دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:53 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي عبارات الجرح والتعديل

مَسْأَلَةٌ: قالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ: أَعْلَى العِبَارَاتِ في التَّعْدِيلِ والتَّجْرِيحِ أَنْ يُقَالَ: "حُجَّةٌ" أو "ثِقَةٌ"، وأَدْناهَا أنْ يُقَالَ "كَذَّابٌ".
(قُلْتُ): وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ يَعْسُرُ ضَبْطُهَا, وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا. وَثَمَّ اصْطِلَاحَاتٌ لِأَشْخَاصٍ, يَنْبَغِي التَّوْقِيفُ عَلَيْهَا.
مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ إِذَا قَالَ فِي الرَّجُلِ: "سَكَتُوا عَنْهُ" أَوْ "فِيهِ نَظَرٌ" فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي أَدْنَى الْمَنَازِلِ وَأَرْدَئِهَا عِنْدَهُ, وَلَكِنَّهُ لَطِيفُ الْعِبَارَةِ فِي التَّجْرِيحِ, فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إِذَا قُلْتُ "لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ" فَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِذَا قِيلَ "صَدُوقٌ" أَوْ "مَحَلُّهُ الصِّدْقُ" أَوْ "لَا بَأْسَ بِهِ" فَهُوَ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَيَنْظُرُ فِيهِ.
وَرَوَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُتْرَكُ الرَّجُلُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ.
وَقَدْ بَسَطَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَالْوَاقِفُ عَلَى عِبَارَاتِ الْقَوْمِ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُمْ بِمَا عُرِفَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ, وَبِقَرَائِنَ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ فُقِدَتْ شُرُوطُ الْأَهْلِيَّةِ فِي غَالِبِ أَهْلِ زَمَانِنَا, وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُرَاعَاةُ اتِّصَالِ السِّلْسِلَةِ فِي الْإِسْنَادِ, فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَشْهُورًا بِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ, وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا عَنْ ضَبْطِ سَمَاعِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ واللهُ أَعْلَمُ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

مَسْأَلَةٌ: قالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ: أَعْلَى العِبَارَاتِ في التَّعْدِيلِ والتَّجْرِيحِ أَنْ يُقَالَ: "حُجَّةٌ" أو "ثِقَةٌ"، وأَدْناهَا أنْ يُقَالَ "كَذَّابٌ".
(قُلْتُ): وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ يَعْسُرُ ضَبْطُهَا, وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا[1]. وَثَمَّ اصْطِلَاحَاتٌ لِأَشْخَاصٍ, يَنْبَغِي التَّوْقِيفُ عَلَيْهَا.
مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ إِذَا قَالَ فِي الرَّجُلِ: "سَكَتُوا عَنْهُ" أَوْ "فِيهِ نَظَرٌ" فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي أَدْنَى الْمَنَازِلِ وَأَرْدَئِهَا عِنْدَهُ, وَلَكِنَّهُ لَطِيفُ الْعِبَارَةِ فِي التَّجْرِيحِ, فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ[2].
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إِذَا قُلْتُ "لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ" فَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِذَا قِيلَ "صَدُوقٌ" أَوْ "مَحَلُّهُ الصِّدْقُ" أَوْ "لَا بَأْسَ بِهِ" فَهُوَ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَيَنْظُرُ فِيهِ.
وَرَوَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُتْرَكُ الرَّجُلُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ.
وَقَدْ بَسَطَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَالْوَاقِفُ عَلَى عِبَارَاتِ الْقَوْمِ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُمْ بِمَا عُرِفَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ, وَبِقَرَائِنَ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ فُقِدَتْ شُرُوطُ الْأَهْلِيَّةِ فِي غَالِبِ أَهْلِ زَمَانِنَا, وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُرَاعَاةُ اتِّصَالِ السِّلْسِلَةِ فِي الْإِسْنَادِ, فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَشْهُورًا بِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ, وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا عَنْ ضَبْطِ سَمَاعِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ واللهُ أَعْلَمُ[3].



[1] ذكر الحافظ في خطبة تقريب التهذيب مراتب الجرح، التعديل، فجعلها اثني عشر مرتبة: (أ) الصحابة. (ب) من أكد مدحه بأفعل، كأوثق الناس. أو بتكرار الصفة لفظا، كثقة ثقة، أو معنى، كثقة حافظ. (ج) من أفرد بصفة: كثقة، أو متقن، أو ثبت. (د) من قصر عمن قبله قليلا، كصدوق أو لا بأس به، أو ليس به بأس. (هـ) من قصر عن ذلك قليلا، كصدوق سيئ الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بآخرة. ويلتحق بذلك من رمي بنوع بدعة، كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم. (و) من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، ويشار إليه بمقبول حيث يتابع، ولا فلين الحديث. (ز) من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، ويشار إليه بمستور، أو مجهول الحال. (ح) من لم يوجد فيه توثيق معتبر، وجاء فيه تضعيف وإن لم يبين، والإشارة إليه: ضعيف. (ط) من لم يرو عنه واحد ولم يوثق، ويقال فيه: مجهول. (ي) من لم يوثق البتة وضعف مع ذلك بقادح. ويقال فيه: متروك، أو متروك الحديث: أو واهي الحديث، أو ساقط. (ك) من اتهم بالكذب ويقال فيه: متهم، ومتهم بالكذب. (ل) من أطلق عليه اسم الكذب والوضع، ككذاب، أو وضاع، أو يضع، أو ما أكذبه. ونحوها اهـ. ملخصًا مع تحوير قليل، والدرجات من بعد الصحابة: فما كان من الثانية والثالثة، فحديثه صحيح من الدرجات الأولى، وغالبه في الصحيحين. ما كان من الدرجة الرابعة فحديثه صحيح من الدرجة الثانية، وهو الذي يحسنه الترمذي، ويسكت عليه أبو داود. وما بعدها فمن المردود، إلا إذا تعددت طرقه مما كان من الدرجة الخامسة والسادسة، فيتقوى ذلك ويصير حسنا لغيره. وما كان من السابعة إلى آخرها فضعيف على اختلاف درجات الضعف. من المنكر إلى الموضوع.

[2]وكذلك قوله: (منكر الحديث). فإنه يريد به الكذابين. ففي الميزان للذهبي (ج1 ص5): (نقل ابن القطان: أن البخاري قال: كل من قلت فيه. منكر الحديث: فلا تحل الرواية عنه).

[3] الشروط السابقة في عدالة الراوي إنما تراعى بالدقة في المتقدمين. وأما المتأخرون -بعد سنة ثلاثمائة تقريبا- فيكفي أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلا، غير متظاهر بفسق أو بما يخل بمروءته، وأن سماعه ثابتا بخط ثقة غير متهم، وبرواية من أصل صحيح موافق شيخه؛ لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد. وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة، وصارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب فقط.
قال الحافظ البيهقي: (توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا، الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث. فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل منه. ومن جاء بحديث معروف عندهم، فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة، شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم). وقال الذهبي في الميزان: ليس العمدة في زماننا على الرواة، بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين. ثم من المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره).
فالعبرة في رواية المتأخرين على الكتب والأصول الصحيحة التي اشتهرت بنسبتها إلى مؤلفيها، بل تواتر بعضها إليهم. وهذا شيء واضح لا يحتاج إلى بيان.



  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 11:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: الحمد لله وكفى,والصلاة والسلام على النبي المصطفى,وآله وصحبه ومن اقتفى,أما بعد..,
قال المصنف رحمه الله تبارك وتعالى,ونفعنا بعلمه وبعلم شيخنا,وأجزل لهما المثوبة في الدارين، قال:
مسألة: قال الخطيب البغدادي: أعلى العبارات في التعديل والتجريح أن يقال: حجة أو ثقة,وأدناها أن يقال: كذاب.
قال: قلت: وبين ذلك أمور كثيرة,يعسر ضبطها,وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على مراتب منها,وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها، من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه, أو فيه نظر,فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح.فليعلم ذلك.
وقال ابن نعيم: إذ قلت: ليس فيه بأس فهو ثقة.
قال ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق,أو محله الصدق,أولا بأس به,فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه.
وروى ابن الصلاح,عن أحمد بن صالح المصري,أنه قال: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه,وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك، والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال,وبقرائن ترشد إلى ذلك.والله الموفق.
قال ابن الصلاح: وقد فقدت شروط الأهلية مثل غالب أهل زماننا,فلم يبق إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد، فينبغي ألا يكون الشيخ مشهورًا بفسق ونحوه,وأن يكون ذلك مأخوذا عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة بهذا الشأن.والله أعلم.

الشيخ: بعد حمد الله والصلاة السلام على رسول الله..,
هذه المسألة التي نقلها المصنف عن الخطيب البغدادي في أن أعلى العبارات في التعديل أن يقال: حجة أو ثقة,وأدناها وهي أعلى عبارات الجرح أن يقال: كذاب.
قال الحافظ: "وبين ذلك أمور كثيرة,يعسر ضبطها.وقد تكلم الشيخ أبو عمرو"-يعني: ابن الصلاح-"على مراتب منها". أي: على مراتب من عبارات الجرح والتعديل.
هذه المراتب أيها الإخوة نجد أنها من حيث التقسيم المفيد المتعلق بالأحكام على الأحاديث,نستطيع أن نحصرها في أربعة أقسام، عبارات الجرح والتعديل نستطيع أن نحصرها في أربعة أقسام:
القسم الأول: العبارات الداخلة في دائرة الحكم على حديث الراوي بأنه صحيح.
والقسم الثاني: العبارات الداخلة في دائرة الحكم على الراوي بأن حديثه حديث حسن.
والقسم الثالث: العبارات الداخلة في دائرة الحكم على حديث الراوي بأنه ضعيف منجبر.
والقسم الرابع: العبارات الداخلة في دائرة الحكم على حديث الراوي بأنه ضعيف غير منجبر, فيدخل فيه الحديث الضعيف، الشديد الضعيف,والحديث الموضوع.
هذه هي المراتب التي تهمنا,أو هذه الأقسام التي تهمنا,ولكن بعض العلماء اجتهد في أن يجعل كل حكم يشمل عدة مراتب,كما سيتبين إن شاء الله من خلال هذا العرض.
أصل هذا التقسيم -أي: تقسيم عبارات أئمة الجرح والتعديل على مراتب- جاء من عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي؛ فإنه رحمه الله في كتابه (الجرح والتعديل) جعل عبارات التعديل أربع مراتب,وعبارات الجرح أربع مراتب، ثم جاء بعد ذلك الذهبي والعراقي فزادا مرتبة مرتبة، فأصبحت عبارات التعديل أو مراتب التعديل خمس مراتب,ومراتب الجرح خمس مراتب أيضًا.
ثم جاء بعد ذلك الحافظ ابن حجر,وتابعه السخاوي مع بعض الاختلاف,فزاد مرتبة مرتبة فأصبحت عبارات التعديل ست مراتب,وعبارات الجرح ست مراتب، بالنسبة للمراتب التي جعلها ابن أبي حاتم نجد أنه جعل مَن حديثه حديث صحيح كلهم في مرتبة,وهذا جيد، ثم جعل قسمًا يليه وهم من قيل فيه: صدوق أو لا بأس به، أو نحو هذه العبارات، هؤلاء جعلهم مرتبة, وقال عن هذا الصنف، أو عن هذا القسم,أو عن هذه المرتبة: إن هؤلاء ينظر في حديثهم ويختبر.
والقسم الذي يلي هذا, والقسم الذي يليه أيضًا، القسمان الباقيان جاء ببقية عبارات التعديل التي حديث صاحبها حديث ضعيف بلا منازع,ولكن بعضها أحسن من بعض,فجعلها على مرتبتين: فمن قيل فيه: مثلًا شيخ,أو مثلًا شيخ أو صدوق يخطئ، أو نحو هذه العبارات,هؤلاء جعلهم قسمًا.
وبعد ذلك جعل قسمًا أيضًا شبيهًا به,لكن هذين القسمين الأخيرين هناك شيء من التداخل بين عباراتهما، والأولى في الحقيقة أن يجعلا قسما واحدًا؛لأنه لا فرق بين هذا القسم وذاك القسم، فالكل حديثهم حديث ضعيف,وينظر في حديثهم للاعتبار فقط.
أما بالنسبة لعبارات الجرح,فجعل قسمين لمن حديثهم حديث ضعيف أيضًا,وهم مثلًا من قيل فيه: لين ونحو ذلك، ثم بعده من قيل فيه: ضعيف وهلم جرا، فهذان القسمان أيضًا الأولى أن يجعلا قسما واحدًا؛ لأن حديث أصحابها يعتبر حديثًا ضعيفًا.
القسم الذي يليه هو دون من حُكِمَ عليه بالوضع، وهم من كانت عبارة الجرح فيه شديدة، فهذا القسم يكون حكم حديث أصحابهم أنه حديث ضعيف جدًا,لا يصلح لأن يتقوى بتعدد الطرق.
وبعده القسم الأخير,وهم من حديث أصحابهم حديث موضوع، هذه المراتب الأربعة جاء بعد ذلك الذهبي والعراقي,فزادا مرتبة في عبارات التعديل,ومرتبة في عبارات الجرح,فأصبحت هذه خمس مراتب,وهذه خمس مراتب.
ثم جاء ابن حجر فزاد مرتبة مرتبة, وتابعه تلميذه السخاوي,ولكنه خالفه في بعض المخالفات اليسيرة، فمثلًا المرتبة الأولى عند الحافظ ابن حجر من مراتب التعديل جعلها للصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والمرتبة الثانية: من وصف أصحابها بالمبالغة في التعديل أو أردف التعديل وأكد بلفظ آخر، فإذا قيل مثلًا: فلان أوثق الناس,أو كأنه مصحف,أوثقة ثقة,أوثقة حجة، هذه جعلها مرتبة ثانية تلي مرتبة الصحابة.
والمرتبة الثالثة: من أفرد بلفظ التعديل فقط، كأن يقال: فلان ثقة, أو فلان حجة, ونحو ذلك.
والمرتبة الرابعة: جعلها لمن حديثهم حديث حسن,وهم من قيل فيه: صدوق أو مأمون أو خيار أو لا بأس به,ونحو هذه العبارات.
والمرتبة التي تليها من قيل فيه: محله الصدق, أو صدوق يخطئ, صدوق له أوهام, صدوق سيئ الحفظ ونحوها.
والمرتبة التي تليها من قيل فيه: شيخ,أو وسط,أو نحو هذه العبارات,أو يكتب حديثه,وهلم جرا.
بالنسبة لعبارات الجرح زاد الحافظ ابن حجر أيضًا فيها مرتبة,وهي المرتبة التي تدل حقيقة على شدة الضعف، فأصبحت المراتب التي في الجرح ست مراتب: مرتبتان منهما تدلان على أن حديث أصحابهما حديث ضعيف,وهما السابعة والثامنة,ويمكن أن تكون الأولى والثانية,إذا جعل لها ترقيم مستقل.
وأما التاسعة والعاشرة,أو الثالثة والرابعة، فهذه جعلها لمن حديث أصحابهم حديث ضعيف جدًا، فلا يؤخذ لا للاعتبار ولا للشواهد ولا للمتابعات ولا غيرها.
والمرتبة الحادية عشرة والثانية عشر,أو الخامسة والسادسة,هذه جعلها لمن حديث أصحابهم حديث موضوع, ولكنه فرق بينهم,ففرق بين أن يقال: فلان وضاع,أو يضع الحديث,ونحوها,وبين أن يقال: فلان ركن الكذب ونحوها من العبارات التي تدل على شدة المبالغة في وصف الراوي بالكذب.
فعلى كل حال,بالنسبة لهذه التقسيمات هي تقسيمات اجتهادية,تفيدنا في حالة واحدة، وهي ما لو تعارضت عندنا الأحاديث التي لا نستطيع أن نوازن بينها,إلا إذا نظرنا في رواتها وجعلنا بعض الرواة في بعض هذه المراتب,بحيث نستطيع أن نقدم بعضهم على بعض.
أما ما عدا ذلك,فالأمر يرجع في حقيقته إلى ما كنت قلته لكم في المرة الأولى,وهو أنا نستطيع أن نجعل عدة ألفاظ كلها يعتبر حديث أصحابها حديث صحيح,فيمكن أن تعتبر مرتبة واحدة.
فالمراتب الثلاث الأولى عند الحافظ ابن حجر والسخاوي حديث أصحابها يعتبر حديثًا صحيحًا,ويمكن أن تعتبر مرتبة واحدة.
والمرتبة الرابعة هذه يمكن أن تعتبر مرتبة على انفرادها,وحديث أصحابها حديث حسن لذاته.
والمرتبة الخامسة والسادسة يمكن أن تعتبر مرتبة واحدة,بالإضافة إلى السابعة والثامنة,أو الأولى والثانية من مراتب الجرح.
فهذه المراتب الأربع يمكن أن تجعل مرتبة واحدة,وإن كان بعضها أولى بالتقديم من بعض,وإن كان بعض الألفاظ يمكن أن يكون أقرب إلى التعديل.
وأما تلك الألفاظ, فيمكن أن يكون أقرب إلى التجريح، ولكن من حيث المحصلة النهائية للحكم على الحديث,فإنها تعني: أن هذا حديث ضعيف,ولكنه ضعف منجبر.
أما بالنسبة لباقي المراتب من مراتب الجرح,فيمكن أن تجعل على مرتبتين:
مرتبة لمن حديثهم حديث ضعيف جدا,ولكنه لا يصل إلى درجة الوضع.
ومرتبة حديث أصحابهم حديث موضوع.
ويمكن أن تضم في مرتبة واحدة,على اعتبار أنها حتى وإن تفاوتت في درجات الضعف,لكن المحصلة النهائية من حيث الحكم على الحديث وعدم الاعتبار به في الشواهد والمتابعات,النتيجة فيها واحدة؛ فحديث أصحاب هذا المرتبة حديث إن لم يكن موضوعًا,فهو ضعيف جدًا. وعلى أي حال فلا يعتبر به إطلاقًا.
هذه بالنسبة لهذه المراتب، ولذلك يقول الحافظ ابن كثير: وبين ذلك أمور كثيرة يعسر ضبطها. حينما قال: يعسرضبطها.فعلا؛لأنها تتنوع وتختلف ما بين عبارة وأخرى,وقد تؤدي إلى معنى واحد.
أما بالنسبة للاصطلاحات الباقية التي يحسن التنبيه عليها بالنسبة لاصطلاحات بعض الأئمة، فإنما نبه الحافظ ابن كثير على بعضها,وهي التي يكثر استعمالها وتردادها في كتب الجرح والتعديل,وإن كان هناك عبارات كثيرة تحتاج إلى بيان وفك رموز.
فمثلًا البخاري رحمه الله عرف عنه شدة الحيطة والتورع في إطلاق الألفاظ الجارحة,وكان بعضهم يرى هذا الشيخ، فأحد تلاميذ الشافعي حينما قال عن رجل: إنه كذاب.فقال له الشافعي: يا فلان,ألا تكسو ألفاظك وتحسنها,قل فيه مثلًا: لا يحمل حديثه,أو نحو تلك العبارات التي تؤدي نفس الغرض,ولكنها لا يفهم منها هذا الجفاء وهذه الغلظة.
ولكن هذا لو ثبت وصح عن الشافعي,فإنما هو اجتهاد؛لأننا وجدنا أئمة الجرح والتعديل لا يتحرجون من إطلاق اللفظ على من يستحقه,فإن كان كذابًا قيل: إنه كذاب,وإن كان شديد الضعف قيل: ليس بثقة, أو نحو ذلك,وهلم جرا، فليس هناك أدنى حرج.
وأما ما أثر عن البخاري رحمه الله من الورع في هذه المسألة,فهو مذهب خاص به رحمة الله عليه,ولكن النتيجة واحدة؛ فإنه عرف من منهجه أنه إذا قال عن الراوي: سكتوا عنه,أو فيه نظر، فإن هذا يعني شدة الجرح عنده، ومثله ما لو قال عن الراوي: إنه منكر الحديث؛لأنه أثر عنه رحمه الله أنه قال: من قلت فيه: منكر الحديث,فلا تحل الرواية عنه.
فإذن هذا اصطلاح خاص بالبخاري,فإذا عرف اصطلاحه,نزل بمنزلته اللائقة به. كذلك ابن معين رحمه الله تعالى,عرف من منهجه وبتصريحه هو أنه إذا قال في الراوي: ليس به بأس. فإنه يعني: ثقة.
لكن سبق أن نبهت عليكم,بأنه حتى وإن قال: إنها تعني ثقة,لكنها لا تعني الثقة بالمعنى المتبادر للذهن,أي: الثقة الذي حديثه حديث صحيح ومن أعلى درجات الصحيح، بل المراد به: دون الثقة,الذي لا يختلف فيه لفظ ابن معين.
فلو قال في الراوي مرة: ثقة,ومرة قال: ليس به بأس، وربما قال مرة: ضعيف، عرفنا أن الأوسط في حاله ما ذكره ابن معين بقوله: ليس فيه بأس. حتى وإن كان يفسرها بأن ليس به بأس تعني عنده: ثقة,لكنها ليست كتوثيق غيره من الأئمة كالإمام أحمد وعلي بن المديني ونحوهم,فأولئك ما كانوا يستخدمون هذه اللفظة في مثل استخدام ابن معين لها، بمعنى:
لو جاءني راوي وقال فيه الإمام أحمد: ليس به بأس,وقال فيه السعدي مثلًا: صدوق، وقال فيه يحيى بن معين: ليس به بأس، وقال فيه أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به,وذكره ابن حبان في الثقات,والعجلي كذلك في ثقاته,وقال: إنه ثقة -فإننا نستطيع أن نخلص من مثل حال هذا الراوي بمثل ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله,من أنه لا بأس به؛ لأن عبارة السعدي توافقه حينما قال: صدوق,فصدوق ولا بأس به بمرتبة واحدة.
بقيت عبارة أبي حاتم الرازي,فهي عبارة متشددة,وجاءت بناء على مذهبه الذي عرف به رحمه الله من التشدد,فقوله: يكتب حديثه ولا يحتج. هذه يمكن أن تساوي عند غيره: صدوق,أو لا بأس به، أما مجرد ذكر ابن حبان له في الثقات، فإن هذا لا يعني إطلاق القول بتوثيقه؛لما عرف عن ابن حبان رحمه الله من التساهل في التوثيق.
وكذلك أيضًا ما لو قال العجلي في كتاب الثقات: إنه ثقة، فالعجلي وإن كان أحسن حالًا من ابن حبان,لكنه أيضًا عنده شيء من التساهل في التوثيق.
نرجع إذن إلى عبارة الإمام أحمد,وإلى عبارة ابن معين، فإذا كان هذا حال الراوي بهذه الصفة,فإننا نعرف أن عبارة ابن معين لا تعني الثقة الصحيح الحديث في مثل حال هذا الراوي,بل يمكن أن تكون قريبة من كلام الإمام أحمد، فلا نتحرج أن نقول عن هذا الراوي الذي بهذه الصفة: إنه صدوق,أو لا بأس به,بمعنى: أنه حسن الحديث,ولكن نتحرج أن نقول: إنه صحيح بناء على أخذنا بالحد الأعلى,وهو كلام ابن معين؛ لأنه قال: من قلت فيه: لا بأس به,أو ليس به بأس,فإنه ثقة,أو حينما سئل عن هذه العبارة فأخبر بأنها تعني: الثقة عنده,لا,ليس الحال كذلك.
كذلك أيضًا هناك عبارات لكثير من الأئمة بحاجة إلى بيان,مثل قول ابن المبارك عن الرجل: هو على يدي عدل. عرفوا من خلال سبر عبارة ابن المبارك هذه التي يطلقها على بعض الرواة,أنه لا يطلقها إلا على الرواة المجروحين، فمعنى ذلك أن هذا الراوي على يدي إنسان سينصفه، ويقول الحق فيه، فهو على يدي عدل,وهذا العدل حينما يبين حال هذا الراوي، معنى ذلك أنه سيجرحه؛لأنه يستحق الجرح.
المهم عرف من إطلاق عبد الله بن المبارك لهذه اللفظة,أنها تعني عنده أن هذا الرجل مجروح، بل قال بعضهم: إن جرحه جرح شديد في هذه الحال.
كذلك عبارات كثيرة،وربما لم تكن عبارات واضحة، وإنما بمجرد إشارة ونحوها، فمثل ما لو قال عبد الله بن المبارك سألت عن فلان فقال: كذا وكذا,أو أومى بيده يقلبها,أو مثل ما قالوا: ذكر فلان عند حماد بن سلمة فامتخط، وهلم جرا,في أشياء تحتاج إلى بيان ليست واضحة كل الوضوح، فهل تدل على الجرح,وإذا دلت على الجرح,على أي أنواع الجرح تدل؟ وهكذا.
هناك كتاب قيم ونافع لسعد الهاشمي، بعنوان: (ألفاظ الجرح والتعديل النادرة الاستعمال) أو: (شرح ألفاظ الجرح والتعديل النادرة الاستعمال)، يأتي لمثل هذه الألفاظ ويبين ما فيها.
هناك أيضًا بعض الكتب التي ألفت,وإن كنت لم أعرفها عن كثب,ولكن من ثناء الإخوة عليها,مثل: (شفاء العليل في ألفاظ الجرح والتعديل),والكتاب الآخر (إتحاف النبيل في ألفاظ الجرح والتعديل),فهذان كتابان سمعت كثيرًا من طلبة العلم يثني عليهما,وإن شاء الله إنهما محل للثناء، وسأطلع عليها إن شاء الله تعالى.
أما قوله ههنا عن ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق,أو محله الصدق,أو لا بأس به,فهو ممن يكتب حديثه,وينظر فيه.
فتجدون هذا الكلام معزوا عندكم في الهامش في الطبعة المحققة إلى تقدمة الجرح والتعديل في المجلد الأول صفحة سبعة وثلاثين، فينبغي أن يقارن هذا الكلام مع الكلام الذي فيه الصفحة السابعة من مقدمة الجرح والتعديل، أي: المجلد الأول صفحة سبعة,اربطوا بين صفحة سبعة وصفحة سبعة وثلاثين,وأظنها الصفحة السابعة إن لم تخطئني الذاكرة أو التاسعة ربما.
على كل حال لابن أبي حاتم موضعان ذكر فيهما مثل هذه العبارات، أحد الموضعين مشتبه,وهو هذا الذي نقل عنه الحافظ ابن كثير هذه العبارة، وهو أن من قيل فيه: صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به,فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه.
فـكأن أصحاب هذه المرتبة غير محتج بهم على هذه اللفظة من ابن أبي حاتم,اتكأ من رأى أن هذه الألفاظ لا تدل على أن حديث أصحابها حديث حسن محتج به، ولعلكم نظرتم إلى شيء من هذا في بعض كتب نور الدين عتب، وفي كلام لمحمود الطحان في هامش كتابه: (أصول التخريج ودراسة الأسانيد)؛فإنه حينما تطرق لمراتب الجرح والتعديل وذكر المرتبة الرابعة قال: أصحاب هذه المرتبة يكتب حديثهم وينظر فيه ويختبر. معنى هذا الكلام في السابق يختلف من معناه في اللاحق؛ ففي وقت ابن أبي حاتم يمكن أن يختبر حديث هؤلاء الرواة,كيف يختبر؟
يختبر حديثهم بالأمر الذي ذكرناه,كيف يعرف ضبط الراوي بعرض مروياته على مرويات الثقات الضابطين,فإن وافقت رواياته رواياتهم عد ضابطًا,وإن خالفتها نظر في حجم تلك المخالفة، على ما كنت فصلته, دونما حاجة إلى إعادة وتكرار, هذا معنى الاختبار.
فكأن ابن أبي حاتم يقول: إذا قيل في الراوي هذا اللفظ,فلا تجزم بأن حديثه محتج به أو مردود، بل اختبر حديثه,فاعرضه على مرويات الثقات الضابطين,وانظر بعد ذلك إلى حجم المخالفة وقرر: هل هو ممن يلتحق بالثقة، أو ممن يلتحق بالمردود، لكن له عبارة في موضع آخر,وهو الذي ربما في الصفحة السابعة,كأن معناها أو مدلولها أن حديث من قيلت فيه هذه الألفاظ,أو بعضها,حديثه يعتبر حديثًا حسنًا.
فإذا كان الأمر هكذا,ولو سلمنا جدلًا بأن ابن أبي حاتم يقصد اختبار حديث أصحاب هذه الطبقة، فإننا في مثل هذه العصور,بل بعد العصر,أو بعد القرن الثالث أصبحنا محتاجين إلى ضرورة ضبط هذه الألفاظ وفق مرتبة معينة؛إذ إن التتبع والسبر,وكما يقال: اختبار الحديث,لم يعد متمكنًا منه بعد ذلك,وبالأخص في العصور المتأخرة فيما بعد القرن السادس، وبالذات في مثل عصرنا الحاضر,فهذا أمر متعذر ولا يمكن إطلاقًا أن يحصل في مثل هذا العصر على ما كنت بينته في صباح هذا اليوم.
لذلك إذا جاءتنا هذه الألفاظ,فإننا نعرف أن مثل الحافظ ابن حجر وغيره قد وضعوها في مرتبة تدل على أنهم محتج بهم,ولكنهم دون من حديثه حديث صحيح.
والذي يدعونا لهذا أننا إذا قلنا: إن أصحاب المراتب السابقة ما بين إنسان عبر عنه بأفعل التفضيل,مثل: فلان أوثق الناس,أو كأنه هذه السارية، أو فلان كأنه مصحف، أو فلان ثقة ثقة,أو ثقة حجة، أو ثقة حافظ,أو نحو ذلك من العبارات أو ثقة فقط، فكل هؤلاء حديثهم حديث صحيح، ثم نظرنا إلى باقي المراتب وإذا بحديث أصحابها حديث ضعيف,فما بقي عندنا إلا هذه المرتبة، إن قلنا: إن حديث أصحابها يختبر,والاختبار ليس في مقدورنا,فلا بد حينذاك أن نضع أصحاب هذه المرتبة إما مع المحتج بهم أو مع المردود حديثهم.
فجعلهم في أحد الشقين يحتاج إلى دليل,وبالذات إلحاقهم بمن حديثهم حديث لا يحتج به، لكن إذا ما نظرنا إلى معنى آخر,وهو أن هناك حديثًا يقال له: الحسن,ونظرنا إلى أصحاب المراتب السابقة وإذا بحديث أصحابها حديث صحيح,فمن هم إذن أصحاب الحديث الحسن؟
لا بد أن نضع لهم عبارات، وأن نحدد لهم مرتبة، فلو طبقنا لا نجد إطلاقًا أحسن وأليق من أصحاب هذه المرتبة بحكم أنها مرتبة وسط بين من قضي على حديثهم بأنه مردود,وبين من حكم على حديثهم بأنه صحيح محتج به,فليس هناك إذن إلا أصحاب هذه المرتبة.
ولذلك مثل الشيخ محمود الطحان في كتابه: (أصول التخريج ودراسة الأسانيد),لو طالعتم في تلك التعليقة التي كتبها على أصحاب المرتبة الرابعة,لرأيتم أنه يقول: إن حديث أصحاب هذه المرتبة لا يحتج ولكنه يختبر, ثم نقل كلام ابن أبي حاتم.
لكنه في كتابه: (تيسير مصطلح الحديث) ذكر أن أقسام الحديث المقبول أربعة أقسام:
الصحيح لذاته, والصحيح لغيره, والحسن لذاته, والحسن لغيره.
وعرف الحسن لذاته بأنه: ما اتصل سنده بنقل العدل الخفيف الضبط,عن مثله,إلى منتهاه,من غير شذوذ ولا علة. ومثل له بحديث يرويه جعفر بن سليمان الضبعي، ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال عن جعفر بن سليمان: هذا صدوق.
قال: فمثل هذا الراوي اتسم بخفة الضبط,وعبر عنه بصدوق,فحديثه حديث حسن لذاته.
قال هذا في الطبعات الأول من تيسير مصطلح الحديث، فلما كان في الجامعة ونوقش من قبل زملائه,وقيل له: أنت متناقض؛لأنك في كتاب (أصول التخريج ودراسة الأسانيد)تقول: إن الصدوق يختبر حديثه,ولا يحتج به,وإنما ينظر فيه وتنقل كلام ابن أبي حاتم,وأنت هناك أتيت بالمثال وهو جعفر بن سليمان الضبعي وحكمت عليه بأنه صدوق وجعلته محتجًا به,وحديثه حسن لذاته,فوفق بين قوليك.
فما كان منه إلا أن رجع إلى كتاب (تيسير مصطلح الحديث)وأبقى المصطلحات كما هي,ولكنه جاء إلى المثال نفسه إلى جعفر بن سليمان الضبعي فمسح كلمة صدوق,وقال: مثل هذا الراوي خف ضبطه,فحديثه حديث حسن، لكن حينما خف ضبطه ما هي العبارة التي أطلقها عليه العلماء؟ ههنا التساؤل.
ثم عندنا تساؤل آخر: إذا كنت عرفت الحديث الحسن لذاته بهذا التعريف,فأعطنا مثالًا من الواقع. أعطنا مثالًا لحديث يمكن أن يقال عنه: إنه حسن لذاته، وتكلم عن رجاله بما يشفي,وحدد المرتبة التي يمكن أن يوضع فيها كل رجل من هذه المراتب التي ذكرتها وألزمت نفسك بها.
فهو حينما ذكر المراتب قال: مراتب التعديل ست مراتب,ومراتب الجرح ست مراتب، وأخذ يسرد هذه وهذه,أعطنا مرتبة من هذه المراتب تدل على أن حديث أصحابها يعتبر حسنًا لذاته,وإلا معنى ذلك أننا نتكلم عن أمور خيالية ليس لها رصيد في الواقع وفي التطبيق.

قال بعد ذلك: وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري,أنه قال: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه.
وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك. بالنسبة للترك يختلف عن التضعيف,فلم يقولوا ههنا: لا يترك الاحتجاج بالرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه ما قيل هذا؟,وإنما قال: لا يترك الرجل,فالترك يمكن أن تعني ترك الاحتجاج,ويمكن أن تعني ترك كتب الحديث، فترك كتب حديث الراوي تعني أنه ضعيف جدًا، هذا إذا قالوا: لا يكتب حديثه,تعني: أنه ضعيف جدًا.
أما إذا قيل: يكتب حديثه ولا يحتج به، فمعنى ذلك أنه ضعيف,ولكنه يمكن أن ينجبر,ضعف حديثه بالشواهد والمتابعات,فعبارة أحمد بن صالح المصري ههنا تدل على أن الراوي لا يترك حديثه,أي: لا يصل إلى درجة الضعيف جدًا حتى يجتمع الجميع على تركه.
أما إذا كان الراوي مختلفًا فيه,فمنهم من يوثقه ومنهم من يجرحه، فإنه ينظر فيه وفق قواعد أهل العلم، لكن على فرض أن هذا الراوي رجحنا فيه جانب الجرح وضعفناه فإن ضعفه حينذاك يعتبر ضعفًا يسيرًا,مما يمكن أن ينجبر,اللهم إلا في حالة واحدة، وهي: ما لو تبين من خلال خلاف العلماء بأن هذا الراوي حينما جرح بذلك الجرح كان ذلك الجرح منصبًا على عدالته بالدرجة الأولى,أو على ما يدل فعلًا على أن حديثه بلغ مبلغ الترك,أي: لرداءة حفظه.
ولكن هذه المسألة: مسألة رداءة الحفظ,قد يكون من الصعب إيجاد مثال عليها، أما ما يتعلق بالطعن في العدالة فالأمثلة عليها كثيرة، فهناك رواة تختلف فيهم عبارات أئمة الجرح والتعديل,ومعنى ذلك نرجح عبارات الجارحين؛لأنها جاءت مفصلة,ونعتبر حديث أصحابها حديثًا ضعيفًا جدًا، بل يكاد يصل إلى درجة الموضوع، مع أنهم لم يجمعوا على ترك ذلك الراوي.
إذن ما السبب لكون الجرح فيه جاء مفسرًا وطاعنًا في عدالته؟ وخذوا من الأمثلة على ذلك من ذكرته لكم صباح هذا اليوم: محمد بن حميد الرازي,فالإمام أحمد يوثقه,وبعض الأئمة كابن خزيمة يتهمه ويقول: إن الإمام أحمد لم يعرف منه ما عرفنا، وكذلك أيضًا مثل سليمان بن داود الشاذكوني,ومثل يحيى بن عبد الحميد الحلماني,الذي قيل: إنه يسرق الحديث,بمعنى: أنه يضع الحديث؛لأن سرقة الحديث بمعنى وضع الحديث,وإن عبر عنها بهذا التعبير، لكن المؤدى واحد، فحديث أصحابها إن لم يكن موضوعًا فهو المتروك الذي لا يعبأ به ولا يلتفت إليه.
مع العلم أن يحيى بن عبد الحميد الحلماني,لو طالعتم في ترجمته,ستجدون من وثقه,وبالذات ممن أثنى عليه في حفظه وضبطه وإتقانه، ولكن تبقى مشكلة العدالة؛فالعدالة هي التي انخرمت في مثل هؤلاء الرواة.
إذن كلام أحمد بن صالح المصري,وكلام غيره من الأئمة,يمكن أن ينزل على منزلة معينة، وهي ما إذا كان الكلام منصبًا على الحفظ,وبعض العلماء يثني على هذا الرجل ويوثقه,وبعضهم يضعفه من قبل حفظه، فهذا الراوي هو الذي لم يجمع على ترك كتب حديثه.
ولذلك النسائي لا يترك الرجل حتى يجمع الأئمة على ترك حديثه، فذلك الرجل الذي يتركه النسائي بهذه الصورة هو الذي وصفته بكلامي هذا.
قال: والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال,وبقرائن ترشد إلى ذلك.والله الموفق,
وهذا سبق الكلام عنه فيما تقدم، نعم ينبغي لطالب العلم أن ينظر في القرائن,وأن يوازن بين عبارات أئمة الجرح والتعديل، ومن تلك القرائن التي ذكرتها: إما بكثرة العدد,وإما بكون الجرح مفسرًا، وإما قد يكون الجارح قرينًا من أقرانه,أو غير ذلك من الأمور التي ذكرتها في حال تعارض الجرح والتعديل.
أما كلام ابن الصلاح الذي جاء بعد هذا,وهو قوله: وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا,ولم يبق إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد، فينبغي أن لا يكون الشيخ مشهورا بفسق ونحوه,وأن يكون ذلك مأخوذا عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة بهذا الشأن.
أقول: هذا كلام متين جدًاوهو أن الأئمة السابقين كان الحد الفاصل.. الحد الزمني الذي يدل على أن ما قبله كانوا محتاجين فيه إلى التنصيص على ما يتعلق بالعدالة والضبط والكلام فيهما وتحققهما معًا في الراوي الذي يقبل حديثه.
ولذلك كانوا يجرون هذا الاختبار الذي ذكرنا وهو: عرض مرويات الراوي على مرويات الثقات الضابطين,إلى آخر ما كنت تكلمت عنه لكم، أما بعد السنة الثلاثمائة للهجرة فإن الحال قد اختلف,فأصبحت المرويات عبارة عن كتب تتلقى,فلم يبق حينذاك إلا التنصيص على عدالة الراوي,والتحقيق في صحة سماعه لما ادعاه من السماع بعد السنة الثلاثمائة للهجرة فإن الحال قد اختلف,فأصبحت المرويات عبارة عن كتب تتلقى,فلم يبق حينذاك إلا التنصيص على عدالة الراوي,والتحقيق في صحة سماعه لما ادعاه من السماع ، هذا هو الذي اهتموا به.
ولذلك لما وقف بعض طلبة العلم على هذا الحد الزمني الذي ذكره الحافظ الذهبي,والذي هو مذكور أمامكم,ولعلنا نقرأه للذاذته وجودته,إن شاء الله,لما وقفوا على هذه العبارات أن الأئمة حدوا المتقدم من المتأخر,والحد الزمني بينهما بالثلاثمائة للهجرة، ظنوا أن المسألة تجاوزت هذا الحد,فأصبح هناك منهج للمتقدمين ومنهج للمتأخرين,بما تضمنه الكلام الذي لا يخفى عليكم من كلام سواء في الجهالة أو في التدليس,أو في العلل,أو في الاختلاط أو في غير ذلك من مباحث علم المصطلح ومباحث العلة بالذات,منشأ الخطأ عندهم حينما أرادوا أن يحدوا الحد الزمني استشهادا ببعض عبارات الأئمة,التي لم يريدوا منها ما أراد هؤلاء القوم.
فالحافظ الذهبي حينما ذكر هذا الكلام في مقدمة (ميزان الاعتدال) ارجعوا إليه,وانظروا ماذا يقصد,فستجدون أنه يقصد كلام ابن الصلاح الذي ذكره ههنا,والذي يبينه بيانًا جيدًا، التعليق الذي ذكره الشيخ أحمد شاكر رحمة الله عليه، وينقل أيضًا فيه كلام الذهبي

القارئ: الشروط السابقة في عدالة الراوي إنما (باقي المتن غير مسموع)
الشيخ: لاحظتم العبارةقال: هذا في المتقدمين, وأما المتأخرون بعد سنة ثلاثمائة تقريبًا يأتي الكلام، إذن هناك متقدم، وهناك متأخر، والحد الفاصل بينهما ثلاثمائة للهجرة، لكن هل يريد الشيخ أحمد شاكر أو الذهبي أو ابن الصلاح أو غيرهم ممن تكلم,هل يريدون ما أراده طلبة العلم الذين في هذا الزمن؟ بطبيعة الحال لا,وانظروا إلى بقيه الكلام.
القارئ: قال: من أصل موافق شيخه؛لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد,وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة.

الشيخ: لاحظتم الكلام كله منصب على ما يتعلق بالعدالة، يكفي أن يكون الراوي مسلمًا بالغًا عاقلًا غير متظاهر بفسق,أو بما يخل بمروءته,وأن يكون سماعه ثابتا بخط ثقة غير متهم,وبرواية من أصل صحيح موافق شيخه؛لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد، وإلا فإن الروايات استقرت ودونت الكتب وفرغ منها، وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة.
الشيخ: نعم,هذا الحقيقة كلام متين,وكلام جيد,نستطيع به أن نتفهم حقيقة هذه المسألة وهذه الدعوى,ونستطيع به أيضًا أن نتفهم حقيقة ما يثيره بعض أهل الشبة,وأهل الزيغ والضلال,مثل محمود سعيد ممدوح,عامله الله بما يستحق,وأسأل الله جل وعلا إن كان عارفًا للحق ويتلاعب بالعلم، وبعقول الناس وبأديانهم,ويطعن في كتب السنة,أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر؛ لأنه أيها الإخوة حقيقة طعن في كتب السنة,كالسنة لعبد الله بن الإمام أحمد,وكتاب الرؤية للدارقطني, وهذه الكتب التي تعنى بمعتقد أهل السنة وتبرزه,وترد على المبتدعة,طعن فيها طعنًا يدل على خبثه,عامله الله بما يستحق.
وهو يعرف مثل هذا الكلام؛لأنه طالب علم حديث,ما يخفى عليه مثل هذا الكلام,وقف عليه في بطون هذه الكتب,ويعرف أن دواوين السنة المشهورة ما عادت تحتاج إلى رواية,ولا إلى من يطعن في أسانيدها، فيأتي فيقول: كتاب (الرؤية) للدارقطني فيه راو لم تعرف عدالته,أو لم يعرف بعدالة,ولا حرج,وهلم جرا، وكتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد كذا, كذا.
سبحان الله! هذه كتب أصبحت مشهورة,وتواترها يغني عن إسنادها؛ فإن ذلك التواتر أقوى من عشرات الأسانيد,لو جاءت كتب مشتهرة يعرفها القاصي والداني,بحيث لو جاء إنسان وزاد فيها حرفا واحدا,لثارت ثائرة العلماء الباقين عليه؛ لأن أصولها موجودة عندهم,ثم إن هذه الأحاديث التي فيها ستجدها في دواوين السنة الأخرى.
فحديث مثلًا يرويه عبد الله بن الإمام أحمد في مسألة العلو,كحديث الجارية,ستجده في صحيح مسلم في الكتاب الفلاني,في الكتاب الفلاني,في كتب أخرى، ما من نص من النصوص ستجد عبد الله بن الإمام أحمد مثلًا ينفرد به, ولا يروى‌‌في غيره من الكتب,إلا أندر من النادر، فالنسبة العظمى ستجدها موجودة في الكتب الأخرى التي لا يستطيع محمود سعيد ممدوح ولا غيره أن يطعن فيها.
فإذن هذه الموافقة تدل على صحة أصول هذه الكتب,بالإضافة لما ذكرنا، فينبغي أن نكون أيها الإخوة حذرين أشد الحذر من مثل هذه الدعاوى التي تثار,والتي يراد بها إهدار جهود هؤلاء الأئمة الذين خدموا هذه السنة طيلة هذه السنوات الطويلة، ثم يأتي من يريد أن يبعثر هذه الجهود,ونريد أن نعيد الأمور جدعًا، وهذا في الحقيقة ليس فقط في أصول الحديث,وإنما في مسائل كثيرة مثل ما يصنعه الترابي من محاولة نسف أصول الفقه وأصول الحديث,وهذه القواعد التي قعدها العلماء, ودون أن يقدم للأئمة أي شيء، يريدها أن تبقى في صحراء,لا تدري أن تذهب يمنة أو يسرة,ألقاها في اليم,أو في الصحراء,وقال: الطرق التي رسمت قبل هذا كلها طرق غير صحيحة.
أين الطريق إذًا؟
ريثما تقام دولة الإسلام وينشأ بعد ذلك ما ينشأ، والله أعلم متى تقوم دولة الإسلام,ومتى يمكن أن تحكم الشريعة، وها هو المسكين كم مضى له من السنين منذ أن تولى الحكم,وهو عاجز عن تطبيق أي حد من الحدود.
فعلى كل حال كل,من أراد أن يتنكر لجهود هؤلاء العلماء لابد أن يكون إما جاهل,وإما صاحب هوى مغرض,يريد هدفًا آخر,فنكون حذرين أشد الحذر من هؤلاء,ونتسلح بسلاح العلم؛ فإن هذا السلاح هو الذي يجعلنا نقاوم شبهات هؤلاء الذين يأتون بمثل هذه الشبه.

تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 11:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ: مسألة: قال الخطيب البغدادي على العبارات في التعديل والترجيح أن يقال: حجة أوثقة,وأدناها أن يقال: كذاب.
قلت: وبين ذلك أمور كثيرة يعسر ضبطها,وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على مراتب منها,وثَم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها:
من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه,أو فيه نظر.فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده,ولكنه لطيف العبارة في التجريح. فليُعلم ذلك.
وقال ابن معين: إذا قلتُ: ليس به بأس,فهو ثقة.
قال ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق,أو محله الصدق,أولا بأس به,فهو ممن يُكتب حديثه,وينُظر فيه.
وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري,أنه قال: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه.
وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك, والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال,وبقرائن ترشد إلى ذلك.والله الموفق.
قال ابن الصلاح: وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا,ولم يبق إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد,فينبغي ألا يكون مشهورا بفسق ونحوه,وأن يكون ذلك مأخوذًا عن ضبط سماعه من مشايخه,من أهل الخبرة بهذا الشأن.والله أعلم.
الشيخ: هذا الكلام على ما يتعلق بمراتب الجرح والتعديل,وهو أحد أبواب الجرح والتعديل, وهو المقصود من علم الجرح والتعديل,ولكن ابن كثير رحمه الله اختصره؛لأنه رأى الموضوع واسعا, وابن الصلاح يقول: توسع وأطال,فما كان من ابن كثير إلا أن أشار إشارات,وهذا هو زبدة علم الجرح والتعديل,لماذا هو زبدة علم الجرح والتعديل؟
لأنهم من كلام الأولين وضعوا مراتب من مجموع كلامهم,ولكن أول من حررها هو ابن أبي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل)؛لكي يسهل على طلبة العلم والناظرين والنقاد,بعض أئمة الجرح والتعديل يسهل عليهم الاستفادة من كلام الأولين,فوضعوا مراتب للرواة توثيقًا وتجريحًا: المرتبة الأولى كذا,المرتبة الثانية كذا,المرتبة الثالثة كذا,وأصدروا أحكامًا,أصدر ابن أبي حاتم حكم أصحاب المرتبة الأولى أنه يحتج بهم,والثانية يحتج بهم أو.. والثالثة يكتب حديثهم وينظر فيه,والرابعة كذا,ووضع مراتبوضع أحكاما لكل مرتبة.
فإذن يسهل عليك أنت إذا قيل: الراوي ثقة,هذا في مرتبة وتنظر ومعها حكمها,إذا قيل: صدوق فهذا في مرتبة ومعها حكمها,إذا قيل مثلًا: ليس به بأس,إذا قيل: ضعيف,إذا قيل: ليس بالقوي,إذا قيل: ليس بالشيء,إذا قيل: واه,إذا قيل: متروك,إذا قيل: وضاع.
ما زال العلماء يتوسعون في هذه المراتب,حتى استقر العمل أو استقر التوسع هذا,ابن أبي حاتم وضعها أربعا للجميع جرحا وتعديلًا,وسعها ابن الصلاح قليلًا قليلًاثم وسعها الذهبي ثم العراقي ثم السخاوي.. ثم ابن حجر ثم السخاوي,واستقرت على اثنتي عشرة مرتبة؛للتعديل ست مراتب وللجرح ست مراتب.
يبدؤون بالأعلى منها,وهي الثقة,يعني: ما تكرر ثقة ثقة ثقة, أو من يقال فيه: إنه أوثق الناس,وينزلون إلى الوضاع,فهذه اثنتا عشرة مرتبة,ولها أحكام,يقولون مثلًا: الأربع مراتب الأولى هذه حديث صحيح, المرتبتان الأخيرتان من مراتب التعديل هذه حديثهم يدور حول الحديث الحسن,المرتبة الأولى والثانية من مراتب الجرح حديثهم ضعيف قابل للاعتضاد المراتب,الأربعة الأخيرة من مراتب الجرح هذه لا يعتضدبأصحابها,ولا يعني حديثهم هو الذي قيل: إنه لا يصلح للاعتضاد.
فهذه هي زبدة باب الجرح والتعديل,التي هي مراتبها مراتب الجرح والتعديل,والكلام فيها يعني واسع يوجد في الكتب المطولة, ابن كثير رحمه الله ما كان منه إلا أن يعني لم الموضوع واختصره.
ويوجد فيهم مثلًا تجد في فتح المغيث تطويلا حول هذا,وفي كتب الآن صدرت في ضوابط الجرح والتعديل,أشهرها الآن كتاب الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف رحمه الله,يعني هو أحد أساتذة الجامعة الإسلامية,ودرس هذه المادة,و تخصص فيها,ووضع ضوابط للنظر في أقوال الأئمة في الجرح والتعديل,واستقصى موضوع المراتب هذه,ولخصها وسلسلها تاريخيًّا.
ثم تكلم ابن كثير رحمه الله على أن هناك ينبغي لطالب العلم أن يراعي الاصطلاحات الخاصة ببعض الأئمة,وهذا الكلام صحيح يقول هو رحمه الله: إن البخاري رحمه الله إذا قال عن فلان: سكتوا عنه.ما ظاهر هذه العبارة؟
سكتوا عنه الآن: ظاهرها أنهم لم يتكلموا عليه,لكن باطنها أنه متروك الحديث,باطنها يعني؛أخذا من الاستقراء,حتى إنه ربما يقول مثلًا وهذا يعني من الغريب يقول: سكت عنه ابن المبارك,سكت عنه ابن المبارك,فإذا ذهبت إلى كلام ابن المبارك فإذا هو يقول فيه: متروك الحديث.
وكذلك كلمة البخاري الثانية يقول: فيه نظر.لكنها هذه أخف من الأولى,حتى إن بعض الباحثين يقول: إطلاق أن فيه نظر من أدنى المراتب عند البخاري فيه نظر؛فالبخاري يطلقها على من هو متروك الحديث,وعلى من هو فوقه,وعلى من هو فوقه.
فالمقصود أن البخاري رحمه الله يقولون: يختار عبارات لينة لتجريح الراوي,معروف أن الأئمة يختلفون في التجريح,هم يجرحون,الدرجة واحدة,ولكن قد يختار عبارة,هذا مثلًا ابن معين يختار عبارات قوية جدًّا,إما أن يلعنه أو يعني يقول: الخبيث عدو الله,ما أحوجه إلى أن يقتل,ما أحوجه إلى أن تهدم داره, يعني يقول عن شخص: ينبغي أن تهدم داره ويهدم ما حولها,أربعون من هنا وأربعون من هنا وأربعون من هنا. فقال له قائل: إذن تدخل دارك في الهدم يا أبا زكريا.قال: يبدأ بها. يعني يشدد هو في الرواة.
ولهذا السبب نسب إلى التشدد في الجرح والتعديل,وليس كذلك هو,لكن التشديد في أي شيء؟ إذا قارنته بكلام الإمام أحمد تجد بينهما فرق في اختيار العبارات,وإن كان المؤدى واحد, لكن هو يختار عبارات,ولهذا كان يخاف منه الرواة.
يقول ابن كثير: ينبغي أن نراعي مصطلحات الأئمة.أحيانًا الإمام مثلًا نقلوا عن ابن معين أنه قال: إذا قلت: ليس به بأس,فهو ثقة.هذا منقول عن ابن معين وعن غيره أيضًا,ويعني حولها ظاهرًا الآن بالنسبة لمراتب الجرح والتعديل أنهم يضعون (ليس به بأس) في مرتبة دون الثقة,لكن منقول عن ابن معين أنه يقول: إذا قلت: ليس به بأس فهو ثقة.وهذا الكلام صحيح,ولكن مع هذا يظهر والله أعلم أن ابن معين لا يقول في الراوي: ليس به بأس هكذا إلا وهو ثقة,لكنه في أدنى مراتب الثقة,يعني: هذا الذي يظهر.
فيه جملة أخيرة في كلام ابن الصلاح لما فرغ من جميع ما يتعلق بأصول الجرح والتعديل,أو بفروع الجرح والتعديل,ختمه بكلام ينبغي أن نفهمه جيدا,أمر مهم,وهو أن هذه الشروط التي اشترطها الأئمة في الجرح والتعديل في الراوي جرحًا وتعديلًا في العصور المتأخرة تخففوا منها كثيرًا,وألغوها تقريبًا, ألغيت في النهاية,حتى لم يعد لها وجود,وكما ذكرت: نحن لسنا بحاجة إلى علم الجرح والتعديل,لم ألغيت؟لأنه ذهب عصر الرواية,هذا هو السبب,لو كان هناك عصر الرواية ما ذهبت,إذن ذهب عصر الرواية,فيقولون: الرواة الآن يروون كتبا,الرواة في العصور المتأخرة لا يروون أحاديث,وإنما يروون نسخا أو كتبا,يروون صحيح البخاري,يروون صحيح مسلم,يروون مصنف ابن أبي شيبة,يروون مصنف عبد الرزاق,كتب موجودة متعارف عليها,يروون أجزاء معروفة,متعارف عليها.
إذن يكفي أن يكون هذا الراوي,وإن لم تتوافر فيه شروط الرواة الأولين,يكفي فيه أن يكون هناك أصل مثبت من ثقة,أن هذا سمع وقد مر بنا,يمكن ما مر بنا هنا,مر بنا أن ابن كثير رحمه الله روى عن حديث مسلسل بقراءة سورة الصف حديث معروف,كل راو يقرأ سورة الصف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فابن كثير أحب أن يلتحق بهذه السلسلة,فجاء إلى شيخ يروي هذا الحديث,لكن نتصور هذا الشيخ عاميا,لا يعرف أن يقرأ سورة الصف,ولكنه أيام كان صغيرا أُحضر مجلسا,وهذا هو سبب رواية الرواة,وإن لم يكونوا أهلا للرواية في العصور المتأخرة,أنهم يحضرون وهم صغار,ثم قد ينشغل عن الرواية,لكنه يعمر,فيحتاجونه ناس يقول ابن كثير: وضاق الوقت عن تلقينه إياها. يعني: ما استطاعوا حتى يلقنوه سورة الصف,وإن كان ابن كثير قد رواها مرة ثانية, يعني: حصلت له فرصة أن يرويها بطريق آخر,لكن هذا ينبئنا,وكذلك الذهبي رحمه الله في معجم شيوخه عتب على نفسه هو, عتب وشدد في العتاب على نفسه وعلى بعض المحدثين الذين يروون عمن هو ليس بأهل للرواية,وإنما الغرض هو كثرة الرواية.
وهذا كما ذكرت له سبب, السبب هو أنهم يقولون: المقصود بقاء سلسلة الإسناد الذي خص الله به هذه الأمة,وأيضا مزيد ضبط لهذه الكتب؛حتى يعتنى بها وتسمّع وتضبط وتقرأ على علماء,ما في شك فيه فوائد أخرى غير قضية التوثق من الرواية, فهذا هو معنى التسمح وسيأتي معنا مزيد تسمح في النوع الذي بعد هذا الذي هو النوع الرابع والعشرون,تسمحوا في طريقة التحمل,داخل في هذا الشيء الذي هو الإجازة والمناولة وما يتعلق بها.

سؤال: يقول السائل: قررتم,حفظكم الله,أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يروي الحديث الصحيح بصيغة التمريض,والناظر إلى صحيح البخاري يرى كثيرًا من الأحاديث التي يرويها البخاري بصيغة التمريض,فهل هي قاعدة خاصة به ؟ وجزاكم الله خيرًا.
جواب: نعم.هو في البخاري موجود هذا,قد يذكر حديثًا بصيغة التمريض,وقد أخرجه في مكان آخر,ولكن نلاحظ أن البخاري رحمه الله يراعي قضية الاستنباط,ذكروا عنه هذا,فلعل هذا قاعدة له يراعي قضية الاستنباط من الحديث, يشير ابن حجر إلى هذا, أن البخاري إنما ذكره بصيغة التمريض بسبب يتعلق بالاستنباط,أو لكونه ساقه بالمعنى أو نحو هذا,فلعل هذا قاعدة له, والله أعلم.
سؤال: يقول السائل: ما المقصود من قول الحافظ ابن كثير: في المقدمات؟
الجواب: كتاب له سماه (المقدمات) يعني: هو في أصول الفقه,
كتاب معروف لابن كثير اسمه (المقدمات) وهو في أصول الفقه.
سؤال: أحسن الله إليكم,السؤال الأخير يقول: ما هو الفرق بين العدالة الظاهرة,والعدالة الباطنة ؟ ومن هو المستور ؟
الجواب: المستور هو العدل ظاهرا,ولكن لم تخبر حاله باطنًا,يعني: لم يعرف عنه فسق,ولا يعني لم يعرف عنه ما يخل بالعدالة الظاهرة,ولكنه لم يخبر باطنًا؛لأنه معروف أنه لا يكفي أن يكون المزكي هذا,إذا أراد أن يزكي شخصًا لا بد أن يكون يعرفه,لابد أن يعرفه معرفة باطنة,إما أن يكون قد عامله أو عاشره أوله به صلة,فهذه هي العدالة الباطنة,العدالة الباطنة معرفة حال الشخص,ولا يكفي ألا نعرف عنه خارماللعدالة,أو ناقضًا للعدالة,هذا معناه كذلك.
السؤال: أحسن الله إليكم, الجزء الثاني من السؤال يقول: وهل قول أحمد وغيره:"الحديث الضعيف أحب إلي من رأي الرجال" يدل على الاستشهاد بالحديث الضعيف في الأحكام؟
الجواب: نعم.بلا شك يدل هذا على أنه ربما أخذ بالحديث الضعيف في الأحكام أيضًا,وهو أحب إليه من رأي الرجال وقد ذكرت أكثر من مرة,رحمه الله,أن الأئمة يحرصون على الاتباع,يفرحون إذا وجدوا في المسألة أثرًا أو حديثًا ولو ضعيفًا,ولكن مثل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنه ليس مراد أحمد بالضعف هذا الضعف الذي نتركه نحن: لم يصل عندنا إلى الحسن الذي عرفه به الترمذي.وكلامه فيه نوع من الدقة أو فيه شيء من الدقة بلا إشكال,دقيق رحمه الله,يقول: إن ما يعني اصطلح عليه الترمذي هذا هو ويسميه الحسن هذا هو الذي كان أحمد رحمه الله يسميه أو يطلق عليه الضعف,أما ما لم يصل إلى الحسن عندنا فهذا يقول: لا يستدل به أحمد.هذا معنى كلامه رحمه الله

تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجرح, عبارات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir