المراد بالجدة هنا الجدة الصحيحة، وهي كل جدة أدلت بمحض الإناث؛ كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص، وكأم الأب وكل جدة أدلت بمحض الذكور؛ كأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب، أو أدلت بإناث إلى ذكور؛ كأم أم الأب وأم أم أم أبي الأب، أما الجدة المدلية بذكور إلى إناث كأم أبي الأم وأم أبي أم الأب؛ فهذه لا ترث؛ لأنها من ذوي الأرحام.
فضابط الجدة الوارثة هي: من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص أو بإناث إلى ذكور، وضابط الجدة غير الوارثة هي: من أدلت بذكور إلى إناث، وبعبارة أخرى: من أدلت بذكر بين أنثيين هي إحداهما.
ودليل توريث الجدة السنة والإجماع:
فأما السنة؛ فمنها حديث قبيصة بن ذؤيب؛ قال: "جاءت الجدة إلى أبي بكر، فسألته ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا؛ فارجعي حتى أسأل الناس
فسأل الناس، فقال المغير بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس.
فقال: هل معك غيرك؟، فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكر".
قال: "ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر، فسألته ميراثها، فقال مالك في كتاب الله شيء، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما؛ فهو بينكما، وأيكما خلت فهو لها"، رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي.
وعن بريدة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم"، رواه أبو داود وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن الجارود.
فهذان الحديثان يفيدان استحقاق الجدة السدس، وهي كما قال الصديق وعمر رضي الله عنهما ليس لها في كتاب الله شيء؛ لأن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا؛ فالجدة وإن سميت أما؛ لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض، وإن دخلت في لفظ الأمهات في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُم}، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس؛ فبثت ميراثها إذًا بالسنة.
وكذا ثبت ميراثها بإجماع العلماء؛ فلا خلاف بين أهل العلم في توريث أم الأم وأم الأب، واختلفوا فيما عداهما؛ فورث ابن عباس
وجماعة من العلماء الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة؛ إلا من أدلت بأب غير وارث؛ كأم أبي الأم، وورث بعضهم ثلاث جدات فقط هن أم الأم وأم الأب وأم الجد أبي الأب.
ويشترط لتوريث الجدة عدم وجود الأم؛ لأن الجدة تدلي بها، ومن أدلى بواسطة؛ حجبته تلك الواسطة؛ إلا ما استثني، وهذا بإجماع أهل العلم أن الأم تحجب الجدة من جميع الجهات.
[الملخص الفقهي:2/245-247]