دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 رجب 1439هـ/5-04-2018م, 01:21 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الثاني: مجلس مذاكرة القسم الثامن من تفسير سورة آل عمران

مجلس مذاكرة القسم الثامن من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 113-132)



س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.



تعليمات الإجابة:
هذا التطبيق مطلوب تقديمه في صورة خطوات منفصلة كالتالي:
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
ثانيا:
استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
ثالثا: تخريج الأقوال.
رابعا: توجيه الأقوال.
خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.



تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.
- يجب ذكر مصادر البحث في نهاية كل تطبيق.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 رجب 1439هـ/6-04-2018م, 06:12 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.
المطلب الأول:
تصنيف المسألة:المسألة تفسيرية لها تعلق بالإعراب والبلاغة وبعض علوم القرآن كأسباب النزول ،الوقف والإبتداء
المراجع:
-المصادر الأصلية في استخراج أقوال السلف في التفسير :تفسير ابن المنذر –ابن أبي حاتم-مكي بن أبي طالب -الطبري –البغوى-عبد الرزاق الصنعانى
-المصادر البديلة:الدر المنثور –ابن كثير
-المصادر الناقلة:ابن عطية –الماوردي –زاد المسير –القرطبي ––القاسمى-البيضاوى
كتب التفسير اللغوى:معانى القرآن للفراء-الزجاج-إعراب القرآن للنحاس –الكشاف-مشكل إعراب القرآن لمكى بن أبي طالب-ابن عاشور –البحر المحيط –أبو السعود-الدر المصون
كتب أسباب النزول:العجاب في بيان الأسباب لابن حجر –المحرر في أسباب النزول –الصحيح المسبور-الصحيح المسند في أسباب النزول
كتب الوقف والابتداء:إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري والمكتفي لأبي عمرو الداني وعلل الوقوف للسجاوندى ومنار الهدى للأشموني
==================================================================
المطلب الثانى :تصنيف الأقوال:
بعد أن ذكر الله تعالى جملة من مساوىء أهل الكتاب من اليهود بقوله تعالى عنهم {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}وما ذكر عنهم من ضرب الذلة عليهم ووقوعهم تحت غضب الله ؛فأراد أن ينصف منهم من ليسوا كذلك فقال تعالى {ليسوا سواء}أي لايستوى جميع أهل الكتاب ذما بل منهم المؤمنون ومنهم الفاسقون ثم شرع في ذكر تفاصيل صفات المؤمنين منهم.

وقد اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله {ليسوا }على أقوال :

1-القول الاول:أن الضمير في {ليسوا } مفسر بما قبله ،أي يرجع على أهل الكتاب المتقدم ذكرهم في قوله {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}،قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج
ويندرج تحت هذا القول( احتمالا ) في تفسير مرجع الضمير وهو :أن الضمير لأهل الكتاب لكنه مفسر بما بعده ، خلاصة قول الفراء في معاني القرآن
2-القول الثاني:أن الضمير يرجع إلى اليهود و أمة محمد صلى الله عليه وسلم،قاله ابن مسعود والسدي
3-القول الثالث: أن الواو في قوله {ليسوا} ليست ضميرا بل الواو للجمع قال به أبوعبيدة في مجاز القرآن

واختلفوا في الوقف على قوله {ليسوا سواء }على قولين:
الأول :أن الوقف تام على {سواء} قال به ابن الأنباري في إيضاح الوقف والإبتداء، وأبو عمرو الداني في المكتفي والأشموني في منار الهدى ورجحه ابن طيفور السجاوندي وهو اختيار كثير من المفسرين كابن جرير وابن عطية والكشاف وأبو حيان وابن عاشور والسمين الحلبي والقرطبي وغيرهم
الثاني:لا يجوز الوقف على {سواء} ذكره أبو عبد الله السجاوندي قولا ولم ينسبه ، وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن

وسنورد العلاقة بين مرجع الضمير وأحوال الوقف والابتداء في آخر البحث بإذن الله تعالى

المطلب الثالث:تخريج الأقوال:
القول الأول:مرجع الضمير على أهل الكتاب المؤمنين والكافرين
قول ابن عباس:رواه ابن جرير قال: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سَعْية، وأسَيْد بن سعية، وأسد بن عُبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدَّقوا ورغبوا في الإسلام، ورسخوافيه، قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله" إلى قوله:"وأولئك من الصالحين".

قول قتادة :رواه ابن جرير قال: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة" الآية، يقول: ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية.

قول ابن جريج :رواه ابن جرير قال: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج:"أمة قائمة"، عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سلام أخوه، وسعية، ومبشر، وأسَيْد وأسد ابنا كعب.

القول الثانى :مرجع الضمير لأهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم
قول ابن مسعود :رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح، عن الحسن بن يزيد العجلي، عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في قوله:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمةُ محمد صلى الله عليه وسلم
ورواه النسائي من طريق عاصم عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113] حتّى بلغ {والله عليمٌ بالمتّقين} [آل عمران: 115]). [السنن الكبرى للنسائي)
ورواه ابن وهب المصري من طريق سليمان عن زر بن حبيش عن عبد [اللّه بن مسعودٍ] قال: احتبس علينا رسول اللّه ذات ليلةٍ عند بعض أهله أو نسائه [فلم يأتنا لصلاة العشاء] حتّى ذهب ليلٌ، فجاء، ومنّا المصلّي ومنّا المضطجع، فبشّرنا وقال: إنّه لا [يصلّي هذه الصّلاة أحدٌ من أهل الكتاب]، فأنزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ [يتلون آيات الله آناء الليل وهم
يسجدون]}). [الجامع في علوم القرآن: 2/7)

قول السدي :رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط، عن السدي:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود، كمثل هذه الأمة التي هي قائمة.

المطلب الرابع:توجيه الأقوال:
القول الأول:مرجع الضمير لأهل الكتاب أي: مؤمنهم وكافرهم

وهذا القول مروي عن ابن عباس وقتادة وابن جريج أن الآية نزلت في أهل الكتاب كماسبق
وهذا القول محمله: سبب نزول الآية المروى عن ابن عباس
قال مقبل الوادعي: ومحمد بن أبي محمد هذا مجهول وكذا قلت في تحقيقي لتفسير ابن كثير قال: في سنده محمد بن أبي محمد وهو مجهول. وفي سند الطبري: محمد بن حميد وقد كُذّب).[الصحيح المسند في أسباب النزول: 55]
فيحكم على هذه الرواية بالضعف فلاتصح عن ابن عباس سببا للنزول
وأما مارواه ابن جرير عن قتادة:فهو يفسر المعنيين بالمفاضلة في الآية وأنهم أهل الكتاب منهم الصالحون وأكثرهم الفاسقون ولم يشر إلى سبب نزول
وهذا الذي قاله محمله سياق الآيات قبله فقد كان الكلام عن أهل الكتاب وما لحقهم من الذم بسبب عصيانهم وكفرهم واعتدائهم ؛فجاء ذكر أهل الإحسان منهم والإيمان الذين أسلموا واهتدوا وهذه طريقة القرآن عند ذكر أقوام بالكفر والمعاصي يستثنى منهم من ليسوا كذلك وهذا في القرآن كثير كما قال تعالى {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء مايعملون} وقوله {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وأنزل إليهم} وقوله تعالى {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لايؤده إليك إلا مادمت عليه قائما}
وأما ابن جريج فقد فسر المعنيين بالآية ببعض أفراد أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام بنحو ماروى في سبب النزول عن ابن عباس وهو نفس المعنى الذي ذكره قتادة ، لكن لايصح السبب
قال ابن عطية:لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب عقب تعالى بتخصيص الذين هم على خير وإيمان وذلك أن منهم من مات قبل الإسلام مستقيما أو أدرك الإسلام فأسلم
وأما القول بأن الضمير مفسر بما بعده لا بما قبله ؛فقد قال الفراء في كتابه معانى القرآن: ذكر أمة ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبني على أخرى يراد لأن {سواء }لا بد لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين أحدهما أنك تكره على سواء كأنك قلت:
لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمة كذا وأمة كذا، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان فِي الكلام دليل عليه، قال الشاعر
عصيت إليها القلب إنى لأمرها ... سميع فما أدرى أرشد طلابها
ولم يقل: أم غىّ، ولا: أم لا لأن الكلام معروف المعنى. وقال الآخر:
أراك فلا أدرى أهم هممته ... وذو الهم قدمًا خاشع متضائل
وقال الآخر:
وما أدْرِي إِذَا يمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخيرَ أيُّهما يليني
أألخير الَّذِي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي لا يأتليني
ومنه قول اللَّه تبارك وتعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً «2» ولم يذكر الَّذِي هُوَ ضده لأن قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «3» دليل على ما أضمر من ذلك.

قال صاحب الدر تعقيبا على قول الفراء :
وَيَضْعُفُ قَوْلُ الْفَرَّاءِ مِنْ حَيْثُ الحذف. ومن حيث وضع الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: لَيْسَ أَهْلُ الْكِتَابِ مُسْتَوِيًا مِنْهُمْ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ كَذَا، وَأُمَّةٌ كَافِرَةٌ
،
القول الثانى:أن مرجع الضمير إلى أهل الكتاب وإلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم
قول ابن مسعود :ومبناه على الرواية التى أخرجها ابن جرير والنسائي وغيرهما عن ابن مسعود ففي الإسناد عاصم ابن أبي النجود وهو متكلم في ضبطه وحفظه

قال مقبل الوادعي: الحديث حسن كما قال الشوكاني نقلا عن السيوطي لأن عاصما في حفظه شيء وقال الهيثمي
في [مجمع الزوائد: 1 /312]: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في [موارد الظمآن: 91] وابن جرير [4 /55] وأبو نعيم في [الحلية: 4 /187]. وأبو يعلى كما في [المقصد العلي: 1 /276].
وهذه الرواية التى رويت عن ابن مسعود قد جاء في الصحيحين ما يشهد لصحة أصلها فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت:{أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء فخرج فقال لأهل المسجد ماينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم}
وفي الصحيحين أيضا عن حميد قال :{سئل أنس هل اتخذ النبي خاتما ؟ قال أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه فكأنى أنظر إلى وبيص خاتمه قال :إن الناس قد صلوا وناموا وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها}
وهاتان الروايتان فيهما إشارة للصلاة آناء الليل ولكن ليس فيهما ذكر لسبب نزول الآية
ولو اعتبرنا صحة السند المروى عن ابن مسعود في سبب النزول ؛فإن محمله أن الحديث يشير إلى أن أهل الكتاب لايصلون العشاء أو صلاة الليل وإنما يصليها المسلمون فنزلت الآية لتبين ذلك
ولكن إذا لم يصح سبب النزول فليس في الآية مايشير إلى القول بأن المفاضلة في الآية بين أهل الكتاب وأمة محمد لأنهم هم الذين يصلون العشاء ولايصليها أهل الكتاب ؛ وذلك لأن سياق المدح الذي جاء في صفة أمة من أهل الكتاب فإنما مدحوا لأنهم قد أسلموا وطالما أنهم أسلموا فإنهم يصلون مع المسلمين بالليل صلاة العشاء ونحوها


وقد يكون محمل هذا القول كما ذكره ابن عطية :فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله {كنتم خير أمة }وذكر أيضا اليهود قال الله لنبيه {ليسوا سواء}والكتاب على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فيكون المعنى من أهل القرآن أمة قائمة

القول الثالث:أن الواو في قوله {ليسوا}للجمع وليست ضميرا ولا اسم ؛ فلاترجع على أهل الكتاب السالف ذكرهم وإنما يكون معنى الآية ليس يستوي من أهل الكتاب أمة قائمة حالها كذا وكذا وأمة أخرى على غير ذلك ( بتقدير محذوف) ،خلاصة كلام أبي عبيدة
قال صاحب الدر المصون:
وقال أبو عبيدة: «الواو في» ليسوا «علامةٌ جمعٍ وليست ضميراً، واسمُ» ليس «على هذا» أمةٌ «و» قائمةٌ «صفتها، وكذا» يَتْلُون «، وهذا على لغة» أكلوني البراغيث «كقوله الآخر:
يَلُومونني في اشتراءِ النخي ... لِ أَهْلي فكلُّهمُ أَلْوَمُ
قالوا:» وهي لغةٌ ضعيفةٌ «. ونازع السهيلي النحويين في كونها ضعيفةً، ونَسبَها بعضُهم لأزدِ شنوءة، وكثيراً ما جاء عليها الحديث، وفي القرآنِ مثلُها

المطلب الخامس:النقد والترجيح
يتبين مماسبق أن الخلاف في تعيين مرجع الضمير في قوله {ليسوا} :
-إما أنه يرجع على أهل الكتاب المتقدم ذكرهم بقوله {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}
والقائلون بأن مرجع الضمير على أهل الكتاب اختلفوا في كونه مفسرا بما بعده أو بماقبله

-أو أنه يرجع على أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم
-ومنهم من لم يعتبره ضميرا ولا اسما وإنما علامة على الجمع

دراسة الأقوال:
القول الأول :أن مرجع الضمير قد تقدم ذكره بقوله تعالى {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}وأنه يعود على أهل الكتاب جميعا أنهم لايستوون في الكفر والفسوق والعصيان بل منهم المؤمنون الذين من صفاتهم أنهم يتلون آيات الله ..إلى آخر الآية وهذا الوصف لهم بالإيمان يدخل فيه أهل الكتاب الذين استقاموا قبل البعثة وماتوا على ذلك والذين أدركوا البعثة فأسلموا وآمنوا وهم كثير منهم عبد الله بن سلام وغيره ممن ورد ذكره في الآثار المروية
وهذا القول هو قول أغلب المفسرين
قال ابن جرير:
أولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك قول من قال قد تـمت القصة عند قوله { لَيْسُواْ سَوَاءً } عن إخبـار الله بأمر مؤمنـي أهل الكتاب، وأهل الكفر منهم، وأن قوله { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ }. خبر مبتدأ عن مدح مؤمنـيهم، ووصفهم بصفتهم، علـى ما قاله ابن عبـاس وقتادة وابن جريج. ويعنـي جلّ ثناؤه بقوله { أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } جماعة ثابتة علـى الـحقّ.

قال ابن عطية : وإنما الوجه أن الضمير في { ليسوا } يراد به من تقدم ذكره، و { سواء } خبر ليس، و { من أهل الكتاب } مجرور فيه خبر مقدم، و { أمة } رفع بالابتداء قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد ابن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود، معهم، قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا ولو كانوا خياراً ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله تعالى في ذلك { ليسوا سواء } الآية، وقال مثله قتادة وابن جريج.قال ابن عطية :وهو أصح التأويلات
وقال صاحب البحر:
والأصح: أن الواو ضمير عائد على أهل الكتاب، وسواء خبر ليس. والمعنى: ليس أهل الكتاب مستوين، بل منهم من آمن بكتابه وبالقرآن ممن أدرك شريعة الإسلام، أو كان على استقامة فمات قبل أن يدركها.

وأما القول بأن مرجع الضمير مفسر بما بعده وهو قول الفراء
بمعنى أن الضمير يعود على ماذكر بعده من الأمة المؤمنة من أهل الكتاب وأما الأمة الكافرة فإنه قد حذف ذكرها على مذهب العرب من أن ذكر إحدى الضدين يغنى عن ذكر الضد الآخر وتحقيق ذلك أن الضدين يعلمان معا فذكر أحدهما يفيد يستقل بإفادة العلم بهما فهنا يحسن حذف الآخر ،ذكره صاحب مفاتيح الغيب
قال النحاس: زعم الفراء أنه يرفع أمة بسواء وتقديره ليس تستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة. قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ من جهات: إحداها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء يرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرين فليس لاضمار هذا وجه
وقال الزجاج :أنه لاحاجة للإضمار لأنه قد جرى ذكر الأمة الكافرة من أهل الكتاب ولما كان العلم بأحد الضدين يغنى عن ذكر الآخر اكتفي به (ملخص كلامه)
قال ابن جرير:وقد توهم جماعة من نـحويـي الكوفة والبصرة والـمقدّمين منهم فـي صناعتهم، أن ما بعد سواء فـي هذا الـموضع من قوله { أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } ترجمة عن سواء، وتفسير عنه بـمعنى لا يستوي من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء اللـيـل، وأخرى كافرة، وزعموا أن ذكر الفرقة الأخرى ترك اكتفـاء بذكر إحدى الفرقتـين، وهي الأمة القائمة، ومثّلوه بقول أبـي ذؤيب
عَصَيْتُ إلَـيْها القَلْبَ إنـي لأمْرِها سَمِيعٌ فَما أدْرِي أرُشْدٌ طِلابُها
ولـم يقل «أم غير رشد» اكتفـاء بقوله «أرشد» من ذكر «أم غير رشد». وبقول الآخر
أزَالُ فلا أدْري أهَمٌّ هَمَـمْتَهُ وذو الهَمّ قِدْماً خاشِعٌ مُتَضَائِلُ
وهو مع ذلك عندهم خطأ قول القائل الـمريد أن يقول سواء أقمت أم قعدت، سواء أقمت حتـى يقول أم قعدت، وإنـما يجيزون حذف الثانـي فـيـما كان من الكلام مكتفـياً بواحد دون ما كان ناقصاً عن ذلك، وذلك نـحو ما أبـالـي أو ما أدري، فأجازوا فـي ذلك ما أبـالـي أقمت، وهم يريدون ما أبـالـي أقمت أم قعدت، لاكتفـاء ما أبـالـي بواحد، وكذلك فـي ما أدري، وأبوا الإجازة فـي سواء من أجل نقصانه، وأنه غير مكتف بواحد، فأغفلوا فـي توجيههم قوله { لَيْسُواْ سَوَاءٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } علـى ما حكينا عنهم إلـى ما وجهوه إلـيه مذاهبهم فـي العربـية، إذ أجازوا فـيه من الـحذف ما هو غير جائز عندهم فـي الكلام مع سواء، وأخطأوا تأويـل الآية، فسواء فـي هذا الـموضع بـمعنى التـمام والاكتفـاء، لا بـالـمعنى الذي تأوله من حكينا قوله


القول الثانى
:أن مرجع الضمير على أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ومحمله إما سبب النزول الذي روي عن ابن مسعود
وإما ما فهم من السياق قبله حين ورد ذكر هذه الأمة ووصفها بالخيرية {كنتم خير أمة }وو
رد ذكر أهل الكتاب بالذم وأيضا قوله تعالى عنهم {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون }وأنه تعالى قد أخبر عن عدم استوائهم في الإيمان والفسوق
نوه على الفرق بين هذه الأمة وأمة أهل الكتاب فقال {ليسوا سواء}
وعلى هذا القول يكون المراد بقوله تعالى {أهل الكتاب}جنس الكتب ويراد به هنا القرآن فيكون المعنى من أهل القرآن أمة قائمة ويعضده بعده قوله {يتلون آناء الليل وهم يسجدون}ومعلوم أن أهل الكتاب لايصلون بالليل
وهذا القول عليه مآخذ:
-الأول :أن السياق السابق لهذه الآية في الكلام عن أهل الكتاب ومساويهم فكان الأنسب أن يستثنى منهم من ليسوا كذلك وهذه طريقة القرآن
-الثانى:جعل المراد بالكتاب جنس الكتب دون الكتاب المعهود ،التوراة والإنجيل هو خلاف ظاهر الآي إذ أغلب ذكر أهل الكتاب يرد بهذا التعبير ولايوصف أهل الإيمان المسلمين في القرآن بأنهم أهل الكتاب


قال ابن كثير:ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى، قالا حدثنا شيبان عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال
" أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم "
قال فنزلت هذه الآيات { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } ـ إلى قوله ـ { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ }
والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره، ورواه العوفي عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وأسد بن عبيد، وثعلبة بن سَعْيَة، وأسيد بن سَعْيَة، وغيرهم، أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال تعالى { لَيْسُواْ سَوَآءً } أي ليسوا كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن، ومنهم المجرم
قال مقبل الوادعي: وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم. كذا قلت: ثم إليك ما في الحديث الثاني من الضعف ،(يريد حديث ابن عباس )
ويتلخص مما سبق :أن المعول عند أصحاب هذا القول سبب النزول الذي روى عن ابن مسعود لاسيما أن سبب النزول الآخر المروي عن ابن عباس الذي يشير إلى القول الأول ظاهر الضعف،ولكن حين التأمل في هذا السند الذي فيه عاصم الذي ضعفه أهل الحديث لسوء حفظه فهو أثر ضعيف وإنما حسنه من حسنه لأجل ماله من الشواهد الصحيحة كما سبق في التخريج لكن نفس هذه الشواهد وإن كانت تشير إلى صحة معناه إلا أنها تخلو تماما من ذكر سبب النزول

القول الثالث:أن الواو للجمع وليست ضميرا
و مثلها، في قول الشاعر:
يلومونني في شراء النخيـ ـل قومي وكلهم ألوم
واسم ليس: أمّة قائمة، أي ليس سواء من أهل الكتاب أمّةً قائمة موصوفة بما ذكروا و أمة كافرة
وقد خطأ أباعبيدة عدد من المفسرين المعتنين باللغة منهم ابن عطية وصاحب الدر المصون
وقال مكي بن أبي طالب تعقيبا على قوله: وأبو عبيدة يجعل { لَيْسُواْ } على لغة من قال: أكلوني البراغيت، ويجعل { أُمَّةٌ } اسم ليس و { سَوَآءً } الخبر ويقدر محذوفاً، وهو ذكر الكفار من أهل الكتاب، وهو بعيد لأن ذكر أهل الكتاب قد تقدم، فليس [هو] مثل أكلوني البراغيت لأنه لم يتقدم [له] ذكر
ولكن صاحب البحر المحيط مع أنه يصحح القول الأول إلا أنه لايرى قول أبي عبيدة خطأ محضا بل قال:
قال ابن عطية: وما قاله أبو عبيدة خطأ مردود انتهى. ولم يبين جهة الخطأ، وكأنه توهم أن اسم ليس هو أمة قائمة فقط، وأنه لا محذوف. ثمّ إذ ليس الغرضُ تفاوت الأمة القائمة التالية، فإذا قدر ثم محذوف لم يكن قول أبي عبيدة خطأ مردوداً.
وقال :وقد نازع السهيلي النحويين في قولهم: إنها لغة ضعيفة، وكثيراً ما جاءت في الحديث.
والإعراب الأول هو الظاهر. وهو: أن يكون من أهل الكتاب أمةٌ قائمة مستأنف بيان لانتفاء التسوية
.

خلاصة البحث في معنى قوله تعالى {ليسوا سواء}:
اختلف المفسرون في الوقف على سواء على قولين :
-القول الأول :أن الوقف تام وما بعده كلام مستأنف يبين حقيقة نفي التسوية والمعنى أن أهل الكتاب الذين سبق ذكرهم ليسوا سواء
وهذا القول يندرج تحته احتمالان بالنسبة لمرجع الضمير في {ليسوا}:
-الاحتمال الأول:أنه أضمر ذكر الأمة المذمومة على مذهب العرب في ذلك كماسبق وهو قول الفراء وابن الأنباري وقد انتقد هذا القول ابن جرير كما قدبينا
-الاحتمال الثانى :أنه لا إضمار بل قد تقدم ذكر المعنيين بعدم التسوية قبل ذلك في الآيات السابقة كما بينه الزجاج وهو قول أكثر المفسرين وهو مايدل عليه ظاهر اللفظ القرآنى ويؤيده السياق واللغة العربية
-القول الثانى :أن الوقف لايجوز في هذا الموضع لأنه متعلق بمابعده والتقدير ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة وأمة مذمومة
وأمة مرفوعة بليس على مذهب من يقول الواو للجمع {أكلونى البراغيث}وهو مذهب أبي عبيدة وانتقده كثير من النحويين لأنه لغة ركيكة وانتصر له السهيلى بأن مثله في الحديث كثير

والراجح في تأويل هذه الآية :أن الوقف تام على قوله {ليسوا سواء}وأن الجملة بعدها مستأنفة لبيان حال عدم الاستواء وأن مرجع الضمير لأهل الكتاب المتقدم ذكرهم والله أعلم

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1439هـ/7-04-2018م, 03:56 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.
تصنيف المسألة :
هي مسألة تفسيرية لغوية ولها تعلق ببعض علوم القران كالوقف والابتداء وأسباب النزول .
أولا : مراجع التحرير :
1- المصادر الأصلية :
تفسير عبد الرزاق - تفسير ابن جرير - تفسير أبي حاتم - تفسير مكي بن أبي طالب - تفسير الثعلبي والبغوي والواحدي .
ومن داووين السنة : السنن الكبرى للنسائي - مجمع الزوائد للهيثمي .
2- المصادر البديلة :
تفسير ابن كثير - فتح الباري - الدر المنثور.
3- مصادر ناقلة :
تفسير ابن عطية وتفسيرالمارودي وتفسيرابن الجوزي و القرطبي والبيضاوي
4- كتب التفسير اللغوي : الزجاج والكشاف والبحر المحيط وتفسير أبو السعود وابن عاشور .
5-كتب الوقف والابتداء :إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري والمكتفي للداني و منار الهدى للأشموني.

ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
سبب نزول الاية :
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾، في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، احْتَبَسَ عَنْ صَلاةِ العِشاءِ لَيْلَةً حَتّى ذَهَبَ ثُلْثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جاءَ فَبَشَّرَهم، فَقالَ: "إنَّهُ لا يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ أحَدٌ مِن أهْلِ الكِتابِ" فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
والثّانِي: أنَّهُ لَمّا أسْلَمَ ابْنُ سَلامٍ في جَماعَةٍ مِنَ اليَهُودِ، قالَ أحْبارُهُمْ: ما آَمَنَ بِمُحَمَّدٍ إلّا أشْرارُنا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُقاتِلٌ.
تخريج الأقوال:
القول الأول :
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}
- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113] حتّى بلغ {والله عليمٌ بالمتّقين} [آل عمران: 115]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/49]
القول الثاني :
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ليسوا سواءً} [آل عمران: 113].
- عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن شعبة، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام، قالت أحبار يهود أهل الكفر: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلّا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم.
فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113]، إلى قوله تعالى: {من الصّالحين} [آل عمران: 114].
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/327]
الترجيح :
الراجح على قول أكثر المفسرين هو قول ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم .
وقت نزولها:
فيما بين المغرب والعشاء
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن منصور قال: بلغني أنها نزلت {يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} فيما بين المغرب والعشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: هي صلاة الغفلة. الدر المنثور .
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن منصور قال بلغني أنها نزلت ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون فيما بين المغرب والعشاء). [تفسير عبد الرزاق: 1/131]
مرجع الضمير في قوله ( ليسوا سواء)
في المسالة قولان :
1-هو عائد على اليهود ،قاله ابن عباس وقتادة والحسن وابن جريج .
2- لَيْسَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ واليَهُودُ سَواءٌ، هَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، والسُّدِّيِّ.
وقيل في المسألة قول ثالث وهو :أن الواو في( ليسوا) هي للجمع وليست ضمير وهذا قول أبو عبيدة ،لكن أغلب المفسرين ضعف هذا القول لأنها لغة ركيكة عن العرب
قال الزجاج رحمه الله :
قال أبو عبيدة: {ليسوا سواء} جمع ليس، وهو متقدم كما قال القائل: أكلوني البراغيث وكما قال: عموا وصمّوا كثير منهم.
وهذا ليس كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال {ليسوا سواء}.
ثم أنبأ بافتراقهم فقال: {من أهل الكتاب أمّة قائمة}.
تخريج الأقوال :
1-قول ابن عباس، رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير
حدثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}
2-قول قتادة ،رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد
حدثناحدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
3-قول الحسن ،رواه ابن أبي حاتم من طريق أبو الأشهب
حدثنا أبي ، ثنا سعيد بن سليمان النشيطي ، ثنا أبو الأشهب ، قال: ليس كل القوم هلك. على الحسن: ليسوا سواء من أهل الكتاب قال: هؤلاء أهل الهدى.
3-قول ابن جريج، رواه الطبري من طريق حجاج.
حدثناالقاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ.
أما قول ابن مسعود، فرواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن الحسن بن يزيد العجلي .
7648- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن الحسن بن يزيد العجلي، عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في قوله:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمةُ محمد ﷺ.(18)
وقول السدي ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط .
7649- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود، كمثل هذه الأمة التي هي قائمة.
* * *

توجيه الأقوال :
القول الأول :
1- أنه عائد على أهل الكتاب ،قاله ابن عباس وقتادة والحسن وابن جريج
وتوجيهه كما ذكر ابن عاشور أنه اسْتِئْنافٌ قُصِدَ بِهِ إنْصافُ طائِفَةٍ مِن أهْلِ الكِتابِ، بَعْدَ الحُكْمِ عَلى مُعْظَمِهِمْ بِصِيغَةٍ تَعُمُّهم، تَأْكِيدًا لِما أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110] فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ لَيْسُوا لِأهْلِ الكِتابِ المُتَحَدَّثِ عَنْهم آنِفًا، وهُمُ اليَهُودُ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي بَعْدَها مَنزِلَةَ التَّمْهِيدِ.
وسَواءٌ اسْمٌ بِمَعْنى المُماثِلِ وأصْلُهُ مَصْدَرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّسْوِيَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ إلَخْ. مُبَيِّنَةٌ لِإبْهامِ ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾ والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِلِاهْتِمامِ بِهَؤُلاءِ الأُمَّةِ. فالأُمَّةُ هُنا بِمَعْنى الفَرِيقِ.
وإطْلاقُ أهْلِ الكِتابِ عَلَيْهِمْ مَجازٌ بِاعْتِبارِ ما كانَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ [النساء: 2] لِأنَّهم صارُوا مِنَ المُسْلِمِينَ.
والأصَحُّ: أنَّ الواوَ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى أهْلِ الكِتابِ، ”وسَواءً“ خَبَرُ لَيْسَ. والمَعْنى: لَيْسَ أهْلُ الكِتابِ مُسْتَوِينَ، بَلْ مِنهم مَن آمَنَ بِكِتابِهِ وبِالقُرْآنِ مِمَّنْ أدْرَكَ شَرِيعَةَ الإسْلامِ، أوْ كانَ عَلى اسْتِقامَةٍ فَماتَ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَها.
قال أبو جعفر: وقد بينا أن أولى القولين بالصواب في ذلك، قولُ من قال: قد تمت القصة عند قوله:"ليسوا سواء"، عن إخبار الله بأمر مؤمني أهل الكتاب وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله:"من أهل الكتاب أمة قائمة"، خبر مبتدأ عن مدح مؤمنهم ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج.
* * *
ويعني جل ثناؤه بقوله:"أمة قائمة"، جماعة ثابتةٌ على الحق.
القول الثاني:
لَيْسَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ واليَهُودُ سَواءٌ، هَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، والسُّدِّيِّ.
توجيه هذا القول :
أنه موجه بسبب النزول الذي ذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه والله أعلم
7660- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن الحسن بن يزيد العجلي، عن عبد الله بن مسعود في قوله:"يتلون آيات الله آناء الليل"، صلاة العَتَمة، هم يصلُّونها، ومَنْ سِواهم من أهل الكتاب لا يصلِّيها، وكذلك بأن تلك الصفات التي جاءت في الاية تتصف بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
ولأنه فسر كلمة (ءنآء ) بأنها صلاة العشاء وهذه الصلاة لا يصليها إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .هذا والله أعلم بالصواب
الترجيح :
الراجح : القول الأول
قال ابن جرير رحمه الله : وقد بينا أن أولى القولين بالصواب في ذلك، قولُ من قال: قد تمت القصة عند قوله:"ليسوا سواء"، عن إخبار الله بأمر مؤمني أهل الكتاب وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله:"من أهل الكتاب أمة قائمة"، خبر مبتدأ عن مدح مؤمنهم ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج، وهذا قول أكثر المفسرين وتؤيده اللغة .
الوقف على سواء :
في ذلك قولان :
1- الوقف تام
قاله الزجاج وابن الانباري والداني وغيرهم .
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ليسوا سواء) [113] وقف تام ثم تبتدئ (من أهل الكتاب أمة) فترفع «الأمة» بـ(من) فإن رفعت «الأمة» بمعنى (سواء) كأنك قلت: «ليست تستوي من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة» لم يتم الكلام على (سواء) وكان تمام الكلام على (يسجدون).) [إيضاح الوقف والابتداء: 2/582]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({ليسوا سواءً} تام. وترتفع أمة قائمة بالابتداء والخبر في المجرور {من الصالحين} تمام القصة على قراءة من قرأ {وما تفعلوا من خير فلن تكفروه} بالتاء لأن ذلك استئناف خطاب. ومن قرأ ذلك بالياء لم يتم الوقف على {الصالحين} لأن الكلام مردود على ما قبله فهو متصل به والتمام {بالمتقين}.) [المكتفى: 206]
قالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
{ليسوا سواء}
وهذا وقف التمام، أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء.
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ليسوا سواء (تام) على أنَّ الضمير في ليسوا لأحد الفريقين وهو من تقدم ذكره في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون أي ليس الجميع سواء أي ليس من آمن كمن لم يؤمن وترتفع أمة بالابتداء والجار والمجرور وقبله الخبر وهذا قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم وهو الأصح
2- لا يجوز الوقف عليها ،وهذا قول أبو عبيدة
قال: الأشموني رحمه الله :
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى لا يجوز الوقف عليه لأنَّ أمة مرفوعة بليسوا وجمع الفعل على اللغة المرجوحة نحو وأسروا النجوى قالوا وفي ليسوا للفريقين اللذين اقتضاهما سواء لأنَّه يقتضي شيئين

الراجح :
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ليسوا سواء (تام) على أنَّ الضمير في ليسوا لأحد الفريقين وهو من تقدم ذكره في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون أي ليس الجميع سواء أي ليس من آمن كمن لم يؤمن وترتفع أمة بالابتداء والجار والمجرور وقبله الخبر وهذا قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم وهو الأصح
ولأن الواو ضمير من تقدم ذكرهم وليست علامة الجمع ، ويرجح هذا القول أيضا ما ذكر في سبب نزول الآية وهو إسلام عبد الله بن سلام وغيره وقول الكفار ما آمن بمحمد إلاَّ شرارنا ولو كانوا أخيارًا ما تركوا دين آبائهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 12:03 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

المجلس الثامن في تفسير سورة آل عمران

حرر المراد بقوله (ليسوا سواء)
لما بين الله سبحانه وتعالى الفرقة الكافرة من أهل الكتاب ، وبين أفعالهم وعقوباتهم ، بين بعد ذلك الأمة المستقيمة وأفعالها وثوابها ، فقال تعالى : (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ )
المسألة : مرجع الضمير في قوله : (ليسوا سواء)
تصنيف المسألة : مسألة تفسيرية لها علاقة بأسباب النزول .

اختلف المفسرون في المراد بمرجع الضمير في قوله (ليسوا سواء) ، وكذلك في سبب نزول الآية على أقوال ، منها :
القول الأول : أن الواو ضمير عائد على أهل الكتاب ، " وسواء " خبر ليس . والمعنى : ليس أهل الكتاب مستوين ، بل منهم من آمن بكتابه وبالقرآن ممن أدرك شريعة الإسلام ، أو كان على استقامة فمات قبل أن يدركها . وأن الآية نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب ، فلا يستوون بمن كان فعلهم الكفر والمشاقة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن عباس وقتادة وابن جريج .
تخريج الأقوال :
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ
عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال : لما أسلم عبدالله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود ، قال الكفار من أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا خيارا ما تركوا دين آبائهم ، فأنزل الله في ذلك (ليسوا سواء) ، أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ورواه الطبراني ورجاله ثقات.
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ
توجيه القول :
هذا القول يرجع إلى أن الضمائر التي مضت في الآيات السابقة في الكفر والقتل والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب ، فعقب ذلك بتخصيص الذين آمنوا وهم على خير واستقامة .

القول الثاني : الضمير في ليسوا عائد على اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ إذ تقدم ذكر اليهود وذكر هذه الأمة ، وأن المراد أن أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا تستوي مع أهل الكتاب ، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه ، والسدي .
تخريج الأقوال :
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه كان يقول في قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال: لا يستوي أهل الكتاب، وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود كمثل هذه الأمّة الّتي هي قائمةٌ
والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة قال: "أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: وأنزل الله هؤلاء الآيات لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى بلغ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ . والحديث حسن كما قال الشوكاني ج1 ص385 نقلا عن السيوطي لأن عاصما في حفظه شيء وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج1 ص312 رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن ص91 وابن جرير ج4 ص55 وأبو نعيم في الحلية ج4 ص187. وأبو يعلى كما في المقصد العلي ج1 ص276.
توجيه القول :
قال ابن عطية : فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ، وذكر أيضا اليهود ، قال الله لنبيه (ليسوا سواء) ، ويكون الكتاب على هذا اسم جنس لكتب الله وليس للعهد ، والمعنى : من أهل الكتاب وهم أهل القرآن أمة قائمة .
وتعقب هذا القول بأنه جرت العادة في القرآن الكريم بذكر اليهود والنصارى بأنهم هم أهل الكتاب وليس المسلمون ، كما أن المسلمين وصفوا قبل ذلك بقليل بأنهم (خير أمة أخرجت للناس) .

القول الثالث : أن الآية نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا محمدا صلى الله عليه وسلم وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن سلمة ومحمود بن مسلمة وأبو قيس صرمة بن أنس كانوا موحدين ، يغتسلون من الجنابة ، ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فصدقوه ونصروه
وهو قول عطاء ، رواه الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ، ونقله الإمام الرازي في تفسيره وكذا البغوي عن عطاء من غير نسبة .
من المعلوم أن قول التابعي في أسباب النزول لا يعتبر إلا إذا أخذه عن صحابي ، فقول عطاء مرسل ، والمرسل من أقسام الضعيف .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية تعالى في معرض كلامه عن التفاسير، قال:"و " الثعلبي " هو في نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع
الدراسة والترجيح :
رجح ابن جرير القول الأول وقال : (ليسوا سواء) موضع تمام واكتفاء ، وهو إخبار عن مؤمني أهل الكتاب وأهل الكفر منهم ، وأما قوله (من أهل الكتاب أمة قائمة) خبر مبتدأ عن مدح مؤمنهم ووصفهم .
كما رجحه الزجاج ، ولم يذكر القول الثاني ، وقال : (ليسوا سوء) وقف على التمام ، والمعنى إنه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياء بغير حق ، والذين يتلون آيات الله آناء الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة .
وقال ابن عطية : والقول الأول هو أصح التأويلات
كما رجحه ابن كثير وقال : وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين ، فلا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب ، وهؤلاء الذين أسلموا ، قال تعالى (ليسوا سواء) أي : ليسوا كلهم على حد سواء ، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم .
كما رجحه أيضا ابن عاشور ، فقال : استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب ، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمّهم ، تأكيداً لِما أفاده قولُه { منهم المؤمنون وأكثرُهم الفاسقون } [ آل عمران : 110 ] فالضمير في قوله { ليسوا } لأهل الكتاب المتحدّث عنهم آنفاً ، وهم اليهود ، وهذه الجملة تتنزّل من التي بعدها منزلة التمهيد .
الراجح :
وخلاصة القول ، نجد أن أسباب النزول التي وردت عن ابن عباس وابن مسعود صحيحة كما ورد في كتاب "الصحيح المسند من أسباب النزول" للعلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعىي ، وقال : "وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم".
وعلى هذا فلا منافاة بين السببين ، ويمكن الجمع بين القولين الأول والثاني ، وأنه لا يستوي أهل الكتاب المؤمنين مع الكافرين منهم ، وكذا لا يستوي أهل الكتاب الكافرين مع المؤمنين من أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ
وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير : قل القفال رحمه الله : ولا يبعد أن يقال : أولئك الحاضرون كانوا نفرا من مؤمني أهل الكتاب ، فقيل : ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأقاموا صلاة العتمة في الساعة التي ينام فيها غيرهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا ، ولم يبعد أيضا أن يقال : المراد كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فسماهم الله بأهل الكتاب ، كأنه قيل : أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب ، حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة ، والمسلمون الذين سماهم الله بأهل الكتاب حالهم وصفتهم هكذا ، هل يستويان ؟ فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدا لما تقدم من قوله : (كنتم خير أمة) .
هذا والله أعلم
المراجع :
كتب التفسير المسندة: مثل تفسير عبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن جرير الطبري والبغوي والواحدي
كتب التفسير البديلة:الدر المنثور للسيوطي وابن كثير .
كتب التفسير الناقلة: والماوردى وابن الجوزي وابن عطية والقرطبي والألوسي وابن عاشور والوسيط لطنطاوي
كتب أسباب النزول : مقبل بن هادي الوادعي .
موقع جمهرة العلوم : تفسير سورة آل عمران

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 02:04 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الثامن من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 113-132)
س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.
تصنيف المسألة : هذه مسألة تفسيرية ،لغوية لها تعلق ببعض علوم القرآن مثل أسباب النزول والوقف والأبتداء.
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
المراجع الأصلية: تفسير عبد الرزاق – بن جرير الطبري- ابن أبي حاتم الرازي –تفسير مجاهد – تفسير الثوري – السنن الكبري للنسائي – مجمع الزوائد
المراجع البديلة : تفسير ابن كثير –ابن حجر العسقلاني – الدر المنثور للسيوطي.
المراجع الناقلة: ابن عطية –أبوحيان – أبو السعود - القنوجي- ابن عاشور .
المراجع والتفاسير اللغوية : الفراء – مجاز القرآن لأبي عبيدة – الزجاج-النحاس.
مراجع أسباب النزول: أسباب النزول للواحدي – العجاب في بيان الأسباب لابن حجر –لباب النقول للسيوطي – الصحيح المسند للوادعي .
مراجع الوقف والأبتداء :إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري –المكتفي لسعيد الداني – منار الهدى للأشموني .
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
المسألة الأولى:سبب نزول الآية :
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾، في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ.
القول الأول: نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.
«أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، احْتَبَسَ عَنْ صَلاةِ العِشاءِ لَيْلَةً حَتّى ذَهَبَ ثُلْثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جاءَ فَبَشَّرَهم، فَقالَ: "إنَّهُ لا يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ أحَدٌ مِن أهْلِ الكِتابِ" فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
وقيل نزلت أنها نزلت في قوم يصلون فيما بين المغرب والعشاءأخرج الطبري من طريق منصور بن المعتمروقال رجاله ثقات وهو مقطوع أو موقوف.
القول الثّانِي: أنَّهُ لَمّا أسْلَمَ ابْنُ سَلامٍ في جَماعَةٍ مِنَ اليَهُودِ(هم ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود)، قالَ أحْبارُهُمْ: ما آَمَنَ بِمُحَمَّدٍ إلّا أشْرارُنا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُقاتِلٌ.
تخريج الأقوال:
قول ابن مسعود :رواه حْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): - قال : أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113] حتّى بلغ {والله عليمٌ بالمتّقين} [آل عمران: 115]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/49]
وأخرجه أيضا أحمد وصححه ابن خزيمة عن طريق عاصم،وابن حجروالسيوطي في لباب النقول.
وأخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن سليمان عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال احتبس عنا رسول الله
وذكره أيضا الواحدي عن طريق علي بن المثنى عن أبي خيثمة عن بن القاسم عن شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود.
قول ابن عباس :رواه ابن جرير عن طريق سعيد ابن جبير أو عكرمة عن ابن عباس ، حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}،وأخرجه أيضا الطبري من طريق العوفي ،وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في الصحابه عن ابن عباس ،وذكره بن حجر،والثعلبي والسيوطي .
وقول ابن عباس رواه الطبري عن طريق قتادة وابن جريج.
دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها :
اختار الإمام أبو جعفر بن جريرالقول الأول (قول بن مسعود)،حيث قال: أن الأولى بتأويل الآية قول من قال عني بذلك – تلاوة القرآن في صلاة العشاء لأنها صلاة لا يصليها أحد من أهل الكتاب فوصف الله أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله.
وقال مقبل الوادعي :أقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم وعلل ذلك بما في الحديث الثاني من الضعف وإليك ما كتبه بعض الإخوة حفظه الله فقال: والسبب الآخر في نزول الآية: أخرجه الطبراني [4/52] وابن أبي حاتم [2/485] والطبراني [2/87] وأبو نعيم في [معرفة الصحابة:2/276]، والبيهقي في [الدلائل 2/533-534] والاستيعاب لابن عبد البر [1/96] وابن إسحاق في [السيرة: 1/557]، وقال الهيثمي في [المجمع: 6/327] رواه الطبراني ورجاله ثقات قلت: كلهم رووه من طريق محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس فذكره.[الصحيح المسند في أسباب النزول: 54]
ومحمد بن أبي محمد هذا مجهول وكذا قلت في تحقيقي لتفسير ابن كثير قال: في سنده محمد بن أبي محمد وهو مجهول. وفي سند الطبري: محمد بن حميد وقد كُذّب). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 55]
وخلاصة القول أن الراجح والله تعالى أعلى وأعلم قول ابن عباس كما هو مشهورعن كثير المفسرينكَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ العَوْفِيّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

المسألة الثانية :الوقف على قوله تعالى:{ليسوا سواء}:
اختلف المفسرون من السلف في الوقف على قوله تعالى{ليسوا سواء} على قولين :
القول الأول : وقف تام.
قاله الزجاج وابن الأنباري و سعيد الداني
{ ليسوا سواء} وقف تام ثم تبتدئ (من أهل الكتاب أمة) فترفع «الأمة» بـ(من) فإن رفعت «الأمة» بمعنى (سواء) كأنك قلت: «ليست تستوي من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة» لم يتم الكلام على (سواء) وكان تمام الكلام على (يسجدون).) [إيضاح الوقف والابتداء: 2/582]،
[المكتفي :206]
القول الثاني: لا وقف
قاله السجاوندي،وأبو عبيدة
لا وقف على {ليسوا سوء}، على جعل {يؤمنون} حالا لضمير {يسجدون}. ولا يصح[علل الوقف]
دراسة الأقوال والنقدوالترجيح:
قال محمد الأشموني في [منار الهدى:86]:
(ليسوا سواء (تام) على أنَّ الضمير في ليسوا لأحد الفريقين وهو من تقدم ذكره في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون أي ليس الجميع سواء أي ليس من آمن كمن لم يؤمن وترتفع أمة بالابتداء والجار والمجرور وقبله الخبر وهذا قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم وهو الأصح .
أما قول أبو عبيدة معمر بن المثنى لا يجوز الوقف عليه لأنَّ أمة مرفوعة بليسوا وجمع الفعل على اللغة المرجوحة نحو وأسروا النجوى قالوا وفي ليسوا للفريقين اللذين اقتضاهما سواء لأنَّه يقتضي شيئين .
والصحيح أنَّ الواو ضمير من تقدم ذكرهم وليست علامة الجمع فعلى قول أبي عبيدة الوقف على يعتدون تام ولا يوقف على سواء والضمير في ليسوا عائد على أهل الكتاب وسواء خبر ليس يخبر به عن الاثنين وعن الجمع وسبب نزولها إسلام عبد الله بن سلام وغيره وقول الكفار ما آمن بمحمد إلاَّ شرارنا ولو كانوا أخيارًا ما تركوا دين آبائهم قاله ابن عباس.

المسألة الثالثة:معنى الآية بناء على مرجع الضمير في قوله :{ليسوا سواء}
اختلف المفسرون السلف في مرجع الضمير في قوله تعالى :{ليسوا سواء} على قولين:
القول الأول : لَيْسَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ القائمة بالحق وأهل الكتاب (اليَهُودُ) سَواءٌ عند الله،ويكون مرجع الضمير في قوله {ليسوا سواء} على الآية كلها {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولوولوءامن أهل الكتاب لكان خير لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} هَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، والسُّدِّيِّ.
القول الثّانِي: لَيْسَ اليَهُودُ كُلُّهم سَواءً، بَلْ فِيهِمْ مَن هو قائِمٌ بِأمْرِ اللَّهِ،ويكون مرجع الضمير في {ليسوا سواء } علي قوله { ولوءامن أهل الكتاب لكان خير لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ وابن جريج.
التخريج:
قول ابن مسعود :رواه الطبري عن طريق ابن أبي نجيج عن الحسن بن يزيد العجلي عن ابن مسعود ،وابن أبي حاتم
حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه كان يقول في قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال: لا يستوي أهل الكتاب، وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقول السدي:رواه الطبري عن طريق أسباط ،وابن أبي حاتم
حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود كمثل هذه الأمّة الّتي هي قائمةٌ.
وقول ابن عباس: رواه الطبري عن طريق محمد بن أبي محمد مولى زيد ابن ثابت وابن أبي حاتم والهيثمي والسيوطي .
حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه
وقول قتادة :رواه الطبري عن طريق سعيد وابن أبي حاتم والسيوطي
حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
وقول ابن جريج :رواه الطبري وابن ابي حاتم عن طريق الحجاج ،والسيوطي.
حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ.
التوجية
القول الأول :توجية هذا القول بناء على سبب النزول ،توهّم جماعةٌ من نحويّي الكوفة والبصرة والمقدّمين منهم في صناعتهم أنّ ما بعد سواءٍ في هذا الموضع من قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} ترجمةٌ عن سواءٍ، وتفسيرٌ عنه بمعنى: لا يستوي من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل، وأخرى كافرةٌ، وزعموا أنّ ذكر الفرقة الأخرى ترك اكتفاءً بذكر إحدى الفرقتين، وهي الأمّة القائمة، ومثّلوه بقول أبي ذؤيبٍ:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرها = سميعٌ فما أدري أرشدٌ طلابها.
ولم يقل: أم غير رشدٍ اكتفاءً بقوله: أرشدٌ من ذكر أم غير رشدٍ وبقول الآخر:
أزاك فلا أدري أهمٌّ هممته = وذو الهمّ قدمًا خاشعٌ متضائل
وهو مع ذلك عندهم خطأٌ قول القائل المريد أن يقول: سواءٌ أقمت أم قعدت، سواءٌ أقمت حتّى يقول أم قعدت، وإنّما يجيزون حذف الثّاني فيما كان من الكلام مكتفيًا بواحدٍ دون ما كان ناقصًا عن ذلك،
القول الثاني : ليسوا سواءً؛ لأنّ فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللّذين ذكرهما اللّه في قوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين، عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {ليسوا سواءً} أي ليس هؤلاء سواءً، المؤمنون منهم والكافرون، ثمّ ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ومدحهم وأثنى عليهم بعدما وصف الفرقة الفاسقة منهم بما وصفها به من الهلع ونخب الجنان، ومحالفة الذّلّ والصّغار، وملازمة الفاقة والمسكنة، وتحمّل خزي الدّنيا وفضيحة الآخرة.
دراسة الأقوال والنقد والترجيح:
ورجح ابن جرير الطبري القول الثاني وقال : أنّ أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال: قد تمّت القصّة عند قوله: {ليسوا سواءً} عن إخبار اللّه بأمر مؤمني أهل الكتاب، وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} خبرٌ مبتدأٌ عن مدح مؤمنيهم، ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، وابن جريجٍ.
قال ابن عطية[ت546]:لَمّا مَضَتِ الضَمائِرُ في الكُفْرِ والقَتْلِ والعِصْيانِ والِاعْتِداءِ عامَّةً في جَمِيعِ أهْلِ الكِتابِ، عَقَّبَ تَعالى ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الَّذِينَ هم عَلى خَيْرٍ وإيمانٍ، وذَلِكَ أنَّ أهْلَ الكِتابِ لَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مَن هو عَلى اسْتِقامَةٍ، فَمِنهم مَن ماتَ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَ الشَرائِعَ فَذَلِكَ مِنَ الصالِحِينَ، ومِنهم مَن أدْرَكَ الإسْلامَ فَدَخَلَ فِيهِ،قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:وهُوَ أصَحُّ التَأْوِيلاتِ.
قال أبو حيان[ت745]:والواوُ في ”﴿لَيْسُوا﴾“ هي لِأهْلِ الكِتابِ السّابِقِ ذِكْرِهم في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ لَكانَ خَيْرًا لَهم مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ١١٠] والأصَحُّ: أنَّ الواوَ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى أهْلِ الكِتابِ، ”وسَواءً“ خَبَرُ لَيْسَ. والمَعْنى: لَيْسَ أهْلُ الكِتابِ مُسْتَوِينَ، بَلْ مِنهم مَن آمَنَ بِكِتابِهِ وبِالقُرْآنِ مِمَّنْ أدْرَكَ شَرِيعَةَ الإسْلامِ، أوْ كانَ عَلى اسْتِقامَةٍ فَماتَ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَها.
قال أبو السعود[ت928]: ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ سِيقَتْ تَمْهِيدًَا لِتَعْدادِ مَحاسِنِ مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ وتَذْكِيرًَا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ﴾ . والضَّمِيرُ في ﴿لَيْسُوا﴾ لِأهْلِ الكِتابِ جَمِيعًَا لا لِلْفاسِقِينَ مِنهم خاصَّةً، وهو اسْمُ لَيْسَ وخَبَرُهُ "سَواءً" وإنَّما أُفْرِدَ لِأنَّهُ في الأصْلِ مَصْدَرٌ، والمُرادُ بِنَفْيِ المُساواةِ نَفْيُ المُشارَكَةِ في أصْلِ الِاتِّصافِ بِالقَبائِحِ المَذْكُورَةِ لا نَفْيُ المُساواةِ في مَراتِبِ الِاتِّصافِ بِها مَعَ تَحَقُّقِ المُشارَكَةِ في أصْلِ الِاتِّصافِ بِها، أيْ: لَيْسَ جَمِيعُ أهْلِ الكِتابِ مُتَشارِكِينَ في الِاتِّصافِ بِما ذُكِرَ مِنَ القَبائِحِ والِابْتِلاءِ بِما يَتَرَتَّبُ عَلَيْها مِنَ العُقُوباتِ.
قال محمد صديق خان [1307هـ] : قال الأخفش: التقدير من أهل الكتاب ذو أمة أي ذو طريقة حسنة، وبه قال الزجاج، وقيل في الكلام حذف والتقدير من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة فترك الأخرى اكتفاء بالأولى، وقال الفراء التقدير ليس تستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة، وقال النحاس: هذا القول خطأ انتهى.
قال ابن عاشور[ت1393] : اسْتِئْنافٌ قُصِدَ بِهِ إنْصافُ طائِفَةٍ مِن أهْلِ الكِتابِ، بَعْدَ الحُكْمِ عَلى مُعْظَمِهِمْ بِصِيغَةٍ تَعُمُّهم، تَأْكِيدًا لِما أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ١١٠] فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ لَيْسُوا لِأهْلِ الكِتابِ المُتَحَدَّثِ عَنْهم آنِفًا، وهُمُ اليَهُودُ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي بَعْدَها مَنزِلَةَ التَّمْهِيدِ، وجُمْلَةُ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ إلَخْ. مُبَيِّنَةٌ لِإبْهامِ ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾ والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِلِاهْتِمامِ بِهَؤُلاءِ الأُمَّةِ. فالأُمَّةُ هُنا بِمَعْنى الفَرِيقِ.
وإطْلاقُ أهْلِ الكِتابِ عَلَيْهِمْ مَجازٌ بِاعْتِبارِ ما كانَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ [النساء: ٢] لِأنَّهم صارُوا مِنَ المُسْلِمِينَ.

مما سبق يتبن لي والله تعالى أعلى وأعلم أن أن القول الراجح في قوله تعالى : { ليسوا سواء } أن الوقف عليها تام ،وأن الجملة مستأنفة سيقت لبيان التفاوت بين أهل الكتاب،ويكون معنى الآية لَا يَسْتَوِي مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ بِالذَّمِّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، بلْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَمِنْهُمُ المُجْرم،وكما هومترجح من سبب النزول.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 06:27 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.

أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
المرتبة الأولى: مصادر أصلية في التفسير : تفسير أبو حاتم ، تفسير ابن جرير ، تفسير البغوي ، تفسير النسائي ، والواحدي .
كتب التفسيرفي دواوين السنة: السنن الكبرى للنسائي ، مصنف أبي شيبة ، مسند الحارث بن أبي أسامة ، ومسند الشاشي ، الحلية لأبي نعيم ، مجمع الزوائد للهيثمي .
المرتبة الثانية: مصادر بديلة: تفسير ابن الجوزي ، تفسير ابن كثير ،تفسير ابن عطية، والدر المصون لابن السمين ، تفسير الألوسي ، و تفسير أبي السعود ، وفتح القدير للشوكاني .
المرتبة الثالثة: مصادر ناقلة: تفسير القرطبي ، اعراب القرآن للنحاس ، تفسير مكي بن أبي طالب ، تفسير البحر المحيط للأندلسي.
في الاعراب : التبيان في اعراب القرآن للعبكري ، مشكل اعراب القرآن لمكي ،اعراب القرآن للنحاس .
كتب المحققين : تهذيب الكمال للمزي ، الصحيح المسند لأسباب النزول للوادعي ،
كتب علوم القرآن : إيضاح الوقف والابتداء للأنباري ،المكتفى في الوقف والابتداء لأبو عمرو الداني ،علل الوقوف للسجاوندي،منار الهدى للأشموني .
كتب النحو : شرح الأشموني لألفية ابن مالك ، رسائل نحوية للأحسائي .
المعاجم : لسان العرب لابن منظور .
==================================
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
الوقف عند قوله ( ليسوا سواء ) :
تصنيف المسألة : تفسيرية ، علوم القرآن، الوقف والابتداء :
اختلف العلماء على الوقف في قوله( سواء ) :
القول الأول : وقف تام
وهو قول ابن الأنباري وأبو عمرو الداني وابن السمين والأشموني وذكره ابن جرير والبغوي والألوسي.
القول الثاني : لا وقف
وهو ذكره السَّجَاوَنْدِيُّ وذكره ابن جرير البغوي .

سبب نزول قوله تعالى : ( ليسوا سواء ) :
تصنيف المسألة : تفسيرية ، علوم القرآن ،أسباب النزول :
اختلفوا في سبب نزول الاية على قولين :
القول الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتبس عن صلاة العشاء ليلة حتى ذهب ثلث الليل ، ثم جاء فبشرهم ، فقال: "إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب" فنزلت هذه الآية.
وهذا القول قاله ابن مسعود ، وذكره الواحدي وابن عطية وابن الجوزي وابن حجر وابن كثير والوادعي .
القول الثاني : : أنه لما أسلم ابن سلام في جماعة من اليهود ، قال أحبارهم: ما آمن بمحمد إلا أشرارنا ، فنزلت هذه الآية.
وهذا القول قاله ابن عباس ومقاتل وذكره البغوي والواحدي و ابن الجوزي وابن حجر والقرطبي وابن كثير .

نوع الواو في قوله ( ليسوا ) :
تصنيف المسألة :مسألة لغوية : اعرابية
اختلفوا على نوع الواو:
القول الأول : أنه ضمير
وهذا القول قاله الزجاج والنحاس وابن عطية والزمخشري والقرطبي والعبكري وابن السمين وأبو السعود والألوسي .
القول الثاني : أنه للجمع وليس ضمير .
وهذا قول أبو عبيدة ،وذكره الزجاج والنحاس وابن عطية والقرطبي والعبكري وابن السمين .

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا )
تصنيف المسألة: تفسيرية
القول الأول : أمة محمد مع أهل الكتاب .
وهو قول ابن مسعود والسدي وذكره ابن عطية وابن الجوزي وابن كثير .
القول الثاني : أهل الكتاب فيما بينهم .
وهو قول ابن عباس وقتادة وذكره ابن جريروالزجاج والزمخشري وابن عطية وابن الجوزي وابن كثير والأشموني .

تخريج الأقوال :
الوقف في قوله ( ليسوا سواء ) :
تخريجه :
القول الأول :
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ليسوا سواء) وقف تام ثم تبتدئ (من أهل الكتاب أمة) فترفع «الأمة» بـ(من) فإن رفعت «الأمة» بمعنى (سواء) كأنك قلت: «ليست تستوي من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة» لم يتم الكلام على (سواء) وكان تمام الكلام على (يسجدون).
القول الثاني :
تخريجه:
قال الفرَّاءُ: إن الوقفَ لا يتم على {سَوَاءً}، وهذا القول ذكره ابن السمين والبغوي والحاوي
لكن لم أجد المصدر الأساسي لهذا القول وقيل أنه قول الفراء ولم أجد له كلاما في هذا ، فلعله من كتاب مفقود للفراء .


سبب نزول ( ليسوا سواء ) :
تخريجه :
أما قول ابن مسعود فرواه الإمام أحمد في مسنده ورواه النسائي وأبي شيبة و الحارث بن أبي أسامة والشاشي في مسنده ، ورواه ابن حبان في صحيحه .
من طريق عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، وعاصم بن أبي نجادة ذكر عنه الدارقطني أن في حفظه الشيء ، وذكر عنه العقيلي أنه سيء الحفظ .
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير والطبراني في الكبير وأبي نعيم الأصبهاني من طريق عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ.

