دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 صفر 1430هـ/15-02-2009م, 11:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فصل في طواف الإفاضة والسعي

( فصلٌ ) ثم يُفيضُ إلى مَكَّةَ، ويَطوفُ القارِنُ والمُفْرِدُ بنِيَّةِ الفريضةِ طوافَ الزيارةِ، وأَوَّلُ وقتِه بعدَ نِصفِ ليلةِ النحْرِ، ويُسَنُّ في يومِه وله تَأخيرُه، ثم يَسْعَى بينَ الصَّفَا والمروةِ إن كان مُتَمَتِّعًا أو غيرَه ولم يكنْ سَعَى مع طَوافِ القُدومِ، ثم قد حَلَّ له كلُّ شيءٍ ثم يَشربُ من ماءِ زَمزمَ لِمَا أَحَبَّ ، ويَتَضَلَّعُ منه ويَدعو بما وَرَدَ.


  #2  
قديم 20 صفر 1430هـ/15-02-2009م, 12:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 21 صفر 1430هـ/16-02-2009م, 05:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فَصْلٌ

(ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ، ويَطُوفُ القَارِنُ والمُفْرِدُ بنِيَّةِ الفَرِيضَةِ طوافَ الزيارةِ) ويُقَالُ: طوافُ الإفاضةِ فيُعَيِّنُه بالنيَّةِ، وهو ركنٌ لا يَتِمُّ حَجٍّ إلا به، وظاهِرُه أنَّهُما لا يَطُوفَانِ للقُدُومِ ولو لم يَكُونَا دَخَلاَ مَكَّةَ قبلُ، وكذا المُتَمَتِّعُ يَطُوفُ للزيارَةِ فَقَطْ، كمَن دَخَلَ المسجدَ وأُقِيمَت الصَّلاةُ فإنَّهُ يَكْتَفِي بها عَن تحيَّةِ المسجِدِ، واختَارَه المُوَفَّقُ والشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وابنُ رَجَبٍ ونَصَّ الإمامُ. واخْتَارَه الأكثَرُ أنَّ القَارِنَ والمُفْرِدَ إن لم يَكُونَا دَخَلاها قَبْلُ يَطُوفَانِ للقُدُومِ برَمَلٍ ثُمَّ للزِّيَارَةِ، وأنَّ المُتَمَتِّعَ يَطُوفُ للقُدُومِ ثُمَّ للزيارةِ بلا رَمَلٍ.
(وأَوَّلُ وَقْتِه)؛ أي: وقتِ طوافِ الزيارةِ (بعدَ نصفِ ليلةِ النَّحْرِ) لمَن وَقَفَ قبلَ ذلك بعَرَفَاتٍ، وإلا فبعدَ الوُقُوفِ. (ويُسَنُّ) فِعْلُه (في يومِه) لقولِ ابنِ عُمَرَ: (أفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ). مُتَّفَقٌ عليهِ. ويُسْتَحَبُّ أن يَدْخُلَ البيتَ فيُكَبِّرُ في نَوَاحِيه ويُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ بينَ العمودَيْنِ تِلقاءَ وَجْهِه ويَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، (وله تأخيرُه)؛ أي: تأخيرُ الطوافِ عَن أيَّامِ مِنًى؛ لأنَّ آخِرَ وقتِه غيرُ محدودٍ كالسَّعْيِ، (ثُمَّ يَسْعَى بينَ الصفَا والمْرَوَةِ إنْ كانَ مُتَمَتِّعاً)؛ لأنَّ سَعْيَه أوَّلاً كانَ للعمرةِ فيَجِبُ أنْ يَسْعَى للحَجِّ، (أو) كانَ (غَيْرَه)؛ أي: غيرَ مُتَمَتِّعٍ بأنْ كَانَ قَارِناً أو مُفْرِداً (ولم يَكُنْ سَعَى معَ طوافِ القُدومِ) فإن كانَ سَعَى بَعْدَه لم يُعِدْه؛ لأنَّه لا يُسْتَحَبُّ التطوُّعُ بالسَّعْيِ كسائرِ الأنساكِ غيرَ الطوافِ؛ لأنَّه صلاةٌ، (ثُمَّ قد حَلَّ له كُلُّ شيءٍ) حتَّى النساءُ، وهذا هو التحلُّلُ الثانِي.
(ثُمَّ يَشْرَبُ مِن ماءِ زَمْزَمَ لِمَا أَحَبَّ ويَتَضَلَّعُ مِنه) ويَرُشُّ على بدنِه وثَوْبِه ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ ويَتَنَفَّسُ ثلاثاً، (ويَدْعُو بما وَرَدَ) فيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لنا عِلْماً نَافِعاً ورِزْقاً وَاسِعاً ورِيًّا وشَبَعاً وشِفَاءً مِن كُلِّ دَاءٍ، واغْسِلْ به قَلْبِي وامْلأْه مِن خَشْيَتِك.


  #4  
قديم 21 صفر 1430هـ/16-02-2009م, 05:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل([1])

(ثم يفيض إلى مكة([2]) ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة ، طواف الزيارة) ([3]) ويقال طواف الإفاضة([4]) فيعينه بالنية([5]).
وهو ركن، لا يتم حج إلا به([6]) وظاهره أنهما لا يطوفان للقدوم، ولو لم يكونا دخلا مكة قبل([7]) وكذا المتمتع، يطوف للزيارة فقط([8]) كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد([9]) واختاره الموفق، والشيخ تقي الدين، وابن رجب([10]) ونص الإمام واختاره الأكثر أن القارن والمفرد، وإن لم يكونا دخلاها قبل يطوفان للقدوم برمل، ثم للزيارة([11]).
وأن المتمتع يطوف للقدوم، ثم للزيارة بلا رمل([12]) (وأول وقته) أي وقت طواف الزيارة (بعد نصف ليلة النحر) لمن وقف قبل ذلك بعرفات([13]) وإلا فبعد الوقوف([14]) (ويسن) فعله (في يومه) ([15]) لقول ابن عمر: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، متفق عليه([16]).
ويستحب أن يدخل البيت([17]) فيكبر في نواحيه([18]) ويصلي فيه ركعتين بين العمودين، تلقاء وجهه([19]) ويدعو الله عز وجل([20]).
(وله تأخيره) أي تأخير الطواف عن أيام منى([21]) لأن آخر وقته غير محدود كالسعي([22]) (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا) ([23]) لأن سعيه أولا كان للعمرة فيجب أن يسعى للحج([24]).
(أو) كان (غيره) أي غير متمتع بأن كان قارنا، أو مفردا (ولم يكن سعي مع طواف القدوم) ([25]).
فإن كان سعى بعده لم يعده([26]) لأنه لا يستحب التطوع بالسعي، كسائر الأنساك([27]) غير الطواف، لأنه صلاة([28]) (ثم قد حل له كل شيء) حتى النساء([29]) وهذا هو التحلل الثاني([30]) (ثم يشرب من ماء زمزم لما أحب([31])).
ويتضلع منه([32]) ويرش على بدنه وثوبه([33]) ويستقبل القبلة([34]) ويتنفس ثلاثا([35]) (ويدعو بما ورد) ([36]) فيقول: «بسم الله، اللهم اجعله لنا علما نافعا، ورزقا واسعا، وريا، وشبعا، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك» ([37]).


([1]) أي في حكم طواف الإفاضة، والسعي، وأيام منى، والوداع، وغير ذلك.
([2]) لفعله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه، واستمر عمل المسلمين عليه ((وأفاض الحاج)) أسرعوا في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة، وأيضا رجعوا من منى إلى مكة يوم النحر.
([3]) سمي بذلك لأنهم يأتون من منى، زائرين البيت، ويعودون في الحال، أو لأنه يفعل عند زيارة البيت، قال الشيخ: إن إمكنه فعله يوم النحر، وإلا فعله بعد ذلك.
([4]) سمي بذلك لإتيانهم به عقب الإفاضة من منى، وهذه التسمية عند أهل العراق، ويقال: «طواف الفرض» لتعينه، (وطواف الركن) عند أهل الحجاز، ويقال: طواف يوم النحر، وطواف النساء، لأنهن يبحن بعده، و «طواف الصدر» لأنه يصدر إليه من منى.
([5]) لحديث ((ما الأعمال بالنيات)) لأن الطواف بالبيت صلاة، وهي لا تصح إلا بنية معينة، فإن طاف للقدوم، أو الوداع، أو بنية النفل، وكان ذلك كله بعد دخول وقت الطواف المفروض، لم يقع عنه، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، لا يجب تعيينها.
([6]) وتقدم لقوله تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}فإن آخر المناسك الطواف، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ولقوله: ((افت يوم النحر؟)) قالوا: نعم. قال:((فانفري))، في لفظ ((أحابستنا هي؟)). فثبت أن من لم يطف يوم النحر لم يحل له أن ينفر حتى يطوف، وأنه حابس لمن لم يأت به، ووصفه صلى الله عليه وسلم بالتمام، لأنه لم يبق من أركان الحج سواه، فإذا أتى به حصل تمام الحج.
([7]) أي ظاهر كلام المصنف، حيث لم ينبه إلا على طواف الزيارة، أنهما لا يطوفان للقدوم، والأطوفة ثلاثة بالإجماع، طواف القدوم، والوداع والإفاضة بعد الرمي، وأجمعوا على أنه يفوت الحج بفواته، وهو المعني بالآية ولا يجزئ عنه دم، والجمهور أنه يجزئ عن طواف الوداع.
([8]) أي وكالقارن والمفرد المتمتع، في الكفاية بطواف الزيارة، وإنما فصله عما قبله لعدم الصراحة به في كلامه.
([9]) أي فطواف الزيارة يكتفي به المتمتع عن طواف القدوم.
([10]) قال الشيخ: ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف.
([11]) بلا رمل، لأنه رمل قبل، قال الموفق: لا أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على
هذا الطواف، بل المشروع طواف واحد للزيارة، كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة، وحديث عائشة دليل على هذا، فلم تذكر طوافا آخر، ولو كان الذي ذكرته طواف القدوم، لكانت أخلت بذكر الركن الذي لا يتم الحج إلا به، وذكرت ما يستغنى عنه.
([12]) قال الشيخ: لا يستحب للمتمتع أن يطوف طواف القدوم، بعد رجوعه من عرفة، قبل الإفاضة، وصوبه وقال: هو قول جمهور الفقهاء، وقال ابن القيم: لم يذكر أحد أن الصحابة لما رجعوا من عرفة طافوا للقدوم وسعوا، ثم طافوا للإفاضة بعده، ولا النبي صلى الله عليه وسلم هذا لم يقع قطعا.
([13]) لأن أم سلمة رمت، ثم طافت، ثم رجعت، فوافت النبي صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة، وبينها وبين مكة فرسخان:.
([14]) أي وإن لم يكن وقف قبل ذلك، فوقت طواف الإفاضة في حقه بعد الوقوف، وآخر وقت الوقوف إلى فجر يوم النحر، ولا آخر لوقته لأنه لم يرد فيه توقيت، وكذا السعي كما سيأتي.
([15]) أي يسن فعل طواف الإفاضة في يوم النحر بعد الرمي، والنحر، والحلق .
([16]) ولقول جابر: ثم أفاض النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر إلى البيت، ونحوه عن عائشة، وابن عمر، ولم يرجع صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف للإفاضة إلى حين الوداع.
([17]) لفضله وشرفه، وفعله صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة: كنت أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر، فقال: صلي في الحجر إن أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت، قال الشيخ: والحجر أكثره من البيت من حيث ينحني حائطه، فمن دخله فهو كمن دخل الكعبة، وقال هو وابن القيم: لم يدخل صلى الله عليه وسلم البيت في حجته، ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح. وقال في الفنون، تعظيم دخوله فوق الطواف يدل على قلة العلم، وللترمذي وغيره وصححه عن عائشة: خرج من عندي قرير العين طيب النفس، فرجع إليَّ وهو حزين، فقلت له، فقال: «إني دخلت الكعبة، ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون أعتبت أمتي من بعدي».
([18]) لخبر أسامة عند أحمد، والنسائي، أنه صلى الله عليه وسلم قام إلى ما بين يديه من البيت، فوضع صدره عليه، وخده ويديه، ثم هلل ، وكبر، ودعا، ثم فعل ذلك بالأركان كلها.
([19]) قال الشيخ: فإذا دخل مع الباب، تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، والباب خلفه، فذلك المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وللترمذي وصححه عن بلال، أنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة، قال: والعمل عليه عند أهل العلم، لا يرون بالصلاة في الكعبة بأسًا، وكره صلاة المكتوبة فيه الشافعي، وقال مالك: لا بأس بالصلاة النافلة.
([20]) ويذكره قاله الشيخ وغيره، فإن لم يدخله فلا بأس ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخله في حجه ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح، ويكثر النظر إليه لأنه عبادة إلا في الصلاة فإن المطلوب فيها النظر إلى موضع سجوده، لأنه أجمع لقلبه على العبادة.
([21]) لأنه تعالى أمر بالطواف مطلقا، فمتى أتى به صح، قال الشارح: بغير خلاف، وظاهره أنه لا دم عليه بتأخيره.
([22]) قال في الإنصاف: وإن أخره عنه، وعن أيام منى جاز بلا نزاع وقال الشيخ: ينبغي أن يكون في أيام التشريق، فإن تأخيره عن ذلك فيه نزاع اهـ فالمذهب كقول الشافعي، أن آخره غير موقت، وعند أبي حنيفة: أيام التشريق ومالك: ذي الحجة، والتعجيل أفضل، فإن أخره فعليه دم.
([23]) هذا المذهب وهو إحدى الروايات عن أحمد، ومذهب أبي حنيفة.
([24]) وقال أحمد: إن طاف طوافين بين الصفا والمروة فهو أجود وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس، وقال: وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي، قال الشيخ وهذا منقول عن غير واحد من السلف، وعنه: يجزئه سعي واحد، قال ابن عباس: المفرد والمتمتع يجزئه طواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، واختاره الشيخ، وقال، هو أصح أقوال جمهور العلماء، وأصح الروايتين عن أحمد، فإن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف ، وأكثرهم متمتعون وحلف على ذلك طاوس، وثبت مثله عن ابن عمر، وابن عباس وجابر، وغيرهم وهم أعلم الناس بحجه صلى الله عليه وسلم وذكر ابن القيم رواية أبي داود، ولم يطف بين الصفا والمروة، وفيه اكتفاء المتمتع بسعي واحد.
وقال الشيخ: لم ينقل أحد منهم أن أحدا منهم طاف وسعى، ثم طاف وسعى.
ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقله أحد علم أنه لم يكن، وعمدة من قال بالطوافين ما روى أهل الكوفة عن علي، وابن مسعود، وعن علي: أن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، خلاف ما رواه عنه أهل الكوفة، قال ابن حزم: وما روي في ذلك عن الصحابة لم يصح منه ولا كلمة واحدة، قال الشيخ: فإذا اكتفى المتمتع بالسعي الأول أجزأه، كما يجزئ المفرد والقارن، وهو الذي ثبت في صحيح مسلم عن جابر: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول.
وقد روي في حديث عائشة أنهم طافوا مرتين، لكن هذه الزيادة قيل: إنها من قول الزهري، وقال ابن القيم: قيل: من كلام عروة اهـ قال الشيخ: وقد احتج بها بعضهم على أنه يستحب طوافان بالبيت، وهذا ضعيف، والأظهر ما في حديث جابر، ويؤيده «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» فالمتمتع من حيث أحرم بالعمرة دخل بالحج، لكنه فصل بتحلل، ليكون أيسر على الحاج، وأحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة.
([25]) فيسعى لأنه إما ركن، وإما واجب، أو سنة، ولم يأت به، لأنه لا يكون إلا بعد طواف، لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بمتابعته فإن كان سعى مع طواف القدوم لم يسع، لقول جابر: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول فأجزأه سعي واحد، قال الشيخ عند جمهور العلماء إلا أبا حنيفة في القارن، وأما جواز تقديمه فقال الوزير: أجمعوا على أن السعي بين الصفا والمروة، يجوز تقديمه على طواف الزيارة ، بأن يفعل عقب طواف القدوم، ويجزئ، فلا يحتاج إذا طاف طواف الزيارة إلى السعي بين الصفا والمروة، ولا خلاف بينهم في ذلك.
([26]) لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسعوا إلا بعد طواف القدوم، رواه مسلم وغيره.
([27]) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، وقال النووي: يكره.
([28]) أي حكمه حكم الصلاة.
([29]) وأجمعت الأمة على ذلك، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن التحلل الثاني يبيح محظورات الإحرام جميعها، ويعود المحرم حلالا، لقول عمر: لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم من شيء حرم منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وعن عائشة نحوه، متفق عليهما، و«النساء» بالرفع عطف على «كل».
([30]) وفاقا، حيث رمى، ونحر، وحلق، وطاف، وبها تمت أركان الحج الثلاثة، ولم يبق من أعمال الحج إلا المبيت بمنى، والرمي، وهما من الواجبات.
([31]) أي يستحب أن يشرب من ماء زمزم، لقول جابر: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب، وهم يسقون فناولوه، فشرب، وينوي بشربه لما أحب أن يعطيه الله منه من خيري الدنيا والآخرة، فعن ابن عباس مرفوعا «ماء زمزم لما شرب له» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وغيرهم بسند حسن، أي لما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وفي الصحيحين أنه قال لأبي ذر، «إنها مباركة إنها طعام طعم»، ولمسلم عن ابن عباس مرفوعا، «ماء زمزم طعام طعم» أي تشبع شاربها كالطعام، زاد الطيالسي (وشفاء سقم) وفي قوله صلى الله عليه وسلم ((لولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) استحباب شرب مائها، وفضيلة الاستقاء، والعمل فيه، وسميت «زمزم» لكثرة مائها، وقيل: لضم هاجر لمائها حين انفجرت، وزمها إياه، وقيل: لزمزمة جبريل وكلامه عند فجره لها، وقال علي: «هي خير بئر في الأرض».
([32]) أي يملأ أضلاعه منه بلا نزاع في الجملة، بأن يروي، أو يزيد على الري، ويكره نفسه عليه، لما روى ابن ماجه وغيره «آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم» وقال ابن عباس لرجل: تضلع منها، وذكر الخبر.
([33]) صرح به في التبصرة، وذكر الواقدي وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم لما شرب صب على رأسه.
([34]) لقول ابن عباس: إذا شربت منها فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله، ولا بأس بالشرب قائما للحاجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منها قائما للحاجة.
([35]) لأنه أهنى ، وأمرى، وأروى، قال ابن عباس: إذا شربت من زمزم فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله، وتنفس وتضلع منه، فإذا فرغت فاحمد الله.
([36]) من الأدعية الشرعية، ولا يستحب الاغتسال منها، قاله الشيخ وغيره.
([37]) روي عن عكرمة وغيره، ولأنه لائق به، وشامل لخيري الدنيا والآخرة، فيرجى له حصوله، وروي عن ابن عباس أنه كان إذا شرب منه يقول: (اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء)، و«الري» بكسر الراء وفتحها، ضد الظمأ «والشبع» بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة «والداء» المرض.


  #5  
قديم 12 ربيع الثاني 1432هـ/17-03-2011م, 04:31 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
ثُمَّ يُفِيضُ إِلى مَكَّةَ، ويَطُوفُ القَارِنُ والمُفْرِدُ بنِيَّةِ الفَريضَةِ طَوافَ الزِّيارَةِ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيُسَنُّ فِي يَوْمِهِ، وَلَهُ تَأخِيْرُهُ.......
قوله: «ثم يفيض إلى مكة» ، يفيض مأخوذ من فاض الماء إذا ساح، أي: يفيض الحاج إلى مكة، أي: ينزل الحجاج من منى إلى مكة، في ضحى يوم النحر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أفاض إليها في الضحى[(1)].
قوله: «ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة» أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أن هذا طواف فرض؛ لقوله: ((بنية الفريضة)) ، وأنه لا بد من نيته وأنه فرض، وسبق الخلاف في هذه المسألة، وبينا أن الطواف، والسعي، والرمي، وما أشبهها كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها.
وقوله: «ويطوف القارن والمفرد» ، أفاد أن المتمتع لا يطوف وليس كذلك، وإنما أراد ـ رحمه الله ـ بالنص على المفرد والقارن دفع ما قيل من أن المفرد والقارن يطوفان للقدوم أولاً إذا لم يكونا دخلا مكة من قبل، ثم يطوفان للزيارة، فيطوفان طوافين:
الأول للقدوم، والثاني للزيارة، فيلزمهما على هذا طوافان إذا لم يكونا دخلاها من قبل؛ لأنه من الجائز لهما شرعاً أن يذهبا من الميقات رأساً، إلى منى أو إلى عرفة دون أن يطوفا للقدوم بخلاف المتمتع، فالمتمتع لا يتأتى في حقه ذلك؛ لأنه لا بد أن يدخل مكة، ويتم عمرته.
وما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ هو الصواب، بل المتعين؛ وذلك أنه اجتمع عند المفرد والقارن اللذين لم يدخلا مكة من قبل طواف قدوم وطواف فرض، فاكتفي بطواف الفرض عن طواف القدوم، كما لو دخل الإنسان المسجد وقد أقيمت الصلاة، أو لم تقم وأراد أن يصلي الفريضة، فإن ذلك يجزئ عن تحية المسجد.
والقياس هنا قياس جلي واضح، ثم إنه لم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أن أحداً منهم طاف مرتين في يوم العيد، مع أن بعض أصحابه لم يكن دخل مكة، مثل عروة بن مضرس رضي الله عنه[(2)].
والمذهب أن المتمتع أيضاً يطوف طواف القدوم، لكن يطوف للقدوم بلا رمل، ولا يقال بلا اضطباع؛ لأنه قد حل ولبس ثيابه.
والصواب خلاف ذلك، وأنه لا طواف للقدوم، لا في حق المفرد والقارن مطلقاً، ولا في حق المتمتع كذلك.
وقوله: «طواف الزيارة» ، سمي بذلك لأنه يقع بعد رجوع الحجاج من عرفة، وهي من الحل فكان القادم منها كالزائر ويسمى أيضاً طواف الإفاضة لأن الناس يفيضون إليه بعد وقوفهم في عرفة، قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] .
قوله: «وأول وقته بعد نصف ليلة النحر» ، الضمير يعود على طواف الزيارة، أي: أول وقته بعد نصف ليلة النحر، ولكن بشرط أن يسبقه الوقوف بعرفة وبمزدلفة، فلو طاف بعد منتصف ليلة النحر، ثم خرج إلى عرفة ومزدلفة، فإنه لا يجزئه، ولو أن المؤلف ـ رحمه الله ـ قيد ذلك لكان أوضح، على أنه ربما يقال: إن هذا معلوم من قوله في أول الفصل «ثم يفيض» لكن لا بد من ذكره.
والدليل قول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج] ، ولا يمكن قضاء التفث، ووفاء النذر إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
قوله: «ويسن في يومه» ، أي: ويسن طواف الزيارة في يوم العيد اتباعاً لسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: فإنه طاف في يوم العيد[(3)].
قوله: «وله تأخيره» ، أي: تأخير طواف الإفاضة عن أيام منى، وعن شهر ذي الحجة، وله تأخيره إلى ربيع، وإلى رمضان وإلى عشر سنوات وأكثر؛ لأن المؤلف لم يقيده بزمن فلم يقل له تأخيره إلى كذا.
ولكن يبقى عليه التحلل الثاني، حتى يطوف، وما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ من أن له تأخيره إلى ما لا نهاية له ضعيف.
والصواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة، إلا إذا كان هناك عذر، كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ماشياً، ولا محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف الإفاضة، فهنا ستبقى لمدة شهر أو أكثر.
أما إذا كان لغير عذر، فإنه لا يحل له أن يؤخره، بل يجب أن يبادر به قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة.
وعُلم من كلام المؤلف أنه لا يجب أن يطوف طواف الإفاضة يوم العيد؛ لقوله: «ويسن في يومه، وله تأخيره» .
وعُلم منه أيضاً أنه يبقى على حله الأول إذا أخر طواف الإفاضة عن يوم العيد، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، بل حكي إجماعاً أنه لا يعود حراماً، لو أخره حتى تغرب الشمس من يوم العيد.
ولكن ذكر في هذا خلاف عن بعض التابعين لحديث ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك: ((إن هذا اليوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به)) [(4)]. ولكنه لا يعوّل عليه لشذوذه، وعدم عمل الأمة به وقد قيل: إن أول من عمل به عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة، فحكم شرعي لم يعمل به إلا واحد من التابعين، لا يمكن أن يقال: إنه حديث صحيح؛ وذلك أن الأمة لا يمكن أن تخالف مثل هذا الحديث الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله والعمل به، لأنه من المعلوم أنه ليس كل الحجيج يطوفون طواف الإفاضة في يوم العيد.
ثم إنه إذا انتهى من إحرامه فقد حل، ولا يعود لكونه محرماً إلا إذا عقد إحراماً جديداً، أما مجرد عدم المبادرة بطواف الإفاضة، فإنه لا يمكن أن يكون سبباً لعود التحريم بلا نية؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(5)].

ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ إِنْ كَان مُتَمَتِّعاً، أَوْ غَيْرهُ، وَلَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ القُدُومِ ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ،.........
قوله: «ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً» ، أي: يسعى بين الصفا والمروة على صفة ما سبق يبدأ بالصفا أولاً، ويختم بالمروة إن كان متمتعاً، والمتمتع هو الذي أحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم حلَّ منها، وأحرم بالحج من عامه.
فيلزمه أن يسعى مطلقاً؛ وذلك لأنه يلزمه طوافان، وسعيان، طواف للعمرة، وطواف للحج، وسعي للعمرة وسعي للحج.
قوله: «أو غيره» ، أي: غير متمتع، وهو المفرد والقارن.
قوله: «ولم يكن سعى مع طواف القدوم» ، أي: فإن سعى فلا يعيد السعي، لقول جابر ـ رضي الله عنه ـ: «لم يطف النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا أصحابه بالصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول»[(6)]. ولأنه لا يجب في الحج سعيان، فإن قال قائل: قد أوجبتم طوافين، طواف القدوم وطواف الإفاضة؟ فالجواب: أننا لم نوجب طواف القدوم، بل هو سنة؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه سعوا بعد طواف القدوم، وظاهر هذا الحديث أن المتمتع لا يسعى؛ لأن كثيراً من الصحابة تمتعوا؛ لأنهم لم يسوقوا الهدي، وقد أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتمتع، ولكن هذا الظاهر يجب حمله على أن المراد بأصحابه الذين بقوا على إحرامهم لسوقهم الهدي، فهو عام أريد به الخاص، ويدل على هذا ما رواه البخاري من حديثي عائشة[(7)] وابن عباس[(8)] -رضي الله عنهم-، ثم إن نسك العمرة انفصل عن نسك الحج فبينهما حل تام، فكيف يقال: إن السعي الذي قام به المتمتع أولاً يكفي عن سعي الحج، هذا لا يمكن أن يقال به، ثم يقال: لو قلتم إنه سعيُ الحج قُدِّمَ فلا يَصح كيف يقدم سعي الحج قبل الإحرام بالحج؟ وهل يمكن أن يركع الإنسان قبل أن يدخل في الصلاة؟ لا يمكن، وليس لمن قال: إن المتمتع يكفيه سعي واحد إلا ما يفيده ظاهر حديث جابر -رضي الله عنه-: «لم يطف النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً الطواف الأول» [(9)]، والإجابة عن هذا سهلة جداً بأن يقال المراد بأصحابه الذي لم يحلوا وكانوا مثله.
وهذا هو الصحيح أن المتمتع يلزمه سعي للحج، كما يلزمه سعي للعمرة.
وقوله: «ولم يكن سعى مع طواف القدوم» ، يفهم من كلام المؤلف أن القارن والمفرد، يجوز لهما أن يقدما سعي الحج بعد طواف القدوم، ويجوز أن يؤخراه، وكل هذا جائز، ولكن الأفضل -والله أعلم- أن يقدماه بعد طواف القدوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدمه.
على أنه قد يقول قائل: أنا أنازع في هذا الاستدلال؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدمه ليعلم أصحابه كيف يسعون، وعامة أصحابه يحتاجون إلى معرفة السعي؛ لأنهم تمتعوا، فلا يدل تقديمه إياه على وجه قطعي أن الأفضل تقديم السعي للمفرد والقارن بعد طواف القدوم، لكن نجيب عن هذا الإيراد بأن الأصل، في فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سنة، واحتمال أن يكون ذلك من أجل أن يعلم أصحابه وارد، لكن إبقاء النص على ظاهره أولى، ولأنه في الغالب إذا سعى بعد طواف القدوم يكون أسهل؛ لأن الزحام حينئذٍ يكون أخف من الزحام في يوم العيد، وأيام التشريق.
وقوله: «ولم يكن سعى مع طواف القدوم» ، يفيد بأن تقديم سعي الحج للقارن والمفرد لا يكون إلا إذا وقع بعد طواف القدوم، أريد بهذا لو قدم السعي على طواف القدوم لا يجزئ؛ لأنه لم يكن بعد طواف نسك، وبه نعرف خطأ من أفتى أهل مكة الذين يحرمون بالحج من مكة أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة بنية سعي الحج؛ ووجه الخطأ أن هؤلاء لا قدوم لهم؛ لأن طواف القدوم يشرع لمن يأتي من خارج مكة، وأهل مكة طوافهم ليس طواف قدوم، فلا يجزئهم تقديم السعي وهذه الفتوى وهم لا أساس لها من الأدلة.
قوله: «ثم قد حل له كل شيء» ، أي: حلَّ للحاج كل شيء، وهذا عام أريد به الخاص، أي: كل شيء حرم عليه بالإحرام، فإنه يحل له إذا طاف طواف الإفاضة، وسعى سعي الحج، إذا كان متمتعاً، أو كان مفرداً، أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم.
وفي هذا دليل على أن العام ولو كان بلفظ «كل» قد يراد به الخاص، والذي يعين أن المراد به الخاص السياق أو القرينة.
ومن ذلك قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] ، أي: ريح عاد، فهل دمرت السموات والأرض؟
الجواب: لا، بل ولا المساكن لم تدمرها، قال تعالى: {فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25] ، فالمراد بـ «كل شيء» ، أي: مما أمرت أن تدمره، أو «كل شيء» مما يتعلق بهؤلاء القوم الذين كذبوا هوداً عليه السلام.
وقوله: «ثم قد حل له كل شيء» ، أي: حتى النساء، فيمكن للرجل إذا كان أهله معه أن يستمتع بأهله في آخر يوم العيد، بعد أن يرمي، ويحلق أو يقصر، ويطوف ويسعى.
وهل يمكن أن يستمتع بأهله ليلة العيد؟
الجواب: على كلام المؤلف، إذا كان يجوز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل فدفع ورمى، وذهب إلى مكة وطاف وسعى، قبل الفجر فيمكن، وخصوصاً في أيامنا هذه حيث المواصلات سهلة، لكن على الذي اخترناه من أنه لا يدفع إلا في آخر الليل فقد يكون هذا متعذراً.

ثُمَ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْرَمَ لِمَا أَحَبَّ وَيَتَضلَّعُ مِنْهُ وَيَدْعُو بِمَا وَرَد،..
قوله: «ثم يشرب من ماء زمزم» ، ظاهر كلامه أنه يشرب من ماء زمزم بعد السعي، وليس مراداً بل يشرب من ماء زمزم بعد الطواف؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شرب من ماء زمزم بعد الطواف كما يدل عليه حديث جابر[(10)]، إذ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسع للحج؛ لأنه سعى مع طواف القدوم.
مسألة: هل الشرب من ماء زمزم بعد الطواف سنة مقصودة؟
الجواب : عندي في هذا تردد يعني كونه يقع بعد الطواف، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، ولكن كونه بعد الطواف، يحتمل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم فعل هذا لأنه أيسر له أو أنه -عليه الصلاة والسلام- عطش بعد الطواف، أو ليستعد للسعي، لكن اشرب فهو خير.
مسألة: القول بأن يشرع شرب ماء زمزم واقفاً ليس بصواب لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما شرب واقفاً لضيق المكان، فإن الدلو إذا رفع للنبي صلّى الله عليه وسلّم فالمكان واسع ولكنه لو جلس لضاق المكان.
قوله: «لما أحب» اللام للتعليل، أي: أن ينويه لما أحب، فإذا كان مريضاً وشرب من أجل أن يذهب مرضه فليفعل ويشفى بإذن الله، وإذا كان عطشان وشرب لأجل الري فليفعل ويروى بإذن الله، وإذا كان كثير النسيان فشرب ليقوى حفظه فليفعل، وقد فعل ذلك بعض المحدثين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((ماء زمزم لما شرب له))[(11)] ، والحديث حسن، وهذا فيه تردد، أما شربه لإزالة العطش فواضح، ولرفع الجوع واضح، وللمرض واضح، لأن المرض علة بدنية عضوية يمكن أن يزول بشرب زمزم كما يزول العطش والجوع، لكن المسائل المعنوية العقلية، الإنسان يشك في هذا، إلا أن نقول: لا يضرك، انوِ ما تريد، إن كان الحديث يتناوله حصل المقصود، وإلا لم تأثم، لو شربه الفقير للغنى؟ نقول: إذا كنا نتردد في شربه للحفظ فمن باب أولى للغنى، ولو شربه إنسان خطب امرأة وهو بين الرد والإجابة، وشربه لأجل أن يجيبوه إذا أخذنا بالعموم قلنا: «لما شرب له» ، ولكن مثل هذا لا يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراده؛ لأن هذه لا علاقة لها بالبدن الذي يستفيد بالشرب.
قوله: «ويتضلع منه» ، أي: يملأ بطنه حتى يمتلئ ما بين أضلاعه؛ لأن هذا الماء خير، وقد ورد حديث في ذلك لكن فيه نظر وهو: «أن آية ما بيننا وبين المنافقين إنهم لا يتضلعون من ماء زمزم»[(12)] ، لأن المؤمن يؤمن بأنه شفاء، ونافع، والمنافق لا يؤمن بهذا، فالمنافق لا يشرب منه إلا عند الضرورة لدفعها فقط، والمؤمن يتضلع رجاء بركته التي جاءت في الحديث: ((ماء زمزم لما شرب له)) ، وذلك لأن ماء زمزم ليس عذباً حلواً، بل يميل إلى الملوحة، والإنسان المؤمن لا يشرب من هذا الماء الذي يميل إلى الملوحة إلا إيماناً بما فيه من البركة، فيكون التضلع منه دليلاً على الإيمان.
قال بعضهم: ويستقبل القبلة، ولكن هذا ضعيف لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شرب من زمزم ولم يرد عنه أنه استقبل القبلة ولا أنه رفع يديه يدعو بعد ذلك.
فإن قال قائل: هل يفعل شيئاً آخر كالرش على البدن وعلى الثوب، أو أن يغسل به أثواباً يجعلها لكفنه، كما كان الناس يفعلون ذلك من قبل؟
فالجواب: لا، فنحن لا نتجاوز في التبرك ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا نتجاوز إليه، فما ثبت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذنا به وإلا فلا.
قوله: «ويدعو بما ورد» ، أي: إذا شرب من ماء زمزم دعا بما ورد.
قال في الروض: (يقول: بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً، وشبعاً، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك) [(13)]، وقال أيضاً: (يرش على ثوبه، ويستقبل القبلة ويتنفس ثلاثاً) [(14)] ، وهذا أيضاً يحتاج إلى إثبات، لكن التنفس ثلاثاً في الشرب ثبتت به السنة[(15)].


[1] سبق تخريجه ص(76).
[2] سبق تخريجه ص(231).
[3] كما في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ في صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم ص(76).
[4] أخرجه الإمام أحمد (6/295)، (303)؛ وأبو داود في المناسك/ باب الإفاضة في الحج (1999)؛ وابن خزيمة (2958)؛ والبيهقي (5/136، 137) عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قال البيهقي: لا أعلم أحداً من الفقهاء يقول بذلك.
[5] سبق تخريجه ص(70).
[6] أخرجه مسلم في الحج/ باب بيان وجوه الإحرام (1215).
[7] أخرجه البخاري في الحج/ باب طواف القارن (1638) ولفظه:(فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحداً)؛ ومسلم في الحج/ باب بيان وجوه الإحرام (1211)؛ ولفظه: (فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا إلى منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً).
[8] أخرجه البخاري في الحج/ باب قوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري...} (1572) ولفظه: (أهل المهاجرون والأنصار، وأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي))، فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: ((من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله))، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا، وعلينا الهدي).
[9] سبق تخريجه ص(343).
[10] في صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد سبق ص(76).
[11] سبق تخريجه ص(270).
[12] أخرجه ابن ماجه في المناسك/ باب الشرب من زمزم (3061)؛ والدارقطني (2/288)؛ والبيهقي (5/146) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما، وضعفه الألباني في «الإرواء» (4/325).
[13] لما رواه عكرمة قال: كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال: «اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء».
أخرجه الدارقطني (2/288)؛ والحاكم (1/473) وقال: «صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي وقد سبق الكلام على رواية الحاكم عند الكلام على حديث: ((ماء زمزم لما شرب له))، وأما رواية الدارقطني فقد ضعف إسنادها في «الإرواء» (4/333).
[14] هذا من فعل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد سبق في حديث إن آية ما بيننا وبين المنافقين التضلع من زمزم وليس فيه الرسن على الثوب.
[15] أخرجه البخاري في الأشربة/ باب الشرب بنفسين أو ثلاثة (5631) ومسلم في الأشربة/ باب كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء (2028) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir