دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو الحجة 1429هـ/11-12-2008م, 11:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الموضوعات اللغوية [مدلولات الألفاظ]

مَسْأَلَةٌ: مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ لِيُعَبِّرَ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، وَهي أَفْيَدُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمِثَالِ وَأَيْسَرُ، وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي، وَتُعْرَفُ بِالنَّقْلِ تَوَاتُرًا، أَوْ آحَادًا وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ، لَا مُجَرَّدَ الْعَقْلِ، وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ أَوْ كُلِّيٌّ أَوْ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ كَالْكَلِمَةِ فَهِيَ قَوْلٌ مُفْرَدٌ أَوْ مُهْمَلٌ كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ أَوْ مُرَكَّبٌ، وَالْوَضْعُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَلَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى خلافًا لِعَبَّادٍ حَيْثُ أَثْبَتَهَا، فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْوَضْعِ، وَقِيلَ بَلْ كَافِيَةٌ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى، وَاللَّفْظُ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ لَا الذِّهْنِيِّ خِلَافًا لِلْإِمَامِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَلَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ، بَلْ كُلِّ مَعْنًى مُحْتَاجٍ إلى اللَّفْظُ، وَالْمُحْكَمُ الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى، وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تعالى بِعَمَلِهِ، وَقَدْ يُطْلِعُ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَاللَّفْظُ الشَّائِعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ كَمَا يَقُولُ مُثْبِتُو الْحَالِ: الْحَرَكَةُ مَعْنًى يُوجِبُ تَحَرُّكَ الذَّاتِ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ): جَمْعُ لَطَفٍ بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَلْطُوفِ بِالنَّاسِ بِهَا (حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ) بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى وَإِنْ قِيلَ وَاضِعُهَا غَيْرُهُ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِهِمْ (لِيُعَبِّرَ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَيُعَبِّرَ كُلٌّ مِنْ النَّاسِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ لِغَيْرِهِ حَتَّى يُعَاوِنَهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِهِ (وَمَرَّ) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ (أَفْيَدُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمِثَالِ) أَيْ الشَّكْلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَهُمَا يَخُصَّانِ الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ (وَأَيْسَرُ) مِنْهُمَا أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ دُونَهُمَا بِأَنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفْسِ الضَّرُورِيَّ (وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي) خَرَجَ الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ وَشَمَلَ الْحَدُّ الْمُرَكَّبَ الْإِسْنَادِيَّ وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ (وَتُعْرَفُ بِالنَّقْلِ تَوَاتُرًا) نَحْوُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ لِمَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَةِ (أَوْ آحَادًا) كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ) نَحْوُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ عَامٌّ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ كَمَا سَيَأْتِي لِلُّزُومِ تَنَاوُلُهُ لِلْمُسْتَثْنَى (لَا مُجَرَّدَ الْعَقْلِ) فَلَا تُعْرَفُ بِهِ إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ أَوْ كُلِّيٌّ) الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ كَمَدْلُولِ زَيْدٍ، وَالثَّانِي مَا لَا يَمْنَعُ كَمَدْلُولِ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيَأْتِي مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ (أَوْ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ كَالْكَلِمَةِ فَهِيَ قَوْلٌ مُفْرَدٌ)، وَالْقَوْلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ يَعْنِي كَمَدْلُولِ الْكَلِمَةِ بِمَعْنَى مَاصَدَقِهَا كَرَجُلٍ وَضَرَبَ وَهَلْ (أَوْ) لَفْظٌ مُفْرَدٌ (مُهْمَلٌ كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ) يَعْنِي كَمَدْلُولِ أَسْمَائِهَا نَحْوُ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَالسِّينِ أَسْمَاءٌ لِحُرُوفِ جَلَسَ مَثَلًا أَيْ جُهْ لَهْ سَهْ (أَوْ) لَفْظٌ (مُرَكَّبٌ مُسْتَعْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْخَبَرِ) أَيْ مَاصَدَقُهُ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ أَوْ مُهْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ التَّصْرِيحُ بِقِسْمَيْ الْمُرَكَّبِ مَعَ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي وَضْعِ الْأَوَّلِ وَوُجُودِ الثَّانِي وَإِطْلَاقِ الْمَدْلُولِ عَلَى الْمَاصَدَقِ كَمَا هُنَا سَائِغٌ، وَالْأَصْلُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ.
(وَالْوَضْعُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى) فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ لَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَفِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ خِلَافَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ إنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى بِحَيْثُ يَصِيرُ فِيهِ أَشْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ نَعَمْ يُعْرَفَانِ فِيهَا بِالْكَثْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ بِالنَّقْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَوِيِّ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى) فِي وَضْعِهِ لَهُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ لِلضِّدَّيْنِ كَالْجَوْنِ لِلْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ لَا يُنَاسِبُهُمَا خِلَافًا (لِعَبَّادٍ) الصَّيْمَرِيِّ (حَيْثُ أَثْبَتَهَا) بَيْنَ كُلِّ لَفْظٍ وَمَعْنَاهُ. قَالَ وَإِلَّا فَلِمَ اخْتَصَّ بِهِ (فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْوَضْعِ) عَلَى وَفْقِهَا فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَقِيلَ بَلْ) بِمَعْنَى أَنَّهَا (كَافِيَةٌ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَضْعِ يُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا فِي الْقَافَةِ وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا مُسَمَّى آذغاغ وَهُوَ مِنْ لُغَةِ الْبَرْبَرِ فَقَالَ أَجِدُ فِيهِ يُبْسًا شَدِيدًا وَأَرَاهُ اسْمَ الْحَجَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ) الدَّالُّعَلَى مَعْنًى ذِهْنِيٍّ خَارِجِيٍّ أَيْ لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ بِالْإِدْرَاكِ وَوُجُودٌ فِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ كَالْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ (مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ لَا الذِّهْنِيِّ خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيُّ فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي قَالَ لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنْ بَعِيدٍ وَظَنَنَّاهُ صَخْرَةً سَمَّيْنَاهُ بِهَذَا الِاسْمِ، فَإِذَا دَنَوْنَا مِنْهُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَكِنْ ظَنَنَّاهُ طَيْرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ. فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنْسَانٌ سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الِاسْمُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ لِظَنِّ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهِ فِي الذِّهْنِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِجِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ تَابِعٌ لِإِدْرَاكِ الذِّهْنِ لَهُ حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ. (وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى فِي ذِهْنٍ كَانَ أَوْ خَارِجٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ أَيْ فِي النَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْهُ مَا وُضِعَ لِلْخَارِجِيِّ وَمِنْهُ مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَلَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ بَلْ) اللَّفْظُ (لِكُلِّ مَعْنًى مُحْتَاجٍ أَوْ اللَّفْظُ) فَإِنَّ أَنْوَاعَ الرَّوَائِحِ مَعَ كَثْرَتِهَا جِدًّا لَيْسَ لَهَا أَلْفَاظٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّقْيِيدِ كَرَائِحَةِ كَذَا فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةًإلَى الْأَلْفَاظِ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْآلَامِ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ (وَالْمُحْكَمُ) مِنْ (الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى) مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ (وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ) أَيْ اخْتَصَّ (بِعَمَلِهِ) فَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا مَعْنَاهُ. (وَقَدْ يُطْلِعُ) أَيْ اللَّهُ (عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ الْمُشْكِلَةِ عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ بِتَفْوِيضِ مَعْنَاهَا إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي مَعَ قَوْلِ الْخَلَفِ بِتَأْوِيلِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ (, وَاللَّفْظُ الشَّائِعُ) بَيْنَ الْخَوَاصِّ، وَالْعَوَامِّ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ) ; لِامْتِنَاعِ تَخَاطُبِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَوَامِّ بِمَا هُوَ خَفِيٌّ عَلَيْهِمْ لَا يُدْرِكُونَهُ (كَمَا يَقُولُ) مِنْالْمُتَكَلِّمِينَ (مُثْبِتُو الْحَالِ)، أَيْ: الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ (الْحَرَكَةُ مَعْنًى تُوجِبُ تَحَرُّكَ الذَّاتِ)، أَيْ: الْجِسْمِ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى خَفِيُّ التَّعَقُّلِ عَلَى الْعَوَامِّ فَلَا يَكُونُ مَعْنَى الْحَرَكَةِ الشَّائِعَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَالْمَعْنَى الظَّاهِرُ لَهُ تَحَرُّكُ الذَّاتِ.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (مَسْأَلَةٌ: من الأَلْطافِ حُدوثُ المَوْضوعَاتِ اللُغَوِيَّةِ ليُعَبَّرَ عمَّا في الضمِيرِ، وهي أَفْيَدُ من الإشارةِ والمثالِ وأَيْسَرُ).
ش: وجْهُ كونِه من الألْطافِ، حَاجَةُ الخَلْقِ إلى إعْلامِ بعضُهم بعضاً، ما في ضمائِرِهم من أمْرِ مَعاشِهم للمُعامَلاتِ وأَمْرِ مَعَادِهم لإفادِةِ المَعْرِفَةِ والأحْكامِ، فوضَعَ لهم الألفاظَ لمَعانِيها ووقَّفَهم عليه على قولِ التَّوقُّفِ، أو جَعَلَهم قَادِرِينَ على وَضْعِ الألفاظِ لمَعانِيها، على قولِ الاصْطلاحِ، ولهذا عَبَّرَ المُصَنِّفُ بالحُدوثِ، ليُنَبِّهَ= على أنَّه لُطْف= على كلا القَوْلَيْنِ، بخلافِ تَعْبِيرِ ابنِ الحَاجِبِ بالإِحْداثِ، فإنَّه يُوهِمُ التخْصيصُ بالتَّوَقُّفِ، ثمَّ إنَّه جَعَلَ ذلك بالنُّطْقِ دونَ الإشارَةِ والمثالِ؛ لكونِه أَفْيدُ وأَسْهَلُ.
أمَّا كونُه أَفْيدُ، فلأنَّ اللفْظَ يَعُمُّ كلَّ موجودٍ ومَعْدُومٍ بخلافِ الإشارَةِ، فإنَّها للموجودِ، وبخلافِ المِثالِ، وهو أنْ يَجْعَلَ لِمَا في الضميرِ مُشْكلاً، فإنَّه أيضاًً كذلك؛ لأنَّه يَعْسُرُ، بل يَتَعَذَّرُ أنْ يَجْعَلَ لكلِّ شيءٍ مثالٌ= يُطابِقُه، وأمَّا كونُه أَيْسَرُ فلأنَّه يُوافِقُ الأمْرَ الطبيعِيِّ؛ لأنَّ الحروفَ كيْفِيَّاتٍ تُعْرَضُ للنَّفْسِ الضَرُورِيُّ، ولا شَكَّ أنَّ المُوافِقَ للأمْرِ الطبِيعِيِّ أسْهَلٌ من غيرِ فَخْفَتِ المَؤنَةُ وعَمَّتِ الفائِدَةُ.
ص: (وهي الألفاظُ الدَّالَّةُ على المعانِي).
ش: الضميرُ راجِعٌ إلى الموضوعاتِ اللُّغَوِيَّةِ، والألفاظُ جِنْسٌ قريبٌ، فيَخْرُجُ ما دَلَّ على معنًى، وليسَ بلَفْظٍ كالخَطِّ والعقودُ، والإشارَةُ فلا يَكُونُ شيءٌ منها لُغَةً، والمرادُ بالألفاظِ كلُّ ما كانَ مَلْفُوظاً به حقيقةً أو حكماً، لتَدْخُلَ الضَّمائِرُ المُسْتَتِرَةُ في الأفْعَالِ، فإنَّها ملفوظٌ بها حُكْماً بدليلِ إسنادِ الفِعْلِ إليها، وجوازِ تَأْكِيدِها، والعَطْفِ عليها، وخَرَجَ بالدَّلالَةِ على المعانِي المُهْمَلاتِ، ودَخَلَ في هذا الحَدِّ المُفْرَدُ والمُرَكَّبُ حُكْماً، إذِ اللُّغَةُ تلطف= على الجميعِ، وعُلِمَ منه أنَّ دلالَةَ الألفاظِ المُرَكَّبَةِ على معانِيها وَضْعِيَّةٌ، وسَيَذْكُرُها المُصَنِّفُ في بابِ الأَخْبَارِ، وهذا التعريفُ أَحْسَنُ من قولِ ابنِ الحَاجِبِ: كُلُّ لفظٍ وُضِعَ لمعنًى، لِمَا في (كُلِّ) من الإشكالِ.
ص: (وتُعْرَفُ بالنَّقْلِ تواتراً أو آحاداً أو باسْتِنْباطِ العَقْلِ من النَّقْلِ، لا بِمُجَرَّدِ العَقْلِ).
ش: يُعْرَفُ وَضْعُ اللفظِ للمعنَى بطريقِ الحَصْرِ، إمَّا النَّقْلُ الصَّرْفُ أو العَقْلُ الصَّرْفُ أو المُرَكَّبُ منهُما.
فأمَّا العقلُ الصَّرْفُ، فلا مَدْخَلَ له في ذلكَ، فإنَّه لا يَسْتَقِرُّ بالأمورِ الوَضْعِيَّةِ.
وأمَّا النَّقْلُ الصَّرْفُ، فهو إمَّا متواترٌ كالسماءِ، والحَرِّ والبَرْدِ، ونحوِها ممَّا لا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، وهو يُفِيدُ القَطْعَ، وإمَّا آحادٌ كالقَرْءِ ونحوِه، وهو يُفِيدُ الظَّنَّ، فيَتَمَسَّكُ به في المَسائِلِ الظِّنِّيَّةِ دونَ القَطْعِيَّةِ.
وأمَّا المُرَكَّبُ منهُما، كما إذا نُقِلَ إلِينَا أنَّ الجَمْعَ المُعَرَّفُ بالألِفِ واللاَّمِ للعمومِ.
وكانَ الشيخُ زَينُ الدِّينِ الكِنَانِيُّ يَعْتَرِضُ على هذا المثالِ بأنَّ المُقَدِّمَتَيْنِ نَقْلِيَّتَانِ، وإذا تَرَكَّبَ الدليلُ من مقدمتَيْنِ نَقْلِيَّتَيْنِ لم يَصِحَّ أنْ يُقالَ: إنَّه مُرَكَّبٌ من العَقْلِ والنَّقْلِ، وإنَّما غايتُه أنَّ العَقْلَ تَفَطَّنَ لنَتِيجَتِهِمَا، وهذا مردودٌ، فإنَّ الدليلَ ليسَ مُرَكَّباً من نَقْلِيَّتَيْنِ ضَرَورَةٌ عَدَمِ تَكَرُّرِ الحَدِّ الأوسْطِ فيهما، وإنَّما هو مُرَكَّبٌ من مُقَدِّمَةٍ نَقْلِيَّةٍ مَحْضَةٍ، وهي الاستثناءُ، إخْراجُ بعضِ ما يَتَنَاولُه اللفظُ، ومُقَدِّمَةٍ عَقْلِيَّةٍ لازمَةٍ لمُقَدِّمَةٍ أُخْرَى، وهي أنَّ كُلَّ ما دَخَلَه الاستثناءُ عامٌّ، لأنَّه لو لم يكنُ عاماً لم يَدْخُلِ المُسْتَثْنَى فيه، ثمَّ جُعِلَتْ هذه القضيةُ كُبْرَى للمُقَدِّمَةِ الأُخْرَى النَّقْلِيَّةِ، فصَارَ صُورَةُ الدليلِ هكذا: الجَمْعُ المُحَلَّى بألْ يَدْخُلُه الاستثناءُ، وكلُّ ما يَدْخُلُه الاستثناءُ عامٌّ، يَنْتُجُ أنَّ المُحَلَّى بألْ عَامٌّ.
ص: (ومَدْلُولُ اللفظِ إمَّا معنًى جُزْئِيٌّ أو كُلْيٌّ، أو لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ، كالكَلِمَةِ فهي قَوْلٌ وُضِعَ لمَعنًى مُفْرَدٍ، أو مُهْمَلٍ كأسماءِ حروفِ الهَجاءِ، أو مُرَكَّبٌ).
ش: مدلولُ اللَفْظِ يَنْقَسِمُ إلى أقسامٍ؛ لأنَّ مدلولَه إمَّا معنًى أو لَفْظٌ، والأوَّلُ يَنْقَسِمُ إلى جُزْئِيٍّ وكُلُّيٍّ، لأنَّه إمَّا أنْ يَكُونَ المَعْنَى مُشْتَرِكاً بينَ الأفْرَادِ المَوْجُودَةِ أو المُتَوَهِّمَةِ، فهو الكُلُّيُّ كالإنسانِ والعنقاءِ أو لا يَكُونُ فهو الجُزْئِيُّ كزيدٍ.
والثاني: إمَّا أنْ يَكُونَ اللفظُ الذي هو مَدْلُولُه مُفْرَداً أو مُرَكَّباً، وكلُّ منهما إمَّا أنْ يَكُونَ مُهْمَلاً أو مُسْتَعْمَلاً، فالأوَّلُ: الكلمةُ، فإنَّه لَفْظُ مدلولِه، لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ، وهو الاسمُ والفِعْلُ والحَرْفُ، إنَّما قالَ: (قَولٌ) ولم يَقُلْ: لفظٌ؛ لأنَّ القَوْلَ جِنْسٌ قَرِيبٌ، لاخْتِصاصِهِ بالمُسْتَعْمَلِ، بخلافِ اللفْظِ، ولهذا لم يَقُلْ: وُضِعَ لمعنًى مُفْرَدٍ، كما قالَهُ غيرُه؛ لأنَّ أولئِكَ أَخَذُوا اللفظَ جِنْساً، فاحْتَاجُوا للاحْتِرَازِ عن المُهْمَلِ بذِكْرِ الوَضْعِ، والمُصَنِّفُ لمَّا أَخَذَ القَوْلُ جِنْساً وهو خاصٌّ بالوَضْعِ أَغْنَاهُ عن اشْتِرَاطِ الوَضْعِ.
والثانِي: كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ التَّهَجِّي، فإنَّ مَدْلُولَه لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُهْمَلٌ، ألاَ تَرَى أنَّ حُرُوفَ جَلَسَ لم يُوضَعْ لمعنًى، معَ أنَّ كُلاًّ منها قد وُضِعَ له اسمٌ، فالأوَّلُ الجيمُ، والثانِي اللاَّمُ، والثالثُ السِّينُ.
والثالثُ: كلفظِ الخَبَرِ، فإنَّ مدلولَه لفظٌ مُرَكَّبٌ مُسْتَعْمَلٌ، نحوَ: قَامَ زَيدٌ.
والرابعُ: أنَّ يَكُونَ المَدْلُولُ لفْظاً مُرْكباً مُهْمَلاً، وفي كونِه مُجْرَداً خلافٌ، حَكَاهُ المصنف في بابِ الأَخْبَارِ، وقد تَعَرَّضَ في المِنْهاجِ هنا لأقْسامِ المُرَكَّبِ، وأَهْمَلَه المُصَنِّفُ؛ لأنَّه ذَكَرَه في بابِ الأَخْبَارِ.
