651- وزَائِدًا فَعْلاَنَ ـ فِي وَصْفِ سَلِمْ = مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تأنيثٍ خُتِمْ
(وزائِدًا فَعْلَانَ) رُفِعَ بالعطفِ عَلَى الضميرِ فِي مَنَع، أيْ: وَمَنَعَ صرفَ الاسمِ أيضًا زَائِدًا فَعُلَانَ، وهُمَا الألفُ والنونُ (فِي وصفِ سَلِمْ * مِنْ أَنْ يُرَى بتاءِ تأنيثٍ خُتِمْ) إمَّا لأنَّ مؤنَّثَهُ فُعْلَى كَسَكْرَانَ، وغَضْبَانَ ونَدْمَانَ مِنَ النَّدَمِ، وهذَا مُتَّفَقٌ علَى مَنْعِ صَرْفِهِ، وإمَّا لأنَّهُ لا مؤنثَ لَهُ، نحوَ لَحْيَانَ لِكَبِيْرِ اللِّحْيَةِ، وهَذَا فيهُ خِلَافٌ، والصحيحُ مَنْعُ صرفِهِ أيضًا لأنَّهُ وإنْ لمْ يَكُنْ لَهُ فَعْلَى وُجُودًا فَلَهْ فَعْلَى تَقْدِيْرًا، لأنَّا لو فَرَضْنَا لهُ مُؤَنَّثًا لكانَ فَعْلَى أَوْلَى بِهِ مِنْ فَعْلَانَه، لأنَّ بَابَ فَعْلَانَ فَعْلَى أَوْسَعُ مِنْ بَابِ فَعْلَان فَعْلَانَة، والتقديرُ فِي حُكْمِ الوجودِ بدليلِ الإجماعِ علَى مَنْعِ صَرْفِ أَكْمَرَ وآدَرَ مَعَ أَنَّهُ لَا مُؤَنَّثَ لَهُ وَلَوْ فُرِضَ لهُ مُؤَنَّثٌ لَأَمْكَنَ أنْ يكونَ كمؤنثِ أَرْمَلَ وَأَنْ يكونَ كمؤنثِ أَحْمَرَ، ولَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحْمَرَ أَوْلَى لِكَثْرَةِ نَظَائِرِهِ.
واحْتَرِزْ مِنْ فَعْلَانَ الذِي مُؤَنَّثُهُ فَعْلَانَة فإنَّهُ مَصْرُوفٌ، نحوَ: نَدْمَانَ مِنَ المُنَادَمَةِ ونَدْمَانَةٍ وسَيْفَانٍ وسَيْفَانَةٍ، وقَدْ جَمَعَ المُصَنِّفُ مَا جَاءَ عَلَى فَعْلَانَ، وَمُؤَنُّثُهُ فَعْلَانَةُ، فِي قولِهِ [مِنَ الهَزَجِ]:
أَجِزْ فَعْلَى لِفَعْلَانَا = إذَا اسْتَثْنَيْتَ حَبْلَانَا
ودَخْنَانًا وسَخْنَانَا = وسَيْفَانًا وصَحْيَانَا
وصَوْجَانًا وعَلَّانَا = وقَشْوَانًا ومَصَّانَا
ومَوْتَانًا ونَدْمَانَا = وَأَتْبِعْهُنَّ نَصْرَانَا
واسْتُدْرِكَ عليهِ لفظانِ، وهمَا خُمْصَانُ لُغَةٌ فِي خُمْصَانَ، وَأَلْيَانُ، فِي "كَبْشٍ أَلْيَانَ" أيْ: كبيرُ الأِلْيَةِ، فَذَيَّلَ الشارحُ المُرَادِيُّ أبيَاتَهُ بقولِهِ:
وزِدْ فِيْهِنَّ خَمْصَانَا = عَلَى لُغَةٍ وَأَلْيَانَا
فالحَبْلَانُ: الكبيرُ البطنِ، وقيلَ: المُمْتَلِى غَيظًا، والدَّخْنانُ: اليومُ المظلمُ، والسَّخُنَانُ: اليومُ الحَارُّ، والسَّيْفَانُ، الرَّجُلُ الطَّوِيْلُ،والصَّحْيَانُ: اليومُ الذِي لَا غَيْمَ فيهِ، والصَّوُجَانُ: البعيرُ اليَابِسُ الظهرِ، والعَلَّانُ: الكثيرُ النسيانِ، وقيلَ: الرَّجُلُ الحقيرُ، والقَشْوَانُ: الدقيقُ السَّاقَيْنِ، والمَصَّانُ، اللئيمُ، والمَوْتَانُ البليدُ الميتُ القلبِ، والنَّدْمَانُ: المُنَادِمُ، أمَّا نَدْمَانُ مِنَ النَّدَمِ فغيرُ مَصْرُوْفٍ، إذْ مؤنثُهُ نَدْمَى وقدْ مَرَّ، والنَّصْرَانُ، وَاحِدْ النَّصَارَى.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: إنَّمَا مَنَعَ نَحْوَ سَكْرَانَ مِنَ الصَّرْفِ لِتَحَقُّقِ الفرعيتينِ فيهِ: أمَّا فرعيةُ المعنَى فَلِأَنَّ فيهِ الوصفيةُ؛ وهي فرعٌ عَنِ الجُمُوْدِ، لأنَّ الصِّفَةَ تَحْتَاجُ إلى موصوفٍ، يُنْسَبُ معنَاهُ إليهِ، والجامدُ لا يَحْتَاجُ إلى ذَلكَ.
وأمَّا فَرْعِيَّةُ اللفظِ فَلِأَنَّ فيهِ الزيادتينِ المُضَارِعَتَيْنِ لِأَلِفَي التأنيثِ فِي نحوَ حَمْرَاءَ فِي أَنَّهُمَا فِي بِنَاءٍ يَخُصُّ المُذَكَّرَ، كَمَا أنَّ أَلِفَي حَمْرَاءَ فِي بناءٍ يَخُصُّ المؤنثَ، وأنهُمَا لا تَلْحَقَهُمَا التاءُ، فَلا يُقَالُ: سَكْرَانَةٌ كَمَا لا يُقَالُ، حَمْرَاءَةٌ، مَعَ أنَّ الأوَّلَ مِنْ كلٍّ مِنَ الزيادتينِ أَلِفٌ، والثانِي حرفٌ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ المُتَكَلِّمِ فِي أَفْعَلَ ونَفْعَلُ، فلمَّا اجْتَمَعَ فِي نَحْوِ سَكْرَانَ المذكورِ الفرعيتانِ امْتَنَعَ مِنَ الصرفِ، وإنَّمَا لمْ تَكُنْ الوصفيةُ فِيْهِ وحدَهَا مَانعَةً ـ مَعَ أَنَّ فِي الصفةِ فرعيةً فِي المعنَى كمَا سَبَقَ، وفرعيةً فِي اللفظِ، وِهَي الاشتقاقُ مِنَ المصدرِ لضعفِ فرعيةِ اللفظِ فِي الصفةِ, لأنَّها كالمصدرِ فِي البقاءِ علَى الاسْمِيَّةِ والتنكيرِ، ولمْ يُخْرِجْهَا الاشتقاقُ إلى أكثرَ مِنْ نِسْبَةِ مَعْنَى الحَدَثِ فيهَا إلى الموصوفِ، والمصدرُ بالجملةِ صالحٌ لذلكَ كَمَا فِي "رَجُلٌ عَدْلٌ، ودِرْهَمٌ ضَرْبُ الأميرِ" فلمْ يكُنِ اشتقاقُهَا مِنَ المصدرِ مُبْعِدًا لهَا عَنْ معناهُ، فكانَ كالمفقودِ، فلمْ يُؤَثِّرْ، ومِنْ ثَمَّ كانَ نحوَ: "عالِمٌ، وشريفٌ" مَصْرُوْفًا مَعَ تَحَقُّقِ ذلكَ فيهِ، وكذَا إنَّمَا صُرِفَ نحوَ: "نَدْمَانٌ" معَ وجودِ الفرعيتينِ لضعفِ فرعيةِ اللفظِ فيهِ مِنْ جِهَةِ أنَّ الزيادةَ فيهِ لا تَخُصُّ المُذَكَّرَ، وتلحَقُهُ التاءُ فِي المؤنثِ نَحْوَ: "نَدْمَانَةٌ" فأَشْبَهَتِ الزيادةُ فيهِ بعضَ الأصولِ فِي لِزُوْمِهَا فِي حَالَتَي التذكيرِ والتأنيثِ وقَبُوْلِ علامَتِهِ، فلمْ يُعْتَدَّ بِهَا، ويشْهَدُ لذلكَ أنَّ قَوْمًا مِنَ العربِ ـ وهمْ بَنُو أَسَدٍ ـ يَصْرِفُوْنَ كُلَّ صِفَةٍ عَلَى فَعْلَانَ، لأنَّهُم يؤَنِّثُوْنَهُ بالتاءِ، ويستغنُونَ فيهِ بِفَعْلَانَةَ عَنْ فَعْلَى، فيقولونَ سَكْرَانَةٌ، وغَضْبَانَةٌ وعَطْشَانَةٌ، فَلَمْ تَكُنِ الزيادةُ عندهُمْ شَبِيْهَةً بِأَلِفَي حَمْرَاءَ، فلمْ تَمْنَعْ مِنَ الصَّرْفِ.
الثانِي: فُهِمَ مِنْ قوْلِهِ: "زَائِدًا فَعْلَانَ" أنَّهُمَا لا يُمْنَعَانِ فِي غيرِهِ مِنَ الأوزانِ، كفُعْلَانَ بضمِّ الفاءِ نحوَ خُمْصَانَ، لعدمِ شَبِيْهِهِمَا فِي غيرِهِ بِأَلِفَي التأنيثِ.
الثالثُ: مَا تَقَدَّمَ ـ مِنْ أنَّ المنعَ بِزَائِدَي فَعْلَانَ لشَبَهِهِمَا بِأَلِفَي التانيثِ في نحوِ حَمْرَاءَ ـ هو مذهبُ سِيْبَوَيْهَ وزعمَ المُبَرِّدُ أنَّهُ امْتَنَعَ لكونِ النونِ بعدَ الألفِ مُبْدَلَة ٌْمِنْ أَلِفِ التانيثِ، ومذهبُ الكوفيينَ أنَّهُمَا مُنِعَا لكونِهِمَا زائِدَيْنِ لَا يَقْبَلانِ الهاءَ لا للتَّشْبِيْهِ بِأَلِفَي التأنيثِ.
652- ووَصْفٌ اصْلِيٌّ ووزنُ أَفْعَلَا = مَمْنُوْعُ تَأْنِيْثٍ بِتَا كَأَشْهَلَا
(ووَصْفٌ أصْلِيٌّ ووزنْ أَفْعَلَا * مَمْنُوعُ) بالنَّصْبِ عَلَى الحالِ مِنْ وزنِ أَفْعَلَا، أيْ: حَالَ كَوْنِهِ مَمْنُوعٌ (تأنيثٍ بِتَا كَأَشْهَلَا) أيْ: ويَمْنَعُ الصرفَ أيضًا اجتماعُ الوصفِ الأصليِّ ووزنُ أَفْعَلَ، بِشَرْطِ أنْ لَا يَقْبَلَ التأنيثَ بالتاءِ، إمَّا لأنَّ مؤنثَةُ فَعْلَاءَ، كأَشْهَلَ، أو فُعْلَى كأَفْضَلَ، أوْ لأنَّهُ لا مؤنثَ لهْ كَأَكْمَرَ وآدَرَ، فهذِهِ الثلاثةُ ممنوعةٌ مِنَ الصَّرْفِ؛ للوصفِ الأصليِّ ووزنِ أَفْعَلَ، فإنَّ وزنَ الفعلِ بِهِ أَوْلَى، لأنَّ فِي أوَّلِهِ زيادةٌ تدلُّ عَلَى معنًى فِي الفعلِ، دُوْنَ الاسْمِ، فكانَ ذلكَ أصلًا فِي الفعلِ، لأنَّ مَا زِيَادَتُهُ لمعنًى أصلٌ لمَا زيادَتُهُ لغيرِ معنًى، فإنْ أُنِّثَ بالتاءِ انْصَرَفَ، نحوَ: أَرْمَلَ، بمعنَى فقيرٍ، فإنَّ مؤنثَهُ أرْمَلَةٌ، لضعفِ شَبَهِهِ بلفظِ المضارعِ، لأنَّ تاءَ التأنيثِ لَا تَلْحَقُهُ، وأَجَازَ الأخْفَشُ مَنْعَهُ لجريِهِ مَجْرَى أَحْمَرَ لأنَّهُ صِفَةٌ، وعَلَى وَزْنِهِ، نَعَمْ قولُهُمْ: "عَامٌ أَرْمَلُ"، غيرُ مَصْرُوفٍ، لأنَّ يَعْقُوبَ حَكَى فيهِ "سَنَةٌ رَمْلَاءُ" واحتَرَزَ بالأصليِّ عَنِ العارضِ فإنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: مَثَّلَ الشارحُ لمَا تلحقُهُ التاءُ بِأَرْمَلَ، وأُبَاتِرَ، وهو القاطِعُ لِرَحِمِهِ، وَأُدَابِرَ وهو الذِي لا يقبلُ نُصْحًا، فإنَّ مُؤَنَّثَها أَرْمَلَةٌ وأُبَاتِرَةَ وأُدَابِرَةَ: أمَّا أَرْمَلُ فواضحٌ، وأمَّا أُبَاتِرْ وأُدَابِرْ فَلا يحتاجُ هُنَا إلى ذِكْرِهِمَا، إذَا لمْ يَدْخُلَا فِي كلامِ النَّاظِمِ، فإنَّهُ عَلَّقَ المنعَ عَلَى وزنِ أَفْعَلَ، وإنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) لأنَّهُ عَلَّقَ المَنْعَ عَلَى وزنٍ أصْلِيٍّ فِي الفِعْلِ، أيْ: الفعلُ بِهِ أوْلَى، ولم يَخُصَّهُ بِأَفْعَلَ، ولفظُهُ فِيْهَا.
ووَصْفٌ أَصْلِيٌّ ووزنٌ أُصِّلَا = فِي الفعلِ تَا أُنْثَى بِهِ لَنْ تُوْصَلَا
ولهَذَا احْتَرَزَ أيضًا مِنْ يَعْمَلٍ ومؤنثِهِ يَعْمَلَةٍ، وهو الجَمَلُ السرِيْعُ.
الثانِي: الأَوْلَى تعْلِيقُ الحُكْمِ عَلَى وزنِ الفعلِ الذِي هو بِهِ أَوْلَى، لا عَلَى وزنِ أَفْعَلَ، وَلا الفعلِ مُجَرَّدًا؛ لِيَشْمَلَ نَحْوَ: أحْيَمَرَ وأفَيْضِلَ مِنَ المُصَغَّرِ، فَإِنَّهُ لا يَنْصَرِفُ لِكَونِهِ عَلَى الوزنِ المذكورِ, نحوَ: أُبَيْطِرُ، ولا يردُّ نحوَ: بَطَل وجَدَلِ ونَدُسٍ، فإنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منْهَا وإنْ كانَ أصْلًا فِي الوصفيةِ، وعَلَى وزنِ فَعَلَ، لكنَّهُ وزنٌ مُشْتَرَكٌ فيهِ، ليسِ الفعلُ أوْلَى بِهِ مِنَ الاسمِ، فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ، اهـ.
653- وأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّةِ = كَأَرْبَعٍ، وعَارِضَ الإِسْمِيَّةِ
(وأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوصْفِيَّةِ * كأَرْبَعٍ) في نَحوِ: "مَرَرْتُ بِنِسْوَةٍ أَرْبَعٍ" فإنَّهُ اسْمٌ مِنْ أسماءِ العَدَدِ، لَكِنَّ العربَ وصَفَتْ بِهِ، فهو منصرفٌ نظرًا للأصلِ، ولا نظرَ لِمَا عَرَضَ لَهُ مِنَ الوصفيةِ، وأيضًا فهو يقبلُ التاءَ، فهو أحقُّ بالصرفِ مِنْ أَرْمَلٍ، لأنَّ فِيْهِ مَعَ قَبُولِ التاءِ كَونُهُ عَارِضُ الوصفِيَّةَ، وكذلكَ أَرْنَبٌ مِنْ قولِهِم: "رَجَلٌ أَرْنَبٌ" أيْ: ذَلِيلٌ فإنَّهُ منصرفٌ لعَرْضِ الوصفيةِ، إذْ أصلُهُ الأَرْنَبُ المعروفُ (وعَارِضَ الاسميةِ) أيْ: وأَلْغِ عَارِضَ الاسميةِ عَلَى الوصفِ، فتكونُ الكلمةُ باقيةً علَى مَنْعِ الصرفِ للوصفِ الأصليِّ، ولا يُنْظَرُ إلى مَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الاسميةِ.
654- (فَالأَدْهَمُ القيدُ لكونِهِ وُضِعْ = فِي الأصلِ وَصْفًا انْصِرَافُهُ مُنِعْ)
نَظَرًا إلى الأصلِ، وطَرحًا لِمَا عُرِضَ مِنَ الاسميةِ.
تنبيهٌ: مِثْلُ أدْهَمَ فِي ذلكَ أسْوَدُ لِلْحَيَّةِ العظيمةِ، وأَرْقَمُ لِحَيَّةٍ فيها نُقَطٌ + كالرَّقْمِ، نَظَرًا إلى الأصلِ وطَرحًا لِمَا عَرَضَ مِنَ الاسميةِ.
655- وأَجْدَلٌ وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى = مَصْرُوفَةٌ، وقدْ يَنَلْنَ المَنْعَا
(وأَجْدَلٌ) للصَّقْرِ (وأخْيَلٌ) لطائرٍ ذِي نُقَطٍ كالخِيَلَانِ، يُقَالُ لَهُ الشِّقْرَاقُ (وَأْفَعَى) لَلْحَيَّةِ (مصروفةٌ) لأنَّهَا أسماءٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الوصفيةِ في أصلِ الوضعِ، ولا أَثَرَ لمَا يُلْمَحُ فِي أَجْدَلَ مِنَ الجَدْلِ وهو الشِّدَّةُ، ولا في أَخْيَلَ مِنَ الخُيُوْلِ، وهو كَثْرَةُ الخِيَلَانِ، ولا في أَفْعَى مِنَ الإيذاءِ، لعُرُوْضِهِ عليهنَّ (وقَدْ يَنَلْنَ المَنْعَا) مِنَ الصَّرْفِ، لذلكَ، وهو فِي أفْعَى أَبْعَدُ منْهُ فِي أَجْدَلَ وأَخْيَلَ، لأنَّهُمَا مِنَ الجَدَلِ، ومِنَ الخُيولِ كمَا مَرَّ. وأمَّا أَفْعَى فَلا مَادَّةَ لهَا فِي الاشْتِقَاقِ، لَكِنْ ذَكْرَهَا يُقَارِنُهُ تَصَوُّرُ إيْذَائِهَا فأَشْبَهَتِ المُشْتَقَّ وجَرَتْ مَجْرَاهُ عَلَى هِذِه اللغةِ. وممَّا اسْتُعْمِلَ فيهِ أَجْدَلُ وَأَخْيَلُ غيرَ مصروفينِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
981- كأنَّ العُقَيْلِيِّيْنَ يَومَ لقِيْتُهُمْ = فِرَاخْ القَطَا لاقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا
وقولِ الآخَرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
982- ذَرِيْنِي وَعِلْمِي بالأمورِ وشِيْمَتِي = فَمَا طَائِرِي يَومًا عليكِ بِأَخْيَلَا
وكَمَا شَذَّ الاعتدادُ بعُرُوضِ الوصفيةِ في أَجْدَلَ وأَخْيَلَ وأَفْعَى كذلكَ شذَّ الاعتدادُ بِعُرُوْضِ الاسميةِ في أَبْطَحَ وأَجْرَعَ وأَبْرَقَ، فصَرَفَهَا بعضُ العربِ، واللغةُ المشهورةُ منعُهَا مِنَ الصرفِ، لأنَّهَا صِفَاتٌ اسْتُغْنِيَ بها عَنْ ذِكْرِ الموصوفاتِ، فيُسْتَصْحَبُ منعُ صرفِهَا كَمَا اسْتُصْحِبَ صرفُ أرنبٍ وأَكْلَبٍ، حينَ أُجْرِيَا مَجْرَى الصفاتِ إلا أنَّ الصرفَ لكونِهِ الأصلُ رُبَّمَا رُجِعَ إليهَ بسببٍ ضعيفٍ بخلافِ مَنْعِ الصرفِ، فإنَّهُ خروجٌ عنِ الأصلِ، فلا يُصَارُ إليهِ إلا بسببٍ قويٍّ.
656- (ومَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرٍ = فِي لفظِ مَثْنَى وثُلَاثَ وأُخَرْ)
مَنْعُ: مبتدأٌ، وهو مصدرٌ مضافٌ إلى فاعلِهِ وهو عدْلٌ، والمفعولُ محذوفٌ وهو "الصرفُ" و"معتبرٌ": خبرُهُ، وفي لفظٍ مُتعلقٍ بِهِ.
أيْ: مَمَّا يَمنعُ الصرفَ اجتماعُ العدلِ والوصفِ، وذلكَ في موضعينِ، أحدُهُمَا: المَعْدولُ في العددِ إلى مَفْعَلَ نحوَ مَثْنَى، أو فُعَالَ نحوَ ثُلَاثَ.
والثانِي: فِي آُخَرَ المُقَابِلِ لآخَرِيْنَ.
أمَّا المَعْدُولُ فِي العَدَدِ فالمَانِعُ لَهُ عندَ سِيْبَوَيْهَ والجمهورِ العَدْلُ والوصفُ، فأُحَادُ ومَوُحَدُ مَعدولانِ عنْ وَاحِدٍ واحدٍ، وثُنَاءُ ومَثْنَى معدولانِ عنِ اثنينِ اثنينِ وكذلكَ سائِرُهَا.
وأمَّا الوصفُ فَلِأَنَّ هِذِهِ الألفاظَ لمْ تُستعملْ إلا نَكِرَاتٍ، إِمَّا نَعتًا، نَحْوَ: {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلَاثَ ورُبَاعَ} وإمِّا حَالًا، نَحْوَ قولِهِ تَعَالى: {فانْكِحُوا مَا طَابَ لكمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلَاثَ ورُبَاعَ} وإمَّا خَبَرًا نحوَ: ((صَلَاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى)) وإنِّمَا كُرِّرَ لقصدِ التأكيدِ، لا لإفادةِ التكريرِ، ولا تَدْخُلُهَا "ألْ" قالَ فِي (الارْتِشَافِ): وإضافَتُهَا قليلةٌ.
وذهبَ الزَّجَّاجُ إلى أنَّ المانعَ لها العدلُ في اللفظِ وفي المعنَى، أمَّا في اللفظِ فظاهرٌ، وأمَّا في المعنَى, فلكونِهَا تَغيَّرَتْ عن مفهومِهَا فِي الأصلِ إلى إفادةِ معنَى التضعيفِ.
ورُدَّ بأنَّهُ لو كانَ المانعُ مِنَ صرفِ "أُحَادَ" مثلًا عَدْلُهُ عَنْ لفظِ واحدٍ وعنْ معناهُ إلى مَعْنَى التضعيفِ لَلَزِمَ أحدُ أمرينِ: إمَّا مَنْعُ صرفِ كلِّ اسمٍ يَتَغَيَّرُ عَنْ أَصْلِهِ لتَجَدُّدِ معنًى فيهِ كأبنيةِ المبالغةِ وأسماءِ الجُمُوعِ، وإمَّا ترجيحُ المُتَساوِيَيْنِ عَلَى الآخَرِ، واللازمُ مُنْتَفٍ باتفاقٍ، وأيضًا كُلُّ مَمْنوعٍ مِنَ الصرفِ لا بُدَّ أنْ يكونَ فيهِ فرعيةٌ فِي اللفظِ وفرعيةٌ في المعنَى، ومِنْ شَرْطِهَا أنْ تَكُونَ مِنْ غيرِ جِهَةٍ فرعيةَ اللفظِ، ليَكْمُلَ بذلكَ الشبهُ بالفعلِ، ولا يَتَأَتَّى ذلكَ في "أُحَادَ" إلا أنْ تَكُوْنَ فرعيِّتُهُ فِي اللفظِ بعدلِهِ عنْ واحدٍ المُضَمَّنِ معنَى التَّكْرَارِ، وفي المعنَى بلزومِهِ الوصفيةَ وكذَا القولُ في أَخواتِهِ.
وأمَّا أُخَرُ فهو جمعُ أُخْرَى أُنْثَى آَخَرَ بفَتْحِ الخَاءِ بمعنَى مُغَايِرٍ، فالمانعُ له أيضًا العدلُ والوصفُ، أمَّا الوصفُ فظاهرٌ، وأمَّا العدلُ فقالَ أكثرُ النحويينَ إنَّهُ معدولٌ عنِ الأَلِفِ واللامِ، لأنَّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلِ التفضيلِ، فحَقُّهُ أنْ لا يُجْمَعَ إلا مَقْرُونًا بألْ، والتحقيقُ أنَّهُ معدولٌ عَمَّا كانَ يستحقُّهُ مِنَ اسْتعمالِهِ بلفظِ مَا للواحدِ المُذَكَّرِ بدونِ تغيرِ معناهُ، وذلكَ أنَّ آخَرَ مِنْ بابِ أَفْعَلِ التفضيلِ فحقُّهُ أنْ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعَ ولا يؤنثَ إلا معَ الألفِ واللامِ أو الإضافةِ، فعُدِلَ في تجرُّدِهِ منهما، واستعمالِهِ لغيرِ الواحدِ المْذَكَّرِ عنْ لفظِ آخَرَ إلى لفظِ التثنيةَ والجَمْعِ والتأنيثِ بحسبِ مَا يُرَادُ بِهِ مِنَ المعنَى، فقيلَ عندي رَجُلانِ آخَرَانِ، ورجالٌ آخَرُونَ وامْرَأَةٌ أُخْرَى، ونساءٌ أُخَرُ فكلٌ مِنْ هذهِ الأمثلةِ صفةٌ معدولةٌ عَنْ آخَرَ إلا أنَّهُ لم يَظْهَرْ أثرُ الوصفيةِ والعدلِ إلا في "أُخَرَ" لأنَّهُ مُعْرَبٌ بالحركاتِ، بخلافِ "آخَرَانِ وآخَرونَ" وليسَ فيهِ مَا يمنعُ مِنَ الصرفِ غيرُهُمَا، بخلافِ "أُخْرَى" فإنَّ فيها أيضًا أَلِفُ التأنيثِ، فلذلكَ خَصَّ "أُخَرَ" بنسبةِ اجْتِمَاعِ الوصفيةِ والعدلِ إليهِ، وإحالةِ مَنْعِ الصرفِ عليهِ، فَظَهَرَ أنَّ المانعَ منْ صرفِ "أُخَرَ" كونُهُ صفةٌ معدولةٌ عَنْ "آخَرَ" مُرادًا بِهِ جَمْعُهُ المؤنثُ، لأنَّ حقَّهُ أنْ يُستغنَى فيهِ بأفعلَ عنْ فُعَلَ لتجرُّدِهِ مِنْ "ألْ", كما يُسْتَغْنَي بأكبرَ عن كُبَرَ في قولهم: "رَأَيْتُهَا مَعَ نساءٍ أكبرَ منهَا".
تنبيهانِ: الأوَّلُ: قَدْ يكونُ "أُخَرُ" جَمْعَ أخْرَى بمعنَى آخِرَةٍ فيُصْرَفُ لانتفاءِ العَدْلِ، لأنَّ مذكَّرَهَا آخِرُ بالكسرِ، بدليلِ {وَأَنَّ عليهِ النَّشْاةَ الأُخْرَى} {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْاةَ الآخِرَةَ} فليستْ مِنْ بابِ أفْعَلِ التفضيلِ.
والفرقُ بينَ أُخْرَى أُنْثَى آخَرَ، وأُخْرَى بمعنَى آخِرَةٍ أنَّ تلكَ لا تدلُّ علَى الانتهاءِ، ويُعْطَفُ عليها مِثْلُهَا مِنْ جِنْسِهَا نحوَ: "جَاءتِ امرأةٌ أُخْرَى وأُخْرَى" وأمَّا أُخْرَى بمعنَى آخِرَةٍ فتدلُّ عَلَى الانتهاءِ ولا يُعْطَفُ عليها مِثْلُهَا مِنْ جنسٍ واحدٍ، وهي المقابِلَةُ لأُوْلَى فِي قولِهِ تَعالى: {وقالتْ أُوْلَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} إذا عَرَفْتَ ذلكَ فكانَ ينبغِي أنْ يُحْتَرَزَ عنْ هذِهِ كمَا فَعَلَ فِي (الكَافِيَةِ) فقالَ:
ومَنَعَ الوصفُ وعَدْلٌ أَخَرَا = مُقَابلًا لآخَرِينَ فاحْصُرَوا
الثانِي: إذَا سُمِّيَ بشيءٍ مِنْ هذِهِ الأنواعِ الثلاثةِ ـ وهي: ذُو الزيادتينِ، وذُو الوزنِ، وذو العدلِ ـ بقَي علَى مَنْعِ الصرفِ لأنَّ الصفةَ لمَّا ذهبتْ بالتسميةِ خَلَفَتْهَا العَلَمِيَّةُ.
657- (ووزنُ مَثْنَى وثُلَاثَ كَهُمَا = مِنْ وَاحِدٍ لأربعَ فَلْيُعْلَمَا)
يعنِي مَا وَازَنَ مَثْنَى وثُلَاثَ مِنْ ألفاظِ العَدَدِ المَعْدولِ مِنْ واحدٍ إلى أربَعٍ، فهو مِثْلُهُمَا في امتناعِ الصرفِ للعَدْلِ والوصفِ، تقولُ: "مررتُ بقومٍ مَوْحَدَ وأُحَادَ"، و"مَثْنَى وثُنَاءَ ومَثْلَثَ وثُلَاثَ، ومَرْبَعَ ورُبَاعَ" وهذِهِ الألفاظُ الثمانيةُ متفقٌ عليها، ولهذَا اقتصرَ عليها قالَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، ورُوِيَ عنْ بعضِ العربِ "مَخْمَسَ وعُشَارَ ومَعْشَرَ" ولَمْ يَرِدْ غيرُ ذلكَ، وظاهرُ كلامِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ) أنَّهُ سَمِعَ فيهَا خُمَاسَ أيضًا واخْتُلِفَ فيمَا لَمْ يُسْمَعْ علَى ثلاثةِ مذاهبٍ:
أحدِهَا: أنَّهُ يُقَاسُ على مَا سُمِعَ، وهو مذهبُ الكوفيينَ والزَّجَّاجِ، ووافَقَهُمْ الناظمُ في بعضِ نُسَخِ (التَّسْهِيْلِ)، وخَالَفَهُمْ في بعضِهَا.
الثانِي: لا يُقَاسُ، بَلْ يُقْتَصَرُ علَى المَسْمُوْعِ، وهو مذهبُ جمهورِ البصريينَ.
الثالثِ: أنَّهُ يُقَاسُ علَى فُعَالَ لكثرتِهِ، لا عَلَى مَفْعَلَ.
قالَ الشيخُ أبو حَيَّانَ: والصحيحُ أنَّ البِنَاءَيْنِ مسموعانِ مِنْ واحدٍ إلى عشْرَةٍ، وحَكَى البِنَاءَيْنِ أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وحَكَى أبو حَاتِمٍ وابْنُ السِّكِّيْتِ، مِنْ أُحَادَ إلى عُشَارَ، ومَنْ حَفِظَ حجةٌ عَلَى مَنْ لم يَحْفَظْ.
تنبيهٌ: قَالَ في (التَّسْهِيْلِ): وَلا يجوزُ صَرْفُهَا، يعنِي "آخَرَ" مُقَابلَ آخَرِيْنَ وفُعَالَ ومَفْعَل فِي العَدَدِ مذهوبًا بِهَا مذهبَ الأسماءِ خلافًا للفَرَّاءِ، ولا مُسَمًّى بها، خِلافًا لأبِي عَلِيٍّ وابنِ بَرْهَانَ، ولا مُنَكَّرَةً بعدَ التسميةِ بِهَا، خِلافًا لبعضِهِمْ اهـ
أمَّا المسألةُ الأولى فالمعنِى أنَّ الفَرَّاءَ أَجَازَ "ادْخُلُوا ثُلاثَ ثُلاثَ، وثُلاثًا ثُلاثًا"، وخَالَفَهُ غيرُهُ، وهو الصحيحُ، وأمَّا الثانيةُ فقد تقدَّمَ التنبيهُ عليْهَا.