دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:24 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي اشتغال العامل عن المعمول

اشتغالُ العاملِ عن المعمولِ

إنْ مُضْمَرُ اسمٍ سابقٌ فِعْلًا شَغَلْ = عنهُ بنَصْبِ لفظِهِ أو الْمَحَلْ
فالسَّابِقُ انْصِبْهُ بفعلٍ أُضْمِرَا = حَتْمًا مُوَافِقٍ لِمَا قدْ أُظْهِرَا
والنصبُ حَتْمٌ إنْ تَلَا السابقُ مَا = يَخْتَصُّ بالفعْلِ كإنْ وحَيْثُمَا
وإنْ تلا السابقُ ما بالإِبْتدا = يَخْتَصُّ فالرفْعَ التَزِمْهُ أَبَدَا
كذا إذا الفعلُ تَلا ما لمْ يَرِدْ = ما قبلُ مَعمولًا لِمَا بعدُ وُجِدْ
واخْتِيرَ نَصْبٌ قبلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ = وبعدَ ما إيلاؤُهُ الفعلَ غَلَبْ
وبعدَ عاطفٍ بلا فَصْلٍ على = معمولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أوَّلَا
وإن تَلَا المعطوفُ فِعْلًا مُخْبَرَا = بهِ عن اسمٍ فاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا
والرفْعُ في غيرِ الذي مَرَّ رَجَحْ = فما أُبيحَ افْعَلْ ودَعْ ما لمْ يُبَحْ
وفَصْلُ مشغولٍ بحَرْفِ جَرِّ = أو بإضافةٍ كوَصْلٍ يَجْرِي
وسَوِّ في ذا البابِ وَصْفًا ذا عَمَلْ = بالفِعْلِ إنْ لمْ يكُمانعٌ حَصَلْ
وعُلْقَةٌ حاصلةٌ بتَابِعِ = كعُلْقَةٍ بنفسِ الاسمِ الواقعِ

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:50 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


اشْتِغَالُ العَامِلِ عن المعمولِ ([1])
إنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ = عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمَحَلْ ([2])
فالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمِرَا = حَتْماً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا ([3])

الاشتغالُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ اسْمٌ ويَتَأَخَّرَ عنه فِعْلٌ قدْ عَمِلَ في ضميرِ ذلك الاسمِ أو في سَبَبِيِّهِ، وهو المُضافُ إلى ضميرِ الاسمِ السابقِ، فمثالُ المُشْتَغِلِ بالضميرِ: (زيداً ضَرَبْتُهُ وزَيْداً مَرَرْتُ به)، ومثالُ المُشْتَغِلِ بالسببيِّ: (زيداً ضَرَبْتُ غُلامَه).
وهذا هو المرادُ بقولِه: (إنْ مُضْمَرُ اسْمٍ...إلى آخِرِه)، والتقديرُ: إنْ شَغَلَ مُضْمَرُ اسمٍ سابقٍ فِعلاً عن ذلك الاسمِ المُضْمَرِ لفظاً، نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُهُ)، أو بنصبِه مَحَلاًّ، نحوُ: (زيداً مَرَرْتُ به)، فكلُّ واحدٍ مِن (ضَرَبْتُ ومَرَرْتُ) اشْتَغَلَ بضميرِ (زَيْدٍ)، لكنْ (ضَرَبْتُ) وَصَلَ إلى الضميرِ بنفسِه، و(مَرَرْتُ) وَصَلَ إليه بحرفِ جرٍّ، فهو مجرورٌ لَفْظاً، ومنصوبٌ مَحَلاًّ، وكُلٌّ مِن (ضَرَبْتُ ومَرَرْتُ) لو لم يَشْتَغِلْ بالضميرِ لَتَسَلَّطَ على زيدٍ كما تَسَلَّطَ على الضميرِ.
فكُنْتَ تقولُ: (زيداً ضَرَبْتُ)، فتَنْصِبُ (زيداً)، ويَصِلُ إليه الفعلُ بنفسِه؛ كما وَصَلَ إلى ضَمِيرِه، وتقولُ: (بزيدٍ مَرَرْتُ)، فيَصِلُ الفعلُ إلى زيدٍ بالباءِ كما وَصَلَ إلى ضميرِه، ويكونُ منصوباً مَحَلاًّ كما كانَ الضميرُ.
وقولُه: (فالسابِقَ انْصِبْهُ... إلى آخِرِهِ) معناه: أنه إذا وُجِدَ الاسمُ والفعلُ على الهيئةِ المذكورةِ، فيَجُوزُ لكَ نَصْبُ الاسمِ السابقِ، واخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ في ناصبِه؛ فذَهَبَ الجمهورُ إلى أنَّ نَاصِبَه فعلٌ مُضْمَرٌ وُجُوباً؛ لأنَّه لا يُجْمَعُ بينَ المفسَّرِ والمفسِّرِ، ويكونُ الفعلُ المضمَرُ مُوَافِقاً في المعنى لذلك المُظْهَرِ، وهذا يَشْمَلُ ما وَافَقَ لَفْظاً، نحوُ قَوْلِكَ في: (زيداً ضَرَبْتُه): إنَّ التقديرَ: (ضَرَبْتُ زيداً ضَرَبْتُه)، وما وَافَقَ معنًى دونَ لفظٍ؛ كقولِكَ في: (زيداً مَرَرْتُ به): إنَّ التقديرَ: (جَاوَزْتُ زَيْداً مَرَرْتُ به)، وهذا هو الذي ذَكَرَه المصنِّفُ([4]).
والمَذْهَبُ الثاني: أنه منصوبٌ بالفعلِ المذكورِ بعدَه، وهذا مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ، واخْتَلَفَ هؤلاء؛ فقالَ قومٌ: إنه عَمِلَ في الضميرِ وفي الاسمِ معاً، فإذا قلتَ: (زيداً ضَرَبْتُه) كانَ (ضَرَبْتُ) ناصباً لـ(زيدٍ) وللهاءِ. ورُدَّ هذا المذهَبُ بأنه لا يَعْمَلُ عاملٌ واحدٌ في ضميرِ اسمٍ ومُظْهَرِهِ.
وقالَ قومٌ: هو عاملٌ في الظاهرِ، والضميرُ مُلْغًى. ورُدَّ بأن الأسماءَ لا تُلْغَى بعد اتِّصَالِها بالعواملِ.
والنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا = يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَإِنْ وَحَيْثُمَا ([5])
ذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ أَنَّ مَسَائِلَ هذا البابِ على خَمسةِ أقسامٍ:
أحدُها: ما يَجِبُ فيه النصبُ.
والثاني: ما يَجِبُ فيه الرفعُ.
والثالثُ: ما يَجُوزُ فيه الأمرانِ، والنصبُ أَرْجَحُ.
والرابِعُ: ما يَجُوزُ فيه الأمران والرفعُ أرجحُ.
والخامس: ما يَجُوزُ فيه الأمرانِ على السَّوَاءِ.
فأشارَ المصنِّفُ إلى القِسْمِ الأوَّلِ بقولِهِ: (والنَّصْبُ حَتْمٌ... إلى آخِرِهِ)، ومعناه: أنه يَجِبُ نصبُ الاسمِ السابقِ إذا وَقَعَ بعدَ أداةٍ لا يَلِيها إلاَّ الفعلُ، كأدواتِ الشرطِ([6])، نحوُ: (إنْ وحَيْثُمَا)، فتقولُ: (إنْ زيداً أَكْرَمْتَهُ أَكْرَمَكَ، وحَيْثُمَا زَيْداً تَلْقَهُ فأَكْرِمْهُ)، فيَجِبُ نصبُ (زيداً) في المثاليْنِ، وفيما أَشْبَهَهُما، ولا يَجُوزُ الرفعُ على أنه مبتدأٌ؛ إذ لا يَقَعُ الاسمُ بعدَ هذه الأدواتِ، وأجازَ بعضُهم وُقُوعَ الاسمِ بعدَها، فلا يَمْتَنِعُ عندَه الرفعُ على الابتداءِ؛ كقولِ الشاعِرِ:
157- لا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ = فإذَا هَلَكْتُ فعِنْدَ ذلكَ فَاجْزَعِي ([7])

تقديرُه: (إنْ هَلَكَ مُنْفِسٌ)([8])، واللهُ أَعْلَمُ.
وإنْ تَلاَ السابقُ ما بِالابْتِدَا = يَخْتَصُّ فالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ أَبَدَا ([9])
كذا إذا الفِعْلُ تَلاَ ما لم يَرِدْ = ما قبلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ ([10])
أشارَ بهذيْن البيتيْنِ إلى القِسْمِ الثاني، وهو ما يَجِبُ فيه الرفعُ([11])، فيَجِبُ رفعُ الاسمِ المشتغَلِ عنه إذا وَقَعَ بعدَ أداةٍ تَخْتَصُّ بالابتداءِ، كإذا التي لِلْمُفَاجَأَةِ، فتقولُ: (خَرَجْتُ فإذا زيدٌ يَضْرِبُهُ عَمْرٌو) برفْعِ (زيدٌ)، ولا يَجُوزُ نَصْبُه؛ لأنَّ (إذا) هذه لا يَقَعُ بعدها الفعلُ لا ظاهراً ولا مُقَدَّراً.
وكذلك يَجِبُ رَفْعُ الاسمِ السابقِ إذا وَلِيَ الفعلَ المشتغِلَ بالضميرِ أداةٌ لا يَعْمَلُ ما بعدَها فيما قبلَها؛ كأدواتِ الشرطِ والاستفهامِ، و(ما) النافيةِ، نحوُ: (زيدٌ إنْ لَقِيتَهُ فأَكْرِمْه، وزيدٌ هل تَضْرِبُه؟ وزيدٌ ما لَقِيتَه)، فيَجِبُ رَفْعُ (زيدٌ) في هذه الأمثلةِ ونحوِها([12])، ولا يَجُوزُ نَصْبُه؛ لأنَّ ما لا يَصْلُحُ أنْ يَعْمَلَ فيما قبلَه لا يَصْلُحُ أنْ يُفَسِّرَ عاملاً فيما قبلَه، وإلى هذا أشارَ بقولِهِ: (كذا إذا الفِعْلُ تلا... إلى آخرِه).
أي: كذلك يَجِبُ رفعُ الاسمِ السابقِ إذا تلا الفعلُ شيئاً لا يَرِدُ ما قبلَه معمولاً لِمَا بَعْدَهُ، ومَن أجازَ عَمَلَ ما بعدَ هذه الأدواتِ فيما قبلَها فقالَ: (زيداً ما لَقِيتُ) أجازَ النصبَ معَ الضميرِ بعاملٍ مُقَدَّرٍ، فيقولُ: (زيداً ما لَقِيتُه).
واخْتِيرَ نَصْبٌ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ = وبعدَ مَا إِيلاؤُهُ الفِعْلَ غَلَبْ ([13])
وبعدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى = معمولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ ([14])
هذا هو القِسْمُ الثالِثُ، وهو ما يُخْتَارُ فيه النصبُ.
وذلك إذا وَقَعَ بعدَ الاسمِ فعلٌ دالٌّ على طَلَبٍ؛ كالأمرِ والنهيِ والدعاءِ، نحوُ: (زيداً اضْرِبْهُ، وزَيْداً لا تَضْرِبْه، وزيداً رَحِمَه اللهُ)، فيَجُوزُ رفعُ زيدٍ ونَصْبُه، والمختارُ النصبُ([15]).
وكذلك يُخْتَارُ النصبُ إذا وَقَعَ الاسمُ بعدَ أداةٍ يَغْلِبُ أنْ يَلِيَها الفعلُ([16])؛ كهمزةِ الاستفهامِ، نحوُ: (أزيداً ضَرَبْتَه) بالنصبِ والرفعِ، والمُختارُ النصبُ، وكذلك يُخْتَارُ النصبُ إذا وَقَعَ الاسمُ المُشْتَغَلُ عنه بعدَ عاطفٍ تَقَدَّمَتْهُ جملةٌ فعليَّةٌ ولم يُفْصَلْ بينَ العاطِفِ والاسمِ، نحوُ: (قامَ زيدٌ وعَمْراً أَكْرَمْتُه)، فيَجُوزُ رفعُ (عمرٌو) ونَصْبُه، والمُختارُ النصبُ لِتُعْطَفَ جملةٌ فعليَّةٌ على جملةٍ فعليَّةٍ، فلو فُصِلَ بينَ العاطفِ والاسمِ كانَ الاسمُ كما لو لم يَتَقَدَّمْهُ شيءٌ، نحوُ: (قامَ زيدٌ وأما عمرٌو فأَكْرَمْتُه)، فيَجُوزُ رَفْعُ (عَمْرٌو) ونصبُه، والمختارُ الرفعُ كما سيأتي، وتقولُ: (قامَ زيدٌ وأما عمراً فأَكْرِمْهُ)، فيُخْتَارُ النصبُ كما تَقَدَّمَ؛ لأنَّه وَقَعَ قبلَ فِعْلٍ دالٍّ على طَلَبٍ.
وإنْ تَلاَ المَعْطُوفُ فِعْلاً مُخْبَرَا = بِهِ عَنِ اسْمٍ فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا ([17])
أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا) إلى جوازِ الأمريْنِ على السَّوَاءِ، وهذا هو الذي تَقَدَّمَ أنه القِسْمُ الخامِسُ، وضَبَطَ النَّحْوِيُّونَ ذلك بأنه إذا وَقَعَ الاسمُ المشتغَلُ عنه بعدَ عاطفٍ تَقَدَّمَتْه جملةٌ ذاتُ وجهيْنِ جازَ الرفعُ والنصبُ على السواءِ، وفَسَّرُوا الجملةَ ذاتَ الوجهيْنِ بأنها جملةٌ صَدْرُها اسمٌ، وعَجُزُها فِعْلٌ، نحوُ: (زيدٌ قامَ، وعَمْرٌو أَكْرَمْتُهُ)، فيَجُوزُ رَفْعُ عمرٍو مراعاةً للصدرِ ونصبُه مراعاةً للعَجُزِ.
والرَّفْعُ في غَيْرِ الذي مَرَّ رَجَحْ = فما أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ ([18])
هذا هو الذي تَقَدَّمَ أنه القِسْمُ الرابِعُ، وهو ما يَجُوزُ فيه الأمرانِ، ويُخْتَارُ الرفعُ، وذلك كلُّ اسمٍ لم يُوجَدْ معَه ما يُوجِبُ نَصْبَه، ولا ما يُوجِبُ رَفْعَه، ولا ما يُرَجِّحُ نَصْبَه، ولا ما يُجَوِّزُ فيه الأمريْنِ على السواءِ، وذلك نحوُ: (زيدٌ ضَرَبْتُه)، فيَجُوزُ رفعُ (زيدٍ) ونصبُه، والمختارُ رَفْعُه؛ لأنَّ عدمَ الإضمارِ أَرْجَحُ مِن الإضمارِ، وزَعَمَ بعضُهم أنه لا يَجُوزُ النصبُ؛ لِمَا فيه مِن كُلْفَةِ الإضمارِ، وليسَ بشيءٍ؛ فقد نَقَلَه سِيبَوَيْهِ وغيرُه من أئِمَّةِ العربيَّةِ، وهو كثيرٌ، وأَنْشَدَ أبو السَّعَادَاتِ ابنُ الشَّجَرِيِّ في أَمَالِيهِ على النصبِ قولَه:
158- فَارِساً مَا غَادَرُوهُ مُلْحَماً = غَيْرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكْسٍ وَكِلْ ([19])
ومنه قولُه تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} بكسرِ تاءِ (جَنَّاتِ).
وفَصْلُ مَشْغُولٍ بِحَرْفِ جَرِّ = أو بإضافةٍ كَوَصْلٍ يَجْرِي ([20])
يعني أنه لا فَرْقَ في الأحوالِ الخَمْسَةِ السابقةِ بينَ أنْ يَتَّصِلَ الضميرُ بالفعلِ المشغولِ به، نحوُ: (زيدٌ ضَرَبْتُه)، أو يَنْفَصِلَ منه بحرفِ جرٍّ، نحوُ: (زَيْدٌ مَرَرْتُ به)، أو بإضافةٍ، نحوُ: (زيدٌ ضَرَبْتُ غُلامَه، أو غُلامَ صاحبِه، أو مَرَرْتُ بغلامِه، أو بغلامِ صاحِبِه)، فيَجِبُ النصبُ في نحوِ: (إنْ زَيْداً مَرَرْتَ بِهِ أَكْرَمَكَ)، كما يَجِبُ في (إنْ زيداً لَقِيتَه أَكْرَمَكَ).
وكذلك يَجِبُ الرفعُ في (خَرَجْتُ فإذا زيدٌ مَرَّ به عمرٌو)، ويُخْتَارُ النصبُ في (أزيداً مَرَرْتُ به)، ويُخْتَارُ الرفعُ في (زيدٌ مَرَرْتَ به)، ويَجُوزُ الأمرانِ على السواءِ في (زيدٌ قامَ وعمرٌو مَرَرْتُ به)، وكذلك الحُكْمُ في (زيدٌ ضَرَبْتُ غُلامَه، أو مَرَرْتُ بغلامِه).
وسَوِّ في ذا البابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ = بالفِعْلِ إنْ لَمْ يَكُ مانِعٌ حَصَلْ ([21])
يعني أنَّ الوصفَ العاملَ في هذا البابِ يَجْرِي مَجْرَى الفعلِ فيما تَقَدَّمَ، والمرادُ بالوصفِ العاملِ اسمُ الفاعلِ واسمُ المفعولِ.
واحْتَرَزَ بالوصفِ ممَّا يَعْمَلُ عملَ الفِعْلِ وليسَ بوصفٍ، كاسمِ الفِعْلِ، نحوُ: (زَيْدٌ دَرَاكِهِ) فلا يَجُوزُ نصبُ (زيدٍ)؛ لأنَّ أسماءَ الأفعالِ لا تَعْمَلُ فيما قبلَها، فلا تُفَسِّرُ عاملاً فيه.
واحْتَرَزَ بقولِهِ: (ذا عَمَلْ) من الوصفِ الذي لا يَعْمَلُ كاسمِ الفاعلِ إذا كانَ بمعنى الماضِي، نحوُ: (زيدٌ أنا ضارِبُه أَمْسِ)، فلا يَجُوزُ نصبُ (زيدٍ)؛ لأنَّ ما لا يَعْمَلُ لا يُفَسِّرُ عاملاً.
ومثالُ الوصفِ العاملِ: (زيدٌ أنا ضَارِبُه الآنَ أو غداً، والدِّرْهَمُ أنتَ مُعْطَاهُ)، فيَجُوزُ نصبُ (زيدٌ والدرهمُ) ورَفْعُهما، كما كانَ يَجُوزُ ذلك معَ الفعلِ.
واحْتَرَزَ بقولِه: (إنْ لم يَكُ مانِعٌ حَصَلْ) عمَّا إذا دَخَلَ على الوصفِ مانعٌ يَمْنَعُه مِن العملِ فيما قبلَه؛ كما إذا دَخَلَتْ عليه الألِفُ واللامُ، نحوُ: (زيدٌ أنا الضَّارِبُه)، فلا يَجُوزُ نصبُ (زَيْدٍ)؛ لأنَّ ما بعدَ الألِفِ واللامِ لا يَعْمَلُ فيما قبلَهما، فلا يُفَسِّرُ عاملاً فيه، واللهُ أَعْلَمُ([22]).
وعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ = كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاسْمِ الوَاقِعِ ([23])
تَقَدَّمَ أنه لا فرقَ في هذا البابِ بينَ ما اتَّصَلَ فيه الضميرُ بالفعلِ، نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُه)، وبينَ ما انْفَصَلَ بحرفِ جرٍّ، نحوُ: (زيداً مَرَرْتُ به)، أو بإضافةٍ، نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُ غُلامَهُ(.
وذَكَرَ في هذا البيتِ أنَّ المُلابَسَةَ بالتابِعِ كالمُلابَسَةِ بالسَّبَبِيِّ، ومعناه: أنه إذا عَمِلَ الفعلُ في أَجْنَبِيٍّ وأُتْبِعَ بما اشْتَمَلَ على ضميرِ الاسمِ السابقِ مِن صفةٍ؛ نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُ رَجُلاً يُحِبُّه)، أو عطفِ بيانٍ، نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُ عَمْراً أَبَاهُ)، أو معطوفٍ بالواوِ خاصَّةً، نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُ عَمْراً وأخَاهُ) - حَصَلَتِ المُلابسةُ بذلك، كما تَحْصُلُ بنفسِ السببِيِّ، فيُنَزَّلُ (زيداً ضَرَبْتُ رجلاً يُحِبُّه) مَنْزِلَةَ (زيداً ضَرَبْتُ غُلامَه)، وكذلك الباقي.
وحَاصِلُه أنَّ الأجنبيَّ إذا أُتْبِعَ بما فيه ضميرُ الاسمِ السابقِ جَرَى مَجْرَى السببِيِّ. واللهُ أَعْلَمُ([24]).


([1])أركانُ الاشتغالِ ثلاثةٌ: مشغولٌ عنه، وهو الاسمُ المتقدِّمُ، ومشغولٌ، وهو الفعلُ المتأخِّرُ،ومشغولٌ به، وهو الضميرُ الذي تَعَدَّى إليه الفعلُ بنفسِه أو بالواسطةِ، ولكلِّ واحدٍ مِن هذه الأركانِ الثلاثةِ شروطٌ لا بُدَّ مِن بَيَانِها.
فأمَّا شُرُوطُ المشغولِ عنه ـ وهو الاسمُ المتقدِّمُ في الكلامِ ـ فخمسةٌ:
الأوَّلُ: ألاَّ يكونَ مُتَعَدِّداً لفظاً ومعنًى: بأنْ يكونَ واحداً،نحوُ: زيداً ضَرَبْتُه،أو مُتَعَدِّداً في اللفظِ دونَ المعنَى، نحوُ: زيداً وعَمراً ضَرَبْتُهما؛ لأنَّ العطفَ جَعْلُ الاسميْنِ كالاسمِ الواحدِ، فإنْ تَعَدَّدَ في اللفظِ والمعنَى ـ نحوُ: زيداً دِرْهَماً أَعْطَيْتُه ـ لم يَصِحَّ الثاني أنْ يكونَ مُتَقَدِّماً، فإنْ تأخَّرَ ـ نحوُ: ضَربته زيداً ـ لم يَكُنْ من بابِ الاشتغالِ، بل إنْ نَصَبْتَ زَيْداً في هذا المثالِ فهو بَدَلٌ من الضميرِ، وإنْ رَفَعْتَه فهو مبتدأٌ خَبَرُه الجملةُ قبلَه.
الثالِثُ: قَبُولُه الإضمارَ، فلا يَصِحُّ الاشتغالُ عن الحالِ، والتمييزِ، ولا عن المجرورِ بحرفٍ يَخْتَصُّ بالظاهِرِ؛كحَتَّى.
الرابعُ: كونُه مُفْتَقِراً لِمَا بعدَه: فنحوُ: (جاءَكَ زيدٌ فأَكْرِمْهُ) ليسَ من بابِ الاشتغالِ؛لكونِ الاسمِ مُكْتَفِياً بالعاملِ المتقدِّمِ عليه.
الخامِسُ: كونُه صالحاً للابتداءِ به، بألاَّ يكونَ نَكِرَةً مَحْضَةً، فنحوُ قولِه تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوها} ليسَ من بابِ الاشتغالِ،بل (رَهْبَانِيَّةً) معطوفٌ على ما قبلَه بالواوِ، وجملةُ(ابْتَدَعُوهَا) صِفَةٌ.
وأمَّا الشروطُ التي يَجِبُ تَحَقُّقُها في المشغولِ ـ وهو الفعلُ الواقعُ بعدَ الاسمِ ـ فاثنانِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ مُتَّصِلاً بالمشغولِ عنه، فإنِ انْفَصَلَ منه بفاصِلٍ لا يكونُ لِمَا بعدَه عَمَلٌ فيما قبلَه ـ كأدواتِ الشرطِ، وأدواتِ الاستفهامِ، ونحوِهما ـ لم يَكُنْ مِن بابِ الاشتغالِ، وسيأتي تَوْضِيحُ هذا الشرطِ في الشرحِ.
الثاني: كونُه صالحاً للعملِ فيما قبلَه: بأنْ يكونَ فِعلاً مُتَصَرِّفاً، أو اسمَ فاعلٍ، أو اسمَ مفعولٍ، فإنْ كانَ حَرْفاً، أو اسمَ فِعْلٍ، أو صفةً مُشَبَّهَةً، أو فِعْلاً جامداً؛كفِعْلِ التعجُّبِ ـ وكلُّ هذه العواملِ لِضَعْفِها لا تَعْمَلُ فيما تَقَدَّمَ عليها ـ لم يَصِحَّ.
وأمَّا الذي يَجِبُ تَحَقُّقُه في المشغولِ به ـ وهو الضميرُ ـ فشرطٌ واحدٌ، وهو: ألاَّ يكونَ أَجْنَبِيًّا من المشغولِ عنه، فيَصِحُّ أنْ يكونَ ضميرُ المشغولِ عنه نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُه، أو مَرَرْتُبه، ويَصِحُّ أنْ يكونَ اسماً ظاهراً مضافاً إلى ضميرِ المشغولِ عنه، نحوُ: زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ، أو مَرَرْتُ بِغُلامِه.

([2])(إنْ) شرطيَّةٌ،ُضْمَرُ) فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، والتقديرُ: إنْ شَغَلَ مُضْمَرٌ، ومُضْمَرُ مضافٌ و(اسمٍ) مضافٌ إليه، (سَابِقٍ) نعتٌ لاسمٍ، (فِعْلاً) مفعولٌ به لِشَغَل مُقَدَّمٌ عليه،َغَلْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى مُضْمَرُ،(عنه بِنَصْبِ) مُتَعَلِّقَانِ بِشَغَل، ونَصْبِ مضافٌ ولفظِ مِن (لَفْظِهِ) مضافٌ إليه، من إضافةِ المصدرِ لمفعولِه، ولفظِ مضافٌ والهاءُ مضافٌ إليه،(أو) حرفُ عطفٍ،(المَحَلْ) معطوفٌ على لفظِ.

([3])(فالسابِقَ) مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، والتقديرُ: فانْصِبِ السابِقَ،(انْصِبْهُ) انْصِبْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، (بِفِعْلٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْصِبْ، وجملةُُضْمِرَ) ونائبِ الفاعلِ المُسْتَتِرِ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى فِعْلٍ، في مَحَلِّ جرٍّ نعتٌ لِفِعْلٍ،َتْماً) مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ، والتقديرُ: حُتِمَ ذلك حَتْماً،ُوَافِقٍ) نعتٌ ثانٍ لِفِعْلٍ،ِمَا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بموافِقٍ،(قد) حرفُ تحقيقٍ، وجملةُُظْهِرَا) ونائبِ الفاعلِ المُسْتَتِرِ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ (ما) المجرورةِ مَحَلاًّ باللامِ.

([4])اعْلَمْ أنَّ الفِعْلَ المشغولَ قد يكونُ مُتَعَدِّياً ناصِباً للمشغولِ به بلا واسطةٍ، وقد يكونُ لازِماً ناصباً للمشغولِ به معنًى،وهو في اللفظِ مجرورٌ بحرفِ جرٍّ، وعلى كلِّ حالٍ إمَّا أنْ يكونَ المشغولُ به ضميرَ الاسمِ المتقدِّمِ، وإمَّا أنْ يكونَ سببيَّه، فهذه أربعةُ أحوالٍ.
فيكونُ تقديرُ العاملِ في الاسمِ المتقدِّمِ المشغولِ عنه مِن لفظِ العاملِ المشغولِ ومعناه في صورةٍ واحدةٍ، وهي أنْ يَجْتَمِعَ في العاملِ المشغولِ شيئانِ، هما ـ كونُه مُتَعَدِّياً بنفسِه، وكونُه ناصباً لضميرِ الاسمِ المتقدِّمِ ـ نحوُ قولِكَ: زَيْداً ضَرَبْتُه.
ويكونُ تقديرُ العاملِ في الاسمِ المتقدِّمِ المشغولِ عنه من معنى العاملِ المشغولِ دونَ لفظِه، في ثلاثِ صُوَرٍ:
الأُولَى: أنْ يكونَ العاملُ في المشغولِ به لازماً،والمشغولُ به ضميرَ الاسمِالمتقدِّمِ، نحوُ قولِكَ: أَزَيْداً مَرَرْتَ به؟ فإنَّ التقديرَ: أَجَاوَزْتَ زَيْداً مَرَرْتَ به؟
الثانيةُ: أنْ يكونَ العاملُ لازماً، والمشغولُ به اسماً ظاهراً مُضافاً إلى ضميرِ الاسمِ السابِقِ، نحوُ قولِكَ: زيداً مَرَرْتُ بغُلامِه، فإنَّ التقديرَ: لاَبَسْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه، ولا تُقَدِّرُهُ: (جَاوَزْتُ زيداً مَرَرْتُ بغلامِه) كما قَدَّرْتَ في الصورةِ الأُولى؛ لأنَّ المعنى على هذا التقديرِ هنا غيرُ مُستقيمٍ؛ لأنَّك لم تُجَاوِزْ زيداً ولم تَمْرُرْ به، وإنما جاوَزْتَ غلامَه ومَرَرْتَ به، وجَاوَزَ مِن معنى مَرَّ،وليسَ مِن لفظِه كما هو ظاهِرٌ.
الثالثةُ: أنْ يكونَ العاملُ مُتَعَدِّياً، ولكنَّه نَصَبَ اسماً ظاهراً مُضافاً إلى ضميرٍ عائدٍ إلى الاسمِ السابِقِ، نحوُ قولِكَ: زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ، فإنَّ التقديرَ: أَهَنْتُ زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ.
وهكذا تُقَدِّرُ في كلِّ صورةٍ مِن هذه الصُّوَرِ الثلاثِ فِعْلاً يَنْصِبُ بنفسِه، ويَصِحُّ معَه المعنَى.

([5])(والنَّصْبُ) مبتدأٌ،َتْمٌ) خبرُ المبتدأِ،(إنْ) شرطيَّةٌ،َلاَ) فِعْلٌ ماضٍ، فعلُ الشرطِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: إنْ تلا السابِقُ ما يَخْتَصُّ بالفِعْلِ فالنَّصْبُ وَاجِبٌ،(السابِقُ) فاعِلٌ لِتَلاَ،(ما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ به لقولِه تَلاَ،َخْتَصُّ) فعلٌ مضارِعٌ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما، والجملةُ مِن يَخْتَصُّ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها؛صِلةُ الموصولِ،(بالفِعْلِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَخْتَصُّ،(كإنْ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وذلك كائِنٌ كإِنْ... إلخ، (وحَيْثُمَا) معطوفٌ على (إنِ) المقصودِ لفظُها والمجرورةِ مَحَلاًّ بالكافِ.

([6])الأدواتُ التي تَخْتَصُّ بالفعلِ أربعةُ أنواعٍ:
الأوَّلُ: أدواتُ الشرطِ؛كإِنْ، وحَيْثُما، نحوُ ما مَثَّلَ به الشارِحُ، واعْلَمْ أنَّ الاشتغالَ إنما يَقَعُ بعدَ أداةِ الشرطِ في ضرورةِ الشعرِ، فأمَّا في النَّثْرِ فلا يَقَعُ الاشتغالُ إلاَّ بعدَ أداتيْنِ منها: الأُولَى (إنْ) بشرطِ أنْ يكونَ الفعلُ المشغولُ مَاضياً، نحوُ: إنْ زَيْداً لَقِيتَه فأَكْرِمْهُ، والثانيةُ (إذَا) مُطلقاً، نحوُ: إذا زَيْداً لَقِيتَه ـ أو تَلْقَاهُ ـ فأَكْرِمْه.
النوعُ الثاني: أَدَوَاتُ التحضيضِ، نحوُ: هَلاَّ زَيْداً أَكْرَمْتَه.
النوعُ الثالِثُ: أدواتُ العرضِ، نحوُ: ألاَ زَيْداً أَكْرَمْتَه.
النوعُ الرابِعُ: أدواتُ الاستفهامِ غيرَ الهمزةِ، نحوُ: هل زَيْداً أَكْرَمْتَهُ؟
فأمَّا الهمزةُ فلا تَخْتَصُّ بالفِعْلِ، بل يجوزُ أنْ تَدْخُلَ على الأسماءِ كما يجوزُ أنْ تَدْخُلَ على الأفعالِ، وإنْ كانَ دُخُولُها على الأفعالِ أكثرَ.

([7]) هذا البيتُ ساقطٌ مِن أكثرِ النسخِ، ولم نَشْرَحْه في الطبعةِ الأُولى لهذه العِلَّةِ، وهو من كَلِمَةٍ للنَّمِرِ بنِ تَوْلَبٍ يُجِيبُ فيها امْرَأَتَه وقد لاَمَتْهُ على التبذيرِ، وكانَ مِن حديثِه أنَّ قوماً نَزَلُوا به في الجاهليَّةِ، فنَحَرَ لهم أَرْبَعَ قَلاَئِصَ، واشْتَرَى لهم زِقَّ خَمْرٍ، فلاَمَتْهُ امْرَأَتُه على ذلك، ففي هذا يقولُ:
قَالَتْ لِتَعْذِلَنِي مِنَ اللَّيْلِ اسْمَعِ = سَفَهٌ تَبَيُّتُكِ المَلامَةَ فَاهْجَعِي
لا تَجْزَعِي لِغَدٍ وأَمْرُ غَدٍ لَهُ = أَتَعَجَّلِينَ الشرَّ ما لَمْ تَمْنَعِي
قامَتْ تُبَكِّي أنْ سَبَأْتُ لِفِتْيَةٍ = زِقًّا وَخَابِيَةً بِعَوْدٍ مُقْطَعِ
اللغةُ: (لا تَجْزَعِي) لا تَحْزَنِي، والجَزَعُ هو: أنْ يَضْعُفَ المرءُ عن تَحَمُّلِ ما نَزَلَ به مِن بَلاَءٍ، وهو أيضاًً أشَدُّ الحُزْنِ، (مُنْفِسٌ) هو المالُ الكثيرُ، وهو الشيءُ النفيسُ الذي يَضِنُّ أَهْلُه به،َهْلَكْتُهُ) أَذْهَبْتُهُ وأَفْنَيْتُهُ،َلَكْتُ) مُتُّ.
الإعرابُ: (لا) ناهيةٌ، (تَجْزَعِي) فعلٌ مضارِعٌ مجزومٌ بلا الناهيةِ،وعلامةُ جَزْمِه حَذْفُ النونِ، وياءُ المُؤَنَّثَةِ المخاطَبَةِ فاعلٌ، (إنْ) شرطيَّةٌ،ُنْفِسٌ) فاعلٌ لفِعْلٍ محذوفٍ هو فِعْلُ شرطٍ، وقولُه:َهْلَكْتُهُ) جملةٌ مِن فعلٍ وفاعلٍ ومفعولٍ لا مَحَلَّ لها؛تَفْسِيرِيَّةٌ، (فإذا) الفاءُ عاطفةٌ، إذا: ظرفيَّةٌ تَضَمَّنَتْ معنى الشرطِ،َلَكْتُ) فعلٌ وفاعلٌ وجُمْلَتُهما في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ (إذا) إليها،(فعندَ) الفاءُ زائدةٌ، وعندَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (اجْزَعِي) في آخِرِ البيتِ، وعندَ مضافٌ واسمُ الإشارةِ من (ذلك) مضافٌ إليه، واللامُ للبُعْدِ، والكافُ حرفُ خِطَابٍ،َاجْزَعِي) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ إذا، وما بعدَها فعلُ أمرٍ، وياءُ المخاطَبَةِ فاعلٌ، والجملةُ جوابُ إذا لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه:ِنْ مُنْفِسٌ) حيثُ وَقَعَ الاسمُ المرفوعُ بعدَ أداةِ الشرطِ التي هي (إنْوالأكثرُ أنْ يَلِيَ هذه الأداةَ الفِعْلُ.
وقبلَ أنْ نُقَرِّرَ لكَ ما في هذا البيتِ نُخْبِرُكَ أنه يُرْوَى بنصبُِنْفِسٌ) ويُرْوَى برفعِه.
فأمَّا روايةُ النصبِ فهي التي رَوَاهَا سِيبَوَيْهِ وجمهورُ البَصْرِيِّينَ (انْظُرْ كتابَ سِيبَوَيْهِ 1/68، ومُفَصَّلَ الزَّمَخْشَرِيِّ 1/ 149 بتحقِيقِنا) ولا إشكالَ على هذه الروايةِ؛ لأنَّ (مُنْفِساً) حينَئذٍ منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ مُفَسَّرٍ بفعلٍ مِن لفظِ الفعلِ المذكورِ بعدَه، والتقديرُ: إنْ أَهْلَكْتُ مُنْفِساً أَهْلَكْتُه. والروايةُ الثانيةُ برَفْعِ (مُنْفِسٌ)، وهي روايةُ الكُوفِيِّينَ، وأَعْرَبُوها على أنَّ (مُنْفِسٌ) مبتدأٌ، وجملةَُهْلَكْتُهُ) خَبَرُه، وهذا هو صَرِيحُ عبارةِ الشارِحِ قبل إنشادِه البيتَ، واسْتَدَلُّوا به وبمثلِه على جوازِ وُقُوعِ الجملةِ الاسميَّةِ بعدَ (إنْ) و(إذا) الشرطيتيْنِ، وقالوا: إنَّ الاسمَ المرفوعَ بعدَ هاتيْنِ الأداتيْنِ مبتدأٌ، والجملةُ بعدَه في مَحَلِّ رفعٍ خبرٌ، ومِنهم مَن يَجْعَلُ هذا الاسمَ المرفوعَ فاعِلاً لنفسِ الفعلِ المذكورِ بعدَه في نحوِ: (إنْ زَيْدٌ يَزُورُكَ فأَكْرِمْه) بِناءً على مَذْهَبِهِم من جوازِ تقديمِ الفاعلِ على الفعلِ الرافعِ له.
فأمَّا البَصْرِيُّونَ فلا يُسَلِّمُونَ أَوَّلاً روايةَ الرَّفْعِ، ثمَّ يقولونَ: إنْ صَحَّتْ هذه الروايةُ فإنَّها لا تَدُلُّ على جوازِ وُقُوعِ الجُمَلِ الاسميَّةِ بعدَ أداةِ الشرطِ، ولا تَدُلُّ على جوازِ تَقَدُّمِ الفاعِلِ على فِعْلِهِ؛ لأنَّ واحداً من هذيْنِ الوجهيْنِ غيرُ مُتَعَيِّنٍ في إعرابِ الاسمِ المرفوعِ بعدَ أداةِ الشرطِ، بل هذا الاسمُ فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه الفعلُ المذكورُ بعدَه، ويُقَدَّرُ المحذوفُ من لفظِ المذكورِ إنْ كانَ الذي بعدَه قد رَفَعَ الضميرَ على الفاعليَّةِ، ومِن معنى الفعلِ المتأخِّرِ إنْ كانَ قد نَصَبَ ضميرَ الاسمِ كما في هذا البيتِ المستشهَدِ به، ومِن الأوَّلِ قولُه تعالى: {وَإِنْأَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَوهذا هو الراجِحُ، وهو الذي قَدَّرَهُ الشارِحُ بعدَ إنشادِ البيتِ، ثمَّ ارْجِعْ إلى ما ذَكَرْنَاهُ في بابِ الفاعِلِ.

([8])هذا التقديرُ هو تقديرُ البَصْرِيِّينَ، ولا يَتَّفِقُ ذِكْرُه هنا بهذا الشَّكْلِ معَ ما ذَكَرَه الشارِحُ قبلَ إنشادِه البيتَ، ولو أنه قالَ: (وتَقْدِيرُهُ عندَ البَصْرِيِّينَ: إنْ هَلَكَ مَنْفِسٌ) لاستقامَ الكلامَ.

([9])(وإنْ) شرطيَّةٌ،َلاَ) فِعْلٌ ماضٍ، فعلُ الشرطِ،(السابِقُ) فاعلُ تلا،(ما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ به لِتَلاَ،(بالابْتِدَا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَخْتَصُّ الآتي،َخْتَصُّ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما،والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ،(فالرفعَ) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، الرفعَ: مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، والتقديرُ: فالْتَزِمِ الرفعَ الْتَزِمْه، والجملةُ في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ،(الْتَزِمْهُ) الْتَزِمْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به،(أبداً) منصوبٌ على الظرفيَّةِ، والجملةُ من فعلِ الأمرِ المذكورِ وفاعلِه المُسْتَتِرِ فيه لا مَحَلَّ لها مُفَسِّرَةٌ.

([10])(كذا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ يَقَعُ نَعْتاً لمصدرٍ محذوفٍ منصوبٍ على المفعوليَّةِ المُطْلَقَةِ بفعلٍ مدلولٍ عليه بالسابِقِ، والتقديرُ: والْتَزِمِالرفعَ الْتِزَاماً مُشَابِهاً لذلكَ الالتزامِ إذا تَلاَ الفِعْلُ... إلخ،(إذا) ظرفٌ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ،(الفِعْلُ) فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، والتقديرُ: إذا تَلاَ الفِعْلُ،َلاَ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الفِعْلُ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ تفسيريَّةٌ،(ما) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لِتَلاَ،(لم يَرِدْ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم،(ما) اسمٌ موصولٌ فاعلُ يَرِدْ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ ما الواقِعِ مفعولاً به لِتَلاَ،(قبلُ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صلةُ ما الواقعِ فاعلاً،َعْمُولاً) حالٌ مِن فاعلِ يَرِدْ،ِمَا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمعمولٍ،َعْدُ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بوُجِدَ الآتي،ُجِدْ) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما الموصولةِ المجرورةِ مَحَلاًّ باللامِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ ما المجرورةِ مَحَلاًّ باللامِ.

([11])للمؤلِّفِينَ اختلافٌ في اعتبارِ هذا القِسْمِ برُمَّتِهِ مِن بابِ الاشتغالِ، فابنُ الحاجِبِ لم يَذْكُرْه أَصْلاً، وابنُ هِشامٍ يَنُصُّ على أنه ليسَ مِن بابِ الاشتغالِ، ولا يَصْدُقُ ضابطُه عليه؛ وذلك لأننا اشْتَرَطْنَا في ضابطِ الاشتغالِ أنَّ العامِلَ في المشغولِ به لو تَفَرَّغَ مِن الضميرِ وسُلِّطَ على الاسمِ السابقِ المشغولِ عنه لعَمِلَ فيه (انْظُرْ كلامَ الشارحِ في ص 130).
وفي هذا القِسْمِ لا يَتِمُّ ذلك؛ ألاَ تَرَى أنَّ نحوَ قولِكَ: (خَرَجْتُ فإذا زيدٌ يَضْرِبُه عَمْرٌو) لو حَذَفْتَ الضميرَ لم يَعْمَلَْضْرِبُ) في (زيدٌ) المتقدِّمِ؛ لأنَّ المتقدِّمَ مرفوعٌ، والمتأخِّرَ يَطْلُبُ منصوباً لا مرفوعاً، ولأنَّ الفعلَ المتأخِّرَ لا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ بعدَ (إذا)،ومِن الناسِ مَن عَدَّهُ من بابِ الاشتغالِ غيرَ مُكْتَرِثٍ بهذا الضابطِ، والحقُّ هو الأوَّلُ؛لِمَا ذَكَرْنَاه.

([12])الأشياءُ التي لا يَعْمَلُ ما بعدَها فيما قبلَها عَشَرَةُ أنواعٍ:
الأوَّلُ: أدواتُ الشرطِ جَمِيعُها، نحوُ: زَيْدٌ إِنْ لَقِيتَه فأَكْرِمْهُ، وزَيْدٌ حيثُما تَلْقَه فأَكْرِمْهُ.
الثاني: أدواتُ الاستفهامِ جميعُها، نحوُ: زيدٌ هل أَكْرَمْتَه؟ وعليٌّ أَسَلَّمْتَ عليه؟
الثالثُ: أدواتُ التحضيضِ جَمِيعُها، نحوُ: زَيْدٌ هَلاَّ أَكْرَمْتَه، وخالدٌ ألا تَزُورُ.
الرابعُ: أدواتُ العَرْضِ جَمِيعُها، نحوُ: زَيْدٌ ألا تُكْرِمُه، وبكرٌ أمَا تُجِيبُه.
الخامِسُ: لامُ الابتداءِ، نحوُ: زيدٌ لأنَا قد ضَرَبْتُه، وخالدٌ لأنا أُحِبُّه حُبًّا جَمًّا.
السادسُ: (كم) الخبريَّةُ، نحوُ: زيدٌ كم ضَرَبْتُه، وإبراهيمُ كم نَصَحْتُ له.
السابعُ: الحروفُ الناسخةُ، نحوُ: زَيْدٌ إنِّي ضَرَبْتُه، وبكرٌ كأنه السيفُ مَضَاءَ عَزِيمَةٍ.
الثامنُ: الأسماءُ الموصولةُ، نحوُ: زيدٌ الذي تَضْرِبُه، وهندٌ التي رأيتَها.
التاسعُ: الأسماءُ الموصوفةُ بالعامِلِ المشغولِ، نحوُ: زيدٌ رجلٌ ضَرَبْتُه.
العاشرُ: بعضُ حروفِ النفيِ، وهي (ما) مُطْلَقاً، نحوُ: زيدٌ رجلٌ ما ضَرَبْتُه، و(لا) بشرطِ أنْ تَقَعَ في جوابِ قَسَمٍ، نحوُ: زيدٌ واللهِ لا أَضْرِبُه، فإنْ كانَ حرفُ النفيِ غيرَ (ما) و(لا)،نحوُ: زَيْدٌ لم أَضْرِبْه ـ أو كانَ حرفُ النفيِ هو (لا) وليسَ في جوابِ القَسَمِ،نحوُ: زيدٌ لا أَضْرِبُه ـ فإنَّه يَتَرَجَّحُ الرفعُ ولا يَجِبُ؛ لأنَّها حينَئذٍ لا تَفْصِلُ ما بعدَها عمَّا قبلَها.

([13])(واخْتِيرَ) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ،َصْبٌ) نائبُ فاعلٍ لاخْتِيرَ،(قبلَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ باخْتِيرَ، وقبلَ مضافٌ و(فِعْلٍ) مضافٌ إليه،ِي طَلَبْ) نَعْتٌ لفِعْلٍ، ومضافٌ إليه،(وبَعْدَ) معطوفٌ على قبلَ، وبعدَ مضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه،ِيلاؤُهُ) إيلاءُ: مبتدأٌ، وإيلاءُ مضافٌ والهاءُ مضافٌ إليه من إضافةِ المصدرِ لأحدِ مفعوليْهِ،(الفِعْلَ) مفعولٌ ثانٍ للمصدرِ،َلَبْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى إيلاءٍ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه لا مَحَلَّ لها صلةُ ما المجرورةِ مَحَلاًّ بالإضافةِ.

([14])(وبعدَ) معطوفٌ على (بعدَ) في البيتِ السابقِ، وبعدَ مضافٌ و(عاطفٍ) مضافٌ إليه،(بلا فَصْلٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٌ لعاطِفٍ،(على معمولِ) مُتَعَلِّقٌ بعاطِفٍ، ومعمولِ مضافٌ و(فِعْلٍ) مضافٌ إليه،(مُسْتَقِرٍّ) نعتٌ لفِعْلٍ،َوَّلاَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمُسْتَقِرٍّ.

([15])إنما اخْتِيرَ نصبُ الاسمِ المشغولِ عنه إذا كانَ الفعلُ المشغولُ طَلَبِيًّا ـ معَ أنَّ الجمهورَ يُجِيزُونَ الإخبارَ عن المبتدأِ بالجملةِ الطلبيَّةِ ـ لأنَّ الإخبارَ بها خلافُ الأصلِ؛ لكوْنِها لا تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ والكَذِبَ، ولأن ذلك موضعُ اختلافٍ، ولا شكَّ أنَّ التخريجَ على صورةٍ مُجْمَعٍعليها أَوْلَى من التخريجِ على صورةٍ مُخْتَلَفٍ فيها.

([16])الأدواتُ التي يَغْلِبُ وُقُوعُ الفعلِ بعدَها أربعةٌ:
الأُولى: همزةُ الاستفهامِ.
الثانيةُ: (ما) النافيةُ، ففي نحوِ: (ما زَيْداً لَقِيتُه) يَتَرَجَّحُ النصبُ.
الثالثةُ: (لا) النافيةُ،ففي نحوِ: (لا زَيْداً ضَرَبْتُه ولا عَمْراً) يَتَرَجَّحُ النصبُ.
الرابعةُ: (إنِ) النافيةُ، ففي نحوِ: (إنْ زَيْداً ضَرَبْتُه) بمعنى ما زَيداً ضَرَبْتُه، يَتَرَجَّحُ النصبُ أيضاًً.

([17])(إنْ) شرطيَّةٌ،َلاَ) فِعْلٌ ماضٍ، فعلُ الشرطِ،(المعطوفُ) فاعلٌ لِتَلاَ،ِعْلاً) مفعولٌ به لِتَلاَ،ُخْبَرَا) نعتٌ لفِعْلٍ،(به عن اسمٍ) مُتَعَلِّقَانِ بمُخْبَر،(فاعْطِفَن) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، اعْطِفَ: فِعْلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،ُخَيَّرَا) حالٌ من الضميرِ المُسْتَتِرِ في (اعْطِفَنْ).

([18])(والرفعُ) مبتدأٌ،(في غيرِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ برَجَح الآتي، وغيرِ مضافٌ و(الذي) اسمٌ موصولٌ: مضافٌ إليه،َرَّ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الذي، والجملةُ مِن مَرَّ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها صلةُ الذي،َجَحْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى (الرفعُ) الواقعِ مبتدأً، والجملةُ مِن رَجَحَ وفاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ،(فما) الفاءُ للتفريعِ، وما: اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به مُقَدَّمٌ لافْعَلْ،ُبِيحَ) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ من أُبِيحَ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها صلةٌ،(افْعَلْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(ودَعْ) مثلُه،(ما) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لِدَعْ،(لم يُبَحْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ مجزومٌ بلم، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ.

([19]) البيتُ لامرأةٍ مِن بني الحارِثِ بنِ كَعْبٍ، وهو أوَّلُ ثلاثةِ أبياتٍ اخْتَارَهَا أبو تَمَّامٍ في دِيوَانِ الحماسةِ (انْظُرْ شَرْحَ التِّبْرِيزِيِّ 3/121 بتحقِيقِنا)،ونَسَبَها قومٌ إلى عَلْقَمَةَ بنِ عَبدَةَ، وليسَ ذلك بشيءٍ، وبعدَ بيتِ الشاهدِ قولُها:
لو يَشَا طارَ به ذُو مَيْعَةٍ = لاحِقُ الآطالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ
غيرَ أنَّ البأسَ مِنهُ شِيمَةٌ = وصُرُوفُ الدهرِ تَجْرِي بالأَجَلْ
اللغةُ: (فَارِساً) هذه الكَلِمَةُ تُرْوَى بالرفعِ وبالنصبِ، ومِمَّن رَوَاهَا بالرفعِ أبو تَمَّامٍ في دِيوَانِ الحماسةِ، ومِمَّن رَوَاهَا بالنصبِ أبو السَّعَادَاتِ ابنُ الشَّجَرِيِّ كما قالَ الشارِحُ،(ما) زائدةٌ،َادَرُوهُ) تَرَكُوه مكانَه، وسُمِّيَ الغَديرُ غَدِيراً؛لأنَّه جزءٌ مِن الماءِ يَتْرُكُه السيْلُ، فهو بهذا المعنى فَعِيلٌ بمعنى مفعولٍ في الأصلِ، ثمَّ نُقِلَ إلى الاسميَّةِ،ُلْحَمٌ) بزِنَةِ المفعولِ: الذي يَنْشَبُ في الحربِ فلا يَجِدُ له مُخَلِّصاً،(الزُّمَّيْلُ) بضمِّ أوَّلِه وتشديدِ ثانيه مفتوحاً: الضعيفُ الجبانُ،(النِّكْسُ) بكسرِأوَّلِه وسكونِ ثانيه: الضعيفُ الذي يَقْصُرُ عن النجدةِ وعن غايةِ المجدِ والكرمِ،(الوَكِلُ) بزِنَةِ كَتِفٍ: الذي يَكِلُ أَمْرَه إلى غيرِه عَجْزاً،(لو يَشَا... إلخ) معناه: أنه لو شاءَ النجاةَ لأَنْجَاهُ فَرَسٌ له نَشاطٌ وسُرعةُ جريٍ وحِدَّةٌ، والنَّهْدُ: الغَلِيظُ، والخُصَلُ: جمعُ خُصْلَةٍ، وهي ما يَتَدَلَّى من أطرافِالشعَرِ،(غيرَ أنَّ البأسَ...إلخ) الشِّيمَةُ: الطبيعةُ والسَّجِيَّةُ والخَلِيقَةُ، وصُرُوفُ الدهرِ: أحوالُه وأهوالُه وأحداثُه وغِيَرُه ونَوَازِلُه، واحدُها صَرْفٌ.
الإعرابُ: (فَارِساً) مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، وتقديرُ الكلامِ: غَادَرُوا فَارِساً،(ما) حرفٌ زائدٌ لِقَصْدِ التفخيمِ، ويجوزُ أنْ يكونَ اسماً نكرةً بمعنى عَظِيمٍ، فهو حينَئذٍ نعتٌ لفارِسٍ،َادَرُوهُ) فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به،ُلْحَماً) حالٌ مِن الضميرِ المنصوبِ في غَادَرُوه، ويقالُ: مفعولٌ ثانٍ. وليسَ بذاكَ،َيْرَ) حالٌ ثانٍ، وغيرَ مضافٌ و(زُمَّيْلٍ) مضافٌ إليه،(ولا نِكْسٍ) الواوُ عاطفةٌ، ولا: زائدةٌ لتأكيدِ النفيِ، ونِكْسٍ: معطوفٌ على زُمَّيْلٍ،َكِلْ) صفةٌ لِنِكْسٍ.
الشاهدُ فيه: قولُه:َارِساً ما غَادَرُوهُ) حيثُ نصَبَ الاسمَ السابقَ، وهو قولُه:َارِساً) المُشْتَغَلُ عنه، بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ بعدَه، ولا مُرَجِّحَ للنصبِ في هذا الموضِعِ ولا مُوجِبَ له، فلَمَّا نَصَبََارِساً) معَ خُلُوِّ الكلامِ مِمَّا يُوجِبُ النصبَ أو يُرَجِّحُه ـ دَلَّ على أنَّ النصبَ حينَئذٍ جائزٌ، وليسَ مُمْتَنِعاً.

([20])َصْلُ) مبتدأٌ، وفصلُ مضافٌ و(مشغولٍ) مضافٌ إليه،(بحرفِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بفَصْلُ، وحرفِ مضافٌ و(جَرِّ) مضافٌ إليه،(أو) عاطفةٌ،(بإضافةٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ معطوفٌ على الجارِّ والمجرورِ السابقِ،(كوَصْلٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَجْرِي الآتي،َجْرِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على (فَصْلُ) الواقعِ مبتدأً في أوَّلِ البيتِ، والجملةُ مِن يَجْرِي وفاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ.

([21])َسَوِّ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(في ذا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِسَوِّ،(البابِ) بَدَلٌ مِن اسمِ الإشارةِ أو عطفُ بيانٍ عليه أو نعتٌ له،َصْفاً) مفعولٌ به لِسَوِّ،(ذا) بمعنى صاحِبٍ: نعتٌ لِوَصْفٍ، وذا مضافٌ، و(عَمَلْ) مضافٌ إليه،(بالفِعْلِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بسَوِّ،(إنْ) شَرْطِيَّةٌ،(لم) نافيةٌ جازِمَةٌ،َكُ) فعلٌ مضارعٌ تامٌّ مجزومٌ بلم، فعلُ الشرطِ، وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ على النونِ المحذوفةِ للتخفيفِ،(مانِعٌ) فاعلُ يَكُ،َصَلْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى مانِعٌ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ نعتٌ لمانِعٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، وتَقْدِيرُهُ: إنْ لم يَكُنْمانِعٌ حاصلٌ وموجودٌ فسَوِّ وَصْفاً ذا عَمَلٍ بالفعلِ.

([22])تلخيصُ ما أشارَ إليه الناظِمُ والشارِحُ أنَّ العاملَ المشغولَ إذا لم يَكُنْ فِعْلاً اشْتُرِطَ فيه ثلاثةُ شُرُوطٍ:
الأولُ: أنْ يكونَ وصفاً، وذلك يَشْمَلُ اسمَ الفاعلِ واسمَ المفعولِ وأمثلةَ المبالغةِ، ويَخْرُجُ به اسمُ الفعلِ والمصدرُ، فإنَّ واحداً منهما لا يُسَمَّى وَصْفاً.
الثاني: أنْ يكونَ هذا الوصفُ عَامِلاً النصبَ على المفعوليَّةِ باطِّرَادٍ، فإنْ لم يَكُنْ بهذه المنزلةِ لم يَصِحَّ، وذلك كاسمِ الفاعلِ بمعنى الماضي والصفةِ المشبَّهَةِ واسمِ التفضيلِ.
الثالث: ألاَّ يُوجَدَ مانِعٌ، فإنْ وُجِدَ ما يَمْنَعُ مِن عَمَلِ الوصفِ فيما قبلَه لم يَصِحَّ في الاسمِ السابقِ نَصْبُه على الاشتغالِ، ومن الموانعِ كونُ الوصفِ اسمَ فاعلٍ مُقْتَرِناً بألْ؛ لأنَّ (ألِ) الداخلةَ على اسمِ الفاعلِ موصولةٌ، وقد عَرَفْتَ (ص 136) أنَّ الموصولاتِ تَقْطَعُ ما بعدَها عمَّا قَبْلَها.
فيكونُ العاملُ غيرَ الفعلِ في هذا البابِ مُنْحَصِراً في ثلاثةِ أشياءَ: اسمِ الفاعلِ، واسمِ المفعولِ، وأمثلةِ المبالغةِ، بشرطِ أنْ يكونَ كلُّ واحدٍ مِنها بمعنى الحالِ أو الاستقبالِ، وألاَّ يَقْتَرِنَ بألْ.

([23])(وعُلْقَةٌ) مبتدأٌ،َاصِلَةٌ) نعتٌ لِعُلْقَةٌ،ِتَابِعِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بحاصلةٌ،(كعُلْقَةٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ،ِنَفْسِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٌ لِعُلْقَةٍ المجرورِ بالكافِ، ونفسِ مضافٌ و(الاسمِ) مضافٌ إليه،(الواقِعِ) نعتٌ للاسمِ.

([24])ههنا شيئانِأُحِبُّ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهما، وأُبَيِّنَ لك شَأْنَهُما:
الأمرُالأوَّلُ: أنَّ المؤلِّفَ ذَكَرَ مِمَّا يَحْصُلُ به الارتباطُ بينَ الاسمِ المتقدِّمِ الذي هو المشغولُ عنه والفعلِ الذي هو المشغولُ ثلاثةٌ من التوابعِ، وهي النعتُ وعطفُ البيانِ والعطفُ(بالواوِ) ، وأَهْمَلَ اثنيْنِ،وهما التوكيدُ والبَدَلُ، وسِرُّ ذلك أنَّ البَدَلَ لا يَجِيءُ في معمولِ الفعلِ المشغولِ أصلاً، وأما التوكيدُ فاللفظيُّ منه لا يَتَّصِلُ بضميرٍ،والمعنويُّ يكونُ الضميرُ المتَّصِلُ به راجعاً إلى المؤكَّدِ لا إلى الاسمِ المتقدِّمِ، فلو قُلْتَ:َيْدٌ ضَرَبْتُ خَالِداً نفسَه) لم يَكُنْ ثَمَّةَ رابطٌبينَ زيدٍ والفعلِ الذي بعدَه؛ لأنَّ الهاءَ في (نفسِه) تعودُ إلى خالدٍ، لا إلى زيدٍ الواقعِ في أوَّلِ الكلامِ.
والأمرُ الثاني: أنَّ هناكَ مِن الروابطِ ما أَغْفَلَه الشارِحُ، ومنها صِلَةُ الاسمِ الشاغلِ للفعلِ،نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُ الذي يَكْرَهُه) ومنها صفةُ أو صلةُ اسمِ معطوفٍ على الشاغلِ،نحوُ قولِكَ:(خالدٌ ضَرَبْتُ عَمْراً ورَجُلاً يُحِبُّه)،أو (خالدٌ ضَرَبْتُ عَمْراً والذي يُحِبُّه)؛أي: الذي يُحِبُّ خَالِداً.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

<H1 dir=rtl style="MARGIN: 0cm 0cm 0pt">هَذا بَابُ الاشتغالِ([1])


إذا اشْتَغَلَ فعلٌ مُتأَخِّرٌ بنَصْبِه لمَحَلِّ ضميرِ اسْمٍ مُتقَدِّمٍ عن نَصْبِه للفظِ ذلك الاسْمِ؛ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُهُ) أو لمَحَلِّه؛ كـ (هَذَا ضَرَبْتُهُ), فالأصْلُ أنَّ ذلكَ الاسْمَ([2]) يَجوزُ فيهِ وجهانِ:
أحَدُهما: رَاجِحٌ لسلامتِه من التقديرِ, وهو الرفعُ بالابتداءِ, فما بعدَه في موضِعِ رَفْعٍ على الخَبَرِيَّةِ, وجُمْلَةُ الكلامِ حِينَئذٍ اسميَّةٌ.
والثاني: مَرْجوحٌ؛ لاحتياجِه إلى التقديرِ, وهو النصْبُ فإِنَّه بفِعْلٍ مُوافِقٍ للفِعْلِ المذكورِ مَحْذوفٍ وُجوباً, فما بعدَه لا مَحَلَّ له؛ لأنَّهُ مُفَسِّرٌ, وجُمْلةُ الكلامِ حِينَئذٍ فِعْلِيَّةٌ([3]).
ثم قَدْ يَعرِضُ لهذا الاسمِ ما يُوجِبُ نَصْبَه وما يُرجِّحُه وما يُسَوِّي بينَ الرفْعِ والنصْبِ, ولم نَذْكُرْ من الأقسامِ ما يَجِبُ رَفْعُه كما ذَكَرَ الناظِمُ؛ لأنَّ حدَّ الاشتغالِ لا يَصْدُقُ عليهِ([4])،وسَيَتَّضِحُ ذَلِكَ.
فيَجِبُ النصْبُ إذا وقَعَ الاسمُ بعدَ ما يَخْتَصُّ بالفِعْلِ؛ كأدواتِ التحضيضِنحوَ: (هَلاَّ زَيْداً أكْرَمْتَهُ), وأدواتِ الاستفهامِ غَيْرَ الهمزةِ نحوَ: (هَلْ زَيْداً رَأَيْتَهُ)([5]) و(مَتَى عَمْراً لَقِيتَهُ), وأدواتِ الشرطِ نَحوَ: (حَيْثُمَا زَيْداً لَقِيتَهُ فأَكْرِمْهُ), إلاَّ أنَّ هذيْنِ النوعيْنِ لا يَقَعُ الاشتغالُ بعدَهما إلاَّ في الشِّعْرِ، وأمَّا في الكلامِ فلا يَلِيهِما إلاَّ صريحُ الفعلِ, إِلاَّ إنْ كانَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ (إِذَا) مُطْلَقاً أو (إِنْ), والفِعْلُ ماضٍ فيَقَعُ في الكلامِ نحوَ: (إِذَا زَيْداً لَقِيتَهُ أَوْ تَلْقَاهُ فأكْرِمْهُ), و(إِنْ زَيْداً لَقِيتَهُ فَأكْرِمْهُ), ويَمْتنِعُ في الكلامِ:ِنْ زَيْداً تَلْقَهُ فأكْرِمْهُ), ويجوزُ في الشِّعْرِ, وتسويةُ الناظِمِ بينَِنْ) و(حَيْثُمَا) مَرْدُودَةٌ.
ويَتَرَجَّحُ النصبُ في سِتِّ مَسائِلَ:
إحداها: أنْ يَكُونَ الفعلُ طَلَباً([6])،وهو الأمْرُ والدعاءُ, ولو بصِيغَةِ الخبرِ نحوَ: (زَيْداً اضْرِبْهُ), و: (اللَّهُمَّ عَبْد‍َكَ ارْحَمْهُ), و: َيْداً غَفَرَ اللهُ لَهُ).
وإنَّما وجَبَ الرفْعُ في نحوِ: (زَيْدٌ أحْسِنْ بِهِ)؛ لأنَّ الضميرَ في مَحَلِّ رَفْعٍ([7]).
وإنَّما اتَّفَقَ السَّبْعَةُ عليهِ في نحوِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}([8]لأنَّ تَقْدِيرَه عندَ سِيبَوَيْهِ: مِمَّا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ الزَّانِي والزَّانِيَةِ, ثم اسْتُؤْنِفَ الحُكْمُ؛ وذلكَ لأنَّ الفاءَ لا تَدْخُلُ عندَه في الخبرِ في نحوِ هَذَا؛ وَلِذَا قالَ في قَوْلِه:
233- وقَائِلَةٍ خَوْلانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ([9]):
إنَّ التقديرَ: هذهِ خَوْلانُ. وقالَ المُبَرِّدُ: الفاءُ لمعنَى الشرطِ, ولا يَعْمَلُ الجَوابُ في الشرطِ, فكذلكَ ما أشْبَهَهُمَا, ومالا يَعْمَلُ لا يُفَسِّرُ عَامِلاً, فالرفْعُ عندَهما واجِبٌ. وقالَ ابنُ السيدِ وابنُ بابشاذَ: يُخْتارُ الرَّفْعُ في العمومِ كالآيةِ, والنَّصْبُ في الخُصوصِ؛ كـ (زَيْداً اضْرِبْهُ).
الثانيةُ: أنْ يَكُونَ الفِعْلُ مَقْروناً باللامِ أو بـ (لا) الطَّلَبيَّتيْنِ نحوَ: (عَمْراً لِيَضْرِبْهُ بَكرٌ), و: َالِداً لا تُهْنِهُ), ومنه: (زَيْداً لا يُعَذِّبُهُ اللهُ)؛ لأنَّهُ نَفْيٌ بمعنَى الطَّلَبِ.
ويَجْمَعُ المسألتيْنِ قولُ الناظِمِ: (قبلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ). فإنَّ ذلك صادِقٌ على الفعلِ الذي هو طَلَبٌ, وعلى الفعلِ المَقرونِ بأداةِ الطَّلَبِ.
الثالثةُ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ بعدَ شَيْءٍ الغَالِبُ أنْ يَلِيَهُ فعلٌ؛ ولذلك أمثلةٌ, منها همزةُ الاستفهامِ، نحوُ: {أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ}([10]) فإنْ فُصِلَتِ الهَمزَةُ فالمُختارُ الرفْعُ نَحْوُ: (أَأَنتَ زَيْدٌ تَضرِبُهُ)([11]) في نحوِ: (أَكُلَّ يَوْمٍ زَيْداً تَضرِبُهُ)؛ لأنَّ الفصلَ بالظرفِ كَلاَ فَصْلٍ, وقالَ ابنُ الطَّرَاوةِ: إنْ كانَ الاستفهامُ عن الاسْمِ فالرفعُ, نحوُ: (أَزَيْدٌ ضَرَبْتَهُ أَمْ عَمْرٌو), وحكَمَ بشُذوذِ النصْبِ في قولِه:
234- أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ أَمْ رِيَاحاً = عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا([12])
وقالَ الأخْفَشُ: أخواتُ الهمزةِ كالهمزةِ نحوُ: (أَيُّهُمْ زَيْداً ضَرَبَهُ),َمَنْ أَمَةَ اللهِ ضَرَبَها), ومنها النفْيُ بـ(مَا)، أو (لا)، أو (إنْ) نحوُ: (مَا زَيْداً رَأَيْتُهُ), وقِيلَ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ اختيارُ الرفْعِ. وقالَ ابنُ الباذشِ وابنُ خَرُوفٍ: يَسْتويانِ. ومنها (حَيْثُ) نَحْوُ: (حَيْثُ زَيْداً تَلْقَاهُ أكْرِمْهُ) كذا قالَ الناظِمُ([13]), وفيهِ نَظَرٌ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقَعَ الاسْمُ بعدَ عاطفٍ غَيْرِ مفصولٍ بـ(أمَّا) مَسْبوقٍ بفِعْلٍ غيرِ مَبْنِيٍّ على اسْمٍ, كـ (قَامَ زَيْدٌ, وعَمْراً أكْرَمْتُهُ), ونحوِ: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ}([14]) بعدَ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}([15]) بخلافِ نحوِ: (ضَرَبْتُ زَيْداً وأَمَّا عَمْرٌو فأَهَنْتُهُ), فالمُختارُ الرفْعُ؛ لأنَّ(أمَّا) تَقْطَعُ ما بعدَها عَمَّا قَبْلَها, وقُرِئَ: (وأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ)([16]) بالنصْبِ على حَدِّ:َيْداً ضَرَبْتُهُ), وحتَّى ولَكِنْ وبَلْ, كالعاطفِ نحوَ: (ضَرَبْتُ القَوْمَ حَتَّى زَيْداً ضَرَبْتُهُ)([17]).
الخامسةُ: أَنْ يُتَوَهَّمَ في الرفْعِ أَنَّ الفعلَ صِفَةٌ نحوُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ}([18]وإِنَّما لم يُتَوَهَّمْ ذلكَ معَ النصْبِ؛ لأنَّ الصِّفَةَ لا تَعْمَلُ في الموصوفِ، ومالا يَعْمَلْ لا يُفَسِّرْ عَامِلاً.
ومِن ثَمَّ وجَبَ الرفعُ إِنْ كانَ الفعلُ صِفَةً نحوَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}([19]أو صِلَةًنحوَ: (زَيْدٌ الَّذِي ضَرَبْتُه), أو مُضافاً إليهِنحوَ: (زَيْدٌ يَوْمَ تَرَاهُ تَفْرَحُ), أو وقَعَ الاسمُ بعدَ ما يَخْتَصُّ بالابتداءِكإِذَا الفُجائِيَّةِ على الأصحِّ([20]) نحوَ: (خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ يَضْرِبُهُ عَمْرٌو), أو قبلَ ما لا يَرِدُ ما قبلَه معمولاً لِمَا بعدَه نحوُ: (زَيْدٌ مَا أَحْسَنَهُ!), أو:ِنْ رَأَيْتَهُ فأكْرِمْهُ), أو:َلْ رَأَيتَهُ),أو:َلاَّ رَأَيْتَهُ).
َنْبيهانِ) الأَوَّلُ: لَيْسَ من أقسامِ مسائلِ البابِ ما يَجِبُ فيهِ الرفْعُ كما في مسألةِ(إذا) الفُجائِيَّةِ؛ لعَدَمِ صِدْقِ ضَابِطِ البابِ([21]) عليها, وكلامُ الناظِمِ يُوهِمُ ذلك.
الثاني: لم يَعْتَبِرْ سِيبَوَيْهِ إيهامَ الصِّفَةِ مُرَجِّحاً للنصْبِ, بل جَعَلَ النصْبَ في الآيةِ مثلَه في: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ), قالَ: وهو عَرَبِيٌّ كَثِيرٌ.
السادسةُ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ جواباً لاستفهامٍ مَنْصوبٍ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُهُ) جَوَاباً لمَن قالَ: (أَيَّهُمْ ضَرَبْتَ؟). أو (مَن ضَرَبْتَ).
ويَسْتويانِ في مثلِ الصورةِ الرابعةِ إذا بُنِيَ الفِعْلُ على اسْمٍ غَيْرِ (مَا) التَّعَجُّبِيَّةِ, وتَضَمَّنَتِ الجملةُ الثانيةُ ضَمِيرَه أو كَانَتْ مَعْطوفةً بالفاءِ؛ لحصولِ المُشاكَلَةِ رَفَعْتَ أو نَصَبْتَ وذلكَ نَحْوُ: (زَيْدٌ قَامَ وعَمْرٌو أكْرَمْتُهُ لأجْلِهِ), أو:َعَمْراً أكْرَمْتُهُ)([22]) بخلافِ: (مَا أَحسَنَ زَيْداً وعَمْرٌو أكْرَمْتُهُ عِنْدَه), فلا أثَرَ للعطفِ, فإِنْ لَمْ يَكُنْ في الثانيةِ ضَمِيرٌ للأوَّلِ ولم يُعْطَفْ بالفاءِ فالأخْفَشُ والسِّيرافِيُّ يَمْنعانِ النصْبَ([23]وهو المختارُ, والفارِسِيُّ وجماعةٌ يُجِيزُونَهُ, وقالَ هِشامٌ: الواوُ كالفَاءِ.
وهذهِ أُمورٌ مُتَمِّماتٌ لِمَا تَقدَّمَ:
أحَدُها: أنَّ المُشْتَغِلَ عن الاسمِ السابقِ كما يَكونُ فِعْلاً، كذلك يَكُونُ اسْماً، لكنْ بشُروطٍ ثَلاثَةٍ:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ وَصْفاً([24]).
الثاني: أنْ يَكُونَ عامِلاً.
الثالِثُ: أنْ يَكُونَ صَالِحاً للعَمَلِ فيما قبلَه؛ وذلك نحوُ: (زَيْدٌ أنَا ضَارِبُهُ الآنَ أو غَداً)؛ بخِلافِ نحوِ: (زَيْدٌ عَلَيْكَهُ), و: َيْدٌ ضَرْباً إِيَّاهُ)؛ لأنَّهُما غيرُ صِفَةٍ, نَعَمْ يجوزُ النصْبُ عندَ مَن جَوَّزَ تقديمَ معمولِ اسْمِ الفعلِ, وهو الكِسائِيُّ, ومعمولِ المَصْدَرِ الذي لا يَنْحَلُّ بحَرْفٍ مَصْدرِيٍّ, وهو المُبَرِّدُ والسِّيرافِيُّ, وبخلافِ نحوِ: (زَيْدٌ أنَا ضَارِبُهُ أَمْسِ)؛ لأنَّهُ غيرُ عَامِلٍ على الأصَحِّ, و: َيْدٌ أَنَا الضَّارِبُهُ), و: َجْهُ الأَبِ زَيْدٌ حَسَنُهُ)؛ لأنَّ الصلةَ والصِّفَةَ المُشبَّهَةَ لا يَعْمَلانِ فيما قبلَهما.
الثاني: لا بُدَّ في صِحَّةِ الاشتغالِ مِن عُلْقةٍ بينَ العاملِ والاسْمِ السابقِ, وكما تَحْصُلُ العُلْقَةُ بضميرِه المُتَّصلِ بالعامِلِ؛ كـ(زَيْداً ضَرَبْتُهُ), كذلك تَحْصُلُ بضَميرِه المُنفصِلِ من العاملِ بحَرْفِ الجرِّ نحوَ: (ز‍َيْداً مَرَرْتُ بِهِ), أو باسْمٍ مُضافٍ نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ), أو باسْمٍ أجْنَبِيٍّ أُتْبِعَ بتابِعٍ مُشْتَمِلٍ على ضميرِ الاسمِ بشَرْطِ أنْ يَكُونَ التابِعُ نَعْتاً له نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ رَجُلاً يُحِبُّهُ), أو عَطْفاً بالواوِ نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ عَمْراً وأخَاهُ), أو عَطْفَ بَيَانٍ؛ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُ عَمْراً أَخَاهُ)؛ فإِنْ قَدَّرْتَ الأخَ بَدَلاً بَطَلَتِ المسألةُ؛ رَفَعْتَ أو نَصَبْتَ, إِلاَّ إذا قُلْنا: عَامِلُ البَدَلِ والمُبدَلِ منه وَاحِدٌ. صَحَّ الوَجْهانِ.
الثالِثُ: يَجِبُ كونُ المُقَدَّرِ في نحوِ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ) مِن معنَى العاملِ المذكورِ ولفظِه, وفي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ من معناهُ دُونَ لَفظِه، فيُقَدَّرُ: جَاوَزْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بِهِ، وأَهَنْتُ زَيْداً ضَرَبتُ أَخَاهُ([25]).
الرابعُ: إذا رَفَعَ فِعْلٌ ضَمِيرَ اسْمٍ سَابِقٍ نَحْوَ: (زَيْدٌ قَامَ), أو:ُضِبَ عَلَيهِ), أو مُلابِساً لضميرِه نحوَ: (زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ), فقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الاسْمُ وَاجِبَ الرفْعِ بالابتداءِ([26])؛كـ (خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَامَ), و: َيْتَمَا عَمْرٌو قَعَدَ), إِذَا قَدَّرْتَ (مَا) كَافَّةً.

أو بالفاعِليَّةِ([27]) نحوَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَاسْتَجَارَكَ}([28]) و(هَلاَّ زَيْدٌ قَامَ).
وقدْ يَكُونُ رَاجِحَ الابتدائيَّةِ على الفَاعِلِيَّةِ([29]) نحوَ: (زَيْدٌ قَامَ), عندَ المُبَرِّدِ ومتابِعِيهِ, وغيرُهم يُوجِبُ ابتدائِيَّتَه؛ لعَدَمِ تَقدُّمِ طالِبِ الفِعْلِ.
وقد يَكُونُ رَاجِحَ الفَاعِلِيَّةِ على الابتدائيَّةِ([30]) نحوَ: (زَيْدٌ لِيَقُمْ), ونحوَ: (قَامَ زَيْدٌ، وعَمْرٌو قَعَدَ), ونحوَ: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}([31]و: َأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}([32]).
وقدْ يَستويانِ نَحْوَ: (زَيْدٌ قَامَ وعَمْرٌو قَعَدَ عِنْدَهُ).


([1]) أركانُ الاشتغالِ ثلاثةٌ: مشغولٌ عنه، وهو الاسمُ المُتَقَدِّمُ، ومشغولٌ، وهو الفعلُ المُتأَخِّرُ، ومشغولٌ به، وهو الضميرُ الذي تَعَدَّى إليهِ الفِعْلُ بنَفْسِه أو بالواسطةِ، ولكلِّ واحدٍ من هذه الثلاثةِ شُروطٌ لا بُدَّ من بيانِها:
فأمَّا شروطُ المشغولِ عنه – وهو الاسْمُ المُتقدِّمُ كما قُلْنا – فخمسةٌ:
الأولُ: أنْ يَكُونَ غيرَمُتعَدِّدٍ لفظاً ومعنًى، بأنْ يَكُونَ واحداً نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُهُ، أو مُتَعَدِّداً في اللفظِ دُونَ المعنَى نحوَ: زَيْداً وعَمْراً ضَرَبْتُهما؛ لأنَّ العطفَ جعَلَ الاسميْنِ كالاسمِ الواحدِ، فإنْ تَعدَّدَ في اللفظِ والمعنَى – نحوَ: زيداً دِرْهماً أعْطَيْتُه – لم يَصِحَّ.
الثاني: أنْ يَكُونَ مُتَقَدِّماً، فإنْ تَأَخَّرَ – نحوَ: ضَرَبْتُه زَيْداً– لم يَكُنْ من بابِ الاشتغالِ، بل إنْ نَصَبْتَ زيداً فهو بَدَلٌ من الضميرِ، وإنْ رَفَعْتَهُ فهو مبتدأٌ, خَبَرُه الجملةُ التي قبلَه، وكأنَّكَ قلتَ: زيدٌ ضَرَبْتُهُ.
والثالِثُ: قَبولُه الإضمارَ، فلا يَصِحُّ الاشتغالُ عن الحالِ والتمييزِ، ولا عن المجرورِ بحَرْفٍ يَخْتَصُّ بالظاهرِ؛ كحَتَّى.
والرابِعُ: كونُه مُفْتَقِراً لِمَا بعدَه، فنَحْوُ: (جاءَ زيدٌ فأُكْرِمُه) ليسَ من بابِ الاشتغالِ؛ لكونِ الاسمِ مُكْتَفِياً بالعاملِ المُتَقَدِّمِ عليهِ.
والخامِسُ: كونُه صالحاً للابتداءِ به، بألاَّ يَكونَ نَكِرَةً مَحْضةً، فنحوُ قولِه تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}. ليسَ من بابِ الاشتغالِ، بل {رَهْبَانِيَّةً} معطوفٌ على ما قبلَه بالواوِ، وجملةُ {ابْتَدَعُوها} صِفَةٌ.
وأمَّا الشروطُ التي يَجِبُ تَحَقُّقُها في المشغولِ– وهو الفعلُ المُتأَخِّرُ كما قُلْنا – فاثنانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بالمشغولِ عنه، فإنِ انْفَصَلَ منه بفاصلٍ لا يكونُ لِمَا بعدَه عَمَلٌ فيما قبلَه, لم يَكُنْ من بابِ الاشتغالِ، وسيأتي توضيحُ هذا الشرطِ في الأصلِ.
والثاني: كونُه صَالِحاً للعملِ فيما قبلَه، بأنْ يَكُونَ فِعلاً مُتصرِّفاً أو اسْمَ فاعلٍ مُسْتَكْمِلٍ لشروطِ عَمَلِه أو اسْمَ مفعولٍ مُستكمِلٍ لشروطِ عَمَلِه، فإنْ كانَ حَرْفاً أو اسْمَ فعلٍ أو صِفَةً مُشَبَّهَةً أو فِعْلاً جَامِداً كفعلِ التعَجُّبِ لم يَصِحَّ.
وأمَّا الذي يَجِبُ تَحقُّقُه في المشغولِ بهِ فشَرْطٌ واحدٌ، وهو ألاَّ يَكونَ أجْنبِيًّا من المشغولِ عنه، فيَصِحُّ أنْ يَكُونَ ضَمِيرَ المشغولِ عنه، نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُه أو مَرَرْتُ بهِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ اسماً ظَاهِراً مُضافاً إلى ضميرِ المشغولِ عنه نحوَ: زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ أَوْ مَرَرْتُ بغُلامِه، وهذا الأخيرُ يُسَمَّى السببيَّ.

([2]) اعْتُرِض على هذا الضابطِ الذي ذَكَرَه المُؤَلِّفُ بأنَّه غيرُ حَاصِرٍ، يعني: أنَّه لم يَشْمَلْ جميعَ صُورِ الاشتغالِ، وبيانُ ذلك أنَّ المُؤَلِّفَ خصَّ المشغولَ بكونِه فِعلاً– وذلك في قولِه: (إذا اشْتَغَلَ فِعْلٌ مُتأخِّرٌ) – معَ أنَّ المشغولَ قد يَكونُ فِعلاً نحوَ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ)، وقدْ يكونُ وَصْفاً نحوَ: (زَيْداً أنَا ضَارِبُه الآنَ) وكذلكَ خصَّ المشغولَ بهِ بِكونِهِ ضَمِيرَ الاسمِ المُتقدِّمِ معَ أنَّه قدْ يَكُونُ ضَمِيرَ الاسمِ المُتقدِّمِ نحوَ قولِكَ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ). وقد يَكُونُ اسْماً ظَاهِراً مُضافاً إلى ضميرِ الاسْمِ المُتقَدِّمِ نحوَ قَولِكَ: (زَيْداً ضَرَبْتُ غُلامَهُ).
وقدْ يُجابُ عن ذلك بأحدِ أجوبةٍ ثَلاثةٍ:
الأولُ: أنَّ المُؤَلِّفَ أرادَ أنْ يُبَيِّنَ ما هو الأصْلُ في كلِّ واحدٍ منهما، وترَكَ بيانَ الفروعِ؛ لأنَّها معروفةٌ من قواعِدَ عَامَّةٍ لمَن له اتِّصالٌ بفَنِّ العَربيَّةِ، وبيانُ هذا أنَّ الفعلَ هو الأصْلُ في العملِ، والأوصافَ من اسمِ الفاعلِ وصِيَغِ المُبالغةِ تَعمَلُ بالحَمْلِ على الفعلِ، والأصْلُ في المشغولِ به أنْ يَكُونَ ضميرَ الاسمِ المُتقدِّمِ، والاسِمُ الظَّاهِرُ المُضافُ لضميرِه – وهو الذي يُسَمَّى السَّبَبِيَّ – مُلْحَقٌ به
الجوابُ الثاني: أنَّه أرادَ أنْ يُبَيِّنَ أظْهَرَ المسائلِ التي يُدْرِكُها كلُّ واحدٍ، فأمَّا الصورُ الخَفِيَّةُ بعضَ خفاءٍ فقَدْ تَرَكَ بيانَها في مَطْلِعِ البابِ تَيْسيراً على المبتدئِينَ، ثم خَصَّها بالبيانِ فيما بعدُ؛ ليقَعَ عِلْمُها للقارِئِ بعدَ أنْ يَكُونَ قدْ تَمرَّسَ بأحكامِ البابِ بعضَ التَمرُّسِ.
والجوابُ الثالِثُ: أنَّه جَرَى على مذهَبِ مَن يُجِيزُ التعريفَ بالأخَصِّ، وعلى ذلك لا يَرِدُ عليه هذا الاعتراضُ؛ لأنَّه لا يَرَى مَانِعاً من أنْ يَكُونَ الحَدُّ أو الضابِطُ الذي ذكَرَه أخَصَّ من المَحْدودِ أو المُرادِ ضَبْطُه.

([3]) بينَ التقديريْنِ فرقٌ آخرُ غيرُ الفرقِ الذي ذكَرَه المُؤَلِّفُ، وبيانُ ذلك: أنَّكَ إذا قُلْتَ: (زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ). برفْعِ زيدٍ على أنَّه مبتدأٌ خَبَرُه الجملةُ الفعليَّةُ التي بعدَه, فالكلامُ جُمْلةٌ وَاحِدَةٌ، وهي اسميَّةٌ؛ كما قالَ المُؤَلِّفُ، ولا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لكونِها ابتدائيَّةً، وإذا قُلْتَ: (زَيْداً ضَرَبْتُهُ). بنَصْبِ زيدٍ على أنَّه مفعولٌ بهِ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه الفعلُ المذكورُ بعدَه؛ فإنَّ الكلامَ يكونُ جملتيْنِ، وكِلْتاهما جملةٌ فعليَّةٌ، أمَّا الأولى فجملةٌ فعليَّةٌ؛ كما قالَ المُؤَلِّفُ، ولا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لكونِها ابتدائيَّةً؛ أي: وَاقِعةً في ابتداءِ الكلامِ، وأمَّا الثانيةُ فجملةٌ فعليَّةٌ أيضاً، ولا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لكونِها تَفْسِيرِيَّةً.
وقد بَقِيَ في هذا الموضِعِ أنْ نَقولَ لكَ: إنَّ ما ذكَرَه المُؤَلِّفُ– من أنَّ انتصابَ الاسمِ المُتقدِّمِ بفعلٍ مُماثِلٍ للفعلِالمتأخِّرِ – هو مَذْهَبُ الجمهورِ، وفي المسألةِ أقوالٌ أخْرَى؛ منها ما ذهَبَ إليه الكِسَائِيُّ، وحاصِلُه أنَّ الاسمَ المُتقدِّمَ منصوبٌ بالفعلِ المتأخِّرِ، والضميرُ مُلْغًى، لا عَمَلَ للفعلِ فيه، ومنها ما ذَهَبَ إليهِ الفرَّاءُ، وهو أنَّ الفعلَ المتأخِّرَ نصَبَ الاسمَ المُتقدِّمَ والضميرَ جَمِيعاً، وكِلا الرأيَيْنِ ضعيفٌ، لا جَرَمَ لم يَعْبَأِ المُؤَلِّفُ بهما، ولم يَحْكِ عنهما شَيْئاً.

([4]) وَجْهُ ما رآهُ المُؤَلِّفُ هو ما قَدْ عَرَفْتَ في بيانِ حَدِّ الاشتغالِ, أنَّ مِن شِرْطِه أنْ يَكُونَ الاسمُ المُتقدِّمُ بحيثُ لو أنَّنا فَرَّغْنا العاملَ المتأخِّرَ من ضميرِه المشغولِ به لانتصَبَ ذلك الاسْمُ المُتقدِّمُ بذلك الفعلِ المتأخِّرِ، فقَوْلُنا: (زَيْدٌ ضَرَبْتُه). لو حَذَفْنا منه الضميرَ لَقُلْنا:َيْداً ضَرَبْتُ). وكانََيْداً) مفعولاً مقدَّماً لضَرَبْتُ، والاسمُ الذي يَجِبُ رفعُه نحوُ: (فَإِذَا زَيْدٌ يَضْرِبُهُ عَمْرٌو) مَثَلاً، لو حَذَفْنا الضميرَ لم يَنْتَصِبْ الاسْمُ المُقدَّمُ بالفعلِ المتأخِّرِ, ولا بفعلٍ آخَرَ يُفَسِّرُه المذكورُ، فلا يَصْدُقُ عليه حدُّ الاشتغالِ، وانْظُرْ مسائِلِ وُجوبِ الرفْعِ في (ص151) من هذا الجُزْءِ.

([5]) وجوبُ نَصْبِ الاسمِ الواقِعِ بعدََلْ) وبعدَه فعلٌ, هو مذهبُ سِيبَوَيْهِ الذي يَرَى أنَّه إذا وقَعَ بعدَ (هل) اسْمٌ وفعلٌ وجَبَ أنْ يَكُونَ الفعلُ تَالِياً لها، فوجَبَ النصبُ؛ ليَكُونَ الفعلُ المُقدَّرُ تَالِياً لـ(هل)، فأمَّا الكِسَائِيُّ فإِنَّه يُجِيزُ أنْ يَلِيَها الاسْمُ كما يُجِيزُ أنْ يَلِيَها الفعلُ، وعلى مذهبِه يَجوزُ الرفعُ والنصْبُ، لكنَّ النصْبَ أرجَحُ.

([6]) إنَّما تَرَجَّحَ النصْبُ فيما إذا كانَ الفعلُ طَلَباً؛ لسببيْنِ:
الأَوَّلُ: أنَّ الأصلَ في الطلبِ أنْ يَكُونَ بالفعلِ، فرَجَّحْنا النصْبَ؛ ليَكُونَ الكلامُ على تقديرِ فعلٍ، فيَجِيءُ على ما هو الأصْلُ في الطلبِ، ولم نُوجِبْه – أيِ: النَّصْبَ – لأنَّ الطلبَ بغيرِ الفعلِ غَيْرُ مُنْكَرٍ، لكنَّه قليلٌ.
والسببُ الثاني: أنَّا لو رَفَعْنا الاسْمَ لكانَ مُبْتدأً، ويكونُ خبرُه الجملةَ الطلبيَّةَ، والأصْلُ في الجملةِ التي تَقَعُ خَبَراً أنْ تَكُونَ مُحْتَمِلَةً للتصديقِ والتكذيبِ، والجملةُ الطلبيَّةُ ليسَتْ بهذهِ المَنْزِلَةِ، فرَجَّحْنا النصْبَ لذلك، ولم نُوجِبُه؛ لأنَّه لا يَجِبُ في الجملةِ التي تَقَعُ خَبَراً أنْ تَكُونَ مُحْتَمِلةً للصدقِ والكذبِ، ومنه قولُ الشاعرِ:
إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ = لا تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيلِكُمْ نَامَا

([7]) السرُّ في رفْعِ زيدٍ من قولِكَ: (زَيْدٌ أحْسِنْ بِهِ). يَرْجِعُ إلى أنَّ هذا المثالَ - وإنْ تقدَّمَ فيهِ اسمٌ، وتأخَّرَ عنه فِعْلٌ عَامِلٌ في ضميرِ الاسمِ السابِقِ – هو في الحقيقةِ أنَّ هذا المثالَ ليسَ مِمَّا يَنْطَبِقُ عليه حدُّ الاشتغالِ، ولا هو مُستكمِلٌ شروطَه، أمَّا أنَّه لا يَنْطَبِقُ عليهِ حدُّ الاشتغالِ؛ فلأَنَّا ذكَرْنا في حدِّه أنْ يَكُونَ الفعلُ نَاصباًللضميرِ، وهذا الضميرُ ليسَ في مَحَلِّ النصبِ, بل هو في مَحَلِّ رفْعٍ؛ لأنَّه فاعِلٌ للفعلِ المُتقدِّمِ عليه، غايةُ ما في البابِ أنَّه اقتَرَنَتْ بهِ الباءُ الزائدةُ.
وقدْ سَبَقَ بيانُ هذا في أوَّلِ بابِ الفاعلِ، وسيأتي مُفَصَّلاً في بابِ التعَجُّبِ، وأمَّا أنَّه لم يَسْتَكْمِلْ شروطَ الاشتغالِ؛ فلأنَّ فعلَ التعَجُّبِ من الأفعالِ الجامدةِ، وهي لا تَعْمَلُ فيما يَتقدَّمُ عليها، فلا تُفَسِّرُ عامِلاً فيه، وقدْ شَرَطْنا في المشغولِ أنْ يَكُونَ صَالِحاً للعَمَلِ فيما قبلَه.

([8]) سورة النُّورِ، الآية: 2.

([9]) 233-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*وأُكْرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا*
وهذا البيتُ من شواهدِ سِيبَوَيْهِ الخَمْسِينَ التي لم يَعْرِفوا لها قَائِلاً مُعَيَّنًا.
اللغةُ: (خَوْلانُ) قبيلةٌ من مَذْحِجٍ باليَمَنِ، واسْمُ أبيها خَوْلانُ بنُعَمْرِو بنِ الحافِ بنِ قُضَاعَةَ, وهو بفتحِ الخاءِ المُعْجمةِ وسكونِ الواوِ,َتَاتَهُمْ) الفتاةُ: الشابَّةُ من النساءِ، وهي مُؤنَّثُ فَتًى, (أُكْرُومَةُ) بضَمِّ الهمزةِ وسُكونِ الكافِ, وبعدَها راءٌ مُهْمَلَةٌ، بزِنَةِ الأُضْحوكةِ من الضَّحِشكِ, والأُحْدوثَةِ من الحديثِ, والأُعْجوبةِ من العَجَبِ، والمعنَى الذي تَدُلُّ عليهِ هو معنَى اسمِ المفعولِ, (الحَيَّيْنِ) أرادَ حَيَّ أبيها وحَيَّ أُمِّها، يُرِيدُ أنَّها فتاةٌ ذَاتُ كَرَمٍ ومَجادَةٍ من جِهَتَيْ نَسَبِها,ِلْوٌ) خاليةٌ من الأزواجِ، وهي بكسرِ الخاءِ وسكونِ اللامِ، وآخرُها واوٌ.
الإعرابُ: (وقَائِلَةٍ) الواوُ واوُ رُبَّ، قَائِلَةٍ: مبتدأٌ، مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على آخرِه, منَعَ من ظُهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ حرفِ الجرِّ الشبيهِ بالزائدِ,َوْلانُ) خبرُ مُبْتدأٍ محذوفٍ, مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، والتقديرُ: هذهِ خَوْلانُ,َانْكِحْ) الفاءُ حَرْفٌ دالٌّ على الاستئنافِ، انْكِحْ: فعلُ أمْرٍ، مَبْنِيٌّ علَى السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وفاعِلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تَقْديرُه: أنتَ,َتَاتَهم) فتاةَ: مفعولٌ بهِ لـ (انكِحْ)، وهو مُضافٌ, وضميرُ الغَيبةِ العائِدُ إلى (خَوْلانُ) مُضافٌ إليهِ, (وأُكْرومةُ) الواوُ للحالِ، أُكْرومةُ: مبتدأٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مُضافٌ, و(الحَيَّيْنِ) مُضافٌ إليه، مجرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه مُثَنًّى، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ,ِلْوٌ) خَبَرُ المبتدأِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ, (كما) الكافُ حرفُ جرٍّ، و(ما) يجوزُ أنْ تَكُونَ حرفاً زائداً, وعليه تكونُ (هي) ضَمِيراً مجرورَ المَحَلِّ بالكافِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ خَبَرٌ ثانٍ للمبتدأِ الذي هو أُكْرومةُ الحَيَّيْنِ، وكأنَّه قدْ قالَ: وأُكْرُومَةُ الحَيَّيْنِ خَالِيَةٌ كشَأْنِها المعروفِ لكَ. ويَجوزُ أنْ تَكُونَ (ما) اسماً موصولاً مجرورَ المَحلِّ بالكافِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ خبرٌ ثانٍ، وعليه يكونُ (هي) ضميراً مُنفصِلاً, مبتدأٌ مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ في مَحَلِّ رفعٍ، وخبرُ هذا المبتدأِ محذوفٌ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ لا مَحَلَّ لها, صِلَةُ المَوْصولِ، والعائِدُ محذوفٌ, والتقديرُ: على الذي هي عليه.
الشاهدُ فيه: الاستشهادُ بهذا البيتِ يَستدعِي أنْ نُقَرِّرَ لكَ مسألةً، حَاصِلُها أنَّ العلماءَ قد اختَلَفوا في جوازِ دخولِ الفاءِ على خبرِ المبتدأِ الذي هو خاصٌّ؛ كأسماءِ الأعلامِ، فأمَّا سِيبَوَيْهِ فذهَبَ إلى أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ الفاءَ إِنَّما تدخُلُ على خبرِ المبتدأِ بالشرطِ, وشِبْهِ الخبرِ بالجوابِ، ووجْهُ الشبهِ بينَ الشرطِ والمبتدأِ هو العمومُ، فإذا زالَ الشَّبَهُ لم تَتَحقَّقْ عِلَّةُ الجوازِ، وذهَبَ الأخْفَشُ إلى جوازِ ذلك مُستَدِلاًّ بوُرودِه في كلامِ العرَبِ, فمِن ذلك البيتُ الذي مَعَنا، ومن ذلك قَولُ عديِّ بنِ زيدٍ العِبَادِيِّ:
أَرَوَاحٌ مُوَدِّعٌ أَمْ بُكُورُ = أنتَ فانْظُرْ لأيِّ ذاكَ تَصِيرُ
ومن ذلكَ قولُ الراجِزِ، وأنشَدَه أحمدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلبٌ:
يَا رَبَّ مُوسَى، أَظْلَمِي وأَظْلَمُهْ = فَاصْبُبْ عَلَيْهِ مَلَكاً لا يَرْحَمُهْ
فزَعَمَ الأخفشُ أنََّوْلانُ) مبتدأٌ، وجملةَُانْكِحْ) خَبَرُه، وأنَّ (أنتَ) في بيتِ عَدِيٍّ مُبْتَدَأٌ، وجملةُ (فانْظُرْ) خبرٌ، وأنَّ (أظْلَمِي) في البيتِ الذي أنشَدَه ثَعْلبٌ أفعلُ تفضيلٍ مُضافٌ لياءِ المُتكَلِّمِ, مبتدأٌ، وجملةُ (فاصْبُبْ عليهِ مَلَكاً) خَبَرُه, ولكنَّ سِيبَوَيْهِ خَرَّجَ هذه الأبياتَ على خلافِ ما خَرَّجَها عليهِ الأخْفَشُ، فجعَلَ (خَوْلانُ) خَبَراً لمبتدأٍ مَحذوفٍ، والتقديرُ:َذِهِ خَوْلانُ).
وقولُه:َانْكِحْ فَتَاتَهُمْ) جملةٌ أُخْرَى، وقولُ عَدِيٍّ: (أنتَ) يَجوزُ أنْ يَكُونَ خبراً حُذِفَ مُبتدَؤُه على نحوِ ما في البيتِ السابقِ، ويَجوزُ أنْ يَكُونَ مبتدأً حُذِفَ خبرُه، والتقديرُ: أنتَ هَالِكٌ، مَثَلاً، ويَجوزُ أنْ يَكُونَ فاعِلاً لفعلٍ مَحذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه.
وأصلُ الكلامِ: انْظُرْ (أنْتَ) فانْظُرْ، فهذا الضميرُ كانَ مُستتِراً، فلَمَّا حُذِفَ الفعلُ بَرَزَ وانْفَصَلَ. وقولُ الثالثِ: (أظْلَمِي) يجوزُ تخريجُه على نحوٍ من هذه التخريجاتِ، وبعدُ فانْظُرْ شَرْحَنا على شواهدِ الأشمونيِّ؛ فإنَّ فيه فَوْقَ المُقْنِعِ والكفايةَ.

([10]) سورة القَمَرِ، الآية:24.

([11]) إِنَّما يَترجَّحُ رفعُ زيدٍ في قولِكَ: (أَأَنْتَ زَيدٌ تَضْرِبُهُ) فيما رَآهُ سِيبَوَيْهِ، فإنَّه يَجْعَلُ (أنتَ) مبتدأً، فأداةُ الاستفهامِ دَاخِلَةٌ على الاسْمِ، وذهَبَ الأخْفَشُ إلى أنَّ (أنتَ) فَاعِلٌ بفعلٍ مَحْذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، وأنَّ أصْلَ الكلامِ: أتَضْرِبُ زَيْداً زَيْداً تَضْرِبُهُ، فحَذَفَ الفعلَ الوالِيَ للهمزةِ؛ فبَرَزَ الضميرُ الذي كانَ مُستتِراًفيهِ وُجوباً وانفصَلَ، فهمزةُ الاستفهامِ في التقديرِ دَاخلةٌ على فعلٍ عندَه، وعلى هذا لا يَجِبُ الرفعُ، ولا يَترجَّحُ النصبُ، وسيأتي لهذا الكلامِ تَتِمَّةٌ في شرحِ الشاهدِ 234.

([12]) 234-هذا بيتٌ من الوافرِ، وهو من قصيدةٍ طويلةٍ لجريرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ، ومَطْلِعُها هو الشاهدُ (رقْمُ1) الذي سبَقَ في أوَّلِ هذا الكتابِ في مباحثِ التنوينِ.
اللغةُ: (ثَعْلَبَةَ) بفتحِ الثاءِ المُثلَّثَةِ وسكونِ العينِ,ِيَاح) بكسرِ الراءِ، بعدَها ياءٌ مُثنَّاةٌ– وهما قَبِيلتانِ من بَنِي يَرْبُوعِ بنِ حَنظَلَةَ, (الفَوَارِسَ) جَمْعُ فارِسٍ، وهو أحَدُ ألفاظٍ جاءَ فيها جَمْعُ فَاعِلٍ, وهو وصفٌ لمُذكَّرٍ عاقلٍ على فواعِلَ، ومثلُه هَوالِكُ في جمعِ هَالِكٍ، ونَوَاكِسُ في جَمْعِ ناكِسٍ، وحَوَاجُّ بيتِ اللهِ,َدَلْتَ بِهِم) سَوَّيْتَ بهم وجَعَلْتَهم يَعْدِلُونَهم في الشرفِ والرِّفْعةِ وسُموِّ المنزلةِ,ُهَيَّةَ) بضمِّ الطاءِ وفتحِ الهاءِ، بعدَها ياءٌ مُشدَّدَةٌ؛ حَيٌّ من بَنِي تميمٍ, (والخِشَابا) بكسرِ أوَّلِه، بزِنَةِ الكتابِ؛ جماعةٌ من بني مالِكِ بنِ حَنْظَلَةَ.
الإعرابُ: (أَثَعْلَبَةَ) الهمزةُ للاستفهامِ, حَرْفٌ مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ, ثَعْلبةَ: مفعولٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه الفعلُ المذكورُ بعدَه، وتقديرُ الكلامِ: أَأَهَنْتَ ثَعلَبَةَ... إلخ, (الفَوارِسَ) صفةٌ لثَعْلَبَةَ، منصوبةٌ بالفتحةِ الظاهرةِ,َمْ) حرفُ عَطْفٍ، مَبْنِيٌّ علَى السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ,ِياحاً) مَعْطوفٌ على ثَعْلَبَةَ, (عَدَلْتَ) فعلٌ وفاعلٌ, (بهم) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بعَدَلَ, (طُهَيَّةَ) مفعولٌ بهِ لعَدَلَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (والخِشابَا) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، الخِشَابَا: معطوفٌ على طُهَيَّةَ، مَنصوبٌ, وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ) حيثُ نصَبَ الاسمَ الواقعَ بعدَ همزةِ الاستفهامِ، معَ أنَّ الاستفهامَ عن الاسمِ، ونَصَبَ هذا الاسمَ بفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه المذكورُ بعدَه – وهو قولُه: (عَدَلْتَ بِهِم) - وليسَ المحذوفُ من لفظِ المذكورِ، بل هو مِن معناه، فإنَّ التقديرَ: أَأَهَنْتَ ثَعْلَبَةَ ... إلخ، أو أَظَلَمْتَ ثَعْلَبَةَ ... إلخ، ونحوُ ذلك.
وانتصابُ الاسمِ الواقعِ بعدَ همزةِ الاستفهامِ راجِحٌ عندَ سِيبَوَيْهِ وأنصارِه، سواءٌ أكانَ الاستفهامُ عن الاسمِ؛ كما في هذا البيتِ, أمْ كانَ الاستفهامُ عن الفعلِ، قالَ سِيبَوَيْهِ بعدَ أنْ أنشَدَ البيتَ وذكَرَ تقديرَه: (إِلاَّ أَنَّ النصْبَ هو الذي يُخْتارُ هنا، وهو حدُّ الكلامِ).
وذهَبَ ابنُ الطَّراوةِ إلى التَّفرِقةِ بينَ أنْ يَكُونَ الاستفهامُ عن الاسمِ كما في هذا البيتِ, وأنْ يَكُونَ الاستفهامُ عن الفعلِ، فإِنْ كانَ الاستفهامُ عن الاسْمِ وجَبَ رفعُه؛ لأنَّ الاستفهامَ حِينَئذٍ غيرُ مُوجَّهٍ إلى الفعلِ أصالَةً؛ لأنَّ الفعلَ مُسَلَّمُ الثبوتِ والوقوعِ، والاستفهامُ إِنَّما هو عن وُقوعِه على هذا الاسْمِ، فليسَ الاستفهامُ طَالِباً للفعلِ، فلا يَكونُ به أَوْلَى، فَلا يَتَرَجَّحُ النصْبُ، ولا يَكونُ الفِعْلُ واقعاً بعدَ أداةٍ, الغالبُ أنْ يَلِيَها الفِعْلُ، لكنَّه حِينَئذٍ واقِعٌ بعدَ أداةٍ الأصْلُ فيها دخولُها على الأفعالِ، وبِناءً على ما ذهَبَ إليه من ذلك رَأَى أنَّ النصْبَ في البيتِ المُسْتَشْهَدِ به شَاذٌّ.
ونحنُ لا نُسَلِّمُ له أنَّه متَى كانَ الاستفهامُ عن الاسمِ وجَبَ الرفْعُ، ولا نُسَلِّمُ له أنَّ البيتَ شاذٌّ، وكيفَ يَكُونُ شَاذًّا وقد حَكَى العلماءُ الأثباتُ المشافِهونَ للعربِ أنَّهم يقولونَ في غيرِ ضَرُورةٍ:َزَيْداً ضَرَبْتَهُ أَمْ عَمْراً). بالنصْبِ.
وقالَ سَأَلَ مَرْوانُ الأخْفَشَ عن (أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ أمْ عَمْراً). فقالَ الأخْفَشُ: المختارُ النصْبُ؛ لأجْلِ الألِفِ.ُرِيدُ لأجْلِ همزةِ الاستفهامِ), فقالَ: إِنَّما المُسْتَفْهَمُ عنه هنا الاسْمُ, لا الفِعْلُ، وإنَّما يَنْبغِي أنْ يُختارَ الرفْعُ. فقالَ: هذا هو القِياسُ. قالَ المَازِنِيُّ: وكذا القياسُ عندي، ولكنَّ النحاةَ أجْمَعوا على اختيارِ النصْبِ لَمَّا كانَ معَه حرفُ الاستفهامِ, الذي هو في الأصْلِ للفعلِ. اهـ
قالَ أبو رَجَاءٍ عَفَا اللهُ عنه: في هذا الموضوعِ أصلانِ: فأمَّا أحَدُهما: فإنَّ الأصْلَ في أدواتِ الاستفهامِ أنْ يَلِيَها الفِعْلُ؛ لأنَّ الأسماءَ دَالَّةٌ على الذواتِ, والأفعالَ دَالَّةٌ على الصفاتِ والمعاني القائمةِ بالذاتِ، والذاتُ مَعْلومةٌ غَالِباً فلا يُسْأَلُ عنها، وإنَّما يُسْأَلُ عَمَّا يَقومُ بها من الأوصافِ.
وأمَّا الأصْلُ الثاني: فإِنَّ حَاصِلَه أنَّ تَالِيَ همزةِ الاستفهامِ هو المسؤولُ عنه، فأمَّا ما بعدَه فهو مَعلومٌ ثابتٌ، فإذا قُلْتَ: (أَضَرَبْتَ زَيْداً؟). كنتَ مُسْتفهِماً عن ضربِ المُخاطَبِ زَيْداً، وإذا قُلْتَ: (أَزَيدٌ ضَرَبْتَهُ أمْ عَمْرٌو؟) كنتَ عَالِماً بأنَّ المُخاطَبَ قدْ ضَرَبَ أحدَ الاثنيْنِ، ولكنَّكَ لا تَعْرِفُ عينَه، وأنتَ تُرِيدُ أنْ يُعَيِّنَ لكَ المخاطَبُ واحِداً منهما.
فإذا قُلْتَ: (أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ أمْ عَمْراً؟) كانَ الكلامُ على تقديرِ فعلٍ يلي الهمزةَ، وعلى الأصْلِ الذي قَرَّرْناه يكونُ المُسْتفهَمُ عنه هو الفِعْلَ، معَ أنَّ حقيقةَ الأمْرِ أنَّ الفعلَ مَعْلومٌ لك، والمعلومُ لا يُسْتَفْهَمُ عنه، فتَعارَضَ الأصلانِ في هذه الصورةِ.
فأمَّا ابنُ الطَّراوةِ فجَنَحَ إلى اعتبارِ الأصْلِ الثاني؛ لتَمييزِ بعضِ المعاني عن بعضٍ، فأوْجَبَ رفْعَ الاسمِ التالي للهمزةِ إنْ كانَ الاستفهامُ عن الاسمِ؛ لَئِلاَّ يَكونَ الكَلامُ على تقديرِ فِعْلٍ, فيَلْتَبِسَ المرادُ، وهذا هو ما أشارَ إليه الأخْفَشُ بقولِه: (هذا هو الأصلُ). عندَما قالَ له مَرْوانُ:ِنَّما المُسْتَفهَمُ عنه هنا الاسمُ, لا الفعلُ). وجنَحَ الأخفشُ إلى اعتبارِ الأصلِ الأوَّلِ ومعَه سائِرُ النحاةِ, وتَرَكوا تَمييزَ المعاني إلى القرائنِ, فاعْرِفْ هذا؛ فإِنَّه بحثٌ نَفِيسٌ.

([13]) عِبارةُ الناظمِ في (شَرْحِ الكافيةِ): (ومِن مُرَجِّحاتِ النصْبِ تَقَدُّمُ (حَيْثُ) مُجرَّدَةً مِن (ما)، نحوَ: (حَيثُ زَيْداً تَلْقَاهُ فأكْرِمْهُ)؛ لأنها تُشْبِهُ أدواتِ الشرطِ، فلا يَلِيها في الغالبِ إلا فِعْلٌ، فإنِ اقتَرَنَتْ بـ(ما) صارَتْ أداةَ شرطٍ, واخْتَصَّتْ بالفعلِ). اهـ.
وابنُ هشامٍ قدْ وَافَقَهُ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ) على تقريرِ هذهِ القاعدةِ حَيْثُ يقولُ: وإضافةُ(حيثُ)إلى الجملةِ الفعليَّةِ أكْثَرُ، ومِن ثَمَّ تَرَجَّحَ النصْبُ في نحوِ قولِكَ: (جَلَستُ حَيْثُ زَيْداً أَرَاهُ). اهـ.
ولكنَّه في كتابِنا هذا لم يُوافِقْهُ؛ ولذا تَراهُ يَقولُ: (كَذَا قالَ الناظِمُ). فيَتبرَّأُ من هذا الكلامِ، ثم يَقولُ: (وفيه نَظرٌ). والذي أريدُ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهِ هو أنَّ التَّنصُّلَ من القولِ وتوجيهَ النظرِ إليهِ ليسَ راجعاً إلى القاعدةِ نفسِها، وإنَّما هو راجِعٌ إلى المثالِ الذي مَثَّلَ به، وهو قولُه: (حَيْثُ زَيْداً تَلْقَاهُ فأكْرِمْهُ). فإنَّ (حيثُ) هنا إنْ كانتْ شَرْطِيَّةً غيرَ جَازِمَةٍ؛ لعَدَمِ اقترانِها بـ(ما)ـ والباعِثُ على اعتبارِها شرطيَّةً دُخولُ الفاءِ في جوابهِا – كانَ المِثالُ مِمَّا يَجِبُ فيه النصْبُ، وإنْ كانتْ ظرفيَّةً غيرَ شرطيَّةٍ لم يَكُنْ لدخولِ الفاءِ في الفعلِ بعدَها وجهٌ؛ لأنَّه يُوهِمُ كونَها شَرْطِيَّةً.

([14]) سورة النَّحْلِ، الآية:5.

([15]) سورة النحْلِ، الآية: 4.

([16]) سورة فُصِّلَتْ، الآية: 17.
واعْلَمْ أنَّه قُرِئَ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ بنَصْبِ (ثَمُودَ) بغيرِ تنوينٍ، وهي قراءَةُ الحَسَنِ البصريِّ، وقُرِئَ فيها بالنصْبِ معَ التنوينِ، وهي قراءةُ ابنِ عَبَّاسٍ, ثم اعْلَمْ أنَّه لا يَجوزُ لكَ أنْ تُقَدِّرَ الفعلَ المحذوفَ قبلَ (أمَّا)؛ لأنَّ ذلك يستدعي الفصلَ بينَ (أمَّا) والفاءِ بجملةٍ تامَّةٍ، وهي لا يُفْصَلُ بينَها وبينَ الفاءِ إلا بمفردٍ، فالتقديرُ: أمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَا فهَدَيْنَاهُم.

([17]) إنَّما ترَجَّحَ النصْبُ في المسألةِ الرابعةِ؛ لأنَّ الجملةَ السابقةَ فِعْلِيَّةٌ، بدليلِ أنَّهم ضَبَطوها بألاَّ يَكونَ الفِعْلُ مَبْنِيًّا على اسمٍ، وعلى هذا يكونُ النصبُ بتقديرِ فِعْلٍ، فتكونُ الجملةُ الثانيةُ فعليَّةً أيضاً، وتكونُ الواوُ قدْ عَطَفَتْ جملةً فعليَّةً على جملةٍ فعليَّةٍ، فأمَّا إذا رَفَعْتَ الاسمَ المشغولَ عنه؛ فإنَّه يكونُ مُبْتدأً، فتكونُ الجملةُ اسميَّةً، فتَعطِفُ الواوُ جملةً اسميَّةً على جملةٍ فعليَّةٍ، فلا يَحْصُلُ التشاكُلُ بينَ المعطوفِوالمعطوفِ عليه، والتشاكُلُ بينَ المتعاطفيْنِ أوْلَى؛ ولهذا كانَ النصْبُ أرْجَحَ، ولَمَّا لم يَكُنِ التشاكُلُ بينَ المتعاطفيْنِ واجباً لم يَجِبِ النصبُ؛ ولهذا الذي ذَكَرْناه لو فُصِلَ بينَ حرفِ العطفِ والاسْمِ المشغولِ عنه بـ(أمَّا) وجَبَ الرفْعُ؛ لأنَّ مِن شَأْنِ (أمَّا) أنْ تَقْطَعَ ما بعدَها عمَّا قبلَها, فيكونُ ما بعدَها كأنَّه أوَّلُ الكلامِ، وسَبَبُه أنَّها وُضِعَتْ وَضْعَ الحروفِ التي يُبْتَدَأُ بها الكلامُ.

([18]) سورة القمرِ، الآية:49.

([19]) سورة القمرِ، الآية: 52.

([20]) أشارَ المُؤَلِّفُ بقولِه: (عَلَى الأصَحِّ). إلى أنَّ في المسألةِ خِلافاً بينَ النحاةِ، وقد حَكَى الخلافَ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ)، وحاصِلُه أنَّ للنُّحاةِ ثَلاثَةَ أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنَّه لا يقَعُ بعدَ (إذا) الفُجائيَّةِ إلاَّ الأسماءُ مُطْلقاً.
الثاني: أنَّها لا تَدْخُلُ على الأسماءِ وعلى الأفعالِ مُطْلقاً.
الثالِثُ: تَدْخُلُ على الأسماءِ وعلى الأفعالِ المُقْتَرِنَةِ بـَدْ)، فإنْ لم يَقْتَرِنِ الفعلُ لم تَدْخُلْ عليه.

([21]) قدْ مَضَى إيضاحُ ذلك، فانْظُرْه في ص143 من هذا الجزءِ.

([22]) وجْهُ استواءِ الرفْعِ والنصبِ في هذهِ المسألةِ أنَّ الجملةَ الأولى جملةٌ كُبْرَى اسميَّةُ الصدْرِ فعليَّةُ العَجُزِ، فإنْ رَفَعْتَ الاسمَ المشغولَ عنه في الجملةِ الثانيةِ كانَت اسميَّةً؛ فتُناسِبُ صَدرَ الجملةِ الأولى، وإنْ نَصَبْتَ الاسْمَ في الجملةِ الثانيةِ كانَتِ الجملةُ فعليَّةً؛ فتُناسِبُ عَجُزَ الجملةِ الأولى، وهذا معنَى قولِالمُؤَلِّفِ: (لحصولِ المُناسَبَةِ – أي: بينَ المعطوفِ والمعطوفِ عليه – رَفَعْتَ أو نَصَبْتَ). يعني: أنَّكَ حينَ تَرفَعُ الاسْمَ في الجملةِ الثانيةِ تُقَدِّرُ عَطْفَها على الجملةِ الاسميَّةِ الأولى، وحينَ تَنصِبُ الاسْمَ في الجملةِ الثانيةِ تُقَدِّرُ عَطْفَها على الجملةِ الفعليَّةِ الواقعةِ خَبراً في الجملةِ الأولى.

([23]) قدْ عَلِمْتَ أنَّكَ حينَ تَنصِبُ الاسمَ في الجملةِ الثانيةِ إِنَّما تَنْصِبُه لتَصِيرَ الجملةُ الثانيةُ فعليَّةً فتَعطِفَها على الجملةِ الفعليَّةِ الواقعةِ خَبَراً، وهذا يَسْتلزِمُ أنْ تَكُونَ الجملةُ المعطوفةُ خَبراً أيضاً، وأنتَ تَعْلَمُ أنَّ جملةَ الخبرِ يَجِبُ أنْ تَشْتَمِلَ على رابطٍ يَربِطُها بالمبتدأِ، فإذا خَلَتِ الجملةُ الثانيةُ من ضميرٍ يعودُ إلى الاسمِ المرفوعِ في صدرِ الجملةِ الأولى لم تَصْلُحْ أنْ تَكُونَ خبراً، وعلى هذا لا تَصلُحُ الجملةُ الثانيةُ أنْ تَكُونَ فعليَّةً.
وذلك يَسْتَلْزِمُ ألاَّ يكونَ الاسمُ في صدرِ الجملةِ الثانيةِ مَنْصوباً، وتَعْلَمُ – معَ ذلك – أنَّ الجملةَ التي تُعْطَفُ على جملةِ الخبرِ إذا كانَ العطفُ بالفاءِ جازَ أنْ تَكُونَ خاليةً من الرابطِ؛ لأنَّ الفاءَ تدُلُّ على السببيةِ, فتَقومُ دَلالَتُها على السببيَّةِ مقامَ الرابطِ؛ فلهذا جازَ النصْبُ، فإذا تَدَبَّرْتَ في هذه التفصيلِ وَجَدْتَ جوازَ النصْبِ في حالتيْنِ:
الحالةُ الأولى: أنْ يَكُونَ في الجملةِ الثانيةِ ضميرٌ يعودُ على الاسمِ المرفوعِ في صدرِ الجملةِ الأولى.
والحالةُ الثانيةُ: أنْ يَكُونَ حرفُ العطفِ الذي عَطَفَ الثانيةَ على الأولى هو الفَاءَ.
هذا، والغَرَضُ من ذلكَ كلِّه حصولُ المناسبةِ بينَ الجملةِ الأولى والجملةِ الثانيةِ، ولَعَلَّ الأخْفَشَ والسِّيرافِيَّ يُوجِبانِ اتِّفاقَ الجملتيْنِ؛ المعطوفةِ والمعطوفِ عليها في الفعليَّةِ والاسميَّةِ؛ ولهذا لم يُجِيزَا النصْبَ عندَ خُلُوِّ الجملةِ الثانيةِ من الضميرِ ومن فَاءِ العطفِ الدَّالَّةِ على التسَبُّبِ، فأمَّا مَن لا يَلْتَزِمِ اتِّفاقَ الجملتيْنِ؛ فإِنَّه يُجَوِّزُ النصْبَ، وتَكونُ الجملةُ الثانيةُ الفعليَّةُ معطوفةً على الجملةِ الاسميَّةِ.

([24]) انْظُرْ شُروطَ المشغولِ التي ذَكَرْناها في أوَّلِ البابِ (ص141).

([25]) اعلَمْ أنَّ الفعلَ المشغولَ قد يكونُ مُتعدِّياً ناصباً للمفعولِ بهِ بنفسِه، وقدْ يَكونُ لازِماً ناصباً للمشغولِ به بحرفِ جَرٍّ. وعلى كلِّ حالٍ إِمَّا أنْ يَكُونَ المشغولُ به ضميرَ الاسْمِ المُتقَدِّمِ، وإمَّا أنْ يَكُونَ سَبَبَيْهِ، فهذهِ أربعةُ أحوالٍ.
فيكونُ تَقْديرُ العاملِ في الاسمِ المُتقَدِّمِ المشغولِ عنه من لفظِ العاملِ المَشْغولِ ومعناه في صُورةٍ واحدةٍ– وهي أنْ يَجْتَمِعَ في العاملِ المَشْغولِ شَيْئانِ؛ هما كونُه مُتَعدِّياً، وكونُه نَاصِباً لضميرِ الاسْمِ المُتَقَدِّمِ بنفسِه، نحوَ قولِكَ: زَيْداً ضَرَبْتُهُ. فإنَّ التقديرَ: ضَرَبْتُ زَيْداً ضَرَبْتُهُ.
ويكونُ تقديرُ العاملِ في الاسمِ المُتقدِّمِ المشغولِ عنهِ من معنَى العاملِ المشغولِ دونَ لفظِه في ثلاثِ صُوَرٍ: الأُولَى: أنْ يَكُونَ العامِلُ في المشغولِ به لازِماً, والمشغولُ به ضَمِيرَ الاسْمِ المُتقَدِّمِ، نحوَ قولِكَ: أَزَيْداً مَرَرْتَ بِهِ؟ فإنَّ التقديرَ: أجَاوَزْتَ زَيْداً مَرَرْتَ بهِ؟
الثانيةُ: أنْ يَكُونَ العامِلُ لازِماً, والمشغولُ بهِ اسماً ظاهراً مُضافاً إلى ضميرِ الاسْمِ السابِقِ، نحوَ قَوْلِكَ: زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه. فإنَّ التقديرَ: لابَسْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه، ولا تُقَدِّرْه: (جَاوَزْتُ زَيْداً مَرَرْتُ بغُلامِه), كما قَدَّرْتَ في الصورةِ الأولى؛ لأنَّ المعنَى على هذا التقديرِ هنا غيرُ مستقيمٍ؛ لأنَّكَ لم تُجاوِزْ زَيْداً ولم تَمْرُرْ بهِ، وإنَّما جَاوَزْتَ غُلامَه ومَرَرْتَ به.
الثالثةُ: أنْ يَكُونَ العاملُ مُتعدِّياً ولكنَّه نصَبَ اسماً ظاهراً مُضافاً إلى ضميرٍ عائدٍ إلى الاسمِ السابقِ، نحوَ قَولِكَ: زيداً ضَرَبْتُ أخَاهُ، فإنَّ التقديرَ: أهَنْتُ زَيْداً ضَرَبْتُ أَخَاهُ، وهكذا تُقَدِّرُ في هذه الصورِ الثلاثِ فِعْلاً يَنْصِبُ بنفسِه، ويَصِحُّ معَه المعنَى.

([26]) ضابِطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ المرفوعُ وَاقِعاً بعدَ أداةٍ تَخْتَصُّ بالدخولِ على الأسماءِ؛كـِذَا) التي للمُفاجأةِ, ومن الأدواتِ التي تَخْتَصُّ بالأسماءَِيْتَ) المَكْفوفةُ بـ(ما) الكافَّةِ، أمَّا إنْ كَانَتْ (مَا) المُتَّصِلَةُ زائدةً غيرَ كافَّةٍ؛ فإنَّ ليتَ تَكُونُ عَامِلَةً على أصلِها, فيَتَعَيَّنُ نَصْبُ الاسمِ الذي يَلِيها على أنَّه اسْمُ لَيْتَ.
وإنْ قَدَّرْتَ (مَا) مصدريَّةً تُؤَوَّلُ معَ ما بعدَها بمصدرٍ؛ فإنَّه يَجِبُ رفعُ الاسمِ التالي لها على الفاعليَّةِ لفعلٍ محذوفٍ، ويكونُ المصدرُ المُؤوَّلُ من الفعلِ المُقدَّرِ وفاعلِه منصوباً على أنَّه اسْمُ ليتَ.
والحاصِلُ أنَّ للاسْمِ الواقعِ بعدََيْتَمَا) ثلاثَ حالاتٍ: وُجوبُ الرفعِ على أنه مُبْتدأٌ، وذلكَ إذا قَدَّرْتَ (مَا) كافَّةً، ووُجوبُ النصْبِ على أنَّه اسْمُ لَيْتَ، وذلكَ إذا قَدَّرْتَ (مَا) زَائِدةً غيرَ كافَّةٍ، ووجوبُ الرفعِ على الفاعليَّةِ بفعلٍ مَحْذوفٍ, وذلك إذا قَدَّرْتَ (ما) مصدريَّةً.

([27]) ضابطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَكُونَ الاسْمُ المرفوعُ واقعاً بعدَ أداةٍ لا يَجوزُ أنْ يَلِيَها إلاَّ الفعلُ؛ كأدواتِ الشرطِ، ومنه الآيةُ الكريمةُ التي تلاها المُؤَلِّفُ، ومثلِ أدواتِ التحضيضِ، ومنه مثالُ المُؤَلِّفِ، وأنتَ خبيرٌ أنَّ هذا الكلامَ جارٍ على مذهبِ البَصْريِّينَ، أمَّا الكُوفِيُّونَ فإنَّهم يُجيزونَ دُخولَ أدواتِ الشرطِ وأدواتِ التحضيضِ على الأسماءِ، وعلى مذهبِهم يَجوزُ أنْ يَكُونَ الاسمُ مرفوعاً بعدَهما على الابتداءِ، لكنَّ النصْبَ أرْجَحُ.
ومِن دخولِِذَا) على الاسمِ المرفوعِ قولُ الحَمَاسِيِّ:
إِذَا المَرْءُ أَعْيَتْهُ المُرُوءَةُ نَاشِئاً = فمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيهِ شَدِيدُ
تقديرُه: إِذَا عَيَّ المَرْءُ.
ونظيرُ الآيةِ الكريمةِ أيضاً قولُ لَبِيدِ بنِ رَبِيعةَ العَامِرِيِّ:
فإنْ أَنْتَ لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ فَانْتَسِبْ = لَعَلَّكَ تَهْدِيكَ القُرونُ الأَوَائِلُ
ومِن دخولِِذَا) على الاسمِ المرفوعِ قولُه تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. ومنه قولُ الأَفْوَهِ الأويِّ:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ = ولا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُم سَادُوا

([28]) سورة التوبةِ، الآية:6.

([29]) ضابطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَتَقَدَّمَ الاسمُ المرفوعُ ولا تَسْبِقُهُ أداةٌ تَخْتَصُّ بالأفعالِ, ولا أداةٌ تَخْتَصُّ بالأسماءِ، ويَتأخَّرُ عنه فعلٌ قَاصِرٌ، للعلماءِ في هذه الصورةِ ثلاثةُ مذاهِبَ:
الأَوَّلُ: أنَّه يَتَرجَّحُ رفْعُ الاسمِ على الابتدائيَّةِ؛ لأنَّ ذلك لايحتاجُ إلى تقديرٍ، وهو مذهبُ المُبَرِّدِ.
والثاني: أنَّه يَترَجَّحُ رفعُه على أنَّه فاعِلٌ بفعلٍ محذوفٍ، وقد ذهَبَ إلى هذا ابنُ العَرِيفِ.
والثالِثُ: أنَّه يَجِبُ أنْ يَكُونَ مرفوعاً على الابتداءِ، وهو مذهَبُ جمهورِ البَصْريِّينَ.
والرابعُ: أنَّه مَرْفوعٌ؛ لأنَّه فَاعِلُ الفعلِ المتأخِّرِ عنه، وهو مذهَبُ جمهورِ الكُوفِيِّينَ.

([30]) ضابطُ هذهِ الصورةِ: أنْ يَكُونَ بعدَ الاسمِ المرفوعِ فعلٌ طَلَبِيٌّ, نحوُ: (زَيْدٌ لِيَقُمْ), أو قبلَه أداةٌ يَغْلِبُ دخولُها على الأفعالِ؛ كالآيةِ الكريمةِ: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}, أمَّا في المثالِ؛ فلأنَّكَ لو جَعَلْتَ الاسمَ مبتدأً كنتَ قدْ أخبَرْتَ عنه بالجملةِ الطلبيَّةِ، وذلك خلافُ الأصْلِ, وإنْ كانَ جائزاً، وأمَّا في الآيةِ؛ فلِكَيْ يليَ الهمزةَ فِعْلٌ،س كما هو الغالِبُ معَها.

([31]) سورة التغابُنِ، الآية:6.

([32]) سورة الواقعةِ، الآية:59.


</H1>


  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


اشتغالُ العاملِ عنِ المعمولِ

255 - إِنْ مضمرُ اسمٍ سابقٍ فَعْلاً شَغَلْ = عنه بِنَصْبِ لفظِهِ أو المَحَلْ
256 - فَالسَّابِقُ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمَرَا = حَتْمًا مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا
(إِنْ مضمرُ اسمٍ سابقٍ فَعْلاً شَغَلْ = عنه بِنَصْبِ لفظِهِ أو المَحَلْ )
أي حقيقةُ بابِ الاشتغالِ: أن يَسْبِقَ اسمٌ عاملًا مشتغلًا عنهُ بضميرِه أو ملابسِه لو تفرَّغَ لهُ هو أو مناسِبُه لنصَبَهُ لفظًا أم مَحَلًّا فيُضْمَرُ للاسمِ السابقِ عندَ نصبِهِ عاملٌ مُنَاسِبٌ للعاملِ الظاهرِ مفسَّرٌ بهِ على ما سيأتي بيانُهُ.
فالضميرُ في "عنه" وفي "لفظِه" للاسمِ السابقِ ، والباءُ في "بنَصْبِ" بمعنَى "عن" وهو بدلُ اشتمالٍ مِنَ ضميرٍ "عنه" بإعادةِ العاملِ والألفِ واللاَّمِ في "المَحَلِّ" بدلٌ من الضميرِ ، التقديرُ: إِنْ شَغَلَ مضمرٌ اسمٌ سابقٌ فعلاً عَنْ نصبِ لفظِ ذلك الاسمِ السابقِ أي نحوُ: "زيدًا ضَرَبْتُهُ" أو مَحِلُّه نحو: "هذا ضَرَبْتُهُ".
[أحوالُ الاسمِ المتقدِّمُ]:
(فالسابقُ انْصِبْهُ) إما وجوبًا وإما جوازًا راجحًا أو مرجوحًا أو مستويًا إلا أن يعرِضَ ما يمنَعُ النصبَ على ما سيأتِي بيانُه (بفعل أُضْمِرَ* حتمًا) أي: إضمارًا حتمًا، أي: واجبًا ، أو هو حالٌ مِنَ الضميرِ في "أُضْمِرَ" أي: محتومًا ، وذلك لأنَّ الفعلَ الظاهرَ كالبدلِ مِنَ اللفظِ بهِ فلا يُجْمَعُ بينَهما (موافقٌ) ذلك الفعلَ المضمرَ (لما قد أُظْهِرَ) إمَّا لفظًا ومعنًى كما في نحوِ: "زيدًا ضَرَبْتُه" إذا تقديرُه: ضَرَبْتُ زيدًا ضَرَبْتُهُ ، وإما معنًى دونَ لفظٍ كما في نحوِ: "زيدًا مَرَرْتُ بِهِ" إذا تقديرُه جاوزْتُ زيدًا مررْتُ به.
تنبيهٌ : يُشْتَرَطُ في الفعلِ المفسَّرِ ألا يُفْصَلُ بينَه وبينَ الاسمِ السابقِ ، فلو قُلْتَ: "زيدًا أَنْتَ تَضْرِبُهُ" لم يجُزْ للفصلِ بـ "أنتَ".
[المواضعُ التي يجِبُ فيها نصْبُ الاسمِ المتقدِّمِ]:
257 - والنصبُ حَتْمٌ إِنْ تلا السابقَ مَا = يَخْتَصُّ بِالفِعْلِ كانَ وحيثُمَا
(والنصبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ) أي: تَبِعَ الاسمُ (السابقَ مَا) أي شيئا (يَخْتَصُّ بالفعلِ) وذلك كأدواتِ الشرطِ (كَإِنْ وَحَيْثُمَا) وأَدَوَاتُ التحضيضِ وأدواتُ الاستفهامِ غيرُ الهمزةِ نحوُ: "إِنْ زيدًا لَقِيتُهُ فَأَكْرِمْهُ" و"حيثُما عمرًا لقِيتَهُ فَأَهِنْهُ" و"هلا بكرًا ضَرَبْتَهُ" و"أينَ زيدًا وَجَدْتَهُ؟"
ولا يجوزُ رَفْعُ الاسمِ السابقِ على أنَّهُ مبتدأٌ ؛ لِأنَّهُ لو رُفِعَ والحالةُ هذه لخَرَجَتْ هذه الأدواتُ عما وُضِعَتْ لهُ مِنَ الاختصاصِ بالفعلِ ، نَعَمْ قد يجُوزُ رَفْعُهُ بالفاعليَّةِ لفعلٍ مضمرٍ مطاوعٍ للظَّاهرِ كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
392 - لا تَجْزَعِي إِنْ مَنْفَسٌ أَهْلَكْتُهُ = فَإِذَا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي
في روايةِ "مَنْفَسٌ" بالرفعِ ، وقولُه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
393 - فَإِنْ أَنْتَ لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ فَانْتَسِبْ = لَعَلَّكَ تُهْدِيكَ القُرُونَ الأوائلُ
التقديرُ: إِنْ هَلَكَ مَنْفَسٌ أَهْلَكْتُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَفِعْ بِعِلْمِكَ لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ
تنبيهٌ : لا يقَعُ الاشتغالُ بعدَ أدواتِ الشرطِ والاستفهامِ إلا في الشِّعْرِ وأما في الكلامِ فلا يليهما إلا صريحُ الفعلِ ، إلا إذا كانَتْ أداةُ الشرطِ "إذًا" مطلقًا أو "إِنْ" والفعلُ ماضٍ فيقَعُ في الكلامِ فَتَسْوِيَةُ الناظم ِبينَ "إن" و"حيثُمَا" مردودةٌ.
[المواضعُ التي يجِبُ فيها رَفْعُ الاسمِ المُتَقَدِّمُ]:
258 - وَإِنْ تَلاَ السَّابِقَ مَا بِالِابْتِدَا = يَخْتَصُّ فَالرَّفْعُ الْتَزِمْهُ أَبَدَا
259 - كَذَا إِذَا الفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ = مَا قَبْلَ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ
(وَإِنْ تَلاَ) الاسْمُ (السَّابِقُ مَا بِالِابْتِدَا يُخْتَصُّ)
كـ"اذا" الفجائيةُ و"ليتما" (فالرَّفْعُ الْتَزِمْهُ أَبَدَا) على الابتداءِ وتخرَجُ المسألةُ عن هذا البابِ إلى بابِ المبتدَأِ والخبرِ نحو: "خرَجْتُ فإذا زيدٌ يضرِبُه عمرٌو" و"ليتَمَا بِشْرٌ زُرْتُهُ" فلو نصبَتْ "زيدًا" و"بِشْرًا" لم يجُزْ لأن "إذا" المفاجأةُ و"ليت" المقرونةُ بـ "ما" لا يليهما فعلٌ ولا معمولُ فِعْلٌ.
ومما يختصُّ بالابتداءِ أيضًا واوُ الحالِ في نحو: "خرَجْتُ وزيدٌ يَضْرِبُه عمرٌو" فلا يجوزُ "وزيدًا يضرِبُه عمرًا" بنصبِ زيدٍ.
و(كذا) الْتَزِمْ رفْعَ الاسمِ السابقِ (إذا الفعلُ) المُشْتَغَلُ عنهُ (تلا) أي: تُبِعَ (ما) أي: شيئًا (لم يَرِدْ* مَا قَبْلَ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ) كأدواتِ الشرطِ والاستفهامِ والتحضيضِ ولامِ الابتداءِ و"ما" النافيةِ و"كم" الخبريَّةِ ، والحروفِ الناسخةِ ، والموصولِ ، والموصوفِ ، تقول: "زيدٌ إِنْ زُرْتَهْ يُكْرِمْكَ" و"هَلْ رَأَيْتَهُ؟" و"هَلاَّ كَلَّمْتَهُ" وهَكَذَا إلى آخرِها بالرفعِ ولا يجوزُ النصبُ لأنَّ هذه الأشياءَ لا يَعْمَلُ ما بعدَها فيما قبلَها فلا يفسَّرُ عاملا ًفيه لِأنَّهُ بدلٌ مِنَ اللفظِ بهِ
[المواضع التي يترجح فيها نصب الاسم المتقدم]:
260 - واخْتِيرَ نَصْبٌ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ = وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الفِعْلُ غَلَبْ
261 - وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلَا فَصْلٍ عَلَى = مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ
(وَاخْتِيرَ نَصْبٌ) أي: رَجُحَ على الرفعِ في ثلاثةِ أحوالٍ:
الأوَّلِ: أن يقَعَ اسمُ الاشتغالِ (قبلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبٍ) وهو: الأمرُ والنهيُ والدعاءُ نحو: "زيدًا أَضْرِبُهُ أو لِيَضْرِبَهُ عمرٌو أو لا تُهِنْهُ. واللهم عبدَك ارحَمْهُ أو لا تُؤَاخِذْهُ وبكرًا غفرَ اللَّهُ له".
وإنما وجَبَ الرفعُ في نحوِ: "زيدٌ أَحْسِنْ بِهِ" لأنَّ الضميرَ في مَحَلِّ رفْعٍ وإنَّمَا اتَّفَق السبعةُ عليهِ في نحو: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِيِ فَاجْلِدُوا} لأنَّ تقديرَه عندَ سِيبَوَيْهِ مما يُتْلَى عليكمُ حُكْمُ الزانيةِ والزاني ثم اسْتُؤْنِفَ الحكمُ ، وذلك لأنَّ الفاءَ لا تدخُلُ عندَه في الخبرِ في نحوِ هذا ؛ ولذا قالَ في قولِه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
394 - وَقَائِلَةٍ خَوْلاَنُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ = [وَأُكْرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا]
إنَّ التقدير: هَذِه خُولاَنَ وقال المبرِّدُ: الفاءُ لمعنى الشرطِ ولا يعملُ الجوابُ في الشرطِ فكذلك ما أشبهَهُ وما لا يعملُ لا يفسِّرُ عاملاً
وقال ابنُ السيِّدِ وابنُ بَابْشَاذ+: يُخْتَارُ الرفعُ في العمومِ كالآيةِ والنصبُ في الخصوصِ كـ"زيدًا أضرِبُهُ".
(و)الثانِي: أن يقَعَ (بعدَمَا إِيلاَؤُهُ الفعلُ غَلَبْ) أي: بعد ما الغالبُ عليهِ أن يليَه فِعْلٌ فإيلاؤُه: مصدرٌ مضافٌ إلى المفعولِ الثانِي، والفعلُ: مفعولٌ أوَّلُ لِأنَّهُ الفاعلُ في المعنَى والذي يليه الفعلُ غالبًا أشياءَ: منها همزةُ الاستفهامِ نحوَ {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} فإن فُصِلَتِ الهمزةُ فالمختارُ الرفعُ، نحو: "أَأَنْتَ زيدٌ تَضْرِبُهُ" إلا في نحوِ: "أَكُلَّ يومٍ زيدًا تضرِبُهُ" لأنَّ الفصلَ بالظرفِ كَلاَ فَصلٍ وقال ابنُ الطَّرَاوَةَ: إن كانَ الاستفهامُ عنِ الاسمِ ، فالرفعُ نحوُ: "أَزَيْدٌ ضَرَبْتُهُ أَمْ عمرٍو" وحكَم بشذوذِ النصبِ في قوله [مِنَ الوَافِرِ]:
395 - أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسِ أَمْ رِيَاحًا = عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا
ومنها النفي بـ "ما" أو "لا" أو "إِنْ" نحو: "ما زيدًا رأيتُهُ" و"لا عمرًا كلَّمْتُهُ" و"إِنْ بكرًا ضَرَبْتُه" وقيل: ظاهرُ كلامِ سِيبَوَيْهِ اختيارُ الرفعِ ، وقالَ ابنُ الباذش وابنُ خروفٍ: يستويانِ.
ومنها "حيث" المجردةُ من "ما" نحوُ: "اجلِس حيثُ زيدًا ضَرَبْتُهُ".
"و" الثالثُ: أن يقَعَ (بعد عاطفٍ بلا فصلٍ على* معمولِ فِعْلٍ مستقِرٍّ أولا) سواءٌ كانَ ذلك المعمولُ منصوبًا نحوَ: "لَقِيتُ زيدًا وعمرًا كلَّمْتُهُ" أو مرفوعًا نحو: "قامَ زيدٌ وعمرًا أكرمْتُهُ".
وَإِنَّما رَجُحَ النصبُ طلبًا للمناسبةِ بينَ الجملتينِ ؛ لأنَّ مَنْ نصَبَ فقد عطَفَ فِعْلَيَّةً على فعليَّةٍ ، ومَنَ رفَعَ فقد عطَفَ اسميَّةً على فعليَّةٍ ، وتَنَاسُبُ المُتَعَاطِفَيْنِ أحسنُ مِنْ تَخَالفُهُمَا
واحترِزْ بقولِه: (بلا فصلٍ) من نحوِ: "قامَ زيدٌ ، وأما عمرٌو فأكرمْتُه" فإنَّ الرفعَ فيهِ أجودُ ؛ لأنَّ الكلامَ بعدَ "أما" مستأَنْفٌ مقطوعٌ عما قبلَه وبقولِه: "فِعْلٌ مُسْتَقِرٌّ أوَّلاً" مِنَ العطفِ على جملةٍ ذاتِ وجهينِ ، وستأتِي.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: تَجَوَّزَ الناظمُ في قولِه على معمولِ فِعْلٍ إِذِ العطفُ حقيقةٌ ، إنما هو على الجملةِ الفعليَّةِ كما عرَفْتَ.
الثانِي: لترجيحِ النصبِ أسبابٌ أُخَرُ لم يذَكْرْهَا ههنا:
أحدُها: أن يقَعَ اسمُ الاشتغالِ بعدَ شبيهٍ بالعاطِفِ على الجملةِ الفعليَّةِ نحوَ أَكْرَمْتُ القَوْمَ حَتَّى زَيْدًا "أكرمْتُه" وما قامَ بكرٌ لكنَّ عَمْرًا ضربْتُهُ فـ "حتى" و"لكنْ" حرفَا ابتداءٍ أشبهَا العاطفينِ فلو قلْتَ: "أكرمْتُ خَالِدًا حتى زيدٌ أكرمْتُه" و"قامَ بكرٌ لكنْ عمرٌو ضربْتُه" تعيَّنَ الرفعُ لعدمِ المشابهةِ ؛ إذ لا تقَعُ "حتى" العاطفةُ إلا بينَ "كلّ" و"بعض" ولا تقَعُ "لكنْ" العاطفةُ إلا بعد نفيٍ وشبهِهِ.
ثانيها: أن يُجَابَ بهِ استفهامٌ منصوبٌ كـ"زيدًا ضربْتُه" جوابًا لمن قال: "أَيَّهُمْ ضربْتَ" أو: "مَنْ ضربْتَ" ومثلُ المنصوبِ المضافِ إليهِ نحوَ: "غلامُ زيدٍ ضربْتُه" جوابًا لمَنْ قال: "غُلامُ أَيِّهِمْ ضَرَبْتَ".
ثالثُها: أنْ يكونْ رفْعُه يُوهِمُ وصفًا مُخَلًّا بالمقصودِ ، ويكونَ نصبُه نصًّا في المقصودِ كما في {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} إِذِ النصبُ نصٌّ في عمومِ خَلْقِ الأشياءِ خيرِها وشرِّها بقَدَرٍ ، وهو المقصودُ ، وفي الرفعِ إيهامُ كونِ الفعلِ وصفًا مخصَّصًا و{بِقَدَرٍ} هو الخبرُ ، وَليسَ المقصودُ لإيهامِه وجودَ شَيْءٍ لا بقدَرٍ لكونِه غيرَ مخلوقٍ ولم يعتبرِ سِيبَوَيْهِ مثلَ هذا الإيهامِ مرجِّحًا للنصبِ ، وقال: النصبُ في الآيةِ مَثَلُه في "زيدًا ضَرَبْتُهُ" قال: وهو عربيٌّ كثيرٌ وقد قُرِئَ بالرفعِ لكنْ على أنَّ {خَلَقْنَاهُ} في موضعِ الخبرِ للمبتدأِ ، والجملةُ خبرُ "إِنْ" و{بِقَدَرٍ} حالٌ وإنَّما كانَ النصبُ نصًّا في المقصودِ ؛ لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ حينئذٍ جَعْلُ الفعلِ وصفًا ؛ لأنَّ الوصفَ لا يعَمَلُ فيما قبلَه فلا يفسِّرُ عاملاً فيهِ ، ومِنْ ثَمَّ وجَبَ الرفعُ في قولِه تعالى: {وكلُّ شَيْءٍ فَعَلُوه فِي الزُّبُرِ}
[المواضعُ التي يجوزُ فيها نصبُ الاسمِ المتقدِّمِ أو رَفْعِهِ]:
262 - وَإِنْ تَلاَ المعطوفُ فَعْلًا مُخْبَرَا = بِهِ عِنِ اسمٍ فَاعْطِفَنَّ مُخَيَّرَا
(وَإِنْ تَلاَ المَعْطُوفُ) جملةً ذاتَ وجهينِ غيرَ تعجُّبِيَّةٍ: بأَنْ تَلاَ (فَعْلًا مُخْبَرَا* بِهِ) معَ معمولِهِ (عنِ اسمٍ) غيرِ "ما" التعجُّبِيَّةِ (فَاعْطِفَنَّ مُخَيَّرَا) في اسمِ الاشتغالِ بينَ الرفعِ والنصبِ على السواءِ بشرطِ أنْ يكونَ في الثانِيةِ ضميرُ الاسمِ الأوَّلِ أو عطَفْتَ بالفاءِ نحوَ: "زيدٌ قامَ وعمرٌو أكرمْتُهُ في دارِه" أو "فعمرٌو أكرمْتُه" برفعٍ "عمرٍو" ونصْبِه: فالرفعُ مراعاةٌ للكبرَى ، والنصبُ مراعاةً للصغرَى ، ولا ترجيحَ ، لأنَّ في كلٍّ منهما مشاكلةً بخلافِ "ما أَحْسنَ زيدًا وعمرٌو أكرمْتُهُ عندَه" فإنه لا أثرَ للعطفِ فيهِ ، فإنْ لم يكُنْ في الثانِيةِ ضميرُ الاسمِ الأوَّلِ ولم تُعْطَفْ بالفاءِ فالأخفشُ والسيرافيُّ يمنعانِ النصبَ والفارسيُّ وجماعةٌ منهم الناظمُ – يجيزُونَهُ وقال هشامٌ: الواوُ كالفاءِ ، وهو ما يقتضيه كلامُ الناظمِ.
تنبيهٌ: شبهُ العاطفِ في هذا أيضًا كالعاطفِ ، وشبهُ الفعلِ كالفعلِ ، فالأوَّلُ نحوُ: "أنا ضربْتُ القومَ حتى عمرًا ضربْتُه". والثانِي نحو: "هذا ضاربٌ زيدًا وعمرًا يكرمُهُ". برفعِ "عمرٍو" ونصبِه على السواءِ فيهما.
263 رأيت 263 - والرَّفْعَ فِي غيرِ الذِي مَرَّ رَجَحْ = فَمَا أبُيِحَ افْعَلْ ودَعْ مَا لَمْ يُبَحْ
(والرَّفْعَ فِي غيرِ الذِي مَرَّ) إنَِّّّهُ يَجِبُ معهُ النصبُ ،أو يَمْتَنِعُ ، أو يكونُ راجِحًا أو مُسَاوِيًا ، (رَجَحْ) عَلَى النصبِ ؛ لسلامةِ الرفعِ فِي الإِضْمَارِ الذِي هُو خِلافُ الأصلِ، فَرُفِعَ "زَيْدٌ" بالابتداءِ فِي قولِكَ: "زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ" أَرْجَحُ مِنْ نَصْبِهِ بإضْمَارِ فِعْلٍ ، ونَصْبُهُ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ ، خِلافًا لِمَنْ مَنَعَهُ ، وأنشدَ ابنُ الشَّجَرِيِّ عَلَى جَوَازِهِ قولهَمَ [مِنَ الرَّمَلِ]:
396 - فَارِسًا مَا غَادَرُوهُ مُلْحَمًا = غَيْرَ زُمَّيلٍ وَلَا نِكْسٍ وكَلْ
ومِنْهُ قراءةُ بعضِهِمْ: (جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) بنصبِ جَنَّاتٍ.
ثُمَّ إذا عَرَفْتَ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ القواعدِ (فَمَا أُبِيْحَ) لكَ فِيْمَا يَرِدُ عليكَ مِنَ الكلامِ أَنْ تَرُدَّهُ إِليهِ، وتُخَرِّجَهُ عليهِ (افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ) لكَ فيهِ ذلكَ.
264 - وفَصْلُ مَشْغُولٍ بحرفِ جَرِّ = أو بإضافةٍ كَوَصْلٍ يَجْرِي
(وفَصْلُ مَشْغُولٍ) مِنْ ضميرِ الاسم ِالسابقِ (بِحَرْفِ جَرِّ) مُطْلَقًا (أو بإضافةٍ) وإِنْ تَتَابَعَتْ ، أو بِهِمَا معًا (كَوَصْلٍ يَجْرِي) فِي جميعِ مَا تقدَّمَ ، فالأحكامُ الخمسةُ الجاريةُ مَعَ اتصالِ الضميرِ بالمشغولِ تَجْرِي مَعَ انفصالِهِ مِنْهُ بِمَا ذُكِرَ ، فيجبُ النصبُ فِي نحوِ: "إِنْ زَيْدًا مَرَرْتَ بهِ أو بِغُلَامِهِ أو حُبِسْتَ عليهِ أو عَلَى غُلَامِهِ، أو أَكْرَمْتَ أَخَاهُ ، أو غُلَامَ أَخِيْهِ أُكْرِمْكَ". كمَا يجبُ فِي نحوِ: "إِنْ زَيْدًا أَكْرَمْتَهُ"، ويَمْتَنِعُ النصبُ، ويُتَعَيَّنُ الرفعُ فِي نحوِ: "خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ مُرَّ بهِ أو بِغُلامِهِ ، أو حُبِسَ عليهِ أو عَلَى غُلَامِهِ ، أو يَضْرِبُ أَخَاهُ ، أو غُلَامَ أخيْهِ عَمْرٌو" ، كَمَا وجَبَ الرفعُ فِي نحوِ: "فَإِذَا زَيْدٌ يَضْرِبُهُ عَمْرٌو" وقِسْ عَلَى ذلكَ بقيةَ الأمثلةِ.
تنبيهٌ: النَّصْبُ فِي نحوِ: "زَيْدًا ضَرَبْتُهُ" أَحْسَنُ منهُ فِي نحوِ: "زَيْدًا ضَرَبْتُهُ أَخَاهُ" وفِي نحوِ: "زَيْدًا ضَرَبْتُ أَخَاهُ" أَحْسَنُ مِنْهُ فِي نحوِ: "زَيْدًا مَرَرْتُ بِأَخِيْهِ".
265 - وسَوِّ فِي ذَا البابِ وَصْفًا ذَا عَمَلْ = بالفعلِ إِنْ لَمْ يَكُ مَانِعٌ حَصَلْ
(وسَوِّ فِي ذَا البابِ وَصْفًا ذَا عَمَلْ) وهُو اسْمُ الفَاعِلِ، والمفعولِ ، بمعنَى الحالِ أو الاستقبالِ ، (بالفِعْلِ) فِي جَوَازِ تفسيرِ نَاصِبِ الاسْمِ السابقِ نحوُ: "أَزَيْدًا أَنْتَ ضَارِبُهُ أو مُكْرِمٌ أَخَاهُ أو مَارٌّ بِهِِ أو مَحْبُوسٌ عليهِ" تُرِيْدُ الحالَ أو الاستقبالَ كَمَا تقولُ: "أَزَيْدًا تَضْرِبُهُ أو تُكْرِمُ أخَاهُ أو تَمُرُّ بهِ أو تُحْبَسُ عليهِ".
وإِنَّمَا امْتُنِعَ "زَيْدًا أَنْتَ تَضْرِبُهُ" بِخِلافِ "أَنْتَ ضَارِبُهُ" لاحتياجِ الوصفِ إِلَى مَا يَعْتَمِدُ عليهِ بِخِلافِ الفِعْلِ. فَإِنْ كَانَ الوصفُ غيرَ عامِلٍ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَسِّرَ عَامِلًا، فَلَا يَجُوزُ: "أَزَيْدًا أَنْتَ ضَارِبُهُ – أو مَحْبُوسٌ عَلَيهِِ – أَمْسِ".
وإِنَّمَا يكونُ الوصفُ العاملُ كالفعلِ فِي التفسيرِ ، (إِنْ لَمْ يَكُ مَانِعٌ حَصَلْ) يَمْنَعُهُ مِنْ ذلكَ، كوُقُوعِهِ صِلَةً لـ "أَلْ"، لامْتِنَاعِ عَمَلِ الصلةِ فِيْمَا قَبْلَهَا ، ومَا لَا يَعْمَلُ لا يُفَسِّرُ عامِلًا، ومِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ تفسيرُ الصفةِ المشَبَّهَةِ فَلَا يجوزُ: "زَيْدًا أَنَا الضَّارِبُهُ" ولَا "وَجْهَ الأبِ زَيْدٌ حَسَنُهُ".
تنبيهٌ: يَتَعَيَّنُ الرفعُ فِي "زَيْدٌ عَلَيْكَهُ" و"زَيْدٌ ضَرْبًا إِيَّاهُ" ، لِأَنَّهُمَا غيرُ صفةٍ ، نَعَمْ يجوزُ النصبُ عندَ مَنْ يُجَوِّزُ تقديمَ معمولِ اسْمِ الفِعْلِ ؛ وهُو الكِسَائِيُّ ومعمولِ المصدرِ الذِي لَا يَنْحَلُّ بحرفٍ مَصْدَرِيٍّ ، وهُو المُبَرِّدُ والسِّيْرَافِيُّ.
266 - وعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعٍ = كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاسْمِ الوَاقِعِ
(وعُلْقَةٌ) بَيْنَ العامِلِ الظاهرِ والاسْمِ السابقِ (حَاصِلَةٌ بِتَابِعٍ) سَبَبِيٍّ لهُ، جَارٍ عَلَى مَتْبُوعٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْهُ، وهُو الشاغِلُ: نَعْتًا، أو عَطْفَ نَسَقٍ بالواوِ أو عطفَ بَيَانٍ (كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاسْمِ) السَّبَبِيِّ (الواقعِ) شَاغِلًا ، فَكَمَا تقولُ: "زَيْدًا أَكْرَمْتُ أَخَاهُ أَو مُحِبَّهُ" ، فتكونُ العُلْقَةُ بَيْنَ "زَيْدٍ" و"أَكْرَمْتُ" عَمَلَهُ فِي سَبَبِيِّهِ ، كذلكَ تقولُ: "زَيْدًا أَكْرَمتُ رَجُلًا يُحِبُّهُ" أَو "أَكْرَمْتُ عَمْرًا وأَخَاهُ" أَو "عَمْرًا أَخَاهُ" فتكونُ العُلْقَةُ عَمَلَهُ فِي متبوعِ سَبَبِيِّهِ المذكورِ ، ويجوزُ أَنْ يكونَ المُرَادُ بالعُلْقَةِ الضميرَ الراجِعَ إِلَى الاسْمِ السابقِ ؛ فتكونَ الباءُ بمعنَى "فِي"، أَيْ: إِنَّ وجودَ الضميرِ فِي تَابِعِ الشَّاغِلِ كاَفٍ فِي الربطِ كَمَا يَكْفِي وُجُودُهُ فِي نَفْسِ الشَّاغِلِ ، وإِنْ كانَ الأَصْلُ أَنْ يكونَ مُتَّصِلًا بالعامِلِ ، أو مُنْفَصِلًا عَنْهُ بحرفِ جَرٍّ ونحوِهِ.
تنبيهٌ: لَوْ جَعَلْتَ "أَخَاهُ" مِنْ قولِكَ: "زَيْدًا أَكْرَمْتُ عَمْرًا أَخَاهُ" بَدَلًا امْتَنَعَتِ المسألةُ: نَصَبْتَ أو رَفَعْتَ؛ لِأَنَّ البَدَلَ فِي نِيَّةِ تَكْرِيْرِ العامِلِ ؛ فتخلُو الأُوْلَى عَنِ الرَّابِطِ ، نَعَمْ يجوزُ ذلكَ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ العامِلَ فِي البَدَلِ هُو العامِلُ فِي المُبْدَلِ مِنْهُ ، وكَذَا تَمْتَنِعُ إِذَا كاَنَ العَطْفُ بغيرِ الواوِ ؛ لإِفَادَةِ الواوِ مَعْنَى الجَمْعِ ، بِخِلَافِ غيرِهَا مِنْ حُرُوفِ العَطْفِ.
خَاتِمَةٌ: إِذَا رَفَعَ فِعْلٌ ضَميرَ اسْمٍ سابقٍ نحوُ: "أَزَيْدٌ قَامَ" أو "غُضِبَ عَلَيْهِِ "أو مُلَابِسًا لضميرِهِ نَحْوُ: "أَزَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ" فَقَدْ يكونُ ذلكَ الاسْمُ السابقُ واجِبَ الرفعِ بالابتداءِ كخَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَامَ ، ولَيْتَمَا عَمْرٌو قَعَدَ ، إِذَا قَدَّرْتَ "مَا" كَافَّةً، أو بالفاعليةِ نحوُ {وإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ} وهَلَّا زَيْدٌ قَامَ ، وقَدْ يكونُ راجحَ الابتدائيةِ عَلَى الفاعِلِيةِ نحوُ: "زَيْدٌ قَامَ"، وذَلكَ عِنْدَ المُبَرِّدِ ومُتَابِعِيْهِ ، وغَيْرِهِمْ يُوْجِبُ ابتدائِيَّتَهُ؛ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ طلبِ الفعلِ ، وقَدْ يكونُ راجِحَ الفَاعِلِيَّةِ عَلَى الابتدائيةِ ، نحوُ: "زَيْدٌ لِيَقُمْ" ونحوُ: "قَامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو قَعَدَ" ونحوُ: {أَبَشَرٌ يَهْدُوْنَنَا} و{أَأَنْتُم تَخْلُقُونَهُ} وقَدْ يَسْتَوِيَانِ نحوُ: "زَيْدٌ قَامَ وعَمْرٌو قَعَدَ" عِنْدَهُ ، واللهُ أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


اشتغالُ العامِلِ عَنِ المعمولِ
تعريفُ الاشتغالِ ناصِبِ المشغولِ عنه

254- إن مُضْمَرُ اسمٍ سابقٍ فِعْلاً شَغَلْ = عنه بنَصْبِ لفظِه أو الْمَحَلْ
255- فالسابقُ انْصِبْهُ بفعلٍ أُضْمِرَا = حَتْماً موافِقٍ لما قد أُظْهِرَا
الاشتغالُ: أنْ يَتَقَدَّمَ اسمٌ ويَتأخَّرَ عنه عامِلٌ مشغولٌ عن نَصْبِه، بالعمَلِ في الضميرِ العائدِ عليه أو في سَبَبِيِّهِ.
فمِثالُ المشتَغِلِ بالضميرِ: الضعيفُ ساعدتُه، مُحَمَّداً مَرَرْتُ به، فالفعْلُ (ساعَدَ) عَمِلَ في ضميرِ الاسمِ السابقِ، وهو (الهاءُ) لأنه في مَحَلِّ نَصْبِ مفعولٍ به, والفعْلُ (مَرَّ) عَمِلَ في ضَميرِ الاسمِ السابقِ بواسِطَةِ حرْفِ الجَرِّ، ولولا هذا الضميرُ لعمِلَ الفعْلُ في الاسمِ السابقِ فكنْتَ تقولُ: الضعيفَ ساعدتُ، وبمحمَّدٍ مَرَرْتُ، فالضعيفُ مفعولٌ به مُقَدَّمٌ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بالفعْلِ مَرَرْتُ.
ومِثالُ المشتَغِلِ بالسَّبَبِيِّ: خالداً ضَرَبْتُ ابنَه، فالفعْلُ (ضَرَبَ) لم يَعْمَلْ في ضميرِ الاسمِ السابقِ، وإنما عمِلَ في اسمٍ مُضافٍ إلى ضميرِ الاسمِ السابِقِ، وهو (ابنَه) ويُسَمَّى (السَّبَبِيَّ).
وأركانُ الاشتغالِ ثلاثةٌ: (مشغولٌ عنه) وهو الاسمُ الْمُتَقَدِّمُ و (مشغولٌ) وهو العاملُ الْمُتَأَخِّرُ مِن فعْلٍ أو غيرِه و (مشغولٌ به) وهو ضميرُ الاسمِ السابقِ أو سَبَبِيُّهُ.
وإذا وُجِدَ المثالُ على الهيئةِ المذكورةِ، فالأصلُ أنَّ ذلك الاسمَ يَجُوزُ فيه وجهانِ: أحَدُهما راجِحٌ لسلامتِه مِنَ التقديرِ، وهو أنْ يُعْرَبَ مُبتدأً، والجملةُ بعدَه في مَحَلِّ رَفْعِ خبرٍ، وجُملةُ الكلامِ حينئذٍ اسْمِيَّةٌ لأنها مَبدوءةٌ باسْمٍ.
والثاني: مَرجوحٌ لاحتياجِه إلى التقديرِ، وهو أنْ يُنْصَبَ الاسمُ على أنه مفعولٌ به لفعْلٍ محذوفٍ وُجوباً يُفَسِّرُه المذكورُ، وهذا الفعْلُ المحذوفُ لا بُدَّ أنْ يكونَ مُوَافِقاً للمذكورِ، إمَّا لَفْظاً ومعنى كالْمِثالِ الأَوَّلِ، فإنَّ تقديرَه ساعَدْتُ الضعيفَ ساعَدْتُه، أو معنى فقط كما في الْمِثالِ الثاني، فإنَّ تقديرَه جَاوَزْتُ مُحَمَّداً مَرَرْتُ به، أو غيرِ مُوَافِقٍ لَفْظاً ومعنى، ولكنه لازِمٌ للمذكورِ كالْمِثالِ الأخيرِ؛ فإنَّ تقديرَه: أَهَنْتُ خَالِداً ضَرَبْتُ ابْنَه، وما بعدَ الاسمِ جُملةٌ تَفسيريَّةٌ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ، وجُملةُ الكلامِ حِينئذٍ فعْلِيَّةٌ؛ لأنها مَبدوءةٌ بالفعْلِ المحذوفِ.
وقد يَعْرِضُ للاسمِ السابقِ ما يُوجِبُ نَصْبَه، وما يُرَجِّحُه، وما يُوجِبُ رَفْعَه، وما يُرَجِّحُه، وما يُسَوِّي بينَ الرفْعِ والنصْبِ، كما سيأتي إنْ شاءَ اللهُ.
قالَ ابنُ مالكٍ: (إن مُضْمَرُ اسمٍ سابقٍ .. إلخ) أيْ: إنْ شَغَلَ ضميرُ اسمٍ سابقٍ فِعْلاً عن نَصْبِ ذلك الاسمِ السابقِ لفْظاً أو مَحَلاًّ، فانتصَبَ الاسمُ السابقُ بفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أيْ: غيرِ ظاهِرٍ (حَتْماً) أيْ: إضماراً حَتْماً، ويكونُ ذلك مُوَافِقاً للفعْلِ المذكورِ كما بَيَّنَّاهُ.
1 - وُجوبُ نَصْبِ المشغولِ عنه

256- والنصبُ حَتْمٌ إن تَلَا السابقُ مَا = يَخْتَصُّ بالفعْلِ كإنْ وحَيْثُمَا
هذه المسألةُ الأُولَى مِن مسائلِ المشغولِ عنه، وهي وُجوبُ نَصْبِه إذا وَقَعَ بعدَ أداةٍ لا يَلِيهَا إلاَّ الفِعْلُ، وهي أدواتُ التحضيضِ، نحوُ: هلاَّ الْمَرِيضَ زُرْتَه، والعرْضِ، نحوُ: ألاَ الحديثَ حَفِظْتَهُ، والاستفهامِ غيرِ الهمزةِ، نحوُ: هل الْحَقَّ قُلْتَه؟ وأدواتِ الشرْطِ، نحوُ: إنْ جَارَكَ لَقِيتَهُ فسَلِّمْ عليه، وحَيْثُما عَلِيًّا تَلْقَهُ فأَكْرِمْهُ، فيَجِبُ نَصْبُ ما بعدَ هذهِ الأدواتِ بفِعْلٍ محذوفٍ؛ ليَقَعَ الفعْلُ بعْدَها، ولا يَجُوزُ رفْعُه على أنه مُبتدأٌ؛ لئلا تَخْرُجَ هذه الأدواتُ عما وُضِعَتْ له مِنَ الاختصاصِ بالفعْلِ.
واعْلَمْ أنَّ الاشتغالَ إنما يَقَعُ بعدَ أدواتِ الشرْطِ في ضرورةِ الشعْرِ فَأَمَّا في النثْرِ، فلا بُدَّ أنْ يَلِيَهَا الفعْلُ الظاهِرُ، إلاَّ بعدَ أدَاتَيْنِ منها:-
الأُولَى: (إنْ) إذا كان المشغولُ ماضِياً، نحوُ: إنْ محمداً لَقِيتَهُ فَكَلِّمْه؛ لأنه لا يَظْهَرُ عَمَلُها فيه، فلا يَقْبُحُ وقوعُ غيرِ الفعلِ بعدَها لضَعْفِ طَلَبِها له، بخِلافِ المضارِعِ فإنه لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُها فيه قَوِيَ طَلَبُها له، فقَبُحَ تِلْوُ غَيْرِه لها في النَّثْرِ، فلا تقولُ: إنْ مُحَمَّداً تَلْقَهُ فأَكْرِمْهُ.
الثانيةُ: (إذا) مُطْلَقاً: وَلِيَها ماضٍ أو مضارِعٍ، نحوُ: إذا خالِدٌ قَدِمَ أو يَحْضُرُ فأَكْرِمْهُ؛ لأنها لا تَعْمَلُ أَصْلاً.
وهذا معنى قولِه: (والنصبُ حَتْمٌ.. إلخ) أيْ: أنَّ نَصْبَ الاسمِ السابقِ واجِبٌ إذا وَقَعَ بَعْدَ مَا يَخْتَصُّ بالفعْلِ كأَدواتِ الشرْطِ، مِثلِ: إنْ وحَيْثُمَا، وتَسويةُ الناظِمِ بينَهما، إنما هي في وُجوبِ النصْبِ ومُطْلَقِ الاختصاصِ بالفعْلِ كما يَدُلُّ على ذلك سِياقُ النظْمِ فلا يُرَدُّ عليه أنَّ الاشتغالَ بعدَ (حيثما) لا يَقَعُ إلاَّ في الشعْرِ كما تَقَدَّمَ.
2- وُجوبُ رَفْعِ المشغولِ عنه

257- وإن تلا السابقُ ما بالابتدا = يَخْتَصُّ فالرفْعُ التَزِمْهُ أَبَدَا
258- كذا إذا الفعلُ تلا ما لم يَرِدْ = ما قبلُ مَعمولاً لِمَا بعدُ وُجِدْ
ذَكَرَ في هذينِ البيتينِ الْمَسألةَ الثانيةَ مِن مَسائِلِ المشغولِ عنه، وهي وُجوبُ رَفْعِه وذلك في مَوْضِعَيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ يَقَعَ المشغولُ عنه بعدَ أداةٍ تَخْتَصُّ بالابتداءِ كـ (إذا الفُجائيَّةِ) كقولِك: خَرَجْتُ فإذا الجوُّ يَمْلَؤُهُ الغُبارُ... برَفْعِ (الْجَوُّ) على أنه مُبتدأٌ، ولا يَجُوزُ نَصْبُه بتَقديرِ فِعْلٍ؛ لأنَّ إذا الفجائيَّةَ لا يَقَعُ الفعْلُ بعْدَها لا ظاهِراً ولا مُقَدَّراً.
الثاني: إذا وَقَعَ الفعْلُ المشتَغِلُ بالضميرِ بعدَ أداةٍ لا يَعْمَلُ ما بعدَها فيما قَبْلَها كأَدواتِ الشرْطِ أو الاستفهامِ أو التحضيضِ ونحوِها مِثْلِ: الكتابُ إنِ استَعَرْتَهُ فحافِظْ عليه، والمريضُ هل زُرْتَهُ؟ فيَجِبُ رفْعُ المشغولِ عنه في المثالَيْنِ (الكتابُ، والمريضُ) ولا يَجُوزُ نَصْبُه؛ لأنَّ ما بعدَ الشرْطِ والاستفهامِ لا يَعْمَلُ فيما قَبْلَه، وما لا يَعملُ لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ مُفَسِّراً لعامِلٍ محذوفٍ.
وهذا معنى قولِه (وإنْ تلا السابِقُ .. إلخ) أيْ: وإنْ وَقَعَ الاسمُ السابقُ وهو المشغولُ عنه بعدَ ما يَخْتَصُّ بالابتداءِ، فإنك تَلْتَزِمُ رَفْعَه دائماً، وكذلك التَزِم الرفْعَ إذا كان الفعْلُ المشتَغِلُ بالضميرِ قد وَقَعَ بعدَ لفْظِ لا يَرِدُ ما قبلَه معمولاًَ لعامِلٍ بعْدَه، يريدُ: إذا وَقَعَ بعدَ لفظٍ لا يَعْمَلُ ما بعدَه فيما قبلَه؛ لأنَّ ما لا يَعملُ لا يُفَسِّرُ عامِلاً.
3- جوازُ الوَجهينِ والنصْبُ أرْجَحُ
259- واخْتِيرَ نَصْبٌ قبلَ فِعْلٍ ذي طَلَبْ = وبعدَ ما إيلاؤُه الفعلَ غَلَبْ
260- وبعدَ عاطفٍ بلا فَصْلٍ على = معمولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أوَّلَا
ذَكَرَ في هذه الأبياتِ المسألةَ الثالثةَ: وهي جَوازُ رَفْعِ المشغولِ عنه ونَصْبِه، وترجيحُ النصْبِ، وذلك في ثلاثِ مَسائلَ:
الأُولَى: إذا وَقَعَ بعدَ المشغولِ عنه فعْلٌ دالٌّ على طَلَبٍ، سواءٌ دَلَّ على الطلَبِ بذاتِه، نحوُ: والدتَك اعْرِفْ حَقَّها، أو كانَ مَقروناً بأداةِ الطلَبِ، نحوُ: والدَك لا تُهِنْهُ، وسواءٌ كان الطلَبُ بلَفْظِه كما في الْمِثالينِ، أو كانَ بلَفْظِ الخبرِ، نحوُ: ابنَ تَيْمِيَةَ رَحِمَه اللهُ.
فيَترجَّحُ نَصْبُ المشغولِ عنه في هذه الأَمْثِلَةِ على رَفْعِه؛ لأنه لو رُفِعَ لصَارَتِ الْجُملةُ بعدَه خَبَراً، وهي طَلبيَّةٌ والإخبارُ بالجملةِ الطَّلبيَّةِ ـ وإنْ كان جائزاً عندَ الْجُمهورِ ـ لكنه على خِلافِ الأَصْلِ، لِكًوْنِها لا تَحْتَمِلُ الصدْقَ والكذِبَ.
الثانيةُ: إذا وَقَعَ المشغولُ عنه بعدَ أداةٍ يَغْلِبُ أنْ يَلِيَهَا الفعْلُ كهمزةِ الاستفهامِ و (ما) النافيةِ وغيرِها، نحوُ: ما صديقاً أَهْنَتَه، ونحوُ: أوالدَكَ احْتَرَمْتَه؟ ومنه قولُه تعالى: {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ} فيَترجَّحُ النصْبُ بفِعْلٍ محذوفٍ؛ لأنه لو رُفِعَ لصارَ مُبتدأً، ووقوعُ المبتدأِ بعدَ هذه الأدواتِ مع جَوَازِهِ قليلٌ لكثرةِ دُخُولِها على الأفعالِ.
الثالثةُ: إذا وَقَعَ الاسمُ المشغولُ عنه بعدَ عاطِفٍ تَقَدَّمَتْهُ جُملةٌ فِعليَّةٌ، ولم يُفْصَلْ بينَ العاطِفِ والمشغولِ عنه، كقولِك: سافَرَ ضيفٌ والقادِمَ استَقْبَلْتُه، فيَجوزُ رفْعُ (القادِمَ) على أنه مُبتدأٌ، ونَصْبُه بتقديرِ فِعْلٍ أيْ: واستَقْبَلْتُ القادمَ، وهو أرْجَحُ لتُعْطَفَ جُملةٌ فِعليَّةٌ على جُملةٍ فِعليَّةٍ، وفيه تَنَاسُبٌ.
ومنه قولُه تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فـ (الأنعامَ) منصوبٌ بفِعْلٍ محذوفٍ أيْ: وخَلَقَ الأنعامَ، وحسُنَ النصْبُ لتُعْطَفَ جُملةٌ فعليَّةٌ (والأنعامَ) على جُملةٍ فعليَّةٍ تَقَدَّمَتْ وهي (خَلَقَ الإنسانَ) وهذه قراءةُ السبعةِ.
فإنْ وُجِدَ فاصِلٌ بينَ العاطِفِ والمشغولِ عنه، صارَ حُكْمُه كما لو لم يَتَقَدَّمْهُ شيءٌ، كقولِك: سافرَ ضَيْفٌ، وَأَمَّا القادِمُ فاستَقْبَلْتُهُ، فيَترجَّحُ الرفْعُ؛ لأنَّ (أمَّا) تَقْطَعُ ما بعدَها عما قَبْلَها، فيكونُ ما بعدَها مُستَأْنَفاً، إلاَّ إذا وُجِدَ ما يُرَجِّحُ النصْبَ كقولِك: سافَرَ والدُك، وأمَّا عمَّكَ فأَكْرِمْهُ، وإنما تَرَجَّحَ النصْبُ لأنَّ المشغولَ عنه وَقَعَ قبلَ فِعْلٍ دالٍّ على طَلَبٍ كما (معنى)(*).
وهذا معنى قولِه: (واخْتِيرَ نَصْبٌ.. إلخ) أيْ: يُختارُ نَصْبُ المشغولِ عنه، إذا وَقَعَ قَبْلَ فِعْلٍ دالٍّ على طَلَبٍ، أو وَقَعَ بعدَ أداةٍ ... إلخ، أو وَقَعَ بعدَ أداةٍ يَغْلِبُ أنْ يَلِيَهَا الفعْلُ، وكذا يَتَرَجَّحُ النصْبُ إذا وَقَعَ المشغولُ عنه بعدَ عاطِفٍ يَعْطِفُ الاسمَ السابقَ على معمولِ فِعْلٍ (مُسْتَقِرٍّ أوَّلاً) أيْ: مذكورٍ في أوَّلِ جُملتِه أيْ: أنها جُملةٌ فِعليَّةٌ بغيرِ فاصِلٍ بينَ العاطِفِ والمشغولِ عنه.
جوازُ الرفْعِ والنصْبِ على حَدٍّ سواءٍ
261- وإن تَلَا المعطوفُ فِعْلاً مُخْبَرَا = به عن اسمٍ فاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا
ذَكَرَ في هذا البيتِ المسألةَ الخامسةَ، وهي جوازُ الرفْعِ والنصبِ على حدٍّ سواءٍ، وذلك إذا وَقَعَ المشغولُ عنه بعدَ عاطِفٍ تَقَدَّمَتْهُ جُملةٌ ذاتُ وَجهينِ، وفَسَّرُوا الجملةَ ذاتَ الوَجيهنِ بأنها جُملةٌ اسْمِيَّةٌ، وخَبَرُها جُملةٌ فِعليَّةٌ، نحوُ: الْمَطَرُ نَزَلَ والنخْلُ سَقَيْنَاهُ مِن مَائِه، فيَجوزُ رَفْعُ (النخْلِ) على أنه مُبتدأٌ وما بعدَه خَبَرٌ، وتُعْطَفُ جُملةٌ اسْمِيَّةٌ على جُملةٍ اسْمِيَّةٍ، ويَجوزُ نَصْبُه بفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وتُعطَفُ جُملةٌ فِعليَّةٌ على جُملةٍ فِعليَّةٍ، ومنه قولُه تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} فقد قرأَ الكُوفِيُّونَ وابنُ عامرٍ بالنصْبِ بتقديرِ فِعْلٍ أيْ: قَدَّرْنَا القمرَ، وقرأَ بالرفْعِ بقيَّةُ السبعةِ على أنه مُبتدأٌ والخبرُ (قَدَّرْنَاهُ).
وهذا معنى قولِه: (وإنْ تلاَ الْمَعطوفُ ... إلخ) أيْ: وإنْ وَقَعَ الاسمُ المشغولُ عنه بعدَ حَرْفِ عَطْفٍ قبلَه فِعْلٌ، وهذا الفعلُ مع فاعلِه خَبَرٌ عن مُبتدَأٍ قَبْلَهما، فلك الخيارُ في أنْ تَعْطِفَ ما بعدَ حَرْفِ العطْفِ على ما قبلَه مُباشَرَةً، عطْفَ جُملةٍ فِعليَّةٍ على جُملةٍ فِعليَّةٍ، وأنْ تَعْطِفَ ما بعدَ حرْفِ العطفِ على كلِّ ما قَبْلَه، عَطْفَ جُملةٍ اسْمِيَّةٍ على جُملةٍ اسْمِيَّةٍ.
جَوازُ الوَجهينِ والرفْعُ أرْجَحُ
262- والرفْعُ في غيرِ الذي مَرَّ رَجَحْ = فما أُبيحَ افْعَلْ ودَعْ ما لم يُبَحْ
هذه هي المسألةُ الرابعةُ مِن مَسائلِ المشغولِ عنه: وهي جَوازُ الرفْعِ والنصْبِ، وتَرَجُّحُ الرفْعِ، وذلك في كلِّ اسمٍ لم يُوجَدْ معه ما يُوجِب النصْبَ، ولا ما يُرَجِّحُه، ولا ما يُوجِبُ الرفْعَ، ولا ما يُجَوِّزُ الوجهينِ على السواءِ، نحوُ: العالِمُ احتَرَمْتُه، فيجوزُ الوجهانِ، ويَتَرَجَّحُ الرفْعُ ـ كما تَقَدَّمَ أوَّلَ البابِ ـ ولا تكونُ المسألةُ مِن بابِ الاشتغالِ.
والنصْبُ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ خِلافاً لِمَن مَنَعَه لِمَا فيه مِن كُلْفَةِ الإضمارِ، وقد جاءَ منه قولُ امرأةٍ مِن بني الحارِثِ:
فارِساً ما غادَرُوهُ مُلْحَماً = غيرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكْسٍ وَكِلْ

وهذا معنى قولِه: (والرفْعُ في غيرِ الذي مَرَّ رَجَحْ) أيْ: يَتَرَجَّحُ الرفْعُ على النصْبِ في غيرِ المسائلِ التي مَرَّتْ، فما جازَ في كلامِ العرَبِ افْعَلْهُ، واترُكْ ما لم يُبَحْ، والفاءُ في قولِه (فَمَا أُبيحَ افْعَلْ) للتفريعِ.
أحوالُ المشغولِ به

263- وفَصْلُ مشغولٍ بحَرْفِ جَرِّ = أو بإضافةٍ كوَصْلٍ يَجْرِي
ذَكَرَ أنَّ للفعْلِ المشغولِ به ثلاثَ حالاتٍ:
الأُولَى: أنْ يَتَّصِلَ به الضميرُ، نحوُ: هَلاَّ مَعروفَكَ بَذَلْتَهُ.
الثانيةُ: أنْ يَنفصِلَ منهُ بحرْفِ جَرٍّ، نحوُ: الكُرْسِيَّ جَلَسْتُ عليه.
الثالثةُ: أنْ يَنفصِلَ عنه بإضافةٍ، نحوُ: أَعِصَاماً ضَرَبْتَ غُلامَه؟
وهذا معنى قولِه: (وفَصْلُ مشغولٍ بحَرْفِ جَرٍّ.. إلخ) أيْ: إنْ فُصِلَ الفعْلُ المشغولُ بحَرْفِ الجرِّ أو بالإضافةِ، يَجرِي مَجْرَى اتِّصالِ الفعْلِ بالضميرِ في الأحكامِ السابقةِ.
الوصْفُ العامِلُ كالفعْلِ في هذا البابِ
264- وسَوِّ في ذا البابِ وَصْفاً ذا عَمَلْ = بالفِعْلِ إن لم يك مانعٌ حَصَلْ
العاملُ في بابِ الاشتغالِ إمَّا أنْ يكونَ فِعلاً كما تَقَدَّمَ، وهذا هو الكثيرُ، وإمَّا أنْ يكونَ اسْماً، فإنْ كانَ غيرَ فِعْلٍ فلا بُدَّ له مِن ثلاثةِ شُروطٍ.
الأوَّلُ: أنْ يكونَ وَصْفاً، والمرادُ به: اسمُ الفاعلِ واسمُ المفعولِ، وصِيَغُ المبالَغَةِ.
الثاني: أنْ يكونَ هذا الوصْفُ عامِلاً النصْبَ على المفعوليَّةِ باطِّرادٍ.
الثالثُ: ألاَّ يُوجَدَ مانِعٌ يَمنعُ مِن عمَلِ الوصْفِ فيما قَبْلَه.
ومِثالُ ذلك: الأمينُ أنا مُشارِكُه فـ (الأمينُ) يَجُوزُ رَفْعُه ونَصْبُه، فإنْ نُصِبَ فهو معمولٌ لوَصْفٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ، والتقديرُ: أنا مشارِكٌ الأمينَ؛ لأنَّ لفْظَ (مُشارِكٌ) اسمُ فاعلٍ وهو عامِلٌ؛ لأنه بمعنى الحالِ أو الاستقبالِ ولم يُوجَدْ مانِعٌ، وأمَّا رَفْعُه فعلى أنه مُبتَدَأٌ وما بعدَه خبرٌ.
ومِثالُ اسمِ المفعولِ: الكتابَ أنتَ مُعطاهُ، ومِثالُ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ: العسَلَ أنا شَرَّابُه.
وخَرَجَ بالشرْطِ الأوَّلِ ما ليس بوَصْفٍ كاسمِ الفعْلِ، نحوُ: خالدٌ دِرَاكَهُ، فـ (خالدٌ) مُبتدأٌ، ولا يَجُوزُ نصْبُه باسمِ فعْلٍ محذوفٍ؛ لأنَّ أسماءَ الأفعالِ لا تَعملُ فيما قَبْلَها فلا تُفَسِّرُ عامِلاً فيه.
وخَرَجَ بالشرْطِ الثاني: الوصْفُ غيرُ العاملِ كاسمِ الفاعلِ بمعنى الماضِي، نحوُ: الأمينُ أنا مُشَارِكُه أمْسَ، فيَتعيَّنُ رفْعُ (الأمينِ) على أنه مُبتدأٌ، ولا يَجُوزُ نَصْبُه بوَصْفٍ محذوفٍ؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ الماضي لا يَعْمَلُ، وما لا يَعمَلُ لا يُفَسِّرُ عامِلاً.
وخَرَجَ بالثالثِ: وُجودُ مانِعٍ يَمنَعُ مِن عَمَلِ الوصْفِ، ومِن الموانِعِ كونُ الوصْفِ اسمَ فاعلٍ مُقْتَرِناً بأل، نحوُ: الضيفُ أنا الْمُكْرِمُه، فيَجِبُ رفعُ (الضيفُ) على أنه مُبتَدَأٌ، ولا يَجُوزُ نَصْبُه بوَصْفٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ؛ لأنَّ (أل) الداخِلَةَ على اسمِ الفاعلِ مَوصولةٌ، والموصولُ لا يَعملُ ما بعدَه فيما قَبْلَه، وما لا يَعملُ لا يُفَسِّرُ عامِلاً.
وهذا معنى قولِه: (وسَوِّ في ذا البابِ... إلخ) أيْ: سَوِّ في بابِ الاشتغالِ الوصْفَ العاملَ بالفعْلِ في العمَلِ، إنْ لم يَحْصُلْ مانِعٌ يَمنَعُ مِن عمَلِ الوصْفِ فيما قَبْلَه.
تَنَزُّلُ الأَجْنَبِيِّ مَنْزِلَةَ السَّبَبِيِّ بشَرْطِهِ
265- وعُلْقَةٌ حاصلةٌ بتَابِعِ = كعُلْقَةٍ بنفسِ الاسمِ الواقعِ
تَقَدَّمَ أنه لا فَرْقَ في هذا البابِ بينَ ما اتَّصَلَ فيه الضميرُ بالفعلِ، وبينَ ما انفَصَلَ بحرْفٍ أو بإضافَةٍ.
وذَكَرَ في هذا البيتِ أنَّ العَلاقةَ بينَ الفعْلِ والمشغولِ عنه كما تَتِمُّ بالسَّبَبِيِّ (وهو الاسمُ المضافُ لضميرِ الاسمِ السابقِ) تَتِمُّ بالأجنبيِّ إذا أُتْبِعَ بتابِعٍ مُشتَمِلٍ على ضميرِ الاسمِ السابقِ، فكما تقولُ: خالداً ضَرَبْتُ غُلامَه، والتقديرُ: أَهَنْتُ خالداً ضَرَبْتُ غُلامَه تقولُ: خالداً ضَرَبْتُ رَجُلاً يُحِبُّه، فقد عَمِلَ المشغولُ في أَجْنَبِيٍّ خالٍ مِن ضميرِ الاسمِ السابقِ وهو (رَجُلاً) لكنْ أُتْبِعَ بصِفةٍ مُشْتَمِلَةٍ على ضميرِ الاسمِ السابقِ، وهي جملةُ (يُحِبُّه) وهكذا يُقالُ في عَطْفِ البيانِ، نحوُ: خالداً ضَرَبْتُ عَمْراً أخاه، أو عَطْفِ نَسَقٍ بالواوِ خاصَّةً، نحوُ: خالداً ضَرَبْتُ عَمْراً وأخاه.
وهذا معنى قولِه: (وعُلْقَةٌ حاصلةٌ بتَابِعِ.. إلخ) أيْ: أنَّ العَلاقةَ والرابطةَ الحاصلةَ بالتابِعِ كالعَلاقةِ الحاصلةِ بالسَّبَبِيِّ، ومعناه: أنَّ الأَجْنَبِيَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ السَّبَبِيِّ إذا أُتْبِعَ بتابعٍ مُشْتَمِلٍ على ضميرِ الاسمِ السابقِ.


(*) لعلها: مضى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العالم, اشتغال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir