دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 02:52 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

( إِنَّني مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى )، ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى ). ( 73)
( الَّذِي يَرَاكَ حِيْنَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ )، ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمُؤمِنُونَ ). (74)

(73) قَولُهُ: (إِنَّني مَعَكُمَا): أي يقولُ -سُبْحَانَهُ- لكليمِه موسى عليه السَّلامُ وأخيهِ هارونَ: (إِنَّني مَعَكُمَا) أي بِحفظِي ونصرِي وكلاءتِي وتَأْييدِي.
قَولُهُ: (أَسْمَعُ وَأَرَى): أي أسمعُ كلامَكُما وكلامَه وأرى مكانَكُما ومكانَه، ولا يَخْفى عليَّ شيءٌ من أمرِكُم، فأنَا معَكُما بحِفْظي ونَصْري، وهذه المعيَّةُ الخاصَّةُ الَّتي تَقْتَضي الحِفظَ والنَّصرَ والتَّأييدَ والإعانَةَ، كقَولِهِ: (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، وقولِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((مَا ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا)).
والمعيَّةُ تنقسمُ إلى قسمينِ: معيَّةٍ خاصَّةٍ ومعيَّةٍ عامَّةٍ،
فالعامَّةُ: هي معيَّةُ العِلْمِ والإحاطةِ، كقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ ).
والثَّانيةُ: وهي المعيَّةُ الخاصَّةُ، وهي معيَّةُ القُربِ. كما تقدَّمَ، كقَولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) والفرقُ بينهما أنَّها إذا جاءتِ المعيَّةُ في سياقِ المحاسبةِ والمجازاةِ والتَّخويفِ فهي عامَّةٌ، وإذا أتتْ في سياقِ مدحٍ أو ثناءٍ فهي معيَّةٌ خاصَّةٌ، وكلا المعيَّتينِ منه -سُبْحَانَهُ- مصاحبِةٌ للعبدِ،
لكنْ هذه مصاحبةُ اطِّلاعٍ وإحاطةٍ، وهذه مصاحبةُ موالاةٍ ونصرٍ وحفظٍ، فمَعَ في لغةِ العربِ للصُّحبةِ اللاَّئقةِ لا تُشعِرُ بامتزاجٍ ولا اختلاطٍ ولا مجاورةٍ ولا مجانبةٍ، كقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) وتقولُ: زوْجَتي مَعي، وهذه المعيَّةُ لا تُنافِي علُوَّ اللهِ على عرشِه، فإنَّ قُرْبَه ومعيَّتَه ليست كقربِ الأجسامِ بعضِها من بعضٍ، ليس كمثلِهِ شيءٌ؛ كما قالَ مالكٌ: الاستواءُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ.
قالَ شيخُ الإسلامِ رحمه اللهُ: وهذا شأنُ جميعِ ما وصفَ اللهُ به نفسَهُ، فلو قال في قَولِهِ: ((إِنَّني مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) كيفَ يسمعُ وكيف يَرَى؟ لقلنا: السَّمعُ والرَّؤيةُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ، ولو قالَ كيفَ يتكلَّمُ؟ لقلنا الكلامُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ.

وقَولُهُ: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى): أي أمَا عَلمَ هذا النَّاهي عن الهُدى أنَّ اللهَ يراه ويسمعُ كلامَه؟! وسَيُجازيه على فعلِه أتمَّ الجزاءِ، وهذا وعيدٌ.

(74) قَولُهُ: (يَرَاكَ):أي يبصرُك وينظرُ إليك لا تَخْفى عليه خافيةٌ، فتوكَّلْ عليه فإنَّه سيحفظُكَ وينصُرُك ويعزُّكَ، وتضمَّنَ ذلك الوعدُ بالإثابةِ على ذلك أتمَّ الثَّوابِ.
وقَولُهُ: (حِيْنَ تَقُومُ): أي يراكَ حينَ تقومُ للصَّلاةِ وغيرِها،
(وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ): أي يَرى تقلُّبَك في السَّاجدينَ من قيامٍ وقعودٍ وركوعٍ وسجودٍ، ففيه فضيلةُ صلاةِ الجماعةِ.
استُفيدَ من هذه الآياتِ: إثباتُ صفةِ السَّمْعِ والبصَرِ وإثباتُ علمِه المحيطِ، واستُفيدَ منه كما تقدَّمَ: الإشارةُ إلى فضيلةِ السَّمعِ على البصرِ لتقديمِه عليه.

وقَولُهُ: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). أي قلْ يا محمـَّدُ لهؤلاءِ المُنافقينَ: اعمَلوا ما شِئتم واستمرُّوا على باطلِكم ولا تحسبُوا أنَّ ذلكَ سَيخفَى عليهِ، وهذا وعيدٌ شديدٌ لمَن خالفَ أوامرَه.
قَولُهُ: (فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ) الآيةَ، أي سَيُظهِرُ أعمالَكم للنَّاسِ في الدُّنْيَا، وهذا وعيدٌ للمخالِف أوامرَه بأنَّ أعمالَهم ستُعرَضُ عليه وعلى الرَّسولِ وعلى المؤمِنينَ، وهذا كائنٌ لا محالةَ يومَ القيامةِ، كما قال سُبْحَانَهُ: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ) وقال: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) وقد يُظهِرُ اللهُ ذلك للنـَّاسِ في الدُّنْيَا، كما روى الإمامُ أحمدُ عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: ((لو أنَّ أحدَكُمْ يَعملُ في صخرةٍ ليسَ لَهَا بابٌ ولاَ منفذٌ لأَخرجَ اللهُ عمَلَهُ للنَّاسِ كَائِنًا مَا كانَ)) وقد وردَ أنَّ أعمالَ الأحياءِ تُعرضُ على الأمواتِ مِن الأقرباءِ والعشائرِ في البرزَخِ.

ففي هذه الآيةِ إثباتُ الكلامِ، وفيها دليلٌ على ثبوتِ الأفعالِ الاختياريَّةِ للرَّبِّ وقيامِها بهِ، وأدلَّةُ ذلك كثيرةٌ تزيدُ على الألفِ، كما ذكرهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ وتلميذهُ ابنُ القيِّمِ رحمهما اللهُ تعالى. وقالَ شيخُ الإسلامِ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ في كتابِ (الرَّدِّ على المنطِقيِّينَ) قَولُهُ: (فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ) وقَولُهُ: (إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسولَ) أي لنرى أو لِنُميزَ، وهكذا قال عامـَّةُ المفسـِّرين إلا لِنَرى ونميِّزَ، وكذا قالَ جماعةٌ من أهلِ العِلْمِ. قالوا: لنعلمَهُ موجودًا واقعًا بعد أنْ كانَ قد عُلِمَ أنَّه سيكونُ، ولفظُ بعضِهم قالَ العِلْمُ على مَنـزلتينِ: علمٍ بالشَّيءِ قبلَ وجودهِ، وعلمٍ به بعدَ وجودِه، والحكمُ للعلمِ بِه بعد وجودِه؛ لأنَّه يوجبُ الثَّوابَ والعقابَ،
قالَ: فَمَعنى قَولِهِ: (إِلاَّ لِنَعْلَمَ)، أي لنعلمَ العِلمَ الَّذي يستحقُّ به العاملُ الثَّوابَ والعقابَ، ولا ريبَ أنَّه كانَ عالمًا -سُبْحَانَهُ- بأنَّه سيكونُ، لكنْ لم يكنِ المعلومُ قد وُجدَ، والقرآنُ قد أخبرَ أنَّه -سُبْحَانَهُ- يعلمُ ما سيكونُ في غيرِ موضعٍ، وأخبرَ بما أخبَرَ به مِن ذلك قبلَ أنْ يكونَ، وقد أخبرَ بعلمهِ المتقدِّمِ على وجودِه، ثمَّ لَمَّا خلقَهُ علمَه كائنًا مع علمِه الَّذي تقدَّمَ أنْ سيكونُ، فهذا هو الكمالُ، وقد ذكرَ اللهُ علمَهُ بما سيكونُ بعدَ أنْ يكونَ في بضعَ عشرةَ آيةً من القرآنِ كقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسولَ) مع إخبارِهِ في مواضعَ كثيرةٍ مِنْ أنَّه يعلمُ ما سيكونُ قبلَ أنْ يكونَ.

وفي هذهِ الآياتِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ اللهَ موصوفٌ بصفاتِ الكمالِ مِن العِلمِ والقُدرةِ والإرادةِ والحياةِ والكلامِ والسَّمعِ والبصرِ والوجهِ واليديْنِ والغضبِ والرِّضا والفرحِ والضَّحكِ والرَّحمةِ والحكمةِ، وبالأفعالِ كالمجيءِ والإتيانِ والنُّزولِ إلى سماءِ الدُّنْيَا ونحوِ ذلك، والعلمُ بمجيءِ ذلك عن الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ضروريٌّ، وإخبارُه به ضروريٌّ فوقَ العِلمِ بوجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ وتحريمِ الفواحشِ، وفرضَ على الأمَّةِ تصديقَهُ فرضًا لا يتمُّ أصلُ الإيمانِ إلا به، خلافًا للجهميَّةِ والمعتزلةِ وأشباهِهِمْ.
وفي هذه الآياتِ أيضًا إشارةٌ إلى أنَّه ينبغي للعبدِ أنْ يعبدَ اللهَ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- على استحضارِ قُربِهِ واطِّلاعِه، وأنَّه بين يَديهِ، وذلك يوجبُ للعبدِ الخشيةَ والخوفَ والهيبةَ والتَّعظيمَ ويوجبُ النُّصحَ في العبادةِ، وهذا هو مقامُ الإحسانِ كما في حديثِ عمرَ: ((الإحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) وقد دلَّ القرآنُ على هذا المعنى في مواضعَ كثيرةٍ، وكذلك وردتْ أحاديثُ صحيحةٌ بالنَّدبِ إلى استحضارِ هذا القربِ في حالِ العباداتِ، كقَولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((إِذَا قَامَ أَحْدُكُمْ يُصَلـِّي فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ)). انتهى. مِن كلامِ ابنِ رجبٍ بتصرُّفٍ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بصفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir