بالشّام وحمّاد بن زيدٍ بالبصرة حدّثنا أحمد بن محمّد بن أحمد قال حدّثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن وحدّثنا خلف بن القاسم بن سهلٍ قال حدّثنا الحسن بن رشيقٍ أنّهما جميعًا سمعا أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيبٍ النّسائيّ يقول أمناء اللّه عزّ وجلّ على علم رسوله صلّى اللّه عليه وسلم
[التمهيد: 1/62]
شعبة بن الحجّاج ومالك بن أنسٍ ويحيى بن سعيد القطان قال والثوري إمامٌ إلّا أنّه كان يروي عن الضّعفاء قال وكذلك ابن المبارك من أجلّ أهل زمانه إلّا أنّه يروي عن الضّعفاء قال وما أحدٌ عندي بعد التّابعين أنبل من مالك بن أنسٍ ولا أجلّ ولا آمن على الحديث منه ثمّ شعبة في الحديث ثمّ يحيى بن سعيدٍ القطّان وليس بعد التّابعين آمن من هؤلاء الثّلاثة ولا أقلّ روايةً عن الضّعفاء وقال يحيى القطّان سفيان وشعبة ليس لهما ثالثٌ إلّا مالكٌ حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن يوسف قال حدّثنا يحيى بن مالكٍ قال حدّثنا محمّد بن سليمان بن أبي الشّريف قال حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل الغافقيّ قال حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم والرّبيع بن سليمان قالا سمعنا الشّافعيّ يقول لولا مالك وسفيان يعني ابن عيينة ذهب عام الحجاز قالا وسمعنا الشّافعيّ يقول كان مالكٌ إذا شكّ في الحديث طرحه كلّه حدّثنا عبد اللّه حدّثنا يحيى حدّثنا ابن أبي الشريف حدثنا إبراهيم ابن إسماعيل حدّثنا محمّد بن عبد الحكم قال سمعت الشّافعيّ يقول إذا جاء الأثر فمالكٌ النجم
[التمهيد: 1/63]
حدّثني خلف بن قاسمٍ قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن المفسّر قال حدّثنا أحمد بن عليّ بن سعيدٍ القاضي قال حدّثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ قال كنّا عند حمّاد بن زيدٍ فجاءه نعي مالك بن أنسٍ فسالت دموعه ثمّ قال يرحم اللّه أبا عبد اللّه لقد كان من الدّين بمكانٍ ثمّ قال حمّادٌ سمعت أيّوب يقول لقد كانت له حلقةٌ في حياة نافعٍ حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن محمّد بن عليٍّ قال حدّثنا أبي قال أخبرنا مسلم بن عبد العزيز قال حدّثنا الرّبيع بن سليمان قال سمعت الشّافعيّ يقول إذا جاء الحديث عن مالكٍ فشدّ به يديك قال وسمعت الشّافعيّ يقول إذا جاء الأثر فما لك النّجم حدّثنا خلف بن القاسم نا عبد اللّه بن جعفر بن الورد حدّثنا عبد الله أبن أحمد بن عبد السّلام الخفّاف قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل البخاريّ قال سمعت عليّ بن المدينيّ يقول مالكٌ إمامٌ قال عليٌّ وسمعت سفيان بن عيينة بقول مالكٌ إمامٌ حدّثنا عبد الوارث بن سفيان حدّثنا قاسم بن أصبغ حدّثنا أحمد بن زهيرٍ حدّثنا عليّ بن المدينيّ قال حدّثنا أيوب بن المتوكل عن عبد الرحمن بن مهديٍّ قال لا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشّاذّ من العلم ولا يكون إماما في العلم من يروى (هـ) عن كلّ أحدٍ ولا يكون إمامًا في العلم من روى كلّ ما سمع قال والحفظ الإتقان
[التمهيد: 1/64]
قال أبو عمر معلومٌ أنّ مالكًا كان من أشدّ النّاس تركًا لشذوذ العلم وأشدّهم انتقادًا للرّجال وأقلّهم تكلّفًا وأتقنهم حفظًا فلذلك صار إمامًا حدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أيمن حدّثنا علّان حدّثنا صالح بن أحمد بن حنبل حدثنا علي ابن المديني قال سمعت يحي بن سعيد القطان يقول كان مالكٌ إمامًا في الحديث قال عليٌّ وسمعت ابن عيينة يقول ما كان أشدّ انتقاد مالكٍ للرّجال وأعلمه بهم قال صالحٌ وحدثنا علي ابن المدينيّ قال سمعت عبد الرّحمن بن مهديٍّ يقول أخبرني وهيب بن خالدٍ وكان من أبصر الناس بالحديث وبالرجال أنه قدم المدنية قال فلم أر أحدًا إلّا يعرف وينكر إلّا مالكًا ويحيى بن سعيدٍ وكان عبد الرحمن بن مهديٍّ يقول ما أقدّم على مالكٍ في صحّة الحديث أحدًا حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أبو يحيى عبد الله ابن أبي مسرّة بمكّة قال حدّثني مطرّف بن عبد اللّه عن مالك بن أنسٍ قال لقد تركت جماع من أهل المدينة ما أخذت عنهم من العلم شيئا وأنهم لممن يؤخذ عنهم العلم وكانوا أصنافًا فمنهم من كان كذّابًا في غير علمه تركته لكذبه ومنهم من كان جاهلًا بما عنده فلم يكن عندي موضعًا للأخذ عنه لجهله ومنهم من كان يدين برأي سوءٍ
[التمهيد: 1/65]
حدّثنا أبو القاسم خلف بن القاسم قراءةً منّي عليه أنّ أبا الطاهر محمد ابن أحمد بن عبد اللّه بن يحيى القاضي بمصر حدثهم قال حدثنا جعفر بن محمد ابن الحسين الفريابيّ قال حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ
قال حدّثنا معن بن عيسى ومحمّد بن صدقة أحدهما أو كلاهما قالا كان مالك بن أنسٍ يقول لا يؤخذ العلم من أربعةٍ ويؤخذ من سوى ذلك لا يؤخذ من سفيهٍ ولا يؤخذ من صاحب هوًى يدعو النّاس إلى هواه ولا من كذّابٍ يكذب في أحاديث النّاس وإن كان لا يتّهم على أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا من شيخٍ له فضلٌ وصلاحٌ وعبادةٌ إذا كان لا يعرف ما يحدّث قال إبراهيم بن المنذر فذكرت هذا الحديث لمطرّف بن عبد اللّه فقال أشهد على مالكٍ لسمعته يقول أدركت بهذا البلد مشيخةً أهل فضلٍ وصلاحٍ يحدّثون ما سمعت من أحدٍ منهم شيئًا قطّ قيل له (هـ) لم يا أبا عبد اللّه قال كانوا لا يعرفون ما يحدّثون
[التمهيد: 1/66]
وحدّثنا خلفٌ حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا أبو جعفرٍ العقيليّ حدّثنا محمّد بن إسماعيل الصّائغ حدّثنا إبراهيم بن المنذر أخبرنا معن بن عيسى قال كان مالك بن أنسٍ يقول لا يؤخذ العلم من أربعةٍ فذكره إلى آخره سواءً لم يذكر فيه محمّد بن صدقة حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل التّرمذيّ قال سمعت ابن أبي أويسٍ يقول سمعت خالي مالك بن أنس يقول إن هذا العلم دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينكم لقد أدركت سبعين ممّن يحدّث قال فلانٌ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند هذه الأساطين وأشار إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فما أخذت عنهم شيئا وان أحدهم لو اؤتمن على بيت المال (هـ) لكان أمينًا لأنّهم لم يكونوا من أهل هذا الشّأن وقدم علينا ابن شهابٍ فكنّا نزدحم على بابه وحدّثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى قالا حدّثنا أحمد بن سعيدٍ قال حدّثنا محمّد بن أحمد قال حدّثنا ابن وضّاحٍ قال حدّثنا ابن أبي مريم قال سمعت أشهب يقول سمعت مالكًا يقول أدركت بالمدينة مشايخ أبناء مائةٍ وأكثر فبعضهم قد حدّثت بأحاديثه وبعضهم لم أحدّث بأحاديثه كلّها وبعضهم لم أحدّث من أحاديثه شيئًا ولم أترك الحديث عنهم لأنّهم لم يكونوا ثقات فيما حملوا إلّا أنّهم حملوا شيئًا لم يعقلوه
[التمهيد: 1/67]
وحدّثنا خلف بن أحمد حدّثنا أحمد بن سعيدٍ حدّثنا سعيد بن عثمان حدّثنا محمّد بن عبد الواحد الخولانيّ حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الرّحيم البرقيّ حدّثنا عمر بن أبي سلمة الدّمشقيّ عن ابن كنانة عن مالكٍ قال ربّما جلس إلينا الشّيخ فيتحدّث كلّ نهاره ما نأخذ عنه حديثا واحدا وما بنا أنا نتهمه ولكنه ليس من أهل الحديث حدّثنا أبو عثمان سعيد بن نصرٍ وأبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قالا حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أبو قلابة محمّد بن عبد الملك الرّقاشيّ قال حدّثنا بشر بن عمر قال سألت مالك بن أنسٍ عن رجلٍ فقال هل رأيته في كتبي قلت لا قال لو كان ثقةً لرأيته في كتبي وممّا يؤيّد قول مالكٍ رحمه اللّه أنّه لا يؤخذ عن الكذّاب في أحاديث النّاس وإن لم يكن يكذب في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما رواه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن موسى الجنديّ قال ردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادة رجل في كذبةٍ كذبها قال معمرٌ لا أدري أكذب على اللّه أو على رسوله أو كذب على أحدٍ من النّاس
[التمهيد: 1/68]
حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن خالدٍ الهمدانيّ قال حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن جعفر بن احمد بن مالكٍ حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدّثنا عبد الرّزّاق فذكره حدّثنا خلف بن أحمد قال حدّثنا أحمد بن سعيدٍ قال حدّثنا محمّد بن عمرٍو العقيليّ قال حدّثنا أحمد بن زكريّا قال حدّثنا أحمد بن عبد المؤمن قال حدّثنا يحيى بن قعنبٍ قال حدّثنا حمّاد بن زيدٍ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول اللّه إذا اطّلع على أحدٍ من أهل بيته يكذب لم يزل معرضًا عنه حتّى يحدث للّه توبةً حدّثنا خلف بن القاسم حدّثنا سعيد بن عثمان بن السّكن حدّثنا بدر ابن الهيثم القاضي حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي حدثنا علي ابن حكيمٍ حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه الأنصاريّ قال سئل شريكٌ فقيل له يا أبا عبد اللّه رجلٌ سمعته يكذب متعمّدًا أأصلّي خلفه قال لا
[التمهيد: 1/69]
قال أبو عمر قال يحيى بن معينٍ آلة المحدّث الصّدق حدّثنا خلف بن القاسم حدّثنا الحسين بن عبد اللّه القرشيّ حدّثنا عبد الله بن محمد القاضي حدثنا يونس بن عبد الأعلي قال سمعت بشر ابن بكرٍ قال رأيت الأوزاعيّ في المنام مع جماعةٍ من العلماء في الجنّة فقلت وأين مالك بن أنسٍ فقيل رفع فقلت بم ذا قال بصدقه حدّثنا إسماعيل بن عبد الرحمن حدّثنا إبراهيم بن بكر بن عمران حدّثنا محمّد بن الحسين بن أحمد الأزديّ الحافظ حدّثنا زكريّاء بن يحيى السّاجيّ حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن بن صالحٍ الأزديّ قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدّثنا مطرّفٌ قال سمعت مالك بن أنسٍ يقول قل ما كان رجلٌ صادقًا لا يكذب إلّا متّع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف أخبرنا أبو محمّدٍ عبد اللّه بن محمّد بن عبد المؤمن قال حدّثنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفار قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا نصر بن عليٍّ قال حدّثنا حسين بن عروة عن مالكٍ قال
[التمهيد: 1/70]
قدم علينا الزّهريّ فأتيناه ومعنا ربيعة فحدّثنا بنيّفٍ وأربعين حديثًا قال ثمّ أتيناه من الغد فقال انظروا كتابًا حتّى أحدّثكم منه أرأيتم ما حدّثتكم أمس أيّ شيءٍ في أيديكم منه قال فقال له ربيعة ها هنا من يردّ عليك ما حدّثت به أمس قال من هو قال ابن أبي عامرٍ قال هات فحدثته بأربعين حدثنا منها فقال الزّهريّ ما كنت أظنّ أنّه بقي أحدٌ يحفظ هذا غيري قال إسماعيل وحدّثني عتيق بن يعقوب قال سمعت مالكًا يقول حدّثني ابن شهابٍ ببضعةٍ وأربعين حديثًا ثمّ قال إيه أعد عليّ فأعدت عليه أربعين وأسقطت البضع حدّثنا أبو عثمان سعيد بن سيّد بن سعيدٍ وعبد اللّه بن محمد ابن يوسف قالا حدّثنا عبد اللّه بن محمّد الباجيّ قال حدّثنا الحسن بن عبد اللّه الزّبيديّ قال حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل الأصبهانيّ في المسجد الحرام قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ قال سمعت أبي يقول كنت جالسًا مع مالك بن أنسٍ في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ أتاه رجلٌ فقال ايكم أبو عبد الله مالك فقالا هذا فجاء (هـ) فسلّم عليه واعتنقه وقبّل بين عينيه وضمّه إلى صدره وقال واللّه لقد رأيت البارحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسًا في هذا الموضع فقال هاتوا مالكًا فأتي بك ترتعد فرائصك فقال ليس بك بأسٌ يا أبا عبد اللّه وكنّاك وقال اجلس فجلست فقال افتح حجرك ففتحت فملأه مسكًا منثورًا وقال ضمّه إليك وبثّه في أمّتي قال فبكى مالك طويلا قال الرؤيا تسر لا تغرّ وإن صدقت رؤياك فهو العلم الّذي أودعني الله
[التمهيد: 1/71]
وقال ابن بكيرٍ عن أبي لهيعة قال قدم علينا أبو الأسود يعني يتيم عروة سنة إحدى وثلاثين ومائةٍ فقلت من للرّأي بعد ربيعة بالحجاز فقال الغلام الأصبحيّ وعن ابن مهديٍّ أنّه سئل من أعلم مالكٌ أو أبو حنيفة فقال مالكٌ أعلم من أستاذ أبي حنيفة يعني حمّاد بن أبي سليمان أخبرني خلف بن قاسمٍ قال حدّثنا ابن سفيان قال حدّثنا إبراهيم بن عثمان قال حدّثنا أبو داود السّجستانيّ قال سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول مالك بن أنسٍ أتبع من سفيان حدّثنا خلف بن القاسم حدّثنا أبو الميمون حدّثنا أبو زرعة قال سمعت أحمد بن حنبلٍ يسأل عن سفيان ومالكٍ إذا اختلفا في الرّأي فقال مالكٌ أكبر في قلبي فقلت فمالك الأوزاعي إذ اختلفا فقال مالكٌ أحبّ إليّ وإن كان الأوزاعيّ من الأيّمة فقيل له ومالكٌ إبراهيم النّخعيّ فقال هذا كأنّه سمعه ضعه مع أهل زمانه
[التمهيد: 1/72]
وأخبرنا خلف بن القاسم حدّثنا أبو الميمون حدّثنا أبو زرعة حدّثني الوليد بن عقبة حدّثنا الهيثم بن جميلٍ قال شهدت مالك بن أنسٍ سئل عن ثمانٍ وأربعين مسألةً فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري قال أبو زرعة وحدّثني سليم بن عبد الرحمن حدّثنا ابن وهبٍ عن مالكٍ قال سمعت ابن هرمز يقول ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتّى يكون أصلًا في أيديهم فإذا سئل أحدهم عمّا لا يعلم قال لا أدري قال أبو زرعة وحدّثنا محمّد بن إبراهيم عن أحمد بن صالحٍ عن يحيى بن حسّان عن وهبٍ يعني ابن جريرٍ قال سمعت شعبة يقول قدمت المدينة بعد موت نافعٍ بسنةٍ ولمالكٍ يومئذٍ حلقةٌ حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أحمد بن زهيرٍ قال سمعت يحيى بن معينٍ يقول مالك بن أنسٍ أثبت في نافعٍ من عبيد اللّه بن عمر وأيّوب وقال ابن أبي مريم قلت لابن معينٍ اللّيث أرفع عندك أم مالكٌ قال مالكٌ قلت أليس مالكٌ أعلى أصحاب الزّهريّ قال نعم قال فعبيد اللّه أثبت في نافعٍ أو مالكٍ قال مالكٌ أثبت النّاس
[التمهيد: 1/73]
وقال يحيى بن معينٍ كان مالكٌ من حجج اللّه على خلقه حدّثنا أبو محمّدٍ قاسم بن محمّدٍ قال حدّثنا خلف بن سعدٍ قال حدّثنا أبو عمرٍو عثمان بن عبد الرحمن قال حدّثنا إبراهيم بن نصرٍ الحافظ قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول سمعت الشّافعيّ يقول إذا ذكر العلماء فمالكٌ النّجم وما أحدٌ أمنّ عليّ في علمٍ من مالك بن أنسٍ وروى طاهر بن خالد بن نزارٍ عن أبيه عن سفيان بن عيينة أنّه ذكر مالك بن أنسٍ فقال كان لا يبلّغ من الحديث إلّا صحيحًا ولا يحدث إلا عن ثقات الناس ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موتٍ مالك بن أنسٍ وحدّثنا قاسم بن محمّدٍ قال حدّثنا خالد بن سعدٍ قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن قال حدّثنا إبراهيم بن نصرٍ قال سمعت محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم يقول سمعت الشّافعيّ يقول قال لي محمّد بن الحسن صاحبنا أعلم من صاحبك وما كان على صاحبك أن يتكلم ما كان
[التمهيد: 1/74]
لصاحبنا أن يسكت قال فغضبت وقلت نشدتك اللّه من كان أعلم بسنّة رسول اللّه مالك أو أبو حنيفة قال مالك لا كن صاحبنا أقيس فقلت نعم ومالكٌ أعلم بكتاب اللّه وناسخه ومنسوخه وسنّة رسول اللّه من أبي حنيفة فمن كان أعلم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان أولى بالكلام قال أبو عمر الأخبار في إمامة مالك وحفظه وإتقانه وورعه وتثبّته أكثر من أن تحصى وقد ألف الناس في فضائله كتبا كثيرة إنما ذكرت ها هنا فقرًا من أخباره دالّةً على ما سواها
[التمهيد: 1/75]
حدّثنا أحمد بن عبد اللّه قال حدّثنا عبد الرحمن بن محمّدٍ قال حدّثنا أحمد بن الحسن قال حدّثنا عليّ بن حيّون قال حدّثنا هارون بن سعيدٍ الأيليّ قال سمعت الشّافعيّ قال ما كتابٌ أكثر صوابًا بعد كتاب اللّه من كتاب مالكٍ يعني الموطّأ
[التمهيد: 1/76]
حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن يوسف قال حدّثنا يحيى بن مالكٍ قال حدّثنا محمد بن سليمان ابن أبي الشّريف قال حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل قال حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي ما في الأرض بعد كتاب اللّه أكثر صوابًا من موطّأ مالك بن أنسٍ وأنبأنا عليّ بن إبراهيم قال حدّثنا الحسن بن رشيقٍ قال حدّثنا أحمد بن عليّ بن الحسن المدنيّ قال حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالحٍ قال سمعت هارون بن سعيدٍ الأيليّ يقول سمعت الشافعي يقول ما كتاب بعد كتاب اللّه عزّ وجلّ أنفع من موطّأ مالك بن أنسٍ وحدّثنا عليّ بن إبراهيم أبو الحسن يعرف بابن حمّويه قال حدّثنا الحسن بن رشيقٍ قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن سليمان التّنّيسيّ أبو محمّدٍ قال أنبأنا أحمد بن عيسى بن زيدٍ اللّخميّ قال: قال لنا عمر بن أبي سلمة ما قرأت كتاب الجامع من موطأ مالك بن أنس ألا أنا أتاني آتٍ في المنام فقال لي هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (هـ) حقًّا أنبأنا عبد اللّه بن محمّد بن يحيى قال حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن محمّد بن عمرٍو القاضي المالكيّ قال أنبأنا إبراهيم بن حمّادٍ
[التمهيد: 1/77]
قال حدّثنا أبو طاهرٍ قال حدّثنا صفوان عن عمر بن عبد الواحدٍ صاحب الأوزاعيّ قال عرضنا على مالك الموطا في أربعين يومًا فقال كتابٌ ألّفته في أربعين سنةً أخذتموه في أربعين يومًا قلّما تفقهون فيه حدّثنا عبد اللّه حدّثنا القاضي حدّثنا عبد الواحد بن العبّاس الهاشميّ حدّثنا عبّاس بن عبد اللّه التّرقفيّ قال: قال عبد الرحمن بن مهديٍّ ما كتابٌ بعد كتاب اللّه أنفع للنّاس من الموطّأ أو كلامٌ هذا معناه حدّثنا عبد اللّه حدّثنا القاضي حدّثنا القاسم بن عليٍّ حدّثنا إبراهيم بن الحسن السرافي (هـ) حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالحٍ قال سمعت أبي يقول قال ابن وهبٍ من كتب موطّأ مالكٍ فلا عليه أن لا يكتب من الحلال والحرام شيئًا وحدّثنا عبد اللّه حدّثنا القاضي حدّثنا القاسم بن عليٍّ حدّثنا إبراهيم بن الحسن قال سمعت يحيى بن عثمان يقول سمعت سعيد بن أبي مريم يقول وهو يقرأ عليه موطّأ مالكٍ وكان ابنا أخيه قد رحلا إلى العراق في طلب العلم فقال سعيدٌ لو أنّ ابني أخي مكثا بالعراق عمرهما يكتبان ليلًا ونهارًا ما أتيا بعلمٍ يشبه موطّأ مالكٍ وقال ما أتيا بسنّةٍ يجتمع عليها خلاف موطّأ مالك بن أنسٍ وحدّثنا عبد اللّه حدّثنا القاضي قال حدّثني عليّ بن الحسين القطّان قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ القروي (يي) قال سمعت يونس بن عبد الأعلى
[التمهيد: 1/78]
يقول سمعت الشّافعيّ يقول ما رأيت كتابًا ألّف في العلم أكثر صوابًا من موطّأ مالك حدثا أبو القاسم خلف بن قاسمٍ قال حدّثنا أبو الميمون عبد الرّحمن بن عمر بن راشدٍ البجليّ بدمشق قال حدّثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرٍو الدّمشقيّ قال حدّثنا أبو مسهرٍ عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى قال إذا كان فقه الرّجل حجازيًّا وأدبه عراقيًّا فقد كمل أنبأنا عبد اللّه بن محمّد بن عبد المؤمن قال أنبأنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار ببغداد قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ قال حدّثنا الأصمعيّ عن سفيان بن عيينة قال من أراد الإسناد والحديث المعروف الّذي تسكن إليه القلوب فعليه بحديث أهل المدينة أنبأنا أحمد بن عبد اللّه قال أنبأنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ الغافقيّ الجوهريّ قال أخبرني محمّد بن أحمد المدنيّ قال حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال محمّد بن إدريس الشّافعيّ إذا وجدت متقدّم أهل المدينة على شيءٍ فلا يدخل عليك شكٌّ أنّه الحقّ وكلّ ما جاءك من غير ذلك فلا تلتفت إليه فإنّك تقع في اللّجج وتقع في البحار قال وحدّثنا أبو الطّاهر القاضي محمّد بن أحمد الذّهليّ قال حدّثنا جعفرٌ قال حدّثنا أبو قدامة قال: قال عبد الرّحمن بن مهدي السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خيرٌ من الحديث يعني حديث أهل العراق
[التمهيد: 1/79]
حدّثنا أحمد بن عمر قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ قال حدّثنا محمّد بن فطيسٍ قال حدّثنا ملك بن سيفٍ (التّجيبيّ) قال حدّثنا عبد اللّه بن عبد الحكم قال سمعت مالك بن أنسٍ يقول إذا جاوز الحديث الحرّتين ضعف نخاعه وحدّثنا أحمد بن عبد اللّه قال حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ قال حدّثنا أحمد بن الحسين قال حدّثنا العتبيّ قال حدّثنا الرّبيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول إذا جاوز الحديث الحرّتين ضعف نخاعه وروى شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن أبي مجلزٍ عن قيس بن عبّادٍ قال قدمت المدينة أطلب العلم والشّرف وذكر الحديث وأنبأنا عبد الرّحمن بن يحيى قال حدّثنا عليّ بن محمّد بن مسرورٍ قال حدّثنا أحمد بن أبي سليمان قال حدّثنا سحنونٌ قال حدّثنا ابن وهبٍ قال سمعت مالكًا يقول كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى
[التمهيد: 1/80]
الأمصار يعلّمهم السّنن والفقه ويكتب إلى المدينة يسألهم عما مضى وان يعلموا بما عندهم ويكتب إلى أبي بكر ابن حزمٍ أن يجمع السّنن ويكتب إليه بها فتوفّي عمر وقد كتب ابن حزمٍ كتبًا قبل أن يبعث بها إليه قال ابن وهبٍ وحدّثني مالكٌ قال كان أبو بكر ابن حزمٍ على قضاء المدينة قال وولي المدينة أميرًا وقال له يومًا قائلٌ ما أدري كيف أصنع بالاختلاف فقال له أبو بكر ابن حزمٍ يا ابن أخي إذا وجدت أهل المدينة مجتمعين على أمرٍ فلا تشكّ فيه أنّه الحقّ قال ابن وهبٍ وقال لي مالكٌ لم يكن بالمدينة قطّ إمامٌ أخبر بحديثين مختلفين حدّثنا أحمد بن عبد اللّه قال حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه قال حدّثنا (هـ) محمد بن أحمد الذهلي قال حدّثنا جعفر بن محمّدٍ قال حدّثنا أبو قدامة عبيد اللّه بن سعدٍ قال سمعت عبد الرّحمن بن مهديٍّ يقول ما أدركت أحدًا إلّا وهو يخاف هذا الحديث إلّا مالك بن أنسٍ وحمّاد بن سلمة فإنّهما كان يجعلانه من أعمال البرّ قال وقال عبد الرّحمن بن مهدي السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خيرٌ من الحديث قال وقال أبو قدامة كان مالك بن أنسٍ من أحفظ أهل زمانه وقال عبد الرّحمن بن مهديٍّ وقد سئل أيّ الحديث أصحّ قال حديث أهل الحجاز قيل له ثمّ من قال حديث أهل البصرة قيل ثمّ من قال حديث أهل الكوفة قالوا فالشّام قال فنفض يده
[التمهيد: 1/81]
وذكر الحسن الحلوانيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال حدّثني اللّيث عن يحيى بن سعيدٍ قال ما أعلم الورع اليوم إلّا في أهل المدينة وأهل مصر قال أبو عمر لقد أحسن القائل:
أقول لمن يروي الحديث ويكتب = ويسلك سبل العلم فيه ويطلب
إن أحببت أن تدعى لدى الحقّ عالما = فلا تعد ما يحتوي من العلم يثرب
أتترك دارًا كان بين بيوتها = يروح ويغدو جبرئيل المقرّب
ومات رسول الله فيها وبعده = بسنته أصحصابه قد تأدبوا (هـ)
وفرق سبل العلم في تابعيهم = وكل امرئ منهم له فيه مذهب
وخلّصه بالسّبك للنّاس مالكٌ = ومنه صحيحٌ في المقال وأجرب
فأبرّا لتصحيح الرّواية داءه = وتصحيحها فيه دواءٌ مجرّبٌ
ولو لم يلح نور الموطّا لمن سرى = بليل عماه ما درى أين يذهب
أبا طالبًا للعلم إن كنت تطلب = حقيقة علم الدّين محضًا وترغب
فبادر موطّا مالكٍ قبل فوته = فما بعده إن فات للحقّ مطلب
[التمهيد: 1/82]
ودع للموطّا كلّ علمٍ تريده = فإنّ الموطّا الشّمس والعلم كوكب
هو الأصل طاب الفرع منه لطيبه = ولم لا يطيب الفرع والأصل طيّب
هو العلم عند اللّه بعد كتابه = وفيه لسان الصّدق بالحقّ معرب
لقد أعربت آثاره ببيانها = فليس لها في العالمين مكدب
وممّا به أهل الحجاز تفاخروا = بأنّ الموطّا بالعراق محبب
وكل كتاب بالعراق مؤلف = نره بآثار الموطّا يعصب
ومن لم تكن كتب الموطّا ببيته = فذاك من التّوفيق بيتٌ مخيّب
أيعجب منه إذ علا في حياته = تعاليه من بعد المنيّة أعجب
جزى اللّه عنّا في موطّاه مالكًا = بأفضل ما يجزي اللّبيب المهذّب
لقد أحسن التّحصيل في كلّ ما روى = كذا فعل من يخشى الإله ويرهب
لقد رفع الرحمن بالعلم قدره = غلامًا وكهلًا ثمّ إذ هو أشيب
فمن قاسه بالشّمس يبخسه حقّه = كلمع نجوم اللّيل ساعة تغرب
يرى علمهم أهل العراق مصدّعًا = إذا لم يروه بالموطّأ يعصب
وما لا نور لامرئ بعد مالكٍ = فذمّته من ذمّة الشّمس أوجب
لقد فاق أهل العلم حينا وميّتًا = فأضحت به الأمثال في النّاس تضرب
وما فاقهم إلّا بتقوًى وخشيةٍ = وإذ كان يرضى في الإله ويغضب
فلا زال يسقي قبره كل عارض = بمنبعق ظلت غرابيه (هـ) تسكب
ويسقي قبورًا حوله دون سقيه = فيصبح فيها بينها وهو معشب
وما بي بخلٌ أن تسقى كسقيه = ولكنّ حقّ العلم أولى وأوجب
فللّه قبرٌ دمعنا فوق ظهره = وفي بطنه ودق السّحائب تسكب
[التمهيد: 1/83]
وقال غيره:
ألا إنّ فقد العلم في فقد مالكٍ = فلا زال فينا صالح الحال مالكٌ
فلولاه ما قامت حقوقٌ كثيرةٌ = ولولاه لانسدّت علينا المسالك
يقيم سبيل الحقّ والحقّ واضحٌ = ويهدي كما تهدي النّجوم الشّوابك
وقال آخر في مالكٍ رحمه اللّه:
يأبى الجواب فما يراجع هيبةً = والسّائلون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعن سلطان التّقى = فهو المطاع وليس ذا سلطان
حدّثني أحمد بن محمّد بن أحمد قال حدّثنا أحمد بن الفضل بن العبّاس قال حدّثنا أحمد بن محمّد بن منيرٍ قال حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن جنّادٍ قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ قال: قال سفيان بن عيينة نرى أنّ هذا الحديث الّذي يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تضرب الأكباد فلا يجدون (هـ) أعلم من عالم المدينة إنّه مالك بن أنسٍ وقال مصعبٌ وكنت إذا لقيت سفيان بن عيينة سألني عن أخبار مالكٍ
[التمهيد: 1/84]
قال أبو عمر وهذا الحديث حدّثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا أحمد بن زهيرٍ قال حدّثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريجٍ عن أبي الزّبير عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوشك النّاس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة وقال سعيد بن عبد الجبّار كنّا عند سفيان بن عيينة فأتاه نعي مالك بن أنسٍ فقال مات واللّه سيّد المسلمين وروى الحارث بن مسكينٍ قال أخبرنا أشهب بن عبد العزيز قال سألت المغيرة المخزوميّ مع تباعد ما كان بينه وبين مالكٍ عن مالكٍ وعبد العزيز فقال ما اعتدلا في العلم قطّ ورفع مالكًا على عبد العزيز وبلغني عن مطرّف بن عبد اللّه النّيسابوريّ الأصمّ صاحب مالكٍ أنّه قال: قال لي مالكٌ ما يقول النّاس في موطّئي فقلت له النّاس رجلان محبٌّ مطرٍ وحاسدٌ مفترٍ فقال لي مالكٌ إن مدّ بك العمر فسترى ما يراد اللّه به
[التمهيد: 1/85]
حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن يحيى قال حدّثنا محمّد بن أحمد بن عمرٍو القاضي المالكيّ قال حدّثني المفضّل بن محمّد بن حربٍ المدنيّ قال أوّل من عمل كتابًا بالمدينة على معنى الموطّأ من ذكر ما اجتمع عليه أهل المدينة عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة الماجشون وعمل ذلك كلا ما يغير حديثٍ قال القاضي ورأيت أنا بعض ذلك الكتاب وسمعته ممّن حدّثني به وفي موطّأ ابن وهب منه عن عبد العزيز غير شيء قال فأتى به مالك فنظر فيه فقال ما أحسن ما عمل ولو كنت أنا الذي علمت لبدأت بالآثار ثمّ شددت ذلك بالكلام قال ثمّ إنّ مالكًا عزم على تصنيف الموطّأ فصنّفه فعمل من كان في المدينة يومئذٍ من العلماء الموطّآت فقيل لمالكٍ شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب وقد شركك فيه النّاس وعملوا أمثاله فقال ائتوني بما عملوا فأتي بذلك فنظر فيه ثمّ نبذه وقال لتعلمنّ أنّه لا يرتفع من هذا إلّا ما أريد به وجه اللّه قال فكأنّما ألقيت تلك الكتب في الآبار وما سمع لشيءٍ منها بعد ذلك بذكرٍ حدّثني أبو القاسم أحمد بن فتح بن عبد اللّه قال حدّثنا أحمد بن الحسن الرّازيّ بمصر قال حدّثنا روح بن الفرج قال حدّثنا أبو عديٍّ محمّد بن عديّ بن أبي بكرٍ الزهري قال رأيت مالك بن أنس ابن أبي عامرٍ الأصبحيّ لم يكن يخضّب ومات أبيض الرّأس واللّحية وشهدت جنازته
[التمهيد: 1/86]
قال أبو عمر أبو عديٍّ هذا هو محمّد بن عديّ بن أبي بكر بن إبراهيم بن سعد بن أبي وقّاصٍ الزّهريّ لا أعلم له روايةً عن مالكٍ وهو يروي عن عبد اللّه بن نافعٍ وغيره من أصحاب مالكٍ وولد مالك بن أنسٍ رضي اللّه عنه سنة ثلاثٍ وتسعين فيما ذكره ابن بكيرٍ وقال محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكيم ولد مالك بن أنسٍ سنة أربعٍ وتسعين قال محمّدٌ وفيها ولد اللّيث بن سعدٍ ولا خلاف أنّه مات سنة سبعٍ وسبعين ومائةٍ وفيها مات حمّاد بن زيدٍ وقال أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى ولد مالكٌ في ربيعٍ الآخر سنة أربعٍ وتسعين وتوفّي بالمدينة لعشرٍ خلون في ربيع الأوّل سنة تسعٍ وسبعين ومائةٍ مرض يوم الأحد ومات يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يومًا وغسّله ابن كنانة وسعيد بن داود بن زنبرٍ قال حبيبٌ وكنت أنا وابنه يحيى بن مالكٍ نصبّ الماء ونزل في قبره جماعةٌ قال أبو عمر كان لمالكٍ رحمه اللّه أربعةٌ من البنين يحيى ومحمّدٌ وحمّادة وأمّ ابنها
[التمهيد: 1/87]
فأمّا يحيى وأمّ ابنها فلم يوص بهما إلى أحدٍ فكانا مالكين لأنفسهما وأمّا حمّادة ومحمّدٌ فأوصى بهما إلى إبراهيم بن حبيبٍ رجلٍ من أهل المدينة كان مشاركًا لمحمّد بن بشير وأوصى مالكٌ رحمة اللّه عليه أن يكفّن في ثيابٍ بيضٍ ويصلّى عليه في موضع الجنائز فصلّى عليه عبد العزيز بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ كان واليًا على المدينة من قبل أبيه محمّد بن إبراهيم بن عليٍّ وحضر جنازته ماشيًا وكان أحد من حمل نعشه وبلغ كفنه خمسة دنانير وترك رحمه اللّه من النّاضّ ألفي دينارٍ وستّمائة دينارٍ وتسعًا وعشرين دينارًا وألف درهمٍ فكان الذي اجتمع لورثته ثلاثة آلاف دينار ثلاثمائة دينارٍ ونيّفٍ فقبض إبراهيم بن حبيبٍ مال محمد حمادة وقبض يحيى ماله (هـ) كذلك أمّ ابنها قبضت مالها وكان الّذي خلف مالكًا في حلقته عثمان بن عيسى بن كنانة وحجّ هارون الرّشيد رحمه اللّه عام مات مالكٌ فوصل يحيى بن مالكٍ بخمسمائة دينارٍ ووصل جميع الفقهاء يومئذٍ بصلاتٍ سنّيّةٍ ذكر ذلك كلّه إسماعيل بن أبي أويسٍ وعبد العزيز بن أبي أويسٍ وحبيبٌ وعمارة بن وثيمة وغيرهم دخل كلام بعضهم في بعضٍ واللّه المستعان
[التمهيد: 1/88]
وقال البخاريّ مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبح كنيته أبو عبد الله حليف عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التّيميّ القرشيّ ابن أخي طلحة بن عبيد اللّه كان أماما روى عنه يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ وأخبرني أحمد ابن فتحٍ قال حدّثنا أحمد بن الحسن الرّازيّ قال حدّثنا روح بن الفرج أبو الزّنباع قال سمعت أبا مصعبٍ يقول مالك بن أنسٍ من العرب صلبه وخلفه في قريشٍ في بني تيم بن مرّة وقال خليفة بن خيّاطٍ مالك بن أنس بن أبي عامرٍ من ذي أصبح من حميرٍ مات سنة تسع سبعين يكنّى أبا عبد اللّه وقال الواقديّ عاش مالكٌ تسعين سنةً وقال سحنونٌ عن عبد الله بن نافع أن مالكا تتوفى وهو ابن سبعٍ وثمانين سنةً سنة تسعٍ وسبعين ومائة أقام مفتيًا بالمدينة بين أظهرهم ستّين سنةً قال أبو عمر لا أعلم في نسبه اختلافًا بين أهل العلم بالأنساب أنّه مالك بن أنس ابن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن حنبل بن عمرو
[التمهيد: 1/89]
ابن الحارث وهو ذو أصبح إلّا أنّ بعضهم قال في عثمان غيمان بالغين المنقوطة والياء المنقوطة من أسفل باثنين وفي حنبلٍ حتيلٍ وقد قيل حسلٌ والصّواب حتيلٌ كذلك ذكره أبو محمّدٍ الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمدانيّ وأنا أستغرب نسب مالكٍ إلى ذي أصبح وأعتقد أنّ فيه نقصانًا كثيرًا لأنّ ذا أصبح قديمٌ جدًّا وذو أصبح هو الحرث بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفيّ بن زرعة حميرٌ الأصغر ابن سبأٍ الأصغر بن كعبٍ كهف الظّلم ابن بديل بن زيد الجمهور بن عمر بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن معن بن عريب بن زهير بن أيمن ابن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يغوث بن قحطان
[التمهيد: 1/90]
قيل في اسم أمّه العالية بنت شريك بن عبد الرحمن بن شريك من الأزد وحمل بن سنتين وقيل ثلاث سنين في بطن أمّه وكان أشقر شديد البياض ربعةً إلى الطّول كبير الرّأس أصلع ولم يكن بالطّويل رحمة اللّه ورضوانه عليه روى عنه جماعةٌ من الأئمّة وحدّثوا عنه وكلّهم مات قبله بسنين ولو ذكرناهم لطال الكتاب بذكرهم وذكر وفاة كلّ واحدٍ منهم واختلف أهل العلم بعد ذي أصبح في رفعه إلى آدم عليه السّلام بما لم أر لذكره ها هنا معنًى وقد ذكرنا أنّ ذا أصبح من حميرٍ في كتابنا كتاب القبائل الّتي روت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأغنى عن إعادته هاهنا حدّثنا خلف بن القاسم قال حدّثني عبد اللّه بن جعفرٍ قال حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام الخفّاف قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل البخاريّ قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا أبو بكرٍ الأويسيّ قال حدّثنا سليمان بن بلالٍ عن نافع بن مالك
[التمهيد: 1/91]
ابن أبي عامرٍ عن أبيه قال: قال لي عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التّيميّ يا مالك هل لك إلى ما دعانا إليه غيرك فأبينا عليه أن يكون دمنا دمك وهدمنا هدمك ما بلّ بحرٌ صوفةً فأجبته إلى ذلك أخبرنا عليّ بن إبراهيم قال حدّثنا الحسن بن رشيقٍ قال حدّثنا عليّ بن يعقوب بن سويدٍ الورّاق قال حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحجّاج المهريّ قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزّاميّ قال حدّثنا معن بن عيسى ابن عمر قال كان نقش خاتم مالك بن أنسٍ حسبي اللّه ونعم الوكيل فسئل عن ذلك فقال سمعت اللّه تبارك وتعالى قال لقومٍ قالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم سوءٌ وأخبرنا عليّ بن إبراهيم قال حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد العزيز قال حدّثنا يحيى بن بكيرٍ قال مات مالك بن أنسٍ في ربيعٍ الأوّل سنة سبعٍ وتسعين (هـ) ومائةٍ وولد سنة ثلاثٍ وتسعين قال أبو عمر كذا يقول ابن بكيرٍ وغيره يخالفه في مولده على ما ذكرنا في كتابنا هذا وباللّه توفيقنا وصلّى اللّه على سيّدنا محمّدٍ وآله وصحبه وسلّم تسليمًا والحمد للّه رب العالمين
[التمهيد: 1/92]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمة, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir