بسم الله الرحمن الرحيم
التأدب مع العلماء من شيم النبلاء
لقداعتنى الإسلام عناية فائقة بالعلماء وجعل لهم المكانة العالية والمنزلة الرفيعة وأمر بطاعتهم فيما أمر الله تعالى به فقال عز وجل {ياأيها الذين آمنو أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وأولو الأمر هنا هم العلماء والأمراء.
والتأدب مع العلماء هو تأدب مع الله تعالى.
وتعظيم العلماء هو تعظيم لشعائر الله، قال تعالى: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"
والشعيرة: هي كل ما أشعر الله بتعظيمه من أعلام الدين.
وتوقير حملة الشرع، وحماته، من توقير الشارع نفسه عزوجل.
(إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها حتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)
قال تعالى: "ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"
قال ابن القيم رحمه الله: والصواب؛ أن "الحرمات" تعم هذا كله –بعد ذكره لعدة أقوال-، وهي جمع "حرمة" وهي ما يجب احترامه، وحفظه: من الحقوق، والأشخاص، والأزمنة، والأمكنة، فتعظيمها: توفيتها حقّها، وحفظها من الإضاعة.
قال تعالى: "ما لكم لا ترجون لله وقارا"
قال سعيد بن جبير رحمه الله: أي مالكم لا تعظمون الله عزوجل، فإن حقه التعظيم.
قال ابن حزم رحمه الله: اتفقوا على توقير أهل القرآن والإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الخليفة الفاضل والعادل.
ومن المعلوم لكل مسلم أن المسلمين على مدى العصور الماضية وحتى عصرنا الحاضر يقدرون علمائهم ويجلونهم ويحترمونهم ويأخذون العلم عنهم ويتأدبون عند سؤالهم أو طلب العلم على أيديهم.
جاء في حديث جبريل الطويل: ( ... حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ... ) الحديث
فهذه جلسة المتأدب، الذي جاء للسؤال مع إخلاص النية في المعرفة، والاستسلام للشيخ فيما يجيبه به، وهذا من أعلى درجات الأدب مع أهل العلم.
فإذا سألت فاسأل بهدوء ورفق وأدب جم، مجتنبا الإكثار من السؤال على الشيخ أو الإلحاح عليه فيه.
ولا يزال أهل العلم قديماً وحديثاً يؤكدون على التأدب مع العلماء والسمع لهم وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه بقوله « باب الإنصات للعلماء» ثم أورد قول الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه الذي ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: (( استنصت الناس. فقال: لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))
قال ابن حجر رحمه الله مبينا أهمية التأدب مع العلماء والاستحياء منهم ((وقد تقدم أن الحياء من الإيمان وهو الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود وأما مايقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وليس بحياء شرعي وإنما هو ضعف ومهانة))
وكان السلف رحمهم الله يحرصون على إجلال العلماء وتوقيرهم، ويدل على هذا ما أخرجه عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن ابن طاوُس عن أبيه طاوس قال {من السنة أن يوقر أربعة: العالم وذو الشيبة والسلطان والوالد} وهاهو الصحابي الجليل عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما يجل ويقدر زيد بن ثابت رضي الله عنه مع أن زيد كان مولى وابن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشعبي «صلى زيد بن ثابت على جنازة ثم قربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس رضي الله عنه فأخذ بركابه فقال له زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ابن عباس هكذا يفعل بالعلماء والكبراء»
وعلى قدر ماكان السلف الصالح رضي الله عنهم يحرصون على أخذ العلم عن العلماء فقد كانوا يحرصون على إجلال العلماء وتقديرهم والتأدب معهم ومعرفة قدرهم وكانوا يوصون طلاب العلم بذلك. قال عبيدالله بن جعفر «العلماء منار البلاد منهم يقتبس النور الذي يهتدى به» وقال الحسين بن علي رضي الله عنهما لابنه: ((يابني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت ولاتقطع على أحد حديثاً وإن طال حتى يمسك)).
فخالط رواة العلم واصحب خيارهم فصحبتهم زين وخلطـتهم غُنـم
ولاتعدوا عيناك عنـهم فإنــهم نجوم إذا ماغـاب نجم بدا نجـم
فوالله لولا العلم ما اتضـح الـهدى ولا لاح من غيب الأمور لنا رسم
ومن التأدب مع العلماء إضافة إلى الإنصات عندما يتحدثون وعدم مقاطعتهم أن يتأدب السائل في عبارته عند سؤاله للعالم فيقول أحسن الله إليك أو يقول عظّم الله أجرك ما حكم كذا أو أشكل عليّ كذا، وهذا بلا شك من التواضع للعالم والتقدير له، قال الشعبي«جالسوا العلماء فإنكم إن أحسنتم حمدوكم وإن أسأتم تأولوا لكم وعذروكم وإن أخطأتم لم يعنفوكم وإن شهدوا لكم نفعوكم» وقال الخليل بن أحمد ((إذا علمت عاقلاً علماً حمدك وإن علمت جاهلاً ذمك ومقتك وما يتعلم مستح ولا متكبر قط))
فالمسلمون عامة وطلبة العلم خاصة لابد أن يكونوا عقلاء حامدين للعلماء آخذين عنهم مستفيدين من علمهم وشاهدين لهم بالعلم والفضل، فطلبنا للعلم إنما يكون بتوقير علمائنا وإجلالهم وإعطائهم حقّهم من التأدّب معهم في الحديث والخطاب والكتابة. قال ابن جماعة الكناني في كتابه تذكرة السامع والمتكلم في أدب العلم والمتعلم متحدثاً عن أدب طالب العلم مع شيخه «أن ينظر إلى الشيخ بعين الإجلال فإن ذلك أقرب إلى نفعه به. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحاً رفيقاً هيبة له لئلا يسمع وقعها. وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له.
وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه- أي كاف الخطاب- ولا يناديه من بُعد يقول ياسيدي وياأستاذي. وقال الخطيب: يقول أيها العالم وأيها الحافظ ونحو ذلك وما تقولون في كذا وما رأيكم في كذا وشبه ذلك، ولا يسميه في غيبته أيضاً باسمه إلا مقروناً بما يشعر بتعظيمه كقول قال الشيخ أو الأستاذ.
فهل تأدبنا مع علمائنا الأجلاّء أيها النبلاء أسوة بسلفنا الصالح رضي الله عنهم ورحمهم فعنهم أخذنا العلم وبهم بلغنا دين الله تعالى رحم الله من مات منهم وحفظ الأحياء وبارك لنا في علمهم وأمد في أعمارهم وجزاهم عنا وعن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء وأوفاه وصلى الله على خير عباد الله ورسوله ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
______________________________________________________________________
أصل الموضوع كاتبه: د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي.
نقلته من: شبكة مشكاة الإسلامية.
وأضفت إليه زيادات من:
1- موضوع "الأدب مع العلماء" لكاتبه: أبو حازم كشاوي. موقع أنا المسلم.
2- كتاب: الضوء المنير على التفسير: علي الحمد المحمد الصالحي، ج4.
3- كتاب: التعليق الثمين على شرح ابن عثيمين لحلية طالب العلم: عمرو عبد المنعم.