ص: (والوَضْعُ جَعَلَ اللفظَ دَلِيلاً على المعنَى).
ش: أي: جَعَلَه مُهَيَّأً لأنْ يُفِيدَ ذلك المعنَى عندَ اسْتِعْمَالِ المُتَكَلِّمِ له على وجْهٍ مَخْصُوصٍ، كتَسْمِيَةِ الوَلَدُ زَيْداً، ومنهُم مَن قَالَ بتَخْصيصِ الشَّيءِ بالشيءِ، بحيثُ إذا أُطْلِقَ الأوَّلُ فُهِمَ منه الثانِي، فإنَّك إذا أَطْلَقْتَ قولَك: قَامَ زيدٌ، فُهِمَ منه القيامُ، وهذا التعريفُ الذي ذَكَرَه المُصَنِّفُ لأحَدِ أقْسامِ الوَضْعِ وهو اللُّغَوِيُّ وهو مُرَادُهُ، ويُطْلَقُ باعتبارَيْنَ آخَرَيْنِ:
أحدُهما: على عِلَّتِه، اسْتِعْمَالُ اللَّفْظُ في المعنَى، حتى يَصِيرَ أشْهَرَ فيه من غيرِه، وهذا وَضْعُ المَنْقُولاتِ الثلاثِ الشَّرْعِيِّ كالصلاةِ، والعُرْفِيِّ العامِّ كالدابَّةِ، والعُرْفِيِّ الخاصِّ كالجَوْهَرِ والعَرَضِ عندَ المتكلمِينَ.
والثاني: أصْلُ الاسْتِعْمالِ من غيرِ غَلَبَةٍ، كقولِهم: هل مِن شَرْطِ المَجَازِ الوَضْعُ؟
ص: (ولا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ اللفظِ للمعنَى، خلافاً لعَبَّادٍ حيثُ أَثْبَتَها، فقيلَ بمعنَى أنَّها حامِلَةٌ على الوضْعِ، وقيلَ: بل كافيةٌ في دلالةِ اللفظِ على المعنَى)
ش: ذَهَبَ عَبَّادٌ إلى أنَّ دلالَةَ اللفظِ على المعنَى لمُنَاسَبَةِ طَبِيعِيَّةٍ، وإلاَّ لِمَا كَانَ اختصاصُ ذلك اللفظِ أَوْلَى من غيرِه، وخَالَفَه الجمهورُ، مُحْتَجِّينَ بِصِحَّةِ الوَضْعِ للشيءِ ونَقِيضِه وضدِّه، ولو كَانَتِ المُنَاسَبَةُ شَرْطاً لمَا جَازَ؛ لأنَّ الشيءَ الواحدُ لا يُنَاسِبُ الضِّدَّيْنِ مُنَاسَبَةً طبيعِيَّةً، وأَجَابُوا عن شُبْهَةِ (عَبَّادٍ) بأنَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ الوَاضِعَ هو اللهُ، فسَبَبُ التَّخْصِيصِ هو الإرَادَةُ القَدِيمَةُ، وإنْ كانَ هو العبدُ، فسَبَبُه هو خُطُورُ ذلك المَعْنَى ببَالِه دونَ غيرِه كتَخْصِيصِ الأعلامِ بالأشخاصِ، والنَّقْلُ عَن عَبَّادٍ مُخْتَلِفٌ، فقيلَ: إنَّه أَثْبَتَها بمعنَى أنَّها ـ أي: المُنَاسَبَةُ ـ حامِلَةٌ على الوَضْعِ، سواءٌ كانَ الواضِعُ هو اللهُ أو غيرُه، وهو قَضِيَّةٌ نَقَلِ الآمِدِيِّ، وقيلَ: بل تِلْكَ المُنَاسَبَةُ كافيَةٌ في دلالَةِ اللفْظِ على المعنَى من غيرِ افْتِقَارٍ إلى الوَضْعِ لمَا بينَهما من المناسبةِ الطبيعِيَّةِ، وهو قَضِيَّةُ نَقْلِ المَحْصُولِ. وتَرَدَّدَ الصَّفِيُّ الهِنْدِيُّ في حَمْلِ مَذْهَبِ عَبَّادٍ على هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ، وقَالَ: إنْ أَرَادَ الأوَّلُ فهو قَرِيبٌ، لكنْ لا يُمْكِنُ ادَّعَاؤهُ في كلِّ الألفاظِ واللُّغاتِ، لأنَّا لا نَعْلَمُ بالضَّرُورَةِ أنَّ ما يَلْمَحُونَه من المناسبةِ بينَ حُروفِ الألفاظِ ومَعانِيها غيرَ مَرْعِيٍّ في كلِّ الألفاظِ واللُّغَاتِ، وعلى هذا فإفْسادُ الآمِدِيِّ مَذْهَبُه، فإنَّا نَعْلَمُ أنَّ الواضِعَ في ابتداءِ الوَضْعِ لو وُضِعَ لفظُ الوجودِ للعَدَمِ أو بالعَكْسِ لِمَا كَانَ مُمْتَنِعاً، غيرُ مُسْتَقِيمٍ، إذِ الخِصْمُ لا يَقُولُ: إنَّ ذلك مُمْتَنِعٌ على هذا التَّقْدِيرِ، بل غايتُه أنُّه يَلْزَمُ القَوْلُ بالمُناسبَةِ الطبيعِيَّةِ وهو غيرُ مُمْتَنِعٌ، قَالَ: وإنْ أَرَادَ الثاني، فهو مَعْلُومُ الفسادِ بالضرُورَةِ، يعنِي: لأنَّه لو كانَ كذلكَ لعَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ جميعَ اللُّغَةِ؛ لعَدَمِ الاختلافِ في دلالةِ الذاتِ، ولَعَلَّ عَبَّاداً يَدَّعِي ما يَدَّعِيهِ الاشْتِقَاقِيُّونَ من مُلاحَظَةِ الواضِعِ مُنَاسَبَةً ما بينَ اللفظِ ومدلولِه في الوَضْعِ، وإلاَّ فبُطْلانُه ضرورِيٌّ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: جَعْلُه الخلافَ في الاشْتِراطِ وعَدَمِه قد يُنَاقِشُ فيه، وإنَّما مَذْهَبُ عَبَّادٍ أنَّ إفادَةَ اللفظُ المعنَى لذاتِه، وقد أَنْكَرَ الأصْفَهَانِيُّ في (شَرْحِ المَحْصُولِ) على مَن حَمَلَ مَذْهَبَ عَبَّادٍ على أنَّ شَرْطَ وَضْعِ اللفظِ بإزاءِ المعنَى المُنَاسَبَةُ الذَّاتِيَّةُ.
وقالَ: المذاهبُ لا تُنْتَقَلُ بالاحْتِمَالِ، والمَنْقُولِ عنه ما ذَكَرْنَا، ثمَّ ذلك بَاطِلٌ بالضرورَةِ، فإنَّه يُمْكِنُنَا وَضْعُ أَلْفَاظُ المعانِي من غيرِ مُرَاعَاةِ المُنَاسَبَةِ الذاتِيَّةِ قَطْعاً، ولو كانَ شَرْطاً لِمَا أَمْكَن.
الثاني: قد يَشْتَمِلُ مَحَلُّ الخلافَ، فإنَّا إذا قُلْنَا: إنَّ اللُّغَةَ توقِيفِيَّةٌ، فيَنْبَغِي ألاَّ يَشْتَرِطُ قَطْعاً، وإنَّما يَتَّجِهُ الخلافُ في أنَّه هل يَخْلُو الوَضْعُ عن المُنَاسَبَةِ أم لا؟ لأنَّ الواضِعَ حَكِيمٌ، كما في نَظِيرِه من الخلافِ في أنَّ الأحْكَامِ هل تُعَلَّلُ بالمصالِحِ أم لا؟ وإذا قُلْنَا: اصْطِلاحِيَّةٌ، فيَنْبَغِي أنْ يُشْتَرَطَ قَطْعاً، فأينَ الخلافُ، وجوابُ هذا يُعْلَمُ من تخصيصِ الخلافِ عن عَبَّادٍ، وقد عَبَّرَ الطَّرْطُوشِيُّ بعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ تُزِيلُ الإشْكالَ، فقالَ: الخطابُ إنَّما يُفِيدُ بالمُواطَأَةِ والمُوَاضَعَةِ، وليسَ يُفِيدُ لذاتِه ولا لِصَفَةٍ هو في العَقْلِ عليها، ألاَ تَرَى أنَّ سَامِعَه إذا لم يَعْرِفُ المُوَاطَأَةَ لم يَسْتَفِدْ به شيئاًَ.
ص: (واللفظُ مَوْضُوعٌ للمعنَى الخارجيِّ لا الذهنيِّ، خلافاً للإمامِ، وقالَ الشيخُ الإمامُ: للمعنَى من حيثُ هو).
ش: اخْتُلِفَ في أنَّ اللفظَ وُضِعَ لماذا؟ على مذاهبَ:
أرْجُحَها: أنَّه موضوعٌ للمعنَى الخارجيِّ؛ أي: الموجودُ في الخارجِ، وبه جَزَمَ الشيخُ أَبُو إِسْحَاقَ في (شَرْحِ اللُمَعِ)؛ لأنَّه به تَسْتَقِرُّ الأحكامُ، ونَصَرَهُ ابنُ مالِكٍ في كتابِ (المُفَضَّلَ على المُفَصَّلِ).
والثاني: للمعنى الذِّهْنِيِّ؛ أي: سواءٌ طَابَقَ أم لا، واختارَهُ الإمامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ والبَيْضَاوِيُّ، لدَوَرَانِ الألفاظِ على المعانِي الذِّهْنِيَّةِ وجوداً وَعَدَماً، فإنَّ الإنسانَ إذا رَأَى شَبَحاً من بَعيدٍ تَخَيَّلَه طَللاً، سَمَّاهُ طللاً، فإذا رَآهُ يَتَحَرَّكُ ظَنَّهُ شَجَراً سَمَّاهُ شَجَراً، ثمَّ لَمَّا قَرُبَ منه ورآهُ رُجَلاً سَمَّاهُ رُجُلاً، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ اختلافَ الألفاظِ للمعانِي الذِّهْنِيَّةِ إنَّما هو لاعتقادِ أنَّها في الخارجِ كذلك، لا لِمُجَرَّدِ اخْتِلافِها في الذِّهْنِ فلا يَدُلُّ على أنَّها موضوعَةٌ بإزاءِ المعانِي الذهنِيَّةِ فقطْ، ويَلْزَمُ مِن أنَّه لم يُوضَعْ لِمَا في الخَارِجِ، أنْ تَكُونَ دلالَةُ اللفظِ على ما في الخارجِ ليْسَتْ مُطَابَقَةً ولا تَضَمُّناً.
والثالثُ: أنَّه موضوعٌ للمعنَى من حيثُ هو أَعَمٌّ من الذهْنِيِّ والخارجيِّ، وهذا ما ذَهَبَ إليه والِدُ المُصَنِّفِ، وَرَدَّ مَذْهَبُ الإمامُ إليه، وأَفْرَدَ المسألَةُ بالتَّصْنِيفِ، والحقُّ أنَّ دلالَتَه على المعانِي الخَارِجِيَّةِ إنَّما هو بتوسُّطِ دلالتِها على المعانِي الذِّهْنِيَّةِ، ودلالَتُها على المعانِي الذَِّهْنِيَّةِ بغيرِ وَسْطٍ، ويَنْبَغِي تَنْزِيلُ كلامَ الإمامِ عليه، وأنَّه لم يَرِدْ أنَّها لم تُوضَعُ للمَعَانِي الخارجِيَّةِ ابتداءً، لأنَّها غيرَ مَقْصُودَةٍ أَصْلاً، فإنَّ ذلك باطلٌ؛ لأنَّ المُخْبِرَ إذا أَخْبَرَ غَيْرَه بقولِه: جَاءَ زَيدٌ، فمَقْصُودُ الإخبارِ بمَجِيءِ زيدٍ في الخارجِ.
ص: (وليسَ لكلِّ معنًى لفظٍ، بل كلُّ معنًى مُحْتَاجٍ إلى اللفظِ).
ش: لا يَجِبُ أنْ يكونَ لكلِّ معنًى من المعانِي لفظُ مَوْضِعٍ بِإزَائِه وهو ظاهرٌ، فإنَّ أنواعَ الأراييحِ كثيرةٌ، مع أنَّهم لم يَضَعُوا لها ألْفاظاً، تُؤْذِنُ= بها، وأيْضاً كانَ يَلَزَمُ انتفاءَ المجازِ المعلومُ ثُبوتُه ضرورَةً، واسْتَدَّلَ في (المحصولِ) بأنَّ المعانِي غيرُ مُتناهِيَةٍ، والألفاظُ متناهِيَةٌ، لتَرَكُّبِها من الحروفِ المُتَنَاهِيَةِ، والمُرَكَّبُ من المُتَنَاهِي يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُتَناهِياً، وقد يُمْنَعُ عَدَمُ تناهِي المعانِي، فإنَّ المَعْقُولَ مُتَنَاهٍ وبه صَرَّحَ الإمامُ في مسألَةِ المُشْتَرَكِ، ثمَّ قالَ الإمامُ: فإذا ثَبَتَ هذا فالمَعانِي قسمانِ:
أحدُهما: ما تُشْتَدُّ الحاجَةُ إلى التَّعبيرِ عنه، فيَجِبُ الوَضْعُ له لأَجْلِ الإفهامِ بالمُخَاطَبَةِ.
والثاني: ما لا تُشْتَدُّ الحاجَةُ إليه، فيَجُوزُ فيه الأمرانِ، يعني: الوَضْعُ وعَدَمِه، أمَّا عَدَمُ الوَضْعُ فإنَّه ليسَ ممَّا يَحْتَاجُ إليه، وأمَّا الوَضْعُ فللفوائدِ الحاصلَةِ به.
واعْلَمْ أنَّ لفظَ (المحصولِ): لا يَجِبُ أنْ يَكُونَ لكُلِّ لفظٍ معنًى، بل ولا يَجُوزُ واقْتَصَرَ في (الحاصلِ) على نَفْيِ الوجوبِ، وفي (المُنْتَخَبِ) على نَفْي الجوازِ، والمُصَنِّفُ أَتَى بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُهُمَا.
ص: (والمُحْكَمُ المُتَّضَحُ المَعْنَى والمُتَشَابِهُ، ما اسْتَأْثَرَ اللهُ تعالَى بعِلْمِه، وقد يُطْلِعُ عليه بعضَ أصْفِيائِه).
ش: في القرآنِ مُحْكَمٌ ومُتَشَابِهٌ، كما قالَ تعالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٍ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٍ} وقد كَثَرُ الخِلافَ في مَعْنَاهِمَا.
والمُصَنِّفُ في تَفْسِيرِ المُحْكَمِ مُتَابِعٌ لابنِ الحَاجِبِ، والمُرَادُ بالمُتَّضَحِ هو المَعْنَى الذي لا يَتَطَرَّقُ إليه إشكالٌ، مَأْخُوذٌ من الإحْكامِ وهو الاتفاقُ، فيَدْخُلُ فيه النَّصُّ والظاهرُ، وقالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ أَحَسَنُ الأقوالِ فيه: ما أَمْكَنَ مَعْرَفَةُ المُرَادُ بظَاهرٍ أو بدَلالَةٍ تُكْشَفُ عنه، وفَسَّرَ المُصَنِّفُ المُتَشابِهُ بحُكْمِه، وإلاَّ فهو مُقَابِلُ المُحْكَمِ، فيكونُ ما لم يَتَّضِحْ معناهُ، فيَشْمَلُ المُجْمَلَ وما ظاهِرُه التَّشْبِيهُ، وهو المقصودُ هنا.
وقد اخْتُلِفَ في إدْراكِ عِلْمِ المُتشابِه، فذَهَبَ الأشْعَرِيُّ والمُعْتَزِلَةُ إلى أنَّه لا بُدَّ أنْ يَكُونَ في جُمْلَةِ الرَّاسِخِينَ مَن يَعْلَمُه، ووَقَفُوا على قولِه: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}. وقالَ ابنُ الحَاجِبِ: إنَّه الظاهرُ؛ لأنَّ الخِطَابَ بما لا يُفْهَمُ بعيدٌ، وقالَ النَّوَوِيُّ في كتابِ العِلْمِ من (شَرْحِ مُسْلِمٍ)، إنَّه الأَصَحُّ؛ لأنَّه يَبْعُدُ أنْ يُخَاطِبَ اللهُ عِبادَه بما لا سبيلَ لأَحَدٍ من الخَلْقِ إلى مَعْرِفَتِه، قالَ: وقد اتَّفَقَ أصْحَابُنَا وغيرُهم من المُحَقِّقِينَ على أنَّه يَسْتَحِيلُ أنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ بما لا يُفِيدُ.
وذَهَبَ كثيرٌ من أصْحَابِنَا المُتَكَلِّمِينَ والفقهاءِ كالحَارِثِ والقَلانِسِيِّ إلى أنَّه لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إلاَّ اللهُ، ووَقَفُوا على قولِه: {إِلاَّ اللهُ}.
قالَ الأستاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وهو الأَصَحُّ عندَنا؛ لأنَّه قولُ الصحابَةِ.
وقالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّه المُخْتَارُ على طَرِيقَةِ أهلِ السُّنَّةِ.
ص: (قالَ الإمامُ: واللفظُ الشائعُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَوْضُوعاً لِمَعنًى خَفِيٍ إلاَّ على الخواصِّ، كما يَقُولُ مُثْبِتُو الحالِ: الحركةُ معنًى تُوجِبُ تَحَرُّكُ الذَّاتِ).
ش: مَنَعَ الإمامُ فَخْرِ الدِّينِ أنَّ اللفظَ المَشْهورَ المتداولَ بينَ الخاصَّةِ والعامَّةِ في معنَى ـ أنْ يُوضَعَ لمَعنًى خَفِيٍّ جِداً، بحيثُ لا يَعْرِفُه إلا الخواصُّ، والغَرَضُ من هذه المسألَةِ الرَّدُ على مُثْبِتِي الأحوالِ؛ لأنَّهم يَقُولُونَ: الحركَةُ معنًى يُوجِبُ كَوْنِ الذاتِ مُتَحِرِّكَةٌ، والمَشْهُور بين الخاصَّةِ والعامَّةِ أنَّها نَفْسُ الانتقالِ، لا معنًى أَوْجَبَ الانتقالَ، يَمْتَنِعُ أنْ تَكونَ موضوعَةٌ لذلك المعنَى، إذِ يَتَعَذَّرُ تَعَقُّلُه على غيرِ الخواصِّ.
وقد رَدَّ عليه الأصْفَهَانِيُّ في شَرْحِه، وقالَ: قد يُدْرِكُ الإنسانُ معانِي خَفِيَّةٍ لَطِيفَةٍ، ولا يَجِدُ لها لفْظاً دالاًّ عليها؛ لأنَّ ذلك المعنَى مُبْتَكِرٌ، ويَحْتَاجُ إلى وَضْعِ لفظٍ بإزائِهِ؛ ليَفْهَمَ ذلك الغيرُ ذلك المعنَى، سواءٌ أَكَانَ اللفظُ من الألفاظِ المشهورةِ أو لا، ولا حَجْرَ في الاصْطِلاحَاتِ، والكُتُبِ العِلْمِيَّةِ مَشْحُونَةٌ، بأمثالِ هذه الألفاظِ، وذلك يُمْكِنُ رَدُّهُ بالدليلِ، نَعَمْ، إنْ ادَّعَى الخِصْمُ أنَّ هذا اللفْظَ المشهورَ موضوعٌ بإزاءِ المعنَى الخَفِيِّ أو لا فمَمْنُوعٌ، قالَ: وأسماءُ اللهُ تعالَى المُقَدَّسَةُ من قَبِيلِ القسمِ الأوَّلِ، فإنَّ منها ألفاظاً مشهورةً، وبإزائِها مَعَانِي دَقِيقَةٍ غَامِضَةٍ لا يَفْهَمُها إلا الخواصُّ.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: من الألطاف حدوث الموضوعات اللغوية ليعبر عما في الضمير، وهي أفيد من الإشارة والمثال وأيسر، وهي الألفاظ الدالة على المعاني.
ش: من ألطاف الله تعالى إحداث الموضوعات اللغوية لاحتياج الخلق إلى إعلام بعضهم بعضاً ما في أنفسهم من أمر معايشهم للمعاملات، فإن الإنسان لا يستقل بجميع ما يحتاج إليه، وأمر معادهم لإفادة معرفة الله تعالى وأحكامه، فوضع لهم الألفاظ للدلالة على المعاني، ووقفهم عليها على قول التوقيف، وهو مذهب الأشعري، أو جعلهم قادرين على وضع الألفاظ لمعانيها على قول الاصطلاح وهو رأي أبي هاشم.
قال الشارح: ولهذا عبر المصنف بالحدوث لينبه على أنه لطف على كلا القولين: بخلاف تعبير ابن الحاجب بالإحداث، فإنه يوهم التخصيص بالتوقيف.
قلت: بل التعبير بالإحداث أولى، فإنه مصدر أحدث، واللطف حاصل سواء قلنا إن الله تعالى أحدثها أو البشر لإقدارهم عليها، وأما الحدوث فإنه مصدر حدث، وهو فعل لازم غير منسوب إلى محدث، ومن تمام النعمة أنه جعل ذلك بالنطق دون الإشارة والمثال، وهو وضع شيء على شكل المطلوب لكونه أكثر فائدة وأسهل، فالأول لأنه يعبر به عن الذات والموجود والحادث وأضداها، بخلاف الإشارة والمثال فإنه لا يمكن التعبير بهما عن المعنى والمعدوم والقديم.
والثاني فلأنه مركب من الحروف، وهي كيفيات تعرض للنقص الضروري.
واعلم أن تعبير المصنف وغيره بـ (أفيد) لا يستقيم، فإن صيغة أفعل إنما يصاغ من فعل ثلاثي، وفعل أفيد أفاد وهو رباعي.
ثم بين الموضوعات اللغوية، وأنها الألفاظ الدالة على المعاني، فخرج عن ذلك الخط والإشارة وغيرهما، ودخل في الألفاظ المقدرة وهي الضمائر المستترة في الأفعال، فهي ملفوظ بها حكماً، بدليل إسناد الفعل إليها، وجواز تأكيدها، والعطف عليها، وخرج بالدلالة على المعاني المهملات، ودخل في هذا التعريف المفرد والمركب.
ص: وتعرف بالنقل تواتراً أو آحاداً، وباستنباط العقل من النقل لا مجرد العقل.
ش: الطريق في معرفة الموضوع وهو اللغة منحصرة عقلاً في العقل والنقل، والمركب منهما.
أما الأول: فلا تعرف به اللغة، لأنه إنما يستقل بوجوب الواجبات وجواز الجائزات.
أما وقوع أحد الجائزين فلا مدخل له فيه، والوضع من ذلك.
وأما الثاني: فالنقل إما متواتر كالسماء والأرض، والحر والبرد، وإما آحاد كأكثر اللغات فيتمسك به في المسائل الظنية دون القطعية.
وأما الثالث: المركب منهما وهو استنباط العقل عن النقل، فمثاله: كون الجمع المعرف بـ (أل) للعموم فإنه مستفاد من مقدمتين نقليتين حكم العقل بواستطها، إحداهما: أنه يدخله الاستثناء.
والثانية: أن الاستثناء إخراج ما تناوله اللفظ، فحكم العقل عند وجود هاتين المقدمتين بأنه للعموم، ولا التفات إلى قول الشيخ زين الدين بن الكتاني أنه إذا كانت المقدمتان نقليتين كانت النتيجة أيضاً نقلية، وإنما العقل يفطن لنتيجتها لأنا نقول: ليس هذا الدليل مركباً من نقليتين لعدم تكرر الحد الأوسط فيهما، وإنما هو مركب من مقدمة نقلية، وهي الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ، ومقدمة عقلية لازمة لمقدمة أخرى نقلية، وهي أن كل ما دخله الاستثناء عام، لأنه لو لم يكن عاماً لم يدخل المستثنى فيه، ثم جعلت هذه القضية كبرى للمقدمة الأخرى النقلية، فصار صورة الدليل هكذا: الجمع المحلى بـ (أل) يدخله الاستثناء، وكل ما يدخله الاستثناء عام ينتج أن المحلى بـ (أل) عام.
ص: ومدلول اللفظ إما معنى جزئي أو كلي، أو لفظ مفرد مستعمل كالكلمة فهي قول مفرد، أو مهمل كأسماء حروف الهجاء أو مركب مستعمل.
ش: مدلول اللفظ ينقسم إلى معنى ولفظ، فالأول وهو المعنى ينقسم إلى جزئي وكلي، وسيأتي بيانهما.
والثاني: وهو اللفظ، ينقسم إلى مفرد ومركب، وكل منهما إما مستعمل أو مهمل، فهذه أربعة أقسام، فالمفرد المستعمل كالكلمة وهي قول مفرد.
ولما عبر المصنف بالقول لم يحتج إلى أن يقول كما قال غيره (وضع لمعنى مفرد) لأن القول خاص بالمستعمل، بخلاف من عبر باللفظ فإنه احتاج معه إلى ذكر الوضع لإطلاقه على المهمل والمفرد المهمل، كأسماء حروف الهجاء، ألا ترى أن الصاد موضوع لهذا الحرف، وهو مهمل لا معنى له، وإنما يتعلمه الصغار في الابتداء للتوصل به إلى معرفة غيره، والمركب المستعمل نحو الخبر: كقام زيد، والمركب المهمل في وجوده خلاف، حكاه المصنف في باب الأخبار، وذكر هناك أقسام المركب فلذلك لم يذكر ههنا.
ص: والوضع جعل اللفظ دليلاً على المعنى.
ش: المراد جعله متهيئاً لأن يفيد ذلك المعنى عند استعمال المتكلم له على وجه مخصوص كتسمية الولد زيداً، وعرفه بعضهم بأن تخصيص الشيء بالشيء بحيث إذا أطلق الأول فهم منه الثاني.
ص: ولا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى خلافاً لعباد حيث أثبتها، فقيل: بمعنى: أنها حاملة للواضع على الوضع، وقيل: بل كافية في دلالة اللفظ على المعنى.
ش: قال الجمهور: لا يشترط أن تكون بين اللفظ والمعنى مناسبة، واشترط ذلك عباد بن سليمان من المعتزلة، واختلف النقل عنه، فقيل: أراد أن المناسبة حاملة للواضع على الوضع، وهو مقتضى نقل الآمدي عنه، وقيل: أراد أنها كافية في دلالة اللفظ على المعنى من غير وضع، وهو مقتضى نقل الإمام عنه، وهو ظاهر الفساد، والأول أقرب منه، وحكاه الشيخ تقي الدين بن تيمية عن المحققين وهو مردود، فإنه يلزم عليه امتناع وضع اللفظ الواحد للضدين وهو باطل لوجود القرء والجون ونحوهما.
ص: واللفظ موضوع للمعنى الخارجي لا الذهني خلافاً للإمام، وقال الشيخ الإمام: للمعنى من حيث هو.
ش: اختلف في أن اللفظ وضع لماذا؟ على مذاهب.
أحدها: أنه موضوع للمعنى الخارجي أي الموجود في الخارج، وبه قال الشيخ أبو إسحاق في (شرح اللمع) ونصره ابن مالك في (شرح المفصل)
والثاني: للمعنى الذهني، وإن لم يطابق الخارج، واختاره الإمام والبيضاوي، لدوران الألفاظ مع المعاني الذهنية وجوداً وعدماً، فإن من رأى شبحاً من بعد تخيله طللا سماه طللا، فإذا تحرك فظنه شجراً سماه شجراً، فلما قرب منه ورآه رجلاً سماه رجلاً، ورد ذلك بأنه إنما تغيرت التسمية لاعتقاد أنه في الخارج كذلك.
والثالث: أنه موضوع للمعنى من حيث هو أعم من الذهني والخارجي، واختاره الشيخ، الإمام السبكي وله فيه تصنيف.
ص: وليس لكل معنى لفظ، بل كل معنى يحتاج إلى اللفظ.
ش: لا يجب أن يوضع لكل معنى لفظ يدل عليه، فإن أنواع الروائح كثيرة، ولم يوضع لها ألفاظ توازيها، وإنما وضع لما تشتد الحاجة إلى التعبير عنه فيجب الوضع له للإفهام، وعبارة (المحصول) لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ، بل لا يجوز، واقتصر في (الحاصل) على نفي الوجوب، وفي (المنتخب) على نفي الجواز، وأتى المصنف بلفظ يحتملهما.
ص: والمحكم: المتضح المعنى، والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه، وقد يطلع عليه بعض أصفيائه.
ش: قال الله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} والمشهور أن المحكم هو المتضح المعنى، مأخوذ من الإحكام وهو الإتقان، فيدخل فيه النص والظاهر.
والمتشابه مقابله فهو ما لم يتضح معناه، فيدخل فيه المجمل، وما ظاهره غير مراد كالتشبيه، وهو المقصود هنا، وعبر عنه المصنف بحكمه فقال: إنه ما استأثر الله تعالى بعلمه، ثم قال: وقد يطلع عليه بعض أصفيائه، وهذا مذهب الأشاعرة والمعتزلة: أن الوقوف على قوله: {والراسخون في العلم} وأنه لا بد أن يكون في الراسخين من يعلمه.
وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر، لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد، وقال النووي في الأدب من (شرح مسلم) إنه الأصح، لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته انتهى.
وذهب آخرون من أصحابنا وغيرهم إلى الوقوف على قوله: {إلا الله} وقالوا: لا يعلم المتشابه سواه، قال الأستاذ أبو منصور: وهو الأصح عندنا، لأنه قوله الصحابة، وقال ابن السمعاني: إنه المختار على طريقة أهل السنة، واختاره الشيخ موفق الدين بن قدامة.
ص: قال الإمام: واللفظ الشائع لا يجوز أن يكون موضوعاً لمعنى خفي إلا على الخواص، كما يقول مثبتو الحال: الحركة معنى يوجب تحرك الذات.
ش: قال الإمام فخر الدين الرازي: لا يجوز أن يكون اللفظ الشائع المشهور بين الخاصة والعامة في معنى موضوعاً لمعنى خفي جداً بحيث لا يعرفه إلا الخواص، والقصد بذلك الرد على مثبتي الأحوال في قولهم: إن الحركة معنى يوجب تحرك الذات، فإن ذلك معنى خفي إلا على الخواص، والمشهور تفسير الحركة بنفس الانتقال لا أنها معنى أوجب الانتقال، ورده الأصفهاني في شرحه، وقال: قد يدرك الإنسان معاني حقيقة لطيفة ولا يجد لها لفظاً يدل عليها لأن المعنى مبتكر، ويحتاج إلى وضع لفظ بإزائه، ليفهم الغير ذلك المعنى، سواء أكان اللفظ مشهوراً أم لا، نعم إن قيل: إن اللفظ المشهور موضوع بإزاء المعنى الخفي أو لا، فممنوع، قال: وأسماء الله المقدسة من القسم الأول، فإن فيها ألفاظاً مشهورة، وبإزائها معان دقيقة لا يفهمها إلا الخواص.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اللغوية, الموضوعات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir