دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:30 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تعدد خبر المبتدأ الواحد


أَخْبَرُوا باثنَيْنِ أوْ بأَكْثَرَا = عنْ واحدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

وأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا = عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا ([1])

اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ في جوازِ تَعَدُّدِ خبرِ المبتدأِ الواحدِ بغيرِ حرفِ عطفٍ، نحوُ: (زيدٌ قائمٌ ضاحِكٌ):
فذَهَبَ قومٌ - منهم المصنِّفُ - إلى جوازِ ذلكَ، سواءٌ ([2]) كانَ الخبرانِ في معنى خبرٍ واحدٍ، نحوُ: (هذا حُلْوٌ حَامِضٌ)؛ أي: مُزٌّ، أم لم يَكُونَا في معنى خبرٍ واحدٍ، كالمثالِ الأوَّلِ.
وذَهَبَ بعضُهم إلى أنه لا يَتَعَدَّدُ الخبرُ إلاَّ إذا كانَ الخبرانِ في معنى خبرٍ واحدٍ، فإنْ لم يَكُونَا كذلكَ تَعَيَّنَ العطفُ، فإنْ جاءَ مِن لِسانِ العربِ شيءٌ بِغيرِ عطفٍ قُدِّرَ له مبتدأٌ آخرُ؛ كقولِهِ تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}، وقولِ الشاعِرِ:
58- مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي = مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي ([3])

وقولِهِ:
59- يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي = بِأُخْرَى الْمَنَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ ([4])

وزَعَمَ بعضُهم أنه لا يَتَعَدَّدُ الخبرُ إلاَّ إذا كانَ من جِنْسٍ واحدٍ، كأنْ يكونَ الخبرانِ مَثلاً مفرديْنِ، نحوُ: (زيدٌ قائمٌ ضاحِكٌ)، أو جملتيْنِ، نحوُ: (زيدٌ قامَ ضَحِكَ)، فأمَّا إذا كانَ أحدُهما مفرداً والآخرُ جملةً فلا يَجُوزُ ذلكَ، فلا تقولُ: (زيدٌ قائمٌ ضَحِكَ) هكذا زَعَمَ هذا القائلُ، ويَقَعُ في كلامِ المُعْرِبِينَ للقرآنِ الكريمِ وغيرِه تجويزُ ذلكَ كثيراً، ومِنه قولُه تعالى: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} جَوَّزُوا كونَ تَسْعَى خبراً ثانياً، ولا يَتَعَيَّنُ ذلكَ؛ لجوازِ كونِهِ حالاً ([5]).

([1]) (وأَخْبَرُوا) فعلٌ ماضٍ وفاعلُه، (بِاثْنَيْنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَخْبَرَ، (أو) حرفُ عطفٍ، (بِأَكْثَرَا) جارٌّ ومجرورٌ معطوفٌ بأو على الجارِّ والمجرورِ السابقِ، (عن واحدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَخْبَرَ، (كَهُم) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، وهي ومجرورُها تَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، وهم: مبتدأٌ، (سراةٌ) خَبَرٌ أوَّلُ، (شُعَرَا) أصلُه شُعَرَاءُ فقَصَرَهُ للضرورةِ، وهو خبرٌ ثانٍ، والجملةُ من المبتدأِ وخَبَرَيْهِ في محَلِّ نصبِ مقولِ القولِ المُقَدَّرِ.

([2]) الذي يُستفادُ من كلامِ الشارحِ -وهو تابِعٌ فيه للناظِمِ في (شرحِ الكافيةِ)- أنَّ تَعَدُّدَ الخبرِ على ضَرْبَيْنِ:
الأوَّلُ: تَعَدُّدٌ في اللفظِ والمعنَى جميعاً، وضابطُه: أنْ يَصِحَّ الإخبارُ بكلِّ واحدٍ مِنهما على انفرادِه، كالآيةِ القرآنيَّةِ التي تلاها، وكمثالِ النظمِ، وكالبيتيْنِ اللذين أَنْشَدَهُما.
وحكمُ هذا النوعِ -عندَ مَن أجازَ التعدُّدَ- أنه يجوزُ فيه العطفُ وتركُه، وإذا عُطِفَ أحدُهما على الآخَرِ جازَ أنْ يكونَ العطفُ بالواوِ وغيرِها. فأمَّا عندَ مَن لم يُجِزِ التعدُّدَ فيَجِبُ أنْ يَعْطِفَ أو يُقَدِّرَ لِمَا عدا الأوَّلَ مبتدآتٍ.
الثاني: التعدُّدُ في اللفظِ دونَ المعنى، وضابطُه: ألاَّ يَصِحَّ الإخبارُ بكلِّ واحدٍ مِنهما على انفرادِه، نحوُ قولِهم: الرُّمَّانُ حُلْوٌ حامِضٌ، وقولِهم: فلانٌ أَعْسَرُ أَيْسَرُ؛ أي: يَعْمَلُ بكِلتا يَدَيْهِ، ولهذا النوعِ أحكامٌ: منها أنه يَمْتَنِعُ عطفُ أحدِ الأخبارِ على غيرِه، ومنها أنه لا يَجُوزُ تَوَسُّطُ المبتدأِ بينَها، ومنها أنه لا يَجُوزُ تقدُّمُ الأخبارِ كلِّها على المبتدأِ، فلا بُدَّ في المثاليْنِ من تقدُّمِ المبتدأِ عليهما، والإتيانِ بهما بغيرِ عطفٍ؛ لأنَّهما عندَ التحقيقِ كشيءٍ واحدٍ، فكلٌّ مِنهما يُشْبِهُ جزءَ الكَلِمَةِ.
([3]) يُنْسَبُ هذا البيتُ لرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ (ج 1 ص 258)، ولم يَنْسُبْهُ ولا نَسَبَه الأعلَمُ، ورَوَى ابنُ منظورٍ هذا البيتَ في (اللِّسانِ) أكثرَ مِن مَرَّةٍ ولم يَنْسُبْه في إحداها، وقد رَوَى بعدَ الشاهدِ في أحدِ المواضِعِ قولَه:
* أَخَذْتُهُ مِنْ نَعَجَاتٍ سِتِّ *
وزادَ على ذلكَ كلِّه في موضِعٍ آخَرَ قولَه:
* سُودٍ نِعَاجٍ كَنِعَاجِ الدَّشْتِ *
اللغةُ: (بَت) قالَ ابنُ الأثيرِ: البَتُّ: الكِساءُ الغليظُ المربَّعُ، وقيلَ: طَيْلَسَانٌ مِن خَزٍّ، وجَمْعُه بُتُوتٌ، وقولُه: (مُقَيِّظٌ) مُصَيِّفٌ، مُشَتِّي) أي: يَكْفِينِي للقَيْظِ؛ وهو زمانُ اشتدادِ الحرِّ، ويَكْفِينِي للصيفِ، وللشتاءِ، (الدَّشْتِ) الصحراءُ، وأصلُه فَارِسِيٌّ، وقد وَقَعَ في شِعْرِ الأَعْشَى ميمونِ بنِ قَيْسٍ، وذلك قولُه:
قَدْ عَلِمَتْ فَارِسٌ وَحِمْيَرُ والْـ = أَعْرَابُ بالدَّشْتِ أَيُّكُمْ نَزَلاَ

قالَ أهلُ اللغةِ: (وهو فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، ويجوزُ أنْ يكونَ مِمَّا اتَّفَقَتْ فيه لغةُ العربِ ولغةُ الفُرْسِ).
المعنى: هذا البيتُ في وَصْفِ كِساءٍ مِن صوفٍ كما قالَ الجَوْهَرِيُّ وغيرُه، ويُريدُ الشاعرُ أنْ يقولَ: إذا كانَ لأحدٍ مِن الناسِ كِسَاءٌ، فإنَّ لي كِسَاءً أَكْتَفِي به في زمانِ حَمَارَّةِ القَيْظِ وزمانِ الصيفِ وزمانِ الشتاءِ، يعني: أنه يَكْفِيهِ الدَّهْرَ كلَّه، وأنه قد أَخَذَ صُوفَه الذي نَسَجَ مِنه مِن نَعَجَاتٍ سِتٍّ سُودٍ كَنِعَاجِ الصحراءِ.
الإعرابُ: (مَنْ) يَجُوزُ أنْ تكونَ اسماً موصولاً، وهو مبتدأٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، ويجوزُ أنْ تكونَ اسمَ شرطٍ مبتدأً أيضاًً، وهو مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعٍ أيضاً، (يَكُ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ مجزومٌ بسكونِ النونِ المحذوفةِ للتخفيفِ، فإنْ قَدَّرْتَ (مَن) شرطيَّةً فهذا فعلُ الشرطِ، واسمُ يَكُ على الحاليْنِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (مَنْ)، ولا إشكالَ في جزمِه حينَئذٍ، وإنْ قَدَّرْتَهَا موصولةً فإنما جُزِمَ ـ كما أَدْخَلَ الفاءَ في (فهذا بَتِّي) - لشبهِ الموصولِ بالشرطِ، (ذا) خبرُ يَكُ، منصوبٌ بالألفِ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وذا مضافٌ و(بتٍّ) مضافٌ إليه، مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، والجملةُ مِن (يَكُ) واسمِها وخبرِها لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ إذا قَدَّرْتَ (مَن) موصولةً، (فهذا) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ إذا قَدَّرْتَ (مَن) اسمَ شرطٍ، وإنْ قَدَّرْتَهَا موصولةً فالفاءُ زائدةٌ في خبرِ المبتدأِ؛ لِشَبَهِهِ بالشرطِ في عمومِه، وها: حرفُ تنبيهٍ، وذا: اسمُ إشارةٍ مبتدأٌ، (بَتِّي) بتِّ: خبرُ المبتدأِ، وبتِّ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي) أخبارٌ متعدِّدَةٌ لمبتدأٍ واحدٍ، وهو اسمُ الإشارةِ، والجملةُ من المبتدأِ وخبرِه في محَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو (مَنْ) إنْ قَدَّرْتَ (مَن) موصولةً، وفي محلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ إنْ قَدَّرْتَهَا شرطيَّةً، وجملةُ الشرطِ وجوابُه جميعاً في محَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ على تقديرِ (مَن) شرطيَّةً.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فهذا بَتِّي، مُقَيِّظٌ، مُصَيِّفٌ، مُشَتِّي)؛ فإنَّها أخبارٌ متعدِّدَةٌ لمبتدأٍ واحدٍ من غيرِ عاطفٍ، ولا يُمْكِنُ أنْ يكونَ الثانِي نعتاً للأوَّلِ؛ لاختلافِهِما تعريفاً وتنكيراً. وتقديرُ كلِّ واحدٍ ممَّا عدا الأوَّلَ خَبَراً لمبتدأٍ محذوفٍ - خِلافُ الأصلِ؛ فلا يُصارُ إليه.
([4]) البيتُ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ الهِلاَلِيِّ، مِن كَلِمَةٍ يَصِفُ فيها الذِّئْبَ.
اللغةُ: (مُقْلَتَيْهِ) عَيْنَيْهِ، (الْمَنَايَا) جمعُ مَنِيَّةٍ، وهي في الأصلِ فَعِيلَةٌ بمعنى مفعولٍ مِن مَنَى اللهُ الشيءَ يَمْنِيهِ، على وزنِ رَمَى يَرْمِي، بمعنى قَدَّرَهُ؛ وذلك لأنَّ المَنِيَّةَ مِن مُقَدَّرَاتِ اللهِ تعالى على عبادِه، وقولُه: (فهْو يَقْظَانُ نائِمُ) هكذا وَقَعَ في أكثرِ كُتُبِ النحاةِ، والصوابُ في إنشادِ هذا البيتِ: (فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ)؛ لأنَّه مِن قصيدةٍ عَيْنِيَّةٍ مشهورةٍ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ، وقبلَه قولُه:

إذا خافَ جَوْراً مِنْ عَدُوٍّ رَمَتْ بِهِ = قَصَائِبُهُ وَالجَانِبُ المُتَوَاسِعُ

وإن باتَ وَحْشاً لَيْلَةً لَمْ يَضِقْ بِهَا = ذِرَاعاً ولم يُصْبِحْ لَهَا وهْوَ خَاشِعُ


الإعرابُ: (يَنَامُ) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الذئبِ، (بإحدَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: يَنامُ. وإحدَى مضافٌ ومُقْلَتَيْ مِن (مُقْلَتَيْهِ) مضافٌ إليه، ومُقْلَتَيْ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (وَيَتَّقِي) الواوُ عاطفةٌ، يَتَّقِي: فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الذئبِ، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ (يَنامُ) السابقةِ، (بأُخْرَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: يَتَّقِي، (الْمَنَايَا) مفعولٌ به لِيَتَّقِي، (فهْوَ) مبتدأٌ، (يَقْظَانُ) خبرُه، (نائمُ) أو (هاجِعُ) خبرٌ بعدَ خبرٍ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ)، أو قولُه: (فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ)؛ حيثُ أَخْبَرَ عن مبتدأٍ واحدٍ - وهو قولُه: (هو) بخبريْنِ، وهما قولُه: (يَقْظَانُ هَاجِعُ)، أو قولُه: (يَقْظَانُ نائِمُ) من غيرِ عطفِ الثاني منهما على الأوَّلِ.
والشواهدُ على ذلكَ كثيرةٌ في كلامِ مَن يُحْتَجُّ بكلامِه؛ شِعْرِه ونثرِه، فلا معنَى لجَحْدِه ونُكرانِه.
ومِمَّا اسْتَشْهَدَ به المُجِيزُ قولُه تعالَى: {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}، وقولُه سُبْحَانَهُ في قراءةِ ابنِ مَسْعُودٍ: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ)، ومنه قولُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ أميرِ المؤمنينَ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِ أُمِّيَ حَيْدَرَهْ = كَلَيْثِ غَابَاتٍ غَلِيظِ الْقَصَرَهْ
* أَكِيلُكُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ *
فإنَّ قولَه: (أنا) مبتدأٌ، والاسمُ الموصولُ بعدَه خبرُه، ويجوزُ أنْ يكونَ (كَلَيْثِ) جارًّا ومجروراً يَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ خبرٍ ثانٍ، وقولُه: (أَكِيلُكُمْ) جملةً فعليةً في محلِّ رفعِ خبرٍ ثالثٍ، وهذا دليلٌ لمَن أجازَ تَعَدُّدَ الخبرِ معَ اختلافِ الجنسِ، وهو ظاهرٌ بعدَ ما بَيَّنَّاهُ.
([5]) إذا لم تُجْعَلْ جُمْلَةُ (تَسْعَى) خبراً ثانياً كما يقولُ المُعْرِبُونَ فهي في محلِّ رفعِ صفةٍ لـ (حَيَّةٌ)، وليسَتْ في محَلِّ نصبٍ حالاً من (حَيَّةٌ) كما زَعَمَ الشارِحُ؛ وذلك لأنَّ (حَيَّةٌ) نكرةٌ لا مُسَوِّغَ لمجيءِ الحالِ منها، وصاحبُ الحالِ لا يكونُ إلا معرفةً، أو نكرةً معَها مُسَوِّغٌ، اللهُمَّ إلاَّ أنْ تَتَمَحَّل للشارحِ فتَزْعُمَ أنَّ الجملةَ حالٌ من الضميرِ الواقعِ مبتدأً على رأيِ سِيبَوَيْهِ الذي يُجِيزُ مجيءَ الحالِ من المبتدأِ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ: والأصَحُّ جوازُ تَعَدُّدِ الخبرِ([1])، نحوُ: (زيدٌ شاعرٌ كاتبٌ)، والمانعُ يَدَّعِي تقديرَ (هو) للثانِي، أو أنَّه جامعٌ للصفتَيْنِ، لا الإخبارُ بكُلٍّ مِنهما.
وليسَ مِن تعدُّدِ الخبرِ ما ذكَرَه ابنُ الناظمِ مِن قولِه:

79 - يَدَاكَ يَدٌ خَيْرُها يُرْتَجَى = وَأُخْرَى لأَعْدَائِهَا غَائِظَهْ
لأنَّ (يَدَاكَ) في قُوَّةِ مُبتدأَيْنِ لكُلٍّ مِنهما خبرٌ، ومِن نحوِ قَوْلِهم: (الرُّمَّانُ حُلْوٌ حامضٌ)؛ لأنَّهما بمَعْنَى خبرٍ واحدٍ؛ أي: مُزٌّ، ولهذا يَمْتَنِعُ العطفُ على الأصَحِّ، وأن يتَوَسَّطَ المُبتدأُ بينَهما ([2])، ومِن نحوِ: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ}([3])؛ لأنَّ الثانِيَ تابعٌ.

([1]) ذَهَبَ جُمهورُ النحاةِ إلى جوازِ تَعَدُّدِ الخبرِ لَفْظاً ومَعْنًى لمُبتدأٍ وَاحدٍ في اللفظِ والمَعْنَى، نحوُ قولِه تعَالَى: {وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدِ} ومَعْنَى تعدُّدِ الخبرِ في اللفظِ والمَعْنَى أنْ يَكُونَ الخبرُ لفظَيْنِ يَسْتَقِلُّ كُلُّ واحدٍ مِنهما بالدَّلالَةِ على مَعْنًى مُفِيدٍ، بحيثُ لا يَحْتَاجُ أحدُهما إلى الآخَرِ في تكميلِ مَعْنَاهُ، ومَعْنَى كَوْنِ المُبتدأِ وَاحِداً في اللفظِ والمَعْنَى، أنْ يَكُونَ لَفْظُه وَاحِداً ومَدْلُولُه وَاحِداً، فإنْ كَانَ الخبرُ لفظَيْنِ لكنَّ مَجْمُوعَهُما يَدُلُّ على مَعْنًى واحدٍ، ولا يُمْكِنُ الاكتِفَاءُ بأحدِهما، نحوُ: (حُلْوٌ حَامِضٌ)، ونحوُ: (عَسِرٌ يَسِرٌ)، أو: (أَعْسَرُ أَيْسَرُ)، فإنَّ الأوَّلَ يَدُلُّ على مَعْنًى واحدٍ، وهو مُزٌّ؛ أي: جامعٌ بينَ الحلاوةِ والحُمُوضَةِ، والثانِيَ والثالثَ يَدُلُّ على مَعْنًى واحدٍ، وهو عاملٌ بكِلْتَا يدَيْهِ، لم يَكُنْ ذلك مِن مَحِلِّ الخِلافِ بينَ النحاةِ، وإن كانَ المبتدأُ لفظاً واحداً، لكنَّه يَدُلُّ على مُتعدِّدٍ كالمُثَنَّى، نحوُ: (وَلَدَاكَ: عَالِمٌ، وطَبِيبٌوكالشاهدِ رَقْمِ 79، وكالجَمْعِ نحوُ: (أَصدِقَاؤُك: مِصْرِيٌّ، وسُورِيٌّ، وسُودَانِيٌّ) لم يَكُنْ ذلك أيضاً مِن مَحِلِّ الخِلافِ بينَ النحاةِ.

ومِن تقريرِ المَسألةِ على هذا الوجهِ الوَاضحِ، تَعْلَمُ أنَّ ابنَ الناظمِ حينَ مَثَّلَ لتعَدُّدِ الخبرِ لمبتدأٍ واحدٍ، لم يَقْتَصِرْ على مَحِلِّ الخِلافِ، ولكنَّه مَثَّلَ للتعدُّدِ في حَدِّ ذاتِه بقَطْعِ النظرِ عَن كونِه دَاخِلاً في مَحِلِّ الخِلافِ أو غيرَ دَاخِل، وأنَّ المؤلِّفَ حينَ نَقَدَ أمثِلَتَه التَزَمَ ما هو مَحِلُّ الخلافِ، فلم يَلْتَقِ كَلامُهُما على مَعْنًى واحدٍ للتعدُّدِ، فلا تَنَاقُضَ؛ لأنَّ مِن شرطِ التناقُضِ اتِّحَادَ موضوعِ الكلامَيْنِ، فافْهَمْ ذلك.
79 - هذا بيتٌ مِن المُتقارِبِ، وقد نَسَبَ قَومٌ هذا البيتَ إلى طَرَفَةَ بنِ العَبْدِ البَكْرِيِّ، وقد بَحَثْتُ دِيوانَ شِعْرِه فلم أَجِدْهُ فيه، وقالَ العَيْنِيُّ في شَرْحِ الشواهدِ عن هذا البيتِ: (أَنْشَدَهُ الخَلِيلُ، ومَا قِيلَ: إنَّه لطَرَفَةَ، لم يَثْبُتْ) اهـ.
اللغةُ: (يَدَاكَ) مُثَنَّى يَدٍ مضافٌ إلى ضميرِ المُخَاطَبِ، (يَدٌ خَيْرُها يُرْتَجَى) يُرْوَى في مكانِ هذه العبارةِ: (يَدٌ سَيْبُها مُرْسَلٌ) والسَّيْبُ - بفتحِ السينِ وسُكونِ الياءِ - الجُودُ والعطاءُ، و(مُرْسَلٌ) أرَادَ أنَّه يَجْرِي بلا تَكَلُّفٍ ولا مَشَقَّةٍ، والمَقصُودُ مِن هذه العبارةِ أنَّه جَوَّادٌ كَرِيمٌ، وأنَّه يُعْطِي عَطَاءً سَهْلاً لا يَتَكَلَّفُه، ولا يَحْتَاجُ فيه إلى طَلَبٍ واستِمْنَاحٍ، (وأُخْرَى لأعدَائِهَا غَائِظَةٌ) أرادَ أنَّهُ شُجاعٌ يَغِيظُ الأعداءَ بما يُنْزِلُه بهِم مِن البَلاءِ.
المَعْنَى: وَصَفَ رَجُلاً بأنَّه كَرِيمٌ جَوَّادٌ، وبأنَّهُ شُجاعٌ لا يَهَابُ الأقرَانَ، وبأنَّه نَفَّاعٌ لأحِبَّائِه وقَاصِدِي مَعْرُوفِه، ضَرَّارٌ لأعدائِه ومَن يُنَاوِئُه.
الإعرابُ: (يَدَاكَ) يَدَا مُبتدأٌ مَرفوعٌ بالألفِ نِيَابَةً عَن الضمَّةِ؛ لأنَّه مُثَنًّى، ويَدَا مُضَافٌ، وضميرُ المخاطَبِ مُضافٌ إليه. (يَدٌ) خبرُ المبتدأِ مَرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهِرَةِ، (خَيْرُها) خَيْرُ مُبتدأٌ، وهو مُضافٌ، وضميرُ الغائِبَةِ العائدُ إلى يَدٍ مُضافٌ إليه، (يُرْتَجَى) فِعلٌ مُضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونَائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستترٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى خَيْرُ، وجملةُ الفعلِ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المبتدأِ، وجُملةُ المُبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ رَفعٍ صِفَةٌ ليَدٍ، (وأُخْرَى) الواوُ حَرفُ عطفٍ، وأُخْرَى معطوف ٌعلى يَدٍ مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ للتعذُّرِ، (لأعدَائِهَا) الجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بقولِه: (غَائِظَهْ) الآتِي، وأعداءِ: مُضافٌ ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى أُخْرَى مُضافٌ إليه، (غَائِظَهْ) نعتٌ لأُخْرَى.
الشاهدُ فيه: قَدْ أَنْشَدَ ابنُ الناظِمِ في (شَرْحِ الألفِيَّةِ) هذا البيتَ على أنَّه مِن تعدُّدِ الخبرِ لمُبتدأٍ وَاحدٍ، وذلك مَبْنِيٌّ عندَه على أنَّ (يَدَاكَ) الوَاقِعَ مبتدأً هو واحدٌ في اللفظِ، وإن كانَ في المَعْنَى مُتَعَدِّداً، وعلى أنَّ المعطوفَ والمعطوفَ عليه اثنَانِ، وأرادَ المؤلِّفُ ههنا أن يُبَيِّنَ خَطَأَه في ذلك، ووَجْهُ التخطِئَةِ أنَّ اختلافَ العلماءِ في جوازِ تعدُّدِ الخبرِ إنَّمَا وَقَعَ فيما كانَ المبتدأُ فيه واحداً في اللفظِ والمَعْنَى جَمِيعاً، وكانَ الخبرُ مُتَعَدِّداً في اللفظِ والمَعْنَى أَيْضاً، بحيثُ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحدٍ مِن الخبرَيْنِ لأن يكُونَ خَبَراً عَن ذلك المُبتدأِ، ويَصِحُّ حَمْلُه وَحْدَه عليه، ويُفِيدُ معَه فائدةً يَحْسُنُ السكوتُ عليها، فأمَّا إذا كانَ الخبرُ مُتَعَدِّداً في اللفظِ فقَطْ كما في قولِهم: (الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ)، أو عُطِفَ ثَانِيهُما على أوَّلِهما - نحوُ: (إِبْرَاهِيمُ كَاتِبٌ وشَاعِرٌ) - فإنَّه لا يَكُونُ مِن مَوْضِعِ الخِلافِ بينَ العُلماءِ.
قالَ أَبُو رَجَاءٍ، غَفَرَ اللَّهُ له ولوالدَيْهِ: فنَقْدُ العَلاَّمَةِ ابنِ هِشَامٍ لابنِ الناظِمِ جَارٍ على أنَّ المُرادَ مِن التعدُّدِ في كلامِ ابنِ الناظِمِ هو التعدُّدُ المُختَلَفُ في جوازِه بينَ العُلماءِ، فأمَّا إذا حُمِلَ ما في كلامِ ابنِ الناظِمِ على أنَّه مِن مُطلَقِ التعدُّدِ، سواءٌ أكَانَ مُخْتَلَفاً فيه أم لم يَكُنْ؛ فإنَّ هذا البيتَ والمثالَ الذي بعدَه والآيةَ الكريمةَ، كُلَّها مِن بابِ التعدُّدِ المُطلقِ، فافْهَمْ ذلك وتَدَبَّرْهُ.
ومثلُ بيتُ الشاهدِ في كلِّ ما ذَكَرْنَا قَولُ الشَّاعِرِ:
كَفَّاكَ كَفٌّ مَا تُلِيقُ دِرْهَمَا = جُوداً، وأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
ومثلُه أيضاً قولُ نَافِعِ بنِ نُفَيْعٍ الفَقْعَسِيِّ:
عَظُمَتْ رَوَادِفُهَا وَأُكْمِلَ خَلْقُهَا = وَالْوَالِدَانِ نَجِيبَةٌ وَنَجِيبُ
ومِن هذا الضربِ قولُ الأَحْوَصِ:
ثِنْتَانِ لاَ أَصْبُو لِوَصْلِهِمَا = عِرْسُ الخَلِيلِ وجَارَةُ الجَنْبِ
ومِن هذه البابَةِ قولُ المُسَيَّبِ بنِ عَلَسٍ:
كَفَّاهُ مُخْلِفَةٌ وَمُتْلِفَةٌ = وَعَطَاؤُهُ مُتَخَرِّقٌ جَزْلُ
([2]) معنَى كونِ هذينِ الخبرَينِ بِمعنَى خَبَرٍ واحدٍ، هو (مُزٌّ) أنَّ المُخْبَرَ عنه، وهو الرُّمانُ، مُشْتَمِلٌ على طَرَفٍ من الأولِ، وطَرَفٍ من الثانِي، وليسَ معناهُ أنَّه مُشْتَمِلٌ على الخَبَرَينِ معاً، أَلَسْتَ تَرَى أنَّ المعنَى أنَّه ليسَ تَامَّ الحَلاوَةِ ولا تَامَّ الحُمُوضَةِ، ولكنَّه بينهُما، وإنَّما لمْ يَجُزْ أنْ يَعْطُفَ أَحَدَ الخَبَرَينِ في هذه المسألةِ على الآخَرِ؛ لأنَّ العَطْفَ يَقْتَضِي أنَّ الثانِيَ غيرُ الأولِ، وقد ذَهَبَ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ في أحدِ قَوْلَينِ له إلى جَوازِ عَطْفِ أحدِهما على الآخَرِ، وكمَا لا يَصِحُّ أنْ يَتَوسَّطَ المبتدأُ بينَ الخبرَينِ، لا يَصِحُّ أنْ يَتَأَخَّرَ المبتدأُ عنهُما جميعاً، وقد ذَكَرْنَا لك هذا في مَسائِلِ تَأْخِيرِ الخَبَرِ وجوباً، وكذلك لا يَصِحُّ أنْ يُجْعَلَ الثاني منهما بدَلاً من الأَولِ؛ لأنَّك لو جَعَلْتَه بدَلاً، لأَفادَ أنَّ المبتدأَ مَوصُوفٌ بأحدِهما، وليسَ هذا هو المُرادُ، وكذلك لا يَجُوزُ أنْ نَجْعَلَ الثانيَ نَعْتاً للأوَّلِ؛ لأنَّ في ذلك وَصْفَ الشيءِ بما يُنَاقِضَه، وزَعَمَ الأَخْفَشُ أنَّ جَعْلَ الثانِي نَعْتاً للأوَّلِ جائزٌ، على معنى أنَّه حُلْوٌ فيه حُمُوضَةٌ، ولا يَصِحُّ أنْ تَجْعَلَ الثانِيَ خَبراً لمبتدأٍ مَحْذوفٍ؛ لأنَّ ذلك يُفَوِّتُ المعنَى المُرَادَ.
([3]) سورة الأنعام، الآية: 39.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

[تَعَدُّدُ الخبرِ وأنواعُهُ]:
142 - وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا = عَنْ وَاحِدٍ كَـ"هُمْ سُرَاةٌ شُعَرَا"

(وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ * عَنْ) مبتدأٍ (وَاحِدٍ) لأنَّ الخبرَ حُكمٌ ويجوزُ أنْ يُحكَمَ على الشيءِ الواحدِ بحُكْمَيْنِ فأكْثَرَ.
ثُمَّ تعدُّدُ الخبرِ على ضَربَيْنِ:
الأوَّلُ: تعدُّدٌ في اللفظِ والمعنَى كَـ: (هُمْ سُرَاةٌ شُعَرَا) ونَحْوِ {وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
164 - مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي = مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:

165 - يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي = بِأُخْرَى الأَعَادِي فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ
وهذا الضرْبُ يجوزُ فيهِ العطفُ وترْكُهُ.
والثانِي: تعدُّدٌ في اللفظِ دونَ المعنَى: وضابِطُهُ أنْ لا يَصدُقَ الإخبارُ ببعضِهِ عنِ المبتدَأِ نحوُ: "هَذَا حُلْوٌ حَامِضٌ" أيْ: مُزٌّ، و"هَذَا أَعْسَرُ يَسَرٌ". أيْ: أَضْبَطُ وهذا الضرْبُ لا يجوزُ فيهِ العطْفُ خِلافًا لأبِي عَلِيٍّ.
هكذا اقتَصَرَ الناظِمُ على هذين النوعَيْنِ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ) وزادَ وَلَدُهُ في شرحِهِ نوعًا ثالثًا يجبُ فيهِ العطْفُ وهو أنْ يتعَدَّدَ الخبرُ لتعدُّدِ ما هو له: إِمَّا حقيقةً نحوُ: "بَنُوكَ كَاتِبٌ وَصَائِغٌ وَفَقِيهٌ", وقولِهِ [مِنَ المُتَقَارِبِ]:

166 - يَدَاكَ يَدٌ خَيْرُهَا يُرْتَجَى = وَأُخْرَى لِأَعْدَائِهَا غَائِظَهْ
وإمَّا حُكمًا؛ كقولِهِ تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ}
واعترضَهُ في التوضِيحِ؛ فمَنَعَ أنْ يكونَ النوعُ الثانِي والثالِثُ مِنْ بابِ تعدُّدِ الخبرِ بمَا حاصِلُهُ أنَّ قولَهُمْ: "حُلْوٌ حامِضٌ" في معنَى الخَبَرِ الواحِدِ بدليلِ امتناعِ العطْفِ وأنْ يتوسَّطَ بينَهُمَا مبتدَأٌ وأنَّ نَحْوَ قولِهِ:
يَدَاكَ يَدٌ خَيْرُهَا يُرْتَجَى = وَأُخْرَى لِأَعْدَائِهَا غَائِظَهْ
في قُوَّةِ مبتدَأَيْنِ لكُلٍّ منهما خبرٌ: وأنَّ نحوَ: { أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } الثانِي تابِعٌ لا خَبرٌ.
قُلْتُ: وفي هذا الاعتراضِ نَظَرٌ:
أمَّا ما قاله في الأوَّلِ فليسَ بشيْءٍ إذْ لم يُصادِمْ كلامَ الشارحِ بلْ هو عينُهُ؛ لِأنَّهُ إنَّمَا جعَلَهُ متعَدِّدًا في اللفْظِ دُونَ المعنَى وذَكَرَ لهُ ضابِطًا بأنْ لا يصدُقَ الإخبارُ ببعضِهِ عَنِ المبتدَأِ؛ كما قدَّمْتُهُ فكيفَ يتَّجِهُ الاعتراضُ عليهِ بما ذُكِرَ؟
وأمَّا الثانِي فهو أنَّ كونَ "يداكَ" ونحوِهِ في قُوَّةِ مبتدَأَيْنِ لا يُنافِي كونَهُ ـ بحَسَبِ اللفظِ ـ مُبتدَأً وَاحِدًا؛ إذِ النظَرُ إلى كونِ المبتدَأِ واحدًا أو متعَدِّدًا إنَّمَا هو إلى لفظِهِ لا إلى معناهُ وهو واضحٌ لا خَفاءَ فيهِ.
وأمَّا قولُهُ في الثالِثِ: "إنَّ الثانِيَ يكونُ تابعًا لا خبرًا" فإنَّا نقولُ: لا مُنافاةَ أيضًا بينَ كونِهِ تابعًا وكونِهِ خبرًا؛ إذ هو تابِعٌ مِنْ حيثُ تَوَسُّطُ الحَرْفِ بينَهُ وبينَ متبوعِهِ فعَبَّرَ مِنْ حيثُ عطفُهُ على خبرٍ إذِ المعطوفُ على الخبرِ خبرٌ كما أنَّ المعطوفَ على الصلَةِ صِلَةٌ والمعطوفَ على المبتدَأِ مبتدَأٌ وغيرَ ذلك، وهو أيضًا ظاهِرٌ.
[اقْتِرانُ الخبرِ بالفاءِ]:
خاتِمَةٌ: حقُّ خبرِ المبتدَأِ أنْ لا تدخلَ عليهِ فاءٌ لأنَّ نِسبَتَهُ من المبتدَأِ نِسبةُ الفِعلِ مِنَ الفاعِلِ ونِسبةُ الصفَةِ مِنَ الموصوفِ إلا أنَّ بعضَ المبتدَآتِ يُشْبِهُ أدوَاتِ الشرطِ فيَقتَرِنُ خبرُهُ بالفاءِ: إمَّا وجوبًا وذلك بعدَ (أمَّا) نحوُ {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}
وأمَّا قولُهُ:
أَمَّا القِتَالُ لَا قِتَالَ لَدَيْكُمُ
فضَرورةٌ وإمَّا جوازًا وذلك: إمَّا موصولٌ بفعلٍ لا حرفَ شَرْطٍ معَهُ، أو بظرفٍ، وإمَّا موصوفٌ بِهِمَا، أو مضافٌ إلى أحَدِهِمَا وإمَّا موصوفٌ بالموصولِ المذكورِ، بشَرْطِ قَصْدِ العُمُومِ واستقبالِ معنَى الصلةِ أو الصفَةِ، نحوُ: "الذِي يأتِينِي – أو في الدارِ – فَلَهُ دِرهَمٌ" و"رجُلٌ يَسألُنِي أو في المسجِدِ فَلَهُ بِرٌّ". و"كُلُّ الَّذِي تَفْعَلُ فَلَكَ أَوْ عَلَيْكَ". و"كُلُّ رجُلٍ يَتَّقِي اللهَ فَسَعِيدٌ". و"السَّعْيُ الَّذِي تَسْعَاهُ فَسَتَلْقَاهُ".
فلوْ عُدِمَ العمومُ لمْ تدخُلِ الفاءُ لانتِفَاءِ شَبَهِ الشرطِ وكذا لو عُدِمَ الاستقبالُ أو وُجِدَ معَ الصلَةِ أوِ الصِّفَةِ حَرْفُ شَرْطٍ.
وإذا دخلَ شَيْءٌ مِنْ نَوَاسِخِ الابتداءِ على المبتدَأ الذي اقتَرَنَ خبرُهُ بالفاءِ أزالَ الفاءَ إنْ لمْ يكُنْ "إنَّ" أو "أنَّ" أو "لَكِنَّ" بإجماعِ المحَقِّقِينَ فإنْ كانَ الناسخُ "إنَّ" و"أنَّ" و"لَكِنَّ" جازَ بقاءُ الفاءِ نَصَّ على ذلك في "إنَّ" و"أنَّ" سِيبَوَيْهِ، وهو الصحيحُ الذي وَرَدَ نَصُّ القرآنِ المجيدِ بهِ؛ كقولِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَّ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}, {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا}, {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}, {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ}, {قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} ومِثالُ ذلك معَ "لِكِنَّ" قولُ الشاعرِ [مِنَ البَسِيطِ]:
167 - بِكُلِّ دَاهِيَةٍ أَلْقَى العِدَاءَ وَقَدْ = يُظَنُّ أَنِّي فِي مَكْرِي بِهِمْ فَزِعُ
كَلَّا وَلَكِنَّ مَا أُبْدِيهِ مِنْ فَرَقٍ = فَكَيْ يُغَرُّوا فَيُغْرِيهِمْ بِيَ الطَّمَعُ
وقولُ الآخَرِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
168 - فَوَاللهِ مَا فَارَقْتُكُمْ قَالِيًا لَكُمْ = وَلَكِنَّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ
ورُوِيَ عَنِ الأَخْفَشِ إنَّهُ مَنَعَ دُخولَ الفاءِ بعدَ "إنَّ" وهذا عجيبٌ؛ لأنَّ زيادةَ الفاءِ في الخبرِ على رَأيِهِ جائزةٌ، وإنْ لمْ يَكُنِ المبتدَأُ يُشْبِهُ أدَاةَ الشرطِ نحوُ: "زَيْدٌ فَقَائِمٌ". فإذَا دَخَلَتْ "إِنَّ" على اسمٍ يُشْبِهُ أدَاةَ الشرْطِ فوُجُودُ الفاءِ في الخبرِ أحْسَنُ وَأسهَلُ مِنْ وُجودِهَا في خبرِ "زَيْدٍ" وشِبْهِهِ وثُبُوتُ هذا عَنِ الأَخْفَشِ مُسْتَبْعَدٌ واللهُ أعلمُ.


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

تَعَدُّدُ الخبرِ
142- وأَخْبَرُوا باثنينِ أو بأَكْثَرَا = عن واحدٍ كَهُمْ سَراةٌ شُعَرَا
يَجُوزُ تَعَدُّدُ الخبرِ؛ لأنه وصْفٌ للمُبْتَدَأِ في المعنى، والصفةُ الاصطلاحيَّةُ تَتَعَدَّدُ، فكذا ما هو بِمَنْزِلَتِها.
ولا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ الخبرانِ في معنَى خبرٍ واحدٍ أو لا يكونانِ كذلك، وضابطُ الأوَّلِ ألاَّ يَصِحَّ الإخبارُ بكلِّ واحدٍ على انفرادِه، نحوُ: الفاكهةُ حُلوةٌ مُرَّةٌ؛ أيْ: مُتَغَيِّرَةُ الطَّعْمِ أو مُتوسِّطَةٌ بينَ الحلاوةِ والمرارةِ، وهذا تَعَدُّدٌ في اللفْظِ دونَ المعنى.
وضابِطُ الثاني: أنْ يَصِحَّ الإخبارُ بكُلِّ واحدٍ منهما على انفرادِه، نحوُ: مَعْهَدُنا عِلْمِيٌّ أدَبِيٌّ، ومنه قولُه تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}، وقولُه تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}. وهذا تَعَدُّدٌ في اللفْظِ والمعنى، قالَ الشاعرُ يَصِفُ الذئبَ:

يَنَامُ بإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ ويَتَّقِي = بأُخْرَى الْمَنايا فهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ
وهذا معنى قولِه: (وأَخْبَرُوا باثنينِ.. إلخ)؛ أيْ: أخْبَرَتِ العرَبُ بخَبرينِ أو بأكثَرَ عن مُبْتَدَأٍ واحدٍ، وقولُه: (هم) مُبْتَدَأٌ، و(سَرَاةٌ) خبرٌ أوَّلُ، وهو جمْعُ (سَرِيٍّ) على غيرِ قِياسٍ، بمعنى: شريفٍ، و(شُعَرَا) خبرٌ ثانٍ، وأصْلُه: شُعراءُ، فقَصَرَه للضرورةِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تعدد, خبر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir