دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول تدبّر القرآن

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 صفر 1441هـ/24-10-2019م, 10:58 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي الدرس الخامس: دلالة المفهوم

الدرس الخامس: دلالة المفهوم

دلالة المفهوم هي أن يدلّ النصّ على معنى غير مصرّح به في محلّ السكوت يفهمه المخاطب بمقتضى اللسان العربي، وهو على قسمين: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.

مفهوم الموافقة
فأمّا مفهوم الموافقة فهو دلالة اللفظ على إعطاء المسكوت عنه حكماً يوافق حكم المنطوق به، ويسمّى فحوى الخطاب، وتنبيه الخطاب، والمسكوت عنه إما أن يكون أولى من المنطوق به في ذلك الحكم أو مثله أو دونه لكن يشابهه ويوافق حكمه، ويتحصّل من هذه الأنواع الثلاثة ثلاث دلالات هي:
1: دلالة الأولى، وهي أن يكون غير المنطوق به أولى بالحكم من المنطوق به.
كدلالة قول الله تعالى: {ولا تقلّ لهما أفّ} على تحريم ما هو أشدّ من ذلك كالسبّ والضرب.
- ودلالة قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} على إحصاء ما هو أكبر من مثقال الذرة.
- ودلالة قول الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} على قبول شهادة أكثر من عدلين.
- ودلالة قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} على الحضّ على الإعراض عما هو أشدّ من اللغو.

2: ودلالة المثل وتُسمّى عدم الفارق، وهي أن يستوي المنطوق به والمسكوت عنه في الحكم لعدم الفرق بينهما.
- ومن أمثلتها دلالة قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}على جلد من قذف رجلاً محصناً؛ لعدم الفارق بين الرجل والمرأة في ذلك.
- ودلالة قول الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} على أنه لو مات عنها زوجها الثاني حلّت لزوجها الأولى لعدم الفارق بين الطلاق والموت في الحكم.
- ودلالة تحريم أكل مال اليتيم على تحريم إتلافه بغير الأكل كالحرق والإهمال لعدم الفارق.

لكن ينبغي التنبّه إلى أنّ نفي الفارق منه ما هو يقيني ظاهر، ومنه ما هو ظنّي محلّ اجتهاد، كدلالة قول الله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} على أن من أعجزه المرض عن الحجّ فله أن يتحلل ؛ لعدم الفارق بين العجز عن الحجّ بسبب عدوّ والعجز عنه بسبب المرض، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين.
والقول الآخر قول مالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد أنّ المريض يُحمل إلى البيت؛ ويُعان على الحجّ فإن فاته الحج بسبب المرض تحلل منه بعمرة، وعليه القضاء.
وهؤلاء رأوا أن بين المرض والخوف من العدوّ فرقاً مؤثّراً، وهو أن المريض آمن غير خائف، ويجد من يخدمه ويحمله غالباً، ولا يُحال بينه وبين البيت.
لكن روى أصحاب السنن عن عكرمة مولى ابن عباس عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كُسر أو عرج فقد حلَّ، وعليه الحج من قابل»
قال عكرمة: (فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك؛ فقالا: صدق).
وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه جماعة من أهل العلم، واختلف في فقهه، والأرجح أنّه تنبيه على التفريق بين المرض الذي لا يُرجى برؤه وقت الحج والمرض الذي يُرجى برؤه؛ لأن الكسر والعرج مظنّة طول العلّة؛ فرخّص لمن كسر أو عرج في استعجال التحلل لأنه لا ينتفع ببقائه محرماً وهو عاجز عن الحج والعمرة، وكذلك من كان مرضه لا يُرجى برؤه وقت الحجّ.
وأما زيادة (أو مرض) في رواية عند أبي داوود فضعيفة.
والمقصود التنبيه على أنّه ليس كلّ ما يُقال فيه بعدم الفارق يسلَّم لقائله.

3- ودلالة الشَّبَه، وهي أن يأخذ المشبَّه بعضَ حكمِ المشبّه به بجامع الاشتراك والمشابهة في علّة الحكم وإن لم يكونا متساويين في ذلك، كالاستدلال بقول الله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}على تحريم القعود في المجالس التي فيها منكرات دون الكفر بدلالة الشَّبَه.
ومن هذا النوع الاستدلال ببعض الآيات التي نزلت في شأن الكفار في الإنكار على شابههم في فعلهم من المسلمين وإن لم تكن تلك المشابهة موصلةً إلى حدّ الكفر؛ كاستدلال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقول الله تعالى: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}في الإنكار على من توسّع في المباحات من المسلمين.
والاستدلال بقول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} على أنّ من شابههم في إضلال الناس فيحمل وزره ووزر من يضلّه بغير علم، مع أنّ هذه الآية نزلت في شأن الكفار.

مفهوم المخالفة
وأما مفهوم المخالفة فهو دلالة اللفظ على إعطاء المسكوت عنه حكماً يخالف حكم المنطوق به؛ ويسمّى دليل الخطاب ولحن الخطاب، وهو على أنواع يتعسّر حصرها، وقد اختلف الأصوليون في تعدادها حتى أوصلها بعضهم إلى عشرة، وهي: مفهوم الغاية، والشرط، والصفة، العلة، والاستثناء، والحصر، والزمان، والمكان، والعدد، واللقب.
وقد جمعها الفقيه المالكي ابن غازي المكناسي(ت:919هـ) رحمه الله في بيت واحد فقال:

صِفْ واشترِطْ عَلّلْ وَلَقِّبْ ثُنيا ... وعُدَّ ظرفين وحصراً إغْيا
الظرفان هما الزمان والمكان، وزاد آخرون على هذه العشرة مفهوم الحال، ومفهوم التقسيم، وزيد غيرهما مما فيه نظر، وهي أنواع غير حاصرة لمفاهيم المخالفة.
وشرْح هذه الأنواع وذكر أمثلتها وما يتصّل بها من ضوابط وتنبيهات يعين طالب العلم على معرفة قاعدة هذا الباب وتمييزِ ما يصحّ فيه إعمال مفهوم المخالفة مما لا يصحّ.
ومتى حصلت له هذه المعرفة لم يضرّه ما فات ذكره من الأنواع الأخرى لأنّها جارية مجرى النظائر المتشابهة.

1. مفهوم الغاية
وهو أن يعلّق الحكم بغاية يُفهم منها انتفاء الحكم بعدها، وذلك كدلالة قول الله تعالى: {ثمّ أتمّوا الصيام إلى الليل}؛ على جواز الأكل بالليل.
- ودلالة قوله تعالى: {فلا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره} على إباحة نكاحها مرة أخرى بعد فراق زوجها الآخر لها.
- ودلالة قوله تعالى: {حتى يخوضوا في حديث غيره} على حلّ ما حُرّم قبل هذه الغاية، على اعتبار أنّ حتى هنا غائية، وأما على اعتبارها تعليلية فالمفهوم مفهوم علّة كما سيأتي.

2. ومفهوم الشرط

وهو أن يذكر في جملة المنطوق شرط يُفهم منه أن ما لم يتحقق فيه هذا الشرط فحكمه مخالف لحكم المنطوق.
مثال ذلك: دلالة قول الله تعالى: {وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهنّ حتى يضعن حملهن}على أنّ غير الحامل لا يجب على المطلّق الإنفاق عليها إذا خرجت من ذمّته.
- ودلالة قول الله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} على أنّ اليتيم الذي لم يؤنس منه الرشد لا يُدفع إليه ماله، بل يبقى في تصرّف وليّه يصرفه فيما هو أصلح لليتيم.
- دلالة قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} على تحريم الخروج من المسجد قبل انقضاء الصلاة.
وهذا كلّه فيما إذا سيق الشرط للتقييد؛ فأمّا إذا لم يسق للتقييد وإنما لبيان الحال أو تأكيده أو للتنبيه على العلة أو لقصد التحضيض أو الزجر فليس له مفهوم مخالفة كما في قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)}
- وقول الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
- وقول الله تعالى: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}
- وقول الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)}
وقد يكون إلغاء مفهوم الشرط لسبب خارج كما في صحيح مسلم من حديث يَعْلَى بن أُمَية قال: سألتُ عمر بن الخطاب قلت: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد أمنَ الناس؟
فقال لي عمر: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ فقال: (( صدَقةٌ تَصَدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )).
فعمر رضي الله عنه فهم مفهوم الشرط من الآية، ولولا أنّ الله رخّص للمسافرين القصر في الأمن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لهم أن يقصروا إعمالاً لمفهوم الشرط في الآية.
وهذا يدلّ على أنّ طالب علم التفسير لا غنى له عن النظر في الأحاديث والآثار وأقوال العلماء في الآيات التي يفسّرها.

3. ومفهوم الصفة
وهي أن يقيّد الموصوف بصفة يُفهم منها انتفاء الحكم فيما عداها.
- كما في قول الله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)} فقيّد البقرة المأمور بذبحها بثلاثة أوصاف أخرجت ما عداها.
- وفي قول الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} دلالة علىأنّ الذمة لا تبرأ بغير التتابع.
- وفي قول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} دلالة على تحريم نكاح الإماء غير المؤمنات من أهل الكتاب وغيرهنّ وهو قول الجمهور.
- وقد تذكر الصفة ويُحذف الموصوف كما في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}

ومما ينبغي التنبّه له أنّ الصفة عند الأصوليين أعمّ من الصفة عند النحاة؛ ولذلك يمثلون لمفهوم الصفة بحديث: (ليّ الواجد ظلم) مع أنّه مضاف ومضاف إليه؛ لكن لأن تقديره ليّ المماطل الواجد؛ اعتبروه صفة.
ولذلك يُلحق بالصفة ما يجري مجراها وإن كان لا يُعرب صفةً عند النحاة؛ كالمفعول لأجله، والمفعول المطلق وما ينوب عنه، وغيرها.

ويشترط في إعمال مفهوم الصفة أن تكون الصفة مقيّدة غير كاشفة، والفرق بينهما أن الصفة الكاشفة تكون لبيان حال الموصوف والكشف عما يعرّف به كما في قول الله تعالى: { تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)} فالعُلى صفة كاشفة للسموات؛ لأن السموات كلها عاليات.
- وقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} فجملة "لا برهان له به" تجري مجرى الصفة الكاشفة.
- وقوله تعالى: { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
- وقوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

فالصفة الكاشفة لا تخصّص الموصوف، وإنما تكشف عن وصفه بما يبيّنه أو يؤكده؛ فلذلك ليس لها مفهوم مخالفة.
والصفة المقيّدة تخصص الموصوف وتخرج ما ليس منه على هذه الصفة، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فلا تجزئ في كفارة القتل رقبة غير مؤمنة".
- وقال الله تعالى: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} فيُفهم منه أن الميّت إن كان له ولد؛ فالأخت محجوبة به.

4. ومفهوم الحال
وهو أن يعلّق الحكم بحالٍ مقيّدة يُفهم منها انتفاؤه عن غيره، كدلالة قول الله تعالى: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}على جواز المباشرة في غير حال الاعتكاف.
- ودلالة قول الله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}على جواز مكث المحدث غير الجنب في المسجد.
- ودلالة قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} على تحريم الأكل من الميتة على الباغي والعادي.
فأمّا إذا ورد الحال في سياق لا يفهم منه انتفاء الحكم في غيره كالحال المؤكدة والمبينة فلا يعتبر مفهوم المخالفة لها كما في قول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ، وقوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
وقوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)}
ولذلك لا يعتبر مفهوم الحال إذا كان لذكره غرض آخر غير التقييد.

5. مفهوم العلة
وهو أن يرد في النصّ تعليق حكمٍ بعلّة تعليقاً يُفهم منه انتفاء الحكم بانتفاء العلة، كما في الصحيحين من حديث أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن أميراً ومعلّماً؛ قال أبو موسى: يا رسول الله، إنا بأرض يُصنع فيها شراب من العسل يقال له: البِتع، وشراب من الشعير يقال له: المزر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام».
فعلّق حكم التحريم بعلّة الإسكار تعليقاً يُفهم منه أنّ هذه الأشربة إذا لم تكن مسكرة فهي مباحة.
وهذا المفهوم يجب أن يراعى فيه ما دلت عليه الأدلة الأخرى؛ فالبتع والمزر قد لا يُسكران إذا شُرب القليل منهما، وهذا الحديث يدلّ مفهومه على أنّ ما لا يسكر فهو مباح سواء أكان قليلاً أم كثيراً، لكن هذا العموم مخصوص بما لا يُسكِر كثيرُه؛ كما في حديث جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) وفي لفظ: "نهى عن قليل ما أسكر كثيره".
وقال أبو وهب الجيشاني عن وفد أهل اليمن أنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن أشربة تكون باليمن، قال: فسمّوا له البتع من العسل، والمزر من الشعير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسكرون منها؟
قالوا: إن أكثرنا سكرنا.
قال: (( فحرامٌ قليلُه ما أسكرَ كثيره )) خرَّجه القاضي إسماعيل كما في جامع العلوم والحكم لابن رجب، وأبو وهب الجيشاني مختلف في اسمه وحاله؛ فقال الترمذي اسمه: الديلم بن الهوشع، وقال ابن يونس: اسمه عبيد بن شرحبيل، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره العقيلي في الضعفاء، ولم أر فيه جرحاً صريحاً.
ومفهوم العلّة يبحثه الفقهاء في مسائل الأحكام الفقهية، وهو في التفسير أعمّ من ذلك؛ فيشمل كلّ ما علّق بعلّة يُفهم منها انتفاء الحكم أو أثره بانتفائها.
- كما دلّ قول الله تعالى: { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} على أنّ ترك التسبيح من أسباب طول البلاء.
- ودلّ قول الله تعالى: { كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)} على أنّ الفسق من أسباب وقوع البلاء؛ فقد يقع من المرء فسقٌ في أمر من الأمور؛ فيُبتلى بسببه فيما يناسب ذلك الأمر.
- وقال الله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلّت لهم}؛ فلمّا اعتدوا وظلموا ولم يرضوا بما أحلّ الله لهم حُرّمت عليهم طيبات كانت حلالاً عليهم، وهذا من باب مجازاة المعتدي بنقيض قصده.

وقريب من هذا الباب ما يرد في القرآن من أمثلة كثيرة تبيّن أنّ الجزاء من جنس العمل، بما يُفهم منه أنّ العملَ علّة للجزاء، والأدلة فيه على نوعين:
أحدهما: دلالة النص فيه ظاهرة على أن الجزاء من جنس العمل، وله أمثلة كثيرة:
- منها: قوله تعالى: {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون}.
- ومنها: قوله تعالى: {إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً}
- ومنها قوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم}
- ومنها قوله تعالى: {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}
- وقوله تعالى: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا}
- ومنها: قوله تعالى: {فيسخرون منهم سخر الله منهم}
- ومنها: قوله تعالى: {وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون}.
- ومنها قوله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم} لم يريدوا الخروج فكره الله انبعاثهم.
- وكذلك قوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}
- وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره}
- وقوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم}
والآيات في هذا النوع كثيرة.

والنوع الآخر: ما يُحتاج فيه إلى بيان وجه المناسبة بين الجزاء والعمل.
ومن أمثلته:
- قول الله تعالى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته مسخهم الله قردة يشبهونهم في بعض ظاهرهم دون الحقيقة).
- وقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} فالميثاق المتصل بين العبد وربه، هو من قِبَل العبد بالطاعة والإيمان، ومن قِبَل الله بالرحمة والإنعام، فلما نقضوه من قِبَلهم استحقوا اللعنة والطرد من الرحمة.
والاستدلال بهذه الآية في حقّ المسلمين هو من باب دلالة الشبَه، مع ما فيها من التنبيه على العلة.
ولذلك يُستدلّ بهذه الآية على التنبيه على معالجة قسوة القلب بمحاسبة النفس على تفريطها في الوفاء بعهود الله وإصلاح شأنها في ذلك.
وعظ أبو الوفاء ابن عقيل مرة فقال: (يا من وجد في قلبه قسوة انظر لعلك نقضت عهداً بينك وبين الله فإن الله يقول: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية}).
- ومنها قوله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} وهذا فيه مناسبة ظاهرة لحال المنافقين لما كانوا يظهرون الإسلام ويخفون الكفر.
- ومنها قوله تعالى: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت}
قال ابن القيم رحمه الله: (فإذا كان يوم القيامة جازى الله سبحانه من يشاء من الكاذبين الكاتمين بطمس الوجوه وردها على أدبارها كما طمسوا وجه الحق وقلبوه عن وجهه جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد).
- ومنها قوله تعالى: {بل طبع الله عليها بكفرهم} فكما أن الكفر جامع لمعنى التغطية والنكران والجحد عوقبوا بالطبع على قلوبهم فلا ينفذ إليه الهدى.
- ومنها قوله تعالى: {فكلا أخذنا بذنبه} ثم ذكر الله تعالى من عقوباتهم ما ناسب إجرامهم.
- وقال الإمام الشنقيطي: (وأما قوم لوط فلكونهم قلبوا الأوضاع بإتيان الذكور دون الإناث فكان الجزاء من جنس العمل قلب الله عليهم قراهم، والعلم عند الله تعالى).
قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن: (قالوا وقد دل الكتاب والسنة في أكثر من مائة موضع على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر كما قال تعالى {جزاء وفاقا}أي وفق أعمالهم، وهذا ثابت شرعا وقدرا).

والمقصود التنبيه على أنّ تلك الأعمال هي علّة ما ذكر من الجزاء، ومن دلائل اعتبار مفهوم العلّة في مثل هذا الباب قول الله تعالى في شأن المنافقين: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)} فدلّ منطوق هذه الآيات على التصريح بمفهوم الآيات التي قبلها؛ فما أصابَ المنافقين من العقوبات والابتلاءات المحرجة لهم بسبب نفاقهم يُفهم منه أنّهم لو فعلوا ما وعظوا به لنجو من تلك العقوبات.

6. ومفهوم الاستثناء
وهو إعطاء المستثنى منه حكماً يُفهم منه أنّ للمستثنى حكماً يخالفه.
كما دلّ قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} على أنّ الصلاة على الخاشعين غير كبيرة.
- وكما دلّ قول الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} على الإذن للوليّ برعاية مال اليتيم بالتي هي أحسن.
- وقول الله تعالى: {فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}
- وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ}
- وقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}
- وقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ؛ فاستثنى أولي الضرر.
ومنهم من يلحق هذه الآية ونحوها بمفهوم الصفة لأنّ جملة ( غير أولي الضرر ) وإن كان في حقيقتها استثناءً لأولي الضرر إلا أنّها واقعة موقع الصفة المقيّدة.
والمقصود الأعظم تحصيل المعنى المستفاد وإن اختلفت تسمية الأداة.
ومفهوم الاستثناء معتبر ما لم يكن الغرض منه التوكيد كما في قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ} وقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}

7. ومفهوم الحصر
والحصر له صيغ متنوّعة؛ منها ما يصحّ اعتبار مفهومه، ومنها ما هو من صريح المنطوق.
فمن أمثلة ما يصحّ اعتبار مفهومه:
- دلالة قول الله تعالى: {إنما يتقبّل الله من المتقين}على نفي القبول من غيرهم.
- ودلالة قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} على عدم جواز دفع الزكاة لغيرهم.
- ودلالة قول الله تعالى: {إنما يتذكّر أولوا الألباب}على نفي التذكر عن غير أولى الألباب.
- ودلالة قول الله تعالى: { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}على وصف ما عداه بالضلال.
- ودلالة قول الله تعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا} على أنّه لا مولى للمؤمنين إلا الله.
- ودلالة قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} على نفي خصائص الإلهية عنه، وجواز الموت عليه كما مات من قبله من الرسل.

ومن أمثلة ما هو من صريح المنطوق:
- كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فمنطوقها دالّ على إثبات الألوهية لله تعالى ونفيها عما سواه.
- وقول الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} منطوقها يدلّ على أنه لا يكشف الضرّ إلا الله.
ودلالة صريح المنطوق أقوى من دلالة المفهوم.
- وقال تعالى: { قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فجمع بين مفهوم الحصر في قوله {هو ربي} أي لا ربَّ لي غيره، وصريح المنطوق في قوله: {لا إله إلا هو}.
- وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}

وقد يرد أسلوب الحصر ويراد به معنى الأولوية كما في قول الله تعالى: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}
فدّل مفهوم الحصر في هذه الآية على نفي اعتبار الألم في كل عذاب دون عذاب الله إذا ما نُسبَ إلى عذاب الله كما قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)}؛ فلشدّة إيلام عذاب الله نُزّل ما دونه من العذاب منزلة الذي لا اعتبار لألمه.
وقد يرد الحصر للتنصيص لمناسبة السياق؛ كما في قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ}، فلا يُفهم منه معارضة قول الله تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}؛ لأن الحصر في الآية الأولى جاء في سياق الجواب على مطالبة المشركين إيّاه بالآيات تعنّتاً؛ فيكون مفهوم قوله تعالى: {إنما أنت نذير} أي ليس عليك أن تجيبهم إلى تعنّتهم، وليس هذا في مقدورك ولا مما أمرك الله به {إنما أنت نذير} تنذر هؤلاء المكذبين عذاب الله؛ فإن أنت أنذرتهم فقد أدّيت ما عليك { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)} وهو الذي يتولى حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم.
فلما كان السياق في شأن المكذبين والمعرضين ناسب أن يحصر ما وجب على الرسول تجاههم بالنذارة.

8. ومفهوم الزمان
وهو أن يعلّق الحكم بزمان يٌفهم منه انتفاء الحكم في غيره.
- كما في قول الله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} فدلّعلى أن الإيمان ينفع قبل ذلك.
- ومثله قول الله تعالى: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)}
- وفي قول الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)} جمع بين مفهوم الزمان، ومنطوق ما دلّ عليه.

وقد يُذكر الزمان في النصوص بما لا يُفهم منه انتفاء الحكم في غيره؛ ويكون لذكره أغراض متعددة، فلا يعتبر مفهوم المخالفة فيه، وهو كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: {مالك يوم الدين} فذكر يوم الدين لإفادة الاختصاص؛ فلا ملك ذلك اليوم إلا لله تعالى، والله مالك يوم الدين، ومالك غيره من الأيام.
فإن قيل: ألا يمكن أن يحمل مفهوم الزمان هنا على أنّه لا ملك لغير الله تعالى يوم الدين؟
فالجواب: أن هذا ليس بمفهوم الزمان، وإنما هو مفهوم الحصر، والتقدير: هو – وحده – مالك يوم الدين.

9. ومفهوم المكان
وهو أن يعلّق الحكم بمكان يُفهم منه انتفاء الحكم في غيره.
- ومنه قول الله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} دلّ بمنطوقه على تعيين المشعر الحرام وهو – مزدلفة – مكاناً للذكر بعد الإفاضة من عرفات، ودلّ بمفهومه على عدم مشروعية انصراف الحاجّ إلى غير مزدلفة.
- ومنه دلالة قول الله تعالى: {ولله على الناس حجّ البيت..}على تحريم الحجّ لغيره.
- ودلالة قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} على إباحة ابتداء الكفار بالقتال في غير مكة في أحواله المشروعة.
ويرد على مفهوم المكان ما يرد على مفهوم الزمان من الأسباب المقتضية لعدم اعتباره.

10. ومفهوم العدد
وهو تعليق الحكم بعدد يُفهم منه انتفاؤه عن غيره.
- كدلالة قول الله تعالى: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} على أنه لا يجزئ أقلّ من الشهرين في الصيام ولا أقلّ من إطعام ستين مسكيناً في الإطعام.
- ونحوه مفهوم قول الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
- وقول الله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}.
- وقول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}

ويشترط لإعمال مفهوم العدد أن يكون العدد خارجاً مخرج التقييد الذي يُفهم منه انتفاء الحكم عن غيره، وهذا الشرط يُخرج صوراً:
منها: أن يظهر في المسكوت عنه أولوية أو مساواة للمنطوق؛ لأنه حينئذ يكون مفهوم موافقة لا مفهوم مخالفة؛ كما في قوله تعالى: { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} فالأخوات الثلاث والأربع وما فوق لهنّ الثلثان أيضاً.
ومنها: أن يكون العدد وارداً لأغراض أخرى غير تقييد الحكم بالعدد كالتكثير أو التقليل أو التنصيص.
- فمثال التكثير: قول الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}
- ومثال التقليل: ما في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أم الفضل رضي الله عنها قالت: دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله، إني كانت لي امرأة، فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحُدثَى رضعةً أو رضعتينِ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم الإملاجة والإملاجتان » في رواية: «الرضعة أو الرضعتان».
وهذا الحديث لا يُفهم منه أن الرضعات الثلاث والأربع يحرّمن؛ لأن العدد خرج مخرج التقليل وموافقاً لما في سؤال السائل، ويقدّم عليه مفهوم النصّ الآخر: [خمس رضعات يحرمن].
- ومثال التنصيص: قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} فذكر التسع هنا لا يُفهم منه أنه لم يؤت غيرها من الآيات، ولكن هذه آيات نُصّ عليها لغرض غير التقييد.
وله أمثلة كثيرة من النصوص.
- منها حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» متفق عليه، ولا يُفهم منه أنه ليس لله غيرها من الأسماء.
- ومنها حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:« خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب » متفق عليه.
- ومنه حديث وفد عبد القيس الذي رواه الشيخان من حديث أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: « آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ...»

ولكثرة ما يرد ذكر العدد لأغراض لا يُراد منها تقييد الحكم بالعدد ذهب بعض الأصوليين إلى عدم اعتبار مفهوم العدد، وعدّه بعضهم من أضعف المفاهيم، والصواب أنّه حجّة إذا أريد به التقييد، وقد احتجّ به الفقهاء في مسائل كثيرة.

ومفهوم المخالفة للعدد قد يكون لما هو أقلّ منه، وقد يكون لما هو أكثر منه، وقد يكون لهما، ويُعرف المراد بدلالة السياق ودلالة الأدلة الأخرى المتعلقة بالمسألة:
فمثال الأول: قول الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} مفهومه أنه لا يجزئ إطعام أقل من عشرة مساكين، لكن لو زاد على ذلك فهي صدقة غير ممنوعة.
- وحديث عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن: [عشر رضعات معلومات يحرمن] ثم نسخن بـ[خمس معلومات] فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن). رواه مسلم وغيره، ويفهم منه أنّ ما دون الخمس لا تُحرّم، وأما ما زاد عليها فتحرّم من باب أولى؛ فمفهوم المخالفة هنا للأقلّ لا للأكثر؛ لأن الأكثر موافق للمنطوق.
- ومثال الثاني: قول الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}؛ دلّ منطوقه على الإذن لهم بالسياحة في الأرض آمنين أربعة أشهر، ودلّ مفهومه على أنه ليس لهم أمان فيما زاد على ذلك؛ فصار مفهوم المخالفة هنا للأكثر لا للأقل.
- ومثال الثالث: قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} يُفهم منه تحريم الزيادة والنقص، لأن النقص لا تبرأ به ذمّة الجاني، والزيادة فيها ظلم له بمعاقبته بأكثر مما يستحقّه في الشرع.

11. ومفهوم اللقب
وهو أن يرد في النصّ لقبٌ يُفهم من إيراده اختصاص الحكم به، وانتفاؤه عن غيره.
- كدلالة قول الله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده}على اختصاص من قام بعبودية الله تعالى بالوعد بالكفاية.
- ودلالة قول الله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} على بعدها عن المسيئين.
- ودلالة قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} على أنّ من ليس بمؤمن فلا ضمان له من الله بالكفاية.
وقد اختلف الأصوليون في اعتبار مفهوم اللقب اختلافاً كثيراً، والصواب أنه حجة إذا كان اللقب مفيداً للتقييد الذي يُفهم منه انتفاء الحكم عن غير المقيّد به.
ولذلك لا يعتبر مفهوم اللقب إذا كان لذكره غرض آخر غير التقييد به كالتنصيص في نحو قوله تعالى: {محمد رسول الله} فلا يدلّ ذلك على أنّ الله تعالى لم يرسل غيره، ومن فهم ذلك من مفهوم اللقب فهو بعيد عن تصوّر المراد به.
وكذلك قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} لا يُفهم منه أنه جعل للمرأة قلبين؛ فذكر الرجل هنا لم يخرج مخرج تقييد للجنس البشري في هذا الأمر.

12. ومفهوم التقسيم
وهو أن يُقسّم المحكوم عليه إلى قسمين؛ ثم يُعطى أحدهما حكماً يُفهم منه أن للقسم الآخر حكماً يخالفه، كما في قول الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)} فقسّم من أتاهم الهدى إلى قسمين؛ متبع ومعرض؛ دلّ على ذلك وعد المتبعين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بما يفهم منه أنّ المعرضين لا أمان لهم من الخوف والحزن.

- وقول الله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} فالحكم على الفئة الأخرى بالكفر الأخرى دليل على إيمان الفئة التي تقاتل في سبيل الله.
- وقول الله تعالى: {لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} فيه تقسيم للأمة إلى قسمين؛ قسم يعملون هذه الأعمال وهم الموعودون بالفلاح، وقسم آخر أُضرب عنهم، ولا وعد لهم بالفلاح.
وقد يرد التقسيم لأغراض أخرى غير تخصيص أحد القسمين بحكم يُفهم منه انتفاؤه عن القسم الآخر؛ فلا يُعتبر مفهومه حينئذ كما تقدّم في نظائره، ومنه قوله تعالى: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)} لا يُفهم منه أنّ الرسل الذين قُتلوا لم يُكذّبوا.

شروط إعمال مفهوم المخالفة
مما تقدّم من الشرح يتبيّن أن مفهوم المخالفة لا يُعمل إلا حينما يظهر من دلالة المنطوق ما يدلّ على إرادة مفهوم المخالفة بتقييد ما علّق عليه الحكم بقيد يُخرج ما عداه من ذلك الحكم.
ولذلك فإنّ الصور التي لا يُعتبر فيها مفهوم المخالفة كثيرة، يجمعها الجامع المتقدّم ذكره.
وتخليص شروط إعمال مفهوم المخالفة:
ولإعمال مفهوم المخالفة شروط ينبغي أن يتبيّنها طالب العلم؛ منها:
1. أن لا يعارض المنطوق؛ فكل المفاهيم إذا عارضت منطوقاً فلا يؤخذ بها لأنّ المنطوق مقدّم.
2. وأن لا يكون النصّ قد خرج مخرج الغالب؛ لأن الوصف الخارج مخرج الغالب لا يُفهم منه التقييد؛ ومن ذلك قول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}
فوصف الربائب بأنهنّ في الحجور يظهر أنه خرج مخرج الغالب؛ والنصّ عليه لتشبيههن ببنات زوج الأمّ وتشنيع نكاحهن، وهذا هو قول الجمهور وهو أرجح الأقوال.
3. وأن لا يكون في جواب سؤال؛ كما في قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
فالأمر باعتزالهنّ والنهي عن قربانهنّ إنما هو في شأن الجماع، لأنه هو المسؤول عنه، فلا يُفهم من الآية النهي عن مؤاكلة الحائض ومداعبتها على ما جاءت السنّة بجوازه لزوج الحائض.
وهذا ما لم يكن الجواب قد خرج مخرج القاعدة العامّة التي تشمل الحال المنصوص عليها في السؤال وغيرها، كما تقدم في حديث (كلّ مسكر حرام).
4. وأن لا يكون في معرض امتنان وتكريم، كما في قول الله تعالى: { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)}
5. وأن لا يكون في معرض تبكيت وتشنيع، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
- وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ}
- وقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
6.
وأن لا يكون مخرَّجاً على سبب أو حالة مخصوصة، كما في قول الله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}
- وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
روى أبو داوود في مسائله عن الإمام أحمد أنه قال: (أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة).
فالمأموم يجب عليه أن يستمع إلى قراءة إمامه، وأما في غير الصلاة فإن شاء استمع وإن شاء انصرف، لكن تبقى دلالة الآية على الاستحباب ظاهرة في غير الصلاة، وهو حكم عام يدخل عليه ما يخصصه.

7. وهو تتميم لما قبله، أن لا يعارض المفهومُ نصاً خاصاً في المسألة؛ لأن النصّ الخاصّ مقدّم على المفهوم.
وهذا كما يردّ على من استدلّ بقول الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)} على تحريم أكل لحم الخيل؛ احتجاجاً بما فهمه من مفهوم المخالفة لقوله: (لتركبوها وزينة) ولدلالة الاقتران بأن قرن الخيل مع البغال والحمير التي ثبت تحريم لحمها.
وهذا الاستدلال خاطئ لأنّ الخيل منصوص على إباحة أكل لحمها في دليل خاصّ ثابت في السنة، وقوله: (لتركبوها وزينة) خارج مخرج الامتنان فلا يُعتبر مفهوم المخالفة له، وأما الاقتران فلأنّ هذه الدواب يجمعها جامع أنها من المركوبات والزينة؛ وسورة النحل مكية وقد نزلت قبل تحريم أكل لحم الحمُرِ الأهلية، والاقتران والمفهوم لا يُستدلّ به في مخالفة المنطوق الصريح.

وهذا يدلّ على أنّ المجتهد في فهم القرآن لا يستغني عن النظر في الأحاديث والآثار وأقوال العلماء فيما يتّصل بالمسألة التي يدرسها لئلا يخرج بفهم يخالف نصاً خاصّاً أو إجماعاً أو قولاً راجحاً من أقوال أهل العلم.

وهذه الشروط السبعة غير حاصرة، وإنّما سقتها بأمثلتها ليحكم على نظائرها بحكمها، والضابط المعتمد في إعمال مفهوم المخالفة أن لا يظهر لذكر قيد المنطوق فائدة غير إعطاء حكم المسكوت عنه خلاف حكم المنطوق به.

وهذه الأنواع محلّ بسطها كتب أصول الفقه وإنما ذكرت هنا ملخّصاً يستعين به طالب علم التفسير على استخراج الأحكام والفوائد القرآنية والأوجه التفسيرية، وفي كلام المفسّرين لذلك أمثلة كثيرة، من المفيد لطالب العلم أن يمعن النظر فيها، ويمرّن نفسه على استخراج المفاهيم.

أمثلة من أقوال المفسّرين:

1: قال الله تعالى: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقوله: {إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين} فيه تنبيهٌ ظاهرٌ على أنَّ فعل هذا المأمور هو الإحسان المطلوب منكم، ومطلوبكم أنتم من الله رحمته، ورحمته قريبٌ من المحسنين الذين فعلوا ما أمروا به من دعائه تضرعًا وخفيةً وخوفًا وطمعًا؛ فقُرْب مطلوبكم منه وهو الرحمة بحسب أدائكم لمطلوبه وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم .
وقوله تعالى: {إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين} له دلالةٌ بمنطوقه، ودلالةٌ بإيمائه وتعليله، [ودلالة] بمفهومه.
- فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان.
- ودلالته بإيمائه وتعليله على أن هذا القرب مستحق بالإحسان، وهو السبب في قرب الرحمة منهم.
- ودلالته بمفهومه على بعده من غير المحسنين.
فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة؛ وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة لأنها إحسانٌ من الله أرحم الراحمين، وإحسانه إنما يكون لأهل الإحسان؛ لأن الجزاء من جنس العمل وكلما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته.
وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة، بُعْدٌ ببعد وقربٌ بقرب؛ فمن تقرب إليه بالإحسان تقرب الله إليه برحمته، ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته.
والله سبحانه يحب المحسنين، ويبغض من ليس من المحسنين، ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيءٍ منه، ومن أبغضه الله فرحمته أبعد شيءٍ منه).


2: قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}
- قال ابن كثير رحمه الله: (وأما قوله: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، وسائر الأحياء حرب الإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له، كقوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا}، وكقوله: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم} الآية).

3: قال الله تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}
- قال ابن كثير رحمه الله: (قوله: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} أي: لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين، ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم.
قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: "في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ".
وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية، كما دل عليه منطوق قوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة، رؤية بالأبصار في عرصات القيامة، وفي روضات الجنان الفاخرة).

4. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)}
- قال عبد الرحمن السعدي رحمه الله: ({ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} أي: ألقوا إليه أسماعكم، وتفهموا ما احتوى عليه، ولا يصادف منكم قلوبا لاهية، وأسماعا معرضة، بل ألقوا إليه القلوب والأسماع، وهو هذا: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} شمل كل ما يدعى من دون الله، {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} الذي هو من أحقر المخلوقات وأخسها، فليس في قدرتهم خلق هذا المخلوق الضعيف، فما فوقه من باب أولى، {وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} بل أبلغ من ذلك لو{يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} وهذا غاية ما يصير من العجز. {ضَعُفَ الطَّالِبُ} الذي هو المعبود من دون الله {وَالْمَطْلُوبُ}الذي هو الذباب، فكل منهما ضعيف، وأضعف منهما، من يتعلق بهذا الضعيف، وينزله منزلة رب العالمين).

5. قال الله تعالى: { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2)}
- قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (منطوقه أن الرعب سبب من أسباب هزيمة اليهود، ومفهوم المخالفة يدلّ على أن العكس بالعكس أي: أن الطمأنينة وهي ضد الرعب، سبب من أسباب النصر، وهو ضد الهزيمة.
وقد جاء ذلك المفهوم مصرحا به في آيات من كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}.
ومنها قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}
فقد ولوا مدبرين بالهزيمة، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا من الملائكة فكان النصر لهم، وهزيمة أعدائهم المشار إليها بقوله تعالى: {وعذب الذين كفروا} أي: بالقتل، والسبي في ذلك اليوم.
ومنها قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}).

6: قال الله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}
- قال عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (وحكم العبد الذكر في الحد المذكور حكم الأمة لعدم الفارق بينهما).

7: قال الله تعالى: { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا}

- قال ابن عاشور رحمه الله: (دلَّ مفهوم الشرط على أنهم ليسوا على هدى ما داموا غير مؤمنين بالإسلام).

8: قال الله تعالى: { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}
- قال ابن عاشور: (ولفظ الرجل لا مفهوم له، لأنه أريد به الإنسان بناء على ما تعارفوه في مخاطباتهم من نوط الأحكام والأوصاف الإنسانية بالرجال جرياً على الغالب في الكلام، ما عدا الأوصاف الخاصة بالنساء، يعلم أيضا أنه لا يدّعى لامرأة أن لها قلبين بحكم فحوى الخطاب أو لحن الخطاب).

9: قال الله تعالى: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا}
- قال ابن عاشور رحمه الله: (وقوله: {فليس عليكم جناح ألا تكتبوها} تصريح بمفهوم الاستثناء، مع ما في زيادة قوله: {جناح} من الإشارة إلى أن هذا الحكم رخصة، لأن رفع الجناح مؤذن بأن الكتابة أولى وأحسن).

10. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)}
- قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (مدلول هذه الآية بدلالة المطابقة {وحفظناها من كل شيطان رجيم} أي وحرسناها أي السماء من كل عات متمرد.
ولا مفهوم مخالفة لقوله: {رجيم} وقوله: {مارد} لأن مثل ذلك من الصفات الكاشفة؛ فكل شيطان يوصف بأنه رجيم وبأنه مارد، وإن كان بعضهم أقوى تمردا من بعض، وما حرسه الله جل وعلا من كل عات متمرد، لا شك أنه لا يصل إليه عاتٍ متمردٌ كائناً من كان {ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير} والعلم عند الله تعالى).

11: قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}
- قال ابن عاشور رحمه الله: (الحق: ما قابل الباطل، ومفهوم الصفة يقتضي أن ملك غيره باطل، أي فيه شائبة الباطل لا من جهة الجور والظلم لأنه قد يوجد ملك لا جور فيه ولا ظلم، كملك الأنبياء والخلفاء الراشدين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلفاء والأمراء، بل من جهة أنه ملك غير مستكمل حقيقة المالكية فإنَّ كل من يُنسب إليه الملك عدا الله تعالى هو مالك من جهة ومملوك من جهة لما فيه من نقص واحتياج، فهو مملوك لما يتطلبه من تسديد نقصه بقدر الحاجة ومن استعانة بالغير لجبر احتياجه؛ فذلك ملك باطل لأنه ادعاء ملك غير تام).

12: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}
- قال ابن عاشور رحمه الله: (استثناء اللَّمم استثناء منقطع؛ لأنَّ اللممَ ليس من كبائر الإثم ولا من الفواحش؛ فالاستثناء بمعنى الاستدراك.
ووجهه أن ما سُمّي باللمم ضرب من المعاصي المحذَّر منها في الدين، فقد يظن الناس أن النهي عنها يلحقها بكبائر الإثم فلذلك حق الاستدراك.
وفائدة هذا الاستدراك عامة وخاصة:
أما العامة فَلِكَيْ لا يعامِل المسلمون مرتكب شيء منها معاملة من يرتكب الكبائر.
وأما الخاصة فرحمة بالمسلمين الذين قد يرتكبونها فلا يُقِل ارتكابها من نشاط طاعة المسلم، ولينصرف اهتمامه إلى تجنب الكبائر؛ فهذا الاستدراك بشارة لهم، وليس المعنى أن الله رخَّص في إتيان اللمم.
وقد أخطأ وضاح اليمن في قوله الناشئ عن سوء فهمه في كتاب الله وتطفله في غير صناعته:

فما نوَّلت حتى تضرَّعْتُ عندها ... وأنبأتها ما رخَّص الله في اللمم
واللمم: الفعل الحرام الذي هو دون الكبائر والفواحش في تشديد التحريم، وهو ما يندر ترك الناس له فيكتفى منهم بعدم الإكثار من ارتكابه. وهذا النوع يسميه علماء الشريعة الصغائر في مقابلة تسمية النوع الآخر بالكبائر).

13: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
- قال ابن عاشور: (وقد دلت الآية على أن حقا على المسلمين أن يذكروا سلفهم بخير، وأن حقا عليهم محبة المهاجرين والأنصار وتعظيمهم.
قال مالك: "من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو كان قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ والذين جاؤ من بعدهم الآية".
فلعله أخذ بمفهوم الحال من قوله تعالى: {يقولون ربنا اغفر لنا...} الآية، فإن المقصد من الثناء عليهم بذلك أن يضمروا مضمونه في نفوسهم فإذا أضمروا خلافه وأعلنوا بما ينافي ذلك فقد تخلف فيهم هذا الوصف؛ فإن الفيء عطية أعطاها الله تلك الأصناف ولم يكتسبوها بحق قتال، فاشترط الله عليهم في استحقاقها أن يكونوا محبين لسلفهم غير حاسدين لهم).

التطبيقات
استخرج ما تعرف بدلالة المفهوم من الآيات التاليات:
(1) قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
(2) قول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)}
(3) قول الله تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
(4) قول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)ْ
(5) قول الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)}
(6) قول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)}
(7) قول الله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)}





موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخامس, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir