<H1 dir=rtl style="MARGIN: 0cm 0cm 0pt">
هَذا بَابُ الاشتغالِ([1])
إذا اشْتَغَلَ فعلٌ مُتأَخِّرٌ بنَصْبِه لمَحَلِّ ضميرِ اسْمٍ مُتقَدِّمٍ عن نَصْبِه للفظِ ذلك الاسْمِ؛ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُهُ) أو لمَحَلِّه؛ كـ (هَذَا ضَرَبْتُهُ), فالأصْلُ أنَّ ذلكَ الاسْمَ([2]) يَجوزُ فيهِ وجهانِ:
أحَدُهما: رَاجِحٌ لسلامتِه من التقديرِ, وهو الرفعُ بالابتداءِ, فما بعدَه في موضِعِ رَفْعٍ على الخَبَرِيَّةِ, وجُمْلَةُ الكلامِ حِينَئذٍ اسميَّةٌ.
والثاني: مَرْجوحٌ؛ لاحتياجِه إلى التقديرِ, وهو النصْبُ فإِنَّه بفِعْلٍ مُوافِقٍ للفِعْلِ المذكورِ مَحْذوفٍ وُجوباً, فما بعدَه لا مَحَلَّ له؛ لأنَّهُ مُفَسِّرٌ, وجُمْلةُ الكلامِ حِينَئذٍ فِعْلِيَّةٌ([3]).
ثم قَدْ يَعرِضُ لهذا الاسمِ ما يُوجِبُ نَصْبَه وما يُرجِّحُه وما يُسَوِّي بينَ الرفْعِ والنصْبِ, ولم نَذْكُرْ من الأقسامِ ما يَجِبُ رَفْعُه كما ذَكَرَ الناظِمُ؛ لأنَّ حدَّ الاشتغالِ لا يَصْدُقُ عليهِ([4])،وسَيَتَّضِحُ ذَلِكَ.
فيَجِبُ النصْبُ إذا وقَعَ الاسمُ بعدَ ما يَخْتَصُّ بالفِعْلِ؛ كأدواتِ التحضيضِنحوَ: (هَلاَّ زَيْداً أكْرَمْتَهُ), وأدواتِ الاستفهامِ غَيْرَ الهمزةِ نحوَ: (هَلْ زَيْداً رَأَيْتَهُ)([5]) و(مَتَى عَمْراً لَقِيتَهُ), وأدواتِ الشرطِ نَحوَ: (حَيْثُمَا زَيْداً لَقِيتَهُ فأَكْرِمْهُ), إلاَّ أنَّ هذيْنِ النوعيْنِ لا يَقَعُ الاشتغالُ بعدَهما إلاَّ في الشِّعْرِ، وأمَّا في الكلامِ فلا يَلِيهِما إلاَّ صريحُ الفعلِ, إِلاَّ إنْ كانَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ (إِذَا) مُطْلَقاً أو (إِنْ), والفِعْلُ ماضٍ فيَقَعُ في الكلامِ نحوَ: (إِذَا زَيْداً لَقِيتَهُ أَوْ تَلْقَاهُ فأكْرِمْهُ), و(إِنْ زَيْداً لَقِيتَهُ فَأكْرِمْهُ), ويَمْتنِعُ في الكلامِ:(إِنْ زَيْداً تَلْقَهُ فأكْرِمْهُ), ويجوزُ في الشِّعْرِ, وتسويةُ الناظِمِ بينَ(إِنْ) و(حَيْثُمَا) مَرْدُودَةٌ.
ويَتَرَجَّحُ النصبُ في سِتِّ مَسائِلَ:
إحداها: أنْ يَكُونَ الفعلُ طَلَباً([6])،وهو الأمْرُ والدعاءُ, ولو بصِيغَةِ الخبرِ نحوَ: (زَيْداً اضْرِبْهُ), و: (اللَّهُمَّ عَبْدَكَ ارْحَمْهُ), و: (زَيْداً غَفَرَ اللهُ لَهُ).
وإنَّما وجَبَ الرفْعُ في نحوِ: (زَيْدٌ أحْسِنْ بِهِ)؛ لأنَّ الضميرَ في مَحَلِّ رَفْعٍ([7]).
وإنَّما اتَّفَقَ السَّبْعَةُ عليهِ في نحوِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}([8])؛لأنَّ تَقْدِيرَه عندَ سِيبَوَيْهِ: مِمَّا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ الزَّانِي والزَّانِيَةِ, ثم اسْتُؤْنِفَ الحُكْمُ؛ وذلكَ لأنَّ الفاءَ لا تَدْخُلُ عندَه في الخبرِ في نحوِ هَذَا؛ وَلِذَا قالَ في قَوْلِه:
233- وقَائِلَةٍ خَوْلانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ([9]): إنَّ التقديرَ: هذهِ خَوْلانُ. وقالَ المُبَرِّدُ: الفاءُ لمعنَى الشرطِ, ولا يَعْمَلُ الجَوابُ في الشرطِ, فكذلكَ ما أشْبَهَهُمَا, ومالا يَعْمَلُ لا يُفَسِّرُ عَامِلاً, فالرفْعُ عندَهما واجِبٌ. وقالَ ابنُ السيدِ وابنُ بابشاذَ: يُخْتارُ الرَّفْعُ في العمومِ كالآيةِ, والنَّصْبُ في الخُصوصِ؛ كـ (زَيْداً اضْرِبْهُ).
الثانيةُ: أنْ يَكُونَ الفِعْلُ مَقْروناً باللامِ أو بـ (لا) الطَّلَبيَّتيْنِ نحوَ: (عَمْراً لِيَضْرِبْهُ بَكرٌ), و: (خَالِداً لا تُهْنِهُ), ومنه: (زَيْداً لا يُعَذِّبُهُ اللهُ)؛ لأنَّهُ نَفْيٌ بمعنَى الطَّلَبِ.
ويَجْمَعُ المسألتيْنِ قولُ الناظِمِ: (قبلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ). فإنَّ ذلك صادِقٌ على الفعلِ الذي هو طَلَبٌ, وعلى الفعلِ المَقرونِ بأداةِ الطَّلَبِ.
الثالثةُ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ بعدَ شَيْءٍ الغَالِبُ أنْ يَلِيَهُ فعلٌ؛ ولذلك أمثلةٌ, منها همزةُ الاستفهامِ، نحوُ: {أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ}([10]) فإنْ فُصِلَتِ الهَمزَةُ فالمُختارُ الرفْعُ نَحْوُ: (أَأَنتَ زَيْدٌ تَضرِبُهُ)([11]) في نحوِ: (أَكُلَّ يَوْمٍ زَيْداً تَضرِبُهُ)؛ لأنَّ الفصلَ بالظرفِ كَلاَ فَصْلٍ, وقالَ ابنُ الطَّرَاوةِ: إنْ كانَ الاستفهامُ عن الاسْمِ فالرفعُ, نحوُ: (أَزَيْدٌ ضَرَبْتَهُ أَمْ عَمْرٌو), وحكَمَ بشُذوذِ النصْبِ في قولِه:
234- أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ أَمْ رِيَاحاً = عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا([12]) وقالَ الأخْفَشُ: أخواتُ الهمزةِ كالهمزةِ نحوُ: (أَيُّهُمْ زَيْداً ضَرَبَهُ),(وَمَنْ أَمَةَ اللهِ ضَرَبَها), ومنها النفْيُ بـ(مَا)، أو (لا)، أو (إنْ) نحوُ: (مَا زَيْداً رَأَيْتُهُ), وقِيلَ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ اختيارُ الرفْعِ. وقالَ ابنُ الباذشِ وابنُ خَرُوفٍ: يَسْتويانِ. ومنها (حَيْثُ) نَحْوُ: (حَيْثُ زَيْداً تَلْقَاهُ أكْرِمْهُ) كذا قالَ الناظِمُ([13]), وفيهِ نَظَرٌ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقَعَ الاسْمُ بعدَ عاطفٍ غَيْرِ مفصولٍ بـ(أمَّا) مَسْبوقٍ بفِعْلٍ غيرِ مَبْنِيٍّ على اسْمٍ, كـ (قَامَ زَيْدٌ, وعَمْراً أكْرَمْتُهُ), ونحوِ: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ}([14]) بعدَ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}([15]) بخلافِ نحوِ: (ضَرَبْتُ زَيْداً وأَمَّا عَمْرٌو فأَهَنْتُهُ), فالمُختارُ الرفْعُ؛ لأنَّ(أمَّا) تَقْطَعُ ما بعدَها عَمَّا قَبْلَها, وقُرِئَ: (وأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ)([16]) بالنصْبِ على حَدِّ:(زَيْداً ضَرَبْتُهُ), وحتَّى ولَكِنْ وبَلْ, كالعاطفِ نحوَ: (ضَرَبْتُ القَوْمَ حَتَّى زَيْداً ضَرَبْتُهُ)([17]).
الخامسةُ: أَنْ يُتَوَهَّمَ في الرفْعِ أَنَّ الفعلَ صِفَةٌ نحوُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ}([18])،وإِنَّما لم يُتَوَهَّمْ ذلكَ معَ النصْبِ؛ لأنَّ الصِّفَةَ لا تَعْمَلُ في الموصوفِ، ومالا يَعْمَلْ لا يُفَسِّرْ عَامِلاً.
ومِن ثَمَّ وجَبَ الرفعُ إِنْ كانَ الفعلُ صِفَةً نحوَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}([19])،أو صِلَةًنحوَ: (زَيْدٌ الَّذِي ضَرَبْتُه), أو مُضافاً إليهِنحوَ: (زَيْدٌ يَوْمَ تَرَاهُ تَفْرَحُ), أو وقَعَ الاسمُ بعدَ ما يَخْتَصُّ بالابتداءِكإِذَا الفُجائِيَّةِ على الأصحِّ([20]) نحوَ: (خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ يَضْرِبُهُ عَمْرٌو), أو قبلَ ما لا يَرِدُ ما قبلَه معمولاً لِمَا بعدَه نحوُ: (زَيْدٌ مَا أَحْسَنَهُ!), أو:(إِنْ رَأَيْتَهُ فأكْرِمْهُ), أو:(هَلْ رَأَيتَهُ),أو: (هَلاَّ رَأَيْتَهُ).
(تَنْبيهانِ) الأَوَّلُ: لَيْسَ من أقسامِ مسائلِ البابِ ما يَجِبُ فيهِ الرفْعُ كما في مسألةِ(إذا) الفُجائِيَّةِ؛ لعَدَمِ صِدْقِ ضَابِطِ البابِ([21]) عليها, وكلامُ الناظِمِ يُوهِمُ ذلك.
الثاني: لم يَعْتَبِرْ سِيبَوَيْهِ إيهامَ الصِّفَةِ مُرَجِّحاً للنصْبِ, بل جَعَلَ النصْبَ في الآيةِ مثلَه في: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ), قالَ: وهو عَرَبِيٌّ كَثِيرٌ.
السادسةُ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ جواباً لاستفهامٍ مَنْصوبٍ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُهُ) جَوَاباً لمَن قالَ: (أَيَّهُمْ ضَرَبْتَ؟). أو (مَن ضَرَبْتَ).
ويَسْتويانِ في مثلِ الصورةِ الرابعةِ إذا بُنِيَ الفِعْلُ على اسْمٍ غَيْرِ (مَا) التَّعَجُّبِيَّةِ, وتَضَمَّنَتِ الجملةُ الثانيةُ ضَمِيرَه أو كَانَتْ مَعْطوفةً بالفاءِ؛ لحصولِ المُشاكَلَةِ رَفَعْتَ أو نَصَبْتَ وذلكَ نَحْوُ: (زَيْدٌ قَامَ وعَمْرٌو أكْرَمْتُهُ لأجْلِهِ), أو:(فَعَمْراً أكْرَمْتُهُ)([22]) بخلافِ: (مَا أَحسَنَ زَيْداً وعَمْرٌو أكْرَمْتُهُ عِنْدَه), فلا أثَرَ للعطفِ, فإِنْ لَمْ يَكُنْ في الثانيةِ ضَمِيرٌ للأوَّلِ ولم يُعْطَفْ بالفاءِ فالأخْفَشُ والسِّيرافِيُّ يَمْنعانِ النصْبَ([23])،وهو المختارُ, والفارِسِيُّ وجماعةٌ يُجِيزُونَهُ, وقالَ هِشامٌ: الواوُ كالفَاءِ.
وهذهِ أُمورٌ مُتَمِّماتٌ لِمَا تَقدَّمَ:
أحَدُها: أنَّ المُشْتَغِلَ عن الاسمِ السابقِ كما يَكونُ فِعْلاً، كذلك يَكُونُ اسْماً، لكنْ بشُروطٍ ثَلاثَةٍ:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ وَصْفاً([24]).
الثاني: أنْ يَكُونَ عامِلاً.
الثالِثُ: أنْ يَكُونَ صَالِحاً للعَمَلِ فيما قبلَه؛ وذلك نحوُ: (زَيْدٌ أنَا ضَارِبُهُ الآنَ أو غَداً)؛ بخِلافِ نحوِ: (زَيْدٌ عَلَيْكَهُ), و: (زَيْدٌ ضَرْباً إِيَّاهُ)؛ لأنَّهُما غيرُ صِفَةٍ, نَعَمْ يجوزُ النصْبُ عندَ مَن جَوَّزَ تقديمَ معمولِ اسْمِ الفعلِ, وهو الكِسائِيُّ, ومعمولِ المَصْدَرِ الذي لا يَنْحَلُّ بحَرْفٍ مَصْدرِيٍّ, وهو المُبَرِّدُ والسِّيرافِيُّ, وبخلافِ نحوِ: (زَيْدٌ أنَا ضَارِبُهُ أَمْسِ)؛ لأنَّهُ غيرُ عَامِلٍ على الأصَحِّ, و: (زَيْدٌ أَنَا الضَّارِبُهُ), و: (وَجْهُ الأَبِ زَيْدٌ حَسَنُهُ)؛ لأنَّ الصلةَ والصِّفَةَ المُشبَّهَةَ لا يَعْمَلانِ فيما قبلَهما.
الثاني: لا بُدَّ في صِحَّةِ الاشتغالِ مِن عُلْقةٍ بينَ العاملِ والاسْمِ السابقِ, وكما تَحْصُلُ العُلْقَةُ بضميرِه المُتَّصلِ بالعامِلِ؛ كـ(زَيْداً ضَرَبْتُهُ), كذلك تَحْصُلُ بضَميرِه المُنفصِلِ من العاملِ بحَرْفِ الجرِّ نحوَ: (زَيْداً مَرَرْتُ بِهِ), أو باسْمٍ مُضافٍ نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ), أو باسْمٍ أجْنَبِيٍّ أُتْبِعَ بتابِعٍ مُشْتَمِلٍ على ضميرِ الاسمِ بشَرْطِ أنْ يَكُونَ التابِعُ نَعْتاً له نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ رَجُلاً يُحِبُّهُ), أو عَطْفاً بالواوِ نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ عَمْراً وأخَاهُ), أو عَطْفَ بَيَانٍ؛ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُ عَمْراً أَخَاهُ)؛ فإِنْ قَدَّرْتَ الأخَ بَدَلاً بَطَلَتِ المسألةُ؛ رَفَعْتَ أو نَصَبْتَ, إِلاَّ إذا قُلْنا: عَامِلُ البَدَلِ والمُبدَلِ منه وَاحِدٌ. صَحَّ الوَجْهانِ.
الثالِثُ: يَجِبُ كونُ المُقَدَّرِ في نحوِ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ) مِن معنَى العاملِ المذكورِ ولفظِه, وفي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ من معناهُ دُونَ لَفظِه، فيُقَدَّرُ: جَاوَزْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بِهِ، وأَهَنْتُ زَيْداً ضَرَبتُ أَخَاهُ([25]).
الرابعُ: إذا رَفَعَ فِعْلٌ ضَمِيرَ اسْمٍ سَابِقٍ نَحْوَ: (زَيْدٌ قَامَ), أو:(غُضِبَ عَلَيهِ), أو مُلابِساً لضميرِه نحوَ: (زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ), فقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الاسْمُ وَاجِبَ الرفْعِ بالابتداءِ([26])؛كـ (خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَامَ), و: (لَيْتَمَا عَمْرٌو قَعَدَ), إِذَا قَدَّرْتَ (مَا) كَافَّةً.
أو بالفاعِليَّةِ([27]) نحوَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَاسْتَجَارَكَ}([28]) و(هَلاَّ زَيْدٌ قَامَ).
وقدْ يَكُونُ رَاجِحَ الابتدائيَّةِ على الفَاعِلِيَّةِ([29]) نحوَ: (زَيْدٌ قَامَ), عندَ المُبَرِّدِ ومتابِعِيهِ, وغيرُهم يُوجِبُ ابتدائِيَّتَه؛ لعَدَمِ تَقدُّمِ طالِبِ الفِعْلِ.
وقد يَكُونُ رَاجِحَ الفَاعِلِيَّةِ على الابتدائيَّةِ([30]) نحوَ: (زَيْدٌ لِيَقُمْ), ونحوَ: (قَامَ زَيْدٌ، وعَمْرٌو قَعَدَ), ونحوَ: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}([31])،و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}([32]).
وقدْ يَستويانِ نَحْوَ: (زَيْدٌ قَامَ وعَمْرٌو قَعَدَ عِنْدَهُ).
([1]) أركانُ الاشتغالِ ثلاثةٌ: مشغولٌ عنه، وهو الاسمُ المُتَقَدِّمُ، ومشغولٌ، وهو الفعلُ المُتأَخِّرُ، ومشغولٌ به، وهو الضميرُ الذي تَعَدَّى إليهِ الفِعْلُ بنَفْسِه أو بالواسطةِ، ولكلِّ واحدٍ من هذه الثلاثةِ شُروطٌ لا بُدَّ من بيانِها:
فأمَّا شروطُ المشغولِ عنه – وهو الاسْمُ المُتقدِّمُ كما قُلْنا – فخمسةٌ:
الأولُ: أنْ يَكُونَ غيرَمُتعَدِّدٍ لفظاً ومعنًى، بأنْ يَكُونَ واحداً نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُهُ، أو مُتَعَدِّداً في اللفظِ دُونَ المعنَى نحوَ: زَيْداً وعَمْراً ضَرَبْتُهما؛ لأنَّ العطفَ جعَلَ الاسميْنِ كالاسمِ الواحدِ، فإنْ تَعدَّدَ في اللفظِ والمعنَى – نحوَ: زيداً دِرْهماً أعْطَيْتُه – لم يَصِحَّ.
الثاني: أنْ يَكُونَ مُتَقَدِّماً، فإنْ تَأَخَّرَ – نحوَ: ضَرَبْتُه زَيْداً– لم يَكُنْ من بابِ الاشتغالِ، بل إنْ نَصَبْتَ زيداً فهو بَدَلٌ من الضميرِ، وإنْ رَفَعْتَهُ فهو مبتدأٌ, خَبَرُه الجملةُ التي قبلَه، وكأنَّكَ قلتَ: زيدٌ ضَرَبْتُهُ.
والثالِثُ: قَبولُه الإضمارَ، فلا يَصِحُّ الاشتغالُ عن الحالِ والتمييزِ، ولا عن المجرورِ بحَرْفٍ يَخْتَصُّ بالظاهرِ؛ كحَتَّى.
والرابِعُ: كونُه مُفْتَقِراً لِمَا بعدَه، فنَحْوُ: (جاءَ زيدٌ فأُكْرِمُه) ليسَ من بابِ الاشتغالِ؛ لكونِ الاسمِ مُكْتَفِياً بالعاملِ المُتَقَدِّمِ عليهِ.
والخامِسُ: كونُه صالحاً للابتداءِ به، بألاَّ يَكونَ نَكِرَةً مَحْضةً، فنحوُ قولِه تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}. ليسَ من بابِ الاشتغالِ، بل {رَهْبَانِيَّةً} معطوفٌ على ما قبلَه بالواوِ، وجملةُ {ابْتَدَعُوها} صِفَةٌ.
وأمَّا الشروطُ التي يَجِبُ تَحَقُّقُها في المشغولِ– وهو الفعلُ المُتأَخِّرُ كما قُلْنا – فاثنانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بالمشغولِ عنه، فإنِ انْفَصَلَ منه بفاصلٍ لا يكونُ لِمَا بعدَه عَمَلٌ فيما قبلَه, لم يَكُنْ من بابِ الاشتغالِ، وسيأتي توضيحُ هذا الشرطِ في الأصلِ.
والثاني: كونُه صَالِحاً للعملِ فيما قبلَه، بأنْ يَكُونَ فِعلاً مُتصرِّفاً أو اسْمَ فاعلٍ مُسْتَكْمِلٍ لشروطِ عَمَلِه أو اسْمَ مفعولٍ مُستكمِلٍ لشروطِ عَمَلِه، فإنْ كانَ حَرْفاً أو اسْمَ فعلٍ أو صِفَةً مُشَبَّهَةً أو فِعْلاً جَامِداً كفعلِ التعَجُّبِ لم يَصِحَّ.
وأمَّا الذي يَجِبُ تَحقُّقُه في المشغولِ بهِ فشَرْطٌ واحدٌ، وهو ألاَّ يَكونَ أجْنبِيًّا من المشغولِ عنه، فيَصِحُّ أنْ يَكُونَ ضَمِيرَ المشغولِ عنه، نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُه أو مَرَرْتُ بهِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ اسماً ظَاهِراً مُضافاً إلى ضميرِ المشغولِ عنه نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ أَوْ مَرَرْتُ بغُلامِه، وهذا الأخيرُ يُسَمَّى السببيَّ.
([2]) اعْتُرِض على هذا الضابطِ الذي ذَكَرَه المُؤَلِّفُ بأنَّه غيرُ حَاصِرٍ، يعني: أنَّه لم يَشْمَلْ جميعَ صُورِ الاشتغالِ، وبيانُ ذلك أنَّ المُؤَلِّفَ خصَّ المشغولَ بكونِه فِعلاً– وذلك في قولِه: (إذا اشْتَغَلَ فِعْلٌ مُتأخِّرٌ) – معَ أنَّ المشغولَ قد يَكونُ فِعلاً نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ)، وقدْ يكونُ وَصْفاً نحوَ: (زَيْداً أنَا ضَارِبُه الآنَ) وكذلكَ خصَّ المشغولَ بهِ بِكونِهِ ضَمِيرَ الاسمِ المُتقدِّمِ معَ أنَّه قدْ يَكُونُ ضَمِيرَ الاسمِ المُتقدِّمِ نحوَ قولِكَ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ). وقد يَكُونُ اسْماً ظَاهِراً مُضافاً إلى ضميرِ الاسْمِ المُتقَدِّمِ نحوَ قَولِكَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ غُلامَهُ).
وقدْ يُجابُ عن ذلك بأحدِ أجوبةٍ ثَلاثةٍ:
الأولُ: أنَّ المُؤَلِّفَ أرادَ أنْ يُبَيِّنَ ما هو الأصْلُ في كلِّ واحدٍ منهما، وترَكَ بيانَ الفروعِ؛ لأنَّها معروفةٌ من قواعِدَ عَامَّةٍ لمَن له اتِّصالٌ بفَنِّ العَربيَّةِ، وبيانُ هذا أنَّ الفعلَ هو الأصْلُ في العملِ، والأوصافَ من اسمِ الفاعلِ وصِيَغِ المُبالغةِ تَعمَلُ بالحَمْلِ على الفعلِ، والأصْلُ في المشغولِ به أنْ يَكُونَ ضميرَ الاسمِ المُتقدِّمِ، والاسِمُ الظَّاهِرُ المُضافُ لضميرِه – وهو الذي يُسَمَّى السَّبَبِيَّ – مُلْحَقٌ به
الجوابُ الثاني: أنَّه أرادَ أنْ يُبَيِّنَ أظْهَرَ المسائلِ التي يُدْرِكُها كلُّ واحدٍ، فأمَّا الصورُ الخَفِيَّةُ بعضَ خفاءٍ فقَدْ تَرَكَ بيانَها في مَطْلِعِ البابِ تَيْسيراً على المبتدئِينَ، ثم خَصَّها بالبيانِ فيما بعدُ؛ ليقَعَ عِلْمُها للقارِئِ بعدَ أنْ يَكُونَ قدْ تَمرَّسَ بأحكامِ البابِ بعضَ التَمرُّسِ.
والجوابُ الثالِثُ: أنَّه جَرَى على مذهَبِ مَن يُجِيزُ التعريفَ بالأخَصِّ، وعلى ذلك لا يَرِدُ عليه هذا الاعتراضُ؛ لأنَّه لا يَرَى مَانِعاً من أنْ يَكُونَ الحَدُّ أو الضابِطُ الذي ذكَرَه أخَصَّ من المَحْدودِ أو المُرادِ ضَبْطُه.
([3]) بينَ التقديريْنِ فرقٌ آخرُ غيرُ الفرقِ الذي ذكَرَه المُؤَلِّفُ، وبيانُ ذلك: أنَّكَ إذا قُلْتَ: (زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ). برفْعِ زيدٍ على أنَّه مبتدأٌ خَبَرُه الجملةُ الفعليَّةُ التي بعدَه, فالكلامُ جُمْلةٌ وَاحِدَةٌ، وهي اسميَّةٌ؛ كما قالَ المُؤَلِّفُ، ولا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لكونِها ابتدائيَّةً، وإذا قُلْتَ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ). بنَصْبِ زيدٍ على أنَّه مفعولٌ بهِ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه الفعلُ المذكورُ بعدَه؛ فإنَّ الكلامَ يكونُ جملتيْنِ، وكِلْتاهما جملةٌ فعليَّةٌ، أمَّا الأولى فجملةٌ فعليَّةٌ؛ كما قالَ المُؤَلِّفُ، ولا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لكونِها ابتدائيَّةً؛ أي: وَاقِعةً في ابتداءِ الكلامِ، وأمَّا الثانيةُ فجملةٌ فعليَّةٌ أيضاً، ولا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لكونِها تَفْسِيرِيَّةً.
وقد بَقِيَ في هذا الموضِعِ أنْ نَقولَ لكَ: إنَّ ما ذكَرَه المُؤَلِّفُ– من أنَّ انتصابَ الاسمِ المُتقدِّمِ بفعلٍ مُماثِلٍ للفعلِالمتأخِّرِ – هو مَذْهَبُ الجمهورِ، وفي المسألةِ أقوالٌ أخْرَى؛ منها ما ذهَبَ إليه الكِسَائِيُّ، وحاصِلُه أنَّ الاسمَ المُتقدِّمَ منصوبٌ بالفعلِ المتأخِّرِ، والضميرُ مُلْغًى، لا عَمَلَ للفعلِ فيه، ومنها ما ذَهَبَ إليهِ الفرَّاءُ، وهو أنَّ الفعلَ المتأخِّرَ نصَبَ الاسمَ المُتقدِّمَ والضميرَ جَمِيعاً، وكِلا الرأيَيْنِ ضعيفٌ، لا جَرَمَ لم يَعْبَأِ المُؤَلِّفُ بهما، ولم يَحْكِ عنهما شَيْئاً.
([4]) وَجْهُ ما رآهُ المُؤَلِّفُ هو ما قَدْ عَرَفْتَ في بيانِ حَدِّ الاشتغالِ, أنَّ مِن شِرْطِه أنْ يَكُونَ الاسمُ المُتقدِّمُ بحيثُ لو أنَّنا فَرَّغْنا العاملَ المتأخِّرَ من ضميرِه المشغولِ به لانتصَبَ ذلك الاسْمُ المُتقدِّمُ بذلك الفعلِ المتأخِّرِ، فقَوْلُنا: (زَيْدٌ ضَرَبْتُه). لو حَذَفْنا منه الضميرَ لَقُلْنا: (زَيْداً ضَرَبْتُ). وكانَ (زَيْداً) مفعولاً مقدَّماً لضَرَبْتُ، والاسمُ الذي يَجِبُ رفعُه نحوُ: (فَإِذَا زَيْدٌ يَضْرِبُهُ عَمْرٌو) مَثَلاً، لو حَذَفْنا الضميرَ لم يَنْتَصِبْ الاسْمُ المُقدَّمُ بالفعلِ المتأخِّرِ, ولا بفعلٍ آخَرَ يُفَسِّرُه المذكورُ، فلا يَصْدُقُ عليه حدُّ الاشتغالِ، وانْظُرْ مسائِلِ وُجوبِ الرفْعِ في (ص151) من هذا الجُزْءِ.
([5]) وجوبُ نَصْبِ الاسمِ الواقِعِ بعدَ (هَلْ) وبعدَه فعلٌ, هو مذهبُ سِيبَوَيْهِ الذي يَرَى أنَّه إذا وقَعَ بعدَ (هل) اسْمٌ وفعلٌ وجَبَ أنْ يَكُونَ الفعلُ تَالِياً لها، فوجَبَ النصبُ؛ ليَكُونَ الفعلُ المُقدَّرُ تَالِياً لـ(هل)، فأمَّا الكِسَائِيُّ فإِنَّه يُجِيزُ أنْ يَلِيَها الاسْمُ كما يُجِيزُ أنْ يَلِيَها الفعلُ، وعلى مذهبِه يَجوزُ الرفعُ والنصْبُ، لكنَّ النصْبَ أرجَحُ.
([6]) إنَّما تَرَجَّحَ النصْبُ فيما إذا كانَ الفعلُ طَلَباً؛ لسببيْنِ:
الأَوَّلُ: أنَّ الأصلَ في الطلبِ أنْ يَكُونَ بالفعلِ، فرَجَّحْنا النصْبَ؛ ليَكُونَ الكلامُ على تقديرِ فعلٍ، فيَجِيءُ على ما هو الأصْلُ في الطلبِ، ولم نُوجِبْه – أيِ: النَّصْبَ – لأنَّ الطلبَ بغيرِ الفعلِ غَيْرُ مُنْكَرٍ، لكنَّه قليلٌ.
والسببُ الثاني: أنَّا لو رَفَعْنا الاسْمَ لكانَ مُبْتدأً، ويكونُ خبرُه الجملةَ الطلبيَّةَ، والأصْلُ في الجملةِ التي تَقَعُ خَبَراً أنْ تَكُونَ مُحْتَمِلَةً للتصديقِ والتكذيبِ، والجملةُ الطلبيَّةُ ليسَتْ بهذهِ المَنْزِلَةِ، فرَجَّحْنا النصْبَ لذلك، ولم نُوجِبُه؛ لأنَّه لا يَجِبُ في الجملةِ التي تَقَعُ خَبَراً أنْ تَكُونَ مُحْتَمِلةً للصدقِ والكذبِ، ومنه قولُ الشاعرِ:
إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ = لا تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيلِكُمْ نَامَا
([7]) السرُّ في رفْعِ زيدٍ من قولِكَ: (زَيْدٌ أحْسِنْ بِهِ). يَرْجِعُ إلى أنَّ هذا المثالَ - وإنْ تقدَّمَ فيهِ اسمٌ، وتأخَّرَ عنه فِعْلٌ عَامِلٌ في ضميرِ الاسمِ السابِقِ – هو في الحقيقةِ أنَّ هذا المثالَ ليسَ مِمَّا يَنْطَبِقُ عليه حدُّ الاشتغالِ، ولا هو مُستكمِلٌ شروطَه، أمَّا أنَّه لا يَنْطَبِقُ عليهِ حدُّ الاشتغالِ؛ فلأَنَّا ذكَرْنا في حدِّه أنْ يَكُونَ الفعلُ نَاصباًللضميرِ، وهذا الضميرُ ليسَ في مَحَلِّ النصبِ, بل هو في مَحَلِّ رفْعٍ؛ لأنَّه فاعِلٌ للفعلِ المُتقدِّمِ عليه، غايةُ ما في البابِ أنَّه اقتَرَنَتْ بهِ الباءُ الزائدةُ.
وقدْ سَبَقَ بيانُ هذا في أوَّلِ بابِ الفاعلِ، وسيأتي مُفَصَّلاً في بابِ التعَجُّبِ، وأمَّا أنَّه لم يَسْتَكْمِلْ شروطَ الاشتغالِ؛ فلأنَّ فعلَ التعَجُّبِ من الأفعالِ الجامدةِ، وهي لا تَعْمَلُ فيما يَتقدَّمُ عليها، فلا تُفَسِّرُ عامِلاً فيه، وقدْ شَرَطْنا في المشغولِ أنْ يَكُونَ صَالِحاً للعَمَلِ فيما قبلَه.
([8]) سورة النُّورِ، الآية: 2.
([9]) 233-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*وأُكْرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا*
وهذا البيتُ من شواهدِ سِيبَوَيْهِ الخَمْسِينَ التي لم يَعْرِفوا لها قَائِلاً مُعَيَّنًا.
اللغةُ: (خَوْلانُ) قبيلةٌ من مَذْحِجٍ باليَمَنِ، واسْمُ أبيها خَوْلانُ بنُعَمْرِو بنِ الحافِ بنِ قُضَاعَةَ, وهو بفتحِ الخاءِ المُعْجمةِ وسكونِ الواوِ, (فَتَاتَهُمْ) الفتاةُ: الشابَّةُ من النساءِ، وهي مُؤنَّثُ فَتًى, (أُكْرُومَةُ) بضَمِّ الهمزةِ وسُكونِ الكافِ, وبعدَها راءٌ مُهْمَلَةٌ، بزِنَةِ الأُضْحوكةِ من الضَّحِشكِ, والأُحْدوثَةِ من الحديثِ, والأُعْجوبةِ من العَجَبِ، والمعنَى الذي تَدُلُّ عليهِ هو معنَى اسمِ المفعولِ, (الحَيَّيْنِ) أرادَ حَيَّ أبيها وحَيَّ أُمِّها، يُرِيدُ أنَّها فتاةٌ ذَاتُ كَرَمٍ ومَجادَةٍ من جِهَتَيْ نَسَبِها, (خِلْوٌ) خاليةٌ من الأزواجِ، وهي بكسرِ الخاءِ وسكونِ اللامِ، وآخرُها واوٌ.
الإعرابُ: (وقَائِلَةٍ) الواوُ واوُ رُبَّ، قَائِلَةٍ: مبتدأٌ، مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على آخرِه, منَعَ من ظُهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ حرفِ الجرِّ الشبيهِ بالزائدِ, (خَوْلانُ) خبرُ مُبْتدأٍ محذوفٍ, مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، والتقديرُ: هذهِ خَوْلانُ, (فَانْكِحْ) الفاءُ حَرْفٌ دالٌّ على الاستئنافِ، انْكِحْ: فعلُ أمْرٍ، مَبْنِيٌّ علَى السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وفاعِلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تَقْديرُه: أنتَ, (فَتَاتَهم) فتاةَ: مفعولٌ بهِ لـ (انكِحْ)، وهو مُضافٌ, وضميرُ الغَيبةِ العائِدُ إلى (خَوْلانُ) مُضافٌ إليهِ, (وأُكْرومةُ) الواوُ للحالِ، أُكْرومةُ: مبتدأٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مُضافٌ, و(الحَيَّيْنِ) مُضافٌ إليه، مجرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه مُثَنًّى، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ, (خِلْوٌ) خَبَرُ المبتدأِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ, (كما) الكافُ حرفُ جرٍّ، و(ما) يجوزُ أنْ تَكُونَ حرفاً زائداً, وعليه تكونُ (هي) ضَمِيراً مجرورَ المَحَلِّ بالكافِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ خَبَرٌ ثانٍ للمبتدأِ الذي هو أُكْرومةُ الحَيَّيْنِ، وكأنَّه قدْ قالَ: وأُكْرُومَةُ الحَيَّيْنِ خَالِيَةٌ كشَأْنِها المعروفِ لكَ. ويَجوزُ أنْ تَكُونَ (ما) اسماً موصولاً مجرورَ المَحلِّ بالكافِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ خبرٌ ثانٍ، وعليه يكونُ (هي) ضميراً مُنفصِلاً, مبتدأٌ مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ في مَحَلِّ رفعٍ، وخبرُ هذا المبتدأِ محذوفٌ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ لا مَحَلَّ لها, صِلَةُ المَوْصولِ، والعائِدُ محذوفٌ, والتقديرُ: على الذي هي عليه.
الشاهدُ فيه: الاستشهادُ بهذا البيتِ يَستدعِي أنْ نُقَرِّرَ لكَ مسألةً، حَاصِلُها أنَّ العلماءَ قد اختَلَفوا في جوازِ دخولِ الفاءِ على خبرِ المبتدأِ الذي هو خاصٌّ؛ كأسماءِ الأعلامِ، فأمَّا سِيبَوَيْهِ فذهَبَ إلى أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ الفاءَ إِنَّما تدخُلُ على خبرِ المبتدأِ بالشرطِ, وشِبْهِ الخبرِ بالجوابِ، ووجْهُ الشبهِ بينَ الشرطِ والمبتدأِ هو العمومُ، فإذا زالَ الشَّبَهُ لم تَتَحقَّقْ عِلَّةُ الجوازِ، وذهَبَ الأخْفَشُ إلى جوازِ ذلك مُستَدِلاًّ بوُرودِه في كلامِ العرَبِ, فمِن ذلك البيتُ الذي مَعَنا، ومن ذلك قَولُ عديِّ بنِ زيدٍ العِبَادِيِّ:
أَرَوَاحٌ مُوَدِّعٌ أَمْ بُكُورُ = أنتَ فانْظُرْ لأيِّ ذاكَ تَصِيرُ
ومن ذلكَ قولُ الراجِزِ، وأنشَدَه أحمدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلبٌ:
يَا رَبَّ مُوسَى، أَظْلَمِي وأَظْلَمُهْ = فَاصْبُبْ عَلَيْهِ مَلَكاً لا يَرْحَمُهْ
فزَعَمَ الأخفشُ أنَّ (خَوْلانُ) مبتدأٌ، وجملةُ (فَانْكِحْ) خَبَرُه، وأنَّ (أنتَ) في بيتِ عَدِيٍّ مُبْتَدَأٌ، وجملةُ (فانْظُرْ) خبرٌ، وأنَّ (أظْلَمِي) في البيتِ الذي أنشَدَه ثَعْلبٌ أفعلُ تفضيلٍ مُضافٌ لياءِ المُتكَلِّمِ, مبتدأٌ، وجملةُ (فاصْبُبْ عليهِ مَلَكاً) خَبَرُه, ولكنَّ سِيبَوَيْهِ خَرَّجَ هذه الأبياتَ على خلافِ ما خَرَّجَها عليهِ الأخْفَشُ، فجعَلَ (خَوْلانُ) خَبَراً لمبتدأٍ مَحذوفٍ، والتقديرُ: (هَذِهِ خَوْلانُ).
وقولُه: (فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ) جملةٌ أُخْرَى، وقولُ عَدِيٍّ: (أنتَ) يَجوزُ أنْ يَكُونَ خبراً حُذِفَ مُبتدَؤُه على نحوِ ما في البيتِ السابقِ، ويَجوزُ أنْ يَكُونَ مبتدأً حُذِفَ خبرُه، والتقديرُ: أنتَ هَالِكٌ، مَثَلاً، ويَجوزُ أنْ يَكُونَ فاعِلاً لفعلٍ مَحذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه.
وأصلُ الكلامِ: انْظُرْ (أنْتَ) فانْظُرْ، فهذا الضميرُ كانَ مُستتِراً، فلَمَّا حُذِفَ الفعلُ بَرَزَ وانْفَصَلَ. وقولُ الثالثِ: (أظْلَمِي) يجوزُ تخريجُه على نحوٍ من هذه التخريجاتِ، وبعدُ فانْظُرْ شَرْحَنا على شواهدِ الأشمونيِّ؛ فإنَّ فيه فَوْقَ المُقْنِعِ والكفايةَ.
([10]) سورة القَمَرِ، الآية:24.
([11]) إِنَّما يَترجَّحُ رفعُ زيدٍ في قولِكَ: (أَأَنْتَ زَيدٌ تَضْرِبُهُ) فيما رَآهُ سِيبَوَيْهِ، فإنَّه يَجْعَلُ (أنتَ) مبتدأً، فأداةُ الاستفهامِ دَاخِلَةٌ على الاسْمِ، وذهَبَ الأخْفَشُ إلى أنَّ (أنتَ) فَاعِلٌ بفعلٍ مَحْذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، وأنَّ أصْلَ الكلامِ: أتَضْرِبُ زَيْداً زَيْداً تَضْرِبُهُ، فحَذَفَ الفعلَ الوالِيَ للهمزةِ؛ فبَرَزَ الضميرُ الذي كانَ مُستتِراًفيهِ وُجوباً وانفصَلَ، فهمزةُ الاستفهامِ في التقديرِ دَاخلةٌ على فعلٍ عندَه، وعلى هذا لا يَجِبُ الرفعُ، ولا يَترجَّحُ النصبُ، وسيأتي لهذا الكلامِ تَتِمَّةٌ في شرحِ الشاهدِ 234.
([12]) 234-هذا بيتٌ من الوافرِ، وهو من قصيدةٍ طويلةٍ لجريرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ، ومَطْلِعُها هو الشاهدُ (رقْمُ1) الذي سبَقَ في أوَّلِ هذا الكتابِ في مباحثِ التنوينِ.
اللغةُ: (ثَعْلَبَةَ) بفتحِ الثاءِ المُثلَّثَةِ وسكونِ العينِ, (رِيَاح) بكسرِ الراءِ، بعدَها ياءٌ مُثنَّاةٌ– وهما قَبِيلتانِ من بَنِي يَرْبُوعِ بنِ حَنظَلَةَ, (الفَوَارِسَ) جَمْعُ فارِسٍ، وهو أحَدُ ألفاظٍ جاءَ فيها جَمْعُ فَاعِلٍ, وهو وصفٌ لمُذكَّرٍ عاقلٍ على فواعِلَ، ومثلُه هَوالِكُ في جمعِ هَالِكٍ، ونَوَاكِسُ في جَمْعِ ناكِسٍ، وحَوَاجُّ بيتِ اللهِ, (عَدَلْتَ بِهِم) سَوَّيْتَ بهم وجَعَلْتَهم يَعْدِلُونَهم في الشرفِ والرِّفْعةِ وسُموِّ المنزلةِ, (طُهَيَّةَ) بضمِّ الطاءِ وفتحِ الهاءِ، بعدَها ياءٌ مُشدَّدَةٌ؛ حَيٌّ من بَنِي تميمٍ, (والخِشَابا) بكسرِ أوَّلِه، بزِنَةِ الكتابِ؛ جماعةٌ من بني مالِكِ بنِ حَنْظَلَةَ.
الإعرابُ: (أَثَعْلَبَةَ) الهمزةُ للاستفهامِ, حَرْفٌ مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ, ثَعْلبةَ: مفعولٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه الفعلُ المذكورُ بعدَه، وتقديرُ الكلامِ: أَأَهَنْتَ ثَعلَبَةَ... إلخ, (الفَوارِسَ) صفةٌ لثَعْلَبَةَ، منصوبةٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (أَمْ) حرفُ عَطْفٍ، مَبْنِيٌّ علَى السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ, (رِياحاً) مَعْطوفٌ على ثَعْلَبَةَ, (عَدَلْتَ) فعلٌ وفاعلٌ, (بهم) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بعَدَلَ, (طُهَيَّةَ) مفعولٌ بهِ لعَدَلَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (والخِشابَا) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، الخِشَابَا: معطوفٌ على طُهَيَّةَ، مَنصوبٌ, وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ) حيثُ نصَبَ الاسمَ الواقعَ بعدَ همزةِ الاستفهامِ، معَ أنَّ الاستفهامَ عن الاسمِ، ونَصَبَ هذا الاسمَ بفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه المذكورُ بعدَه – وهو قولُه: (عَدَلْتَ بِهِم) - وليسَ المحذوفُ من لفظِ المذكورِ، بل هو مِن معناه، فإنَّ التقديرَ: أَأَهَنْتَ ثَعْلَبَةَ ... إلخ، أو أَظَلَمْتَ ثَعْلَبَةَ ... إلخ، ونحوُ ذلك.
وانتصابُ الاسمِ الواقعِ بعدَ همزةِ الاستفهامِ راجِحٌ عندَ سِيبَوَيْهِ وأنصارِه، سواءٌ أكانَ الاستفهامُ عن الاسمِ؛ كما في هذا البيتِ, أمْ كانَ الاستفهامُ عن الفعلِ، قالَ سِيبَوَيْهِ بعدَ أنْ أنشَدَ البيتَ وذكَرَ تقديرَه: (إِلاَّ أَنَّ النصْبَ هو الذي يُخْتارُ هنا، وهو حدُّ الكلامِ).
وذهَبَ ابنُ الطَّراوةِ إلى التَّفرِقةِ بينَ أنْ يَكُونَ الاستفهامُ عن الاسمِ كما في هذا البيتِ, وأنْ يَكُونَ الاستفهامُ عن الفعلِ، فإِنْ كانَ الاستفهامُ عن الاسْمِ وجَبَ رفعُه؛ لأنَّ الاستفهامَ حِينَئذٍ غيرُ مُوجَّهٍ إلى الفعلِ أصالَةً؛ لأنَّ الفعلَ مُسَلَّمُ الثبوتِ والوقوعِ، والاستفهامُ إِنَّما هو عن وُقوعِه على هذا الاسْمِ، فليسَ الاستفهامُ طَالِباً للفعلِ، فلا يَكونُ به أَوْلَى، فَلا يَتَرَجَّحُ النصْبُ، ولا يَكونُ الفِعْلُ واقعاً بعدَ أداةٍ, الغالبُ أنْ يَلِيَها الفِعْلُ، لكنَّه حِينَئذٍ واقِعٌ بعدَ أداةٍ الأصْلُ فيها دخولُها على الأفعالِ، وبِناءً على ما ذهَبَ إليه من ذلك رَأَى أنَّ النصْبَ في البيتِ المُسْتَشْهَدِ به شَاذٌّ.
ونحنُ لا نُسَلِّمُ له أنَّه متَى كانَ الاستفهامُ عن الاسمِ وجَبَ الرفْعُ، ولا نُسَلِّمُ له أنَّ البيتَ شاذٌّ، وكيفَ يَكُونُ شَاذًّا وقد حَكَى العلماءُ الأثباتُ المشافِهونَ للعربِ أنَّهم يقولونَ في غيرِ ضَرُورةٍ: (أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ أَمْ عَمْراً). بالنصْبِ.
وقالَ سَأَلَ مَرْوانُ الأخْفَشَ عن (أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ أمْ عَمْراً). فقالَ الأخْفَشُ: المختارُ النصْبُ؛ لأجْلِ الألِفِ. (يُرِيدُ لأجْلِ همزةِ الاستفهامِ), فقالَ: إِنَّما المُسْتَفْهَمُ عنه هنا الاسْمُ, لا الفِعْلُ، وإنَّما يَنْبغِي أنْ يُختارَ الرفْعُ. فقالَ: هذا هو القِياسُ. قالَ المَازِنِيُّ: وكذا القياسُ عندي، ولكنَّ النحاةَ أجْمَعوا على اختيارِ النصْبِ لَمَّا كانَ معَه حرفُ الاستفهامِ, الذي هو في الأصْلِ للفعلِ. اهـ
قالَ أبو رَجَاءٍ عَفَا اللهُ عنه: في هذا الموضوعِ أصلانِ: فأمَّا أحَدُهما: فإنَّ الأصْلَ في أدواتِ الاستفهامِ أنْ يَلِيَها الفِعْلُ؛ لأنَّ الأسماءَ دَالَّةٌ على الذواتِ, والأفعالَ دَالَّةٌ على الصفاتِ والمعاني القائمةِ بالذاتِ، والذاتُ مَعْلومةٌ غَالِباً فلا يُسْأَلُ عنها، وإنَّما يُسْأَلُ عَمَّا يَقومُ بها من الأوصافِ.
وأمَّا الأصْلُ الثاني: فإِنَّ حَاصِلَه أنَّ تَالِيَ همزةِ الاستفهامِ هو المسؤولُ عنه، فأمَّا ما بعدَه فهو مَعلومٌ ثابتٌ، فإذا قُلْتَ: (أَضَرَبْتَ زَيْداً؟). كنتَ مُسْتفهِماً عن ضربِ المُخاطَبِ زَيْداً، وإذا قُلْتَ: (أَزَيدٌ ضَرَبْتَهُ أمْ عَمْرٌو؟) كنتَ عَالِماً بأنَّ المُخاطَبَ قدْ ضَرَبَ أحدَ الاثنيْنِ، ولكنَّكَ لا تَعْرِفُ عينَه، وأنتَ تُرِيدُ أنْ يُعَيِّنَ لكَ المخاطَبُ واحِداً منهما.
فإذا قُلْتَ: (أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ أمْ عَمْراً؟) كانَ الكلامُ على تقديرِ فعلٍ يلي الهمزةَ، وعلى الأصْلِ الذي قَرَّرْناه يكونُ المُسْتفهَمُ عنه هو الفِعْلَ، معَ أنَّ حقيقةَ الأمْرِ أنَّ الفعلَ مَعْلومٌ لك، والمعلومُ لا يُسْتَفْهَمُ عنه، فتَعارَضَ الأصلانِ في هذه الصورةِ.
فأمَّا ابنُ الطَّراوةِ فجَنَحَ إلى اعتبارِ الأصْلِ الثاني؛ لتَمييزِ بعضِ المعاني عن بعضٍ، فأوْجَبَ رفْعَ الاسمِ التالي للهمزةِ إنْ كانَ الاستفهامُ عن الاسمِ؛ لَئِلاَّ يَكونَ الكَلامُ على تقديرِ فِعْلٍ, فيَلْتَبِسَ المرادُ، وهذا هو ما أشارَ إليه الأخْفَشُ بقولِه: (هذا هو الأصلُ). عندَما قالَ له مَرْوانُ: (إِنَّما المُسْتَفهَمُ عنه هنا الاسمُ, لا الفعلُ). وجنَحَ الأخفشُ إلى اعتبارِ الأصلِ الأوَّلِ ومعَه سائِرُ النحاةِ, وتَرَكوا تَمييزَ المعاني إلى القرائنِ, فاعْرِفْ هذا؛ فإِنَّه بحثٌ نَفِيسٌ.
([13]) عِبارةُ الناظمِ في (شَرْحِ الكافيةِ): (ومِن مُرَجِّحاتِ النصْبِ تَقَدُّمُ (حَيْثُ) مُجرَّدَةً مِن (ما)، نحوَ: (حَيثُ زَيْداً تَلْقَاهُ فأكْرِمْهُ)؛ لأنها تُشْبِهُ أدواتِ الشرطِ، فلا يَلِيها في الغالبِ إلا فِعْلٌ، فإنِ اقتَرَنَتْ بـ(ما) صارَتْ أداةَ شرطٍ, واخْتَصَّتْ بالفعلِ). اهـ.
وابنُ هشامٍ قدْ وَافَقَهُ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ) على تقريرِ هذهِ القاعدةِ حَيْثُ يقولُ: وإضافةُ(حيثُ)إلى الجملةِ الفعليَّةِ أكْثَرُ، ومِن ثَمَّ تَرَجَّحَ النصْبُ في نحوِ قولِكَ: (جَلَستُ حَيْثُ زَيْداً أَرَاهُ). اهـ.
ولكنَّه في كتابِنا هذا لم يُوافِقْهُ؛ ولذا تَراهُ يَقولُ: (كَذَا قالَ الناظِمُ). فيَتبرَّأُ من هذا الكلامِ، ثم يَقولُ: (وفيه نَظرٌ). والذي أريدُ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهِ هو أنَّ التَّنصُّلَ من القولِ وتوجيهَ النظرِ إليهِ ليسَ راجعاً إلى القاعدةِ نفسِها، وإنَّما هو راجِعٌ إلى المثالِ الذي مَثَّلَ به، وهو قولُه: (حَيْثُ زَيْداً تَلْقَاهُ فأكْرِمْهُ). فإنَّ (حيثُ) هنا إنْ كانتْ شَرْطِيَّةً غيرَ جَازِمَةٍ؛ لعَدَمِ اقترانِها بـ(ما)ـ والباعِثُ على اعتبارِها شرطيَّةً دُخولُ الفاءِ في جوابهِا – كانَ المِثالُ مِمَّا يَجِبُ فيه النصْبُ، وإنْ كانتْ ظرفيَّةً غيرَ شرطيَّةٍ لم يَكُنْ لدخولِ الفاءِ في الفعلِ بعدَها وجهٌ؛ لأنَّه يُوهِمُ كونَها شَرْطِيَّةً.
([14]) سورة النَّحْلِ، الآية:5.
([15]) سورة النحْلِ، الآية: 4.
([16]) سورة فُصِّلَتْ، الآية: 17.
واعْلَمْ أنَّه قُرِئَ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ بنَصْبِ (ثَمُودَ) بغيرِ تنوينٍ، وهي قراءَةُ الحَسَنِ البصريِّ، وقُرِئَ فيها بالنصْبِ معَ التنوينِ، وهي قراءةُ ابنِ عَبَّاسٍ, ثم اعْلَمْ أنَّه لا يَجوزُ لكَ أنْ تُقَدِّرَ الفعلَ المحذوفَ قبلَ (أمَّا)؛ لأنَّ ذلك يستدعي الفصلَ بينَ (أمَّا) والفاءِ بجملةٍ تامَّةٍ، وهي لا يُفْصَلُ بينَها وبينَ الفاءِ إلا بمفردٍ، فالتقديرُ: أمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَا فهَدَيْنَاهُم.
([17]) إنَّما ترَجَّحَ النصْبُ في المسألةِ الرابعةِ؛ لأنَّ الجملةَ السابقةَ فِعْلِيَّةٌ، بدليلِ أنَّهم ضَبَطوها بألاَّ يَكونَ الفِعْلُ مَبْنِيًّا على اسمٍ، وعلى هذا يكونُ النصبُ بتقديرِ فِعْلٍ، فتكونُ الجملةُ الثانيةُ فعليَّةً أيضاً، وتكونُ الواوُ قدْ عَطَفَتْ جملةً فعليَّةً على جملةٍ فعليَّةٍ، فأمَّا إذا رَفَعْتَ الاسمَ المشغولَ عنه؛ فإنَّه يكونُ مُبْتدأً، فتكونُ الجملةُ اسميَّةً، فتَعطِفُ الواوُ جملةً اسميَّةً على جملةٍ فعليَّةٍ، فلا يَحْصُلُ التشاكُلُ بينَ المعطوفِوالمعطوفِ عليه، والتشاكُلُ بينَ المتعاطفيْنِ أوْلَى؛ ولهذا كانَ النصْبُ أرْجَحَ، ولَمَّا لم يَكُنِ التشاكُلُ بينَ المتعاطفيْنِ واجباً لم يَجِبِ النصبُ؛ ولهذا الذي ذَكَرْناه لو فُصِلَ بينَ حرفِ العطفِ والاسْمِ المشغولِ عنه بـ(أمَّا) وجَبَ الرفْعُ؛ لأنَّ مِن شَأْنِ (أمَّا) أنْ تَقْطَعَ ما بعدَها عمَّا قبلَها, فيكونُ ما بعدَها كأنَّه أوَّلُ الكلامِ، وسَبَبُه أنَّها وُضِعَتْ وَضْعَ الحروفِ التي يُبْتَدَأُ بها الكلامُ.
([18]) سورة القمرِ، الآية:49.
([19]) سورة القمرِ، الآية: 52.
([20]) أشارَ المُؤَلِّفُ بقولِه: (عَلَى الأصَحِّ). إلى أنَّ في المسألةِ خِلافاً بينَ النحاةِ، وقد حَكَى الخلافَ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ)، وحاصِلُه أنَّ للنُّحاةِ ثَلاثَةَ أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنَّه لا يقَعُ بعدَ (إذا) الفُجائيَّةِ إلاَّ الأسماءُ مُطْلقاً.
الثاني: أنَّها لا تَدْخُلُ على الأسماءِ وعلى الأفعالِ مُطْلقاً.
الثالِثُ: تَدْخُلُ على الأسماءِ وعلى الأفعالِ المُقْتَرِنَةِ بـ(قَدْ)، فإنْ لم يَقْتَرِنِ الفعلُ لم تَدْخُلْ عليه.
([21]) قدْ مَضَى إيضاحُ ذلك، فانْظُرْه في ص143 من هذا الجزءِ.
([22]) وجْهُ استواءِ الرفْعِ والنصبِ في هذهِ المسألةِ أنَّ الجملةَ الأولى جملةٌ كُبْرَى اسميَّةُ الصدْرِ فعليَّةُ العَجُزِ، فإنْ رَفَعْتَ الاسمَ المشغولَ عنه في الجملةِ الثانيةِ كانَت اسميَّةً؛ فتُناسِبُ صَدرَ الجملةِ الأولى، وإنْ نَصَبْتَ الاسْمَ في الجملةِ الثانيةِ كانَتِ الجملةُ فعليَّةً؛ فتُناسِبُ عَجُزَ الجملةِ الأولى، وهذا معنَى قولِالمُؤَلِّفِ: (لحصولِ المُناسَبَةِ – أي: بينَ المعطوفِ والمعطوفِ عليه – رَفَعْتَ أو نَصَبْتَ). يعني: أنَّكَ حينَ تَرفَعُ الاسْمَ في الجملةِ الثانيةِ تُقَدِّرُ عَطْفَها على الجملةِ الاسميَّةِ الأولى، وحينَ تَنصِبُ الاسْمَ في الجملةِ الثانيةِ تُقَدِّرُ عَطْفَها على الجملةِ الفعليَّةِ الواقعةِ خَبراً في الجملةِ الأولى.
([23]) قدْ عَلِمْتَ أنَّكَ حينَ تَنصِبُ الاسمَ في الجملةِ الثانيةِ إِنَّما تَنْصِبُه لتَصِيرَ الجملةُ الثانيةُ فعليَّةً فتَعطِفَها على الجملةِ الفعليَّةِ الواقعةِ خَبَراً، وهذا يَسْتلزِمُ أنْ تَكُونَ الجملةُ المعطوفةُ خَبراً أيضاً، وأنتَ تَعْلَمُ أنَّ جملةَ الخبرِ يَجِبُ أنْ تَشْتَمِلَ على رابطٍ يَربِطُها بالمبتدأِ، فإذا خَلَتِ الجملةُ الثانيةُ من ضميرٍ يعودُ إلى الاسمِ المرفوعِ في صدرِ الجملةِ الأولى لم تَصْلُحْ أنْ تَكُونَ خبراً، وعلى هذا لا تَصلُحُ الجملةُ الثانيةُ أنْ تَكُونَ فعليَّةً.
وذلك يَسْتَلْزِمُ ألاَّ يكونَ الاسمُ في صدرِ الجملةِ الثانيةِ مَنْصوباً، وتَعْلَمُ – معَ ذلك – أنَّ الجملةَ التي تُعْطَفُ على جملةِ الخبرِ إذا كانَ العطفُ بالفاءِ جازَ أنْ تَكُونَ خاليةً من الرابطِ؛ لأنَّ الفاءَ تدُلُّ على السببيةِ, فتَقومُ دَلالَتُها على السببيَّةِ مقامَ الرابطِ؛ فلهذا جازَ النصْبُ، فإذا تَدَبَّرْتَ في هذه التفصيلِ وَجَدْتَ جوازَ النصْبِ في حالتيْنِ:
الحالةُ الأولى: أنْ يَكُونَ في الجملةِ الثانيةِ ضميرٌ يعودُ على الاسمِ المرفوعِ في صدرِ الجملةِ الأولى.
والحالةُ الثانيةُ: أنْ يَكُونَ حرفُ العطفِ الذي عَطَفَ الثانيةَ على الأولى هو الفَاءَ.
هذا، والغَرَضُ من ذلكَ كلِّه حصولُ المناسبةِ بينَ الجملةِ الأولى والجملةِ الثانيةِ، ولَعَلَّ الأخْفَشَ والسِّيرافِيَّ يُوجِبانِ اتِّفاقَ الجملتيْنِ؛ المعطوفةِ والمعطوفِ عليها في الفعليَّةِ والاسميَّةِ؛ ولهذا لم يُجِيزَا النصْبَ عندَ خُلُوِّ الجملةِ الثانيةِ من الضميرِ ومن فَاءِ العطفِ الدَّالَّةِ على التسَبُّبِ، فأمَّا مَن لا يَلْتَزِمِ اتِّفاقَ الجملتيْنِ؛ فإِنَّه يُجَوِّزُ النصْبَ، وتَكونُ الجملةُ الثانيةُ الفعليَّةُ معطوفةً على الجملةِ الاسميَّةِ.
([24]) انْظُرْ شُروطَ المشغولِ التي ذَكَرْناها في أوَّلِ البابِ (ص141).
([25]) اعلَمْ أنَّ الفعلَ المشغولَ قد يكونُ مُتعدِّياً ناصباً للمفعولِ بهِ بنفسِه، وقدْ يَكونُ لازِماً ناصباً للمشغولِ به بحرفِ جَرٍّ. وعلى كلِّ حالٍ إِمَّا أنْ يَكُونَ المشغولُ به ضميرَ الاسْمِ المُتقَدِّمِ، وإمَّا أنْ يَكُونَ سَبَبَيْهِ، فهذهِ أربعةُ أحوالٍ.
فيكونُ تَقْديرُ العاملِ في الاسمِ المُتقَدِّمِ المشغولِ عنه من لفظِ العاملِ المَشْغولِ ومعناه في صُورةٍ واحدةٍ– وهي أنْ يَجْتَمِعَ في العاملِ المَشْغولِ شَيْئانِ؛ هما كونُه مُتَعدِّياً، وكونُه نَاصِباً لضميرِ الاسْمِ المُتَقَدِّمِ بنفسِه، نحوَ قولِكَ: زَيْداً ضَرَبْتُهُ. فإنَّ التقديرَ: ضَرَبْتُ زَيْداً ضَرَبْتُهُ.
ويكونُ تقديرُ العاملِ في الاسمِ المُتقدِّمِ المشغولِ عنهِ من معنَى العاملِ المشغولِ دونَ لفظِه في ثلاثِ صُوَرٍ: الأُولَى: أنْ يَكُونَ العامِلُ في المشغولِ به لازِماً, والمشغولُ به ضَمِيرَ الاسْمِ المُتقَدِّمِ، نحوَ قولِكَ: أَزَيْداً مَرَرْتَ بِهِ؟ فإنَّ التقديرَ: أجَاوَزْتَ زَيْداً مَرَرْتَ بهِ؟
الثانيةُ: أنْ يَكُونَ العامِلُ لازِماً, والمشغولُ بهِ اسماً ظاهراً مُضافاً إلى ضميرِ الاسْمِ السابِقِ، نحوَ قَوْلِكَ: زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه. فإنَّ التقديرَ: لابَسْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه، ولا تُقَدِّرْه: (جَاوَزْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه), كما قَدَّرْتَ في الصورةِ الأولى؛ لأنَّ المعنَى على هذا التقديرِ هنا غيرُ مستقيمٍ؛ لأنَّكَ لم تُجاوِزْ زَيْداً ولم تَمْرُرْ بهِ، وإنَّما جَاوَزْتَ غُلامَه ومَرَرْتَ به.
الثالثةُ: أنْ يَكُونَ العاملُ مُتعدِّياً ولكنَّه نصَبَ اسماً ظاهراً مُضافاً إلى ضميرٍ عائدٍ إلى الاسمِ السابقِ، نحوَ قَولِكَ: زيداً ضَرَبْتُ أخَاهُ، فإنَّ التقديرَ: أهَنْتُ زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ، وهكذا تُقَدِّرُ في هذه الصورِ الثلاثِ فِعْلاً يَنْصِبُ بنفسِه، ويَصِحُّ معَه المعنَى.
([26]) ضابِطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ المرفوعُ وَاقِعاً بعدَ أداةٍ تَخْتَصُّ بالدخولِ على الأسماءِ؛كـ(إِذَا) التي للمُفاجأةِ, ومن الأدواتِ التي تَخْتَصُّ بالأسماءِ (لَيْتَ) المَكْفوفةُ بـ(ما) الكافَّةِ، أمَّا إنْ كَانَتْ (مَا) المُتَّصِلَةُ زائدةً غيرَ كافَّةٍ؛ فإنَّ ليتَ تَكُونُ عَامِلَةً على أصلِها, فيَتَعَيَّنُ نَصْبُ الاسمِ الذي يَلِيها على أنَّه اسْمُ لَيْتَ.
وإنْ قَدَّرْتَ (مَا) مصدريَّةً تُؤَوَّلُ معَ ما بعدَها بمصدرٍ؛ فإنَّه يَجِبُ رفعُ الاسمِ التالي لها على الفاعليَّةِ لفعلٍ محذوفٍ، ويكونُ المصدرُ المُؤوَّلُ من الفعلِ المُقدَّرِ وفاعلِه منصوباً على أنَّه اسْمُ ليتَ.
والحاصِلُ أنَّ للاسْمِ الواقعِ بعدَ (لَيْتَمَا) ثلاثَ حالاتٍ: وُجوبُ الرفعِ على أنه مُبْتدأٌ، وذلكَ إذا قَدَّرْتَ (مَا) كافَّةً، ووُجوبُ النصْبِ على أنَّه اسْمُ لَيْتَ، وذلكَ إذا قَدَّرْتَ (مَا) زَائِدةً غيرَ كافَّةٍ، ووجوبُ الرفعِ على الفاعليَّةِ بفعلٍ مَحْذوفٍ, وذلك إذا قَدَّرْتَ (ما) مصدريَّةً.
([27]) ضابطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ المرفوعُ واقعاً بعدَ أداةٍ لا يَجوزُ أنْ يَلِيَها إلاَّ الفعلُ؛ كأدواتِ الشرطِ، ومنه الآيةُ الكريمةُ التي تلاها المُؤَلِّفُ، ومثلِ أدواتِ التحضيضِ، ومنه مثالُ المُؤَلِّفِ، وأنتَ خبيرٌ أنَّ هذا الكلامَ جارٍ على مذهبِ البَصْريِّينَ، أمَّا الكُوفِيُّونَ فإنَّهم يُجيزونَ دُخولَ أدواتِ الشرطِ وأدواتِ التحضيضِ على الأسماءِ، وعلى مذهبِهم يَجوزُ أنْ يَكُونَ الاسمُ مرفوعاً بعدَهما على الابتداءِ، لكنَّ النصْبَ أرْجَحُ.
ومِن دخولِ (إِذَا) على الاسمِ المرفوعِ قولُ الحَمَاسِيِّ:
إِذَا المَرْءُ أَعْيَتْهُ المُرُوءَةُ نَاشِئاً = فمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيهِ شَدِيدُ
تقديرُه: إِذَا عَيَّ المَرْءُ.
ونظيرُ الآيةِ الكريمةِ أيضاً قولُ لَبِيدِ بنِ رَبِيعةَ العَامِرِيِّ:
فإنْ أَنْتَ لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ فَانْتَسِبْ = لَعَلَّكَ تَهْدِيكَ القُرونُ الأَوَائِلُ
ومِن دخولِ (إِذَا) على الاسمِ المرفوعِ قولُه تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. ومنه قولُ الأَفْوَهِ الأويِّ:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ = ولا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُم سَادُوا
([28]) سورة التوبةِ، الآية:6.
([29]) ضابطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَتَقَدَّمَ الاسمُ المرفوعُ ولا تَسْبِقُهُ أداةٌ تَخْتَصُّ بالأفعالِ, ولا أداةٌ تَخْتَصُّ بالأسماءِ، ويَتأخَّرُ عنه فعلٌ قَاصِرٌ، للعلماءِ في هذه الصورةِ ثلاثةُ مذاهِبَ:
الأَوَّلُ: أنَّه يَتَرجَّحُ رفْعُ الاسمِ على الابتدائيَّةِ؛ لأنَّ ذلك لايحتاجُ إلى تقديرٍ، وهو مذهبُ المُبَرِّدِ.
والثاني: أنَّه يَترَجَّحُ رفعُه على أنَّه فاعِلٌ بفعلٍ محذوفٍ، وقد ذهَبَ إلى هذا ابنُ العَرِيفِ.
والثالِثُ: أنَّه يَجِبُ أنْ يَكُونَ مرفوعاً على الابتداءِ، وهو مذهَبُ جمهورِ البَصْريِّينَ.
والرابعُ: أنَّه مَرْفوعٌ؛ لأنَّه فَاعِلُ الفعلِ المتأخِّرِ عنه، وهو مذهَبُ جمهورِ الكُوفِيِّينَ.
([30]) ضابطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَكُونَ بعدَ الاسمِ المرفوعِ فعلٌ طَلَبِيٌّ, نحوُ: (زَيْدٌ لِيَقُمْ), أو قبلَه أداةٌ يَغْلِبُ دخولُها على الأفعالِ؛ كالآيةِ الكريمةِ: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}, أمَّا في المثالِ؛ فلأنَّكَ لو جَعَلْتَ الاسمَ مبتدأً كنتَ قدْ أخبَرْتَ عنه بالجملةِ الطلبيَّةِ، وذلك خلافُ الأصْلِ, وإنْ كانَ جائزاً، وأمَّا في الآيةِ؛ فلِكَيْ يليَ الهمزةَ فِعْلٌ،س كما هو الغالِبُ معَها.
([31]) سورة التغابُنِ، الآية:6.
([32]) سورة الواقعةِ، الآية:59.
</H1>