[تَعَدُّدُ الخبرِ وأنواعُهُ]:
142 - وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا = عَنْ وَاحِدٍ كَـ"هُمْ سُرَاةٌ شُعَرَا"
(وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ * عَنْ) مبتدأٍ (وَاحِدٍ) لأنَّ الخبرَ حُكمٌ ويجوزُ أنْ يُحكَمَ على الشيءِ الواحدِ بحُكْمَيْنِ فأكْثَرَ.
ثُمَّ تعدُّدُ الخبرِ على ضَربَيْنِ:
الأوَّلُ: تعدُّدٌ في اللفظِ والمعنَى كَـ: (هُمْ سُرَاةٌ شُعَرَا) ونَحْوِ {وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
164 - مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي = مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
165 - يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي = بِأُخْرَى الأَعَادِي فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ
وهذا الضرْبُ يجوزُ فيهِ العطفُ وترْكُهُ.
والثانِي: تعدُّدٌ في اللفظِ دونَ المعنَى: وضابِطُهُ أنْ لا يَصدُقَ الإخبارُ ببعضِهِ عنِ المبتدَأِ نحوُ: "هَذَا حُلْوٌ حَامِضٌ" أيْ: مُزٌّ، و"هَذَا أَعْسَرُ يَسَرٌ". أيْ: أَضْبَطُ وهذا الضرْبُ لا يجوزُ فيهِ العطْفُ خِلافًا لأبِي عَلِيٍّ.
هكذا اقتَصَرَ الناظِمُ على هذين النوعَيْنِ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ) وزادَ وَلَدُهُ في شرحِهِ نوعًا ثالثًا يجبُ فيهِ العطْفُ وهو أنْ يتعَدَّدَ الخبرُ لتعدُّدِ ما هو له: إِمَّا حقيقةً نحوُ: "بَنُوكَ كَاتِبٌ وَصَائِغٌ وَفَقِيهٌ", وقولِهِ [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
166 - يَدَاكَ يَدٌ خَيْرُهَا يُرْتَجَى = وَأُخْرَى لِأَعْدَائِهَا غَائِظَهْ
وإمَّا حُكمًا؛ كقولِهِ تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ}
واعترضَهُ في التوضِيحِ؛ فمَنَعَ أنْ يكونَ النوعُ الثانِي والثالِثُ مِنْ بابِ تعدُّدِ الخبرِ بمَا حاصِلُهُ أنَّ قولَهُمْ: "حُلْوٌ حامِضٌ" في معنَى الخَبَرِ الواحِدِ بدليلِ امتناعِ العطْفِ وأنْ يتوسَّطَ بينَهُمَا مبتدَأٌ وأنَّ نَحْوَ قولِهِ:
يَدَاكَ يَدٌ خَيْرُهَا يُرْتَجَى = وَأُخْرَى لِأَعْدَائِهَا غَائِظَهْ
في قُوَّةِ مبتدَأَيْنِ لكُلٍّ منهما خبرٌ: وأنَّ نحوَ: { أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } الثانِي تابِعٌ لا خَبرٌ.
قُلْتُ: وفي هذا الاعتراضِ نَظَرٌ:
أمَّا ما قاله في الأوَّلِ فليسَ بشيْءٍ إذْ لم يُصادِمْ كلامَ الشارحِ بلْ هو عينُهُ؛ لِأنَّهُ إنَّمَا جعَلَهُ متعَدِّدًا في اللفْظِ دُونَ المعنَى وذَكَرَ لهُ ضابِطًا بأنْ لا يصدُقَ الإخبارُ ببعضِهِ عَنِ المبتدَأِ؛ كما قدَّمْتُهُ فكيفَ يتَّجِهُ الاعتراضُ عليهِ بما ذُكِرَ؟
وأمَّا الثانِي فهو أنَّ كونَ "يداكَ" ونحوِهِ في قُوَّةِ مبتدَأَيْنِ لا يُنافِي كونَهُ ـ بحَسَبِ اللفظِ ـ مُبتدَأً وَاحِدًا؛ إذِ النظَرُ إلى كونِ المبتدَأِ واحدًا أو متعَدِّدًا إنَّمَا هو إلى لفظِهِ لا إلى معناهُ وهو واضحٌ لا خَفاءَ فيهِ.
وأمَّا قولُهُ في الثالِثِ: "إنَّ الثانِيَ يكونُ تابعًا لا خبرًا" فإنَّا نقولُ: لا مُنافاةَ أيضًا بينَ كونِهِ تابعًا وكونِهِ خبرًا؛ إذ هو تابِعٌ مِنْ حيثُ تَوَسُّطُ الحَرْفِ بينَهُ وبينَ متبوعِهِ فعَبَّرَ مِنْ حيثُ عطفُهُ على خبرٍ إذِ المعطوفُ على الخبرِ خبرٌ كما أنَّ المعطوفَ على الصلَةِ صِلَةٌ والمعطوفَ على المبتدَأِ مبتدَأٌ وغيرَ ذلك، وهو أيضًا ظاهِرٌ.
[اقْتِرانُ الخبرِ بالفاءِ]:
خاتِمَةٌ: حقُّ خبرِ المبتدَأِ أنْ لا تدخلَ عليهِ فاءٌ لأنَّ نِسبَتَهُ من المبتدَأِ نِسبةُ الفِعلِ مِنَ الفاعِلِ ونِسبةُ الصفَةِ مِنَ الموصوفِ إلا أنَّ بعضَ المبتدَآتِ يُشْبِهُ أدوَاتِ الشرطِ فيَقتَرِنُ خبرُهُ بالفاءِ: إمَّا وجوبًا وذلك بعدَ (أمَّا) نحوُ {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}
وأمَّا قولُهُ:
أَمَّا القِتَالُ لَا قِتَالَ لَدَيْكُمُ
فضَرورةٌ وإمَّا جوازًا وذلك: إمَّا موصولٌ بفعلٍ لا حرفَ شَرْطٍ معَهُ، أو بظرفٍ، وإمَّا موصوفٌ بِهِمَا، أو مضافٌ إلى أحَدِهِمَا وإمَّا موصوفٌ بالموصولِ المذكورِ، بشَرْطِ قَصْدِ العُمُومِ واستقبالِ معنَى الصلةِ أو الصفَةِ، نحوُ: "الذِي يأتِينِي – أو في الدارِ – فَلَهُ دِرهَمٌ" و"رجُلٌ يَسألُنِي أو في المسجِدِ فَلَهُ بِرٌّ". و"كُلُّ الَّذِي تَفْعَلُ فَلَكَ أَوْ عَلَيْكَ". و"كُلُّ رجُلٍ يَتَّقِي اللهَ فَسَعِيدٌ". و"السَّعْيُ الَّذِي تَسْعَاهُ فَسَتَلْقَاهُ".
فلوْ عُدِمَ العمومُ لمْ تدخُلِ الفاءُ لانتِفَاءِ شَبَهِ الشرطِ وكذا لو عُدِمَ الاستقبالُ أو وُجِدَ معَ الصلَةِ أوِ الصِّفَةِ حَرْفُ شَرْطٍ.
وإذا دخلَ شَيْءٌ مِنْ نَوَاسِخِ الابتداءِ على المبتدَأ الذي اقتَرَنَ خبرُهُ بالفاءِ أزالَ الفاءَ إنْ لمْ يكُنْ "إنَّ" أو "أنَّ" أو "لَكِنَّ" بإجماعِ المحَقِّقِينَ فإنْ كانَ الناسخُ "إنَّ" و"أنَّ" و"لَكِنَّ" جازَ بقاءُ الفاءِ نَصَّ على ذلك في "إنَّ" و"أنَّ" سِيبَوَيْهِ، وهو الصحيحُ الذي وَرَدَ نَصُّ القرآنِ المجيدِ بهِ؛ كقولِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَّ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}, {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا}, {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}, {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ}, {قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} ومِثالُ ذلك معَ "لِكِنَّ" قولُ الشاعرِ [مِنَ البَسِيطِ]:
167 - بِكُلِّ دَاهِيَةٍ أَلْقَى العِدَاءَ وَقَدْ = يُظَنُّ أَنِّي فِي مَكْرِي بِهِمْ فَزِعُ
كَلَّا وَلَكِنَّ مَا أُبْدِيهِ مِنْ فَرَقٍ = فَكَيْ يُغَرُّوا فَيُغْرِيهِمْ بِيَ الطَّمَعُ
وقولُ الآخَرِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
168 - فَوَاللهِ مَا فَارَقْتُكُمْ قَالِيًا لَكُمْ = وَلَكِنَّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ
ورُوِيَ عَنِ الأَخْفَشِ إنَّهُ مَنَعَ دُخولَ الفاءِ بعدَ "إنَّ" وهذا عجيبٌ؛ لأنَّ زيادةَ الفاءِ في الخبرِ على رَأيِهِ جائزةٌ، وإنْ لمْ يَكُنِ المبتدَأُ يُشْبِهُ أدَاةَ الشرطِ نحوُ: "زَيْدٌ فَقَائِمٌ". فإذَا دَخَلَتْ "إِنَّ" على اسمٍ يُشْبِهُ أدَاةَ الشرْطِ فوُجُودُ الفاءِ في الخبرِ أحْسَنُ وَأسهَلُ مِنْ وُجودِهَا في خبرِ "زَيْدٍ" وشِبْهِهِ وثُبُوتُ هذا عَنِ الأَخْفَشِ مُسْتَبْعَدٌ واللهُ أعلمُ.