نوع الواو في قوله : ( ليسوا ) :
التخريج :
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (ت:210هـ ) : (العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلوني البراغيث، قال أبو عبيدة: سمعتها من أبي عمرو والهذلي في منطقه، وكان وجه الكلام أن يقول: أكلني البراغيث.
وفي القرآن: {عموا وصمّوا كثيرٌ منهم}: وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا )
التخريج :
قول السدي :
فرواه ابن جريرو أبو حاتم من طريق أحمد بن المفضل ، عن أسباط ، عن السدي، والسدي من الضعفاء متهم بالكذب ، قال عنه العقيلي أنه ضعيف .
وأما قول ابن مسعود
فرواه ابن جرير و أبو حاتم من طريق لحسن بن أبي يزيد العجلي، عن ابن مسعود.وأبي يزيد العجلي قال عنه يحي بن معين أنه ثقة .
وأما قول قتادة :
فرواه ابن جرير من طريق سعيد ، عن قتادة.

توجيه الأقوال :
الوقف على قوله ( ليسوا سواء ) :
القول الأول : وقف تام.
وهذا القول مبني على الواو اسم ليس ، وسواء خبرها، فهو مبني على السياق حيث ذكر قبله الفريقين .
فإن الواو اسم "ليس " ، و "سواء " خبر ، والواو تعود على أهل الكتاب المتقدم ذكرهم ، والمعنى : أنهم منقسمون إلى مؤمن وكافر لقوله : منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون فانتفى استواؤهم . و "سواء " في الأصل مصدر فلذلك وحد ، وقد تقدم تحقيقه أول البقرة .

القول الثاني : لا وقف
وهذا القول مبني على لغة أكلوني براغيث ، وجعل ( أمة ) اسم - ليس - والخبر ( سواء ).

سبب نزول قوله ( ليسوا سواء ) :
التوجيه :
القول الأول : مبني على التفسير ببعض المعنى .
القول الثاني : مبني على النفسير ببعض المعنى .

نوع الواو في قوله ( ليسوا) :
التوجيه :
القول الأول : وهو مبني على النظر للسياق ، ومبني على المعروف في اللغة .
القول الثاني : مبني على لغة أكلوني براغيث
واسم "ليس " هو "أمة قائمة " فقط .

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا ) :
التوجيه :
القول الأول :التفسير مبني على السياق قبلها وبعدها ومبني على التفسير بلازم المعنى فأمة محمد مع اهل الكتاب أو المؤمنون مع الكفار ، فقوله(ليسوا سواء ) تعني ليسوا متساويين فيقتضي أنه مقارنة بين متضاديين .
القول الثاني : التفسير مبني على على السياق قبلها بأقرب مذكور ، فالاية التي قبلها تتكلم عن أهل الكتاب ، ومبني على التفسير ببعض المعنى .

الدراسة والنقد والترجيح :
الوقف في قوله ( ليسوا سواء ) :
القول الأول هو الصحيح ، لأن لغة أكلوني براغيث ضعيفة ، و( ليسوا سواء) جملة تامة باعتبار أن الواو هنا خبر ( ليس ) وهذا القول رجحه أيضا جمهور أهل العلم
وقال البغوي ( ت : 416) : وهو وقف لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى : ( منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) [ ثم قال : ( ليسوا سواء ) يعني : المؤمنين والفاسقين ]
أما القول الثاني فقيل أنه قول الفراء ولم أجد له مصدرًا أصلي بل الذي وجدته كلها منقولة .


سبب نزول ( ليسوا سواء ) :
كل الأسباب الوارد يمكن الجمع بينها فلا تعارض بينها وهي من قبيل اختلاف التنوع .
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم .
وذكر الوادعي صحة الحديث الأول فقال : (الحديث حسن كما قال الشوكاني [1 /375] نقلا عن السيوطي لأن عاصما في حفظه شيء وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 1 /312]: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في [موارد الظمآن: 91] وابن جرير [4 /55] وأبو نعيم في [الحلية: 4 /187]. وأبو يعلى كما في [المقصد العلي: 1 /276]. )

نوع الواو في قوله ( ليسوا):
القول الأول : أقوى وهو ما عليه الجمهور ، أما القول الثاني فهي لغة ضعيفة .
وقد بين عبد الجليل الأحسائي ضعف واضطراب لغة أكلوني براغيث ، وضعف هذا القول أيضا العبكري .
فالقول الأول يؤيده السياق فقبله عن أهل الكتاب وبعده عن أهل الكتاب .
فقال الزجاج : ( ت : 311ه) : لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال {ليسوا سواء}.
ثم أنبأ بافتراقهم فقال: {من أهل الكتاب أمّة قائمة}.
وأيد قول الزجاج أيضا مكي في مشكل اعراب القرآن .
وقال النحاس ( ت : 338 ه ) وجوها أخرى لرد القول الثاني : (قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ من جهات: إحداها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء يرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرين فليس لاضمار هذا وجه)
وذكر أبو جعفر أيضا عن أن آناء الليل ظرف زمان فهذا وجه آخر لرد القول الثاني واعتباره خطأ .
وقال ابن عطية ( ت : 5:42) : قال ابن عطية : " وما قاله أبو عبيدة خطأ مردود ، ولم يبين وجه الخطأ ، وكأنه توهم أن اسم "ليس " هو "أمة قائمة " فقط ، وأنه لا محذوف ثم ، إذ ليس الغرض تفاوت الأمة القائمة التالية ، فإذا قدر ثم محذوف لم يكن قول أبي عبيدة خطأ مردودا ، إلا أن بعضهم رد قوله بأنها لغة ضعيفة ، وقد تقدم ما فيها والتقدير الذي يصح به المعنى ، أي : ليس سواء من أهل الكتاب أمة قائمة موصوفة بما ذكر وأمة كافرة ، فهذا تقدير يصح به المعنى الذي نحا إليه أبو عبيدة .

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا ) :
الراجح هو أن القولين متقاربين ، فالقولين تحتمله تقدير الآية ؛ولأن قوله ( ليسوا سواء ) : يقتضي أنه مقارنة بين اثنين مختلفين ، بين مؤمن وكافر وبين الخير والشر .
فسواء في اللغة : تعني المثل كما ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب ، ولكن لما دخلت عليها ( ليس ) اقتضى نفي التماثل .
قال ابن جرير ( ت : 310ه) : ( يعني بذلك: أنّهم غير متساوين، يقول: ليسوا متعادلين، ولكنّهم متفاوتون في الصّلاح والفساد والخير والشّرّ.
وإنّما قيل: ليسوا سواءً؛ لأنّ فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللّذين ذكرهما اللّه في قوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين، عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {ليسوا سواءً} أي ليس هؤلاء سواءً، المؤمنون منهم والكافرون) .
قال الزجاج كلاما طيبا في هذا ( ت: 311ه) : (لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه، ويقتلون الأنبياء بغير حق، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن منهم المؤمنين الذين هم أمّة قائمة، فما الحاجة إلى أن يقال غير قائمة وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر من كان مباينا هؤلاء وذكر في التفسير أن هذا يعني به عبد اللّه بن سلام وأصحابه) .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 07:50 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تعديل :
س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.

أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
المرتبة الأولى: مصادر أصلية في التفسير : تفسير أبو حاتم ، تفسير ابن جرير ، تفسير البغوي ، تفسير النسائي ، والواحدي .
كتب التفسيرفي دواوين السنة: السنن الكبرى للنسائي ، مصنف أبي شيبة ، مسند الحارث بن أبي أسامة ، ومسند الشاشي ، الحلية لأبي نعيم ، مجمع الزوائد للهيثمي .
المرتبة الثانية: مصادر بديلة: تفسير ابن الجوزي ، تفسير ابن كثير ،تفسير ابن عطية، والدر المصون لابن السمين ، تفسير الألوسي ، و تفسير أبي السعود ، وفتح القدير للشوكاني .
المرتبة الثالثة: مصادر ناقلة: تفسير القرطبي ، اعراب القرآن للنحاس ، تفسير مكي بن أبي طالب ، تفسير البحر المحيط للأندلسي.
في الاعراب : التبيان في اعراب القرآن للعبكري ، مشكل اعراب القرآن لمكي ،اعراب القرآن للنحاس .
كتب المحققين : تهذيب الكمال للمزي ، الصحيح المسند لأسباب النزول للوادعي ،العجاب في بيان أسباب النزول لابن حجر .
كتب علوم القرآن : إيضاح الوقف والابتداء للأنباري ،المكتفى في الوقف والابتداء لأبو عمرو الداني ،علل الوقوف للسجاوندي،منار الهدى للأشموني .
كتب النحو : شرح الأشموني لألفية ابن مالك ، رسائل نحوية للأحسائي .
المعاجم : لسان العرب لابن منظور .
==================================
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
الوقف عند قوله ( ليسوا سواء ) :
تصنيف المسألة : تفسيرية ، علوم القرآن، الوقف والابتداء :
اختلف العلماء على الوقف في قوله( سواء ) :
القول الأول : وقف تام
وهو قول ابن الأنباري وأبو عمرو الداني وابن السمين والأشموني وذكره ابن جرير والبغوي والألوسي.
القول الثاني : لا وقف
وهو ذكره السَّجَاوَنْدِيُّ وذكره ابن جرير البغوي .

سبب نزول قوله تعالى : ( ليسوا سواء ) :
تصنيف المسألة : تفسيرية ، علوم القرآن ،أسباب النزول :
اختلفوا في سبب نزول الاية على قولين :
القول الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتبس عن صلاة العشاء ليلة حتى ذهب ثلث الليل ، ثم جاء فبشرهم ، فقال: "إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب" فنزلت هذه الآية.
وهذا القول قاله ابن مسعود ، وذكره الواحدي وابن عطية وابن الجوزي وابن حجر وابن كثير والوادعي .
القول الثاني : : أنه لما أسلم ابن سلام في جماعة من اليهود ، قال أحبارهم: ما آمن بمحمد إلا أشرارنا ، فنزلت هذه الآية.
وهذا القول قاله ابن عباس ومقاتل وذكره البغوي والواحدي و ابن الجوزي وابن حجر والقرطبي وابن كثير .

نوع الواو في قوله ( ليسوا ) :
تصنيف المسألة :مسألة لغوية : اعرابية
اختلفوا على نوع الواو:
القول الأول : أنه ضمير
وهذا القول قاله الزجاج والنحاس وابن عطية والزمخشري والقرطبي والعبكري وابن السمين وأبو السعود والألوسي .
القول الثاني : أنه للجمع وليس ضمير .
وهذا قول أبو عبيدة ،وذكره الزجاج والنحاس وابن عطية والقرطبي والعبكري وابن السمين .

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا )
تصنيف المسألة: تفسيرية
القول الأول : أمة محمد مع أهل الكتاب .
وهو قول ابن مسعود والسدي وذكره ابن عطية وابن الجوزي وابن كثير .
القول الثاني : أهل الكتاب فيما بينهم .
وهو قول ابن عباس وقتادة وذكره ابن جريروالزجاج والزمخشري وابن عطية وابن الجوزي وابن كثير والأشموني .

تخريج الأقوال :
الوقف في قوله ( ليسوا سواء ) :
تخريجه :
القول الأول :
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ليسوا سواء) وقف تام ثم تبتدئ (من أهل الكتاب أمة) فترفع «الأمة» بـ(من) فإن رفعت «الأمة» بمعنى (سواء) كأنك قلت: «ليست تستوي من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة» لم يتم الكلام على (سواء) وكان تمام الكلام على (يسجدون).
القول الثاني :
تخريجه:
قال الفرَّاءُ: إن الوقفَ لا يتم على {سَوَاءً}، وهذا القول ذكره ابن السمين والبغوي والحاوي
لكن لم أجد المصدر الأساسي لهذا القول وقيل أنه قول الفراء ولم أجد له كلاما في هذا ، فلعله من كتاب مفقود للفراء .


سبب نزول ( ليسوا سواء ) :
تخريجه :
أما قول ابن مسعود فرواه الإمام أحمد في مسنده ورواه النسائي وأبي شيبة و الحارث بن أبي أسامة والشاشي في مسنده ، ورواه ابن حبان في صحيحه .
من طريق عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، وعاصم بن أبي نجادة ذكر عنه الدارقطني أن في حفظه شيء ، وذكر عنه العقيلي أنه سيء الحفظ .
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير والطبراني في الكبير وأبي نعيم الأصبهاني من طريق عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ.
أما قول مقاتل فلم أجد له سند للرواية ولكن وجدته في تفسير مقاتل مما أضيف فيه من أسباب النزول للواحدي .

نوع الواو في قوله : ( ليسوا ) :
التخريج :
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (ت:210هـ ) : (العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلوني البراغيث، قال أبو عبيدة: سمعتها من أبي عمرو والهذلي في منطقه، وكان وجه الكلام أن يقول: أكلني البراغيث.
وفي القرآن: {عموا وصمّوا كثيرٌ منهم}: وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا )
التخريج :
قول السدي :
فرواه ابن جريرو أبو حاتم من طريق أحمد بن المفضل ، عن أسباط ، عن السدي، والسدي من الضعفاء متهم بالكذب ، قال عنه العقيلي أنه ضعيف .
وأما قول ابن مسعود
فرواه ابن جرير و أبو حاتم من طريق لحسن بن أبي يزيد العجلي، عن ابن مسعود.وأبي يزيد العجلي قال عنه يحي بن معين أنه ثقة .
وأما قول قتادة :
فرواه ابن جرير من طريق سعيد ، عن قتادة.

توجيه الأقوال :
الوقف على قوله ( ليسوا سواء ) :
القول الأول : وقف تام.
وهذا القول مبني على الواو اسم ليس ، وسواء خبرها، فهو مبني على السياق حيث ذكر قبله الفريقين .
فإن الواو اسم "ليس " ، و "سواء " خبر ، والواو تعود على أهل الكتاب المتقدم ذكرهم ، والمعنى : أنهم منقسمون إلى مؤمن وكافر لقوله : منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون فانتفى استواؤهم . و "سواء " في الأصل مصدر فلذلك وحد .

القول الثاني : لا وقف
وهذا القول مبني على لغة أكلوني براغيث ، وجعل ( أمة ) اسم - ليس - والخبر ( سواء ).

سبب نزول قوله ( ليسوا سواء ) :
التوجيه :
القول الأول : مبني على التفسير ببعض المعنى .
القول الثاني : مبني على النفسير ببعض المعنى .

نوع الواو في قوله ( ليسوا) :
التوجيه :
القول الأول : وهو مبني على النظر للسياق ، ومبني على المعروف في اللغة .
القول الثاني : مبني على لغة أكلوني براغيث
واسم "ليس " هو "أمة قائمة " فقط .

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا ) :
التوجيه :
القول الأول :التفسير مبني على السياق قبلها وبعدها ومبني على التفسير بلازم المعنى فأمة محمد مع اهل الكتاب أو المؤمنون مع الكفار ، فقوله(ليسوا سواء ) تعني ليسوا متساويين فيقتضي أنه مقارنة بين متضاديين .
القول الثاني : التفسير مبني على على السياق قبلها بأقرب مذكور ، فالاية التي قبلها تتكلم عن أهل الكتاب ، ومبني على التفسير ببعض المعنى .

==============================

الدراسة والنقد والترجيح :
الوقف في قوله ( ليسوا سواء ) :
القول الأول هو الصحيح ، لأن لغة أكلوني براغيث ضعيفة ، و( ليسوا سواء) جملة تامة باعتبار أن الواو هنا خبر ( ليس ) وهذا القول رجحه أيضا جمهور أهل العلم
وقال البغوي ( ت : 416) : وهو وقف لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى : ( منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) [ ثم قال : ( ليسوا سواء ) يعني : المؤمنين والفاسقين ]
أما القول الثاني فقيل أنه قول الفراء ولم أجد له مصدرًا أصلي بل الذي وجدته كلها منقولة .


سبب نزول ( ليسوا سواء ) :
كل الأسباب الوارد يمكن الجمع بينها فلا تعارض بينها وهي من قبيل اختلاف التنوع .
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم .
وذكر الوادعي صحة الحديث الأول فقال : (الحديث حسن كما قال الشوكاني [1 /375] نقلا عن السيوطي لأن عاصما في حفظه شيء وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 1 /312]: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في [موارد الظمآن: 91] وابن جرير [4 /55] وأبو نعيم في [الحلية: 4 /187]. وأبو يعلى كما في [المقصد العلي: 1 /276]. )

نوع الواو في قوله ( ليسوا):
القول الأول أقوى وهو ما عليه الجمهور ، أما القول الثاني فهي لغة ضعيفة .
وقد بين عبد الجليل الأحسائي ضعف واضطراب لغة أكلوني براغيث ، وضعف هذا القول أيضا العبكري .
فالقول الأول يؤيده السياق فقبله عن أهل الكتاب وبعده عن أهل الكتاب .
فقال الزجاج : ( ت : 311ه) : لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال {ليسوا سواء}.
ثم أنبأ بافتراقهم فقال: {من أهل الكتاب أمّة قائمة}.
وأيد قول الزجاج أيضا مكي في مشكل اعراب القرآن .
وقال النحاس ( ت : 338 ه ) وجوها أخرى لرد القول الثاني : (قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ من جهات: إحداها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء يرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرين فليس لاضمار هذا وجه)
وذكر أبو جعفر أيضا عن أن آناء الليل ظرف زمان فهذا وجه آخر لرد القول الثاني واعتباره خطأ .
وقال ابن عطية ( ت : 5:42) : قال ابن عطية : " وما قاله أبو عبيدة خطأ مردود ، ولم يبين وجه الخطأ ، وكأنه توهم أن اسم "ليس " هو "أمة قائمة " فقط ، وأنه لا محذوف ثم ، إذ ليس الغرض تفاوت الأمة القائمة التالية ، فإذا قدر ثم محذوف لم يكن قول أبي عبيدة خطأ مردودا ، إلا أن بعضهم رد قوله بأنها لغة ضعيفة ، وقد تقدم ما فيها والتقدير الذي يصح به المعنى ، أي : ليس سواء من أهل الكتاب أمة قائمة موصوفة بما ذكر وأمة كافرة ، فهذا تقدير يصح به المعنى الذي نحا إليه أبو عبيدة .

مرجع الضمير في قوله ( ليسوا ) :
الراجح هو أن القولين متقاربين ، فالقولين تحتمله تقدير الآية ؛ولأن قوله ( ليسوا سواء ) : يقتضي أنه مقارنة بين اثنين مختلفين ، بين مؤمن وكافر وبين الخير والشر .
فسواء في اللغة : تعني المثل كما ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب ، ولكن لما دخلت عليها ( ليس ) اقتضى ذلك نفي التماثل .
قال ابن جرير ( ت : 310ه) : ( يعني بذلك: أنّهم غير متساوين، يقول: ليسوا متعادلين، ولكنّهم متفاوتون في الصّلاح والفساد والخير والشّرّ.
وإنّما قيل: ليسوا سواءً؛ لأنّ فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللّذين ذكرهما اللّه في قوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين، عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {ليسوا سواءً} أي ليس هؤلاء سواءً، المؤمنون منهم والكافرون) .
قال الزجاج كلاما طيبا في هذا ( ت: 311ه) : (لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه، ويقتلون الأنبياء بغير حق، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن منهم المؤمنين الذين هم أمّة قائمة، فما الحاجة إلى أن يقال غير قائمة وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر من كان مباينا هؤلاء وذكر في التفسير أن هذا يعني به عبد اللّه بن سلام وأصحابه) .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 رجب 1439هـ/14-04-2018م, 06:39 PM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى:( ليسوا سواء )

س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى:( ليسوا سواء )
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
: تخريج الأقوال.ثالثا
: توجيه الأقوال.رابعا
: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.خامسا
المراجع:
: التفاسير الأصلية ، تفسير عبدالرازق وتفسير أبو حاتم الرازي ، تفسير ابن جرير ، تفسير البغوي ، تفسير النسائي ، والواحدي المرتبة الاولى
ومن دواوين السنة ، السنن الكبرى للنسائي، ومجمع الزوائد للهيثمي
المرتبة الثانية:التفاسير البديلة ، تفسير ابن كثير ،وابن حجر ، والسيوطي ،وفتح القدير للشوكاني
التفاسير الناقلة :ابن عطية ، أبو السعود ،ابن عاشور
التفاسير اللغوية : معانى القرآن للفراء،الزجاج، الكشاف ،مشكل القرآن لمكى بن أبي طالب، ابن عاشور ،الدر المصون.
كتب أسباب النزول:العجاب في بيان الأسباب لابن حجر ، المحرر في أسباب النزول ، ومن المحققين الصحيح المسند في أسباب النزول لمقبل الوادعي
كتب الوقف والابتداء:إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري ، والمكتفى لأبي عمرو الداني ، وعلل الوقوف للسجاوندي ، والأشموني في كتابه منار الهدى.
المسألة الأولى:
تصنيفها ، مسألة تفسيرية ، علوم القرآن ،أسباب النزول.
اختلف في سبب النزول على قولين.
١/ لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من أخيارنا لما تركوا دين آبائهم ، قاله ابن عباس ، ومقاتل
٢/ نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها. قاله ابن مسعود .
التخريج:
قول ابن عباس : رواه ابن جرير ، حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّدٌ: ثنا إسحاق، وحدّثني محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيدٍ ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ وتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ،، ورواه الهيثمي ورواه الطبراني ورجاله ثقات.
قول مقاتل : لم أجد له تخريج.
قول ابن مسعود : رواه ابن جرير ،. والنسائي في السنن الكبرى ، قال : أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ، والنسائي.
توجيه القول:
أن الضمير عائد على أفعال أهل الكتاب من قتل وعناد وكفر وتكبر ، وأنها عامة فيهم ، وأستثنى وخص المسلمون الصالحون على ماكانوا عليه من استقامة وصلاح
الدراسة والترجيح:
واختار الإمام أبو جعفر بن جرير : "قول ابن مسعود "حيث قال بعد ذكره جملة من الأقوال غير أن الأولى بتأويل الآية قول من قال عني بذلكتلاوة القرآن في صلاة العشاء لأنها صلاة لا يصليها أحد من أهل الكتاب فوصف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله.
وقال مقبل الوادعي : لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم.
وذكر الوادعي صحة الحديث الأول فقال : (الحديث حسن كما قال الشوكاني [1 /375] نقلا عن السيوطي ، وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 1 /312]: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم في الإحتجاج به اختلاف ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في "موارد الظمآن": ص91 ، وابن جرير ج4 ص55 ، وأبو نعيم في "الحلية "ج4 ص187 ، وأبو يعلى في "المقصد العلي " ج1 ص276.
والراجح أن جميع أسباب النزول صحيحة ،فهي من اختلاف التنوع لاتضاد بينهما ، فظاهر الآية يحتمله تقدير القولين ،كما ورد في كتاب "الصحيح المسند من أسباب النزول" للعلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن الوادعي .
المسألة الثانية :
علام يعود الضمير في قوله ( ليسو سواء )
* قيل على أهل الكتاب من اليهود والنصارى ،قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج.
* وقيل عائد على اليهود وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن مسعود والسدي.
التخريج :
قول ابن عباس :رواه ابن جرير ، حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّدٌ: ثنا إسحاق، وحدّثني محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيدٍ ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ وتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ،،
قول قتادة :رواه ابن جرير قال: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة" يقول: ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية .
قول ابن جريج :رواه الطبري وابن ابي حاتم عن طريق الحجاج, حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ،وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ
وقول أنه عائد على اليهود وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن مسعود والسدي.
التخريج :
قول ابن مسعود : رواه ابن جرير حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه كان يقول في قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال: لا يستوي أهل الكتاب، وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. ورواه وابن أبي حاتم الرازي وابن كثير وذكره احمد بن حنبل في مسنده .
ورواه النسائي في السنن الكبرى ،قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: ((إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالى في هذه الساعة غيركم)) قال: فأنزلت هذه الآيات: {لَيسوا سَواءً ، وذكره عبدالرزاق ، والواحدي والسيوطي في تفاسيرهم .
قول السدي :رواه ابن جرير وابن أبي حاتم الرازي وقالوا : حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود كمثل هذه الأمّة الّتي هي قائمةٌ، وذكره ابن كثير في تفسيره .
توجيه القول :
القول الأول: مرجع الضمير لأهل الكتاب، وهو يشمل مؤمنهم وكافرهم
فمحمل وظاهر هذه الآيات يشير إلى أهل الكتاب ، وما حدث منهم من تكبر وعصيان وكفر ، واعتداء وقتل للأنبياء ، والقرآن الكريم إذا أشار إلى العصاة والكفرة منهم ، استثنى منهم من كانوا على الصلاح والإستقامة , وذكرهم واثنى عليهم ،كقوله : (ومن أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون )، وغيرها من الآيات .
القول الثاني : أنه عائد على اليهود وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن مسعود والسدي .
فقول ابن مسعود ،كما رواه ابن جرير والنسائي عن طريق عاصم بن زر ، وهو متكلم في حفظه وضبطه .
قال مقبل الوادعي : الحديث حسن كما قال الشوكاني نقلا عن السيوطي لأن عاصما في حفظه شيء .
وإن أعتبر بصحة السند عن ابن مسعود ، فالمؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، مشهود لهم بقيام الليل ، وأهل الكتاب المؤمن منهم ،اثنى عليهم سبحانه وتعالى ،بعد ماذكر سوء أفعالهم وكفرهم وتكبرهم ، بقوله ومن أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون )، فظاهر الآية دلالة صلاح المؤمن منهم واستقامته .
قال ابن جرير : ( معنى ذلك أنّهم غير متساوين، أي : ليسوا متعادلين، ولكنّهم متفاوتون في الصّلاح والفساد والخير والشّرّ.
وقال ابن عطية : يكون الكتاب على هذا اسم جنس لكتب الله وليس للعهد ، فمعنى هذا ، الصالح من الأمم وأن تعددوا فهم أمة قائمة وإن خص أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا ، والله أعلم
والراجح من ذلك ، فالأقوال المروية عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما ، كما صح في تخريجهما ، جميعها تحمل نفس معنى مرجع الضمير وتعول إليه ، فبذلك لاتعارض في المعنيين ، وإن رجح ابن جرير القول الأول بقوله : وقد بيّنّا أنّ أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال: قد تمّت القصّة عند قوله: {ليسوا سواءً} عن إخبار اللّه بأمر مؤمني أهل الكتاب، وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} خبرٌ مبتدأٌ عن مدح مؤمنيهم، ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، وابن جريجٍ.
المسألة الثالثة :. .
تصنيف المسألة ،تفسيرية ، علوم القرآن الوقف والإبتداء
الاختلاف في الوقف على قوله ليسو سواء
1. قيل الوقف تام ، ذكره أبو بكر الأنباري ،وأبو عمرو الداني ، والأشموني والزجاج ،ومن المفسرين ابن جرير والبغوي وابن عطية والكشاف وابن حيان والسمين الحلبي وغيرهم .
2. وقيل لا وقف فيها ذكره أبو عبدالله السجاوندي ولم ينسبه ، وأبو عبيدة في مجاز القرآن ، ومن المفسرين ابن جرير والبغوي .
الدراسة والنقد والترجيح :
فالراجح والله أعلم ،الوقف تام ، فمعني الآية لايستوى المؤمن منهم من الفاسق ، فهي بيان الفرق بينهم ، بعد ماذكر فاسقهم استئنفت الآية لذكر صالحهم ومؤمنهم
قال محمد الأشموني في تفسيره 'منار الهدى
( ليسوا سواء (تام) على أنَّ الضمير في ليسوا لأحد الفريقين وهو من تقدم ذكره في قوله :(منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) ،أي ليس الجميع سواء أي ليس من آمن كمن لم يؤمن وترتفع أمة بالابتداء والجار والمجرور وقبله الخبر وهذا قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم وهو الأصح :
وقال البغوي ::وهو وقف لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى ( منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) ، ثم قال سبحانه : ( ليسوا سواء ....) يقصد بهم ''المؤمنين والفاسقون ''


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 شعبان 1439هـ/18-04-2018م, 10:56 AM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.

نزلت هذه الآية في سياق يبين حال أهل الكتاب وذكر في الواو أقوال وهي:
&القول الأول:- أنه ضمير يعود على أهل الكتاب أي ليسوا سواء من أهل الكتاب فريقان مؤمن وصالح .قاله ابن عباس
وقتادة وأبو الأشهب.
-ما قاله ابن عباس رواه الطبري والرازي من طريق عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سهلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}
- رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
رواه الرازي عن أبيه، ثنا سعيد بن سليمان النّشيطيّ، ثنا أبو الأشهب قال: ليس كلّ القوم هلك.- رواه الطبري عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ.
وبناءً على هذا القول اعراب الواو اسم ليس وخبرها سواء

القول الثاني:-أنه ضمير يعود على أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أي لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن مسعود والسدي
-ما قاله ابن مسعود رواه الطبري والرازي من طريق الحسن بن أبي يزيد العجليّ عن ابن مسعودٍ في قوله: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يقول: لا يستوي أهل الكتاب وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروى ابن وهب المصري والواحدي والنسائي من طريق زر بن حبيش ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113] حتّى بلغ {والله عليمٌ بالمتّقين} [آل عمران: 115]).
- ما قاله السدي رواه الطبري والرازي من طريق عن أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: {لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ }... الآية، يقول: لـيس هؤلاء الـيهود كمثل هذه الأمة التـي هي قائمة.
وبناءً على هذا القول اعراب الواو اسم ليس وخبرها سواء

القول الثالث :أنها ليست ضمير وإنما هي واو الجماعة ذكره أبو عبيدة وعلى ذلك يكون اسم ليس هو (أمة).كما ذكر أن جمع الفعل (ليسوا)على اللغة المرجوحة نحو (أكلوني البراغيث) ورد مكي هذا القول وقال :أنه بعيد لأنه يجعل أمة اسم ليس وسواء خبرها ويقدر محذوفاً وقد تقدم ذكره وهو أهل الكتاب أما أكلوني البراغيث لم يتقدم للمحذوف ذكر .
كما رده بعض اللغويين وقال أنه لغة ضعيفة
التوجيه والترجيح
يكون توجيه الأقوال بناءً على الوقف وعود الضمير:
الوقف في الآية
فيه قولان :
القول الأول :وقف تام .قال به الأشموني وابن الأنباري ،وأبو عمر الداني والزجاج والطبري والنحاس ومكي .
وبهذا القول يكون الضمير في ليسوا عائد على أول الكلام وهم الفريقين من أهل الكتاب الذي تم ذكرهم في السياق (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون)أي ليسوا سواء المؤمنون والفاسقون من أهل الكتاب ثم وصف المؤمنين وقال (أمة قائمة) فالواو اسم ليس وسواء خبرها
قال الطبري:(وإنما قيل:"ليسوا سواء"، لأن فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللذين ذكرهما الله في قوله: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ، (3) ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الفريقين عنده، المؤمنة منهما والكافرة فقال:"ليسوا سواء"، أي: ليس هؤلاء سواء، المؤمنون منهم والكافرون. ثم ابتدأ الخبرَ جل ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ). وبذلك تكون (ليسوا سواء جملة تامة يوقف عليها و(من أهل الكتاب )جملة أخرى تبين صفة المؤمنين منهم .

القول الثاني:أنه لا يوجد وقف قال به السجاوندي وأبو عبيد والفراء ورفع الفراء أمة بليس والتقدير ( لا تستوي أمة قائمة وأخرى كافرة )وجعل ضمير الواو عائد على محذوف تقديره (أمة كافرة)وقال أن هذا جائز اذا كان في الكلام دليل عليه واستشهد بقول الشاعر:عَصَيْتُ إلَيْهَا القَلْبَ: إنِّي لأمْرِهَا ... سَمِيعٌ، فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلابُهَا?
وقد رد الطبري هذا القول قال:(توهم جماعة من نحويي الكوفة والبصرة والمقدَّمين منهم في صناعتهم: أن ما بعد"سواء" في هذا الموضع من قوله:"أمة قائمة"، ترجمةٌ عن"سواء" وتفسيرٌ عنه، (4) بمعنى: لا يستوي من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وأخرى كافرة. وزعموا أنّ ذكر الفرقة الأخرى، ترك اكتفاء بذكر إحدى الفرقتين، وهي"الأمة القائمة"، ومثَّلوه بقول أبي ذئيب:
ولم يقل:"أم غير رشد"، اكتفاء بقوله:"أرشد"....... إذّ أجازوا فيه من الحذف ما هو غير جائز عندهم في الكلام مع"سواء"، وأخطأوا تأويل الآية. فـ"سواء" في هذا الموضع بمعنى التمام والاكتفاء،)كما رده النحاس: قال :(هذا قول خطأ من جهات: إحداها أنه يرفع «أمة» بـ «ـسواء» فلا يعود على ٱسم ليس بشيء، ويرفع بما ليس جارياً على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه؛ لأنه قد تقدّم ذكر الكافر فليس لإضمار هذا وجه).
قال ابن عطية:(لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقب ذلك
بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من
مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه.)
وقال ابن عاشور :( استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمّهم، تأكيداً لِما أفاده قولُه {أية :
منهم المؤمنون وأكثرُهم الفاسقون}تفسير : [آل عمران: 110] فالضمير في قوله {ليسوا} لأهل الكتاب المتحدّث عنهم آنفاً، وهم اليهود، وهذه الجملة تتنزّل من التي بعدها منزلة التمهيد.
و (سواء) اسم بمعنى المماثل وأصله مصدر مشتق من التسوية.
وجملة {من أهل الكتاب أمصة قائمة} الخ... مبيّنة لإبهام {ليسوا سواء} والإظهار في مقام الإضمار للاهتمام بهؤلاء الأمة، فلأمّة هنا بمعنى الفريق.
وإطلاق أهل الكتاب عليهم مجاز باعتبار ما كان كقوله تعالى: {أية :
وآتوا اليتامى أموالهم}تفسير : [النساء: 2] لأنهم صاروا من المسلمين.
وعدل عن أن يقال: منهم أمَّة قائمة إلى قوله من أهل الكتاب: ليكون ذا الثناء شاملاً لصالحي اليهود، وصالحي النَّصارى،)
وقال ابو السعود :( والمرادُ بنفي المساواةِ نفيُ المشاركةِ في أصل الاتصافِ بالقبائح المذكورةِ لا نفيُ المساواةِ في مراتب الاتصافِ بها مع تحقق المشاركة في أصل الاتصافِ بها أي ليس جميعُ أهل الكتابِ متشاركين في الاتصاف بما ذُكر من القبائح والابتلاءِ بما يترتب عليها من العقوبات).

الترجيح:
ويظهر من خلال البحث أن أكثر العلماء يرجحون القول الأول وبذلك يكون الوقف تام وضمير الجمع لأهل الكتاب جميعاً لا للكفار خاصة وهو اسم ليس وسواء خبره، وأفرد لكونه في الأصل مصدراً .

المراجع:
المرتبة الأولى :مصادر أصلية
1:تفسير القرآن العزيز، لمحدّث اليمن عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211هـ)
2: وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، لإمام المفسّرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ).
3. وتفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ)،
4: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت: 427هـ)،
5. معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ).
تفسير مجاهد لآدم بن أبي إياس العسقلاني(ت:220هـ)، وهو من رواية عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني
المرتبة الثانية:مصادر بديلة
ابن كثير ،السيوطي ،الهداية لمكي
المرتبة الثالثة:تفاسير ناقلة
1ا. الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ)
2. النكت والعيون للماوري(ت:450هـ).
3. المحرر الوجيز لابن عطية(ت:542هـ).
4. زاد المسير لابن الجوزي (ت:597هـ).
5. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(ت:671هـ).
6. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي(ت:774هـ)،
7.تفسير أبو السعود
ومن التفاسير اللغوية :معاني القرآن للفراء والزجاج ،والنحاس ،واعراب القرآن للنحاس ،ابن عاشور والدر المصون للحلبي
ومن تفاسير أسباب النزول العجاب في بيان الأسباب لابن حجر وأسباب النزول للواحدي ومن كتب الوقف والابتداء ايضاح الوقف لابن الأنباري والمكتفي لأبي عمرو الداني وعلل الوقوف للسجاوندي ومنار الهدى للأشموني

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 شعبان 1439هـ/4-05-2018م, 04:35 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

المراد بقوله تعالى:
(ليسوا سواءاً.)
خطوات التحرير :
أولا : مراجع التحرير :
1- المصادر الأصلية :
تفسير عبد الرزاق - تفسير ابن جرير - تفسير أبي حاتم - تفسير مجاهد تفسير الثعلبي والبغوي والواحدي

2- المصادر البديلة :
تفسير ابن كثير - والقرطبي الدر المنثور.
3- مصادر ناقلة :
تفسير ابن عطية وتفسيرالمارودي وتفسيرابن الجوزي والألوسي وابن عاشور والسعدي.
4-تفاسير أهل اللغة :تفسير الزجاج.
قال ابن جرير الطبري يعني ليس فريق أهل الكتاب أهً الأيمان منهم والكفر سواء يعني بذلك أنهم غير متساوين ليسوا متعادلين ولكنهم متفاوتون في الصلاح والفساد والخير والشر.
2 لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
التخريج ذكر ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وذكره الثعالبي عن ابن مسعود.
وذكره أيضا عن السدي.
وذك!ه ابن الجوزي عن ابن مسعجد والسدي.

3 ليس كل القوم هالك. روي عن ابن أبي الأشهب.
التخريج ذكره ابن أبي حاتم.
3 ليسوا سواء هم أهل الهدى.
روي عن الحسن
التخريج ذكره ابن أبي حاتم عن الحسن.


4 ليس اليهود كلهم سواء بل فيهم من هو قائم بأمر الله قاله ابن عباس وقتادة.
التخريج ذكره ابن الجوزي عن ابن عباس وقتادة.
ملاحظة: رجعت ألى بعض الكتب كتفسير الزجاج وتفسير السمرقندي وتفسير الثعلبي والهداية ألى بلوغ النهاية فوجدتها تذكر هذه الأقوال دون نسبة ألى أي من العلما.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 29 شعبان 1439هـ/14-05-2018م, 02:09 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي


تقويم مجلس مذاكرة القسم الثامن من تفسير سورة آل عمران




أحسنتم، بارك الله فيكم وسدّد خطاكم.



1: أمل يوسف أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
لكن انتبهي أن قول الفرّاء يستلزم عدم الوقف على {سواء} بل يستلزم الوصل، وذلك لأنه يرى أن {أمة} مرفوعة بـ {سواء} ارتفاع الفاعل.
وابن الأنباري ذكر الوجهين في الوقف والابتداء.


2: فاطمة الزهراء أحمد أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
والربط بين المسائل في بيان معنى الآية أفضل من فصلها، فيجب بيان الوقف والابتداء بحسب كل قول في واو {ليسوا}.


3: هناء هلال محمد أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- القول الثالث في المسألة يرجع للأول وهو أن تكون الواو عائدة على أهل الكتاب، ولابد لهم من ذكر سابق في الآيات، وانتبهي أنك في هذه المسألة تكلمتِ عن سبب النزول ولم تذكري مرجع الضمير بناء عليه.
وتوجد مسألة مهمّة في بيان معنى الآية وهي مسألة الوقف على {سواء}، لأن من يقولون بأن الآية في أهل الكتاب يختلفون في نظم الآية وإعرابها.


4: مها شتا ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- لم يخطّيء الطبري القول الثاني في سبب النزول، وقد ذكر الأول في معرض تفسير قوله تعالى: {آناء الليل}.
- الأولى تحرير مسألة الوقف والابتداء بعد تعيين مرجع الضمير حتى يفهم الوقف والوصل.
- بالنسبة لتوجيه القول الأول فما ذكرتيه من توهّم بعض نحوييّ البصرة والكوفة إنما هو في قول أن الآية في أهل الكتاب المؤمنين منهم والكفار، وقد وجّه ابن عطية هذا القول فليراجع للفائدة، وأحيلك على تطبيق الأستاذة أمل يوسف فقد أجادت، بارك الله فيك وفيها.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 29 شعبان 1439هـ/14-05-2018م, 03:20 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي



5: هيا أبو داهوم ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- لا يوجد توجيه لغوي لأسباب النزول، لأن أسباب النزول ليست أقوالا لمفسّرين يُحتاج إلى توجيهها ومعرفة الحامل عليها، بل سبب النزول مما توجّه به الأقوال وليس يحتاج إلى توجيه، وذلك أن سبب النزول -إن صحّ- خبر إلهيّ يستوجب التصديق والقبول، وليس رأيا واجتهادا يحتمل القبول والردّ.
- الواو اسم "ليس" وليست خبرها.
والتحرير يعتبر فيه تكرار للمسائل وكان يمكن اختصارها أكثر من ذلك، وأحيلك على تطبيق الأستاذة أمل يوسف.


6: بدرية صالح ج
بارك الله فيك ونفع بك.
- راجعي التعليق في التقويم السابق بخصوص توجيه أسباب النزول.
- لم تبيّني حجج الوقف على قوله {سواء} أو الوصل فيها.
وأحيلك على تطبيق الأستاذة أمل يوسف في توجيه الأقوال والترجيح بينها.


7: ميسر ياسين أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- القول الثالث أن الواو علامة للجمع وليست واو الجماعة.
- الكلام عن الوقف والابتداء يكون بعد ذكر الأقوال في الآية وفي إعرابها حتى يفهم الوقف.
- فاتك توجيه القول بأن الضمير عائد على المؤمنين وأهل الكتاب.


8: شيماء طه ه
بارك الله فيك ونفع بك.
- ذكرت عدة أقوال منها أقوال مكرّرة، وهي ترجع إلى قولين فقط.
- بالنسبة للتخريج يجب ذكر أسانيد المرويات.
- لم توجّهي الأقوال ولم ترجّحي بينها.
فأرجو إعادة التحرير واستكمال ما فاتك منه، وفقك الله.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 28 شوال 1439هـ/11-07-2018م, 02:59 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا
سواء}.
🔷تصنيف المسألة .
هذه المسألة ،مسألة تفسيرية لغوية لها تعلق ببعض علوم القرآن كأسباب النزول ،والوقوقف والابتداء .

🔷المطلب الأول : مراجع البحث .

🔹كتب أسباب النزول : أسباب النزول للواحدي ، العجاب في بيان الأسباب للعسقلاني ،ولباب النقول للسيوطي، والصحيح المسند في أسباب النزول للوادعي .
🔹كتب الوقف والابتداء .
إيضاح الوقف والابتدا لابن الأنباري ،والمكتفي للداني ،وعلل الوقوف للسجاوني ،ومنار الهدى للأشموني .
المصادر الأصيلة : التفاسير المسندة ، تفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن جرير، وبن المنذر ،وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، وبن زمنين ،وتفاسير الثعلبي ،والمكي ،والواحدي ، والبغوي،
🔹كتب التفسير في دواوين السنّة: كتاب التفسير في صحيح البخاري وصحيح مسلم وأبواب التفسير من جامع الترمذي وكتاب تفسير القرآن من جامع ابن وهب ومن سنن سعيد بن منصور الخراساني والسنن الكبرى للنسائي ومستدرك الحاكم .
وكذلك كتب التفسير في جوامع الأحاديث والزوائد، كجامع الأصول لابن الأثير، ومجمع الزوائد للهيثمي، والمطالب العالية لابن حجر، وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري .
🔹الكتب التي تجمع أقوال المفسرين ،وتعتني بتحرير المسائل : تفسير تفسير ابن جرير، مكي بن أبي طالب ، والكشف والبيان للثعلبي، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،وابن عاشور، ومحمد الأمين للشنقيطي، وما جمع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب في التفسير ، وهذه التفاسير منها ماهو مصدر أصيل ،ومنها ماهو ناقل ومنها ماهو بديل ، وجمع الأقوال منها لا يقتضي القطع بصحة من نُسبت إليهم الأقوال فيها، بل لابد من التحقق من ذلك .

🔹كتب التفسير اللغوي: معاني القرآن للفراء، والزجاج، وأبي جعفر النحاس، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري، ومشكل إعراب القرآن للمكي ، وأبوالسعود ،والألوسي ،والدر المصون للحلبي
🔹المعاجم اللغوية:
كتاب العين للخليل بن أحمد، والصَّحاح لأبي نصر الجوهري، ومقاييس اللغة لابن فارس .

🔷المطلب الثاني : استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
🔹ماورد من أسباب النزول
.
ورد في سبب قوله تعالى :( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) قولان .
🔹الأول : ذكر الواحدي في اسباب النزول، وبن حجر في العجاب ،قولاً لابن عباس من طريق ،أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا وقالوا لابن سلام وأصحابه لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم وقد عاهدتم الله أن لا تتركوا دينكم فنزلت هذه الآية .
وقد أورد الطبري عن ابن عباس نحوه من طريق العوفي .
🔹القول الثاني : روى الواحدي في العجاب ، والنسائي في السنن ، عن ابن مسعود من طريق زر قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وكان عند بعض أهله أو نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا فقال: ((إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب)) وأنزلت: {لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آَياتِ اللهِ آَناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ} )

🔹مناسبة الآية لما قبلها
لما بين الله في الآيات السابقة عقوبة من فسق من أهل الكتاب وأفعالهم ،بين في هذه الآية الأمة المستقيمة وثوابها فقال :(لَيسوا سَواءً )
أورد المفسرون في مرجع الضمير في قوله (ليسوا) 🔷قولان :
الأول : أنه عائد على أهل الكتاب الوارد ذكرهم في الآيات السابقة ،قال به ابن عباس وقتادة والحسن وابن جريج .
الثاني : إنه يراد به اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال به ابن مسعود والسدي .
وذكر أبوعبيدة في مجاز القرآن أن الواو في قوله تعالى(ليسوا) ليست ضميرا بل هي للجمع.

🔷المطلب الثالث:التخريج
🔹القول الأول :
قول ابن عباس ،رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال :(لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}
🔸قول قتادة : رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة يقول :(يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
🔸قول الحسن رواه ابن أبي حاتم من طريق أبو الآشهب قال: ليس كلّ القوم هلك.
على الحسن: ليسوا سواءً من أهل الكتاب قال: هؤلاء أهل الهدى.
🔸قول ابن جريج ،رواه ابن جريرمن طريق الحسين، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ .
🔹القول الثاني : إنه يراد به اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال به ابن مسعود والسدي .
التخريج :
🔸روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق الحسن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في قوله:"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة"، قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمةُ محمد صلى الله عليه وسلم
ورواه النسائي ، وابن وهب المصري ، من طريق زر بن حبيش عن عبد اللّه بن مسعود .
🔸وأما قول السدي فقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق اسباط عن السدي قال: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يقول هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الأمّة الّتي هي قانتةٌ للّه.
🔹الوقف على (سواءً)
🔸لما ما للوقف من أثر على معنى الآية اختلفت أقوال أهل العلم والمفسرون فيه فمنهم من رأى أن الوقف على كلمة (سواءً) وقف تام ، قال به جمع من أهل اللغة ابن الأنباري ،والداني ،والغزنوي ،وقال
الأَشْمُونِيُّ: (ليسوا سواء) (تام) على أنَّ الضمير في ليسوا لأحد الفريقين وهو من تقدم ذكر في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون أي ليس الجميع سواء أي ليس من آمن كمن لم يؤمن وترتفع أمة بالابتداء والجار والمجرور وقبله الخبر وهذا قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم وهو الأصح .
🔸القول الثاني : أن الوقف على (سواءً) ليس تام قال أبو عبيدة بن المثنى لا يجوز الوقف عليه لأنَّ أمة مرفوعة بليسوا وجمع الفعل على اللغة المرجوحة نحو وأسروا النجوى قالوا وفي ليسوا للفريقين اللذين اقتضاهما سواء لأنَّه يقتضي شيئين .

🔷المطلب الرابع:توجيه الأقوال:
بعد النظر في أقوال أهل العلم والمفسرون نورد خلاصة ما استدلوا به من سبب نزول ووقف ومرجع ضمير .
🔸القول الأول : أنه عائد على أهل الكتاب الوارد ذكرهم في الآيات السابقة ،وتوجيه هذا القول ، يقول العسقلاني في العجاب ،قال الثعلبي عن ابن عباس ومقاتل لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا وقالوا لابن سلام وأصحابه لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم وقد عاهدتم الله أن لا تتركوا دينكم فنزلت
قلت أما مقاتل فهو موجود في تفسيره
وأما ابن عباس فأخرجه الطبري من طريق العوفي عنه بنحوه .
وقال ابن جرير رحمه الله :(وإنّما قيل: ليسوا سواءً؛ لأنّ فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللّذين ذكرهما اللّه في قوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين، عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {ليسوا سواءً} أي ليس هؤلاء سواءً، المؤمنون منهم والكافرون، ثمّ ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ومدحهم وأثنى عليهم بعدما وصف الفرقة الفاسقة منهم بما وصفها به من الهلع ونخب الجنان، ومحالفة الذّلّ والصّغار، وملازمة الفاقة والمسكنة، وتحمّل خزي الدّنيا وفضيحة الآخرة، فقال: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} الآيات الثّلاث، إلى قوله: {واللّه عليمٌ بالمتّقين}.
فقوله: {أمّةٌ قائمةٌ} مرفوعةٌ بقوله: {من أهل الكتاب}.وقال ابن عطية :(لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب عقب تعالى بتخصيص الذين هم على خير وإيمان وذلك أن منهم من مات قبل الإسلام مستقيما أو أدرك الإسلام فأسلم)
وقال الزجاج: (ليسوا سواءً ) هذا وقف التمام، أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء.
وقال النحاس : (ثم أخبر عز وجل أنهم ليسوا مستوين وأن منهم من قد آمن فقال سبحانه: {ليسوا سواء} أي: ليس يستوي منهم من آمن ومن كفر.

🔸توجيه القول الثاني : أنه يراد به اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واستدل من قال به بما روى عن ابن مسعود من سبب نزول، وبما قال أبو عبيدة أنه لا يجوز الوقف، لأنَّ أمة مرفوعة بليسوا وجمع الفعل على اللغة المرجوحة نحو وأسروا النجوى قالوا وفي ليسوا للفريقين اللذين اقتضاهما سواء لأنَّه يقتضي شيئين، ويكون الوقف تام على يعتدون ولا يوقف على سواءً .
وقال ابن عطية ملتمساً تأويلاً لهذا القول :(فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله كنتم خير أمّةٍ وذكر أيضا اليهود قال الله لنبيه ليسوا سواءً والكتاب على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط، والمعنى: من أهل الكتاب وهم أهل القرآن أمة قائمة،

🔷خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.
بعد النظر في الأقوال ومستندها يخلص القول في ماذكر من أقوال :
أولاً قال الرازي في الكشف قوله: ﴿ليسوا سواء﴾ كلام تام، وقوله: ﴿من أهل الكتاب أمة قائمة﴾ كلام مستأنف لبيان قوله: ﴿ليسوا سواء﴾ كما وقع قوله: ﴿تأمرون بالمعروف﴾ بيانا لقوله: ﴿كنتم خير أمة﴾ والمعنى أن أهل الكتاب الذين سبق ذكرهم ليسوا سواء، وهو تقرير لما تقدم من قوله: ﴿منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون﴾،
وقال ابن عاشور :(وجملة ﴿من أهل الكتاب أمة قائمة﴾ إلخ. مبينة لإبهام ﴿ليسوا سواء﴾ والإظهار في مقام الإضمار للاهتمام بهؤلاء الأمة ).
ولَيْسُوا سَوَاءً﴾ أي: لا يستوون في المعصية والأحوال والأوصاف ،
قال ابن كثير:(والمشهور عن كثيرٍ من المفسّرين -كما ذكره محمّد بن إسحاق وغيره، ورواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ-أنّ هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد اللّه بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم، أي: لا يستوي من تقدّم ذكرهم بالذّمّ من أهل الكتاب [وهؤلاء الّذين أسلموا، ولهذا قال تعالى: {ليسوا سواءً} أي: ليسوا كلّهم على حدّ سواءٍ، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال تعالى: {من أهل الكتاب] أمّةٌ قائمةٌ} أي: قائمةٌ بأمر اللّه، مطيعةٌ لشرعه متّبعة نبيّ اللّه،)
وكما علمنا أنه هو الذي رجحه ابن جرير .
ولا يمنع هذا من شمول الآية للقولين وهذا كثير في كتاب الله وذلك لبلاغة معانيه وسعة ألفاظه ، وتعدد أسباب النزول ،قال الوادعىي في "الصحيح المسند من أسباب النزول: "وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم".

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 17 ذو الحجة 1439هـ/28-08-2018م, 07:38 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

تحرير المراد بقوله تعالى :(: (ليسوا سواءً )
المراجع
معاني القرآن للفراء
مجاز القرآن لابي عبيدة
معاني القرآنللأخفش
جامع البيان لابن جرير
معاني القرآن للزجاج
معاني للنحاس
تفسيرالقرآن العظيم لابن أبي حاتم
المحرر الوجيز لابن عطية
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
التحرير والتنوير لطاهر عاشور
.........
مناسبة الآية لما قبلها
بعد أن ذكر الله أن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس وبين بعض صفاتها الأمر
بالعروف والنهي عن المنكر والإيمان ، ذكر أن أهل الكتاب منهم المؤمنون ومنهم الفاسقون ثم وصف الفاسقين منهم ثم قال :( ليسوا سواءً)
فورد قولان في المراد ب(ليسوا سواء):
الأول: ليس أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم سواء ، روي عن ابن مسعود، ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم
وقاله السدي ،ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم
ويؤيّد هذا القول الحديث الّذي رواه الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده.
حدّثنا أبو النّضر وحسن بن موسى قالا حدّثنا شيبان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ قال: أخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد، فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة: فقال: "أما إنّه ليس من أهل هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم". قال: وأنزلت هذه الآيات: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب [أمّةٌ قائمةٌ]} إلى قوله {واللّه عليمٌ بالمتّقين}.
الثاني: ليس فريقا أهل الكتاب ، اهل الإيمان الذين أسلموا منهم وأهل الكفر الذين سبق ذكرهم سواء ،
يؤيد هذا القول ، المشهور عن كثيرٍ من المفسّرين -ما رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ-أنّ هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد اللّه بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم،
فعن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين} ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم
توجيه الأقوال:
القول الأول: قيل ( ليسوا سواء) كلام تام ، فالضمير في (ليسوا )يعود على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أهل الكتاب بعد ان وصفهم وذكر حالهم ، وما بعده استئناف ليبين وصف طائفة من أهل الكتاب آمنوا .
القول الثاني:( ليسوا سواء ) تم الكلام هنا وما بعده استئناف، فبعد أن ذكر أن أهل الكتاب منهم المؤمنون ومنهم الفاسقون ، ثم ذكر صفات الفاسقين منهم، قال :( ليسوا سواء) أي المؤمنون منهم والفاسقون ، فالضمير في ( ليسوا) يعود على أهل الكتاب .
وقيل : ( ليسوا سواء) استئناف ، فالواو اسم ليس وسواء خبرها ، والمراد لا يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة وأخرى غير قائمة ، ففيه حذف ( غير قائمة ) لدلالة الأولى عليها .
كقول أبي ذؤيب :

عصاني إليها القلب إني لأمره مطيع فما أدري أرشد طلابها
أراد : أرشد أم غي ، فحذف .
ومنه قوله تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما}
قال الفراء : أمة رفع ب سواء ، والتقدير : ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة .
قال النحاس : هذا قول خطأ من جهات : إحداها أنه يرفع ( أمة ) ب ( سواء )فلا يعود على اسم ليس بشيء ، ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه ; لأنه قد تقدم ذكر الكافر فليس لإضمار هذا وجه .
وقال أبو عبيدة : هذا مثل قولهم : أكلوني البراغيث ، وذهبوا أصحابك .
قال النحاس : وهذا غلط ; لأنه قد تقدم ذكرهم ، وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر .انتهى
قال الشوكاني:أن ما قاله الفراء قوي قويم ، وحاصله أن معنى الآية : لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا ، وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس ، فإن تقدم ذكر الكافرة لا يفيد مفاد تقدير ذكرها هنا ، وأما قوله : إنه لا يعود على اسم ليس شيء . فيرده أن تقدير العائد شائع مشتهر عند أهل الفن ، وأما قوله : ويرفع بما ليس جاريا على الفعل فغير مسلم . انتهى
الترجيح:
يترجح القول الثاني بتمام الكلام عند ( ليسوا سواء) وأن المراد بهم أهل الكتاب مؤمنهم وكافرهم ، لأن الضمير في (ليسوا )يعود على أقرب مذكور وهم أهل الكتاب ، (سواء) خبر ليس. وما بعدها استئناف لوصف الطائفة القائمة بأمر الله.
رجح هذا القول ابن جرير والطاهر بن عاشور

والله أعلم

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 10:28 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم ..

منيرة محمد أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
والقول الثاني وهو أن الآية في أهل الكتاب والمؤمنين ضعيف من عدة أوجه، وسبب النزول لا يشهد له صراحة.


مضاوي الهطلاني أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- هذه المسألة لها تعلّق بأنواع متعدّدة من المصادر فيجب أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار أثناء تحديد مراجع البحث.
- وأرجو مزيد عناية بطريقة التخريج.
- قلتِ: "وقيل : ( ليسوا سواء) استئناف ، فالواو اسم ليس وسواء خبرها ، والمراد لا يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة وأخرى غير قائمة ، ففيه حذف ( غير قائمة ) لدلالة الأولى عليها . كقول أبي ذؤيب : "
أصحاب هذا القول يرون أنه لا وقف على {سواء}، ويكون المعنى: لا تستوي أمة قائمة وأمة غير قائمة.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21 ذو القعدة 1441هـ/11-07-2020م, 10:33 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الثامن من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 113-132)


س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.
1- المسألة هنا هي مرجع الضمير في ( ليسوا ) ؛ وينبني عليها
2- تحديد موضع الوقف في الآية

أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير
هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالإعراب ولها علاقة بأسباب النزول والوقف والابتداء :
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
- كتاب التفسيرالجامع في علوم القرآن لعبد الله بن وهب المصري ت ( 197 )
كتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور .(ت227)
مسند الإمام أحمد ( 241 هـ )
صحيح البخاري (256 هـ )
صحيح مسلم ( 261 هـ )
سنن النسائي ( 303 هـ )
الأحاديث المختارة ( أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ) لضياء الدين الحنبلي المقدسي ( 643 هـ )

المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث :
مجمع الزوائد للهيثمي ( 807 هـ )
تفسير السيوطي ،جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت911هـ)

المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
- تفسير عبدالرزاق الصنعاني (211 هـ )
- جامع البيان أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ( 310هـ)
تفسير القرآن العظيم ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (327هـ)
الكشف والبيان للثعلبي (427 هـ )
معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (516هـ).

المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة :
- تفسير ابن وهب المصري (197)
- تفسير مجاهد بن جبر،من رواية عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (352هـ)

المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير
الهداية لمكي بن أبي طالب ( 437 هـ )
- النكت والعيون للماوردي(450هـ).
- المحرر الوجيز لابن عطية(542هـ).
- زاد المسير لابن الجوزي (597هـ).
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(671هـ).
- تفسير ابن كثير لإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (774 هـ)

🔹ومن المصادر اللغوية :
من المرتبة الأولى كتب معاني القران:
معاني للقران للفراء (207)
- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى 210 هـ
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط سعيد البلخي ( 215 هـ )
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري ت :( 276)
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج ( 311 هـ )
- معاني القرآن أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (338هـ)

▪-ومن المرتبة الثانية كتب غريب القران
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (276 هـ )
- المفردات في غريب القران للراغب الأصفهاني ( 502 هـ)

ومن المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية،
الكشاف للزمخشري ( 538 هـ )
لباب التأويل في معاني التنزيل لعلاء الدين الخازن ( 741 هـ )
البحر المحيط لأبي حيان التوحيدي ( 754 هـ )
الدر المصون للسمين الحلبي ( 756 هـ )
نظم الدرر للبقاعي ( 885 هـ )
تفسير أبي السعود ( 951 هـ )
روح المعاني للآلوسي ( 1270 هـ )
- أضواء البيان للشنقيطي (1393هـ)
- والتحرير والتنوير لابن عاشور. (1393هـ )

ومن الكتب الخاصة بالمسألة
🔺كتب إعراب القرآن :
- إعراب القرآن للنحاس ( 338 )
إعراب القرآن لمحيي الدين درويش ( 1403 هـ )

🔺كتب في الوقف والابتداء :
- إيضاح الوقف والابتداء لأبي بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ)
- القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس ( 338 هـ )
- المكتفى لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (444 هـ )
- علل الوقوف لأبي عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ)
- منار الهدى في الوقف والابتدا لأحمد بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ)

🔺 كتب أسباب النزول :
1. أسباب النزول للواحدي(ت:468هـ).
2. والعجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر(ت:852هـ)
3. ولباب النقول في بيان أسباب النزول لجلال الدين السيوطي(ت:911هـ).
4. والصحيح المسند في أسباب النزول للشيخ مقبل بن هادي الوادعي(ت:1422هـ

🔺كتب أخرى :
معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني ( 430 هـ )
دلائل النبوة للبيهقي ( 458 هـ )
تاريخ دمشق لابن عساكر ( 571 هـ )
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ( 769 هـ )

ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
1- مرجع الضمير في ليسوا :
1⃣ القول الأول : الضمير يرجع إلى أهل الكتاب اليهود والنصارى … والمعنى : ليس أهل الكتاب - مؤمنهم وكافرهم - مستوون متعادلون ؛ بل هم متفاوتون مختلفون …

▪وتحته يتفرع قولان بناء على المرجع في الآيات :
أ - الواو عائدة على أهل الكتاب السابق ذكرهم في الآيات في قوله تعالى{(ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون )… إلى قوله ( وكانوا يعتدون ) } … وهو قول ابن عباس وقتادة وابن جريج

ب - الواو تعود على أهل الكتاب اللاحق ذكرهم في قوله تعالى ( من أهل الكتاب امة قائمة ) ؛ إذ كلها جملة واحدة المعنى فيها ( ليس تستوي أمة قائمة من أهل الكتاب وأمة غير قائمة ) … وهو قول الفراء

2⃣ القول الثاني : الضمير يرجع إلى المسلمين وأهل الكتاب وهم هنا اليهود … قول ابن مسعود والسدي
والمعنى : ليس المسلمون وأهل الكتاب سواء ؛ فالمسلمون خير بلا شك …

3⃣ القول الثالث : أن الواو واو جمع الفعل الناقص ( ليس ) نظير قولهم ( أكلوني البراغيث ) ؛ وقول الشاعر ( يلومونني أهلي ) … وهو قول أبي عبيدة معمر بن المثنى …
والمعنى عنده : ليسوا أمة قائمة [ من أهل الكتاب ] وأمة كافرة سواء …

2 - موقع الوقف في ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة )
وهذه المسألة تعتمد على الأقوال في سابقتها ؛ فلا تدرس منفصلة عنها ؛ لكن الأقوال فيها اختلفت على قولين :
1⃣ أن الوقف تام على ( سواء ) ؛ وجملة ( ليسوا سواء ) تامة مكونة من ليس واسمها وخبرها ؛ و( من أهل الكتاب أمة قائمة ) مستأنفة لبيان ما أجملته جملة ( ليسوا سواء ) … وهو قول الزجاج و أبي جعفر النحاس و ابن الأنباري وأبي عمر الداني والسجاوندي والأشموني ورجحه الطبري وابن عطية ومكي في الهداية وابن كثير وغيرهم من المفسرين …

2⃣ لا وقف على سواء ؛ فالجملة ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ) جملة كاملة حذف ما يعادل ( أمة قائمة) منها ؛ والتقدير : ( ليس أمة قائمة من أهل الكتاب [وأمة كافرة] سواء ) … أو : ليس تستوي أمة قائمة من أهل الكتاب وأمة كافرة …
وهذا قول الفراء وأبي عبيدة معمر بن المثنى

وسآتي على تفصيل ذلك بشكل أوضح وأكثر تفصيلا مع نهاية بحث المسألة السابقة بإذن الله …

ثالثا: تخريج الأقوال :
1⃣ مرجع الضمير في ليسوا :
1- الضمير يرجع إلى أهل الكتاب السابق ذكرهم … وهو قول ابن عباس وقتادة وابن جريج
🔺اما ابن عباس :
- فأخرج عنه الطبري وابن أبي حاتم في تفسيرهما كلاهما من طريق سلمة عن محمد بن إسحق قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين} واللفظ للطبري ؛
وفي رواية ابن أبي حاتم ( ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه )


- وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني ورجاله ثقات

- وأخرج عنه الطبري أيضا ؛ والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه وضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة ؛ كلهم من طريق يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
وفي رواية ابن عساكر ( ورغبوا في الإسلام ونتجوا فيه )

وأخرج أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة عن طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مثله …

▪وذكره الواحدي في أسباب النزول وابن حجر في العجاب في بيان الأسباب والسيوطي في لباب النقول …

- 🔺وأما قتادة :
فأخرج عنه الطبري : قال حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
وأخرجه عبد بن حميد عنه كما ذكر السيوطي …

🔺وأما ابن جريج :
- فأخرج عنه الطبري قال حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ

🔺وأخرج ابن أبي حاتم قال : حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان النّشيطيّ، ثنا أبو الأشهب قال: ليس كلّ القوم هلك.
على الحسن: ليسوا سواءً من أهل الكتاب قال: هؤلاء أهل الهدى.

- وأبو الأشهب قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : أبو الأشهب هو الإمام الحجة جعفر بن حيان العطاردي البصري الخراز الضرير

📌قال ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب :
ونقل الثعلبي عن عطاء قال نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فلما بعث محمد صدقوا به وكان في الأنصار منهم عدة قبل الهجرة منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة وصرمة بن قيس كانوا موحدين ويغتسلون من الجنابة ويقومون بما عرفوا من الحنيفية …
- ولم أجده في نزول هذه الآيات ؛ إنما ورد في قوله تعالى ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ) ؛ وفي قوله تعالى ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى )

2- قول الفراء سأذكره بنصه في التوجيه

2⃣ الضمير يرجع إلى المسلمين وأهل الكتاب أي اليهود … قول ابن مسعود والسدي
🔺أما ابن مسعود :
- أخرج الإمام أحمد قال : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، وَحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَا : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرٍّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ أَحَدٌ يَذْكُرُ اللَّهَ هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ ". قَالَ : وَأُنْزِلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ، حَتَّى بَلَغَ : وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ .
حكم الحديث: صحيح لغيره، وهذا إسناده حسن

وأخرج النسائي في سننه والطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره والواحدي في أسباب النزول كلهم من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعودٍ ، قال نحوه …

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به
قال ابن حجر في التقريب : عاصم بن بهدلة ؛ أو بكر المقرئ : صدوق له أوهام ؛ حجة في القراءة ؛ وحديثه في الصحيحين مقرون

- وأخرج ابن وهب المصري وروى الطبري والواحدي كل منهما بسنده عن ابن وهب قال وأخبرني يحيى بن أيّوب عن عبيد اللّه بن زحرٍ عن سليمان عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: احتبس علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ كان عند بعض أهله ونسائه، فلم يأتنا لصلاة العشاء حتّى ذهب ليلٌ، فجاء ومنّا المصلّي ومنّا المضطجع، فبشّرنا وقال: إنّه لا يصلّي هذه الصّلاة أحدٌ من أهل الكتاب، فأنزل اللّه: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.

- وأخرج الطبري وابن أبي حاتم كلاهما عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه كان يقول في قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال: لا يستوي أهل الكتاب، وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وفي سند ابن أبي حاتم : زعم الحسن بن يزيد العجلي عن ابن مسعود
وأخرج الطبري بالإسناد السابق قول ابن مسعود : صلاة العتمة هم يصلونها ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها …

▪وذكر ابن حجر والسيوطي الخبر السابق في أسباب النزول للآية …

🔺وأما السدي :
فأخرج عنه الطبري وابن أبي حاتم كلاهما عن أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود كمثل هذه الأمّة الّتي هي قائمةٌ …
وفي لفظ أبي حاتم : يقول هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الأمّة الّتي هي قانتةٌ للّه.

ج - أن الواو واو جمع الفعل ( ليس ) نظير قولهم ( أكلوني البراغيث ) وهو قول أبي عبيدة معمر بن المثنى …
سأذكره بنصه في توجيه الأقوال …

رابعا: توجيه الأقوال.
1⃣ توجيه قول من قال أن الضمير يعود على أهل الكتاب :
🔺أما قول ابن عباس وابن جريج في أن مرجع الضمير في ( ليسوا ) هم أهل الكتاب فوجهه :
1- ما ورد عن ابن عباس من سبب النزول ؛ وقال ابن جريج أنها فيهم …
وسيمر معنا عند دراسة الأقوال بعض ما تكلم به على إسناد الأثر المنسوب لابن عباس في سبب نزول الآية ؛ وهو بغض النظر إن صح سببا للنزول أو لم يصح لا يؤثر على صحة القول وعدمه ؛ إذ كما نلاحظ ان قول قتادة لم يذكر سبب النزول وإنما ذكر ما مر من قوله : ليس كل القوم هلك …

ذلك لأن لهذا القول وجها قويا من سياق الآيات وتؤيده العربية فيه :

2- فالأصل في الضمير أن يعود إلى مذكور سابق ؛ ويكون مرجعه أقرب مذكور … والآيات السابقة لآية ( ليسوا سواء ) هي : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (111)ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)
فالآيات ذكرت أهل الكتاب ( وهم اليهود والنصارى ) أن منهم فئتين : فئة مؤمنة وهم الأقل كما يظهر من التعبير ؛ وفئة فاسقة وهم الأكثر … ثم شرع سبحانه ببيان صفات هذه الفئة الفاسقة وقبيح فعلها ؛ ولماذا استحقت غضب الله عليها …
وحتى لا يتبادر إلى الذهن أن الفئتين المؤمنة والفاسقة من أهل الكتاب كلتاهما اتصفتا بهذه الصفات قال سبحانه ( ليسوا سواء ) وتم الكلام هنا ؛ أي ليس أهل الكتاب المذكورون آنفا مؤمنهم وفاسقهم سواء …
ثم استأنف كلاما جديدا لبيان صفات الفئة المؤمنة منهم وأفعالها على أسلوب القرآن في أنه إن فصل في صفات طائفة فصل فيما يقابلها ؛ فقال : ( من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) ؛ … إلى قوله ( من الصالحين ) فهذه كلها في صفات الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب …

▪قال ابن عطية : لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه.

3- إضافة إلى ذلك فلهذا الوجه لطائف بلاغية في معانيه منها :
▪قد يقول قائل : إذا كان هؤلاء الذين امتدحتهم الآيات من أهل الكتاب قد أسلموا فما وجه تسميتهم أهل الكتاب وقد صاروا مسلمين ؟ فالجواب من وجهين :
أ- ان التسمية باعتبار ما كان : أي أنهم كانوا قبل إسلامهم أهل كتاب
ب- أن التسمية شملت من مات وقد أخلص إيمانه بالله وكان على الحق من أهل الكتاب قبل البعثة المحمدية ؛ وقد كان من هؤلاء نماذج ؛ كما كان من الحنفاء الذين وحدوا الله في مكة قبل البعثة نماذج

▪و الإظهار في موقع الإضمار من قوله ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) وليس ( منهم أمة قائمة ) للاهتمام وبيان الشرف للفئة القائمة المذكورة
وفي فائدة الإظهار هنا قال ابن عاشور : وعدل عن أن يقال : منهم أمة قائمة إلى قوله من أهل الكتاب : ليكون هذا الثناء شاملا لصالحي اليهود ، وصالحي النصارى ، فلا يختص بصالحي اليهود ، فإن صالحي اليهود قبل بعثة عيسى كانوا متمسكين بدينهم ، مستقيمين عليه ، ومنهم الذين آمنوا بعيسى واتبعوه ، وكذلك صالحو النصارى قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا مستقيمين على شريعة عيسى ، وكثير منهم أهل تهجد في الأديرة والصوامع وقد صاروا مسلمين بعد البعثة المحمدية .

- وقال أبو السعود : ووضعُ أهلِ الكتابِ موضعَ الضميرِ العائد إليهم لتحقيق ما به الاشتراكُ بـين الفرقين والإيذانِ بأن تلك الأمةَ ممن أوتي نصيباً وافراً من الكتاب لا من أراذلهم

▪وعلى هذا القول فجملة ( ليسوا سواء ) تامة من ليس واسمها ( واو الجماعة ) وخبرها ( سواء ) وهي مستأنفة مسوقة لبيان نفي استواء الفئتين في الصفات والأفعال …

▪وقوله تعالى ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) مستأنفة لبيان ما أجمله قوله تعالى ( ليسوا سواء ) …
وفيها : الجار والمجرور ( من أهل الكتاب ) في محل رفع الخبر مقدم ؛ وأمة : مبتدأ مؤخر ؛ فرفعت أمة لكونها مبتدأ مؤخرا ؛ وقائمة اي مستقيمة أو معتدلة صفة أمة …

🔺وأما قول الفراء :
فقد قال الفراء نفسه موضحا قوله والوجه فيه : ( وقوله: {ليسوا سواء مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ...}ذكر أمّة ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبنيّ على أخرى يراد؛ لأن سواء لا بدّ لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين:
- أحدهما: أنك تكرّه على سواء كأنك قلت: لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمّة كذا وأمّة كذا،
وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه،
قال الشاعر: عصيت إليها القلب إني لأمرها … سميع فما أدري أرشد طلابها
ولم يقل: أم غيّ، ولا: أم لا؛ لأن الكلام معروف والمعنى.
وقال الآخر: أراك فلا أدري أهمّ هممته … وذو الهمّ قدماً خاشع متضائل
وقال الآخر:
وما أدري إذا يمّمت وجها … أريد الخير أيّهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه … … أم الشرّ الذي لا يأتليني


ومنه قول الله تبارك وتعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما} ولم يذكر الذي هو ضدّه؛ لأنّ قوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} دليل على ما أضمر من ذلك
فمن قوله يظهر :
1- الضمير عنده في ( ليسوا ) عائد على اهل الكتاب ؛ ولكن ليس المتقدم ذكرهم ؛ بل هو ضمير مبين بالكلام الذي يليه وسيق لبيانه …

2- اعتبر أن الكلام لم يتم عند ( سواء ) ؛ إذ عنده أن ( أمة ) مرفوعة ب( سواء ) على الفاعلية ؛ أي ( ليس تستوي أمة ٌ ) ؛ فأمة مرفوعة لكونها فاعلا لسواء

3- ولأنه قدر ( سواء ) على معنى الفعل ؛ وقطع جملة (ليسوا سواء) عما قبلها احتاج المعنى عنده لمعادل ؛ إذ لا يستقيم المعنى ( لا تستوي من أهل الكتاب امة قائمة … ) ولذلك قدر في الكلام محذوفا هو ما يقابل ( أمة قائمة ) ؛ وجوز الحذف هنا لكون المذكور ( امة قائمة ) دل على المحذوف وأغنى عن ذكره … ؛ واستشهد لهذه الاحوال بشواهد قرآنية وشعرية …
فالمعنى عنده : ليس يستوي أمة قائمة من أهل الكتاب حالها كذا وكذا وأمة على غير ذلك أو وأمة كافرة …
وعند دراسة الأقوال سأذكر ما اعترض به على هذا القول …

2⃣ وأما قول ابن مسعود والسدي بأن المراد ليس اليهود وأمة المسلمين سواء فوجهه :
1- سبب النزول الذي ورد عن ابن مسعود بأن نزول الآية كان في ذكر فضل هذه الأمة على أهل الكتاب في انها هي الأمة الوحيدة التي تصلي في مثل وقت صلاة العشاء …
وهو كما سبق حديث حسن ؛ وقد روي من طرق صحيحة دون الإشارة إلى نزول هذه الآية ؛
فقد روى البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب فضل العشاء : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ : أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ : نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ فَقَالَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ : " مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرَكُمْ ". ورواه مسلم في صحيحه …

2- ووجهها الآخر هو ما بينه ابن عطية فقال : قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله كنتم خير أمّةٍ ؛ وذكر أيضا اليهود قال الله لنبيه ليسوا سواءً ؛
والكتاب على هذا : جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط، والمعنى: من أهل الكتاب وهم أهل القرآن أمة قائمة …

📌وفي ما ورد من سبب النزول لهذه الآية ؛ إذ كما نلاحظ قد ورد لها سببان للنزول ؛ أحدهما ضعيف الإسناد كما سيأتي بيانه لكنه قد روي من اكثر المفسرين وهو أثر ابن عباس ؛ والآخر حسن وهو أثر ابن مسعود ؛ وله شواهد من الصحيح دون الإشارة إلى سبب النزول …
قال مقبل الوادعي في الصحيح من أسباب النزول :
وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم.


3⃣ وأما قول معمر بن المثنى فقد قال هو :
{ليسوا سوءاً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ}: العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلوني البراغيث،
قال أبو عبيدة: سمعتها من أبي عمرو والهذلي في منطقه،
وكان وجه الكلام أن يقول: أكلني البراغيث. وفي القرآن: {عموا وصمّوا كثيرٌ منهم}
وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}، ثم قلت: {أمّةٌ قائمةٌ}، ومعنى {قائمة}: مستقيمة. ( انتهى كلامه )

فهو اعتبر الواو في ليسوا واو جمع الفعل ؛ وليست واو الضمير ؛ وعليه فلم يبحث لها عن مرجع ترجع إليه ؛
ووجه القول عنده أنها لغة ( أكلوني البراغيث ) ؛ فالواو واو جمع الفعل ؛ مثل قول الشاعر ( يلومونني أهلي ) والقياس : يلومني قومي
ومثل لها بقوله تعالى : ( عمو وصموا كثير منهم ) ؛ وقال أنها لغة مستخدمة واستخدمها القرآن في مواضع عديدة …
وعليه فعنده : ( أمة ) هي اسم ليس ؛ وسواء خبرها ؛ ومثل الفراء قدر معادلا محذوفا تقديره ( وأمة كافرة )
فالقول : ليسوا أمة قائمة وأمة كافرة سواء …

وفي لغة ( أكلوني البراغيث ) قال ابن عقيل في شرحه للألفية : ومذهب طائفة من العرب - وهم بنو الحارث بن كعب، كما- نقل الصفار في شرح الكتاب- أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر - مثنى، أو مجموع - أتي فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع ؛ فتقول: " قاما الزيدان، وقاموا الزيدون، وقمن الهندات " فتكون الألف والواو والنون حروفا تدل على التثنية والجمع، كما كانت التاء في " قامت هند " حرفا تدل على التأنيث عند جميع العرب ؛ والاسم الذي بعد الفعل المذكور مرفوع به، كما ارتفعت " هند " ب‍ " قامت "،
ومن ذلك قوله : تولى قتال المارقين بنفسه … وقد أسلماه مبعد وحميم .
و : يلومونني في اشتراء النخيل أهلي
و: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي …

ف‍ " مبعد وحميم " مرفوعان بقوله " أسلماه " والألف في " أسلماه " حرف يدل على كون الفاعل اثنين، وكذلك " أهلي " مرفوع بقوله " يلومونني " والواو حرف يدل على الجمع، و " الغواني " مرفوع ب‍ " رأين " والنون حرف يدل على جمع المؤنث …


خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.
مر معنا توجيه الأقوال في مرجع الضمير في ( ليسوا ) ؛ وما ينبني عليها من إعراب ؛ ومن ثم موضع تمام الكلام والوقف ؛ ونأتي الآن لدراسة الأقوال وما ورد في نقدها :
1⃣ القول الأول : وهو أن مرجع الضمير هم أهل الكتاب اليهود والنصارى
🔹 أما قول ابن عباس وقتادة وابن جريج فقد ذكرنا في توجيه القول أن أحد أوجهه هو ما ورد من سبب النزول ؛ وأنها نزلت في عبد الله بن سلام ومن آمن معه من اليهود ؛ فجاءت الآية تبين أن ليس هؤلاء وكل من أسلم من أهل الكتاب كمن بقي على كفره وفسوقه

قال ابن كثير : والمشهور عن كثيرٍ من المفسّرين -كما ذكره محمّد بن إسحاق وغيره، ورواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ-أنّ هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد اللّه بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم، أي: لا يستوي من تقدّم ذكرهم بالذّمّ من أهل الكتاب [وهؤلاء الّذين أسلموا، ولهذا قال تعالى: {ليسوا سواءً} أي: ليسوا كلّهم على حدّ سواءٍ، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم،

📌ومع كثرة الروايات الواردة في سبب النزول الذي روي عن ابن عباس إلا أن أسانيدها تدور حول رجال معينين تكلم فيهم :
▪قال مقبل بن هادي الوادعي في الصحيح المسند في أسباب النزول :
والسبب الآخر في نزول الآية: أخرجه الطبراني [4/52] وابن أبي حاتم [2/485] والطبراني [2/87] وأبو نعيم في [معرفة الصحابة:2/276]، والبيهقي في [الدلائل 2/533-534] والاستيعاب لابن عبد البر [1/96] وابن إسحاق في [السيرة: 1/557]،
وقال الهيثمي في [المجمع: 6/327] رواه الطبراني ورجاله ثقات

قلت: كلهم رووه من طريق محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس فذكره.
ومحمد بن أبي محمد هذا مجهول ؛ وكذا قلت في تحقيقي لتفسير ابن كثير قال: في سنده محمد بن أبي محمد وهو مجهول. وفي سند الطبري: محمد بن حميد وقد كُذّب).

▪و قال الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش محقق ومخرج أحاديث كتاب الأحاديث المختارة في تحقيقه للسند الذي فيه : أبو كريب عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس ؛ قال : إسناده ضعيف …
ثم قال : يونس بن بكير : صدوق يخطئ
ومحمد بن إسحق هو ابن يسار : صدوق يدلس ؛ ورمي بالتشيع لكنه صرح بالتحديث
ومحمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت : مجهول ؛ تفرد عنه ابن إسحق

▪وفي تقريب التهذيب لابن حجر قال :
يونس بن بكير : : يخطئ
ومحمد ابن إسحق : صدوق يدلس ؛ ورمي بالتشيع والقدر
ومحمد بن أبي محمد : مجهول

وأحببت أن أنقل ما وجدته في تحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا لكتاب تقريب التهذيب :
- يونس بن بكير : قال ابن معين : كان صدوقا ؛ قال ابن الجنيد : كان ثقة صدوقا ؛ قال العجلي : لا بأس به ؛ قال النسائي ليس بالقوي ؛ ذكره ابن حبان في الثقات …
- محمد بن إسحق : قال ابن حنبل :حسن الحديث ؛ قال الجوزجاني : الناس يشتهون حديثه وكان يرمى بغير نوع من البدع ؛ قال ابن معين : ثقة وليس بحجة ؛ قال أبو زرعة : كان ثقة ؛ قال الدارقطني : اختلف الأئمة فيه وليس بحجة إنما يعتبر به ؛ قال أبو حاتم : يكتب حديثه ؛ قال أبو زرعة : صدوق …
- محمد بن أبي محمد : قال أبو حاتم : مجهول …

📌فكما نرى ضعف إسناد هذا الأثر عن ابن عباس
ومع ذلك لم يرفضه الوادعي كسبب للنزول وإن بين ضعفه ؛ فقال : لا مانع من نزول الآية في الجميع وأنه تعدد سبب نزولها

و لكن ما تضمنه الأثر من رد يهود عند إسلام عبد الله بن سلام صحيح ؛ دون أي ارتباط بنزول هذه الآية ؛ فقد روي في الصحيحين عن موقف يهود عند إسلامه ؛
أخرج البخاري في صحيحه : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ ) … إلى أن قال : ( قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ ؟ " قَالُوا : خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا. قَالَ : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ". فَقَالُوا : أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا : شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا. وَانْتَقَصُوهُ. قَالَ : فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.)
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه

وكما قلنا سواء صح أثر ابن عباس كسبب للنزول أو لم يصح فهذا القول له من الأوجه ما يقويه ويشهد له كما مر … فالسياق يؤيده ؛ واللغة تؤيده …

وقد رجحه غير واحد من المفسرين ؛ فقد رجحه الطبري و الزجاج والنحاس وابن عطية
▪فقال الطبري : وقد بيّنّا أنّ أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال: قد تمّت القصّة عند قوله: {ليسوا سواءً} عن إخبار اللّه بأمر مؤمني أهل الكتاب، وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} خبرٌ مبتدأٌ عن مدح مؤمنيهم، ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، وابن جريجٍ. ويعني جلّ ثناؤه بقوله: {أمّةٌ قائمةٌ} جماعةٌ ثابتةٌ على الحقّ.

▪وقال الزجاج : ( ليسوا سواء ) وهذا وقف التمام، أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء.

وقال ابن عطية : وإنما الوجه أن الضمير في ليسوا يراد به من تقدم ذكره، وسواءً خبر ليس، ومن أهل الكتاب مجرور فيه خبر مقدم، وأمّةٌ رفع بالابتداء ؛… وهو أصح التأويلات
وقال : لفظ أهل الكتاب يعم الجميع، والضمير في ليسوا لمن تقدم ذكره في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون

وقال أبو حيان في البحر المحيط : والأصح: أن الواو ضمير عائد على أهل الكتاب، وسواء خبر ليس. والمعنى: ليس أهل الكتاب مستوين، بل منهم من آمن بكتابه وبالقرآن ممن أدرك شريعة الإسلام، أو كان على استقامة فمات قبل أن يدركها. ومن أهل الكتاب أمة قائمة: مبتدأ وخبر.

وقال مكي بن أبي طالب : هذا مردود على [قوله] {مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون} ثم قال: {لَيْسُواْ سَوَآءً} أي: ليس المؤمنون .والفاسقون سواء وتم الكلام، ويعني بذلك من آمن من أهل الكتاب ومن لم يؤمن.”

وقال ابن عاشور : استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب ، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمهم ، تأكيدا لما أفاده قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون فالضمير في قوله ( ليسوا ) لأهل الكتاب المتحدث عنهم آنفا ، وهم اليهود ، وهذه الجملة تتنزل من التي بعدها منزلة التمهيد

🔹 وأما قول الفراء الذي ذكرناه بلفظه كما قاله هو وكما وجهه :
فقد اعترض عليه باعتراضات تجمل في نقاط ثلاث :

1- في رفعه ( أمة ) ب( سواء ) ؛ وترك اسم ( ليس ) بلا خبرها …
2- في جعل الكلام ناقصا محتاجا لمحذوف وتقدير هذا المحذوف دون الحاجة لذلك إذ المحذوف مذكور فيما سبق هذه الآية …
3- أنهم خالفوا بتقديرهم محذوفا مع سواء قاعدتهم في الحذف …

- قال ابن جرير : وقد توهّم جماعةٌ من نحويّي الكوفة والبصرة والمقدّمين منهم في صناعتهم أنّ ما بعد سواءٍ في هذا الموضع من قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} ترجمةٌ عن سواءٍ، وتفسيرٌ عنه بمعنى: لا يستوي من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل، وأخرى كافرةٌ،

وقال الزجاج عن هذا القول : : وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان، لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه، ويقتلون الأنبياء بغير حق، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن منهم المؤمنين الذين هم أمّة قائمة، فما الحاجة إلى أن يقال غير قائمة ؟ وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر من كان مباينا هؤلاء وذكر في التفسير أن هذا يعني به عبد اللّه بن سلام وأصحابه …

وقال النحاس : وهذا القول خطأ من جهات:
- إحداها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء يرفع بما ليس جاريا على الفعل
- ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرين فليس لاضمار هذا وجه،
وذكر مكي كقول النحاس في انتقاده القول …

📌واعترض الطبري على نفس الأمرين وزاد عليهما أنهم خالفوا مذاهبهم في العربية في تجويز الحذف مع سواء وتقدير المحذوف فقال :
وهو مع ذلك عندهم خطأٌ قول القائل المريد أن يقول: سواءٌ أقمت أم قعدت، سواءٌ أقمت حتّى يقول أم قعدت، وإنّما يجيزون حذف الثّاني فيما كان من الكلام مكتفيًا بواحدٍ دون ما كان ناقصًا عن ذلك، وذلك نحو ما أبالي أو ما أدري، فأجازوا في ذلك ما أبالي أقمت، وهم يريدون: ما أبالي أقمت أم قعدت، لاكتفاء ما أبالي بواحدٍ، وكذلك في ما أدري، وأبوا الإجازة في سواءٍ من أجل نقصانه، وأنّه غير مكتفٍ بواحدٍ، فأغفلوا في توجيههم قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} على ما حكينا عنهم إلى ما وجّهوه إليه مذاهبهم في العربيّة، إذ أجازوا فيه من الحذف ما هو غير جائزٍ عندهم في الكلام مع سواءٍ، وأخطئوا تأويل الآية، فسواءٌ في هذا الموضع بمعنى التّمام والاكتفاء، لا بالمعنى الّذي تأوّله من حكينا قوله.

- وقال مكي : ومن مذهبهم ألا يجوز سواء [علي] قمت حتى تقول أم قعدت ؛ ويلزمهم الا يجيزوا الآية على تأويلهم لأنهم لا يجيزون الحذف مع ( سواء ) لنقصانه، وقد أجازوه في الآية، وهذا تناقض لأنهم أجازوا في الآية ما لا يجوز في الكلام.

▪واعترض ابن عطية على هذا القول دون بيان أسباب

وقال أبو حيان في البحر المحيط : ويضعف قول الفراء من حيث الحذف. ومن حذف وضع الظاهر موضع المضمر، إذ التقدير: ليس أهل الكتاب مستوياً منهم أمة قائمة كذا، وأمة كافرة.

وقال محيي الدين الدرويش في إعراب القرآن ومعانيه : واختار الفراء أن تكون امة مرفوعة على أنها فاعل سواء ؛ ولا أدري كيف استقام له ذلك مع ما فيه من توهين نظام الجملة …

2⃣ وأما قول ابن مسعود والسدي وهو أن الواو عائدة على اليهود والمسلمين
فقد مر توجيهه بسبب النزول وبما ذكره ابن عطية من احتمال عودها على المسلمين في قوله ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ؛ وعلى أهل الكتاب بقوله ( ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ) وورد أن سبب النزول هذا حسن … وهو أقوى ما ورد في سبب النزول لها …
واختاره ابن جرير سببا لنزول ( يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) وانها صلاة العتمة …

ولكن يضعف هذا القول :
1- أنه بهذا الاعتبار ؛ وبناء على سبب النزول المذكور فإن قوله تعالى ( أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) يكون في وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم وليس فيمن آمن وصلح من أهل الكتاب ؛ وعليه كما قال ابن عطية :
والكتاب على هذا : جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط، والمعنى: من أهل الكتاب وهم أهل القرآن أمة قائمة … (انتهى )
وهذا الاعتبار على غير المعهود ؛ إذ لا يطلق علينا أمة الإسلام أهل الكتاب ؛ ومعلوم أن ستعمال القرآن في كل مواضع ( أهل الكتاب ) إنما يعني به اليهود والنصارى أو أحدهما حسب السياق ؛ ولا يرد اعتبار المسلمين معهم وإن كانوا أهل كتاب سماوي …

2- والثاني أن الأصل في الضمير أن يعود لأقرب مذكورين ؛ والمذكورون الأقربون هم أهل الكتاب ؛ وقد انتهت الآيات من بيان صفات الأمة المسلمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس ؛ وابتدأ الحديث عن أهل الكتاب مؤمنهم وفاسقهم ؛ فلا داعي لعود الضمير عليهم …

3⃣ وأما قول أبي عبيدة معمر بن المثنى القائم على اللغة المرجوحة المسماة عند النحاة بلغة ( أكلوني البراغيث ) فقد اعترض عليها من وجوه :
قال الزجاج معترضا على قول ابي عبيدة :
قال أبو عبيدة: {ليسوا سواء} جمع ليس، وهو متقدم كما قال القائل: أكلوني البراغيث وكما قال: عموا وصمّوا كثير منهم.
وهذا ليس كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال {ليسوا سواء } ثم أنبأ بافتراقهم فقال: {من أهل الكتاب أمّة قائمة}.

قال النحاس : وقال أبو عبيدة : هذا مثل قولهم: أكلوني البراغيث، وهذا غلط لأنه قد تقدّم ذكرهم ؛ وأكلوني البراغيث لم يتقدّم لهن ذكر …

📌 فالزجاج والنحاس كما يظهر لم يعترضوا على لغة ( أكلوني البراغيث ) نفسها كونها لغة موجودة ومستخدمة وإن كانت قليلة ؛ وإنما اعترضوا على قياس أبي عبيدة هذه الآية على هذه اللغة ؛ وقالوا أنها ليست منها في هذا الموضع

▪و أما ابن عطية فقال : وما قال أبو عبيدة من أن الآية نظيرة قول العرب أكلوني البراغيث خطأ مردود،

وقد ذكر أبو حيان في البحر المحيط الاعتراضات على قول أبي عبيدة ورد عليها فقال :
1- : قال ابن عطية: ( وما قاله أبو عبيدة خطأ مردود ) انتهى ؛ ولم يبين جهة الخطأ، وكأنه توهم أن اسم ليس هو أمة قائمة فقط ، وأنه لا محذوف. ثمّ إذ ليس الغرضُ تفاوت الأمة القائمة التالية، فإذا قدر ثم محذوف لم يكن قول أبي عبيدة خطأ مردوداً.

2- قيل: ( وما قاله أبو عبيدة هو على لغة أكلوني البراغيث، وهي لغة رديئة والعرب على خلافها، فلا يحمل عليها مع ما فيه من مخالفة الظاهر) انتهى.
وقد نازع السهيلي النحويين في قولهم: إنها لغة ضعيفة، وكثيراً ما جاءت في الحديث.

- ولكنه ( أي أبو حيان ) عقب بقوله : والإعراب الأول هو الظاهر. وهو: أن يكون من أهل الكتاب أمةٌ قائمة مستأنف بيان لانتفاء التسوية كما جاء { تأمرون بالمعروف}بياناً لقوله: {كنتم خير أمة}

وقال السمين الحلبي : بعد أن ذكر قول ابن عطية في رد كلام أبي عبيدة : والتقدير الذي يَصِحُّ به المعنى، أي: ليس سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ موصوفةٌ بما ذُكِر وأمةٌ كافرة، فهذا تقديرٌ يَصِحُّ به المعنى الذي نحا إليه أبو عبيدة.

قال الفخر الرازي : إلا أن أكثر النحويين أنكروا هذا القول لاتفاق الأكثرين على أن قوله أكلوني البراغيث وأمثالها لغة ركيكة، والله أعلم.

▪و قال الآلوسي عن قول الفراء وقول أبي عبيدة : وضعف كلا القولين ظاهر …

✅ ومما سبق بيانه يتبين لنا أن لكل قول من الأقوال وجها ، وكل قول قد تكلم فيه إما من جهة روايته أو من توجيهه ؛ لكن القول الأقوى والذي رجحه أكثر المفسرين وأهل اللغة والذي يستقيم مع سياق الآيات ويعطي المعنى الأبلغ هو قول ابن عباس وقتادة وابن جريج من أن الضمير في ليسوا يرجع على أهل الكتاب السابق ذكرهم في الآيات ؛ وهو كما قال ابن عاشور : استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمهم …

- وقال البقاعي : ولما كان السياق ربما أفهم أنهم كلهم كذلك قال مستأنفا نافيا لذلك ( ليسوا سواء ) أي في هذه الأفعال ؛ يثني سبحانه على من أقبل على الحق منهم وخلع الباطل ولم يراع سلفا ولا خلفا بعيدا ولا قريبا ؛ ثم استأنف قوله بيانا لعدم استوائهم ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) فأظهر ليلا يتوهم عود الضمير على خصوص من حكم بتكفيرهم
وقد ذكرنا بعض أقوال المفسرين فيه وترجيحهم له …

▪ويبقى بيان موضع الوقف في الآية وإن كان قد ظهر من خلال دراسة الأقوال وتوجيهها …

موضع الوقف في الآية :
الخلاف هنا دائر على قولين :
1- أن الكلام تم على ( ليسوا سواء ) ؛ وما بعدها مستأنف لبيان ما أجمل … فالوقف على ( ليسوا سواء )
وهذا القول قال به من فسر أن الضمير في ( ليسوا ) عائد على أهل الكتاب السابق الذكرهم في ( منهم المؤمنون وآكثرهم الفاسقون ) ؛ او من قال بقول ابن مسعود في عود الضمير على المؤمنين وأهل الكتاب المذكورين سابقا …
- قال النحاس : لَيْسُوا سَواءً تم الكلام. مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ ابتداء

- و قال أبو عمرو الداني : ({ليسوا سواءً} تام. وترتفع أمة قائمة بالابتداء والخبر في المجرور

- وقال الخازن : وقوله: {ليسوا سواء} قولان أحدهما أنه كلام تام يوقف عليه والمعنى أهل الكتاب الذي سبق ذكرهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ليسوا سواء، وقيل معناه لا يستوي اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم القائمة بأمر الله الثابتة على الحق.

- وقال الأشموني : (ليسوا سواء ) (تام) على أنَّ الضمير في ليسوا لأحد الفريقين وهو من تقدم ذكره في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون أي ليس الجميع سواء أي ليس من آمن كمن لم يؤمن وترتفع أمة بالابتداء والجار والمجرور وقبله الخبر وهذا قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم وهو الأصح

2- أنه لا وقف على سواء لعدم تمام الكلام ؛ وإنما يتم الكلام عند ( قائمة ) وهو قول من ذهب في الآية مذهب الفراء أو أبي عبيدة
فكلاهما قدر محذوفا في الآية معادلا ل( أمة قائمة ) وقدروه ب ( وأمة كافرة أو أمة غير قائمة أو ما يماثل ذلك ) واختلافهم في تفصيل ذلك على ما مر :
فالتقدير عند الفراء : ليس سواء أمة قائمة من أهل الكتاب وامة كافرة ؛ وسواء بمعنى تستوي ؛ و( أمة ) مرفوعة بسواء والرا اسم ليس ولم يبين خبرها …
والتقدير عند أبي عبيدة : ليسوا ( امة قائمة من أهل الكتاب ) وأمة كافرة سواء ؛ (وأمة ) هي اسم ليس ؛ وسواء خبرها

- قال الأشموني : وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى لا يجوز الوقف عليه ؛ لأنَّ ( أمة ) مرفوعة ب(ليسوا ) وجمع الفعل على اللغة المرجوحة نحو وأسروا النجوى الذين ظلموا
فعلى قول أبي عبيدة الوقف على يعتدون تام ولا يوقف على سواء

قال ابن الانباري في إيضاح الوقف والابتداء :
- ( ليسوا سواء ) وقف تام ثم تبتدئ (من أهل الكتاب أمة) فترفع «الأمة» بـ(من)
- فإن رفعت «الأمة» بمعنى (سواء) كأنك قلت: «ليست تستوي من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة» لم يتم الكلام على (سواء) وكان تمام الكلام على (يسجدون).)


تم بيانه بحمد الله …

🖌 فائدة في لغة ( أكلوني البراغيث ) :
قال ابن مالك في ألفيته :
وجرد الفعل إذا ما أسندا … لاثنين أو جمع كفاز الشهدا
وقد يقال : سعدا وسعدوا …والفعل للظاهر -بعد - مسند


و قال ابن عقيل في شرحه للألفية : بعد توضيحه لأمثلة ( سبق ذكر كلامه ) من لغة بني الحارث : وإلى هذه اللغة أشار المصنف بقوله: " وقد يقال سعدا وسعدوا … إلى آخر البيت ؛ ومعناه : أنه قد يؤتى في الفعل المسند إلى الظاهر بعلامة تدل على التثنية، أو الجمع، فأشعر قوله " وقد يقال " بأن ذلك قليل، والامر كذلك.

وإنما قال: " والفعل للظاهر بعد مسند " لينبه على أن مثل هذا التركيب إنما يكون قليلا إذا جعلت الفعل مسندا إلى الظاهر الذي بعده، وأما إذا جعلته مسندا إلى المتصل به - من الألف، والواو، والنون - وجعلت الظاهر مبتدأ، أو بدلا من الضمير، فلا يكون ذلك قليلا،

وهذه اللغة القليلة هي التي يعبر عنها النحويون بلغة " أكلوني البراغيث "، ويعبر عنها المصنف في كتبه بلغة " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " ، ف‍ " البراغيث " فاعل " أكلوني " و " ملائكة " فاعل " يتعاقبون " هكذا زعم المصنف.

▪وقال محمد عبد الحميد صاحب كتاب منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل :
وليس الاتيان بعلامة التثنية إذا كان الفاعل مثنى أو بعلامة الجمع إذا كان الفاعل مجموعا واجبا عند هؤلاء، بل إنهم ربما جاءوا بالعلامة، وربما تركوها.
- وقال : الفرق بين علامة التأنيث وعلامة التثنية والجمع من ثلاثة أوجه:
الأول: أن إلحاق علامة التثنية والجمع لغة لجماعة من العرب بأعيانهم - يقال: هم طيئ، ويقال: هم أزد شنوءة - وأما إلحاق تاء التأنيث فلغة جميع العرب.
الثاني: أن إلحاق علامة التثنية والجمع عند من يلحقها جائز في جميع الأحوال، ولا يكون واجبا أصلا

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 25 صفر 1442هـ/12-10-2020م, 04:08 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم



هناء محمد علي أ+
أحسن الله إليك وسدّدك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir