دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 محرم 1441هـ/10-09-2019م, 12:45 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الثالث: مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج


مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج



اختر مجموعة من المجموعات التالية وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الأولى:
( 1 ) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين.
( 2 ) قول محمد بن كعب القرظي: ({منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن)
( 3 ) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم )


المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

المجموعة الثالثة:
( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ).
( 2 ) قول محمد بن سيرين ( {السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين ).
( 3 ) قول عطاء بن أبي رباح: ( التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار )




تعليمات:
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 محرم 1441هـ/14-09-2019م, 04:46 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

اخترت المجموعة الأولى

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 محرم 1441هـ/14-09-2019م, 07:58 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

اختر مجموعة من المجموعات التالية وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الأولى:
( 1 ) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين.

تخريج أثر مجاهد:
رواه الطبري وابن أبي حاتم وعبدالرحمن الهمذاني من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظ : (على المؤمنين) فقط.
ورواه الطبري عن المثنى عن أبي حذيفة عن شبل، عن ابن أبي نجيح عنه بلفظ:( المؤمنين والمحسنين).

الحكم على الرواية:
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رواها البخاري وغيره, ورواها كبار المفسرين مثل ابن أبي حاتم والطبري, ومع قول بعضهم بأنه لم يسمع من مجاهد , إلا إن طريقه أصح الطرق عن مجاهد لكون الواسطة معلومة وهو القاسم بن ابي بزة, وهو ثقة معروف .
قال ابن المديني: (أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح).
قال يحي بن سعيد القطان: (لم يسمع التفسير من مجاهد, وقال الذهبي معلقا على قوله: (وهو من اخص الناس بمجاهد).
وقال وكيع: (كان سفيان الثوري يصحح تفسير ابن ابي نجيح).
قال ابن تيمية: ( ليس بأيدي أهل التفسير تفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر).

توجيه قول مجاهد:
كأن مجاهد ذهب إلى أن (الذي) بمعنى (الذين) وتكون هنا بمعنى(من), فيكون معنى الآية: بأن الله أنزل الكتاب على موسى-عليه السلام- تفضلا منه على من أحسن وإتماما لفضله عليهم, ولعله اعتمد على ما جاء في مصحف ابن مسعود-رضي الله عنه- حيث قرأ:(تماما على الذين أحسنوا).

وقد وردت أقوال أخرى في معنى الآية نذكرها باختصار:
القول الأول: إن المراد ب(الذي أحسن) الله عز وجل, فتكون(الذي) بمعنى(ما), ويكون معنى الآية: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه مما تفضل به عليهم من النبوات والنعم, وقال بعضهم: تماما على إحسان الله إلى موسى عليه السلام, لأن الله اختصه فكان كليم الله, وكان من أولي العزم من الرسل, وغيره مما فضله الله به.
القول الثاني: إن المراد به موسى عليه السلام, فيكون (الذي احسن) هو موسى عليه السلام, لأنه أحسن في تبيلغ الرسالة, وأحسن في الطاعة...
ومنهم من قال على إبراهيم عليه السلام, ومنهم من قال على جميع الأنبياء.

الراجح:
الراجح -والله أعلم-القول بأن الكلام يعود على موسى , لأنه الظاهر من سياق الايات, ومع هذا فالآية عامة فلا يعني هذا تعارض هذا القول مع ما ذهب إليه مجاهد, كلا; فهذا القول عام يدخل فيه قول مجاهد لأن نعمة إنزال الكتاب على الأنبياء -بشكل عام-لا تختص بهم, بل هي نعمة عامة تطالهم وتطال كل من آمن بهم واتبعهم بإحسان, فمقل منهم ومستكثر, وقد يشهد لهذا اللاحق من الآية حيث قال تعالى:{وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}.
وهو ما رجحه الطبري حيث قال:(وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا , لأن ذلك أظهرُ معانيه في الكلام, وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة. فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحُسن طاعة).
وقال ابن عاشور:(والمَوْصُولُ في قَوْلِهِ: ﴿عَلى الَّذِي أحْسَنَ﴾ مُرادٌ بِهِ الجِنْسُ، فَلِذَلِكَ اسْتَوى مُفْرَدُهُ وجَمْعُهُ).


( 2 ) قول محمد بن كعب القرظي: ({منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن):
تخريج الأثر:
رواه موسى بن مسعود النهدي, ورواه الطبري, ورواه ابن ابي حاتم جميعا من طريق موسى بن عبيدة عنه.

الحكم عليه:
أكثر ما وصلنا من تفسير محمد القرظي هو عن طريق موسى بن عبيدة وهو ضعيف:
جاء في الطبقات الكبيرعنه:( كان ثقة كثير الحديث وليس بحجة) .
وجاء في الضعفاء للعقيلي: قول يحيى بن معين :(موسى بن عبيدة ضعيف يكتب من حديثه الرقائق).
وقول االبخاري فيه:( ... ولكني لم أخرج عن موسى بن عبيدة ولا أحدث عنه ولقد كتبت عن مكي عن قوم وددت أني كتبت عن غيرهم من الثقات غير موسى بن عبيدة...).
وقول أحمد:(لا تحل الراوية عن موسى بن عبيدة ، قيل : يا أبا عبد الله لا يحل ؟ قال : عندي).
وقول يحيى عنه:(موسى بن عبيدة الرَّبَذي مديني ضعيف).

توجيه قول محمد القرظي:
وتوجيه قوله-إن صح عنه- يوضحه ما جاء في الأثر نفسه من قوله, حيث قال:(هو الكتاب، ليس كلّهم لقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم).
وقال:(ليس كلّ النّاس سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّ المنادي القرآن), لذا رجح الطبري قوله فقال:(...لأنّ كثيرًا ممّن وصفهم اللّه بهذه الصّفّة في هذه الآيات ليسوا ممّن رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلى اللّه تبارك وتعالى ونداءه، ولكنّه القرآن. وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبرًا عن الجنّ إذ سمعوا كلام اللّه يتلى عليهم أنّهم قالوا: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد}).

والقول الآخر في المراد ب(المنادي):
قول ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد، ومقاتل, وجمهور المفسرين, حيث قالوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم.

الراجح:
الراجح والله أعلم- أن لا تعارض بين القولين إنما هو من اختلاف التنوع, فالذي دعا ورفع صوته إلى الإيمان هو النبي -عليه الصلاة والسلام-فأما من سمعه مباشرة مما كان على عهده: فلا إشكال في الآية من جهتهم, أما من لم يسمعه مباشرة لكن سمعه بواسطة; فهؤلاء أيضا لا إشكال من جهتهم, فهم كما قال البي-عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم:(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ), وأيضا ما جاء في سنن ابي داود من قول النبي عليه الصلاة والسلام:(تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم), وقوله كما عند البخاري:( بلغوا عني ولو آية) وقوله كما عند الترمذي:(نضر الله امرأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)وغيرها.
فمن لم يسمع من النبي-عليه الصلاة والسلام-مباشرة سمع من ورثته وهم العلماء, ومن سمع القرآن فكأنما سمع النبي-عليه الصلاة والسلام- لأن ما بلغه النبي-صلى الله عليه وسلم- نزل عليه وحيا من كلام الله وهو القرآن, مع ما أوتي من الحكمة.


( 3 ) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم ):
تخريج الأثر:
رواه الطبري عن ابن بشار عن عبدالرحمن, عن زمعة عن ابن طاوس عن أبيه.

الحكم على الأثر:
عبدالله بن طاوس ممن روى عن طاوس أبيه فأكثر, لكن الأثر فيه زمعة بن صالح وهو ممن اختلف حكم المحدثين فيه, فقد جاء في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال:
قال عنه يحيى:(زمعة بن صالح ضعيف), وقال فيه في مرة أخرى:(زمعة صويلح الحديث ).
وقال البخاري فيه:( زمعة بن صالح المكي يروي عن سلمة بن وهرام ، وابن طاوس) ، وقال : (يخالف في حديثه) , وقال أحمد بن حنبل فيه: (ضعيف الحديث) .
قال عَمْرو بن علي: (زمعة بن صالح فيه ضعف في الحديث، وقد روى عنه عَبد الرحمن وسفيان الثَّوْريّ، وما سمعت يَحْيى ذكره قط، وشيوخ من البصريين قد رووا عن زمعة مثل عَبد الرحمن وأَبُو داود وبشر بن السري وأَبُو عامر، وَهو جائز الحديث مع الضعف الذي فيه).
وقال ابن حماد:يقول السعدي:(زمعة بن صالح متماسك)

ونذكر ما ورد من اقوال أخرى في المراد من (حفدة):
القول الأول: قال أصحابه بأن المراد هم الولد وولد الولد، قاله ابن عباس وعكرمة وابن زيد والضحاك، والحسن.
القول الثاني: بنو امرأة الرجل من غيره، وهو قول ثان لابن عباس، وقاله ابن زيد والضحاك.
القول الثالث: الأختان أو الأصهار، قاله ابن مسعود, قاله وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير, وأبو الضحى والنخعي.

توجيه القول:
لعل طاوس اعتد على المعنى اللغوي للكلمة , فقد قال ابن قتيبة الدينوري:( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان...وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة.
وقَالَ أبو عبيد القاسم الهروي: (في حديث عمر رضي الله عنه
في قنوت الفجر قوله: وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.
قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا)., فهو تفسير بظاهر لغة العرب.
وقال الطبري:(...والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره...).

الراجح:
ما جاء عن طاوس يعد من أجمع الأقوال في المراد ب(حفدة), فمن تأمل الأقوال السابقة علم أن لا منافاة بينها البتة, بل يمكن القول بأنها تفسير بالمثال لما قاله طاوس, ويؤيد ذلك ما ذكرنا من استخدام الكلمة في لغة العرب, وعلى هذا فجميع من ذكروا في القوال هم في الغالب ممن يسارع في خدمة الشخص ويحرص على ذلك , خاصة ولده وولد ولده.
لذا رجح الطبري هذا القول خاصة إن الاية لم تعين نوعا من الحفدة دون نوع آخر, كما إن الاية في سياق الامتنان, فالأولى أن تكون على عمومها حتى تحصل كمال المنة على الجميع, خاصة عند وجود نوع دون باقي الأنواع لدى البعض.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 محرم 1441هـ/16-09-2019م, 11:34 PM
ريم الحمدان ريم الحمدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

أختار المجموعة الثانية

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 محرم 1441هـ/17-09-2019م, 12:45 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين مشاهدة المشاركة
اختر مجموعة من المجموعات التالية وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الأولى:
( 1 ) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين.
[ آمل تجنّب الكتابة باللون الأحمر ]
تخريج أثر مجاهد:
رواه الطبري وابن أبي حاتم وعبدالرحمن الهمذاني [الهمذاني راوي كتاب] من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظ : (على المؤمنين) فقط.
ورواه الطبري عن المثنى عن أبي حذيفة عن شبل، عن ابن أبي نجيح عنه بلفظ:( المؤمنين والمحسنين).
[ في الطريق الأول ينبغي ذكر الراوي عن ابن أبي نجيح حتى يُعرف سبب اختلاف الألفاظ في الروايات؛ لأن الرواية الثانية من طريق ابن أبي نجيح أيضاً ]



الحكم على الرواية:
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رواها البخاري وغيره , ورواها كبار المفسرين مثل ابن أبي حاتم والطبري, ومع قول بعضهم بأنه لم يسمع من مجاهد , إلا إن طريقه أصح الطرق عن مجاهد لكون الواسطة معلومة وهو القاسم بن ابي بزة, وهو ثقة معروف .
قال ابن المديني: (أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح).
قال يحي بن سعيد القطان: (لم يسمع التفسير من مجاهد, وقال الذهبي معلقا على قوله: (وهو من اخص الناس بمجاهد).
وقال وكيع: (كان سفيان الثوري يصحح تفسير ابن ابي نجيح).
قال ابن تيمية: ( ليس بأيدي أهل التفسير تفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر).

[لا يُحكم على الرواية المفردة باعتبار منتهى الإسناد؛ فأين باقي رجال الإسناد؟ ، وهل تصحيح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد يقتضي تصحيح كل إسناد ينتهي بذكر ابن أبي نجيح عن مجاهد؟!!
الحكم على الإسناد إما أن يكون بذكر الإسناد كاملاً من المصنّف، أو بذكر إسناد النسخة التفسيرية إذا كانت معلومة]



توجيه قول مجاهد:
كأن مجاهد ذهب إلى أن (الذي) بمعنى (الذين) وتكون هنا بمعنى(من), فيكون معنى الآية: بأن الله أنزل الكتاب على موسى-عليه السلام- تفضلا منه على من أحسن وإتماما لفضله عليهم, ولعله اعتمد على ما جاء في مصحف ابن مسعود-رضي الله عنه- حيث قرأ:(تماما على الذين أحسنوا).

[ الأفضل أن يقال: وهذا القول موافق للقراءة المنسوبة إلى ابن مسعود ... ؛ فإذا كان إسناد القراءة صحيحاً فيقال: موافق لقراءة ابن مسعود]


وقد وردت أقوال أخرى في معنى الآية نذكرها باختصار:
القول الأول: إن المراد ب(الذي أحسن) الله عز وجل, فتكون(الذي) بمعنى(ما), ويكون معنى الآية: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه مما تفضل به عليهم من النبوات والنعم, وقال بعضهم: تماما على إحسان الله إلى موسى عليه السلام, لأن الله اختصه فكان كليم الله, وكان من أولي العزم من الرسل, وغيره مما فضله الله به.
القول الثاني: إن المراد به موسى عليه السلام, فيكون (الذي احسن) هو موسى عليه السلام, لأنه أحسن في تبيلغ الرسالة, وأحسن في الطاعة...
ومنهم من قال على إبراهيم عليه السلام, ومنهم من قال على جميع الأنبياء.
[القول الثالث: أن "الذي" صفة لموصوف محذوف ... ]
الراجح:
الراجح -والله أعلم-القول بأن الكلام يعود على موسى , لأنه الظاهر من سياق الايات, ومع هذا فالآية عامة فلا يعني هذا تعارض هذا القول مع ما ذهب إليه مجاهد, كلا; فهذا القول عام يدخل فيه قول مجاهد لأن نعمة إنزال الكتاب على الأنبياء -بشكل عام-لا تختص بهم, بل هي نعمة عامة تطالهم وتطال كل من آمن بهم واتبعهم بإحسان, فمقل منهم ومستكثر, وقد يشهد لهذا اللاحق من الآية حيث قال تعالى:{وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}.
وهو ما رجحه الطبري حيث قال:(وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا , لأن ذلك أظهرُ معانيه في الكلام, وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة. فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحُسن طاعة).
وقال ابن عاشور:(والمَوْصُولُ في قَوْلِهِ: ﴿عَلى الَّذِي أحْسَنَ﴾ مُرادٌ بِهِ الجِنْسُ، فَلِذَلِكَ اسْتَوى مُفْرَدُهُ وجَمْعُهُ).

[ فاتك ذكر القول الثالث وأثره في الجمع ، وإذا أمكن الجمع بين الأقوال الصحيحة فلا يصار إلى الترجيح]


( 2 ) قول محمد بن كعب القرظي: ({منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن):
تخريج الأثر:
رواه موسى بن مسعود النهدي, ورواه الطبري, ورواه ابن ابي حاتم جميعا من طريق موسى بن عبيدة عنه.
[ موسى بن مسعود راوي كتاب؛ فلا يكون العزو إليه، وإنما يُعزى لصاحب الكتاب؛ فيقال: رواه سفيان الثوري وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب]
الحكم عليه:
أكثر ما وصلنا من تفسير محمد القرظي هو عن طريق موسى بن عبيدة وهو ضعيف:
جاء في الطبقات الكبيرعنه:( كان ثقة كثير الحديث وليس بحجة) .
وجاء في الضعفاء للعقيلي: قول يحيى بن معين :(موسى بن عبيدة ضعيف يكتب من حديثه الرقائق).
وقول االبخاري فيه:( ... ولكني لم أخرج عن موسى بن عبيدة ولا أحدث عنه ولقد كتبت عن مكي عن قوم وددت أني كتبت عن غيرهم من الثقات غير موسى بن عبيدة...).
وقول أحمد:(لا تحل الراوية عن موسى بن عبيدة ، قيل : يا أبا عبد الله لا يحل ؟ قال : عندي).
وقول يحيى عنه:(موسى بن عبيدة الرَّبَذي مديني ضعيف).



[ في مثل هذه الحالة لا نجزم بصحة القول إلى المفسر، ونعتبره من جهة المعنى فإن كان المعنى منكراً حكمنا بضعفه، وإن كان المعنى صحيحاً فيقبل المعنى من غير جزم بصحته عن ذلك المفسّر ]


توجيه قول محمد القرظي:
وتوجيه قوله-إن صح عنه- يوضحه ما جاء في الأثر نفسه من قوله, حيث قال:(هو الكتاب، ليس كلّهم لقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم).
وقال:(ليس كلّ النّاس سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّ المنادي القرآن), لذا رجح الطبري قوله فقال:(...لأنّ كثيرًا ممّن وصفهم اللّه بهذه الصّفّة في هذه الآيات ليسوا ممّن رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلى اللّه تبارك وتعالى ونداءه، ولكنّه القرآن. وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبرًا عن الجنّ إذ سمعوا كلام اللّه يتلى عليهم أنّهم قالوا: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد}).

والقول الآخر في المراد ب(المنادي):
قول ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد، ومقاتل, وجمهور المفسرين, حيث قالوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم.

الراجح:
الراجح والله أعلم- أن لا تعارض بين القولين إنما هو من اختلاف التنوع, فالذي دعا ورفع صوته إلى الإيمان هو النبي -عليه الصلاة والسلام-فأما من سمعه مباشرة مما كان على عهده: فلا إشكال في الآية من جهتهم, أما من لم يسمعه مباشرة لكن سمعه بواسطة; فهؤلاء أيضا لا إشكال من جهتهم, فهم كما قال البي-عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم:(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ), وأيضا ما جاء في سنن ابي داود من قول النبي عليه الصلاة والسلام:(تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم), وقوله كما عند البخاري:( بلغوا عني ولو آية) وقوله كما عند الترمذي:(نضر الله امرأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)وغيرها.
فمن لم يسمع من النبي-عليه الصلاة والسلام-مباشرة سمع من ورثته وهم العلماء, ومن سمع القرآن فكأنما سمع النبي-عليه الصلاة والسلام- لأن ما بلغه النبي-صلى الله عليه وسلم- نزل عليه وحيا من كلام الله وهو القرآن, مع ما أوتي من الحكمة.

[ أحسنتِ ]


( 3 ) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم ):
تخريج الأثر:
رواه الطبري عن ابن بشار عن عبدالرحمن, عن زمعة عن ابن طاوس عن أبيه.

الحكم على الأثر:
عبدالله بن طاوس ممن روى عن طاوس أبيه فأكثر, لكن الأثر فيه زمعة بن صالح وهو ممن اختلف حكم المحدثين فيه, فقد جاء في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال:
قال عنه يحيى:(زمعة بن صالح ضعيف), وقال فيه في مرة أخرى:(زمعة صويلح الحديث ).
وقال البخاري فيه:( زمعة بن صالح المكي يروي عن سلمة بن وهرام ، وابن طاوس) ، وقال : (يخالف في حديثه) , وقال أحمد بن حنبل فيه: (ضعيف الحديث) .
قال عَمْرو بن علي: (زمعة بن صالح فيه ضعف في الحديث، وقد روى عنه عَبد الرحمن وسفيان الثَّوْريّ، وما سمعت يَحْيى ذكره قط، وشيوخ من البصريين قد رووا عن زمعة مثل عَبد الرحمن وأَبُو داود وبشر بن السري وأَبُو عامر، وَهو جائز الحديث مع الضعف الذي فيه).
وقال ابن حماد:يقول السعدي:(زمعة بن صالح متماسك).
[ الأولى الرجوع إلى تهذيب الكمال؛ لأنه أجمع لأقوال النقّاد من أئمة الجرح والتعديل، وزمعة بن صالح قد روى له مسلم في المتابعات، وحديثه معتبر في التفسير؛ بمعنى أنه إذا لم يخالف من هو أوثق منه، ولم يكن المتن منكراً فيُحمل على أصل القبول على عهدته ]


ونذكر ما ورد من اقوال أخرى في المراد من (حفدة):
القول الأول: قال أصحابه [ ؟ ] بأن المراد هم الولد وولد الولد، قاله ابن عباس وعكرمة وابن زيد والضحاك، والحسن.
القول الثاني: بنو امرأة الرجل من غيره، وهو قول ثان لابن عباس [ الأولى أن يقال: رواية أخرى عن ابن عباس ]، وقاله ابن زيد والضحاك.
القول الثالث: الأختان أو الأصهار، قاله ابن مسعود, قاله وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير, وأبو الضحى والنخعي.

توجيه القول:
لعل طاوس اعتد على المعنى اللغوي للكلمة , فقد قال ابن قتيبة الدينوري:( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان...وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة.
وقَالَ أبو عبيد القاسم الهروي: (في حديث عمر رضي الله عنه
في قنوت الفجر قوله: وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.
قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا)., فهو تفسير بظاهر لغة العرب.
وقال الطبري:(...والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره...).

الراجح:
ما جاء عن طاوس يعد من أجمع الأقوال في المراد ب(حفدة), فمن تأمل الأقوال السابقة علم أن لا منافاة بينها البتة, بل يمكن القول بأنها تفسير بالمثال لما قاله طاوس, ويؤيد ذلك ما ذكرنا من استخدام الكلمة في لغة العرب, وعلى هذا فجميع من ذكروا في القوال هم في الغالب ممن يسارع في خدمة الشخص ويحرص على ذلك , خاصة ولده وولد ولده.
لذا رجح الطبري هذا القول خاصة إن الاية لم تعين نوعا من الحفدة دون نوع آخر, كما إن الاية في سياق الامتنان, فالأولى أن تكون على عمومها حتى تحصل كمال المنة على الجميع, خاصة عند وجود نوع دون باقي الأنواع لدى البعض.
[ أكثر علماء اللغة يقولون: الحفدة الأعوان والخدم ، فلو عضدت القول المروي عن طاووس بذكر من قال به من علماء اللغة لكان أجود، و"الحفدة" مشترك لفظي يطلق على معانٍ متعددة؛ فيُقبل منها في معنى الآية ما يحتمله السياق]





أ

أحسنت بارك الله فيك، ونفع بك، وزادك علماً وتوفيقاً.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 محرم 1441هـ/24-09-2019م, 03:22 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

المجموعة الثالثة:
( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ.

تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: السَّكَر: النبيذ والرزق الحسن: التمر الذي كان يؤكل.
وروى ابن جرير أيضا من طريق أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن أبي رَوْق، عن الشعبيّ، قال: قلت له: ما تتخذون منه سَكَراً؟ قال: كانوا يصنعون من النبيذ والخلّ قلت: والرزق الحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التمر والزبيب.
وروى ابن جرير أيضا من طريق داود الواسطيّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال: أبو رَوْق: ثني قال: قلت للشعبيّ: أرأيت قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} أهو هذا السَّكَر الذي تصنعه النَّبَط؟ قال: لا، هذا خمر، إنما السكر الذي قال الله تعالى ذكره: النبيذ والخلّ والرزق الحسن: التمر والزبيب.

الحكم على الأثر:
لا تصح أي رواية مما سبق ذكره.
ابن وكيع: ترك الرواية عنه أبو زرعة، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "سألت أبا زرعة عنه فقال: لا يشتغل به، قيل له كان يكذب، قال كان أبوه رجلاً صالحاً. قيل له كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم"، ونقله عنه المزي في تهذيب التهذيب، ونقل الذهبي في ميزان الاعتدال عنه أنه قال "يتهم بالكذب"، وفي أسماء الضعفاء لابن الجوزي قال عنه "لا يشتغل به. قيل له كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم".
أبو أسامة: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل: سَمِعت أبي يَقُول كَانَ أَبُو أُسَامَة ضابطا للْحَدِيث كيسا، وقال أيضا: قَالَ أبي كانَ أَبُو أُسَامَة ثبتا صَحِيح الْكتاب.
أحمد بن بشير: ذكر العقيلي في الضعفاء تضعيف يحيى بن معين له، ونقل عن عثمان بن سعيد أنه متروك، ونقل ابن الجوزي في العلل المتناهية عن ابن عدي: "قال عُثْمَان الدارمي ويحيى بْنُ مَعِينٍ أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ متروك".
مجالد: ذكر العقيلي في الضعفاء تضعيف الإمام أحمد وابن معين ويحيى بن سعيد له، ونقل عن الإمام أحمد قوله: كَمْ مِنْ عَجُوبَةٍ لِمُجَالِدٍ، وعن يحيى قوله: مُجَالِدٌ لَا أَحْتَجُ بِحَدِيثِهِ، وفي العلل ومعرفة الرجال لابن حنبل: ومجالد عَن الشّعبِيّ وَغَيره، ضَعِيف الحَدِيث، وقال الترمذي في العلل الكبير: وَأَنَا لَا أشْتَغِلُ بِحَدِيثِ مُجَالِد.
مندل بن علي العنزي أبو عبد الله الكوفي، قَالَ العقيلي في الضعفاء: عن يَحْيَى قَالَ: مِنْدَلٌ، وَحَبَّانُ ضَعِيفَا الْحَدِيثِ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "سئل أبو زرعة عن مندل فقال: لين" وكذا في ميزان الاعتدال، وقال في تهذيب التهذيب "لين الحديث"، ونقل ابن الجوزي في أسماء الضعفاء عنه أنه قال: "ليس بالقوي"، وقال الترمذي في العلل الكبير: "سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: مِنْدَلٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. أَنَا لَا أَكْتُبُ حَدِيثَهُ".
أبو روق: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل: سُئِلَ عَن أبي روق قَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس.
الشعبي: هو عامر بن شراحيل، قال أبو زرعة: كوفي ثقة.

توجيه القول:
وجه القرطبي القول بأن النبيذ سمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم، وقال ابن العربي: أن الله امتن على عباده بما خلق لهم، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل، ولذلك استدل بها أصحاب أبي حنيفة على جواز ما دون المسكر من النبيذ، وعلى هذا القول تكون الآية محكمة لا نسخ فيها.
وقد ذكر الطبري أن هذا التأويل محتمل من كلام العرب، واختار هذا القول ورجحه بقوله: "وقال آخرون: السَّكَرَ: هو كلّ ما كان حلالاً شربه، كالنبيذ الحلال والخلّ والرطَب. والرزق الحسن: التمر والزبيب". ثم قال: "وهذا التأويل عندي هو أولى الأقوال بتأويل هذه الآية، وذلك أن السَّكَر في كلام العرب على أحد أوجه أربعة: أحدها: ما أسكر من الشراب. والثاني: ما طُعِم من الطعام، كما قال الشاعر: جَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا
أي طعما. والثالث: السُّكُون، من قول الشاعر: جَعَلْتُ عَيْنَ الحَرُورِ تَسْكُرُ
والرابع: المصدر من قولهم: سَكَر فلان يَسْكَر سُكْرا وسَكْرا وسَكَرا، فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يُسْكِر من الشراب حراما وكان غير جائز لنا أن نقول: هو منسوخ، إذ كان المنسوخ هو ما نفى حكمه الناسخ، وما لا يجوز اجتماع الحكم به وناسخه، ولم يكن في حكم الله تعالى ذكره بتحريم الخمر دليل على أن السَّكَر الذي هو غير الخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام، إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كلّ ما طعم، ولم يكن مع ذلك، إذ لم يكن في نفس التنزيل دليل على أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت عليه الأمة، فوجب القول بما قلنا من أن معنى السَّكَر في هذا الموضع: هو كلّ ما حلّ شربه، مما يتخذ من ثمر النخل والكرم، وفسد أن يكون معناه الخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السَّكَر نفسه، إذ كان السَّكَر ليس مما يتخذ من النَّخْل والكَرْم، ومن أن يكون بمعنى السكون".

فيتبين من كلام الطبري وترجيحه أن هذا القول محتمل لكلام العرب، وأن للخروج من القول بالنسخ بلا ضرورة، كما أنه أنسب لمعنى الامتنان المسوقة الآيات لبيان بعض وجوهه، فتكون ألصق بالسياق.

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: أنه الْخَمْرُ أو ما حرم من ثمرتهما، وهو قول ابْنُ مَسْعُود، وَابْنُ عُمَر، وَابْنُ عَبَّاس وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى، والكلبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقال قتادة: أَنَّهُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ، وهو اختيار جمهور المفسرين والفقهاء.
وهذا القول فيه وجهان:
- أن تكون الآية محمولة على الابتداء إذ كانت الأشربة مباحة ثم نسخت بتحريم الخمر فِي سُورَة الْمَائِدَة، فإن الآية مكية باتفاق من العلماء، وتحريم الخمر مدني، وهذا قول إبراهيم النخعي والشعبي وأبو زين والحسن ومجاهد.
- وإما أن يكون خبر معناه الاستفهام، بمعنى الإنكار والتوبيخ، فيكون المعنى: أتتخذون منه سكرًا وتدعون رزقًا حسنًا، كقوله تعالى: {أفَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34]، فجمع بين العتاب والمنة، ويؤيد هذا المعنى أنها خبر كما أشار أبو الوفاء ابن عقيل بقوله: "لَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ السُّكْرِ، إِنَّمَا هِيَ مُعَاتَبَةٌ وَتَوْبِيخٌ".

القول الثالث: أَنَّ السَّكَرَ: الطَّعْمُ، وهو قول أبو عبيدة بقوله: "السكَر: الطُّعم، يقال: هذا سَكَر لك أي طُعم. وأنشد: جعلتَ عَيْبَ الأكْرَمِين سَكَراً". أي جعلتَ ذمهم طُعماً، وقال الأخفش: "سَكَراً طعاماً"، وهو اختيار النحاس في ناسخه، والطبري ضمن القول الأول، وعليه الآية محكمة لا نسخ فيها.
وممن رد هذا القول القتبي بقوله: "لست أدري هذا"، والزجاج بقوله: "قول أبي عبيدة هَذَا، لا يُعرف، وأهل التفسير عَلَى خلافه، ولا حجة له فِي البيت الذي أنشده؛ لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب النَّاس".

القول الرابع: أن السكر: الخل بلغة الحبشة، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، ونسبه بعض المفسرين للحسن والضحاك وابن عمر، وهو يرجع للقول الأول، فلا نسخ في الآية.

الراجح:
الراجح –والله أعلم- هو القول الثاني، أن المراد بالسكر هو الخمر، لما يلي من وجوه:
الأول: ضعف الروايات الواردة في القول بأنه النبيذ، كما سبق بيانه، وضعف الأحاديث التي استدل بها الأحناف على هذا القول.
الثاني: أنه قول الجمهور من السلف والمفسرين والفقهاء، كما بينا، والموافق لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من إطلاق اسم الخمر على ما أسكر قليله أو كثيره.
الثالث: أنه في الآية إشارة لتحريم الخمر وليست دليلا على الإباحة، لأنه تعالى ميز بينها وبين الرزق الحسن، فعلى القول بأن العطف يفيد المغايرة وبحسب مفهوم المخالفة، فهي ليست رزقا حسنا، وذلك ذم لها لا مدح كما قال عمر.
الرابع: أنه ترجيح أهل اللغة، كما ذكر الزجاج وابن قتيبة وغيرهم، بقولهم: أن السكر في الأصل مصدر، ثم سمِّي به الخمر، يقال: سَكرَ يَسْكَرُ سُكْراً وسَكَراً؛ نحو: رَشِد يَرشَدُ رُشْداً ورَشَداً، وأنشدوا:
بِئْسَ الصُّحَاةُ وَبِئْسَ الشَّرْبُ شَرْبُهُمُ ... إِذَا جَرَى فِيهِمُ الْمُزَّاءُ وَالسَّكَرُ
وقال الشاعر:
وَجَاؤُنَا بهم سَكَرٌ عَلَيْنَا ... فَأَجْلَى اليَوْمُ وَالسَّكْرَانُ صَاحِي
الخامس: رد ابن العربي على القول بأنه خبر والأخبار لا تنسخ بقوله: "أَنَّ الْخَبَرَ إذَا كَانَ عَنْ الْوُجُودِ الْحَقِيقِيِّ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ، أَوْ كَانَ عَنْ الْفَضْلِ الْمُعْطَى ثَوَابًا فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ؛ فَأَمَّا إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ فَالْأَحْكَامُ تَتَبَدَّلُ وَتُنْسَخُ جَاءَتْ بِخَبَرٍ أَوْ بِأَمْرٍ، وَلَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى تَكْذِيبٍ فِي الْخَبَرِ أَوْ الشَّرْعِ الَّذِي كَانَ مُخْبَرًا عَنْهُ قَدْ زَالَ بِغَيْرِهِ".

(2) قول محمد بن سيرين ({السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين).

تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب = وعن أشعث، عن ابن سيرين = في قوله: (والسابقون الأولون)، قال: هم الذين صلوا القبلتين.
وروى ابن جرير أيضا من طريق ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، قال: المهاجرون الأولون: الذين صلوا القبلتين.
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ أَشْعَثُ أَخْبَرَنَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ».

الحكم على الأثر:
الرواية الأولى لابن جرير فيها ضعف للاختلاف في هشيم وفيها مجهول، أما الرواية الثانية فإسنادها صحيح.
عمرو بن عون: ثقة حافظ، قال عنه أبو زرعة: "قل من رأيت أثبت من عمرو بن عون".
هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي: حافظ، قال عنه ابن مهدي: "كان هشيم أحفظ للحديث من الثوري"، وقال ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عن جرير وهشيم؟ فقال: هشيم أحفظ"، وذكر ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أحمد أنه يدلس، وقال الذهبي: حافظ حجة مدلس.
قتادة: قال أحمد بن حنبل: قَتَادَةُ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وقال أبو زرعة: قتادة من أعلم أصحاب الحسن.
أما أشعث فلم أتبين هل هو ابن سوار أم ابن عبد الملك؟ فأذكر كليهما.
أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ: قال ابن أبي حاتم في العلل: "مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَثَّقَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَأَلته عَن أَشْعَث بن سوار فَقَالَ هُوَ أمثل من مُحَمَّد بن سَالم وَلكنه على ذَاك ضَعِيف يَعْنِي الْأَشْعَث".
أَشْعَث بن عبد الْملك: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَأَلت أبي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك الحمراني فَقَالَ أَيّمَا أثبت أَشْعَث بن عبد الْملك أَو أَشْعَث بن سوار فَقَالَ بن سوار ضَعِيف الحَدِيث الحمراني فَوْقه"، وقال أبو زرعة عنه: "صَالح"، وقال الدار قطني في علله: "أَشْعَثُ مِنَ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ".
محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار، ثقة، الحافظ الكبير الإمام (كما في التقريب وتذكرة الحفاظ وتهذيب التهذيب)
معاذ بن معاذ: وثقه الدار قطني في علله، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَمِعت أَبِي يَقُول كَانَ مُعَاذ وَبشر بْن الْمفضل يصليان فِي مَسْجِد وَاحِد فَلَا يخرج بشر ابدًا حَتَّى يخرج مُعَاذ فَإِذا خرج مُعَاذ خرج بشر إعظامًا لَهُ وَكَانَ أسن مِنْهُ".
أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر: لم أقف على ترجمته، ويحتمل أن يكون: ابن المنادى أبو الحسين، وهو ثقة.

توجيه القول:
هو قول متجه على اعتبار (من) في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) تبعيضيه، فيكون كونهم سابقين أي أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين، وقد ضعف هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة حيث قال: (وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة).

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية، وهو قول الشعبي وابْنِ سِيرِينَ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثالث: أنهم أهل بدر، وهو قول عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن كعب القرظي، وهو متضمن في القول الأول.
القول الرابع: أن يكون السابقون الأولون من المهاجرين هم الذين آمنوا بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، والسابقون الأولون من الأنصار هم الذين آمنوا برسول الله ورسوله قبل هجرته إليهم، ذكره الماوردي.
القول الخامس: أنهم المذكورون في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] الآية، أي هم الذين: أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، فيدخل فيهم أهل بيعة الرضوان جميعا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

الراجح:
أن كل الأقوال محتملة الدخول في معنى السابقين، فكل هذه الأوصاف منطبقة على السابقين الأولين من أصحاب النبي، وتعتبر من التفسير بالمثال، وأوجه قول يمكن ترجيحه هو قول ابن تيمية أنهم السابقون إلى الإنفاق والجهاد والبيعة.

(3) قول عطاء بن أبي رباح: (التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار)
تخريج الأثر:
رواه يحيى بن سلام في تفسيره من طريق حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَطْعُ الأَظْفَارِ.

أما رواية ابن جرير وابن أبي شيبة فعن عطاء عن ابن عباس -مع تقارب الألفاظ بينهما-:
روى ابن جرير من طريق هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال، في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.
وروى ابن أبي شيبة من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «التَّفَثُ الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ»

والراوية أخرى لابن جرير عن عطاء بن السائب -وليس عطاء بن أبي رباح- من طريق ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، قال: التفث: حلق الشعر، وقصّ الأظفار والأخذ من الشارب، وحلق العانة، وأمر الحجّ كله.
وروى ابن أبي شيبة من طريق أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «الْحَلْقُ وَالذَّبْحُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ»

الحكم على الأثر:
رواية حَمَّاد عن قيس بن سعد ضعيفة، كما قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل في العلل: "سمعته يَقُول قَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان إِن كَانَ مَا يروي حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس بن سعد حَقًا فَهُوَ قلت لَهُ مَاذَا قَالَ ذكر كلَاما قلت مَا هُوَ قَالَ كَذَّاب، قلت لأبي لأي شَيْء هَذَا قَالَ لِأَنَّهُ روى عَنهُ أَحَادِيث رَفعهَا إِلَى عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أبي ضَاعَ كتاب حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس بن سعد فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ من حفظه فَهَذِهِ قَضيته".
وقال أيضا: "سَمِعت أبي يَقُول شيخ يحدث عَنهُ عَبَّاس بن الْفضل يُقَال لَهُ سُلَيْمَان أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ القافلائي يحدث عَن الْحسن وَمُحَمّد فِي الْقرَاءَات قَالَ مَا أرَاهُ إِلَّا ضَعِيف الحَدِيث قَالَ أبي زَعَمُوا أَنه كَانَ يَجِيء إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة فَيَقُول حَمَّاد حَدثنَا قيس بن سعد عَن عَطاء قَالَ فيكتبه ثمَّ يَقُول أَنا قد سمعته من عَطاء قَالَ أبي وَكَانَ قد سمع من عَطاء مَا أرَاهُ إِلَّا لَيْسَ بِشَيْء".
وقال البيهقي: "حماد ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويجتنبون ما تفرد به عن قيس خاصة".
كما أنه لم أجد هذه الرواية في كتب السنن الصحيحة.

أما رواية ابن جرير فقد صحح إسنادها الشيخ الألباني.

توجيه القول:
هذا القول موافق لأقوال أهل اللغة في معنى التفث، فيدخل في باب التفسير اللغوي، ومن أقوالهم ما يلي:
قَالَ صَاحِبُ «اللِّسَانِ»: التَّفَثُ: نَتْفُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، إِلَخْ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: التَّفَثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذْهَابُ الشَّعَثِ.
وَقَالَ قُطْرُب: تَفِثَ الرَّجُلُ إذَا كَثُرَ وَسَخُهُ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ: سَاخِينَ آبَاطَهُمْ لَمْ يَقْذِفُوا تَفَثًا ... وَيَنْزِعُوا عَنْهُمْ قَمْلًا وَصِئْبَانًا
وَقَالَ الْفراء: التّفَثُ نَحْرُ البُدْنِ وَغَيرهَا من الْبَقر وَالْغنم وحَلْق الرَّأْس، وتَقْليم الأظْفار وأشباهه.
وذكر الرازي نقلا عن المبرد: التفث هاهنا فضول الشعر والأظفار من شعر الإبطين والعانة، وأصل التفث في كلام العرب: كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: التَّفَثُ هُوَ الرَّمْيُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالذَّبْحُ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ نَحْوَهُ، وَلَا أُرَاهُ أَخَذُوهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَصْلُ التَّفَثِ فِي اللُّغَةِ الْوَسَخُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ تَسْتَقْذِرُهُ: مَا أَتْفَثَكَ أَيْ مَا أَوْسَخَكَ وَأَقْذَرَكَ.

أما قول ابْنُ الْعَرَبِيِّ: "هَذِهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ عَرَبِيَّةٌ لَمْ يَجِدْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيهَا شِعْرًا، وَلَا أَحَاطُوا بِهَا خَبَرًا"، فهو موافق لقول أبي عبيدة: "إنَّهُ قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، إلَّا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ"، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير.

هذا كلام أهل اللغة في التفث، وقول الزجاج محتمل أن أهل اللغة نقلوه من التفسير وليس له أصل في اللغة يستند عليه، ثم أطلق على أعمال الحج فتكون حقيقته الشرعية التحلل من الإحرام بعد النحر والحلق وإزالة الوسخ والتطهر، كما في أقوالهم الآتية:
وقال النضر بن شميل: التفث: النسك من مناسك الحج، رجل تَفِث: أي: مُغْبرٌّ شعث، لم يدَّهن ولم يستحد.
وقال الأزهري في تهذيب اللغة: لم يفسر أحد من اللغويين التفث كما فسره ابن شميل، جعل التفث الشعث، وجعل قضاءه إذهاب الشعث بالحلق والتَّقْليم وما أشبهه.
وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: التَّفَثُ فِي الْمَنَاسِكِ: مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَالْعَانَةِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَنَحْرِ الْبُدْنِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وقَالَ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ»: التَّفَثُ مُحَرَّكَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ: الشَّعَثُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَحْوِ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَالشَّارِبِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَكَتِفِ الشَّعِثِ وَالْمُغْبَرِّ، اهـ.
وقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ لِيُزِيلُوا عَنْهُمْ أَدْرَانَهُمْ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، إلَّا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ.
وقال ابن الأعرابي في قوله {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قال: قضاء حوائجهم من الحلق والتنظيف وَمَا أشبهه.

فيكون المعنى المراد من القضاء في (ليقضوا تفثهم) هو التأدية، أي ليؤدوا إزالة وسخهم، لأن التفث هو الوسخ والدرن، والشعث والقذارة من طول الشعر والأظفار، وقد أجمع المفسرون على ذلك كما حكى النيسابوري.

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: حَلْقُ الرأس، وهو قول قَتَادَةَ والضحاك.
القول الثالث: حَلْقُ الرأس وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وهو قول مُجَاهِد ومحمد بن كعب القرظي، ومعنى قول ابن جريج وعكرمة، ورواية عطاء عن ابن عباس، رواه الطبري وسعيد بن منصور وعزاه السيوطي لابن أبي شيبة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم.
القول الرابع: التَّفَثُ ذَا الشَّعَثِ وَذَا التَّقَشُّف، أي: إزَالَةُ قَشَفِ الْإِحْرَامِ، مِنْ تَقْلِيمِ أَظْفَارٍ، وَأَخْذِ شَعْرٍ، وَغُسْلٍ، وَاسْتِعْمَالِ طِيب، وهو قول الْحَسَن، ومعنى قول ابن عباس، وابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك، وهو داخل في القول السابق.
القول الخامس: تَقَشُّفُ الإِحْرَامِ بِرَمْيِهِمُ الْجِمَارَ يَوْمَ النَّحْرِ، وهو قول آخر عن الحسن.
القول السادس: وَضْعَ إِحْرَامِهِمْ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وهو قول ابن عباس، وابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك، رواه الطبري وعزاه السيوطي لابن المنذر وابن أبي حاتم، واختيار الزجاج بقوله: "كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال"، وهو مقارب لما سبقه من أقوال.
القول السابع: ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم: من حلق شعر، وأخذ شارب، ورمي جمرة، وطواف بالبيت، وهو قول ابْنُ عُمَر وَسَعِيدُ بْنُ جبير ورواية عن القرظي، وَرواية عكرمة عن ابْنُ عَبَّاس، رواه الطبري وابن أبي شيبة وعزاه السيوطي لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وذكر أيضا عن ابن عمر وَابْنُ عَبَّاس أنه المناسك كلها.

الراجح:
أن القول السابع والأخير عن ابن عمر وابن عباس يشمل جميع الأقوال السابقة فيمكن القول بترجيحه، ولذلك تعقبه ابْنُ الْعَرَبِيِّ بقوله: "لَوْ صَحَّ عَنْهُمَا لَكَانَ حُجَّةً لِشَرَفِ الصُّحْبَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِاللُّغَةِ"، وتكون بقية الأقوال تفسيرا بجزء من المعنى، مع صحتها وموافقتها للمعنى اللغوي للتفث، الذي يعود إلى الخروج من الإحرام إلى الإحلال، وقد أشار إليه القرطبي بقوله: "أَيْ ثُمَّ لِيَقْضُوا بَعْدَ نَحْرِ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ، كَالْحَلْقِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَإِزَالَةِ شَعَثٍ وَنَحْوِهِ".

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 محرم 1441هـ/26-09-2019م, 12:37 AM
ريم الحمدان ريم الحمدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

(1) قول مجاهد ( وأيدناه بروح القدس ) :
تخريج القول :
1/روى ابن كثير في تفسيره :حكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما قالا : القدس : هو الله تعالى ، وروحه : جبريل .

2/روى ابن أبي حاتم في تفسيره لسورة المائدة ، حدثنا أبي ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، روح القدس قال: القدس الله تبارك وتعالى .

3/وروى القرطبي عن غالب بن عبد الله عن مجاهد قال : القدس هو الله عز وجل .

توجيه الأثر :
رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد مقبولة عند أغلب العلماء ، قال ابن تيمية : هي أصح الروايات عن مجاهد ،وأوردها البخاري في صحيحه . وقد طعن ابن حبان في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد لأنه لم يسمع منه ،ولأن ابن نجيح كان قدرياً ، وذلك لا يتعارض مع قبول روايته ،وقال البعض أن بعض رواياته في ما يخص الاعتقاد قد ترد اذا وافقت قول المعتزلة أو القدرية .

الأقوال في ( روح القدس ) :
-هو جبريل عليه السلام ،رواه الطبري عن قتادة والسدي والضحاك والربيع
ورواه ابن كثير عن ابن مسعودو ابن عباس و محمد بن كعب القرظي ، وإسماعيل بن أبي خالد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، وقتادة مع قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين [ بلسان عربي مبين ] ) [ الشعراء : 193 - 195 ]
-هو الله تعالى ، رواه القرطبي وابن أبي حاتم عن مجاهد .
- هو الإنجيل ، رواه الطبري عن ابن زيد .
- هو الاسم الذي كان عيسى عليه السلام يحيي به الموتى، رواه الطبري عن ابن عباس .

الترجيح :
وأرجح الأقوال هو الأول أنه جبريل عليه السلام ، وذلك لعدة أسباب :
1-لترجيح ابن جرير وجمع من المفسرين له .
2-لتظافر الروايات على هذا المعنى .
3-له شواهد من القرآن والسنة ،ففي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : أن عمر مر بحسان ، وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه ، فقال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك . ثم التفت إلى أبي هريرة ، فقال : أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس " ؟ . فقال : اللهم نعم .
وفي بعض الروايات : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان : " اهجهم أو : هاجهم وجبريل معك " .
[

(2) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى
تخريج القول :

- روى الطبري - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله: " سماعون للكذب أكَّالون للسحت "، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.

-روى ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، ثنا محمد بن المثنى ، حدثني عثمان بن عمر ، ثنا أبو عقيل الرومي، عن الحسن ، في قوله: سماعون للكذب قال: تلك الملوك تسمع كذبه وتأخذ رشوته. قوله تعالى: أكالون للسحت .

تحرير الأقوال :
ومسلم بن إبراهيم إمام حافظ ثبت روى عنه أبو عقيل في الغالب أنه بشير بن عقبة وهو ثقة
قال أبو حاتم رواية بشير عن عقبة هو عندهم ثقة ، تهذيب الكمال ( 4/ 170)
قال البخاري :سمع منه مسلم ،حدثنا عنه مسلم ، التاريخ الكبير (2/ 100)
وكذلك في الجرح والتعديل .
بعض المفسرين ذكر رواية الحسن دون إسناد :
-وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : سماعون للكذب أكالون للسحت قال : تلك حكام اليهود، تسمع كذبه وتأكل رشوته . ( الدر المنثور للسيوطي 5/ 309)
-قوله تعالى: سماعون للكذب قال الحسن يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ممن يكذب عندهم في دعواه ، ويأتيهم برشوة فيأخذونه ( زاد المسير لابن الجوزي 2/ 360 )

-قال الحسن : كان الحاكم منهم إذا أتاه أحد برشوة جعلها في كمه فيريها إياه ويتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه ، فيسمع الكذب ويأكل الرشوة .
وعنه أيضا قال : إنما ذلك في الحكم إذا رشوته ليحق لك باطلا أو يبطل عنك حقا . فأما أن يعطي الرجل الوالي يخاف ظلمه ليدرأ به عن نفسه فلا بأس ، فالسحت هو الرشوة في الحكم على قول الحسن ومقاتل وقتادة والضحاك ، ( البغوي )

الأقوال في ( أكالون للسحت ) :
ذكرها ابن أبي حاتم في تفسيره :
الوجه الأول :
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن هارون بن رئاب، عن كنانة بن نعيم، عن قبيصة بن مخارق، أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نؤديها عنك ونخرجها من نعم الصدقة أو إبل الصدقة، فقال: " يا قبيصة ، إن المسألة قد حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة حتى يشهد له ثلاث نفر من ذوي الحجا من قومه أن المسألة قد حلت له فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت "

الوجه الثاني: حدثنا عبد الله بن أحمد الدشتكي، ثنا أبي، عن أبيه، عن إبراهيم الصايغ، عن يزيد النحوي ، قال: قال عكرمة ، إن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه.


الوجه الثالث:

حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن بكير بن مرزوق، عن عبيد بن أبي الجعد، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا، فأهدى له هدية فقبلها، فذلك السحت. فقلنا: ياأبا عبد الرحمن ، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم. فقال عبد الله : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

الوجه الرابع:

حدثنا أحمد بن منصور المروزي ، ثنا النضر بن شميل ، ثنا حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد، عن عطاء عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مهر البغي وثمن الكلب والسنور وكسب الحجام من السحت.

الوجه الخامس:

حدثنا أبي ، ثنا الحكم بن موسى، ثنا الهيثم بن حميد ، ثنا الوضين بن عطاء ، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح ، يقول: للسحت خصال ست: الرشوة في الحكم، وثمن الكلب، وثمن الميتة، وثمن الخمر، وكسب البغي، وعسب الفحل.

الوجه السادس:

حدثنا أبي ، ثنا الحجاج بن المنهال ، ثنا حماد ، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق ، قال: هذه الرغف الذي يأخذها المعلمون من السحت. يعني: إذا احتسب بتعليمه فجائز أن يأخذ كرى مثله، سمعت أبي يقول: إذا لم يحتسب بالتعليم فله أن يأخذ الكرى وإذا احتسب بالتعليم فذاك السحت.

الوجه السابع:

حدثنا حجاج بن حمزة ، ثنا شبابة ، ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله: أكالون للسحت الرشوة في الحكم فهم يهود. وروي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، وإبراهيم ، وعكرمة أنهم قالوا: الرشوة في الحكم.

الترجيح بين الاقوال :
قال القرطبي السحت في اللغة أصله الهلاك والشدة ،وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي : يذهبها ويستأصلها .
وأقوال المفسرين بمجملها تدور حول معنى المال الحرام ولا تعارض بينها ،فالرشوة ، وسؤال الناس بلا حاجة ،و ثمن الأمور المحرمة كالخمر والميتة ، وكسب البغي ، كلها تعتبر مالاً حراماً وإن اختلفت صورها ، أما القول الرابع وهو كسب الحجام فهو مرجوح لأنرسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ،رواه البخاري عن ابن عباس، ولو كان سحتا لم يعطه .
الى أن سياق الآية قد يعطينا دلالة على أن قول الحسن هو الراجح ،فالسياق أتى في ذم صفات اليهود،وكان أخذ الرشى من أبرز صفاتهم وبذلك يكون مرجحاً لقول الحسن البصري والله أعلم .


3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

تخريج القول :

قال الطبري حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله: " الذي تساءلون به والأرحام "، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.( جامع البيان 7/ 518)

قال ابن أبي حاتم قال ابن عباس قوله: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام قال: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الارحام وصلوها - وروي عن الضحاك مثله - وروي عن مقاتل بن حيانوعكرمة قالا: لا تقطعوها.
. ( تفسير ابن أبي حاتم 3/ 852 )

روى عبد بن حميد ثنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال في قوله تعالى :( الذي تسائلون به والأرحام ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى (صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا،وخير لكم في آخرتكم )
(الدر المنثور 4/ 207 )


في الآية قولان :
القول الأول :
قراءة الأرحام بالفتح لأنها معطوفة على لفظ الجلالة ( الله ) ،والمعنى اتقوا الله والأرحام .
فيه تفصيل ،فلدينا حديث قدسي رواه عبد بن حميد عن والده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ضعف الذهبي حميد وذكر أن أحاديثه مرسلة ليس فيها عن ابن عباس ولا أبي هريرة .
و هناك آثار مروية عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك و الربيع بأن المعنى هو ( اتقوا الأرحام أن تقطعوها ) ،أما رواية عكرمة فقد روى عنه خصيف وروايته مقبولة عند العلماء .

القول الثاني :
تقرأ الأرحام بالكسر وتكون معطوفة على ( به )
معناه: واتقوا الله الذي تحلفون به والأرحام ،وهي قول القائل : أسألك بالله والرحم ، وممن قال بهذا القول إبراهيم ومجاهد والحسن .

ترجيح الأقوال :
الراجح والله أعلم هو القول الأول لترجيح الطبري له ،وسبب ترجيحه أن العرب لا تعطف الاسم الظاهر على الضمير وهو الحال في القول الثاني ، ولأن ابن عباس قال بالقول الأول وجماعة من التابعين وهو العلم الحبر المفسر ،فهاتان قرينتان ترجح القول الأول ، ولا يؤثر ضعف الحديث على صحة القول الأول لأن الترجيح للأثر لا للحديث ،وتقويه كثرة الآثار المروية بنفس لفظه بطرق متعددة .

استغفر الله وأتوب إليه

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 صفر 1441هـ/9-10-2019م, 10:46 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

المجموعة الثالثة:

( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ).

اختلفت الروايات الواردة عن الشعبي في تفسير قول الله تعالى { تتخذون منه سكرًا } على عدة أقوال:

القول الأول: " السكر: الخمر ".
رواه النسائي من طريق مغيرة عن الشعبي أنه قال «السَّكَرُ خَمْرٌ».(1)
وأشار لهذا القول ابن عطية دون إسناد.

القول الثاني: " السكر: النبيذ ".
-رواه ابن جرير من طريق مجالد عن الشعبي أنه قال: " السكر: النبيذ " وقد تفرد به بهذا اللفظ.(2)

القول الثالث: "السكر: النبيذ والخل".
-رواه ابن جرير من طريقين عن أبو روق عن الشعبي بلفظين متقاربين. (3)

توجيه الأقوال والروايات:
- من قال أن "سكرًا" تعنى الخمر فقد أول المعنى بأن الآية منسوخة بتحريم الخمر، وقد روى ابن جرير قول الشعبي وغيره في النسخ من طريق مغيرة (4)

- ومن قال أن السكر تعني " النبيذ" فقد أول المعنى أنه الشراب الحلال مثل منقوع الزبيب أو منقوع التمر، وعلى هذا فالآية ليست منسوخة بل هي في ذكر نعمة الله تعالى من الشراب الحلال.
ويصدق هذا القول رواية ابن حجر في فتح الباري عن الشعبي دون إسناد " وهي رواية أبو رواق عند ابن جرير " ولكنه زاد فيها لفظ " نقيع الزبيب " (5)

والظاهر والله أعلم أن أقرب الروايات للصحة هي رواية " أبو رواق " وأن الخلط في بقية الروايات نشأ عن سوء النقل أو التأويل الخاطىء لمعنى النبيذ أنه الخمر.
وتوجيه هذا في لسان العرب أن "النبذ لغة" هو الطرح، فالنبيذ يقصد به طرح التمر أو الزبيب أو غيرهما في الماء حتى يصير الماء حلوا، فهو ما نبذ من العصير ونحوه.

وقد رجح ابن جرير القول بأن الآية ليست منسوخة وأن حكمها ثابت، وأن معنى " سكرًا" هو كلّ ما حلّ شربه، مما يتخذ من ثمر النخل والكرم،
واحتج في هذا بلغة العرب بأن " سكرًا " ما طُعِم من الطعام،
كما قال الشاعر:
جَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا
أي طعما. وهو المراد في الآية.
- وقد رجح القول بعدم النسخ أيضًا أبو مكي في كتابه ( الهداية إلى بلوغ النهاية ) وكذلك ابن عطية في تفسيره.

ويشهد لصحة هذا القول:
ما رواه عبيد الله عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، أنه قال «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ» صحيح مسلم

وعن أبي قتادة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلَا الْبُسْرَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَانْبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» سنن النسائي

__________
(1) أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ قَالَا: «السَّكَرُ خَمْرٌ».
(2)حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: السَّكَر: النبيذ والرزق الحسن: التمر الذي كان يؤكل.
(3)حدثني داود الواسطيّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال أبو رَوْق: ثني قال: قلت للشعبيّ: أرأيت قوله تعالى (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا) أهو هذا السكر الذي تصنعه النَّبَط؟ قال: لا هذا خمر، إنما السَّكَر الذي قال الله تعالى ذكره: النبيذ والخلّ والرزق الحسن: التمر والزبيب.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن أبي رَوْق، عن الشعبيّ، قال: قلت له: ما تتخذون منه سَكَرا؟ قال: كانوا يصنعون من النبيذ والخلّ قلت: والرزق الحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التمر والزبيب.
(4)حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن المُغيرة، عن إبراهيم والشعبيّ وأبي رزين، قالوا: هي منسوخة في هذه الآية (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)
(5) وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَقِيلَ لَهُ فِي قَوْله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا أَهُوَ هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ النَّبَطُ قَالَ لَا هَذَا خَمْرٌ وَإِنَّمَا السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ التَّمْرُ وَالْعِنَبُ.

_____________________________________

( 2 ) قول محمد بن سيرين ( {السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين ).

روى هذا القول ابن جرير من طريق أشعث، ثم تكرر ذكر هذا القول في التفاسير ولكن دون إسناد.
ومن تلك التفاسير: تفسير ابن أبي حاتم، أبي جعفر النحاس، الثعلبي، أبو محمد مكي.

الحكم على الرواي:
أشعث بن سوار من المختلف فيهم والأكثر على تضعيفه، ولكن يحيى بن معين وثقه.

الأقوال الأخرى في المسألة:
حكى ابن جرير الطبري الخلاف في المراد بالسابقون الأولون عن السلف ونسب لهم الأقوال من عدة طرق، وصنفهم على قولين :
الأول: الذين صلوا القبلتين. قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين.
الثاني: الذين شهدوا بيعة الرضوان. قاله الشعبي.

وروى تلك الأقوال الثعلبي ونسبها للسلف ولكن دون إسناد،
وزاد عليها بقول ثالث: هم الذين شهدوا بدرًا. قاله عطاء بن أبي رباح.

الترجيح:
تلك الأقوال من باب التمثيل فلا تضاد بينها فهو اختلاف تنوع وكلها صحيحة:
فمن سبق بالإسلام فهو ممن صلى إلى القبلتين،
ومن شهد بدرًا فهو من السابقين بالجهاد في سبيل الله،
ومثله من شهد بيعة الرضوان وقد نزل فيهم قوله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } فهم من السابقون ولا شك.
والله أعلى وأعلم

___________________


( 3 ) قول عطاء بن أبي رباح: ( التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار )

روى هذا القول: يحيى بن سلام في تفسيره من طريق قيس بن سعد عن عطاء، وقد تفرد به.
وروى بالزيادة ابن جرير من طريق عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس: أنه قال: التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.

ورواه ابن أبي شيبة والنحاس من ذات الطريق ولكن النص فيه تقديم وتأخير لبعض الألفاظ.

رواية ابن أبي شيبة: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «التَّفَثُ الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ»
رواية النحاس: عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار.

الحكم على الرواة:
قيس بن سعد وعبد الملك بن سليمان كلاهما من الثقات المكثرون من الرواية عن عطاء.

توجيه الروايات في قول عطاء:
· الظاهر أن رواية يحيى بن سلام من طريق قيس بن سعد هي قول عطاء واجتهاده الخاص في المسألة أن قصر معنى التفث على حلق الشعر وقص الأظفار.
· وأما رواية عبد الملك فهي قول عطاء بما سمعه من ابن عباس، فالظاهر أنه اقتصر فيها على مجرد النقل عن ابن عباس دون اجتهاد منه.

الأقوال الأخرى في المسألة والقول الراجح:

- بالنظر في أقوال السلف في تفسير المراد ب" التفث ":
نجد أن البعض مثل ابن عباس وغيره قد فسره بمناسك الحج كلها ومن ذلك: ما رواه ابن جرير من طريق نافع، عن ابن عمر، قال: التفث: المناسك كلها.
ومنهم من وافق قول عطاء وقصر المعنى على قص الشعر والظفر كمجاهد وعكرمة.

ولو قصرنا معنى التفث على اللغة فالراجح ما قاله الواحدي في تفسيره:
التفث الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث، وقضاؤه نقضه وإذهابه، والحاج مغير شعث لم يدهن ولم يستحد، فإذا قضى نسكه، وخرج من إحرامه بالقلم والحلق وقص الشارب ولبس الثياب ونتف الإبط وحلق العانة، فهو قضاء التفث.
وهو ما رجحه البغوي أيضًا وزاد عليه أن هذا المعنى هو الموافق للغة العرب حيث تقول لمن تستقذره "ما أتفثك أي ما أوسخك".

* ولعل ابن عباس وغيره يشير إلى تمام الطهارة للعبد فكما يزيل أوساخ البدن، يزيل أيضًا آثار الذنوب والمعاصي بالوقوف بعرفة ويذهب عنه رجس الشيطان برمي الجمار، فيتطهر العبد باطنًا وظاهرا، والله أعلى وأعلم.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11 صفر 1441هـ/10-10-2019م, 05:21 AM
حنان بدوي حنان بدوي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: إسكندرية - مصر
المشاركات: 392
افتراضي




مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج



المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).

ذكر ابن جرير 3 أقوال في اشتقاق الفعل في:"أيدتك".
القول الأول: هو"فعّلتك"، ["من الأيد"] ، كما قولك:"قوّيتك""فعّلت" من"القوّة".
القول الثاني: هو"فاعلتك" من"الأيد".
القول الثالث: أن مجاهد قرأ: (إذْ آيَدْتُك) ، بمعنى"أفعلتك"، من القوّة والأيد.

وعليه فمعني الآية: وقوينا عيسى ابن مريم ونصرناه وأعنّاه بروح القدس.

وقد ذكرت أقوال في معنى روح القدس الذي أيد الله به عيسى:
القول الأول: هو جبريل عليه السلام.أخرجه الطبري وعبد الرزاق عن قتادة، كما أخرجه الطبري عن السدي والضحاك والربيع وشهر بن حوشب، وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد.
والمعنى: يكون قريناً له يؤيده، ويقويه، ويلقنه الحجة على أعدائه.
  • وأخرج ابن سعيد وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان منبرا في المسجد فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيه".
  • وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب.
  • وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلمة روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه.. كما في الدر المنثور,
قال البغوي: سمي جبريل عليه السلام روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب.
وما تقدم من أدلة وأقوال السلف يرجح هذا القول وهو الذي رجحه ابن جرير وابن كثير وابن عثيمين وغيرهم.واستدل له ابن كثير بما ورد عن ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَقَتَادَةُ وبقوله: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] (4) }
ويشهد له كذلك قوله:{ قل نزله روح القدس...}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل . دقائق التفسير.
وسمي بذلك ب لأنه: يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح فإنه هو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء والمكلفون في ذلك يحيون في دينهم.. ذكره الرازي.

القول الثاني:أنه الإنجيل، وما معه من العلم المطهر الآتي من عند الله.
أي أيد الله عيسى بالإنجيل روحا، كما جعل القرآن روحا كلاهما روح الله، خرجه ابن جرير عن ابن زيد واستدل له بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) [الشورى: 52] .
وسمي به لأن الدين يحيا به ومصالح الدنيا تنتظم لأجله.. ذكره الرازي.

القول الثالث: أنه اسم الله الذي كان عيسى يحيي به الموتى. خرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

القول الرابع:الروح حفظة على الملائكة خرجه ابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيح.

وقد نصر ابن جرير القول الأول، وردّ القول الثاني.
وعلل ترجيحه بأن الله جل ثناؤه أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ) [المائدة: 110] ، فلو كان الروح الذي أيده الله به هو الإنجيل، لكان قوله:"إذ أيدتك بروح القدس"، و"إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"، تكرير قول لا معنى له.
وذلك أنه على تأويل قول من قال: معنى (إذ أيدتك بروح القدس) ، إنما هو: إذ أيدتك بالإنجيل - وإذ علمتك الإنجيل.
وهو لا يكون به مؤيدا إلا وهو مُعَلَّمُه، فذلك تكرير كلام واحد، من غير زيادة معنى في أحدهما على الآخر. وذلك خلف من الكلام، والله تعالى ذكره يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة.
وإذْ كان ذلك كذلك، فَبَيِّنٌ فساد قول من زعم أن"الروح" في هذا الموضع، الإنجيل، وإن كان جميع كتب الله التي أوحاها إلى رسله روحا منه لأنها تحيا بها القلوب الميتة، وتنتعش بها النفوس المولية، وتهتدي بها الأحلام الضالة.
وأما ابن عثيمين فذكر أن الآية تفسر بالقولين الأول والثاني.

أما عن معنى القدس: فيتضمن معنيان:
الأول: البركة. وهو قول السدي وخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثاني: الطهر وخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
ولا تعارض بين المعنيين.

أما عن المراد بالقدس:
فذكر فيه عدة أقوال:
القول الأول: أنه الرب تبارك وتعالى، وهو قول مجاهد والربيع ابن أنس وابن زيد، وأبي جعفر, كعب.
قول ابن مجاهد: أخرجه ابن أبي حاتم: عن أبيه ,عن أبي حذيفة , عن شبل , عن ابن أبي نجيح , عنه، كما خرجه بن وهب عن الحارث عن غالب بن عبيد الله، عنه.
  • وابن أبي نجيح من طبقة أصحاب مجاهد الذين سمعوا منه ورووا عنه في التفسير، ولكن روايته عنه في التفسير تكلم فيها كثير من أهل العلم في كونه لم يسمع منه وأنه كان ينقل من كتاب ابن أبي بزة كما ذكر ذلك ابن حبان، ولكن ابن أبي بزة وثقه أهل العلم، ويمكن الأخذ من ابن نجيح في باب التفسير فيما لا نصر فيه لعقيدته لأنه كان صاحب بدعة.
  • أما غالب بن عبيد الله من طبقة الرواة الضعفاء عن مجاهد، ولعل رواية ابن أبي نجيح تقوي هذه الرواية.
  • وهذا القول لم يتفرد به مجاهد وإلا لظنّ أنه قد يكون من الإسرائيليات فقط وخاصة أنه ورد عن كعب الأحبار..

خرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار عن كعب
كما خرجه عن يونس عن ابن وهب عن ابن زيد، وعن عَمَّارٍ، عن ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وخرج ابن أبي حاتم نفس القول، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: «القدس هو الرب تبارك وتعالى»

وعن ابن زيد وعطاء بن يسار : نَعَتَ اللَّهُ الْقُدُسَ. وَقَرَأَ ابن زيد قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23] وقَالَ: الْقُدُسُ وَالْقُدُّوسُ وَاحِدٌ " خرجه ابن جرير.
وقال الثعلبي: والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا نحو بيت الله، وناقة الله، كما قال: "فنفخنا فيه من روحنا" .

ويشهد له قوله تعالى: فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا…. الآية
والله عز وجل وصف نفسه في غير موضع بأنه القدوس عز وجل، كما وصف نفسه بالبركة في قوله تعالى : (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده… )الآية
وقال: ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير)

القول الثاني: روح عيسى الطاهرة فسمى روحه قدسا، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث، إنما كان أمرا من أمر الله تعالى… ذكره الثعلبي.

القول الثالث: وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنبا، وهو الطَّاهِرُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ فوصفه الله بذلك تشريفا له وبيانا لعلو مرتبته عند الله تعالى.
.حاصل ما قاله الثعلبي والشنقيطي والرازي

ويبدو مما تقدم أن الآية تحتمل الأقوال جميعا، وأن قول مجاهد هو أولى الأقوال بالصواب والله تعالى أعلم.
_____________________________________________________________


( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
قال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}:
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن بعض صفات اليهود الذين علموا الحق ولم يعملوا به، فبدلوا وحرفوا وكذبوا على الله ورسوله فأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحللوا ما حرم الله تيسيرا لمصالحهم وحفاظا على كيانهم وأشرافهم وأكلوا الرشا والحرام، وفرضوا الرواتب بغير حق وقضوا لمن رشاهم .
  • سماعون للكذب: فعالون لسمعه أي كثيري السمع والاستجابة للكذب والباطل، وذلك إنما ينمّ عن قلة دينهم وعقولهم، أن استجابوا لمن دعاهم إلى القول الكذب وهم أعلم بصدقه .
  • (أكالون للسحت):يتكرَّر أَكْلُهم، ويَكْثُر، والمعنى: أخاذون للسحت، والأكل استعارة لتمام الانتفاع… حاصل ما ذكره ابن عاشور والثعالبي.
  • وأصل السّحت: كلب الجوع، يقال منه: فلانٌ مسحوت المعدة: إذا كان أكولاً لا يلفّى أبدًا إلاّ جائعًا.
  • وإنّما قيل للرّشوة السّحت، تشبيهًا بذلك؛ كأنّ بالمسترشي من الشّره إلى أخذ ما يعطاه من ذلك مثل الّذي بالمسحوت المعدة من الشّره إلى الطّعام.
  • ويقال منه: سحته وأسحته، لغتان محكيّتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالبٍ:.
وعضّ زمانٍ يا ابن مروان لم يدع = من المال إلاّ مسحتًا أو مجلّف
  • يعني بالمسحت: الّذي قد استأصله هلاكًا بأكله إيّاه وإفساده. ابن جرير
وعلى هذا القول سمي هذا المال سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها
أو أن الله يعاقبهم بها بأن يهلكهم ويُسْحِتَهمْ بالعذَابِ، كما قال جل وعز: (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ)، ومثل هذا قوله: (إنما يأكلون في بطونهم ناراً). أي يأكلون ما عاقبته النار.

وقد ورد عن السلف أقوالا في المراد بالسحت:
فمنهم من جعله عام في الحرام وما لا يحل، ومنهم من خصصه بالرشا عامة، ومنهم من خصّ منها الرشا في الحكم أو الرشا في الدين أو الرشا بين الناس، ومنهم من أورد أمثلة على أنواع من المال الحرام يشملها لفظ السحت.
القول الأول: أنه الرشى .
قاله ابن مسعود وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن زيد عن أبيه والحسن وقتادة وإبراهيم والسدي.
أما قول الحسن: اخرجه بن وهب عن أشهل عن قرة بن خالد، عن الحسن في هذه الآية: {أكالون للسحت}، أكالون الرشى).
وقرة بن خالد من خالد من الثقات المكثرون من الرواية عن الحسن.
وأخرج ابن جرير عن المثنّى، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبو عقيلٍ، قال: سمعت الحسن، يقول في قوله: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} قال: تلك الحكّام سمعوا كذبةً، وأكلوا رشوةً.
قول قتادة:
أخرجه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عن قتادة: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} قال: كان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرّشا.
قول ابن مسعود:
أخرجه ابن جرير عن هناد ,عن وكيع , عن بن وكيع , عن أبيه وإسحاق الأزرق , وعن محمد بن بشار , عن عبد الرحمن , عن سفيان , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] قال: " السحت: الرشوة "
قول السدي:
أخرجه ابن جرير عن محمد بن الحسين ,عن أحمد بن المفضل , عن أسباط , عن السدي: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] يقول: «للرشا»
وهذا القول كما يبدو أنه في الرشي عامة .

وجاء قول بتخصيص الرشا في الحكم أخرجه ابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم وورد عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل وابن زيد
فقد كان اليهود يأخذون الرشا على الأحكام لمن يدفع لهم .
أخرج بن جرير عن يونس ,عن ابن وهب , عن عبد الرحمن بن أبي الموالي , عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:«كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به» قيل: يا رسول الله , وما السحت؟ قال: «الرشوة في الحكم»

أما قول ابن عباس:
أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أحمد الدشتكي، عن أبيه عن إبراهيم الصائغ عن يزيد النحوي قال: قال عكرمة: إن ابن عباس قال: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه.
وأخرجه ابن جرير عن محمد بن سعد , عن أبيه ,عن عمه , قال: ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: {سماعون للكذب أكالون للسحت} [المائدة: 42] وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب "

قول مجاهد:
ورد في تفسير مجاهد و أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] " يعني به: «الرشوة في الحكم وهم اليهود»
وأخرجه ابن جرير عنه من طريق معمر.
قول مقاتل:
قوالون لِلْكَذِبِ للزور منهم كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا، أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ يعني الرشوة فِي الْحُكْم كَانَت اليهود قَدْ جعلت لهم جعلا فِي كُلّ سنة عَلَى أن يقضوا لهم بالجور.تفسير مقاتل
قول ابن زيد:
أخرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب , قال: قال ابن زيد في قوله: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] قال: «الرشوة في الحكم»
- وعن سعيدٌ، عن بن زيدٍ، عن يحيى بن عتيق قال: كان محمّد بن سيرين يكره أجور القسّام، ويقول: كانوا يقولون: الرّشوة على الحكم سحت، ما أرى حكمًا يؤخذ عليه رشوة...سنن سعيد بن منصور
وأورد غير واحد من المفسرين مثل التعلبي والمواردي والزمخشري وغيرهم عن الحسن بغير اسناد : كان الحاكم في بنى إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب.
  • وهذا القول أخص من الذي قبله، وتوجيهه ان الرشوة تدخل في السحت دخولا أولياً كما ذكره القنوجي
وهذا القول يحتمله ويعضده سياق الآيات، خاصة مع سبب نزول الآية وسياقها وتحدثها عن أفعال اليهود وتحريفهم لكتابهم وما علموه من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وما قاموا به من تغيير لحد الرجم وتبديله وغير ذلك مما اقترفته يهود.

  • والقول الثالث: الرشوة في الدين.
حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عبد الله قال: السحت: الرشوة في الدين. ابن أبي حاتم
والمعنى أن فقراءهم كانوا يأخذون من أغنيائهم الرشا والأموال ليقيموا على ما هم عليه من اليهودية، فالفقراء كانوا يسمعون أكاذيب الأغنياء ويأكلون السحت الذي يأخذونه منهم .. فخر الدين الرازي
وهذا القول كذلك مما يحتمله السياق.

القول الرابع : الرشوة بين الناس.
وهذا القول ورد عن ابن مسعود وعلي وابن سيرين.
قول ابن مسعود:
عن سعيدٌ بن منصور ، عن حمّاد بن يحيى الأبحّ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الرّشوة في الحكم كفرٌ، وهي بين الناس سحت… سنن سعيد بن منصور
- وعن سعيدٌ،عن سفيان، عن (عمّار) الدّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال: سألت ابن مسعودٍ عن السّحت، أهو الرّشوة في الحكم؟ قال: لا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون، والظّالمون، والفاسقون، ولكنّ السّحت: أن يستعينك رجلٌ على مظلمةٍ، فيهدي لك، فتقبله، فذلك السّحت.
- وأخرجه اببن جرير عن شعبة، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروقٍ، قال: سألت عبد اللّه عن السّحت، فقال: الرّجل يطلب الحاجة فيقضيها، فيهدى إليه فيقبلها.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن بكير بن مرزوق عن عبيد ابن أبي الجعد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا فأهدا له هدية فقبلها فذلك السحت. فقلنا يا أبا عبد الرحمن، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم. فقال عبد الله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
قول علي:
- عن سعيدٌ؛ عن سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن موسى بن طريف، عن أبيه، أنّ عليًّا رضي اللّه عنه قسم شيئًا، فدعا رجلًا يحسب، فقيل له: لو أعطيته شيئًا، قال: إن شاء، وهو سحتٌ.… سنن سعيد بن منصور
قول ابن سيرين:
- عن سعيدٌ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كان يكره الشّرط، ولا يرى بأسًا أن يقسم الرّجل للرّجل فيعطيه الشّيء من غير شرطٍ.… سنن سعيد بن منصور

  • القول الخامس: أنه كل كسب لا يحل.
أخرج بن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى قراءة، عن سفيان بن عيينة عن هارون بن زياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نؤديها عنك ونخرجها من نعم
الصدقة أو إبل الصدقة، فقال :
يا قبيصة، إن المسألة قد حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت.
وأخرجه ابن وهب عن ابن زيد عن أبيه قال: السحت الحرام كله، والرشوة من السحت)

كما وردت عدة آثار عن السلف بتحديد بعض أنواع الحرام ويبدو أنها على سبيل المثال من أنواع الحرام التي تدخل تحت مسمى السحت:
فورد عن سعيدٌ،عن إسماعيل بن عيّاش، عن حبيب بن صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الرّشوة في الحكم سحت، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، وثمن القرد، وثمن الخنزير، وثمن الخمر، وثمن الميتة، وثمن الدّم، وعسب الفحل، وأجر النّائحة والمغنّية، وأجر الكاهن، (وأجر الساحر)، وأجر القائف، وثمن جلود السّباع، وثمن جلود الميتة، فإذا دبغت فلا بأس بها، وأجر صور التّماثيل، وهديّة الشّفاعة، (وجعيلة الغرق) )… سنن سعيد بن منصور
وأخرج بن جرير عن أبو السّائب،عن أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال عمر: بابان من السّحت: الرّشا، ومهر الزّانية.
وأخرج كذلك عن هنّادٌ، عن وكيعٌ، وعن ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن طلحة، عن أبي هريرة، قال: مهر البغيّ سحتٌ، وعسب الفحل سحتٌ، وكسب الحجّام سحتٌ، وثمن الكلب سحتٌ.
-وعن هنّادٌ، عن ابن فضيلٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عبد اللّه بن هبيرة السّبئيّ، قال: من السّحت ثلاثةٌ: مهر البغيّ، والرّشوة في الحكم، وما كان يعطى الكهّان في الجاهليّة.
- وعن هنّادٌ، عن ابن مطيعٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ضمرة، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّه قال في كسب الحجّام، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، والاستجعال في القضيّة، وحلوان الكاهن، وعسب الفحل، والرّشوة في الحكم، وثمن الخمر، وثمن الميتة: من السّحت.
وهذا القول يشمل ويعم الأقوال قبله وقد ذهب إليه عامة المفسرين وذكروا أنه أولى الأقوال بالصواب وهو ما ذهب إليه الشوكاني والثعالبي وابن عاشور والقنوجي والقاسمي والسعدي وغيرهم

قال القاسمي: السحت كله حرام تحمل عليه شدة الشره. وهو يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا تكون له بركة ولا لآخذه مروءة ويكون في حصوله عار.
وقال السعدي: السحت هوالمال الحرام، بما يأخذونه على سفلتهم وعوامهم من المعلومات والرواتب، التي بغير الحق، فجمعوا بين اتباع الكذب وأكل الحرام.
وعلى ذلك يكون قول الحسن من باب التفسير بالمثال .. والله تعالى أعلم.


--------------------------------------------------------


( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
"اتقوا الله" : أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وسخطه وقاية بعبادتكم له وطاعتكم إياه.
"الذي تساءلون به":قرأ الجمهور تسائلون- بتشديد السين، وقرأ حمزة، وعاصم، والكسائي، وخلف: تساءلون- بتخفيف السين.
والمعنى: الله تعالى الذي تعاهدون وتعاقدون به ويسأل بعضكم بعضا به تعظيما وتوقيرا له تعالى.


واختلف المفسرون في معنى قوله {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} حسب القراءات في ( الأرحام)

القراءة الأولى: قراءة النصب، فمن قرأ بالنصب قال اتقوا الأرحام أن تقطعوها.. وهي قراءة الجمهور
وهو المروي عن ابن عباس والحسن وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك ومجاهد والربيع وابن زيد والحسين
قول بن عباس
أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوا اللّه في الأرحام فصلوها.
كما أخرج عن المثنّى،عن إسحاق، عن عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، و أبو جعفرٍ الخزّاز، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّ ابن عبّاسٍ، كان يقرأ: {والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه لا تقطعوها.
وعن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: اتّقوا الأرحام.

قول الحسن
أخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن الحسن في قوله تعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام قال هو قول الرجل أنشدك الله الرحم). وأخرج ابن المنذر مثله عن مجاهد.
أخرج ابن جرير عن كريبٍ، عن هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} قال: اتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوه في الأرحام.

قول عكرمة:
وأخرج النهدي وابن جرير وابن المنذر عن (سفيان [الثوري] عن خصيفٍ عن عكرمة {الذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه واتّقوا الأرحام أن تقطعوها [الآية: 1]).
وخصيف بن عبد الرحمن الجزري ممن هم من أهل الصلاح ولكن رواياته فيها ضعف واضطراب عن عكرمة ولكن هنا الرواية ليس بها نكارة ولم تخالف ما روي في الآية ممن هم أوثق منه .

قول السدي:
أخرج ابن جرير عن محمّد بن الحسين،عن أحمد بن المفضّل،عن أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه، واتّقوا الأرحام لا تقطعوها.

قول قتادة:
أخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن قتادة قال بلغني أن النبي قال اتقوا الله وصلوا الأرحام).
أخرج ابن جرير بشر بن معاذٍ، عن يزيد،عن سعيدٌ، عن قتادة: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا} ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: اتّقوا اللّه وصلوا الأرحام، فإنّه أبقى لكم في الدّنيا، وخيرٌ لكم في الآخرة.

قول مجاهد:
أخرجه ابن جرير عن المثنّى، عن أبو حذيفة، عن شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الّذي تساءلون به والأرحام} قال: اتّقوا الأرحام أن تقطعوها.

قول الضحاك:
أخرجه ابن جرير عن المثنّى، عن إسحاق، عن أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الّذي تساءلون به والأرحام} قال: يقول: اتّقوا اللّه في الأرحام فصلوها.
كما أخرجه عن المثنى عن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع.

قول ابن زيد:
أخرجه ابن جرير عن يونس، عن ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} قال يقول اتقوا الله الذى تساءلون به واتّقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ: {والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل}

قول الحسين:
أخرجه ابن المنذر عن موسى، عن شجاع، عن هشيم، عن منصور، عن الحسين " {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوه في الأرحام " قوله جل وعز: {إن الله كان عليكم رقيبا}

وقراءة النصب هنا جاءت عطفا على اسم " الله"، ورجحه ابن جرير وعليه الأكثر.

قال بن جرير: والقراءة الّتي لا نستجيز للقارئ أن يقرأ غيرها في ذلك النّصب: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}والعرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيٍّ في حال الخفض، إلاّ في ضرورة شعرٍ.
قال الأخفش: {وَالأَرْحَامَ} منصوبة أي: اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم {والأَرْحامِ} جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.
قال الزجاج: القراءَة الجيِّدةُ نصب الأرحام.
وقال البغوي: والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لا تكاد تنسق بظاهر على مكنى، إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررت به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته.
قال الهمذاني: من أجاز الخفض في {الأرحام} أجمع مع من لم يجز أن النصب هو الاختيار.
قال مكي: هو الاختيار، لأنه الأصل، وهو المستعمل، وعليه تقوم الحجة، وهو القياس، وعليه كل القراء.

القراءة الثانية: قراءة الخفض ، قرأها كذلك ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وأبي رزين، وحمزة… قاله أبو حيان الأندلسي.
فتكون على معنى: تساءلون به وبالأرحام، فيكون معطوفا على موضع الجار والمجرور
وهو ما ورد عن مجاهد وإبراهيم والحسن.
قول ابن مجاهد:
أخرج النهدي وابن جرير عن (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه تعالى: {الّذي تساءلون به والأرحام} أسألك بالله وبالرحم .
قول إبراهيم النخعي:
أخرج ابن جرير عن ابن حميدٍ، عن حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه الّذي تعاطفون به والأرحام، يقول: الرّجل يسأل باللّه وبالرّحم.
- وأخرج بن جرير عن إبراهيم عدة آثار بنفس المعنى ، قال: هو كقول الرّجل: أسألك باللّه، أسألك بالرّحم يعني قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}.
قول الحسن:
أخرج ابن جرير عن المثنّى، عن سويدٌ، عن ابن المبارك، عن معمرٍ، عن الحسن، قال: هو قول الرّجل: أنشدك باللّه والرّحم قال محمّدٌ: زيد.

وردّ النحويون من البصريين والكوفيين هذا القول وزعم البصريون أنه لحن، وقبّحه الكوفيون، وذلك من وجهين:
الأول: أنه لا يجوز في العربية العطف بظاهر على مكنى مخفوض إلا بإعادة الخافض سوى ما يكون في ضرورة الشعر.قاله الزجاج وابن جرير وغيرهم.
قال بن جرير: وذلك غير فصيحٍ من الكلام عند العرب؛ لأنّها لا تنسق بظاهرٍ على مكنيٍّ في الخفض إلاّ في ضرورة شعرٍ، وذلك لضيق الشّعر؛ وأمّا الكلام فلا شيء يضطرّ المتكلّم إلى اختيار المكروه من المنطق والرّدئ في الإعراب منه.

الثاني: إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين، والتنوين لا يعطف عليه ..قاله سيبويه
الثالث : أن المعنى غير جائز في الدين فلا يجوز الحلف بغير الله .قاله الزجاج وغيره.

حكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال: لو صليت خلف إمام يقرأ واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام بالجر، لأخذت نعلي ومضيت.

قال أبو علي: من جر، عطف على الضمير المجرور بالباء، وهو ضعيف في القياس، قليل في الاستعمال، فترك الأخذ به أحسن.

وعند التحقيق نجد الآتي:
أولا: وإن كان اختيار الجمهور على قراءة النصب إلا أن قراءة الخفض متواترة مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز إنكارها لأن انكارها انكارًا للقرآن، ، ومما علم من ورع حمزة وتقاه أنه لم يقرأ حرفا إلا بأثر.

وقد وردت كذلك عن مجاهد مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فقد نقل الهمذاني عن ابن خالويه رحمه الله أنه قال في قراءة الخفض: وليس لحنًا عندي؛ لأن ابن مجاهد حدثنا بإسناد يعزيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والأرحامِ} ومع ذلك فإن حمزة كان لا يقرأ حرفًا إلا بأثر.
قال أبو زرعة في إنكار قراءة الخفض: وقد أنكروا هذا وليس بمنكر لأن الأئمّة أسندوا قراءتهم إلى النّبي صلى الله عليه.اهـ
ويؤيد هذا القول قراءة عبد الله بن مسعود: تساءلون به وبالأرحام، على وجه التفسير والتوضيح.
ومتى ثبتت القراءة وتواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي قرآن فلا يطوع بحسب ما جاء في العربية وإنما تطوع اللغة بما ورد في القرأن، فاللغة ليست حاكمة على القرآن وإنما القرآن حاكم على اللغة، وهذه من المآخذ التي وردت على ابن جرير في رده لبعض القراءات المتواترة.
قال أبو حيان : ومن ادعى اللحن فيها أو الغلط على حمزة فقد كذب.

ثانيا: إنكارهم لموضع الخفض من جهة عدم جوازه في العربية يرد عليه من وجوه:
الأول: إنكارهم أن الظّاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلّا بإظهار الخافض رد عليه بأنه غير منكر.
قال أبو زرعة: وليس بمنكر وإنّما المنكر أن يعطف الظّاهر على المضمر الّذي لم يجر له ذكر فتقول مررت به وزيد وليس هذا بحسن فأما أن يتقدّم للهاء ذكر فهو حسن وذلك عمرو مررت به وزيد فكذلك الهاء في قوله {تساءلون به} وتقدم ذكرها وهو قوله {واتّقوا الله} ومثله قول سيبويه:
فاليوم أصبحت تهجونا وتشتمنا …. فاذهب فما بك والأيّام من عجب
قال أبو حيان: وقد ورد من ذلك في أشعار العرب كثير يخرج عن أن يجعل ذلك ضرورة.

الثاني: أن يكون هناك حذف للباء الجارّة،كما حذفت في قوله:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ..ز ولا ناعب إلا ببين غرابها
فجرّ وإن لم يتقدم باء.

ثالثاً: أن تكون (والأرحام) بالنصب عطف على موضع به، لأن موضعه نصب، ومنه قوله:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا ، ويشهد له قولهم: أنشدك بالله والرحم


أما قولهم بعدم جواز القراءة بالخفض لغرض تحريم الحلف بغير الله فقد رد عليه من وجوه:
الأول: النهي إنما جاء في الحلف بغير الله، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فلا نهي فيه.أورده القرطبي.

الثاني: أنه قد يكون من باب الإقسام من الله بالرحم،أي: اتقوا الله وحق الرحم كما تقول: افعل كذا وحق أبيك، وقد ورد عن الله تعالى إقسامه ببعض مخلوقاته للتنبيه على أهميتها، وله سبحانه أن يقسم بما يشاء من خلقه.أورده القرطبي.

الثالث: أن تكون تعريضا بعوائد الجاهلية، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم، فناقضت أفعالهم أقوالهم، وأيضا هم قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وظلموه، وهو من ذوي رحمهم وأحق الناس بصلتهم
الرابع: إِنما أراد حمزة الخبر عن الأمر القديم الذي جرت عادتهم به، فالمعنى: الذي كنتم تساءلون به وبالأرحام في الجاهلية...قاله ابن الأنباري

الخامس: إن الآية لم تأت في القسم بغير الله، وإنما أتت في التساؤل بغير الله، والتساؤل غير القسم، فهي استعطاف وليس يمينا ، واستدل أصحاب هذا القول بما جاء عن عمرو بن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قضى صلاته: «اللهم إني أسألك بحقّ السائلين عليك».ولكن عمرو بن عطية العوفي ضعيف.

القراءة الثالثة: قراءة أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: [الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامُ] رفعًا،
قال بن جني عن أبي الفتح: ينبغي أن يكون رفعه على الابتداء وخبره محذوف، وحسن رفعه لأنه أوكد في معناه.

والمعنى: والأرحام أهل أن توصل وهي مما يجب أن تتقوه، وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه.
وهذه القراءة مما لم يقرأ به الآن.

ومما هو معلوم أن تعدد القراءات يزيد في المعنى ويثريه ويمكننا الجمع بينها جميعا .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 ربيع الثاني 1441هـ/3-12-2019م, 01:42 PM
ماهر القسي ماهر القسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 467
افتراضي الطالب ماهر غازي القسي

وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).


( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
تخريج الأقوال
روى القرطبي في كتابه : وَرَوَى غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ، وَرُوحُهُ جِبْرِيلُ.
وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ.
قال الحَسَنِ والرَّبِيعِ وابْنِ زَيْدٍ. هو اللَّهُ تَعالى،
الدر المنثور للسيوطي : وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: القُدْسُ هو الرَّبُّ تَعالى.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: القُدْسُ الطُّهْرُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: القُدْسُ البَرَكَةُ.

توجيه الأقوال
- لأنه من عند الله :
وإنما سمى الله تعالى جبريل"روحا" وأضافه إلى"القدس"، لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك"روحا"، وأضافه إلى"القدس"
- القدس والقدوس بمعنى واحد :
روح المعاني للآلوسي : وقالَ مُجاهِدٌ والرَّبِيعُ: القُدُسُ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى كالقُدُّوسِ،
قالَ ابْنُ زَيْدٍ: القُدُسُ والقُدُّوسُ واحِدٌ. النكت والعيون للماوردي

الترجيح
لا يوجد ترجيح للأقوال وإنما تصح المعاني المذكورة ( الطهارة ، الله ، البركة ) . وابن عاشور رجح أن يكون المراد هو الطهر
فمعنى الله تكون الروح منه والله خالق هذه الروح وواهبها بدون أسباب , ومعنى الطهارة تكون الروح مطهرة منزهة , ومعنى البركة أنها مبارك فيها ، وهذه الأقوال :

الأول : القدس ( الله )
- الطبري :حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿وأيدناه بروح القدس﴾ ، قال: الله، القدس، وأيد عيسى بروحه، قال: نعت الله، القدس. وقرأ قول الله جل ثناؤه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣] ، قال: القدس والقدوس، واحد.
- الطبري : حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، [عن هلال] بن أسامة، عن عطاء بن يسار قال، قال كعب: الله، القدس.(٨)
ابن عطية : وقالَ الرَبِيعُ، ومُجاهِدٌ: "القُدُسِ" اسْمٌ مِن أسْماءِ اللهِ تَعالى كالقُدُّوسِ، والإضافَةُ عَلى هَذا إضافَةُ المَلِكِ إلى المالِكِ، وتَوَجَّهَتْ لِما كانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ مِن عِبادِ اللهِ تَعالى، وقِيلَ: "القُدُسِ" الطَهارَةُ، وقِيلَ: القُدُسُ البَرَكَةُ.
- ابن عثيمين : * أولًا: أن روح القدس أي الروح المضافة إلى الله، وعلى هذا القول تكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، والله تبارك وتعالى قُدُس وقُدُّوس، ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣].

الثاني : القدس ( الطهارة )
- ابن عاشور : والقُدُسُ بِضَمَّتَيْنِ وبِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرٌ أوِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى النَّزاهَةِ والطَّهارَةِ. والمُقَدَّسُ المُطَهَّرُ وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] ورُوحُ القُدُسِ رُوحٌ مُضافٌ إلى النَّزاهَةِ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ الرُّوحُ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ في بَطْنِ مَرْيَمَ فَتَكُونُ مِنهُ عِيسى وإنَّما كانَ ذَلِكَ تَأْيِيدًا لَهُ لِأنَّ تَكْوِينَهُ في ذَلِكَ الرُّوحِ اللَّدُنِّيِّ المُطَهَّرِ هو الَّذِي هَيَّأهُ لِأنْ يَأْتِيَ بِالمُعْجِزاتِ العَظِيمَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ جِبْرِيلَ والتَّأْيِيدُ بِهِ ظاهِرٌ لِأنَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالوَحْيِ ويَنْطِقُ عَلى لِسانِهِ في المَهْدِ وحِينَ الدَّعْوَةِ إلى الدِّينِ وهَذا الإطْلاقُ أظْهَرُ هُنا، وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثٌ في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَوْفِيَ أجَلَها» .
وعَلى كِلا الوَجْهَيْنِ فَإضافَةُ رُوحٍ إلى القُدُسِ إمّا مِن إضافَةِ ما حَقُّهُ أنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا إلى ما حَقُّهُ أنْ تُشْتَقَّ مِنهُ الصِّفَةُ ولَكِنِ اعْتَبَرَ طَرِيقَ الإضافَةِ إلى ما مِنهُ اشْتِقاقُ الصِّفَةِ لِأنَّ الإضافَةَ أدَلُّ عَلى الِاخْتِصاصِ بِالجِنْسِ المُضافِ إلَيْهِ لِاقْتِضاءِ الإضافَةِ مُلابَسَةَ المُضافِ بِالمُضافِ إلَيْهِ وتِلْكَ المُلابَسَةُ هُنا تَئُولُ إلى التَّوْصِيفِ وإلى هَذا قالالتَّفْتَزانِيُّ في شَرْحِ الكَشّافِ وأنْكَرَ أنْ يَكُونَ المُضافُ إلَيْهِ في مِثْلِهِ صِفَةً حَقِيقَةً حَتّى يَكُونَ مِنَ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ.
- ابن عطية : القدس تعني الطهارة

الثالث : القدس تعني البركة
- ابن عطية : القدس : البركة


( 2) قول الحسن ( أكالون للسحت ) أكالون للرشى
تخريج القول
الطبري : حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله:"سماعون للكذب أكَّالون للسحت"، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.

شواهد لقول الحسن
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"سماعون للكذب أكالون للسحت"، قال: كان هذا في حكّام اليهودِ بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرُّشَى.
حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال:"السحت"، الرشوة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:"أكالون للسحت"، قال: الرشى.
حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق= وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"أكالون للسحت"، قال:"السُّحت"، الرشوةُ.
حدثنا سفيان قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال:"السحت"، الرشوة.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال: "السحت"، الرُّشَى؟ قال: نعم.

ترجيح
المراد بالسحت هنا هو الحرام والرشوة أحد أنواعها وأعظمها
ابن كثير : ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أَيِ: الْحَرَامِ، وَهُوَ الرِّشْوَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
الطبري : حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموال، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: أنّ رسول الله ﷺ قال: كُلُّ لحم أنبَته السُّحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم.
- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الجبار بن عمر، عن الحكم بن عبد الله قال: قال لي أنس بن مالك: إذا انقلبت إلى أبيك فقل له: إياك والرشوة، فإنها سحت= وكان أبوه على شُرَط المدينة.
- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمار الدُّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت عبد الله عن"السحت"، فقال: الرجل يطلب الحاجةَ للرجل فيقضيها، فيهدي إليه فيقبلُها. - حدثنا سوّار قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال:"السحت"، الرشى.
- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"السحت"، قال: الرشوة في الدِّين.
- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة قال، قال عمر: [ما كان] من"السحت"، الرشى ومهر الزانية.

والسُّحْتُ يَشْمَلُ جَمِيعَ المالِ الحَرامِ، كالرِّبا والرَّشْوَةِ وأكْلِ مالِ اليَتِيمِ والمَغْصُوبِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ سُحْتٌ بِسُكُونِ الحاءِ وقَرَأهُ الباقُونَ بِضَمِّ الحاءِ إتْباعًا لِضَمِّ السِّينِ.

ابن عطية : قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -:
وكُلُّ ما ذُكِرَ في مَعْنى السُحْتِ فَهو أمْثِلَةٌ؛ ومِن أعْظَمِها الرِشْوَةُ في الحُكْمِ؛ والأُجْرَةُ عَلى قَتْلِ النَفْسِ؛ وهو لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ كَسْبٍ لا يَحِلُّ.

من قال بأن الرشوة في الحكم فهو غلط وتخصيص بغير مخصص
الطبري : حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"أكالون للسحت"، قال: الرشوة في الحكم، وهم يهود.
الطبري حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرشوة سُحت. قال مسروق: فقلنا لعبد الله: أفي الحكم؟ قال: لا ثم قرأ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٤] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٥] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٧] .
الطبري : حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.

توجيه الأقوال

القول الأول : أصل"السحت": كَلَبُ الجوع، يقال منه:"فلان مسحُوت المَعِدَة"، إذا كان أكولا لا يُلْفَى أبدًا إلا جائعًا، وإنما قيل للرشوة:"السحت"، تشبيهًا بذلك، كأن بالمسترشي من الشَّره إلى أخذ ما يُعطاه من ذلك، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشَّرَه إلى الطعام. يقالُ منه:"سحته وأسحته"، لغتان محكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب:
وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَع ... مِنَ الْمَالِ إلا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ(١٤)
يعني بِ"المسحت"، الذي قد استأصله هلاكًا بأكله إياه وإفساده، ومنه قوله تعالى: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [سورة طه: ٦١] . وتقول العرب للحالق:"اسحت الشعر"، أي: استأصله. الطبري
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ كَلَبُ الْجُوعِ، يُقَالُ رَجُلٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ أَيْ أَكُولٌ، فَكَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي وَآكِلِ الْحَرَامِ مِنَ الشَّرَهِ إِلَى مَا يُعْطَى مِثْلَ الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَةِ مِنَ النَّهَمِ.

والرشوة أنواع :
- ومنه : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رِشْوَةُ الْحَاكِمِ مِنَ السُّحْتِ. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السُّحْتُ؟ قَالَ: (الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ).
- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: السُّحْتُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ حَاجَةً فَيُهْدِيَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَيَقْبَلُهَا.
- وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: مِنَ السُّحْتِ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِجَاهِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَسْأَلُهُ إِنْسَانٌ حَاجَةً فَلَا يَقْضِيهَا إِلَّا بِرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا.

وليس من الرشوة من يطالب بحق
وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الرِّشْوَةُ حَرَامٌ فِي كُلِّ شي؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنَ الرِّشْوَةِ أَنْ تَرْشِيَ لِتُعْطَى مَا لَيْسَ لَكَ، أَوْ تَدْفَعُ حقا فد لَزِمَكَ، فَأَمَّا أَنْ تَرْشِيَ لِتَدْفَعَ عَنْ دِينِكَ ودمك ومالك فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْفَقِيهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ وَقَالَ: إِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ

القول الثاني :
﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ عَلَى التَّكْثِيرِ. وَالسُّحْتُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَيُسْحِتَكُمْ بعذاب"(٢). وقال الفرزدق: وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ ... مِنَ المال إلا مسحتا أو مجلف
كَذَا الرِّوَايَةُ. أَوْ مُجَلَّفٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى لَمْ يَدَعْ لَمْ يُبْقِ. وَيُقَالُ لِلْحَالِقِ: أَسْحَتَ أَيِ اسْتَأْصَلَ.
ابن عاشور : ومَعْنى ﴿أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] أخّاذُونَ لَهُ، لِأنَّ الأكْلَ اسْتِعارَةٌ لِتَمامِ الِانْتِفاعِ.
والسُّحْتُ بِضَمِّ السِّينِ وسُكُونِ الحاءِ الشَّيْءُ المَسْحُوتُ، أيِ المُسْتَأْصَلُ. يُقالُ: سَحَتَهُ: إذا اسْتَأْصَلَهُ وأتْلَفَهُ. سُمِّيَ بِهِ الحَرامُ لِأنَّهُ لا يُبارَكُ فِيهِ لِصاحِبِهِ، فَهو مَسْحُوتٌ ومَمْحُوقٌ، أيْ مُقَدَّرٌ لَهُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا﴾

لماذا سمي الحرام سحتاً ؟
وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ الطَّاعَاتِ أَيْ يُذْهِبُهَا وَيَسْتَأْصِلُهَا.
وَقِيلَ: سُمِّيَ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ الْإِنْسَانِ.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ بِذَهَابِ الدِّينِ تَذْهَبُ الْمُرُوءَةُ، وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ.


( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

تخريج
الطبري : حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
السيوطي : وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿والأرْحامَ﴾ قالَ: اتَّقُوا الأرْحامَ أنْ تَقْطَعُوها.

توجيه
- قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبًا بمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب على اسم الله تعالى ذكره.
قال الفراء : والقراءة التي لا نستجيز لقارئٍ أن يقرأ غيرها في ذلك، النصب: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾ ، بمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيّ في حال الخفض، إلا في ضرورة شعر، على ما قد وصفت قبل.
- ابن كثير : الجُمْهُورِ يَكُونُ“ الأرْحامَ ”مَأْمُورًا بِتَقْواها عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ أيِ اتِّقائِها، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيِ اتِّقاءِ حُقُوقِها، فَهو مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالآيَةُ ابْتِداءُ تَشْرِيعٍ وهو مِمّا أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾
اتَّقُوُا اللَّهَ والأرْحامَ وصِلُوها ولا تَقْطَعُوها فَإنَّ قَطِيعَتَها مِمّا يَجِبُ أنْ يُتَّقى وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ والضَّحّاكِ والفَرّاءِ والزَّجّاجِ.
- وقَدْ جَوَّزَ الواحِدِيُّ نَصْبَهُ عَلى الإغْراءِ، أيْ: والزَمُوُا الأرْحامَ وصِلُوها.

ترجيح
- معاني النصب الثلاثة ( اتقوا الأرحام أن تقطعوها , اتقوا حقوق الأرحام , الزموا الأرحام وصلوها ) كلها معانٍ مرادة .
- القراءتين بالنصب وبالرفع من القراءات العشر المتواترة , وتصح كلاهما ولا ترجيح لواحدة على أخرى , وكلا المعنيين مرادين في الآية .
- قراءة الرفع من غير القراءات المتواترة ولا تجوز القراءة به .

أقوال أخرى
قراءة الخفض :

ابن كثير : وَقَرَأَ(١٥) بَعْضُهُمْ: ﴿وَالْأَرْحَامِ﴾ بِالْخَفْضِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ، أَيْ: تَسَاءَلُونَ بِاللَّهِ وَبِالْأَرْحَامِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الأرْحامِ أيِ الَّتِي يَسْألُ بَعْضُكم بَعْضًا بِها، وذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ (ناشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ) كَما رُوِيَ في الصَّحِيحِ: «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ حِينَ قَرَأ عَلى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ سُورَةَ فُصِّلَتْ حَتّى بَلَغَ ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَقُلْ أنْذَرْتُكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] فَأخَذَتْ عُتْبَةَ رَهْبَةٌ وقالَ: ناشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ» . وهو ظاهِرُ مَحْمَلِ هَذِهِ الرِّوايَةِ وإنْ أباهُ جُمْهُورُ النُّحاةِ اسْتِعْظامًا لِعَطْفِ الِاسْمِ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ، حَتّى قالَ المُبَرِّدُ“ لَوْ قَرَأ الإمامُ بِهاتِهِ القِراءَةِ لَأخَذْتُ نَعْلِي وخَرَجْتُ مِنَ الصَّلاةِ " وهَذا مِن ضِيقِ العَطَنِ وغُرُورٍ بِأنَّ العَرَبِيَّةَ مُنْحَصِرَةٌ فِيما يَعْلَمُهُ، ولَقَدْ أصابَ ابْنُ مالِكٌ في تَجْوِيزِهِ العَطْفَ عَلى المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ، فَتَكُونُ تَعْرِيضًا بِعَوائِدِ الجاهِلِيَّةِ، إذْ يَتَساءَلُونَ بَيْنَهم بِالرَّحِمِ وأواصِرِ القَرابَةِ ثُمَّ يُهْمِلُونَ حُقُوقَها ولا يَصِلُونَها، ويَعْتَدُونَ عَلى الأيْتامِ مِن إخْوَتِهِمْ وأبْناءِ أعْمامِهِمْ، فَناقَضَتْ أفْعالُهم أقْوالَهم، وأيْضًا هم آذَوُا النَّبِيءَ ﷺ وظَلَمُوهُ، وهو مِن ذَوِي رَحِمِهِمْ وأحَقُّ النّاسِ بِصِلَتِهِمْ كَما قالَ تَعالى ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] وقالَ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] . وقالَ ﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: ٢٣] . وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ مَعْنى الآيَةِ تَتِمَّةً لِمَعْنى الَّتِي قَبْلَها.

قراءة الرفع
وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ "والأرْحامُ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: والأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ، أو كذلك

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 11 ربيع الثاني 1441هـ/8-12-2019م, 09:29 PM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

واجبات التخريج:



التطبيق الرابع مهارات التخريج:


المجموعة الأولى


قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين


تخريج الأثر:


رواه الطبري عن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد


1-عن محمد بن عمروقال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : تماما على الذي أحسن : على المؤمنين.


2- عن المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل عن ابن أبن نجيح عن مجاهد: قال: على المؤمنين والمحسنين.


رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن نجيح عن مجاهد


عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد قال: على المؤمنين.


الحكم على الرواية:


الأثر عن محمد بن عمرو حسن من أجل عيسى بن ميمون، ومحمد بن عمرو الباهلي، وأن ابن نجيح لم يسمع من مجاهد ولكن أخذه عن القاسم الذي سمعه من مجاهد والله أعلم


عيسى بن ميمون المكي- قال عباس الدوري عن يحيي بن معين: ليس به بأس.


قال أبوحاتم: ثقة وهو أحب إلى في ابن أبي نجيح من ورقاء.


والأثر عن أبي حذيفة هو موسى بن مسعود النهدي ضعيف يُكتب حديثه، ويعتبر به.


توجيه قول مجاهد:


وكأن مجاهدا وجه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده، أي: تماماً لكل محسن. وهو في هذا يوافق الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود " تماما على الذين أحسنوا"وقيل : إن العرب تفعل ذلك خاصة في " الذي " وفي " الألف واللام " ، إذا أرادت به الكل والجميع.


ويمكن على هذا القول، يكون «الذي» بمعنى «مَن» ، و «على» بمعنى لام الجر ومن هذا قول العرب: أتم عليه، وأتم له. قال ابن قتيبة: ومثل هذا أن تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج تريد: للغازين والحاجِّين


أقوال أخرى في الأية:


بقوله: أَحْسَنُ


أحدها: أنه الله عزّ وجلّ: ثم في معنى الكلام قولان:


أحدهما: تماماً على إحسان الله إلى أنبيائه، قاله ابن زيد. والثاني: تماما على إحسان الله تعالى إلى موسى وعلى هذين القولين، يكون «الذي» بمعنى «ما» .


. ثم في معنى: «أحسن» قولان: أحدهما: أَحْسَنَ في الدنيا بطاعة الله عزّ وجلّ. قال الحسن، وقتادة: تماما لكرامته في الجنة إلى إحسانه في الدنيا. وقال الربيع: هو إحسان موسى بطاعته. وقال ابن جرير: تماماً لنعمنا عنده على إحسانه في قيامه بأمرنا ونهينا.:


والثاني :أحسن في العلم وكُتُبَ اللهِ القديمةِ وكأنه زيد على ما أحسنه من التوراة ويكون «التمام» بمعنى الزيادة، ذكره ابن الانباري. فعلى هذين القولين، يكون «الذي» بمعنى: «ما


والقول الثاني: أنه إبراهيم الخليل عليه السلام فالمعنى: تماماً للنعمة على إبراهيم الذي أحسن في طاعة الله، وكانت نُبُوَّة موسى نعمة على إبراهيم، لأنه من ولده، ذكره الماوردي.


والقول الثالث: أنه كل محسن من الانبياء، وغيرهم- ويدخل فيه قول مجاهد-


وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رزين، والحسن، وابن يعمر: «على الذي أحسنُ» ، بالرفع


قال الزجاج: معناه: على الذي هو أحسن الأشياء. وقرأ عبد الله بن عمرو، وأبو المتوكل، وأبو العالية: «على الذي أُحْسِنَ» برفع الهمزة وكسر السين وفتح النون وهي تحتمل الإحسان، وتحتمل العلم.


الراجح:


أن الآية تحتمل كل الأقوال المذكورة فالله سبحانه وتعالى أحسن إلى أنبيائه وهداهم ونصرهم وفضلهم على بقية خلقه، وكان فضله على من اتبعهم واهتدى بهديهم، قال تعالى: " أولئك الذي هدى الله فبهداهم اقتده"،


وكذلك سبحانه أحسن إلى عباده الصالحين وهداهم لما يحب ويرضى، وجعل لهم الأنبياء قدوات ومنارات، وأنزل عليه الكتب للهداية والإرشاد.


قال في التحرير والتنوير: " والموصول في قوله : على الذي أحسن مراد به الجنس ، فلذلك استوى مفرده وجمعه . والمراد به هنا الفريق المحسن ، أي تماما لإحسان المحسنين من بني إسرائيل ، فالفعل منزل منزلة اللازم ، أي الذي اتصف بالإحسان".


قول محمد بن كعب القرظي: {منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن


تخريج الأثر:


رواه الطبري من من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي


قال الطبري: حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا منصور بن حكيم، عن خارجة، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال: ليس كل الناس سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن المنادي القرآن


رواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي


عن ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قوله : ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان، قال: هو الكتاب.


تخريج الأثر:


منصور بن حكيم:


قال الذهبي: منصور بن حكيم نكرة متهم


وفي المغني في الضعفاء: منصور بن حكيم نكرة متهم


موسى بن عبيدة


في الطبقات ضعيف


وفي التاريخ الكبير: منكر الحديث قاله ـحمد بن حنبل، وقال ابن المديني عن القطان: كنا نتقيه تلك الأيام.


وفي الجرح والتعديل: صدوق ليس بحجة.


ويبدو لنا أن خطأ الرواية من موسى بن عبيدة وعليه تدور الروايتين ولا يمكن الجزم بصحة نسبتها إلى محمد بن كعب القرظي.


توجية قول محمد بن كعب القرظي:


وإن لم نثبت صحة القول للقرظي إلا أن المعنى صحيحاً وجاء في الآيات القرآنية، قال تعالى: " يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام " أي يهديهم القرآن كما قال ابن كثير.


أقوال أخرى في المنادي:


روي عن ابن جريج وابن زيد وابن وهب أنه النبي صلى الله عليه وسلم


وعلق الطبري :وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول محمد بن كعب، وهو أن يكون " المنادي" القرآن. لأن كثيرًا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه، ولكنه القرآن، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرًا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا: "إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ"


وهو قول ابن كثير، والقرطبي وقال: هو قول أكثر المفسرين، وقول البغوي والسعدي.


وهذا القول لا يعارض أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم فهو المبلغ عن ربه كتابه وشرعه ، والله تعالى يقول: " ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته".



(قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم


تخريج الأثر:


رواه الطبري من طريق زمعة عن ابن طاوس عن أبيه.


حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبدالرحمن، قال: ثنا زمعة، عن ابن طاوس عن أبيه، قال: الحفدة والخدم.


الحكم على الرواية:


زمعة بن صالح الجندي اليماني ضعيف يعتبر به، الأثر له شواهد فيُقبل المتن.


قال عبدالله بن أحمد في الجرح والتعديل: " عن أبيه: ضعيف"


قال البخاري: " يخالف في حديثه تركه ابن مهدي أخيرا"


قال أبو داود: صالح أحب إلي من زمعة، أنا لا أخرج جديث زمعة


قال الجوزجاني: " متماسك"وقال أبو حام: ضعيف الحديث


توجيه قول طاووس عن أبيه:


قال الأصفهاني: حفدة جمع حافد وهو المتحرك المتبرع بالخدمة، فالقول له أصل في اللغة.


الأقوال الأخرى في الآية:


1-جاء عن ابن حبيش عن عبدالله وعن زر وأبي الضحى وابراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعن عكرمة عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن علي أنهم الأختان أو الأصهار.


2-جاء عن مجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس وابن زيد وعكرمة هم ولد الرجل وولد ولده


3-وعن عباس أنهم بنو امرأة الرجل من غيره.


الراجح


الأصل اللغوي بمعنى الخدمة، ووكذلك أبناء ولد الرجل وولد ولده وبنو امرأة الرجل من غيره كلهم يدخلوا في هذا المعنى، ويقول الأصفهاني: المتبرع بالخدمة أقارب كانوا أو أجانب، قال المفسرون: هم الأسباط ونحوهم، وذلك لأن خدمتهم أصدق، وفلان محفود أي مخدوم وهو الأختان والأصهار، وفي الدعء نسعى إليك ونحفد، وسيف محتفد سريع القطع، قال الأصمعي: أصل الحفد مداركة الخطو.ا.ه


وهذا ما ذهب إليه الطبري، وقال ابن كثير: " فمن جعل ( وحفدة ) متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ; لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال الشعبي والضحاك فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجره وفي خدمته . وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] والسلام في حديث بصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود".


وأما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 16 ربيع الثاني 1441هـ/13-12-2019م, 01:23 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيثم محمد مشاهدة المشاركة
المجموعة الثالثة:
( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ.

تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: السَّكَر: النبيذ والرزق الحسن: التمر الذي كان يؤكل.
هذان طريقان عن مجالد.
يكون التخريج: رواه ابن جرير من طريق مجالد عن الشعبي، قال: السَّكر: النبيذ.
وروى ابن جرير أيضا من طريق أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن أبي رَوْق، عن الشعبيّ، قال: قلت له: ما تتخذون منه سَكَراً؟ قال: كانوا يصنعون من النبيذ والخلّ قلت: والرزق الحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التمر والزبيب.
وروى ابن جرير أيضا من طريق داود الواسطيّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال: أبو رَوْق: ثني قال: قلت للشعبيّ: أرأيت قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} أهو هذا السَّكَر الذي تصنعه النَّبَط؟ قال: لا، هذا خمر، إنما السكر الذي قال الله تعالى ذكره: النبيذ والخلّ والرزق الحسن: التمر والزبيب.
[لاحظ الفرق بين طريق مجالد، وطريق أبي روق.
الأول: لفظ النبيذ عام، لأن النبيذ من " النبذ" أي إلقاء الثمر في سائل ليُحلى به، فإن تُرك مدة طويلة يُسكر أما استعماله بعد مدة قصيرة كما نضع التمر في الماء مدة ساعات أو يوم فلا يُسكر.
أما الثاني: فالأغلب أن الشعبي أراد به غير المسكر لأنه فرق بينه وبين الخمر.
والمطلوب تخريج القول الوارد في رأس السؤال بنصه ومن ثمّ بيان بقية الأقوال والتمييز بينها]

الحكم على الأثر:
لا تصح أي رواية مما سبق ذكره.
ابن وكيع: ترك الرواية عنه أبو زرعة، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "سألت أبا زرعة عنه فقال: لا يشتغل به، قيل له كان يكذب، قال كان أبوه رجلاً صالحاً. قيل له كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم"، ونقله عنه المزي في تهذيب التهذيب، ونقل الذهبي في ميزان الاعتدال عنه أنه قال "يتهم بالكذب"، وفي أسماء الضعفاء لابن الجوزي قال عنه "لا يشتغل به. قيل له كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم".
أبو أسامة: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل: سَمِعت أبي يَقُول كَانَ أَبُو أُسَامَة ضابطا للْحَدِيث كيسا، وقال أيضا: قَالَ أبي كانَ أَبُو أُسَامَة ثبتا صَحِيح الْكتاب.
أحمد بن بشير: ذكر العقيلي في الضعفاء تضعيف يحيى بن معين له، ونقل عن عثمان بن سعيد أنه متروك، ونقل ابن الجوزي في العلل المتناهية عن ابن عدي: "قال عُثْمَان الدارمي ويحيى بْنُ مَعِينٍ أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ متروك".
مجالد: ذكر العقيلي في الضعفاء تضعيف الإمام أحمد وابن معين ويحيى بن سعيد له، ونقل عن الإمام أحمد قوله: كَمْ مِنْ عَجُوبَةٍ لِمُجَالِدٍ، وعن يحيى قوله: مُجَالِدٌ لَا أَحْتَجُ بِحَدِيثِهِ، وفي العلل ومعرفة الرجال لابن حنبل: ومجالد عَن الشّعبِيّ وَغَيره، ضَعِيف الحَدِيث، وقال الترمذي في العلل الكبير: وَأَنَا لَا أشْتَغِلُ بِحَدِيثِ مُجَالِد.
مندل بن علي العنزي أبو عبد الله الكوفي، قَالَ العقيلي في الضعفاء: عن يَحْيَى قَالَ: مِنْدَلٌ، وَحَبَّانُ ضَعِيفَا الْحَدِيثِ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "سئل أبو زرعة عن مندل فقال: لين" وكذا في ميزان الاعتدال، وقال في تهذيب التهذيب "لين الحديث"، ونقل ابن الجوزي في أسماء الضعفاء عنه أنه قال: "ليس بالقوي"، وقال الترمذي في العلل الكبير: "سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: مِنْدَلٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. أَنَا لَا أَكْتُبُ حَدِيثَهُ".
أبو روق: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل: سُئِلَ عَن أبي روق قَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس.
الشعبي: هو عامر بن شراحيل، قال أبو زرعة: كوفي ثقة.

توجيه القول:
وجه القرطبي القول بأن النبيذ سمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم، وقال ابن العربي: أن الله امتن على عباده بما خلق لهم، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل، ولذلك استدل بها أصحاب أبي حنيفة على جواز ما دون المسكر من النبيذ، وعلى هذا القول تكون الآية محكمة لا نسخ فيها.
وقد ذكر الطبري أن هذا التأويل محتمل من كلام العرب، واختار هذا القول ورجحه بقوله: "وقال آخرون: السَّكَرَ: هو كلّ ما كان حلالاً شربه، كالنبيذ الحلال والخلّ والرطَب. والرزق الحسن: التمر والزبيب". ثم قال: "وهذا التأويل عندي هو أولى الأقوال بتأويل هذه الآية، وذلك أن السَّكَر في كلام العرب على أحد أوجه أربعة: أحدها: ما أسكر من الشراب. والثاني: ما طُعِم من الطعام، كما قال الشاعر: جَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا
أي طعما. والثالث: السُّكُون، من قول الشاعر: جَعَلْتُ عَيْنَ الحَرُورِ تَسْكُرُ
والرابع: المصدر من قولهم: سَكَر فلان يَسْكَر سُكْرا وسَكْرا وسَكَرا، فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يُسْكِر من الشراب حراما وكان غير جائز لنا أن نقول: هو منسوخ، إذ كان المنسوخ هو ما نفى حكمه الناسخ، وما لا يجوز اجتماع الحكم به وناسخه، ولم يكن في حكم الله تعالى ذكره بتحريم الخمر دليل على أن السَّكَر الذي هو غير الخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام، إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كلّ ما طعم، ولم يكن مع ذلك، إذ لم يكن في نفس التنزيل دليل على أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت عليه الأمة، فوجب القول بما قلنا من أن معنى السَّكَر في هذا الموضع: هو كلّ ما حلّ شربه، مما يتخذ من ثمر النخل والكرم، وفسد أن يكون معناه الخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السَّكَر نفسه، إذ كان السَّكَر ليس مما يتخذ من النَّخْل والكَرْم، ومن أن يكون بمعنى السكون".

فيتبين من كلام الطبري وترجيحه أن هذا القول محتمل لكلام العرب، وأن للخروج من القول بالنسخ بلا ضرورة، كما أنه أنسب لمعنى الامتنان المسوقة الآيات لبيان بعض وجوهه، فتكون ألصق بالسياق.

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: أنه الْخَمْرُ أو ما حرم من ثمرتهما، وهو قول ابْنُ مَسْعُود، وَابْنُ عُمَر، وَابْنُ عَبَّاس وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى، والكلبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقال قتادة: أَنَّهُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ، وهو اختيار جمهور المفسرين والفقهاء.
وهذا القول فيه وجهان:
- أن تكون الآية محمولة على الابتداء إذ كانت الأشربة مباحة ثم نسخت بتحريم الخمر فِي سُورَة الْمَائِدَة، فإن الآية مكية باتفاق من العلماء، وتحريم الخمر مدني، وهذا قول إبراهيم النخعي والشعبي وأبو زين والحسن ومجاهد.
- وإما أن يكون خبر معناه الاستفهام، بمعنى الإنكار والتوبيخ، فيكون المعنى: أتتخذون منه سكرًا وتدعون رزقًا حسنًا، كقوله تعالى: {أفَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34]، فجمع بين العتاب والمنة، ويؤيد هذا المعنى أنها خبر كما أشار أبو الوفاء ابن عقيل بقوله: "لَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ السُّكْرِ، إِنَّمَا هِيَ مُعَاتَبَةٌ وَتَوْبِيخٌ".

القول الثالث: أَنَّ السَّكَرَ: الطَّعْمُ، وهو قول أبو عبيدة بقوله: "السكَر: الطُّعم، يقال: هذا سَكَر لك أي طُعم. وأنشد: جعلتَ عَيْبَ الأكْرَمِين سَكَراً". أي جعلتَ ذمهم طُعماً، وقال الأخفش: "سَكَراً طعاماً"، وهو اختيار النحاس في ناسخه، والطبري ضمن القول الأول، وعليه الآية محكمة لا نسخ فيها.
وممن رد هذا القول القتبي بقوله: "لست أدري هذا"، والزجاج بقوله: "قول أبي عبيدة هَذَا، لا يُعرف، وأهل التفسير عَلَى خلافه، ولا حجة له فِي البيت الذي أنشده؛ لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب النَّاس".

القول الرابع: أن السكر: الخل بلغة الحبشة، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، ونسبه بعض المفسرين للحسن والضحاك وابن عمر، وهو يرجع للقول الأول، فلا نسخ في الآية.

الراجح:
الراجح –والله أعلم- هو القول الثاني، أن المراد بالسكر هو الخمر، لما يلي من وجوه:
الأول: ضعف الروايات الواردة في القول بأنه النبيذ، كما سبق بيانه، وضعف الأحاديث التي استدل بها الأحناف على هذا القول.
الثاني: أنه قول الجمهور من السلف والمفسرين والفقهاء، كما بينا، والموافق لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من إطلاق اسم الخمر على ما أسكر قليله أو كثيره.
الثالث: أنه في الآية إشارة لتحريم الخمر وليست دليلا على الإباحة، لأنه تعالى ميز بينها وبين الرزق الحسن، فعلى القول بأن العطف يفيد المغايرة وبحسب مفهوم المخالفة، فهي ليست رزقا حسنا، وذلك ذم لها لا مدح كما قال عمر.
الرابع: أنه ترجيح أهل اللغة، كما ذكر الزجاج وابن قتيبة وغيرهم، بقولهم: أن السكر في الأصل مصدر، ثم سمِّي به الخمر، يقال: سَكرَ يَسْكَرُ سُكْراً وسَكَراً؛ نحو: رَشِد يَرشَدُ رُشْداً ورَشَداً، وأنشدوا:
بِئْسَ الصُّحَاةُ وَبِئْسَ الشَّرْبُ شَرْبُهُمُ ... إِذَا جَرَى فِيهِمُ الْمُزَّاءُ وَالسَّكَرُ
وقال الشاعر:
وَجَاؤُنَا بهم سَكَرٌ عَلَيْنَا ... فَأَجْلَى اليَوْمُ وَالسَّكْرَانُ صَاحِي
الخامس: رد ابن العربي على القول بأنه خبر والأخبار لا تنسخ بقوله: "أَنَّ الْخَبَرَ إذَا كَانَ عَنْ الْوُجُودِ الْحَقِيقِيِّ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ، أَوْ كَانَ عَنْ الْفَضْلِ الْمُعْطَى ثَوَابًا فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ؛ فَأَمَّا إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ فَالْأَحْكَامُ تَتَبَدَّلُ وَتُنْسَخُ جَاءَتْ بِخَبَرٍ أَوْ بِأَمْرٍ، وَلَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى تَكْذِيبٍ فِي الْخَبَرِ أَوْ الشَّرْعِ الَّذِي كَانَ مُخْبَرًا عَنْهُ قَدْ زَالَ بِغَيْرِهِ".
[أحسنت، مع مراجعة معنى النبيذ وأن منه ما يُسكر ومنه ما لا يُسكر]
(2) قول محمد بن سيرين ({السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين).

تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب = وعن أشعث، عن ابن سيرين = في قوله: (والسابقون الأولون)، قال: هم الذين صلوا القبلتين.
هنا إسنادان أيضًا أحدهما عن سعيد بن المسيب، والآخر عن ابن سيرين
وإسناد الطبري وأبي نعيم إلى ابن سيرين يدور حول هشيم؛ فيكون التخريج: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وأبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق هشيم عن أشعث عن ابن سيرين]

وروى ابن جرير أيضا من طريق ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، قال: المهاجرون الأولون: الذين صلوا القبلتين. [وهذا الإسناد حسنه الحويني في تعليقه على تفسير ابن كثير]
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ أَشْعَثُ أَخْبَرَنَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ».

الحكم على الأثر:
الرواية الأولى لابن جرير فيها ضعف للاختلاف في هشيم وفيها مجهول، أما الرواية الثانية فإسنادها صحيح.
عمرو بن عون: ثقة حافظ، قال عنه أبو زرعة: "قل من رأيت أثبت من عمرو بن عون".
هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي: حافظ، قال عنه ابن مهدي: "كان هشيم أحفظ للحديث من الثوري"، وقال ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عن جرير وهشيم؟ فقال: هشيم أحفظ"، وذكر ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أحمد أنه يدلس، وقال الذهبي: حافظ حجة مدلس.
قتادة: قال أحمد بن حنبل: قَتَادَةُ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وقال أبو زرعة: قتادة من أعلم أصحاب الحسن.
أما أشعث فلم أتبين هل هو ابن سوار أم ابن عبد الملك؟ فأذكر كليهما.
أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ: قال ابن أبي حاتم في العلل: "مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَثَّقَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَأَلته عَن أَشْعَث بن سوار فَقَالَ هُوَ أمثل من مُحَمَّد بن سَالم وَلكنه على ذَاك ضَعِيف يَعْنِي الْأَشْعَث".
أَشْعَث بن عبد الْملك: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَأَلت أبي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك الحمراني فَقَالَ أَيّمَا أثبت أَشْعَث بن عبد الْملك أَو أَشْعَث بن سوار فَقَالَ بن سوار ضَعِيف الحَدِيث الحمراني فَوْقه"، وقال أبو زرعة عنه: "صَالح"، وقال الدار قطني في علله: "أَشْعَثُ مِنَ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ".
محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار، ثقة، الحافظ الكبير الإمام (كما في التقريب وتذكرة الحفاظ وتهذيب التهذيب)
معاذ بن معاذ: وثقه الدار قطني في علله، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَمِعت أَبِي يَقُول كَانَ مُعَاذ وَبشر بْن الْمفضل يصليان فِي مَسْجِد وَاحِد فَلَا يخرج بشر ابدًا حَتَّى يخرج مُعَاذ فَإِذا خرج مُعَاذ خرج بشر إعظامًا لَهُ وَكَانَ أسن مِنْهُ".
أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر: لم أقف على ترجمته، ويحتمل أن يكون: ابن المنادى أبو الحسين، وهو ثقة.

توجيه القول:
هو قول متجه على اعتبار (من) في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) تبعيضيه، فيكون كونهم سابقين أي أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين، وقد ضعف هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة حيث قال: (وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة).

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية، وهو قول الشعبي وابْنِ سِيرِينَ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثالث: أنهم أهل بدر، وهو قول عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن كعب القرظي، وهو متضمن في القول الأول.
القول الرابع: أن يكون السابقون الأولون من المهاجرين هم الذين آمنوا بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، والسابقون الأولون من الأنصار هم الذين آمنوا برسول الله ورسوله قبل هجرته إليهم، ذكره الماوردي.
القول الخامس: أنهم المذكورون في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] الآية، أي هم الذين: أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، فيدخل فيهم أهل بيعة الرضوان جميعا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

الراجح:
أن كل الأقوال محتملة الدخول في معنى السابقين، فكل هذه الأوصاف منطبقة على السابقين الأولين من أصحاب النبي، وتعتبر من التفسير بالمثال، وأوجه قول يمكن ترجيحه هو قول ابن تيمية أنهم السابقون إلى الإنفاق والجهاد والبيعة.
[وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن محمد بن كعب القرظي أنهم جميع الصحابة، والأقوال يمكن تصنيفها بحسب تحديد نوع الصفة هل هي كاشفة فتشمل جميع المهاجرين والأنصار، وتكون الأسبقية هنا بالنسبة لسائر الأمة،أو هي مقيدة فتشمل بعضهم دون بعض وتكون الأسبقية لبعض الصحابة على بعض - مع الخلاف في تحديد سبب السبق -]


(3) قول عطاء بن أبي رباح: (التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار)
تخريج الأثر:
رواه يحيى بن سلام في تفسيره من طريق حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَطْعُ الأَظْفَارِ.

أما رواية ابن جرير وابن أبي شيبة فعن عطاء عن ابن عباس -مع تقارب الألفاظ بينهما-:
روى ابن جرير من طريق هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال، في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.
وروى ابن أبي شيبة من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «التَّفَثُ الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ»

والراوية أخرى لابن جرير عن عطاء بن السائب -وليس عطاء بن أبي رباح- من طريق ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، قال: التفث: حلق الشعر، وقصّ الأظفار والأخذ من الشارب، وحلق العانة، وأمر الحجّ كله.
وروى ابن أبي شيبة من طريق أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «الْحَلْقُ وَالذَّبْحُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ»

الحكم على الأثر:
رواية حَمَّاد عن قيس بن سعد ضعيفة، كما قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل في العلل: "سمعته يَقُول قَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان إِن كَانَ مَا يروي حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس بن سعد حَقًا فَهُوَ قلت لَهُ مَاذَا قَالَ ذكر كلَاما قلت مَا هُوَ قَالَ كَذَّاب، قلت لأبي لأي شَيْء هَذَا قَالَ لِأَنَّهُ روى عَنهُ أَحَادِيث رَفعهَا إِلَى عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أبي ضَاعَ كتاب حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس بن سعد فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ من حفظه فَهَذِهِ قَضيته".
وقال أيضا: "سَمِعت أبي يَقُول شيخ يحدث عَنهُ عَبَّاس بن الْفضل يُقَال لَهُ سُلَيْمَان أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ القافلائي يحدث عَن الْحسن وَمُحَمّد فِي الْقرَاءَات قَالَ مَا أرَاهُ إِلَّا ضَعِيف الحَدِيث قَالَ أبي زَعَمُوا أَنه كَانَ يَجِيء إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة فَيَقُول حَمَّاد حَدثنَا قيس بن سعد عَن عَطاء قَالَ فيكتبه ثمَّ يَقُول أَنا قد سمعته من عَطاء قَالَ أبي وَكَانَ قد سمع من عَطاء مَا أرَاهُ إِلَّا لَيْسَ بِشَيْء".
وقال البيهقي: "حماد ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويجتنبون ما تفرد به عن قيس خاصة".
كما أنه لم أجد هذه الرواية في كتب السنن الصحيحة.

أما رواية ابن جرير فقد صحح إسنادها الشيخ الألباني.

توجيه القول:
هذا القول موافق لأقوال أهل اللغة في معنى التفث، فيدخل في باب التفسير اللغوي، ومن أقوالهم ما يلي:
قَالَ صَاحِبُ «اللِّسَانِ»: التَّفَثُ: نَتْفُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، إِلَخْ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: التَّفَثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذْهَابُ الشَّعَثِ.
وَقَالَ قُطْرُب: تَفِثَ الرَّجُلُ إذَا كَثُرَ وَسَخُهُ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ: سَاخِينَ آبَاطَهُمْ لَمْ يَقْذِفُوا تَفَثًا ... وَيَنْزِعُوا عَنْهُمْ قَمْلًا وَصِئْبَانًا
وَقَالَ الْفراء: التّفَثُ نَحْرُ البُدْنِ وَغَيرهَا من الْبَقر وَالْغنم وحَلْق الرَّأْس، وتَقْليم الأظْفار وأشباهه.
وذكر الرازي نقلا عن المبرد: التفث هاهنا فضول الشعر والأظفار من شعر الإبطين والعانة، وأصل التفث في كلام العرب: كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: التَّفَثُ هُوَ الرَّمْيُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالذَّبْحُ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ نَحْوَهُ، وَلَا أُرَاهُ أَخَذُوهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَصْلُ التَّفَثِ فِي اللُّغَةِ الْوَسَخُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ تَسْتَقْذِرُهُ: مَا أَتْفَثَكَ أَيْ مَا أَوْسَخَكَ وَأَقْذَرَكَ.

أما قول ابْنُ الْعَرَبِيِّ: "هَذِهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ عَرَبِيَّةٌ لَمْ يَجِدْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيهَا شِعْرًا، وَلَا أَحَاطُوا بِهَا خَبَرًا"، فهو موافق لقول أبي عبيدة: "إنَّهُ قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، إلَّا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ"، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير.

هذا كلام أهل اللغة في التفث، وقول الزجاج محتمل أن أهل اللغة نقلوه من التفسير وليس له أصل في اللغة يستند عليه، ثم أطلق على أعمال الحج فتكون حقيقته الشرعية التحلل من الإحرام بعد النحر والحلق وإزالة الوسخ والتطهر، كما في أقوالهم الآتية:
وقال النضر بن شميل: التفث: النسك من مناسك الحج، رجل تَفِث: أي: مُغْبرٌّ شعث، لم يدَّهن ولم يستحد.
وقال الأزهري في تهذيب اللغة: لم يفسر أحد من اللغويين التفث كما فسره ابن شميل، جعل التفث الشعث، وجعل قضاءه إذهاب الشعث بالحلق والتَّقْليم وما أشبهه.
وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: التَّفَثُ فِي الْمَنَاسِكِ: مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَالْعَانَةِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَنَحْرِ الْبُدْنِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وقَالَ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ»: التَّفَثُ مُحَرَّكَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ: الشَّعَثُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَحْوِ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَالشَّارِبِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَكَتِفِ الشَّعِثِ وَالْمُغْبَرِّ، اهـ.
وقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ لِيُزِيلُوا عَنْهُمْ أَدْرَانَهُمْ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، إلَّا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ.
وقال ابن الأعرابي في قوله {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قال: قضاء حوائجهم من الحلق والتنظيف وَمَا أشبهه.

فيكون المعنى المراد من القضاء في (ليقضوا تفثهم) هو التأدية، أي ليؤدوا إزالة وسخهم، لأن التفث هو الوسخ والدرن، والشعث والقذارة من طول الشعر والأظفار، وقد أجمع المفسرون على ذلك كما حكى النيسابوري.

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: حَلْقُ الرأس، وهو قول قَتَادَةَ والضحاك.
القول الثالث: حَلْقُ الرأس وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وهو قول مُجَاهِد ومحمد بن كعب القرظي، ومعنى قول ابن جريج وعكرمة، ورواية عطاء عن ابن عباس، رواه الطبري وسعيد بن منصور وعزاه السيوطي لابن أبي شيبة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم.
القول الرابع: التَّفَثُ ذَا الشَّعَثِ وَذَا التَّقَشُّف، أي: إزَالَةُ قَشَفِ الْإِحْرَامِ، مِنْ تَقْلِيمِ أَظْفَارٍ، وَأَخْذِ شَعْرٍ، وَغُسْلٍ، وَاسْتِعْمَالِ طِيب، وهو قول الْحَسَن، ومعنى قول ابن عباس، وابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك، وهو داخل في القول السابق.
القول الخامس: تَقَشُّفُ الإِحْرَامِ بِرَمْيِهِمُ الْجِمَارَ يَوْمَ النَّحْرِ، وهو قول آخر عن الحسن.
القول السادس: وَضْعَ إِحْرَامِهِمْ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وهو قول ابن عباس، وابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك، رواه الطبري وعزاه السيوطي لابن المنذر وابن أبي حاتم، واختيار الزجاج بقوله: "كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال"، وهو مقارب لما سبقه من أقوال.
القول السابع: ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم: من حلق شعر، وأخذ شارب، ورمي جمرة، وطواف بالبيت، وهو قول ابْنُ عُمَر وَسَعِيدُ بْنُ جبير ورواية عن القرظي، وَرواية عكرمة عن ابْنُ عَبَّاس، رواه الطبري وابن أبي شيبة وعزاه السيوطي لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وذكر أيضا عن ابن عمر وَابْنُ عَبَّاس أنه المناسك كلها.

الراجح:
أن القول السابع والأخير عن ابن عمر وابن عباس يشمل جميع الأقوال السابقة فيمكن القول بترجيحه، ولذلك تعقبه ابْنُ الْعَرَبِيِّ بقوله: "لَوْ صَحَّ عَنْهُمَا لَكَانَ حُجَّةً لِشَرَفِ الصُّحْبَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِاللُّغَةِ"، وتكون بقية الأقوال تفسيرا بجزء من المعنى، مع صحتها وموافقتها للمعنى اللغوي للتفث، الذي يعود إلى الخروج من الإحرام إلى الإحلال، وقد أشار إليه القرطبي بقوله: "أَيْ ثُمَّ لِيَقْضُوا بَعْدَ نَحْرِ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ، كَالْحَلْقِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَإِزَالَةِ شَعَثٍ وَنَحْوِهِ".
[يمكن تصنيف الأقوال إلى ثلاثة أقوال:
الأول على اعتبار أن معنى التفث إزالة الوسخ، وتحته بعض الأقوال.
الثاني المناسك كلها، وروي بهذا اللفظ عن ابن عمر.
الثالث ما بقي عليهم من أعمال الحج بعد النحر، على اعتبار أن " ثم " في الآية للترتيب الزمني، والآية قبلها في النحر، وورد نحو هذا القول عن ابن عباس وبعض التابعين.
ووجه الجمع بين الأقوال:
- على القول بأن التفث خروج من الإحرام إلى الإحلال بإزالة الوسخ ونحوه؛ ففي ضمنه أداء للمناسك قبله لأنه لا يصار إليه إلا بعد أداء المناسك.
- أو الجمع بين المعنى اللغوي للتفث والمعنى الشرعي، كما أشار إليه القرطبي.
وعلى الخلاف في معنى " ثمّ " إن كانت للترتيب الزمني، فهي أعمال الحج بعد ذبح الهدي كما ورد في أحكام القرآن للجصاص والكيا الهراسي، وعلى القول بأن "ثم" للترتيب الرتبي أي أن ما بعدها له رتبة أعلى مما قبلها فهو مفهوم بأنه المناسك، وهذا اختاره ابن عاشور]
]

التقويم: أ
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 16 ربيع الثاني 1441هـ/13-12-2019م, 01:27 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة
المجموعة الثالثة:

( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ).

اختلفت الروايات الواردة عن الشعبي في تفسير قول الله تعالى { تتخذون منه سكرًا } على عدة أقوال: [المطلوب تخريج القول المذكور في السؤال، ثم سرد بقية الأقوال في المسألة مع عزوها لقائليها، وليس الروايات عن المفسر المذكور في السؤال فقط]

القول الأول: " السكر: الخمر ".
رواه النسائي من طريق مغيرة عن الشعبي أنه قال «السَّكَرُ خَمْرٌ».(1)
وأشار لهذا القول ابن عطية دون إسناد.
[لست بحاجة لذكر المصدر الناقل وقد وجدتِ القول في مصدر مسند]
القول الثاني: " السكر: النبيذ ".
-رواه ابن جرير من طريق مجالد عن الشعبي أنه قال: " السكر: النبيذ " وقد تفرد به بهذا اللفظ.(2)

القول الثالث: "السكر: النبيذ والخل".
-رواه ابن جرير من طريقين عن أبو [أبي روق] روق عن الشعبي بلفظين متقاربين. (3)
[حبذا لو ذكرتِ الرواية كاملة لأن فيها تفريق الشعبي بين السّكر والخمر]
توجيه الأقوال والروايات:
- من قال أن "سكرًا" تعنى الخمر فقد أول المعنى بأن الآية منسوخة بتحريم الخمر، وقد روى ابن جرير قول الشعبي وغيره في النسخ من طريق مغيرة (4)
[القائلون بأن السّكر بمعنى الخمر لم يجمعوا على نسخ الآية، فمنهم من قال أنها من باب الإخبار ونزلت قبل تحريم الخمر، ومنهم من قال أنها خبر بمعنى التوبيخ، وقد عُطِف السّكر على الرزق الحسن فبينهما مغايرة بأن السّكر ليس حسنًا]

- ومن قال أن السكر تعني " النبيذ" فقد أول المعنى أنه الشراب الحلال مثل منقوع الزبيب أو منقوع التمر، وعلى هذا فالآية ليست منسوخة بل هي في ذكر نعمة الله تعالى من الشراب الحلال. [وهذا ما يجعل رواية مجالد عن الشعبي - في رأس السؤال - مشكلة، لأن النبيذ منه ما يسكر ومنه ما لا يسكر، حسب مدة النقع]
ويصدق هذا القول رواية ابن حجر في فتح الباري عن الشعبي دون إسناد " وهي رواية أبو رواق [أبي روق]عند ابن جرير " ولكنه زاد فيها لفظ " نقيع الزبيب " (5)

والظاهر والله أعلم أن أقرب الروايات للصحة هي رواية " أبو رواق " وأن الخلط في بقية الروايات نشأ عن سوء النقل أو التأويل الخاطىء لمعنى النبيذ أنه الخمر. [النبيذ منه ما يسكر كما سبق بيانه]
وتوجيه هذا في لسان العرب أن "النبذ لغة" هو الطرح، فالنبيذ يقصد به طرح التمر أو الزبيب أو غيرهما في الماء حتى يصير الماء حلوا، فهو ما نبذ من العصير ونحوه.

وقد رجح ابن جرير القول بأن الآية ليست منسوخة وأن حكمها ثابت، وأن معنى " سكرًا" هو كلّ ما حلّ شربه، مما يتخذ من ثمر النخل والكرم،
واحتج في هذا بلغة العرب بأن " سكرًا " ما طُعِم من الطعام،
كما قال الشاعر:
جَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا
أي طعما. وهو المراد في الآية.
- وقد رجح القول بعدم النسخ أيضًا أبو مكي في كتابه ( الهداية إلى بلوغ النهاية ) وكذلك ابن عطية في تفسيره.
[يفرق بين مسألة نسخ الآية، وبين المراد بالسّكر على ما سبق بيانه
وراجعي تحرير الأخ هيثم أعلاه]

ويشهد لصحة هذا القول:
ما رواه عبيد الله عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، أنه قال «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ» صحيح مسلم [احترازًا من أن ما طالت مدته يسكر]

وعن أبي قتادة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلَا الْبُسْرَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَانْبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» سنن النسائي

__________
(1) أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ قَالَا: «السَّكَرُ خَمْرٌ».
(2)حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: السَّكَر: النبيذ والرزق الحسن: التمر الذي كان يؤكل.
(3)حدثني داود الواسطيّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال أبو رَوْق: ثني قال: قلت للشعبيّ: أرأيت قوله تعالى (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا) أهو هذا السكر الذي تصنعه النَّبَط؟ قال: لا هذا خمر، إنما السَّكَر الذي قال الله تعالى ذكره: النبيذ والخلّ والرزق الحسن: التمر والزبيب.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن أبي رَوْق، عن الشعبيّ، قال: قلت له: ما تتخذون منه سَكَرا؟ قال: كانوا يصنعون من النبيذ والخلّ قلت: والرزق الحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التمر والزبيب.
(4)حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن المُغيرة، عن إبراهيم والشعبيّ وأبي رزين، قالوا: هي منسوخة في هذه الآية (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)
(5) وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَقِيلَ لَهُ فِي قَوْله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا أَهُوَ هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ النَّبَطُ قَالَ لَا هَذَا خَمْرٌ وَإِنَّمَا السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ التَّمْرُ وَالْعِنَبُ.

_____________________________________

( 2 ) قول محمد بن سيرين ( {السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين ).

روى هذا القول ابن جرير من طريق أشعث، ثم تكرر ذكر هذا القول في التفاسير ولكن دون إسناد.
ومن تلك التفاسير: تفسير ابن أبي حاتم، أبي جعفر النحاس، الثعلبي، أبو محمد مكي. [لا حاجة للنقل عن مصدر ناقل،
ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من نفس الطريق]


الحكم على الرواي:
أشعث بن سوار من المختلف فيهم والأكثر على تضعيفه، ولكن يحيى بن معين وثقه.

الأقوال الأخرى في المسألة:
حكى ابن جرير الطبري الخلاف في المراد بالسابقون الأولون عن السلف ونسب لهم الأقوال من عدة طرق، وصنفهم على قولين :
الأول: الذين صلوا القبلتين. قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين.
الثاني: الذين شهدوا بيعة الرضوان. قاله الشعبي.

وروى تلك الأقوال الثعلبي ونسبها للسلف ولكن دون إسناد، [طالما لم يروِ القول بإسناده فهو ناقل له، وليس براوٍ، ولا حاجة للنقل عن مصدر ناقل]
وزاد عليها بقول ثالث: هم الذين شهدوا بدرًا. قاله عطاء بن أبي رباح.
[وهذه الأقوال جميعها تدخل تحت القول بتخصيص بعض المهاجرين والأنصار، والقول الآخر أن المراد جميع المهاجرين والأنصار، وأن "مِن" في الآية بيانية، والصفة كاشفة، فيكون جميع المهاجرين والأنصار سابقين لسائر الأمة.
ويجوز الجمع بين القولين، فلا تعارض بينهما فالصحابة بعضهم امتاز بالسبق على بعض، وجميع المهاجرين والأنصار سابقون بالنسبة لسائر الأمة]

الترجيح:
تلك الأقوال من باب التمثيل فلا تضاد بينها فهو اختلاف تنوع وكلها صحيحة:
فمن سبق بالإسلام فهو ممن صلى إلى القبلتين،
ومن شهد بدرًا فهو من السابقين بالجهاد في سبيل الله،
ومثله من شهد بيعة الرضوان وقد نزل فيهم قوله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } فهم من السابقون ولا شك.
والله أعلى وأعلم
[مثل هذه المسألة تحتاجين العودة للتفاسير التي تعتني بالمسائل البيانية، ومعاني الحروف، والمصادر التي تحدثت عن فضل الصحابة ومنها كتب العقيدة]

___________________


( 3 ) قول عطاء بن أبي رباح: ( التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار )

روى هذا القول: يحيى بن سلام في تفسيره من طريق قيس بن سعد عن عطاء، وقد تفرد به.
وروى بالزيادة ابن جرير من طريق عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس: أنه قال: التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.

ورواه ابن أبي شيبة والنحاس من ذات الطريق ولكن النص فيه تقديم وتأخير لبعض الألفاظ.

رواية ابن أبي شيبة: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «التَّفَثُ الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ»
رواية النحاس: عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار.

الحكم على الرواة:
قيس بن سعد وعبد الملك بن سليمان كلاهما من الثقات المكثرون من الرواية عن عطاء.
[ولا يُحكم على صحة الأثر من خلال منتهى الإسناد فقط، أو الراوي عنه وإنما ينظر للإسناد كاملا، وقد يُقبل القول نفسه دون الادعاء بأنه ثابت عن هذا المفسر]
توجيه الروايات في قول عطاء:
· الظاهر أن رواية يحيى بن سلام من طريق قيس بن سعد هي قول عطاء واجتهاده الخاص في المسألة أن قصر معنى التفث على حلق الشعر وقص الأظفار.
· وأما رواية عبد الملك فهي قول عطاء بما سمعه من ابن عباس، فالظاهر أنه اقتصر فيها على مجرد النقل عن ابن عباس دون اجتهاد منه.

الأقوال الأخرى في المسألة والقول الراجح:

- بالنظر في أقوال السلف في تفسير المراد ب" التفث ":
نجد أن البعض مثل ابن عباس وغيره قد فسره بمناسك الحج كلها ومن ذلك: ما رواه ابن جرير من طريق نافع، عن ابن عمر، قال: التفث: المناسك كلها.
ومنهم من وافق قول عطاء وقصر المعنى على قص الشعر والظفر كمجاهد وعكرمة.

ولو قصرنا معنى التفث على اللغة فالراجح ما قاله الواحدي في تفسيره:
التفث الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث، وقضاؤه نقضه وإذهابه، والحاج مغير شعث لم يدهن ولم يستحد، فإذا قضى نسكه، وخرج من إحرامه بالقلم والحلق وقص الشارب ولبس الثياب ونتف الإبط وحلق العانة، فهو قضاء التفث.
وهو ما رجحه البغوي أيضًا وزاد عليه أن هذا المعنى هو الموافق للغة العرب حيث تقول لمن تستقذره "ما أتفثك أي ما أوسخك".

* ولعل ابن عباس وغيره يشير إلى تمام الطهارة للعبد فكما يزيل أوساخ البدن، يزيل أيضًا آثار الذنوب والمعاصي بالوقوف بعرفة ويذهب عنه رجس الشيطان برمي الجمار، فيتطهر العبد باطنًا وظاهرا، والله أعلى وأعلم.
[راجعي التعليق على الأخ هيثم أعلاه، وهذه المسألة تحتاجين العودة لكتب اللغة ومعاني القرآن وكتب أحكام القرآن والبحث في معنى " ليقضوا " بالإضافة للكتب المسندة]
بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ونفع بكِ.
تخريجكِ للأقوال جيد، زادكِ الله من فضله.
توضيحات:
- أؤكد على المطلوب في هذه التطبيقات كما وضحت في التعليق على التطبيق الأول.
- هذه التطبيقات استمرار لما سبق دراسته في دورة المهارات المتقدمة في التفسير، مع التطبيق بتخريج الأقوال عن المفسرين الذين سبق دراسة سيرهم وأحوال الرواة عنهم في سير أعلام المفسرين، وعليه فيلزمنا تطبيق كل خطوات بحث المسألة من تصنيفها وتحديد مراجعها ومن ثم جمع الأقوال الواردة فيها وتحريرها وتوجيهها ثم الترجيح أو بيان وجه الجمع بين الأقوال.
- لا يلزم تخريج كل الأقوال، وإنما تخريج القول المطلوب في رأس السؤال فقط، وبقية الأقوال تعزى لقائليها بعد الاطلاع على المصادر المسندة.

التقويم: ب
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 16 ربيع الثاني 1441هـ/13-12-2019م, 01:39 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم الحمدان مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

(1) قول مجاهد ( وأيدناه بروح القدس ) :
تخريج القول :
1/روى ابن كثير في تفسيره :حكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما قالا : القدس : هو الله تعالى ، وروحه : جبريل .

2/روى ابن أبي حاتم في تفسيره لسورة المائدة ، حدثنا أبي ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، روح القدس قال: القدس الله تبارك وتعالى .

3/وروى القرطبي عن غالب بن عبد الله عن مجاهد قال : القدس هو الله عز وجل .

توجيه الأثر :
رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد مقبولة عند أغلب العلماء ، قال ابن تيمية : هي أصح الروايات عن مجاهد ،وأوردها البخاري في صحيحه . وقد طعن ابن حبان في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد لأنه لم يسمع منه ،ولأن ابن نجيح كان قدرياً ، وذلك لا يتعارض مع قبول روايته ،وقال البعض أن بعض رواياته في ما يخص الاعتقاد قد ترد اذا وافقت قول المعتزلة أو القدرية .

الأقوال في ( روح القدس ) :
-هو جبريل عليه السلام ،رواه الطبري عن قتادة والسدي والضحاك والربيع
ورواه ابن كثير عن ابن مسعودو ابن عباس و محمد بن كعب القرظي ، وإسماعيل بن أبي خالد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، وقتادة مع قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين [ بلسان عربي مبين ] ) [ الشعراء : 193 - 195 ]
-هو الله تعالى ، رواه القرطبي وابن أبي حاتم عن مجاهد .
- هو الإنجيل ، رواه الطبري عن ابن زيد .
- هو الاسم الذي كان عيسى عليه السلام يحيي به الموتى، رواه الطبري عن ابن عباس .

الترجيح :
وأرجح الأقوال هو الأول أنه جبريل عليه السلام ، وذلك لعدة أسباب :
1-لترجيح ابن جرير وجمع من المفسرين له .
2-لتظافر الروايات على هذا المعنى .
3-له شواهد من القرآن والسنة ،ففي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : أن عمر مر بحسان ، وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه ، فقال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك . ثم التفت إلى أبي هريرة ، فقال : أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس " ؟ . فقال : اللهم نعم .
وفي بعض الروايات : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان : " اهجهم أو : هاجهم وجبريل معك " .
[

(2) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى
تخريج القول :

- روى الطبري - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله: " سماعون للكذب أكَّالون للسحت "، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.

-روى ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، ثنا محمد بن المثنى ، حدثني عثمان بن عمر ، ثنا أبو عقيل الرومي، عن الحسن ، في قوله: سماعون للكذب قال: تلك الملوك تسمع كذبه وتأخذ رشوته. قوله تعالى: أكالون للسحت .

تحرير الأقوال :
ومسلم بن إبراهيم إمام حافظ ثبت روى عنه أبو عقيل في الغالب أنه بشير بن عقبة وهو ثقة
قال أبو حاتم رواية بشير عن عقبة هو عندهم ثقة ، تهذيب الكمال ( 4/ 170)
قال البخاري :سمع منه مسلم ،حدثنا عنه مسلم ، التاريخ الكبير (2/ 100)
وكذلك في الجرح والتعديل .
بعض المفسرين ذكر رواية الحسن دون إسناد :
-وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : سماعون للكذب أكالون للسحت قال : تلك حكام اليهود، تسمع كذبه وتأكل رشوته . ( الدر المنثور للسيوطي 5/ 309)
-قوله تعالى: سماعون للكذب قال الحسن يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ممن يكذب عندهم في دعواه ، ويأتيهم برشوة فيأخذونه ( زاد المسير لابن الجوزي 2/ 360 )

-قال الحسن : كان الحاكم منهم إذا أتاه أحد برشوة جعلها في كمه فيريها إياه ويتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه ، فيسمع الكذب ويأكل الرشوة .
وعنه أيضا قال : إنما ذلك في الحكم إذا رشوته ليحق لك باطلا أو يبطل عنك حقا . فأما أن يعطي الرجل الوالي يخاف ظلمه ليدرأ به عن نفسه فلا بأس ، فالسحت هو الرشوة في الحكم على قول الحسن ومقاتل وقتادة والضحاك ، ( البغوي )

الأقوال في ( أكالون للسحت ) :
ذكرها ابن أبي حاتم في تفسيره :
الوجه الأول :
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن هارون بن رئاب، عن كنانة بن نعيم، عن قبيصة بن مخارق، أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نؤديها عنك ونخرجها من نعم الصدقة أو إبل الصدقة، فقال: " يا قبيصة ، إن المسألة قد حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة حتى يشهد له ثلاث نفر من ذوي الحجا من قومه أن المسألة قد حلت له فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت "

الوجه الثاني: حدثنا عبد الله بن أحمد الدشتكي، ثنا أبي، عن أبيه، عن إبراهيم الصايغ، عن يزيد النحوي ، قال: قال عكرمة ، إن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه.


الوجه الثالث:

حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن بكير بن مرزوق، عن عبيد بن أبي الجعد، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا، فأهدى له هدية فقبلها، فذلك السحت. فقلنا: ياأبا عبد الرحمن ، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم. فقال عبد الله : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

الوجه الرابع:

حدثنا أحمد بن منصور المروزي ، ثنا النضر بن شميل ، ثنا حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد، عن عطاء عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مهر البغي وثمن الكلب والسنور وكسب الحجام من السحت.

الوجه الخامس:

حدثنا أبي ، ثنا الحكم بن موسى، ثنا الهيثم بن حميد ، ثنا الوضين بن عطاء ، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح ، يقول: للسحت خصال ست: الرشوة في الحكم، وثمن الكلب، وثمن الميتة، وثمن الخمر، وكسب البغي، وعسب الفحل.

الوجه السادس:

حدثنا أبي ، ثنا الحجاج بن المنهال ، ثنا حماد ، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق ، قال: هذه الرغف الذي يأخذها المعلمون من السحت. يعني: إذا احتسب بتعليمه فجائز أن يأخذ كرى مثله، سمعت أبي يقول: إذا لم يحتسب بالتعليم فله أن يأخذ الكرى وإذا احتسب بالتعليم فذاك السحت.

الوجه السابع:

حدثنا حجاج بن حمزة ، ثنا شبابة ، ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله: أكالون للسحت الرشوة في الحكم فهم يهود. وروي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، وإبراهيم ، وعكرمة أنهم قالوا: الرشوة في الحكم.

الترجيح بين الاقوال :
قال القرطبي السحت في اللغة أصله الهلاك والشدة ،وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي : يذهبها ويستأصلها .
وأقوال المفسرين بمجملها تدور حول معنى المال الحرام ولا تعارض بينها ،فالرشوة ، وسؤال الناس بلا حاجة ،و ثمن الأمور المحرمة كالخمر والميتة ، وكسب البغي ، كلها تعتبر مالاً حراماً وإن اختلفت صورها ، أما القول الرابع وهو كسب الحجام فهو مرجوح لأنرسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ،رواه البخاري عن ابن عباس، ولو كان سحتا لم يعطه .
الى أن سياق الآية قد يعطينا دلالة على أن قول الحسن هو الراجح ،فالسياق أتى في ذم صفات اليهود،وكان أخذ الرشى من أبرز صفاتهم وبذلك يكون مرجحاً لقول الحسن البصري والله أعلم .


3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

تخريج القول :

قال الطبري حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله: " الذي تساءلون به والأرحام "، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.( جامع البيان 7/ 518)

قال ابن أبي حاتم قال ابن عباس قوله: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام قال: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الارحام وصلوها - وروي عن الضحاك مثله - وروي عن مقاتل بن حيانوعكرمة قالا: لا تقطعوها.
. ( تفسير ابن أبي حاتم 3/ 852 )

روى عبد بن حميد ثنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال في قوله تعالى :( الذي تسائلون به والأرحام ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى (صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا،وخير لكم في آخرتكم )
(الدر المنثور 4/ 207 )


في الآية قولان :
القول الأول :
قراءة الأرحام بالفتح لأنها معطوفة على لفظ الجلالة ( الله ) ،والمعنى اتقوا الله والأرحام .
فيه تفصيل ،فلدينا حديث قدسي رواه عبد بن حميد عن والده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ضعف الذهبي حميد وذكر أن أحاديثه مرسلة ليس فيها عن ابن عباس ولا أبي هريرة .
و هناك آثار مروية عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك و الربيع بأن المعنى هو ( اتقوا الأرحام أن تقطعوها ) ،أما رواية عكرمة فقد روى عنه خصيف وروايته مقبولة عند العلماء .

القول الثاني :
تقرأ الأرحام بالكسر وتكون معطوفة على ( به )
معناه: واتقوا الله الذي تحلفون به والأرحام ،وهي قول القائل : أسألك بالله والرحم ، وممن قال بهذا القول إبراهيم ومجاهد والحسن .

ترجيح الأقوال :
الراجح والله أعلم هو القول الأول لترجيح الطبري له ،وسبب ترجيحه أن العرب لا تعطف الاسم الظاهر على الضمير وهو الحال في القول الثاني ، ولأن ابن عباس قال بالقول الأول وجماعة من التابعين وهو العلم الحبر المفسر ،فهاتان قرينتان ترجح القول الأول ، ولا يؤثر ضعف الحديث على صحة القول الأول لأن الترجيح للأثر لا للحديث ،وتقويه كثرة الآثار المروية بنفس لفظه بطرق متعددة.

استغفر الله وأتوب إليه

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة، أشكر لكِ جهدكِ في هذه التطبيقات لكنها مبنية بشكل كبير على دورة المهارات المتقدمة في التفسير، فأرجو أن تراجعي دروس هذه الدورة وإتمام التطبيقات ومن ثم العودة لتحرير هذه المسائل، مع تأمل طريقة الأخوات في تطبيقاتهن لمعرفة المطلوب في هذه التطبيقات.
وإذا أديتِ تطبيقات دورة المهارات في التفسير؛ فسيسهل عليكِ معرفة مواطن الخطأ في تطبيقاتكِ هنا ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قولكِ عن مصادر ناقلة مثل ابن كثير، رواه ابن كثير وهذا غير صحيح أبدًا.
وفي تخريج الأقوال ذكرتِ بعض الأسانيد كاملة دون تعيين مخرج الأثر وأصل الإسناد.
التقويم: هـ.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 17 ربيع الثاني 1441هـ/14-12-2019م, 12:27 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماهر القسي مشاهدة المشاركة
وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).


( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
تخريج الأقوال
روى القرطبي في كتابه : وَرَوَى غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ، وَرُوحُهُ جِبْرِيلُ. [القرطبي مصدر ناقل، لا نقول عنه " روى " بل ذكر، والتخريج بل وعزو الأقوال في هذه المرحلة يكون من المصادر المسندة وليست الناقلة]
وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ.
قال الحَسَنِ والرَّبِيعِ وابْنِ زَيْدٍ. هو اللَّهُ تَعالى،
الدر المنثور للسيوطي : وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: القُدْسُ هو الرَّبُّ تَعالى. [لست بحاجة للرجوع للدر المنثور للسيوطي، ولديك تفسير ابن أبي حاتم، وهذه الروايات من الجزء المطبوع]
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: القُدْسُ الطُّهْرُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: القُدْسُ البَرَكَةُ.

توجيه الأقوال
- لأنه من عند الله :
وإنما سمى الله تعالى جبريل"روحا" وأضافه إلى"القدس"، لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك"روحا"، وأضافه إلى"القدس"
- القدس والقدوس بمعنى واحد :
روح المعاني للآلوسي : وقالَ مُجاهِدٌ والرَّبِيعُ: القُدُسُ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى كالقُدُّوسِ،
قالَ ابْنُ زَيْدٍ: القُدُسُ والقُدُّوسُ واحِدٌ. النكت والعيون للماوردي

الترجيح
لا يوجد ترجيح للأقوال وإنما تصح المعاني المذكورة ( الطهارة ، الله ، البركة ) . وابن عاشور رجح أن يكون المراد هو الطهر
فمعنى الله تكون الروح منه والله خالق هذه الروح وواهبها بدون أسباب , ومعنى الطهارة تكون الروح مطهرة منزهة , ومعنى البركة أنها مبارك فيها ، وهذه الأقوال :

الأول : القدس ( الله )
- الطبري :حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿وأيدناه بروح القدس﴾ ، قال: الله، القدس، وأيد عيسى بروحه، قال: نعت الله، القدس. وقرأ قول الله جل ثناؤه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣] ، قال: القدس والقدوس، واحد.
- الطبري : حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، [عن هلال] بن أسامة، عن عطاء بن يسار قال، قال كعب: الله، القدس.(٨)
ابن عطية : وقالَ الرَبِيعُ، ومُجاهِدٌ: "القُدُسِ" اسْمٌ مِن أسْماءِ اللهِ تَعالى كالقُدُّوسِ، والإضافَةُ عَلى هَذا إضافَةُ المَلِكِ إلى المالِكِ، وتَوَجَّهَتْ لِما كانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ مِن عِبادِ اللهِ تَعالى، وقِيلَ: "القُدُسِ" الطَهارَةُ، وقِيلَ: القُدُسُ البَرَكَةُ.
- ابن عثيمين : * أولًا: أن روح القدس أي الروح المضافة إلى الله، وعلى هذا القول تكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، والله تبارك وتعالى قُدُس وقُدُّوس، ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣].

الثاني : القدس ( الطهارة )
- ابن عاشور : والقُدُسُ بِضَمَّتَيْنِ وبِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرٌ أوِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى النَّزاهَةِ والطَّهارَةِ. والمُقَدَّسُ المُطَهَّرُ وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] ورُوحُ القُدُسِ رُوحٌ مُضافٌ إلى النَّزاهَةِ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ الرُّوحُ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ في بَطْنِ مَرْيَمَ فَتَكُونُ مِنهُ عِيسى وإنَّما كانَ ذَلِكَ تَأْيِيدًا لَهُ لِأنَّ تَكْوِينَهُ في ذَلِكَ الرُّوحِ اللَّدُنِّيِّ المُطَهَّرِ هو الَّذِي هَيَّأهُ لِأنْ يَأْتِيَ بِالمُعْجِزاتِ العَظِيمَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ جِبْرِيلَ والتَّأْيِيدُ بِهِ ظاهِرٌ لِأنَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالوَحْيِ ويَنْطِقُ عَلى لِسانِهِ في المَهْدِ وحِينَ الدَّعْوَةِ إلى الدِّينِ وهَذا الإطْلاقُ أظْهَرُ هُنا، وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثٌ في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَوْفِيَ أجَلَها» .
وعَلى كِلا الوَجْهَيْنِ فَإضافَةُ رُوحٍ إلى القُدُسِ إمّا مِن إضافَةِ ما حَقُّهُ أنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا إلى ما حَقُّهُ أنْ تُشْتَقَّ مِنهُ الصِّفَةُ ولَكِنِ اعْتَبَرَ طَرِيقَ الإضافَةِ إلى ما مِنهُ اشْتِقاقُ الصِّفَةِ لِأنَّ الإضافَةَ أدَلُّ عَلى الِاخْتِصاصِ بِالجِنْسِ المُضافِ إلَيْهِ لِاقْتِضاءِ الإضافَةِ مُلابَسَةَ المُضافِ بِالمُضافِ إلَيْهِ وتِلْكَ المُلابَسَةُ هُنا تَئُولُ إلى التَّوْصِيفِ وإلى هَذا قالالتَّفْتَزانِيُّ في شَرْحِ الكَشّافِ وأنْكَرَ أنْ يَكُونَ المُضافُ إلَيْهِ في مِثْلِهِ صِفَةً حَقِيقَةً حَتّى يَكُونَ مِنَ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ.
- ابن عطية : القدس تعني الطهارة
[ترتيب الإجابة هنا يكون كالآتي:
1. تخريج القول المطلوب في رأس السؤال، راجع درس تخريج أقوال المفسرين في دورة المهارات المتقدمة في التفسير.
2. تحرير المسألة الواردة في رأس السؤال وهي هنا " المراد بالقُدُس"، وحتى نصل لمرحلة التحرير يلزمنا المرور بكل المهارات التي تعلمناها في دورة المهارات المتقدمة من تصنيف المسألة وتعيين المراجع وجمع الأقوال ومن ثم التخريج والتحرير وتوجيه الأقوال ثم بيان الراجح منها أو وجه الجمع بين الأقوال؛ فإذا قلنا بالترجيح نبين وجه الترجيح وعلة الأقوال الأخرى، وإذا قلنا بالجمع بين الأقوال نبين وجه الجمع بينها.
3. لا يُطلب منكم هنا تخريج كل الأقوال، فقط يلزمكم القول المطلوب في رأس السؤال، وبقية الأقوال تعزى لقائليها، وحتى يكون هذا العزو صحيحًا فإننا نرجع للمصادر الأصيلة وليست المصادر الناقلة.
4. التحرير العلمي للمسألة وتوجيه الأقوال يكون بأسلوبك بعد فهم أقوال المفسرين، ولا يصح النسخ واللصق أبدًا، لأن المطلوب تنمية ملكة التحرير وتوجيه الأقوال لديكم.
5. راجع التعليق على إجابة الأخت حنان أعلاه]

الثالث : القدس تعني البركة
- ابن عطية : القدس : البركة


( 2) قول الحسن ( أكالون للسحت ) أكالون للرشى
تخريج القول
الطبري : حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله:"سماعون للكذب أكَّالون للسحت"، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.
[ينظر للفظ المذكور في رأس السؤال أولا فنخرّجه ثم نذكر بقية الطرق مع توضيح اختلاف الألفاظ]
شواهد لقول الحسن
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"سماعون للكذب أكالون للسحت"، قال: كان هذا في حكّام اليهودِ بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرُّشَى.
حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال:"السحت"، الرشوة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:"أكالون للسحت"، قال: الرشى.
حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق= وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"أكالون للسحت"، قال:"السُّحت"، الرشوةُ.
حدثنا سفيان قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال:"السحت"، الرشوة.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال: "السحت"، الرُّشَى؟ قال: نعم.

ترجيح
المراد بالسحت هنا هو الحرام والرشوة أحد أنواعها وأعظمها
ابن كثير : ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أَيِ: الْحَرَامِ، وَهُوَ الرِّشْوَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
الطبري : حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموال، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: أنّ رسول الله ﷺ قال: كُلُّ لحم أنبَته السُّحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم.
- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الجبار بن عمر، عن الحكم بن عبد الله قال: قال لي أنس بن مالك: إذا انقلبت إلى أبيك فقل له: إياك والرشوة، فإنها سحت= وكان أبوه على شُرَط المدينة.
- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمار الدُّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت عبد الله عن"السحت"، فقال: الرجل يطلب الحاجةَ للرجل فيقضيها، فيهدي إليه فيقبلُها. - حدثنا سوّار قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال:"السحت"، الرشى.
- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"السحت"، قال: الرشوة في الدِّين.
- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة قال، قال عمر: [ما كان] من"السحت"، الرشى ومهر الزانية.

والسُّحْتُ يَشْمَلُ جَمِيعَ المالِ الحَرامِ، كالرِّبا والرَّشْوَةِ وأكْلِ مالِ اليَتِيمِ والمَغْصُوبِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ سُحْتٌ بِسُكُونِ الحاءِ وقَرَأهُ الباقُونَ بِضَمِّ الحاءِ إتْباعًا لِضَمِّ السِّينِ.

ابن عطية : قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -:
وكُلُّ ما ذُكِرَ في مَعْنى السُحْتِ فَهو أمْثِلَةٌ؛ ومِن أعْظَمِها الرِشْوَةُ في الحُكْمِ؛ والأُجْرَةُ عَلى قَتْلِ النَفْسِ؛ وهو لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ كَسْبٍ لا يَحِلُّ.

من قال بأن الرشوة في الحكم فهو غلط وتخصيص بغير مخصص [هو من باب التفسير بالمثال]
الطبري : حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"أكالون للسحت"، قال: الرشوة في الحكم، وهم يهود.
الطبري حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرشوة سُحت. قال مسروق: فقلنا لعبد الله: أفي الحكم؟ قال: لا ثم قرأ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٤] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٥] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٧] .
الطبري : حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.

توجيه الأقوال

القول الأول : أصل"السحت": كَلَبُ الجوع، يقال منه:"فلان مسحُوت المَعِدَة"، إذا كان أكولا لا يُلْفَى أبدًا إلا جائعًا، وإنما قيل للرشوة:"السحت"، تشبيهًا بذلك، كأن بالمسترشي من الشَّره إلى أخذ ما يُعطاه من ذلك، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشَّرَه إلى الطعام. يقالُ منه:"سحته وأسحته"، لغتان محكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب:
وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَع ... مِنَ الْمَالِ إلا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ(١٤)
يعني بِ"المسحت"، الذي قد استأصله هلاكًا بأكله إياه وإفساده، ومنه قوله تعالى: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [سورة طه: ٦١] . وتقول العرب للحالق:"اسحت الشعر"، أي: استأصله. الطبري
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ كَلَبُ الْجُوعِ، يُقَالُ رَجُلٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ أَيْ أَكُولٌ، فَكَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي وَآكِلِ الْحَرَامِ مِنَ الشَّرَهِ إِلَى مَا يُعْطَى مِثْلَ الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَةِ مِنَ النَّهَمِ.

والرشوة أنواع :
- ومنه : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رِشْوَةُ الْحَاكِمِ مِنَ السُّحْتِ. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السُّحْتُ؟ قَالَ: (الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ).
- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: السُّحْتُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ حَاجَةً فَيُهْدِيَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَيَقْبَلُهَا.
- وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: مِنَ السُّحْتِ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِجَاهِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَسْأَلُهُ إِنْسَانٌ حَاجَةً فَلَا يَقْضِيهَا إِلَّا بِرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا.

وليس من الرشوة من يطالب بحق
وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الرِّشْوَةُ حَرَامٌ فِي كُلِّ شي؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنَ الرِّشْوَةِ أَنْ تَرْشِيَ لِتُعْطَى مَا لَيْسَ لَكَ، أَوْ تَدْفَعُ حقا فد لَزِمَكَ، فَأَمَّا أَنْ تَرْشِيَ لِتَدْفَعَ عَنْ دِينِكَ ودمك ومالك فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْفَقِيهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ وَقَالَ: إِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ

القول الثاني : [هذا في معنى أكالون ثم معنى السحت لغة]
﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ عَلَى التَّكْثِيرِ. وَالسُّحْتُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَيُسْحِتَكُمْ بعذاب"(٢). وقال الفرزدق: وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ ... مِنَ المال إلا مسحتا أو مجلف
كَذَا الرِّوَايَةُ. أَوْ مُجَلَّفٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى لَمْ يَدَعْ لَمْ يُبْقِ. وَيُقَالُ لِلْحَالِقِ: أَسْحَتَ أَيِ اسْتَأْصَلَ.
ابن عاشور : ومَعْنى ﴿أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] أخّاذُونَ لَهُ، لِأنَّ الأكْلَ اسْتِعارَةٌ لِتَمامِ الِانْتِفاعِ.
والسُّحْتُ بِضَمِّ السِّينِ وسُكُونِ الحاءِ الشَّيْءُ المَسْحُوتُ، أيِ المُسْتَأْصَلُ. يُقالُ: سَحَتَهُ: إذا اسْتَأْصَلَهُ وأتْلَفَهُ. سُمِّيَ بِهِ الحَرامُ لِأنَّهُ لا يُبارَكُ فِيهِ لِصاحِبِهِ، فَهو مَسْحُوتٌ ومَمْحُوقٌ، أيْ مُقَدَّرٌ لَهُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا﴾

لماذا سمي الحرام سحتاً ؟
وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ الطَّاعَاتِ أَيْ يُذْهِبُهَا وَيَسْتَأْصِلُهَا.
وَقِيلَ: سُمِّيَ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ الْإِنْسَانِ.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ بِذَهَابِ الدِّينِ تَذْهَبُ الْمُرُوءَةُ، وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ.

[راجع مهارات التخريج، ولا يقبل النسخ واللصق بل لابد من التعبير بأسلوبك]
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

تخريج
الطبري : حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
السيوطي : وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿والأرْحامَ﴾ قالَ: اتَّقُوا الأرْحامَ أنْ تَقْطَعُوها.
[نفس الملحوظات السابقة]
توجيه
- قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبًا بمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب على اسم الله تعالى ذكره.
قال الفراء : والقراءة التي لا نستجيز لقارئٍ أن يقرأ غيرها في ذلك، النصب: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾ ، بمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيّ في حال الخفض، إلا في ضرورة شعر، على ما قد وصفت قبل.
- ابن كثير : الجُمْهُورِ يَكُونُ“ الأرْحامَ ”مَأْمُورًا بِتَقْواها عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ أيِ اتِّقائِها، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيِ اتِّقاءِ حُقُوقِها، فَهو مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالآيَةُ ابْتِداءُ تَشْرِيعٍ وهو مِمّا أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾
اتَّقُوُا اللَّهَ والأرْحامَ وصِلُوها ولا تَقْطَعُوها فَإنَّ قَطِيعَتَها مِمّا يَجِبُ أنْ يُتَّقى وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ والضَّحّاكِ والفَرّاءِ والزَّجّاجِ.
- وقَدْ جَوَّزَ الواحِدِيُّ نَصْبَهُ عَلى الإغْراءِ، أيْ: والزَمُوُا الأرْحامَ وصِلُوها.

ترجيح
- معاني النصب الثلاثة ( اتقوا الأرحام أن تقطعوها , اتقوا حقوق الأرحام , الزموا الأرحام وصلوها ) كلها معانٍ مرادة .
- القراءتين بالنصب وبالرفع [وبالجر] من القراءات العشر المتواترة , وتصح كلاهما ولا ترجيح لواحدة على أخرى , وكلا المعنيين مرادين في الآية . [هذا القول صحيح لكن ينقصه التفصيل، أهل اللغة ردوا القراءة بالجر وبعض المفسرين منهم ابن جرير وذكروا بعض الأوجه لذلك ولابد من بيان الرد عليهم وينظر في ذلك لكتب توجيه القراءات]
- قراءة الرفع من غير القراءات المتواترة ولا تجوز القراءة به .

أقوال أخرى
قراءة الخفض :

ابن كثير : وَقَرَأَ(١٥) بَعْضُهُمْ: ﴿وَالْأَرْحَامِ﴾ بِالْخَفْضِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ، أَيْ: تَسَاءَلُونَ بِاللَّهِ وَبِالْأَرْحَامِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الأرْحامِ أيِ الَّتِي يَسْألُ بَعْضُكم بَعْضًا بِها، وذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ (ناشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ) كَما رُوِيَ في الصَّحِيحِ: «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ حِينَ قَرَأ عَلى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ سُورَةَ فُصِّلَتْ حَتّى بَلَغَ ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَقُلْ أنْذَرْتُكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] فَأخَذَتْ عُتْبَةَ رَهْبَةٌ وقالَ: ناشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ» . وهو ظاهِرُ مَحْمَلِ هَذِهِ الرِّوايَةِ وإنْ أباهُ جُمْهُورُ النُّحاةِ اسْتِعْظامًا لِعَطْفِ الِاسْمِ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ، حَتّى قالَ المُبَرِّدُ“ لَوْ قَرَأ الإمامُ بِهاتِهِ القِراءَةِ لَأخَذْتُ نَعْلِي وخَرَجْتُ مِنَ الصَّلاةِ " وهَذا مِن ضِيقِ العَطَنِ وغُرُورٍ بِأنَّ العَرَبِيَّةَ مُنْحَصِرَةٌ فِيما يَعْلَمُهُ، ولَقَدْ أصابَ ابْنُ مالِكٌ في تَجْوِيزِهِ العَطْفَ عَلى المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ، فَتَكُونُ تَعْرِيضًا بِعَوائِدِ الجاهِلِيَّةِ، إذْ يَتَساءَلُونَ بَيْنَهم بِالرَّحِمِ وأواصِرِ القَرابَةِ ثُمَّ يُهْمِلُونَ حُقُوقَها ولا يَصِلُونَها، ويَعْتَدُونَ عَلى الأيْتامِ مِن إخْوَتِهِمْ وأبْناءِ أعْمامِهِمْ، فَناقَضَتْ أفْعالُهم أقْوالَهم، وأيْضًا هم آذَوُا النَّبِيءَ ﷺ وظَلَمُوهُ، وهو مِن ذَوِي رَحِمِهِمْ وأحَقُّ النّاسِ بِصِلَتِهِمْ كَما قالَ تَعالى ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] وقالَ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] . وقالَ ﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: ٢٣] . وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ مَعْنى الآيَةِ تَتِمَّةً لِمَعْنى الَّتِي قَبْلَها.

قراءة الرفع
وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ "والأرْحامُ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: والأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ، أو كذلك

بارك الله فيك، وشكر لك جهدك في هذا التطبيق، لكنه مبني بشكل كبير على المهارات المتقدمة في التفسير وإتقانها باب للدخول لهذه التطبيقات.
حاولتُ أعلاه بيان مواطن الخطأ في إجابتك، بحيث يمكنك بعد مراجعة المهارات المتقدمة وإتقانها وإتمام ما ينقصك من تطبيقاتها أن تعود لهذا التطبيق وتعيده بإذن الله، مؤكدة على أن النسخ واللصق مرفوض.
التقويم: هـ
وفقك الله وسدد خطاك.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 17 ربيع الثاني 1441هـ/14-12-2019م, 12:28 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان على محمود مشاهدة المشاركة



مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج



المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).

ذكر ابن جرير 3 أقوال في اشتقاق الفعل في:"أيدتك".
القول الأول: هو"فعّلتك"، ["من الأيد"] ، كما قولك:"قوّيتك""فعّلت" من"القوّة".
القول الثاني: هو"فاعلتك" من"الأيد".
القول الثالث: أن مجاهد قرأ: (إذْ آيَدْتُك) ، بمعنى"أفعلتك"، من القوّة والأيد.

وعليه فمعني الآية: وقوينا عيسى ابن مريم ونصرناه وأعنّاه بروح القدس.

وقد ذكرت أقوال في معنى روح القدس الذي أيد الله به عيسى:
القول الأول: هو جبريل عليه السلام.أخرجه الطبري وعبد الرزاق عن قتادة، كما أخرجه الطبري عن السدي والضحاك والربيع وشهر بن حوشب، وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد.
والمعنى: يكون قريناً له يؤيده، ويقويه، ويلقنه الحجة على أعدائه.
  • وأخرج ابن سعيد [من ابن سعيد؟] وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان منبرا في المسجد فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيه".
  • وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب.
  • وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلمة روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه.. كما في الدر المنثور,
قال البغوي: سمي جبريل عليه السلام روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب.
وما تقدم من أدلة وأقوال السلف يرجح هذا القول وهو الذي رجحه ابن جرير وابن كثير وابن عثيمين وغيرهم.واستدل له ابن كثير بما ورد عن ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَقَتَادَةُ وبقوله: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] (4) }
ويشهد له كذلك قوله:{ قل نزله روح القدس...}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل . دقائق التفسير.
وسمي بذلك ب لأنه: يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح فإنه هو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء والمكلفون في ذلك يحيون في دينهم.. ذكره الرازي.

القول الثاني:أنه الإنجيل، وما معه من العلم المطهر الآتي من عند الله.
أي أيد الله عيسى بالإنجيل روحا، كما جعل القرآن روحا كلاهما روح الله، خرجه ابن جرير عن ابن زيد واستدل له بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) [الشورى: 52] .
وسمي به لأن الدين يحيا به ومصالح الدنيا تنتظم لأجله.. ذكره الرازي.

القول الثالث: أنه اسم الله الذي كان عيسى يحيي به الموتى. خرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

القول الرابع:الروح حفظة على الملائكة خرجه ابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيح.

وقد نصر ابن جرير القول الأول، وردّ القول الثاني.
وعلل ترجيحه بأن الله جل ثناؤه أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ) [المائدة: 110] ، فلو كان الروح الذي أيده الله به هو الإنجيل، لكان قوله:"إذ أيدتك بروح القدس"، و"إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"، تكرير قول لا معنى له.
وذلك أنه على تأويل قول من قال: معنى (إذ أيدتك بروح القدس) ، إنما هو: إذ أيدتك بالإنجيل - وإذ علمتك الإنجيل.
وهو لا يكون به مؤيدا إلا وهو مُعَلَّمُه، فذلك تكرير كلام واحد، من غير زيادة معنى في أحدهما على الآخر. وذلك خلف من الكلام، والله تعالى ذكره يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة.
وإذْ كان ذلك كذلك، فَبَيِّنٌ فساد قول من زعم أن"الروح" في هذا الموضع، الإنجيل، وإن كان جميع كتب الله التي أوحاها إلى رسله روحا منه لأنها تحيا بها القلوب الميتة، وتنتعش بها النفوس المولية، وتهتدي بها الأحلام الضالة.
وأما ابن عثيمين فذكر أن الآية تفسر بالقولين الأول والثاني.

أما عن معنى القدس: فيتضمن معنيان:
الأول: البركة. وهو قول السدي وخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثاني: الطهر وخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
ولا تعارض بين المعنيين.

أما عن المراد بالقدس:
فذكر فيه عدة أقوال:
القول الأول: أنه الرب تبارك وتعالى، وهو قول مجاهد والربيع ابن أنس وابن زيد، وأبي جعفر, كعب.
قول ابن مجاهد [قول مجاهد] : أخرجه ابن أبي حاتم: عن أبيه ,عن أبي حذيفة , عن شبل , عن ابن أبي نجيح , عنه، كما خرجه بن وهب عن الحارث عن غالب بن عبيد الله، عنه.
  • وابن أبي نجيح من طبقة أصحاب مجاهد الذين سمعوا منه ورووا عنه في التفسير، ولكن روايته عنه في التفسير تكلم فيها كثير من أهل العلم في كونه لم يسمع منه وأنه كان ينقل من كتاب ابن أبي بزة كما ذكر ذلك ابن حبان، ولكن ابن أبي بزة وثقه أهل العلم، ويمكن الأخذ من ابن [أبي] نجيح في باب التفسير فيما لا نصر فيه لعقيدته لأنه كان صاحب بدعة.
  • أما غالب بن عبيد الله من طبقة الرواة الضعفاء عن مجاهد، ولعل رواية ابن أبي نجيح تقوي هذه الرواية.
  • وهذا القول لم يتفرد به مجاهد وإلا لظنّ أنه قد يكون من الإسرائيليات فقط وخاصة أنه ورد عن كعب الأحبار..
[وبقية الروايات عن الربيع بن أنس ضعيفة]
خرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار عن كعب
كما خرجه عن يونس عن ابن وهب عن ابن زيد، وعن عَمَّارٍ، عن ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وخرج ابن أبي حاتم نفس القول، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: «القدس هو الرب تبارك وتعالى»

وعن ابن زيد وعطاء بن يسار : نَعَتَ اللَّهُ الْقُدُسَ. وَقَرَأَ ابن زيد قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23] وقَالَ: الْقُدُسُ وَالْقُدُّوسُ وَاحِدٌ " خرجه ابن جرير.
وقال الثعلبي: والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا نحو بيت الله، وناقة الله، كما قال: "فنفخنا فيه من روحنا" .

ويشهد له قوله تعالى: فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا…. الآية
والله عز وجل وصف نفسه في غير موضع بأنه القدوس عز وجل، كما وصف نفسه بالبركة في قوله تعالى : (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده… )الآية
وقال: ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير)

القول الثاني: روح عيسى الطاهرة فسمى روحه قدسا، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث، إنما كان أمرا من أمر الله تعالى… ذكره الثعلبي.

القول الثالث: وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنبا، وهو الطَّاهِرُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ فوصفه الله بذلك تشريفا له وبيانا لعلو مرتبته عند الله تعالى.
.حاصل ما قاله الثعلبي والشنقيطي والرازي

ويبدو مما تقدم أن الآية تحتمل الأقوال جميعا، وأن قول مجاهد هو أولى الأقوال بالصواب والله تعالى أعلم.
[أحسنتِ التمييز بين المسائل الثلاث، المراد بروح القدس، ومعنى القدس، والمراد بالقدس.
والأقوال في المراد بالقدس إما أنه اسم لله تعالى، أو من باب إضافة الموصوف لصفته - كما تفضلتِ في القول الثالث- وهو الراجح.
ولا يمكن الجمع بين الأقوال، لأن أسماء الله عز وجل توقيفية؛ فلابد أن يرد نص صريح من القرآن والسنة لإثبات اسم لله تعالى، وهذا لم يرد مع " القدس".
ولقائل أن يقول أن القدس من القدوس، ونقول بأن أسماء الله عز وجل تتصف بأنها حسنى، فهي في أعلى درجات الكمال، فحتى وإن كان في كلمة " القُدُس" بعض معنى اسم الله تعالى " القدوس "، فلا يعني هذا إثبات القدس اسما لله عز وجل.
والأسانيد الواردة عن التابعين لا تخلو من ضعف، فقط رواية شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عند ابن أبي حاتم، ظاهرها الصحة، لكن حتى وإن ثبت هذا عن مجاهد فليس دليلا على صحة القول]

_____________________________________________________________


( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
قال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}:
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن بعض صفات اليهود الذين علموا الحق ولم يعملوا به، فبدلوا وحرفوا وكذبوا على الله ورسوله فأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحللوا ما حرم الله تيسيرا لمصالحهم وحفاظا على كيانهم وأشرافهم وأكلوا الرشا والحرام، وفرضوا الرواتب بغير حق وقضوا لمن رشاهم .
  • سماعون للكذب: فعالون لسمعه أي كثيري السمع والاستجابة للكذب والباطل، وذلك إنما ينمّ عن قلة دينهم وعقولهم، أن استجابوا لمن دعاهم إلى القول الكذب وهم أعلم بصدقه .
  • (أكالون للسحت):يتكرَّر أَكْلُهم، ويَكْثُر، والمعنى: أخاذون للسحت، والأكل استعارة لتمام الانتفاع… حاصل ما ذكره ابن عاشور والثعالبي.
  • وأصل السّحت: كلب الجوع، يقال منه: فلانٌ مسحوت المعدة: إذا كان أكولاً لا يلفّى أبدًا إلاّ جائعًا.
  • وإنّما قيل للرّشوة السّحت، تشبيهًا بذلك؛ كأنّ بالمسترشي من الشّره إلى أخذ ما يعطاه من ذلك مثل الّذي بالمسحوت المعدة من الشّره إلى الطّعام.
  • ويقال منه: سحته وأسحته، لغتان محكيّتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالبٍ:.
وعضّ زمانٍ يا ابن مروان لم يدع = من المال إلاّ مسحتًا أو مجلّف
  • يعني بالمسحت: الّذي قد استأصله هلاكًا بأكله إيّاه وإفساده. ابن جرير
وعلى هذا القول سمي هذا المال سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها
أو أن الله يعاقبهم بها بأن يهلكهم ويُسْحِتَهمْ بالعذَابِ، كما قال جل وعز: (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ)، ومثل هذا قوله: (إنما يأكلون في بطونهم ناراً). أي يأكلون ما عاقبته النار.

وقد ورد عن السلف أقوالا في المراد بالسحت:
فمنهم من جعله عام في الحرام وما لا يحل، ومنهم من خصصه بالرشا عامة، ومنهم من خصّ منها الرشا في الحكم أو الرشا في الدين أو الرشا بين الناس، ومنهم من أورد أمثلة على أنواع من المال الحرام يشملها لفظ السحت.
القول الأول: أنه الرشى .
قاله ابن مسعود وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن زيد عن أبيه والحسن وقتادة وإبراهيم والسدي.
أما قول الحسن: اخرجه بن وهب عن أشهل عن قرة بن خالد، عن الحسن في هذه الآية: {أكالون للسحت}، أكالون الرشى).
وقرة بن خالد من خالد من الثقات المكثرون من الرواية عن الحسن.
وأخرج ابن جرير عن المثنّى، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبو عقيلٍ، قال: سمعت الحسن، يقول في قوله: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} قال: تلك الحكّام سمعوا كذبةً، وأكلوا رشوةً.
قول قتادة:
أخرجه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عن قتادة: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} قال: كان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرّشا.
قول ابن مسعود:
أخرجه ابن جرير عن هناد ,عن وكيع , عن بن وكيع , عن أبيه وإسحاق الأزرق , وعن محمد بن بشار , عن عبد الرحمن , عن سفيان , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] قال: " السحت: الرشوة "
قول السدي:
أخرجه ابن جرير عن محمد بن الحسين ,عن أحمد بن المفضل , عن أسباط , عن السدي: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] يقول: «للرشا»
وهذا القول كما يبدو أنه في الرشي عامة .

وجاء قول بتخصيص الرشا في الحكم أخرجه ابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم وورد عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل وابن زيد
فقد كان اليهود يأخذون الرشا على الأحكام لمن يدفع لهم .
أخرج بن جرير عن يونس ,عن ابن وهب , عن عبد الرحمن بن أبي الموالي , عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:«كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به» قيل: يا رسول الله , وما السحت؟ قال: «الرشوة في الحكم» [وهو مرسل، وراجعي تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي لمعرفة بقية طرقه.
وروى مسلم في صحيحه عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ]


أما قول ابن عباس:
أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أحمد الدشتكي، عن أبيه عن إبراهيم الصائغ عن يزيد النحوي قال: قال عكرمة: إن ابن عباس قال: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه.
وأخرجه ابن جرير عن محمد بن سعد , عن أبيه ,عن عمه , قال: ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: {سماعون للكذب أكالون للسحت} [المائدة: 42] وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب "

قول مجاهد:
ورد في تفسير مجاهد و أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] " يعني به: «الرشوة في الحكم وهم اليهود»
وأخرجه ابن جرير عنه من طريق معمر.
قول مقاتل:
قوالون لِلْكَذِبِ للزور منهم كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا، أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ يعني الرشوة فِي الْحُكْم كَانَت اليهود قَدْ جعلت لهم جعلا فِي كُلّ سنة عَلَى أن يقضوا لهم بالجور.تفسير مقاتل
قول ابن زيد:
أخرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب , قال: قال ابن زيد في قوله: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] قال: «الرشوة في الحكم»
- وعن سعيدٌ، عن بن زيدٍ، عن يحيى بن عتيق قال: كان محمّد بن سيرين يكره أجور القسّام، ويقول: كانوا يقولون: الرّشوة على الحكم سحت، ما أرى حكمًا يؤخذ عليه رشوة...سنن سعيد بن منصور
وأورد غير واحد من المفسرين مثل التعلبي والمواردي والزمخشري وغيرهم عن الحسن بغير اسناد : كان الحاكم في بنى إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب.
[لا حاجة للنقل عن مصدر ناقل خاصة وأنه لم يضف شيئًا على الآثار المسندة]
  • وهذا القول أخص من الذي قبله، وتوجيهه ان الرشوة تدخل في السحت دخولا أولياً كما ذكره القنوجي
وهذا القول يحتمله ويعضده سياق الآيات، خاصة مع سبب نزول الآية وسياقها وتحدثها عن أفعال اليهود وتحريفهم لكتابهم وما علموه من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وما قاموا به من تغيير لحد الرجم وتبديله وغير ذلك مما اقترفته يهود.

  • والقول الثالث: الرشوة في الدين.
[قال ابن أبي حاتم] حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عبد الله قال: السحت: الرشوة في الدين. ابن أبي حاتم
[والأولى أن نقول: رواه عبد الرزاق في مصنفه وابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود.
في بعض نسخ تفسير ابن أبي حاتم خطأ " ذر" بدلا من "زر" وهو زر بن حبيش]

والمعنى أن فقراءهم كانوا يأخذون من أغنيائهم الرشا والأموال ليقيموا على ما هم عليه من اليهودية، فالفقراء كانوا يسمعون أكاذيب الأغنياء ويأكلون السحت الذي يأخذونه منهم .. فخر الدين الرازي
وهذا القول كذلك مما يحتمله السياق.

القول الرابع : الرشوة بين الناس.
وهذا القول ورد عن ابن مسعود وعلي وابن سيرين.
قول ابن مسعود:
عن سعيدٌ بن منصور ، عن حمّاد بن يحيى الأبحّ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الرّشوة في الحكم كفرٌ، وهي بين الناس سحت… سنن سعيد بن منصور
[يوجد أكثر من مصدر لهذا الأثر عن أبي الأحوص عن ابن مسعود]
- وعن سعيدٌ،عن سفيان، عن (عمّار) الدّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال: سألت ابن مسعودٍ عن السّحت، أهو الرّشوة في الحكم؟ قال: لا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون، والظّالمون، والفاسقون، ولكنّ السّحت: أن يستعينك رجلٌ على مظلمةٍ، فيهدي لك، فتقبله، فذلك السّحت.
- وأخرجه اببن جرير عن شعبة، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروقٍ، قال: سألت عبد اللّه عن السّحت، فقال: الرّجل يطلب الحاجة فيقضيها، فيهدى إليه فيقبلها.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن بكير بن مرزوق عن عبيد ابن أبي الجعد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا فأهدا له هدية فقبلها فذلك السحت. فقلنا يا أبا عبد الرحمن، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم. فقال عبد الله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
قول علي:
- عن سعيدٌ؛ عن سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن موسى بن طريف، عن أبيه، أنّ عليًّا رضي اللّه عنه قسم شيئًا، فدعا رجلًا يحسب، فقيل له: لو أعطيته شيئًا، قال: إن شاء، وهو سحتٌ.… سنن سعيد بن منصور
قول ابن سيرين:
- عن سعيدٌ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كان يكره الشّرط، ولا يرى بأسًا أن يقسم الرّجل للرّجل فيعطيه الشّيء من غير شرطٍ.… سنن سعيد بن منصور

  • القول الخامس: أنه كل كسب لا يحل.
أخرج بن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى قراءة، عن سفيان بن عيينة عن هارون بن زياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نؤديها عنك ونخرجها من نعم
الصدقة أو إبل الصدقة، فقال :
يا قبيصة، إن المسألة قد حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت.
وأخرجه ابن وهب عن ابن زيد عن أبيه قال: السحت الحرام كله، والرشوة من السحت)

كما وردت عدة آثار عن السلف بتحديد بعض أنواع الحرام ويبدو أنها على سبيل المثال من أنواع الحرام التي تدخل تحت مسمى السحت:
فورد عن سعيدٌ،عن إسماعيل بن عيّاش، عن حبيب بن صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الرّشوة في الحكم سحت، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، وثمن القرد، وثمن الخنزير، وثمن الخمر، وثمن الميتة، وثمن الدّم، وعسب الفحل، وأجر النّائحة والمغنّية، وأجر الكاهن، (وأجر الساحر)، وأجر القائف، وثمن جلود السّباع، وثمن جلود الميتة، فإذا دبغت فلا بأس بها، وأجر صور التّماثيل، وهديّة الشّفاعة، (وجعيلة الغرق) )… سنن سعيد بن منصور
وأخرج بن جرير عن أبو [أبي] السّائب،عن أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال عمر: بابان من السّحت: الرّشا، ومهر الزّانية.
وأخرج كذلك عن هنّادٌ، عن وكيعٌ، وعن ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن طلحة، عن أبي هريرة، قال: مهر البغيّ سحتٌ، وعسب الفحل سحتٌ، وكسب الحجّام سحتٌ، وثمن الكلب سحتٌ.
-وعن هنّادٌ، عن ابن فضيلٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عبد اللّه بن هبيرة السّبئيّ، قال: من السّحت ثلاثةٌ: مهر البغيّ، والرّشوة في الحكم، وما كان يعطى الكهّان في الجاهليّة.
- وعن هنّادٌ، عن ابن مطيعٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ضمرة، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّه قال في كسب الحجّام، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، والاستجعال في القضيّة، وحلوان الكاهن، وعسب الفحل، والرّشوة في الحكم، وثمن الخمر، وثمن الميتة: من السّحت.
وهذا القول يشمل ويعم الأقوال قبله وقد ذهب إليه عامة المفسرين وذكروا أنه أولى الأقوال بالصواب وهو ما ذهب إليه الشوكاني والثعالبي وابن عاشور والقنوجي والقاسمي والسعدي وغيرهم
[بغض النظر عن أن الآثار الأخيرة المنسوبة للصحابة بعضها لا يثبت عنهم، لكن القول بالعموم هو الأصح وكما بينت فإن قول الحسن توجيهه من باب التفسير بالمثال.]
قال القاسمي: السحت كله حرام تحمل عليه شدة الشره. وهو يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا تكون له بركة ولا لآخذه مروءة ويكون في حصوله عار.
وقال السعدي: السحت هوالمال الحرام، بما يأخذونه على سفلتهم وعوامهم من المعلومات والرواتب، التي بغير الحق، فجمعوا بين اتباع الكذب وأكل الحرام.
وعلى ذلك يكون قول الحسن من باب التفسير بالمثال .. والله تعالى أعلم.


--------------------------------------------------------


( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
"اتقوا الله" : أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وسخطه وقاية بعبادتكم له وطاعتكم إياه.
"الذي تساءلون به":قرأ الجمهور تسائلون- بتشديد السين، وقرأ حمزة، وعاصم، والكسائي، وخلف: تساءلون- بتخفيف السين.
والمعنى: الله تعالى الذي تعاهدون وتعاقدون به ويسأل بعضكم بعضا به تعظيما وتوقيرا له تعالى.


واختلف المفسرون في معنى قوله {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} حسب القراءات في ( الأرحام)

القراءة الأولى: قراءة النصب، فمن قرأ بالنصب قال اتقوا الأرحام أن تقطعوها.. وهي قراءة الجمهور
وهو المروي عن ابن عباس والحسن وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك ومجاهد والربيع وابن زيد والحسين
قول بن عباس
أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوا اللّه في الأرحام فصلوها.
كما أخرج عن المثنّى،عن إسحاق، عن عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، و أبو جعفرٍ الخزّاز، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّ ابن عبّاسٍ، كان يقرأ: {والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه لا تقطعوها.
وعن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: اتّقوا الأرحام.

قول الحسن
أخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن الحسن في قوله تعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام قال هو قول الرجل أنشدك الله الرحم). وأخرج ابن المنذر مثله عن مجاهد.
أخرج ابن جرير عن كريبٍ، عن هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} قال: اتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوه في الأرحام.

قول عكرمة:
وأخرج النهدي وابن جرير وابن المنذر عن (سفيان [الثوري] عن خصيفٍ عن عكرمة {الذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه واتّقوا الأرحام أن تقطعوها [الآية: 1]).
[موسى بن مسعود النهدي راوي كتب فينسب الأثر لصاحب التفسير، سفيان الثوري.
رواه ابن المنذر وسفيان الثوري وابن جرير من طريق خصيف عن عكرمة]

وخصيف بن عبد الرحمن الجزري ممن هم من أهل الصلاح ولكن رواياته فيها ضعف واضطراب عن عكرمة ولكن هنا الرواية ليس بها نكارة ولم تخالف ما روي في الآية ممن هم أوثق منه .

قول السدي:
أخرج ابن جرير عن محمّد بن الحسين،عن أحمد بن المفضّل،عن أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه، واتّقوا الأرحام لا تقطعوها.

قول قتادة:
أخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن قتادة قال بلغني أن النبي قال اتقوا الله وصلوا الأرحام).
أخرج ابن جرير بشر بن معاذٍ، عن يزيد،عن سعيدٌ، عن قتادة: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا} ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: اتّقوا اللّه وصلوا الأرحام، فإنّه أبقى لكم في الدّنيا، وخيرٌ لكم في الآخرة.

قول مجاهد:
أخرجه ابن جرير عن المثنّى، عن أبو حذيفة، عن شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الّذي تساءلون به والأرحام} قال: اتّقوا الأرحام أن تقطعوها.

قول الضحاك:
أخرجه ابن جرير عن المثنّى، عن إسحاق، عن أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الّذي تساءلون به والأرحام} قال: يقول: اتّقوا اللّه في الأرحام فصلوها.
كما أخرجه عن المثنى عن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع.

قول ابن زيد:
أخرجه ابن جرير عن يونس، عن ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} قال يقول اتقوا الله الذى تساءلون به واتّقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ: {والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل}

قول الحسين:
أخرجه ابن المنذر عن موسى، عن شجاع، عن هشيم، عن منصور، عن الحسين " {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوه في الأرحام " قوله جل وعز: {إن الله كان عليكم رقيبا}

وقراءة النصب هنا جاءت عطفا على اسم " الله"، ورجحه ابن جرير وعليه الأكثر.

قال بن جرير: والقراءة الّتي لا نستجيز للقارئ أن يقرأ غيرها في ذلك النّصب: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}والعرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيٍّ في حال الخفض، إلاّ في ضرورة شعرٍ.
قال الأخفش: {وَالأَرْحَامَ} منصوبة أي: اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم {والأَرْحامِ} جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.
قال الزجاج: القراءَة الجيِّدةُ نصب الأرحام.
وقال البغوي: والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لا تكاد تنسق بظاهر على مكنى، إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررت به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته.
قال الهمذاني: من أجاز الخفض في {الأرحام} أجمع مع من لم يجز أن النصب هو الاختيار.
قال مكي: هو الاختيار، لأنه الأصل، وهو المستعمل، وعليه تقوم الحجة، وهو القياس، وعليه كل القراء.

القراءة الثانية: قراءة الخفض ، قرأها كذلك ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وأبي رزين، وحمزة… قاله أبو حيان الأندلسي.
فتكون على معنى: تساءلون به وبالأرحام، فيكون معطوفا على موضع الجار والمجرور
وهو ما ورد عن مجاهد وإبراهيم والحسن.
قول ابن مجاهد:
أخرج النهدي وابن جرير عن (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه تعالى: {الّذي تساءلون به والأرحام} أسألك بالله وبالرحم .
قول إبراهيم النخعي:
أخرج ابن جرير عن ابن حميدٍ، عن حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه الّذي تعاطفون به والأرحام، يقول: الرّجل يسأل باللّه وبالرّحم.
- وأخرج بن جرير عن إبراهيم عدة آثار بنفس المعنى ، قال: هو كقول الرّجل: أسألك باللّه، أسألك بالرّحم يعني قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}.
قول الحسن:
أخرج ابن جرير عن المثنّى، عن سويدٌ، عن ابن المبارك، عن معمرٍ، عن الحسن، قال: هو قول الرّجل: أنشدك باللّه والرّحم قال محمّدٌ: زيد.

وردّ النحويون من البصريين والكوفيين هذا القول وزعم البصريون أنه لحن، وقبّحه الكوفيون، وذلك من وجهين:
الأول: أنه لا يجوز في العربية العطف بظاهر على مكنى مخفوض إلا بإعادة الخافض سوى ما يكون في ضرورة الشعر.قاله الزجاج وابن جرير وغيرهم.
قال بن جرير: وذلك غير فصيحٍ من الكلام عند العرب؛ لأنّها لا تنسق بظاهرٍ على مكنيٍّ في الخفض إلاّ في ضرورة شعرٍ، وذلك لضيق الشّعر؛ وأمّا الكلام فلا شيء يضطرّ المتكلّم إلى اختيار المكروه من المنطق والرّدئ في الإعراب منه.

الثاني: إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين، والتنوين لا يعطف عليه ..قاله سيبويه
الثالث : أن المعنى غير جائز في الدين فلا يجوز الحلف بغير الله .قاله الزجاج وغيره.

حكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال: لو صليت خلف إمام يقرأ واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام بالجر، لأخذت نعلي ومضيت.

قال أبو علي: من جر، عطف على الضمير المجرور بالباء، وهو ضعيف في القياس، قليل في الاستعمال، فترك الأخذ به أحسن.

وعند التحقيق نجد الآتي:
أولا: وإن كان اختيار الجمهور على قراءة النصب إلا أن قراءة الخفض متواترة مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز إنكارها لأن انكارها انكارًا للقرآن، ، ومما علم من ورع حمزة وتقاه أنه لم يقرأ حرفا إلا بأثر.

وقد وردت كذلك عن مجاهد مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فقد نقل الهمذاني عن ابن خالويه رحمه الله أنه قال في قراءة الخفض: وليس لحنًا عندي؛ لأن ابن مجاهد حدثنا بإسناد يعزيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والأرحامِ} ومع ذلك فإن حمزة كان لا يقرأ حرفًا إلا بأثر.
قال أبو زرعة في إنكار قراءة الخفض: وقد أنكروا هذا وليس بمنكر لأن الأئمّة أسندوا قراءتهم إلى النّبي صلى الله عليه.اهـ
ويؤيد هذا القول قراءة عبد الله بن مسعود: تساءلون به وبالأرحام، على وجه التفسير والتوضيح.
ومتى ثبتت القراءة وتواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي قرآن فلا يطوع بحسب ما جاء في العربية وإنما تطوع اللغة بما ورد في القرأن، فاللغة ليست حاكمة على القرآن وإنما القرآن حاكم على اللغة، وهذه من المآخذ التي وردت على ابن جرير في رده لبعض القراءات المتواترة.
قال أبو حيان : ومن ادعى اللحن فيها أو الغلط على حمزة فقد كذب.

ثانيا: إنكارهم لموضع الخفض من جهة عدم جوازه في العربية يرد عليه من وجوه:
الأول: إنكارهم أن الظّاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلّا بإظهار الخافض رد عليه بأنه غير منكر.
قال أبو زرعة: وليس بمنكر وإنّما المنكر أن يعطف الظّاهر على المضمر الّذي لم يجر له ذكر فتقول مررت به وزيد وليس هذا بحسن فأما أن يتقدّم للهاء ذكر فهو حسن وذلك عمرو مررت به وزيد فكذلك الهاء في قوله {تساءلون به} وتقدم ذكرها وهو قوله {واتّقوا الله} ومثله قول سيبويه:
فاليوم أصبحت تهجونا وتشتمنا …. فاذهب فما بك والأيّام من عجب
قال أبو حيان: وقد ورد من ذلك في أشعار العرب كثير يخرج عن أن يجعل ذلك ضرورة.

الثاني: أن يكون هناك حذف للباء الجارّة،كما حذفت في قوله:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ..ز ولا ناعب إلا ببين غرابها
فجرّ وإن لم يتقدم باء.

ثالثاً: أن تكون (والأرحام) بالنصب عطف على موضع به، لأن موضعه نصب، ومنه قوله:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا ، ويشهد له قولهم: أنشدك بالله والرحم


أما قولهم بعدم جواز القراءة بالخفض لغرض تحريم الحلف بغير الله فقد رد عليه من وجوه:
الأول: النهي إنما جاء في الحلف بغير الله، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فلا نهي فيه.أورده القرطبي.

الثاني: أنه قد يكون من باب الإقسام من الله بالرحم،أي: اتقوا الله وحق الرحم كما تقول: افعل كذا وحق أبيك، وقد ورد عن الله تعالى إقسامه ببعض مخلوقاته للتنبيه على أهميتها، وله سبحانه أن يقسم بما يشاء من خلقه.أورده القرطبي.

الثالث: أن تكون تعريضا بعوائد الجاهلية، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم، فناقضت أفعالهم أقوالهم، وأيضا هم قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وظلموه، وهو من ذوي رحمهم وأحق الناس بصلتهم
الرابع: إِنما أراد حمزة الخبر عن الأمر القديم الذي جرت عادتهم به، فالمعنى: الذي كنتم تساءلون به وبالأرحام في الجاهلية...قاله ابن الأنباري

الخامس: إن الآية لم تأت في القسم بغير الله، وإنما أتت في التساؤل بغير الله، والتساؤل غير القسم، فهي استعطاف وليس يمينا ، واستدل أصحاب هذا القول بما جاء عن عمرو بن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قضى صلاته: «اللهم إني أسألك بحقّ السائلين عليك».ولكن عمرو بن عطية العوفي ضعيف.

القراءة الثالثة: قراءة أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: [الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامُ] رفعًا،
قال بن جني عن أبي الفتح: ينبغي أن يكون رفعه على الابتداء وخبره محذوف، وحسن رفعه لأنه أوكد في معناه.

والمعنى: والأرحام أهل أن توصل وهي مما يجب أن تتقوه، وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه.
وهذه القراءة مما لم يقرأ به الآن.

ومما هو معلوم أن تعدد القراءات يزيد في المعنى ويثريه ويمكننا الجمع بينها جميعا .

التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
وأشير فقط إلى أنه ليس مطلوبًا منكم تخريج جميع الأقوال وإنما المطلوب فقط:
- تخريج القول المذكور في رأس السؤال، مع الانتباه لاختلاف الألفاظ عن المفسرين.
- بيان الأقوال الواردة في المسألة، مع عزوها لقائليها - ولا يلزم التخريج - وتوجيهها، ثم بيان الراجح أو بيان وجه الجمع بين الأقوال.
- بالطبع لفعل هذا فنحن بحاجة لتصنيف المسألة، وتعيين مصادرها ومنها المصادر المسندة حتى نتمكن من عزو الأقوال بشكل صحيح، ومن ثم تحرير الأقوال وتوجيهها.
- من كان له همة لتخريج جميع الأقوال فلا بأس بل هو أفضل، أما إن كان سيؤدي هذا إلى استثقال الواجب وصعوبة أدائه فيلتزم بالمطلوب فقط.
زادكِ الله علمًا ونفع بكِ.


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 17 ربيع الثاني 1441هـ/14-12-2019م, 01:30 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كوثر التايه مشاهدة المشاركة
واجبات التخريج:



التطبيق الرابع مهارات التخريج:


المجموعة الأولى


قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين


تخريج الأثر:


رواه الطبري عن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد

[التخريج: رواه ابن جرير الطبري من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
لاحظي اختلاف اللفظ بحسب اختلاف الرواة عن ابن أبي نجيح]
1-عن محمد بن عمروقال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : تماما على الذي أحسن : على المؤمنين.


2- عن المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل عن ابن أبن نجيح عن مجاهد: قال: على المؤمنين والمحسنين.


رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن نجيح عن مجاهد


عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد قال: على المؤمنين.


الحكم على الرواية:
[لا يلزم الحكم على الرواية، فقط التعليق على الرواة عن " منتهى الإسناد" بحسب ما درستم في دورة سير أعلام المفسرين، وهذا لا يعني بالضرورة الحكم على الأثر]

الأثر عن محمد بن عمرو حسن من أجل عيسى بن ميمون، ومحمد بن عمرو الباهلي، وأن ابن نجيح لم يسمع من مجاهد ولكن أخذه عن القاسم الذي سمعه من مجاهد والله أعلم


عيسى بن ميمون المكي- قال عباس الدوري عن يحيي بن معين: ليس به بأس.


قال أبوحاتم: ثقة وهو أحب إلى في ابن أبي نجيح من ورقاء.


والأثر عن أبي حذيفة هو موسى بن مسعود النهدي ضعيف يُكتب حديثه، ويعتبر به.


توجيه قول مجاهد:


وكأن مجاهدا وجه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده، أي: تماماً لكل محسن. وهو في هذا يوافق الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود " تماما على الذين أحسنوا"وقيل : إن العرب تفعل ذلك خاصة في " الذي " وفي " الألف واللام " ، إذا أرادت به الكل والجميع.
[هذا منسوخ من كلام ابن جرير الطبي مع تعديل يسير]

ويمكن على هذا القول، يكون «الذي» بمعنى «مَن» ، و «على» بمعنى لام الجر ومن هذا قول العرب: أتم عليه، وأتم له. قال ابن قتيبة: ومثل هذا أن تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج تريد: للغازين والحاجِّين
[وهذا من زاد المسير لابن الجوزي]

أقوال أخرى في الأية:


بقوله: أَحْسَنُ


أحدها: أنه الله عزّ وجلّ: ثم في معنى الكلام قولان:

[هذه الأقوال في فاعل " أحسن " على القول بأنه فعل ماضٍ]
أحدهما: تماماً على إحسان الله إلى أنبيائه، قاله ابن زيد. والثاني: تماما على إحسان الله تعالى إلى موسى وعلى هذين القولين، يكون «الذي» بمعنى «ما» .


. ثم في معنى: «أحسن» قولان: أحدهما: أَحْسَنَ في الدنيا بطاعة الله عزّ وجلّ. قال الحسن، وقتادة: تماما لكرامته في الجنة إلى إحسانه في الدنيا. وقال الربيع: هو إحسان موسى بطاعته. وقال ابن جرير: تماماً لنعمنا عنده على إحسانه في قيامه بأمرنا ونهينا.:


والثاني :أحسن في العلم وكُتُبَ اللهِ القديمةِ وكأنه زيد على ما أحسنه من التوراة ويكون «التمام» بمعنى الزيادة، ذكره ابن الانباري. فعلى هذين القولين، يكون «الذي» بمعنى: «ما


والقول الثاني: أنه إبراهيم الخليل عليه السلام فالمعنى: تماماً للنعمة على إبراهيم الذي أحسن في طاعة الله، وكانت نُبُوَّة موسى نعمة على إبراهيم، لأنه من ولده، ذكره الماوردي.


والقول الثالث: أنه كل محسن من الانبياء، وغيرهم- ويدخل فيه قول مجاهد-


وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رزين، والحسن، وابن يعمر: «على الذي أحسنُ» ، بالرفع


قال الزجاج: معناه: على الذي هو أحسن الأشياء. وقرأ عبد الله بن عمرو، وأبو المتوكل، وأبو العالية: «على الذي أُحْسِنَ» برفع الهمزة وكسر السين وفتح النون وهي تحتمل الإحسان، وتحتمل العلم.

[زاد المسير لابن الجوزي]
الراجح:


أن الآية تحتمل كل الأقوال المذكورة فالله سبحانه وتعالى أحسن إلى أنبيائه وهداهم ونصرهم وفضلهم على بقية خلقه، وكان فضله على من اتبعهم واهتدى بهديهم، قال تعالى: " أولئك الذي هدى الله فبهداهم اقتده"،


وكذلك سبحانه أحسن إلى عباده الصالحين وهداهم لما يحب ويرضى، وجعل لهم الأنبياء قدوات ومنارات، وأنزل عليه الكتب للهداية والإرشاد.

[هذا يسمى جمع بين الأقوال، وفيه نبين وجه الجمع بينها، وليس ترجيح قول على آخر]
قال في التحرير والتنوير: " والموصول في قوله : على الذي أحسن مراد به الجنس ، فلذلك استوى مفرده وجمعه . والمراد به هنا الفريق المحسن ، أي تماما لإحسان المحسنين من بني إسرائيل ، فالفعل منزل منزلة اللازم ، أي الذي اتصف بالإحسان".


قول محمد بن كعب القرظي: {منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن


تخريج الأثر:


رواه الطبري من من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي


قال الطبري: حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا منصور بن حكيم، عن خارجة، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال: ليس كل الناس سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن المنادي القرآن


رواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي

[وهناك مصادر أخرى روت هذا الأثر، وعلى القدر الذي ذكرتيه فقط تكون صياغة التخريج: رواه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي.]
عن ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قوله : ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان، قال: هو الكتاب.


تخريج الأثر:
[هذا بيان لأحوال الرواة، وصياغة التخريج بينتها لكِ أعلاه]

منصور بن حكيم:


قال الذهبي: منصور بن حكيم نكرة متهم


وفي المغني في الضعفاء: منصور بن حكيم نكرة متهم


موسى بن عبيدة


في الطبقات ضعيف


وفي التاريخ الكبير: منكر الحديث قاله ـحمد بن حنبل، وقال ابن المديني عن القطان: كنا نتقيه تلك الأيام.


وفي الجرح والتعديل: صدوق ليس بحجة.


ويبدو لنا أن خطأ الرواية من موسى بن عبيدة وعليه تدور الروايتين ولا يمكن الجزم بصحة نسبتها إلى محمد بن كعب القرظي.


توجية قول محمد بن كعب القرظي:


وإن لم نثبت صحة القول للقرظي إلا أن المعنى صحيحاً وجاء في الآيات القرآنية، قال تعالى: " يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام " أي يهديهم القرآن كما قال ابن كثير.


أقوال أخرى في المنادي:


روي عن ابن جريج وابن زيد وابن وهب أنه النبي صلى الله عليه وسلم


وعلق الطبري :وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول محمد بن كعب، وهو أن يكون " المنادي" القرآن. لأن كثيرًا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه، ولكنه القرآن، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرًا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا: "إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ"


وهو قول ابن كثير، والقرطبي وقال: هو قول أكثر المفسرين، وقول البغوي والسعدي.


وهذا القول لا يعارض أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم فهو المبلغ عن ربه كتابه وشرعه ، والله تعالى يقول: " ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته".



(قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم


تخريج الأثر:


رواه الطبري من طريق زمعة عن ابن طاوس عن أبيه.


حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبدالرحمن، قال: ثنا زمعة، عن ابن طاوس عن أبيه، قال: الحفدة والخدم.


الحكم على الرواية:


زمعة بن صالح الجندي اليماني ضعيف يعتبر به، الأثر له شواهد فيُقبل المتن.


قال عبدالله بن أحمد في الجرح والتعديل: " عن أبيه: ضعيف"


قال البخاري: " يخالف في حديثه تركه ابن مهدي أخيرا"


قال أبو داود: صالح أحب إلي من زمعة، أنا لا أخرج جديث زمعة


قال الجوزجاني: " متماسك"وقال أبو حام: ضعيف الحديث


توجيه قول طاووس عن أبيه:


قال الأصفهاني: حفدة جمع حافد وهو المتحرك المتبرع بالخدمة، فالقول له أصل في اللغة.


الأقوال الأخرى في الآية:


1-جاء عن ابن حبيش عن عبدالله وعن زر وأبي الضحى وابراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعن عكرمة عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن علي أنهم الأختان أو الأصهار.


2-جاء عن مجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس وابن زيد وعكرمة هم ولد الرجل وولد ولده


3-وعن عباس أنهم بنو امرأة الرجل من غيره.


الراجح


الأصل اللغوي بمعنى الخدمة، ووكذلك أبناء ولد الرجل وولد ولده وبنو امرأة الرجل من غيره كلهم يدخلوا في هذا المعنى، ويقول الأصفهاني: المتبرع بالخدمة أقارب كانوا أو أجانب، قال المفسرون: هم الأسباط ونحوهم، وذلك لأن خدمتهم أصدق [من حاشية الطيبي على الكشاف] ، وفلان محفود أي مخدوم وهو الأختان والأصهار، وفي الدعء نسعى إليك ونحفد، وسيف محتفد سريع القطع، قال الأصمعي: أصل الحفد مداركة الخطو.ا.ه


وهذا ما ذهب إليه الطبري، وقال ابن كثير: " فمن جعل ( وحفدة ) متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ; لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال الشعبي والضحاك فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجره وفي خدمته . وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] والسلام في حديث بصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود".


وأما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد.
بارك الله فيكِ أختي الفاضلة، ونفع بكِ، وشكر لكِ جهدكِ في هذه التطبيقات، والتي تهدف إلى تنمية مهارة تفسيرية لديكم، وهذا لن يتأتى بنسخ تحرير المفسرين كما في التطبيق الأول، ولا حتى بنسخ عزوهم للسلف دون الرجوع للمصادر الأصيلة
كذلك مهارة توجيه الأقوال ودراستها لابد أن تكون الصياغة بأسلوبك، ولا ننقل من أقوال المفسرين وأهل اللغة إلا ما لابد منه.
أما أن يكون جُل البحث نقلا لأقوال المفسرين فلن تتحصل المهارة بهذا، فكيف إذا كان النقل دون النسبة إليهم؟!
وراجعي التعليقات على الأخ ماهر القسي أعلاه.
وأرجو - زادكِ الله من فضله وعلمه - مراجعة دروس المهارات المتقدمة في التفسير والتطبيق عليها - باتباع تعليمات الشيخ عبد العزيز الداخل التي أوردها في الدروس بحذافيرها، والصبر على المشقة في تحصيلها، فمن صبر ظفر.
التقويم: هـ
وفقكِ الله وسدد خطاكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir