(مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ): جَمْعُ لَطَفٍ بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَلْطُوفِ بِالنَّاسِ بِهَا (حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ) بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى وَإِنْ قِيلَ وَاضِعُهَا غَيْرُهُ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِهِمْ (لِيُعَبِّرَ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَيُعَبِّرَ كُلٌّ مِنْ النَّاسِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ لِغَيْرِهِ حَتَّى يُعَاوِنَهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِهِ (وَمَرَّ) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ (أَفْيَدُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمِثَالِ) أَيْ الشَّكْلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَهُمَا يَخُصَّانِ الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ (وَأَيْسَرُ) مِنْهُمَا أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ دُونَهُمَا بِأَنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفْسِ الضَّرُورِيَّ (وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي) خَرَجَ الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ وَشَمَلَ الْحَدُّ الْمُرَكَّبَ الْإِسْنَادِيَّ وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ (وَتُعْرَفُ بِالنَّقْلِ تَوَاتُرًا) نَحْوُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ لِمَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَةِ (أَوْ آحَادًا) كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ) نَحْوُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ عَامٌّ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ كَمَا سَيَأْتِي لِلُّزُومِ تَنَاوُلُهُ لِلْمُسْتَثْنَى (لَا مُجَرَّدَ الْعَقْلِ) فَلَا تُعْرَفُ بِهِ إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ أَوْ كُلِّيٌّ) الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ كَمَدْلُولِ زَيْدٍ، وَالثَّانِي مَا لَا يَمْنَعُ كَمَدْلُولِ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيَأْتِي مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ (أَوْ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ كَالْكَلِمَةِ فَهِيَ قَوْلٌ مُفْرَدٌ)، وَالْقَوْلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ يَعْنِي كَمَدْلُولِ الْكَلِمَةِ بِمَعْنَى مَاصَدَقِهَا كَرَجُلٍ وَضَرَبَ وَهَلْ (أَوْ) لَفْظٌ مُفْرَدٌ (مُهْمَلٌ كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ) يَعْنِي كَمَدْلُولِ أَسْمَائِهَا نَحْوُ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَالسِّينِ أَسْمَاءٌ لِحُرُوفِ جَلَسَ مَثَلًا أَيْ جُهْ لَهْ سَهْ (أَوْ) لَفْظٌ (مُرَكَّبٌ مُسْتَعْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْخَبَرِ) أَيْ مَاصَدَقُهُ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ أَوْ مُهْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ التَّصْرِيحُ بِقِسْمَيْ الْمُرَكَّبِ مَعَ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي وَضْعِ الْأَوَّلِ وَوُجُودِ الثَّانِي وَإِطْلَاقِ الْمَدْلُولِ عَلَى الْمَاصَدَقِ كَمَا هُنَا سَائِغٌ، وَالْأَصْلُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ.
(وَالْوَضْعُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى) فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ لَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَفِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ خِلَافَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ إنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى بِحَيْثُ يَصِيرُ فِيهِ أَشْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ نَعَمْ يُعْرَفَانِ فِيهَا بِالْكَثْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ بِالنَّقْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَوِيِّ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى) فِي وَضْعِهِ لَهُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ لِلضِّدَّيْنِ كَالْجَوْنِ لِلْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ لَا يُنَاسِبُهُمَا خِلَافًا (لِعَبَّادٍ) الصَّيْمَرِيِّ (حَيْثُ أَثْبَتَهَا) بَيْنَ كُلِّ لَفْظٍ وَمَعْنَاهُ. قَالَ وَإِلَّا فَلِمَ اخْتَصَّ بِهِ (فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْوَضْعِ) عَلَى وَفْقِهَا فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَقِيلَ بَلْ) بِمَعْنَى أَنَّهَا (كَافِيَةٌ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَضْعِ يُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا فِي الْقَافَةِ وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا مُسَمَّى آذغاغ وَهُوَ مِنْ لُغَةِ الْبَرْبَرِ فَقَالَ أَجِدُ فِيهِ يُبْسًا شَدِيدًا وَأَرَاهُ اسْمَ الْحَجَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ) الدَّالُّعَلَى مَعْنًى ذِهْنِيٍّ خَارِجِيٍّ أَيْ لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ بِالْإِدْرَاكِ وَوُجُودٌ فِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ كَالْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ (مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ لَا الذِّهْنِيِّ خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيُّ فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي قَالَ لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنْ بَعِيدٍ وَظَنَنَّاهُ صَخْرَةً سَمَّيْنَاهُ بِهَذَا الِاسْمِ، فَإِذَا دَنَوْنَا مِنْهُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَكِنْ ظَنَنَّاهُ طَيْرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ. فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنْسَانٌ سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الِاسْمُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ لِظَنِّ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهِ فِي الذِّهْنِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِجِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ تَابِعٌ لِإِدْرَاكِ الذِّهْنِ لَهُ حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ. (وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى فِي ذِهْنٍ كَانَ أَوْ خَارِجٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ أَيْ فِي النَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْهُ مَا وُضِعَ لِلْخَارِجِيِّ وَمِنْهُ مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَلَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ بَلْ) اللَّفْظُ (لِكُلِّ مَعْنًى مُحْتَاجٍ أَوْ اللَّفْظُ) فَإِنَّ أَنْوَاعَ الرَّوَائِحِ مَعَ كَثْرَتِهَا جِدًّا لَيْسَ لَهَا أَلْفَاظٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّقْيِيدِ كَرَائِحَةِ كَذَا فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةًإلَى الْأَلْفَاظِ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْآلَامِ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ (وَالْمُحْكَمُ) مِنْ (الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى) مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ (وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ) أَيْ اخْتَصَّ (بِعَمَلِهِ) فَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا مَعْنَاهُ. (وَقَدْ يُطْلِعُ) أَيْ اللَّهُ (عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ الْمُشْكِلَةِ عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ بِتَفْوِيضِ مَعْنَاهَا إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي مَعَ قَوْلِ الْخَلَفِ بِتَأْوِيلِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ (, وَاللَّفْظُ الشَّائِعُ) بَيْنَ الْخَوَاصِّ، وَالْعَوَامِّ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ) ; لِامْتِنَاعِ تَخَاطُبِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَوَامِّ بِمَا هُوَ خَفِيٌّ عَلَيْهِمْ لَا يُدْرِكُونَهُ (كَمَا يَقُولُ) مِنْالْمُتَكَلِّمِينَ (مُثْبِتُو الْحَالِ)، أَيْ: الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ (الْحَرَكَةُ مَعْنًى تُوجِبُ تَحَرُّكَ الذَّاتِ)، أَيْ: الْجِسْمِ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى خَفِيُّ التَّعَقُّلِ عَلَى الْعَوَامِّ فَلَا يَكُونُ مَعْنَى الْحَرَكَةِ الشَّائِعَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَالْمَعْنَى الظَّاهِرُ لَهُ تَحَرُّكُ الذَّاتِ.