وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ كذَا بِأَنْ = لا َبَعْدَ عِلْمٍ وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنْ([1])
فَانْصِبْ بِهَا ، وَالرَّفْعَ صَحِّحْ ، وَاعْتَقِدْ = تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ فَهُوَ مُطَّرِدْ ([2])
يُنْصَبُ المضارعُ إذا صحِبَه حرفٌ ناصبٌ ، وهو "لَنْ أو كَيْ أو أَنْ أو إِذَنْ" نحو: " لنْ أَضْرِبَ " "وجئتُ كَيْ أَتَعَلَّمَ " " وَأُرِيدُ أَنْ تَقُومَ " وَإِذَنْ أُكْرِمَكَ- في جوابِ مَنْ قالَ لكَ: "آتِيكَ" وأشارَ بقولِهِ: (لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) إلى أنَّه إنْ وقعَتْ "أَنْ" بعدَ عِلْمٍ ونحوِهِ ممَّا يدُلُ على اليقينِ وجَبَ رفعُ الفعلِ بعدَها، وتكونُ حينئذٍ مخفَّفَةً مِنَ الثقيلةِ نحوَ: "عَلِمْتُ أَنْ يقومُ"([3]) التقديرُ: أنَّه يقومُ ، فخُفِّفَتْ أنْ ، وحُذفَ اسمُها وبَقَى خبرُها ، وهذِهِ هي غيرُ الناصبةُ للمضارعِ ؛ لأن هذه ثُنَائِيَّةٌ لفظًا ثلاثيةٌ وَضْعًا ، وتلكَ لفظًا ووَضْعًا.
وإنْ وقعَتْ بعدَ ظَنًّ ونحوِهِ - ممَّا يدُلُ على الرجحانِ جازَ في الفعلِ بعدَها وجهانِ:
أحدُهما: النصبُ على جَعْلِ "أَنْ" مِنْ نواصبِ المضارعِ.
الثاني: الرفعُ على جَعْلِ "أَنْ" مُخَفَّفَةً مِنَ الثقيلةِ.
فتقولُ: "ظَنَنْتُ أَنْ يقومُ ، وَأَنْ يَقُومَ" والتقديرُ: - معَ الرفعِ - ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَقُومُ ، فَخُفِّفَتْ "أَنَّ" وحُذفَ اسمُها ، وبقَى خبرُها ، وهو الفعلُ وفاعلُه.
وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ "أَنْ" حَمْلاً عَلَى "ما " أُخْتُهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاً ([4])
يعني أنَّ مِنَ العربِ مَنْ لمْ يُعْمِلْ " أَنْ " الناصبةَ للفعلِ المضارعِ ، وإنْ وقَعتْ بعدَ ما لا يدُلُ على يقينٍ أو رجحانٍ([5]) ؛ فيُرفَعُ الفعلُ بعدَها حَمْلاً عَلَى أختِها "مَا" المصدريَّةِ ؛لاشتراكِهما في أنَّهما يُقَدَّرَانِ بالمصدرِ فتقولُ: "أُرِيدُ أَنْ تَقُومُ" كما تقولُ: "عَجِبْتُ ممَّا تَفْعَلُ".
وَنَصَبُوا بِإِذَنِ المُسْتَقْبَلاً إِنْ صُدِّرَتْ، وَالفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ([6])
أَوْ قَبْلَهُ اليَمِينُ ، وَانْصِبْ وَارْفَعَا = إِذَا "إِذَنْ" مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا ([7])
تقدَّمَ أنَّ مِنْ جملةِ نواصبِ المضارعِ "إِذَنْ" ولا يُنْصَبُ بها إلا بشروطٍ:
أحدُها: أنْ يكُونَ الفعلُ مستقبَلاً.
الثاني: أنْ تكُونَ مصدَّرةً.
الثالثُ: أنْ لا يُفصلُ بينَها وبينَ منصوبِها.
وذلكَ نحوَ أَنْ يقالَ: أنَا آتيكَ فتقولُ: "إِذَنْ أُكْرِمُكَ".
فلوْ كانَ الفعلُ بعدَها حالاً لم يُنصبْ ، نحوَ أنْ يقالَ: "أُحِبُّكَ ؛ فتقولُ : " إِذَنْ أَظُنُّكَ صَادِقًا" فيجِبُ رفعُ "أَظُنُّ" ، وكذلكَ يجِبُ رفعُ الفعل بعدَها ، إنْ لمْ تَتَصَدَّرْ نحوَ: "زَيْدٌ إِذَنْ يُكْرِمُكَ" ؛ فإنْ كانَ المتقدِّمُ عليها حرفَ عطفٍ جازَ في الفعلِ : الرفعُ والنصبُ نحوَ: "وَإِذَنْ أُكْرِمَُكَ" ، وكذلكِ يجِبُ رفعُ الفعلِ بعدَها ، إنْ فُصِلَ بينَها وبينَه نحوَ: "إِذَنْ زَيْدٌ يُكْرِمُكَ" ، فإنْ فُصِلَتْ بالقسمِ نصَبْتَ نحوَ: "إِذَنْ وَاللَّهِ أُكْرِمَكَ"([8]).
([1])(بلن) جار ومجرور متعلق بانصبه (انصبه) انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به (وكي) معطوف على لن (كذا، بأن) جاران ومجروران متعلقان بفعل محذوف، يدل عليه قوله (انصبه) (لا) عاطفة (بعد) ظرف معطوف على ظرف آخر محذوف، والتقدير: فانصبه بأن بعد غير علم لا بعد علم (والتي) اسم موصول: مبتدأ (من بعد) جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، وبعد مضاف و(ظن) مضاف إليه.
([2])(فانصب) الفاء زائدة وانصب: فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت, والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وهو قوله (التي) في البيت السابق وقد عرفت مرارا أن خبر المبتدأ يجوز أن يكون جملة طلبية (بها) جار ومجرور متعلق بانصب (والرفع) مفعول مقدم لصحح (صحح) فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (واعتقد) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (تخفيفها) تخفيف: مفعول به لاعتقد وتخفيف مضاف وها مضاف إليه (من أن) جار ومجرور متعلق بتخفيف (فهو) الفاء للتعليل هو: ضمير منفصل مبتدأ (مطرد) خبر المبتدأ.
([3])ومن ذلك قول الشاعر وهو الشاهد رقم 107 السابق في باب إن وأخواتها:
علموا أن يؤملون فجادوا = قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
([4])(وبعضهم) بعض: مبتدأ، وبعض مضاف والضمير مضاف إليه (أهمل) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بعضهم (أن) قصد لفظه: مفعول به لأهمل، والجملة من الفعل الذي هو أهمل وفاعله ومفعوله في محل رفع خبر مبتدأ (حملا) منصوب على نزع الخافض، أو حال بتأويل اسم الفاعل من الضمير المستتر في أهمل، والتقدير: حاملا إياها (على ما) جار ومجرور متعلق بقوله حملا (أختها) أخت: بدل من (ما) أو عطف بيان وأخت مضاف وضمير الغائبة العائد إلى أن المصدرية مضاف إليه (حيث) ظرف متعلق بأهمل مبني على الضم في محل نصب (استحقت) استحق: فعل ماض، والتاء للتأنيث وفاعل استحق ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى أن المصدرية (عملا) مفعول به لاستحقت والجملة من استحقت وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة حيث إليها.
([5])وقد قرئ بالرفع في قوله تعالى: (لمن أراد أن يتم) وعلى هذا ورد قول الشاعر:
أن تقرآن على أسماء ويحكما = مني السلام وألا تشعرا أحدا
وقول الآخر:
إني زعيم يا نويـ = ـقة إن نجوت من الرزاح
أن تهبطين بلاد قو = م يرتعون من الطلاح
([6])(ونصبوا) فعل وفاعل (بإذن) جار ومجرور متعلق بنصبوا (المستقبلا) مفعول به لنصبوا (إن) شرطية (صدرت) صدر: فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط والتاء للتأنيث ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى إذن (والفعل) الواو للحال، والفعل: مبتدأ (بعد) ظرف مبني على الضم في محل نصب، وهو متعلق بمحذوف خبر المبتدأ والتقدير: والفعل واقع بعد أي بعد إذن (موصلا) حال من الضمير المستكن في الظرف الواقع خبرا.
([7])(أو) عاطفة (قبله) قبل: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وقبل مضاف وضمير الغائب العائد إلى الفعل مضاف إليه، ومعنى العبارة: أن اليمين توسط بين إذن والفعل فوقع قبل الفعل فاصلا بينه وبين إذن (اليمين) مبتدأ مؤخر (وانصب) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (وارفعا) معطوف على انصب (إذا) ظرف تضمن معنى الشرط (إذن) فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده والتقدير: إذا وقع إذن، والجملة من وقع المحذوف وفاعله المذكور في محل جر بإضافة (إذا) إليها (من بعد) جار ومجرور متعلق بوقع، وبعد مضاف و(عطف) مضاف إليه (وقعا) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إذن الواقع فاعلا، والجملة من وقع المذكور وفاعله لا محل لها مفسرة.
([8])ومن ذلك قول الشاعر:
إذن والله نرميهم بحرب = يشيب الطفل من قبل المشيب