السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ذكرنا أن تراجم الخلفاء الأربعة طويلة توسع فيها العلماء رحمهم الله ، ولكن دخل في بعضها شيء من الكذب أو المبالغة ونحو ذلك ، فذكرنا أن عثمان رضي الله عنه نقم عليه الثوار أنه قرب بعض أقاربه ، منهم الحكم بن أبي العاص وابنه مروان بن الحكم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نفى الحكم إلى الطائف ، ولما استخلف عثمان رأى أن له حقا وأن له قرابة ، فلأجل ذلك أمره بأن يأتي إلى المدينة ، وولى ابنه مروان ، ولاه الكتابة ، فكان يكتب له ، وهو الذي كتب كتابا وختمه بختم عثمان ، مما كان سببا لأن ثار عليه بعضهم .
وأما الولايات الأخرى الكبيرة فلم يولها أحدا من أقاربه ، إلا أنه زاد في ولاية معاوية ، كان معاوية في عهد عمر وفي عهد أبي بكر ، كان في عهد أبي بكر يزيد بن أبي سفيان ، حتى قتل ، وبعده جعل عمرُ أخاه معاوية مكانه ، ولما استولى عثمان ، أضاف إليه جميع ولايات الشام وما حولها ، وصار كأنه خليفة في ذلك المكان ، ولأجل ذلك صار محبوبا عند أهل الشام .
وبكل حال ، عثمان رضي الله عنه قد اجتهد ولم يحد عن سيرة الخلفاء الذين قبله .
أما علي رضي الله عنه ، فقد اتهم بأنه تمالأ مع قتلة عثمان ، وحاشاه أن يكون كذلك ، ولكن عثمان منع أهل المدينة أن يقاتلوا معه ، وإلا فإن له خداما وله أقارب ، منعهم وصبر إلى أن قتل ، رضي الله عنه ، فكان بعض بني أمية يتهمونه بأنه قد مالأهما لأجل ذلك لم يسلم لهم قتلة عثمان ، وحصلت الوقائع التي حصل فيها هذا القتل الكبير .
الرافضة غلوا في علي لأنهم رأوا سيرته فيهم سيرة حسنة وأحبوه ، ثم زادوا في قدره إلى أن جعلوه كالإله أو كالنبي أو نحو ذلك.
ثم يعرف أن الرافضة كفروا لثلاثة أمور :
الأول : طعنهم في القرآن لما لم يجدوا فيه ذكر آل البيت ، اتهموا الصحابة بأنهم حذفوا منه أكثر من الثلثين ، وكل هذا كذب.
الأمر الثاني : أنهم يكفرون الصحابة إلا نفرا قليلا ، ويردون أحاديثهم ، فلا يقبلون من أحاديث الشيخين ، أبي بكر وعمر وكذلك عثمان ، كذلك بقية العشرة وكذلك بقية الصحابة عندهم أنهم كفار ، ولأجل ذلك لا يقبلون أحاديثهم ، فكان من أثر تكفيرهم أن كفروا أهل السنة الذين يحبونهم ، فيكفرون جميع أهل السنة الذين يوالون الخلفاء ويوالون الصحابة.
الأمر الثالث: الغلو في علي ، بحيث أنهم يدعونه من دون الله ، وبهذا صاروا من الكفار الذين يحكم بكفرهم ؛ لأن من كفر المسلمين فهو كافر .
وسمعت لبعض الحاضرين شريطا سئل فيه ، قال السائل : هل لي أن أزوج سنيا عدلا أمينا ، أو أزوج شيعيا فاسقا عاصيا ؟ فقال : إن السني وإن كان أمينا فإنه كافر ، وإنه في النار ولو كان عابدا ولو كان وكان ، وأما الشيعي فإنه من أهل الجنة ولو كان فاسقا ، ولو كان عاصيا ، زوج موليتك بالشيعي . هكذا يعتقدون في أهل السنة والعياذ بالله .
الآن نقرأ سيرة الخلفاء ، سيرة الستة الباقين من العشرة ، نظمهم ابن أبي داود في حائيته :
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ...... وعامر فهر والزبير الممدح
هؤلاء هم الستة .
بدأ المؤلف بالذين قتلوا في وقعة الحرة ، وهم طلحة والزبير ،
كنية طلحة : أبو محمد ، وهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ، فهو قرشي وتيمي ؛ أي: يجتمع مع أبي بكر في تيم بن مرة .
وأمه يقال لها : الصعبة بنت الحضرمي ، أخت العلاء بن الحضرمي ، القائد المشهور ، اسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن عوف بن مالك بن عويف بن خزرج بن إياس بن الصدق ، أمه من هذه القبيلة ، قبيلة إياس ، مشهورة ولهم ذكر ، وهم من الأنصار ، من بني الخزرج ، أسلمت أمه وتوفيت مسلمة ، وطلحة أسلم قديما بمكة وشهد أحدا وما بعدها ، ولم يشهد بدرا ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر ؛ لأنه إنما خرج يريد عير قريش ، فجمع الله بينه وبين عدوه .
طلحة كان بالشام في تجارة في ذلك الوقت ، ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه ، أعطاه سهما من الغنائم ، وكتب له أجرا كأنه شهدها .
ذكر بعض أولاده :
أولا: محمد السجاد ، وقتل معه في وقعة الجمل ، قالوا : سمي السجاد ؛ لكثرة عبادته ، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكروا له صحبة.
ذكروا أن الذي قتله شريح بن أوفى ، قال البخاري في تفسيره لسورة غافر تعليقا على ما يقوي ما قاله البغوي ، أن اسم قاتله شريح بن أوفى ، وكان شريح يقول:
يذكـرني حم والرمح شاجر ...... فهـلا تلا حـم قبل التقـدم
يعني أنه لما أراد أن يقتل السجاد قرأ قوله تعالى: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} وهي في سورة حم غافر .
الثاني: عمران بن طلحة ، أمه وأم محمد ، حمنة بنت جحش ، أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين ، وهي التي كانت تستحاض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
الثالث: موسى بن طلحة ، ومن أشهرهم ، وله ذكر في كتب الحديث ، أمه خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة .
الرابع والخامس والسادس : يعقوب وإسحاق وإسماعيل ، وأمهم أم أبان بنت عتبة بن ربيعة .
السابع والثامن : زكريا وعائشة ، أمهما أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه .
يعني أن من فضائله أنه تزوج أخت عائشة : أم كلثوم بنت أبي بكر .
التاسع والعاشر: عيسى ويحيى ، أمهما سعدى بنت عوف المرية .
الحادي عشر: أم إسحاق بنت طلحة ، أمها أم الحارث بنت قسامة بن حنظلة .
فأولاده أحد عشر ، وذكر له أيضا ابنان ولم يثبت ذلك : عثمان وصالح ، ولم يذكر أنه استولد أمة .
فزوجاته: خولة وحمنة وأم أبان وأم كلثوم ، وسعدى بنت عوف ، وأم الحارث يكون له ست زوجات لأنه يتزوج ويطلق .
كان قتله سنة ستة وثلاثين يوم الجمل ، وعمره اثنتان وستين .
ذكروا أنه لما حضر يوم الجمل اجتمع به علي فوعظه ، فرجع ، فجاءه سهم رمى به مروان بن الحكم ، فوقع في ركبته وكان به حتفه ، فلما علم بذلك علي حزن وتأسف على قتله ، ولكن هكذا.