دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > إدارة الدورات العلمية العامة > منتدى الدورات العلمية العامة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 جمادى الآخرة 1439هـ/1-03-2018م, 10:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

فصل
قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت:728هـ) : (فصل
قد كتبت في غير هذا الموضع أن الناس وإن تنازعوا في العلم هل هو صفة انفعالية تابعة للمعلوم كما قد يطلقه كثير من أهل الكلام أو هو صفة فعلية مؤثرة في المعلوم كما يقوله طوائف من المتفلسفة
فإن الصواب أنه ينقسم إلى النوعين جميعا فمنه ما هو تابع للمعلوم غير مؤثر فيه بحال وهو العلم النظري القولي الخبري المحض كعلمنا بما لا تأثير لنا في وجوده كالعلم بالخالق سبحانه وتعالى وملائكته وكتبه وأنبيائه وسائر مخلوقاته
ومنه ما هو فعلي له تأثير في المعلوم كعلمنا بأفعالنا الاختيارية وما يترتب عليها من حصول منفعة ودفع مضرة
وهذا التقسيم ثابت في علم الله تعالى فإنه يعلم نفسه ويعلم مخلوقاته أيضا والأول علم بموجود والثاني علم بمقصود
لكن العلم بالموجود المستغني عن أفعالنا يتبع العلم به حبه تارة وبغضه أخري فيكون العلم به سببا لأفعال لنا متعلقة به فيكون هذا العلم الانفعالي فعليا مؤثرا من هذا الوجه وعلمنا بالحسنات والسيئات التي في أفعال غيرنا من هذا الوجه
وعلم الرب سبحانه بأفعال عباده الصالحة والسيئة مستلزم أيضا حبه للحسنات وبغضه للسيئات والعلم بالمقصود من أفعالنا وإن كان مؤثرا في المعلوم وهو سبب في حصوله فلا يكون إلا بعد علم بأمور موجودة أوجب قصدا أو اختيارا لتلك الأفعال فإن الفعل الاختياري يتبع الإرادة والإرادة تتبع المراد فلا بد أن يتصور الفاعل المراد قبل قصد الفعل الذي هو سبب إليه كما يقال آخر الفكرة أول العمل وتسمي العلة الغائية فلا بد من تصور ذلك المراد وأن يكون ما يترتب على الفعل من لذة تجلب منفعة وتدفع مضرة فاللذة مشروطة بالإحساس باللذيذ والإنسان لا يفعل ابتداء لطلب لذيذ إلا أن يكون قد أحسه قبل ذلك فأحبه واشتهاه واشتاق إليه وذلك علم بأمر موجود تابع للمعلوم تبعه علم بأمر مقصود تابع للعلم وإن كانت اللذةقد تحصل ابتداء لا عن شوق كمن يذوق الشيء الطيب الذي لم يكن يعرفه فيحبه بعد ذلك لكن هذا لم يتقدم منه طلب وفعل في حصول هذا المحبوب بخلاف من ذاقه ابتداء فأحبه ثم سعي في تحصيل نظائر ما حصل له ابتداء
فقد تبين أن كلا العلمين الفعلي والانفعالي مستلزم للآخر وكذلك علم الرب سبحانه وتعالى بنفسه مستلزم لعلمه بصفاته وأفعاله ومفعولاته وهو سبحانه يحمد نفسه ويثني عليها فلا نحصي ثناء عليه بل هو كما أثني على نفسه وعلمه بأفعاله ومفعولا ته مستلزم لعلمه بنفسه وعلمه بالمخلوقات وأفعالها يتبعه حبه وبغضه وأمره ونهيه وعلمه بما يفعله بعباده من ثواب وعقاب وغير ذلك تابع لعلمه بما هي عليه وقد تكلمنا على نحو هذا في غير هذا الموضع
وإنما المقصود في هذا المكان أن هذا التقسيم الوارد في العلم يرد نحوه في الإرادة والمحبة ونحو ذلك
فإن الإرادة والمحبة تنقسم أيضا إلى فعلية مؤثرة في المراد المحبوب وهي إرادة الفعل وحبه وإن كان المراد المحبوب تابعا مفعولا معدوما وقد ظن بعض الناس أن الإرادة والمحبة ليست إلا هذا النوع حتى قال لا تتعلق الإرادة والمحبة إلا بالمعدوم دون الموجود وبالمحدث دون القديم وهذا قول طوائف من أهل الكلام وأكثر هؤلاء هم أكثر القائلين بأن العلم لا يكون إلا انفعاليا، فيجعلون العلم لا يتعلق في الحقيقة إلا بمعلوم متبوع كالموجود ويجعلون الإرادة لاتتعلق إلا بمراد تابع كالمفعول المعدوم
وتنقسم إلى انفعاليه تابعه للمراد المحبوب ليست مؤثرة في وجوده أصلا بل يكون المحبوب المراد موجودا بدون الإرادة وإنما يحب المحب ذلك الموجود ويريده ويقال في كثير من أنواع ذلك يهواه ويعشقه ونحو ذلك من العبارات
وهذا القسم في الحقيقة هو الأصل في القسم الأول كما قد تكلمنا عليه في بعض القواعد المتقدمة من سنين وذكرنا أن العلم والإرادة إنما يتعلق أولا بالموجود وأن تعلقه بالمعدوم تابع لتعلقه بالموجود وذكرنا أن الإنسان لا يحب الشيء ويريده حتى يكون له به شعور أو إحساس أو معرفة ونحو ذلك ويكون مع ذلك بنفسه إليه ميل وفيها له حب وكل واحد من هاتين الفرقتين في فطرته وجبلته المعرفة والمحبة ولهذا كان كل مولود يولد على الفطرة فطرة الإسلام وهي عبادة الله وحده وأصل ذلك معرفته ومحبته والنفس لا تحس العدم المحض وإنما تعرف العدم بنوع من القياس المقدر على الوجود كما يقدر في نفسه جبل ياقوت وبحر زئبق فنزل ذلك مما علمه من الجبل ومن الياقوت ثم ينفي ذلك المقدر في ذهنه أن يكون موجودا في الخارج وهو لم يحكم على نفيه حتى صار موجودا في نفسه وجودا تقديريا
فإذا كان الحب يتبع الإحساس والإحساس لا يكون إلا بموجود ما فإن ما يحب لا يكون إلا بموجود وأيضا فإن الإحساس لا يكون أولا إلا لموجود فكذلك الحب في نفسه لا يكون إلا لموجود أو محبوب وإن كان يحب وجود المعدوم فهو لاشيء وما ليس بشيء لا يكون محبوبا وإن كان يحب وجود المعدوم ويريده فلا بد أن يكون قبل ذلك قد ذاقه والتذ به موجودا حتى أحبه بعد ذلك أو ذاق والتذ بنظيره أو بما يشبهه كما ذلك في العلم وهذا مذكور في غير هذا الموضع
ولا يرد على هذا ما يوجد من بكاء الصبي حين يولد قبل أن يذوق طعم اللبن فإذا ذاق اللبن التذ به وسكن فإن الصبي قبل ذوقه اللبن لم يكن يحبه ويشتهيه ولكن يجد ألم الجوع فيبكي من ذلك الألم فلما ذاق اللبن ووجد لذته وأنه أذهب ألم الجوع أحبه من حينئذ صار يشتهيه ويحبه وهكذا كل من جاع فإنه لا يشتهي شيئا معينا إلا أن يكون ذاقه قبل ذلك ولكن يجد طلبا لما يزيل به ألم الجوع ولهذا إذا حضر عنده ماقد ذاقه قبل ذلك ومالم يذقه قبل ذلك اشتاق إلى الأول وأحبه وكان شوقه إلى الثاني ومحبته إياه مشروطا بذوقه إياه وسماع وصفه ممن يخبره فإن سماع الوصف يورث المحبة والشوق كما يورث العلم كما قيل:
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
لكون النفس ذاقت طعم الحب لما هو من نظير لذلك أو شبيه به ولو من وجه بعيد فكما أن الشيء لا يتصور إلا بعد الحس به أو بما فيه شبه به من بعض الوجوه فكذلك لا يحب كذلك
ولهذا ضربت الأمثال للتعريف والترغيب والترهيب فإن الأمور الغائبة عن المشاهدة والإحساس لا تعرف وتحب وتبغض إلا بنوع من التمثيل والقياس سواء كان الغائب أكمل في الصفات المطلوبة المشتركة كالموعود به من أمر الجنة والنار وكما يصف به الرب نفسه سبحانه وتعالى أو ما كان دون ذلك كما مثل من الأمور بما هو أكمل منه
ومن هنا ضل من ضل من الصابئة المتفلسفة ومن أضلوه من أهل الملل حيث ظنوا أن ما وصف الله به من الجنة والنار إنما هي أمثال مضروبة لتفهيم المعاد الروحاني من غير أن تكون حقائق وضل من رد عليهم من نفاة أهل الكلام كما أصاب الفريقين مثل ذلك في أمر النفس الناطقة حيث تقابلوا بالنفي والإثبات وحيث اتفق الفريقان على مثل هذا الضلال في صفات ذي الجلال فخاضوا في باب الإيمان بالله واليوم الآخر خوضا ليس هذا موضع بسط الكلام فيه وإن كان كل ذي مقالة فلا بد أن تكون في مقالته شبهة من الحق ولولا ذلك لما راجت واشتبهت
وإن كانت الإرادة والمحبة تنقسم إلى متبوعة للمراد تكون له كالسبب الفاعل وإلي تابعة للمراد يكون هو لها كالسبب الفاعل وتكون عنه كالمسبب المفعول وهذا هو الأصل
وإذا علم أن جميع حركات العالم صادرة عن محبة وإرادة ولا بد للمحبة والإرادة من سبب فاعل يكون هو المحبوب المراد علم بذلك أنه لا بد لجميع الحركات من إله يكون المعبود المقصود المراد المحبوب لها وأنها دالة على الإله الحق من هذا الوجه وأنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذا غير هذا الوجه الذي دلت منه على ربوبيته وقد بسطنا الكلام على ذلك في مواضع متعددة إذ هو أجل العلم الإلهي وأشرفه وإنما كان المقصود هنا التنبيه علب أن الإرادة نوعان كالعلم والله أعلم). [قاعدة في المحبة 209: 215]


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, قاعدة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir