دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > سير المفسرين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 ربيع الثاني 1436هـ/24-01-2015م, 12:34 AM
أم البراء الخطيب أم البراء الخطيب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 501
افتراضي سيرة العماد أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي رحمه الله تعالى

سيرة ابن كثير رحمه الله تعالى :

● اسمه ونسبه
هو الشيخ الامام العالم الحافظ المفيد البارع 1
إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع البصروي ثم الدمشقي ، الفقيه الشافعي "الحافظ عماد الدين ابن الخطيب شهاب الدين " 2..
وأصله قرشي من بني " حصلة " .3.
سماه والده باسم أخيه الأكبر الذي كان مشتغلا بالعلم وحفظ الكثيرمن المتون بشروحها ثم قدر الله أن سقط من السطح فتوفي فحزن عليه والده جدا فلما ولد له ابنه الأصغر سماه باسمه 4.

----------

1 ذيل تذكرة الحفاظ 1/361.
2. إنباء الغمر بأبناء العمر ابن حجر العسقلاني 1/ 12.
3 - 4 البداية والنهاية " 11/ 100.
- إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
.


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(



● مولده ونشأته
ولد في ثالث عشر ذي الحجة سنة سبعمائة 1بقرية مجدل من اعمال بصرى وهذا لأنه رحممه الله ذكر عن والده انه ولد في الشركوين ثم انتقل الى مجيدل القرية واقام بها مدة طويلة وتوفي فيها وقد ولد ابن كثير رحمه الله قبل وفاة والده بثلاث سنين مما يدله انه ولد في مجيدل .
وذكر في سنة ولادته غير ذلك 2
ولكنه الأرجح لما ذكره رحمه الله تعالى عن نفسه من انه كان ابن ثلاث سنين عند وفاة والده رحمه الله وقد كنت البلاد تعاني في هذه المرلحة من حروب وقلئل وهجوم التتر وكانت الحالة الاجتماعية متدهوة جدا ورغم ذلك تميت بنشاط علمي كبير لتشجيع الحكام وقتها للعلم وتقريبهم للعلماء فقد كان الممليك يحرصون علن قيام دولتهم
وهو رحمه الله من أسرة تميزت بالعلم ودين، فأبوه عمر بن حفص بن كثير كان خطيبا و أخذ العلم عن النواوي والفزاري ، ولكنه توفى في شهر جمادى الاولى سنة ثلاث وسبعمائة وتركه ابن ثلاث سنين ، فانتقلوا إلى دمشق في سنة (707 هـ)، فرعاه عمه عبد الوهاب وكان شفيقا بهم رحيما واعتنى به بتعليم ابن اخيه، ووتوفي رحمه الله تعالى (750 هـ) .
وكان له أخ اكبر من غير امه اشتغل بحفظ القرآن على والده وقرأ مقدمة في النحو، وحفظ التنبيه وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري وحصل المنتخب في أصول الفقه 3.

----------
1قاله الحافظ ابن حجر (ت 852 ه‍) في " الدرر
الكامنة " 1 / 374.
2 ذيل طبقات الحفاظ " ص 57.
3 انظر البداية والنهاية 11/ 100
.


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


● طلبه للعلم
سمع من ابن الشحنة وابن الزراد وإسحاق الآمدي وابن عساكر والمزي وابن الرضي وطائفة وأجاز له من مصر الدبوسي والواني والختني وغيرهم واشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله فجمع التفسير وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يكمل وجمع التاريخ الذي سماه البداية والنهاية وعمل طبقات الشافعية وشرح أحاديث أدلة التنبيه وأحاديث مختصراً ابن الحاجب الأصلي وشرع في شرح البخاري ولازم المزي وقرأ عليه تهذيب الكمال وصاهره على ابنته وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وامتحن لسببه وكان كثير الاستحضار حسن المفاكهة سارت تصانيفه في البلاد في حياته وانتفع بها الناس بعد وفاته ولم يكن على طريق المحدثين في تحصّيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم وإنما هو من محدثي الفقهاء وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح وله فيه فوائد قال الذهبي في المعجم المختص الإمام المفتي المحدّث البارع فقيه متفنن مفسر نقال وله تصانيف مفيدة مات في شعبان سنة 774 وكان قد أضر في أواخر عمره.1

--------
1الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر العسقلاني 1/445.



)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


● نبذة من أخباره
لازم الاشتغال، ودأب وحصل وكتب، وبرع في الفقه والتفسير والحديث، وسمع بدمشق من عيسى بن عبد الرحمن المطعم مسند الدارميوأحمد بن الشيخة، والقاسم بن عساكر، وابن الشيرازي، واسحق الآمدي، ومحمد بن الزراد، وأجاز له من مصر أبو الفتح الدبوسي، وعلي بن عمر الواني، ويوسف الخنتي وغر واحد واحد، ولازم الحافظ جمال الدين المزي كثيراً، وبه انتفع، وتخرج، وتزوج بابنته، وقرأ أيضاً عَلَى ابن تيمية كثيراً، وسمع منهم ومن غيرهم أيضاً وجمع وصنف ودرس وحدث وألف، وكان له إطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذَلِكَ 1.
ودرّس إلى أن توفي .
ألف في صغره أحكام التنبيه فيقال إن شيخه البرهان أعجبه وأثنى عليه.

----------
1انظر المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي لابن تغري بردي.


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


● شيوخه 1

1-شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية 728 ، رحمه الله.
2- الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي ت 742 ، رحمه الله.
3-الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي748ت ، رحمه الله. 2
4-الشيخ أبو العباس أحمد الحجار الشهير بـ "ابن الشحنة".
5-الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الفزاري، رحمه الله.
6-الحافظ كمال الدين عبد الوهاب الشهير بـ "ابن قاضي شهبة"
7-الشيخ عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الأصبهاني، رحمه الله.
8-الشيخ بهاء الدين القاسم بن عساكر، رحمه الله.
9-محمد بن جعفر اللباد، شيخ القراءات.
10-الشيخ محمد بن الزراد، رحمه الله.

--------
1انظر : تذكرة الحفاظ 1/38 - الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة4/278 - إنباء الغمر 1 / 12 - سيرة ابن كثير من مقدمة التفسير دار ابن حزم – دار الصفا الطبعة .
منهج ابن كثير في تفسير لللاحم الطبعة الأولى سنة 1420 1999 دار المسلم للنشر والتوزيع ص 21 – 28.
2 قال الذهبي : إسماعيل بن عمر بن كثير الإمام الفقيه المحدث الأوحد البارع عماد الدين البصروي الشافعي , فقيه متفنن ومحدث متقن ومفسر نقال وله تصانيف مفيدة , يدري الفقه ويفهم العربية والأصول ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحوالهم سمع مني وله حفظ ومعرفة يدمج قراءته
معجم المحدثين : لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله. دار النشر / مكتبة الصديق - الطائف - 1408. الطبعة : الأولى. تحقيق : د. محمد الحبيب الهيلة
.


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


● تلاميذه 1
1-الحافظ علاء الدين بن حجي الشافعي، رحمه الله.
2-محمد بن محمد بن خضر القرشي، رحمه الله.
3-شرف الدين مسعود الأنطاكي النحوي، رحمه الله.
4-محمد بن أبي محمد بن الجزري، شيخ علم القراءات، رحمه الله.
5-ابنه محمد بن إسماعيل بن كثير، رحمه الله.
6-الإمام ابن أبي العز الحنفي، رحمه الله.
7-الحافظ أبو المحاسن الحسَيني، رحمه الله.


---------
1 سيرة ابن كثير من مقدمة التفسير .
منهج ابن كثير في تفسيره لللاحم ص 21 – 28.
الإمام ابن كثير المفسر ص 104-108
.


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


● أقوال العلماء فيه
قال عنه الحافظ أبو عبد الله الذهبي في معجمه : الإمام الفقيه المحدث البارع عماد الدين درس الفقه وأفتى وتفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة، انتهى باختصار.1

وقيل عنه : "الإمام المحدث الحافظ، ذو الفضائل، عماد الدين..." 2.

وقال ابن حجي 716 : ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه وقد لازمته ست سنين 3 .

قال ابن حبيب ت 726 فيه : إمام ذوي التسبيح والتهليل ، وزعيم أرباب التأويل ، سمع وجمع وصنف ، وأطرب الأسماع بقوله وشنف ، وحدث وأفاد ، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير .5
وقال العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي(ت842).
"الشيخ العلامة الحافظ عماد الدين،ثقة المحدثين،عمدة المؤرخين،علم المفسرين".

وقال العلامة بدر الدين العيني شارح صحيح البخاري ت855
"كان قدوة العملاء والحفاظ،وعمدة أهل المعاني والألفاظ،سمع وجمع وصنف،ودرس وحدث وألف،وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتأريخ،واشتهر بالضبط والتحرير،وانتهى إليه علم التأريخ والحديث والتفسير،وله مصنفات عديدة مفيدة".

وقال المؤرخ أبو المحاسن ابن تَغْرِي بَرْدِي ت 874 .
"الشيخ الإمام العلامة عماد الدين أبو الفداء...لازم الاشتغال،ودرس وحدث وألف،وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك،وأفتى ودرس إلى أن توفي".
وقال ابن حجر 852هـ: كان كثير الاستحضار وسارت تصانيفه في البلاد في حياته وانتفع به الناس بعد وفاته 3 .
قال السيوطي 911 هـ في ترجمة الحافظ ابن كثير: "له التفسير الذي لم يؤلف على نمط مثله".

-----------
1 المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي لابن تغري بردي
1/177.
2 ذيل تذكرة الحفاظ لابي المحاسن الحسيني الدمشقي 1/361 طبقات الحفاظ لجلال الدين السيوطي
1/112.
3 ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي .
4أبجد العلوم صديق بن حسن القنوجي 3/ 89 .
5 إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى 1/46.

ملاحظة
الله المستعان هنا اختلط علي كل شي لما حاولت ترتيب الكلام حسب تاريخ وفيات الشيوخ فأرجو إمهالي لما أتفرغ وأعود للمراجع وأرتب الحواشي
حاولت الآن أرتبه فزدت الأمر سوء لأني اشتغلت على ملف الوورد مباشرة فضاع الترتيب مع الاسف .


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(

● آثاره




قال الزركلي : من كتبه (البداية والنهاية ) في 14 مجلدا في التاريخ على نسق الكامل لابن الاثير انتهى فيه إلى حوداث سنة 767
(شرح صحيح البخاري) لم يكمله.
(طبقات الفقهاء الشافعيين.
(تفسير القرآن الكريم) عشرة أجزاء .

الاجتهاد في طلب الجهاد .
المقصد الارشد .

قال رحمه الله : ورأيت في ثبت النذرومي إجازة بخط ابن كثير، في بيت من الشعر هذا نصه: (أجزتهم ما قد سئلت، بشرطه * وكاتبه اسماعيل ابن كثير) وأشار الواقف على طبعه إلى أن هذه الاجزاء الاربعة عشر، هي القسم الاول من الكتاب، وهو (البداية) وأما القسم الثاني (النهاية) فسيكون أول الجزء الخامس عشر، وهو في الكلام على الفتن والملاحم في آخر الزمان. أهـ 1

وقال ابن حجر رحمه الله : ومن مصنفاته تفسير القرآن الكريم في عشر مجلدات، وكتاب طبقات الفقهاء، ومناقب الشافعي، والتاريخ المسمى بالبداية والنهاية وأيضاً في عشر مجلدات، وهو في غاية الجود، وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وكتب علَى البخاري ولم يكمله، وله غير ذَلِكَ. 2 إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ 1/ 45 .

وممت سبق يتبين لنا انه رحمه الله تعالى خلف رصددا علميا زاخرا في مختلف الفنون وتركت مؤلفات طيب تربو عن الثلاثين مؤلفا :

فألف في علوم القرآن تفسيره المشهور .
1- تفسير القرآن العظيم
2- وله رسالة بعنوان فضائل القرآن
اما عنايته بالسنة فتظهر في كثرة ما ألف فيها بل وحتى في تفسيره رحمه الله نجد له عناية كبيرة بالأسانيد والصنعة الحديثية ظاهرة فيه لإيراده النصوص بأسانيدها وتعليقه عليها رحمه الله تعالى وله من المؤلفات .
كتابه المشهور اختصار علوم الحديث الذي لاغنى عنه لأي طالب لعلم مصطلح الحديث .
أحاديث الأصول.
التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والمجاهيل.
جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن.

أما في الفقه :
جزء في فضل يوم عرفة.
جزء في الصلاة الوسطى.
جزء في الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها.
جزء في الرد على كتاب الجزية
.

في المواريث ولعله داخل في كتب الفقه :
جزء في ميراث الأبوين مع الإخوة

وله في الأصول كتاب اسمه
المقدمات في أصول الفقه.
أحكام التنبيه.


وفي التاريخ

البداية والنهاية.

وفي السيرة كتاب السيرة النبوية
المشهور بسيرة ابن كثير
وله كتاب مناقب ابن تيمية


وهو القائل :
تمر بنا الأيام تترى وإنما °*° نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى °*° ولا زائل هذا المشيب المكدر 3


----------
1 الأعلام للزكلي 1/ 320 .
2 إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ 1/ 45 .
3 إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ 1/ 47 دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1406 هـ - 1986م
الطبعة : الثانية.



)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


نماذج من تفسيره

أما أسلوبه رحمه الله تعالى في تفسسيره فممتع جدا : وله طريقة حسنة بحيث يسوق ابتداء تفسير الآيات :

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)
فبدأ رحمه الله بالتفسير المجمل للآية ولم يقف عند كل لفظة بل يضع لكل جملة ما يقابلها من المعنى :
أي: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟
{ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } أي: مقيمين على عبادتها ودعائها.
{ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } يعني: اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يُهرعون. فعند ذلك قال لهم إبراهيم: { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ } أي: إن كانت هذه الأصنام شيئا ولها تأثير، فَلْتَخْلُص إلي بالمساءة، فإني عدو لها لا أباليها ولا أفكر فيها.
وقد يستطرد رحمه الله بالتمثيل بمواضع اخرى وآيات أخرى إما لتقرير المعنى أو ...
وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن نوح، عليه السلام: { فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ } [يونس:71] وقال هود، عليه السلام: { إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود:54-56] وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم وقال: { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا } [الأنعام:81] وقال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } [الممتحنة:4] وقال تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الزخرف:26-28] يعني: لا إله إلا الله.

{ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) }
يعني: لا أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء، { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } أي: هو الخالق الذي قدر قدرًا، وهدى الخلائق إليه، فكل يجري على [ما] قدّر، وهو الذي يهدي من يشاء ويُضل من يشاء.
{ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } أي: هو خالقي ورازقي، بما سخر ويَسَّر من الأسباب السماوية والأرضية، فساق المُزْنَ، وأنزل الماء، وأحيا به الأرض، وأخرج به من كل الثمرات رزقا للعباد، وأنزل الماء عذبًا زلالا لـ { نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا } [الفرقان:49] .
وقوله: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } أسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلَقْه، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا، كما قال تعالى آمرًا للمصلي أن يقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } [الفاتحة:6 ، 7] فأسند الإنعام إلى الله، سبحانه وتعالى، والغضب حُذف فاعله أدبًا، وأسند الضلال إلى العبيد، كما قالت الجن: { وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } [الجن:10]؛ ولهذا قال إبراهيم: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه.
{ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } أي: هو الذي يحيي ويميت، لا يقدر على ذلك أحد سواه، فإنه هو الذي يبدئ ويعيد.
{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } أي: هو الذي لا يقدر على غَفْر الذنوب في الدنيا والآخرة، إلا هو، ومن يغفر الذنوب إلا الله، وهو الفعال لما يشاء.


نموذج آخر :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) } .
يخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ } أي: هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات؛ ولهذا قال: { وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي: هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله، ويقدره ويشرعه.
وقوله: { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } أي: لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع؛ ولهذا قال: { وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } .
وقوله: { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أي: يوم القيامة، { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا } أي: وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تُسَاعَد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه، { لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } ، أي: ولو كان قريبًا إليها، حتى ولو كان أباها أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله، [كما قال تعالى: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ] [عبس: 34-37] .
قال عكرمة في قوله: { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا } الآية، قال: هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة، فيقول: يا رب، سل هذا: لم كان يغلق بابه دوني. وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة، فيقول له: يا مؤمن، إن لي عندك يدًا، قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا؟ وقد احتجت إليك اليوم، فلا يزال المؤمن يشفع له عند ربه حتى يرده إلى [منزل دون] منزله ، وهو في النار. وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة، فيقول: يا بني، أيّ والد كنتُ لك؟ فيثني خيرا، فيقول له: يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى. فيقول له ولده: يا أبت، ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا، ثم يتعلق بزوجته فيقول: يا فلانة -أو: يا هذه-أي زوج كنت لك؟ فتثني خيرا، فيقول لها: إني أطلب إليك حسنة واحدة تَهَبِينَها لي، لعلي أنجو بها مما ترين. قال: فتقول: ما أيسر ما طلبت. ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا، إني أتخوف مثل الذي تتخوف.

يقول الله: { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا } الآية، ويقول الله: { لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا } [لقمان: 33] ، ويقول تعالى: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } رواه ابن أبي حاتم رحمه الله، عن أبي عبد الله الطهراني ، عن حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عِكْرِمة، به.
ثم قال: { إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ } أي: إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى، الخائفون من ربهم، الفاعلون ما أمرهم به، { وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } أي: ومَنْ عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه، { وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } أي: وإليه المرجع والمآب، وهو سريع الحساب، وسيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرًّا فشر.


نموذج ثالث :


{ لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) }
يقول تعالى معظمًا لأمر القرآن، ومبينا علو قدره، وأنه ينبغي وأن تخشع له القلوب، وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الأكيد: { لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } أي: فإن كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه، لخشع وتصدع من خوف الله، عز وجل، فكيف يليق بكم أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع، وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه؟ ولهذا قال تعالى: { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } .

قال العوفي: عن ابن عباس في قوله: { لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا] } إلى آخرها، يقول: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حَمّلته إياه، لتصدع وخشع من ثقله، ومن خشية الله. فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآنُ أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع.
ثم قال: كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون. وكذا قال قتادة، وابن جرير.

وقد ثبت في الحديث المتواتر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمل له المنبر، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد، فلما وضع المنبر أول ما وضع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حَنّ الجذع وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يُسَكَّن ، لما كان يُسمَع من الذكر والوحي عنده. ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده: "فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع" . وهكذا هذه الآية الكريمة، إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } الآية [الرعد : 31] . وقد تقدم أن معنى ذلك: أي لكان هذا القرآن. وقال تعالى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [البقرة : 74] .
ثم قال تعالى: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا رب غيره، ولا إله للوجود سواه، وكل ما يعبد من دونه فباطل، وأنه عالم الغيب والشهادة، أي: يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فلا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير، حتى الذر في الظلمات.

وقوله: { هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير، بما أغنى عن إعادته هاهنا. والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وقد قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف : 156] ، وقال { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [الأنعام : 54] ، وقال { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس : 58] .
وقوله { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ } أي: المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة.
وقوله: { الْقُدُّوسُ } قال وهب بن منبه: أي الطاهر. وقال مجاهد، وقتادة: أي المبارك: وقال ابن جريج: تقدسه الملائكة الكرام.

{ السَّلامُ } أي: من جميع العيوب والنقائص؛ بكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقوله: { الْمُؤْمِنُ } قال الضحاك، عن ابن عباس: [أي] أمن خلقه من أن يظلمهم. وقال قتادة: أمَّن بقوله: إنه حق. وقال ابن زيد: صَدّق عبادَه المؤمنين في أيمانهم به.
وقوله: { الْمُهَيْمِنُ } قال ابن عباس وغير واحد: أي الشاهد على خلقه بأعمالهم، بمعنى: هو رقيب عليهم، كقوله: { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [البروج : 9] ، وقوله { ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ } [يونس : 46] .
وقوله: { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الآية [الرعد : 33].
وقوله: { الْعَزِيزُ } أي: الذي قد عزّ كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه؛ لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه؛ ولهذا قال: { الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } أي: الذي لا تليق الجَبْرّية إلا له، ولا التكبر إلا لعظمته، كما تقدم في الصحيح: "العَظَمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عَذَّبته".
وقال قتادة: الجبار: الذي جَبَر خلقه على ما يشاء.
وقال ابن جرير: الجبار: المصلحُ أمورَ خلقه، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم.
وقال قتادة: المتكبر: يعني عن كل سوء.
ثم قال: { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
وقوله: { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } الخلق: التقدير، والبَراء: هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئًا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله، عز وجل. قال الشاعر يمدح آخر
ولأنت تَفري ما خَلَقت ... وبعضُ القوم يَخلُق ثم لا يَفْري ...
أي: أنت تنفذ ما خلقت، أي: قدرت، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد. فالخلق: التقدير. والفري: التنفيذ. ومنه يقال: قدر الجلاد ثم فَرَى، أي: قطع على ما قدره بحسب ما يريده.
وقوله تعالى: { الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } أي: الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار. كقوله: { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } [الإنفطار : 8] ولهذا قال: { الْمُصَوِّرُ } أي: الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.

وقوله: { لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى } قد تقدم الكلام على ذلك في "سورة الأعراف"، وذكر الحديث المروي في الصحيحين عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر". وتقدم سياق الترمذي وابن ماجة له، عن أبي هريرة أيضا، وزاد بعد قوله: "وهو وتر يحب الوتر" -واللفظ للترمذي-...
وسياق ابن ماجة بزيادة ونقصان، وتقديم وتأخير، وقد قدمنا ذلك مبسوطًا مطولا بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هنا.
وقوله: { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } كقوله { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [الإسراء : 44] .
وقوله: { وَهُوَ الْعَزِيزُ } أي: فلا يرام جَنَابه { الحَكِيمُ } في شرعه وقدره.


)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(


● وفاته 1
توفي يوم الخميس سادس عشرين شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق، عن أربع وسبعين سنة.
ورثاه بعض طلبته:
لفقدك طلاَّب العلوم تأَسفوا °*° وجادوا بدمْع لا يبيد غزير
ولو مزجُوا ماء المدامع بالدِّما °*° لكان قليلاً فيك يا ابن كثير

-------------
1المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي لابن تغري بردي
.

)°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°()°(



المراجع


1- البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثيرالدمشقي المتوفى سنة 774 ه‍. حققه ودقق اصوله وعلق حواشيه علي شيري دار إحياء التراث العربي طبعة جديدة محققة الطبعة الاولى 1408 ه‍. 1988 م.
2- إنباء الغمر بأبناء العمرالمؤل لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)المحقق: د حسن حبشي الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصرعام النشر: 1389هـ 1969م .
3- ذيل تذكرة الحفاظ لشمس الدين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي (المتوفى: 765هـ )الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م .
4- ذيل طبقات الحفاظ للذهبي لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 هـدراسة وتحقيق: الشيخ زكريا عميرات الناشر: دار الكتب العلمية.
5- أبجد العلوم لصديق بن حسن القنوجي المتوفى 1357 هـ دار الكتب العلمية - بيروت ، 1978 تحقيق : عبد الجبار زكار.
6 - سيرة ابن كثير من مقدمة تفسير ابن كثير اعتمدت طبعة دار ابن حزم – دار الصفا الطبعة ولم يكتبوا شيء عن من اعتنى بها
7- منهج ابن كثير في تفسير لللاحم الطبعة الأولى سنة 1420 1999 دار المسلم للنشر والتوزيع .
8 - الإمام ابن كثير المفسر رسالة ماجستير إعداد الطالب مطر أحمد الزهراني لعام 1402 هـ جامعة ام القرى كلية الشريعة إشراف الأستاذ أحمد صقر
.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ربيع الثاني 1436هـ/26-01-2015م, 05:23 AM
هيئة التصحيح 7 هيئة التصحيح 7 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 6,326
افتراضي

تم التصحيح في صفحتك للاختبارات هنا :
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...856#post160856
بارك الله فيكِ ، وزادكِ توفيقا وسدادا .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العماد, سيرة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir