دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السيرة النبوية > متون السيرة النبوية > مختصر عبد الغني

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 07:39 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ولادته صلى الله عليه وسلم ورضاعه وموت والديه

[وِلادتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1]
وَوُلِدَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عامَ الفيلِ، في شَهْرِ ربيعٍ الأوَّلِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا منهُ، يَوْمَ الاثنَيْنِ.
وقالَ بعضُهم: بعدَ الفيلِ بثلاثينَ عامًا.
وقالَ بعضُهم: بأربعينَ عامًا.
والصحيحُ أنَّهُ وُلِدَ عامَ الفيلِ
[2].

[وفاةُ والدِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأُمِّهِ وجَدِّهِ]
وماتَ أَبُوهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عبدِ المطَّلِبِ ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ أَتَى لهُ ثَمانيَةٌ وعِشرونَ شَهْرًا.
وقالَ بعضُهم: ماتَ أبوهُ وهوَ ابنُ سبعةِ أَشْهُرٍ.
وقالَ بعضُهم: ماتَ أَبُوهُ في دارِ النَّابِغَةِ
[3] وهوَ حَمْلٌ.
وقيلَ: ماتَ بالأَبْوَاءِ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ
[4].
قالَ أبو عبدِ اللَّهِ الزُّبيرُ بنُ بَكَّارٍ الزُّبَيْرِيُّ: تُوُفِّيَ عبدُ اللَّهِ بنُ عبدِ الْمُطَّلِبِ بالمدينةِ ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُ شهريْنِ
[5].
ومَاتَتْ أُمُّهُ وهوَ ابنُ أربعِ سنينَ
[6]. وماتَ جَدُّهُ عبدُ الْمُطَّلِبِ وهوَ ابنُ ثمانِ سنينَ [7]. وقيلَ: مَاتَتْ أُمُّهُ وهوَ ابنُ ستِّ سنينَ.

[رَضاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وأَرْضَعَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُوَيْبَةُ جاريَةُ أبي لَهَبٍ [8].
وأَرْضَعَتْ معهُ حمزةَ بنَ عبدِ الْمُطَّلِبِ، وأبا سَلَمَةَ عبدَ اللَّهِ بنَ عبدِ الأَسَدِ المَخْزُومِيَّ.
أَرْضَعَتْهُم بلَبَنِ ابنِها مَسْرُوحٍ.
وأَرْضَعَتْهُ حَليمةُ بنتُ أبي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ
[9].


تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
[1] اعتاد عدد من المسلمين في كثير من البلاد على أن يقيموا احتفالا سنويا بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل منهم بدافع المحبة له صلى الله عليه وسلم.
ولكن: هل هذا الاحتفال جائز شرعا؟
إنَّنا إذا عَرَضْنا هذا الاحتفالَ على هَدْيِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسُنَّتِهِ فَلَنْ نَجِدَ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد احْتَفَلَ بِمَوْلِدِهِ الشريفِ ولا الصحابةُ ولا التابعونَ، ولوْ كانَ خيرًا لسَبَقُونا إليهِ.
وبهذا يُعْلَمُ أنَّ الاحتفالَ بالْمَوْلِدِ يَنْطَبِقُ عليهِ قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))، رواهُ البخاريُّ ومسلِمٌ. والمعنى: أنَّهُ مَردودٌ على صاحبِهِ.
ومن الناحيَةِ التاريخيَّةِ، فإنَّ أوَّلَ مَن ابْتَدَعَ الاحتفالَ بالْمَوْلِدِ النبويِّ هم الْخُلفاءُ الفاطميُّونَ (الْعُبَيْدِيُّونَ) الرَّوَافِضُ، وذلكَ في القرنِ الرابعِ الْهِجْرِيِّ.
ويَنبغِي ألَّا يَغْتَرَّ المسلِمُ بكثرةِ مَنْ يَحتفِلُ بِمَولِدِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتَّى ولوْ كانَ منهم مَنْ يَنتسِبُ إلى العِلْمِ؛ فإنَّ السُّنَّةَ هيَ الْحُجَّةُ في كلِّ أمْرٍ وعلى كلِّ أَحَدٍ، وليسَ أَحَدٌ من الناس بِحُجَّةٍ على هَدْيِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كائنًا مَنْ كانَ، فكُلٌّ يُؤْخَذُ منهُ ويُرَدُّ عليهِ إلَّا الحبيبَ مُحَمَّدَ بنَ عبدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد اغْتَرَّ بهذهِ الاحتفالاتِ في الْمَوْلِدِ وما يُصاحِبُها منْ بِدَعٍ ومُنكَرَاتٍ كثيرٌ من الناسِ، خاصَّةً وأنَّها تُنْقَلُ عَبْرَ الْإِذَاعَاتِ وشَبَكَاتِ التَّلْفَزَةِ.
وَلْيُعْلَمْ أنَّ مَحَبَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ بإقامةِ احتفالٍ في ليلةٍ من العامِ تُذْكَرُ فيها الأهازيجُ والْمُوَشَّحَاتُ، ورُبَّما تُمَارَسُ فيها أنواعٌ من الْمُنْكَرَاتِ، كما يَقَعُ في كثيرٍ منْ تلكَ الاحتفالاتِ، وإنَّما تكونُ مَحَبَّةُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتِّباعِ سُنَّتِهِ والْحَذَرِ منْ مُخالَفَتِها، كما قالَ تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آلِ عمرانَ: 31].
وانْظُرْ: (مجموعَ فَتَاوَى ومَقالاتِ) (1/ 183) سماحةِ شيخِنا العَلَّامَةِ عبدِ العزيزِ بنِ بَازٍ -رسالةَ التحذيرِ من البِدَعِ.

[2] الصحيحُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ عامَ الفيلِ كما ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وقدْ نَقَلَ الإجماعَ على هذا غَيْرُ واحدٍ منْ أهلِ العِلْمِ؛ منهم: إبراهيمُ بنُ الْمُنْذِرِ الحِزَامِيُّ شيخُ البخاريِّ، كما في (تهذيبِ السيرةِ) للنَّوَوِيِّ ص (20)، وخليفةُ بنُ خَيَّاطٍ في (تاريخِهِ) ص (53). وبالتاريخِ الإِفْرِنْجِيِّ يُوافِقُ عامَ (570) أوْ (571).
وأمَّا مَنْ قالَ: بعدَ عامِ الفيلِ بأربعينَ أوْ ثلاثينَ عامًا، فهذا وَهْمٌ منهُ، فلَعَلَّهُ أَرادَ ثلاثينَ أوْ أربعينَ يَوْمًا. نَبَّهَ لهذا الحافظُ الذَّهَبِيُّ في (السيرةِ) ص (27).
واتَّفَقَ العلماءُ أنَّ وِلادَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانتْ في شهرِ ربيعٍ الأَوَّلِ.
وثَبَتَ في (صحيحِ مسلِمٍ) (2/820) تحديدُ اليومِ، وهوَ يومُ الاثنَيْنِ؛ حيثُ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عنْ صَومِ الاثْنَيْنِ، فقالَ: ((فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ)).
أمَّا تحديدُ تاريخِ اليومِ فالخِلافُ فيهِ كبيرٌ، وأَشهَرُ الأقوالِ أَرْبَعَةٌ: اليومُ الثاني، الثامنُ، العاشرُ، والثانيَ عشَرَ. واللَّهُ أَعْلَمُ.

[3]
دارُ النابغةِ: لأَحَدِ رجالِ بني النجَّارِ بالمدينةِ.

[4]
القولُ بأنَّهُ ماتَ بالأَبْوَاءِ اسْتَغْرَبَهُ ابنُ جُمَاعَةَ من الحافظِ عبدِ الغنيِّ، وقالَ: إنَّ المشهورَ أنَّ وَفاتَهُ بدارِ النابغةِ بالمدينةِ عندَ أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ. انْظُرْ: (المختَصَرَ الكبيرَ) ص (21).

[5]
الراجحُ هوَ ما ذَهَبَ إليهِ الْجُمهورُ، بأنَّ والِدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبدَ اللَّهِ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ تُوُفِّيَ والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنِينٌ في بَطْنِ أُمِّهِ، وهذا أَبْلَغُ الْيُتْمِ وأعلى مَراتِبِهِ، قالَ اللَّهُ تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6].
ومِمَّنْ رَجَّحَ هذا القولَ: ابنُ القَيِّمِ، ابنُ كثيرٍ، الذَّهَبِيُّ، ابنُ حَجَرٍ، وابنُ الْجَوزِيِّ. وفي (مُسْتَدْرَكِ الحاكِمِ) ما يُؤَيِّدُهُ (2/605).
وانظُرْ (زادَ الْمَعادِ) (1/76)، (البدايَةَ والنهايَةَ) (2/322-323)، (السيرةَ) للذَّهَبِيِّ ص 50، (فتحَ البارِي) (7/163)، (الوفا بأحوالِ الْمُصْطَفَى) (1/153).

[6]
كانت وفاةُ أُمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَوْضِعٍ يُقالُ لهُ: الأَبْوَاءُ، بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، حيثُ كانتْ رَاجعةً بهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ عندِ أخوالِ أبيهِ بني عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ بعدَ زِيارتِهم.
انْظُرْ: (مُصَنَّفَ عبدِ الرزَّاقِ) (5/318).
وفي الحديثِ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاستَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فأَذِنَ لِي))، رواهُ مسلِمٌ (976). وفي روايَةٍ عندَ أبي دَاوُدَ (3234) والنَّسَائِيِّ (4/90)، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ ذلكَ لَدَى إِتْيَانِهِ قَبْرَ أُمِّهِ، وأنَّهُ بَكَى وأَبْكَى مَنْ حوْلَهُ.
ثمَّ تَوَلَّى حَضَانَتَهُ أُمُّ أيمنَ الحَبَشِيَّةُ، واسْمُها بَرَكَةُ، وكانَ قدْ وَرِثَها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ أبيهِ، وقِيلَ: منْ أُمِّهِ، وكانَتْ بهِ بَرَّةً رحيمةً. ولَمَّا تَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأُمِّ المؤمنينَ خديجةَ أَعْتَقَها، وكانَ يَصِلُها ويُحْسِنُ إليها ويَتَلَطَّفُ معها، حتَّى إنَّها كانتْ تُعامِلُهُ مُعَامَلَةَ الأُمِّ لِوَلَدِها، فَرُبَّمَا أَعْطَتْهُ الطعامَ فلمْ يَأْكُلْهُ، فتَتَسَخَّطُ لذلكَ وتُبالِغُ في أَمْرِهِ بالطعامِ. ولأُمِّ أيمنَ أخبارٌ طَريفةٌ معَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَوَّنْتُ بعضَها فيما كَتَبْتُهُ عن البيتِ النَّبَوِيِّ، أَسألُ اللَّهَ أنْ يُيَسِّرَ نَشْرَهُ.
ويُنْظَرُ: (سِيَرُ أعلامِ النُّبلاءِ) (2/223)، وتَرجمةُ أُمِّ أيمنَ في (الإصابةِ) لابنِ حَجَرٍ.

[7]
جاءَ في (طبقاتِ ابنِ سعدٍ) (1/116) أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَتَذْكُرُ موتَ عبدِ الْمُطَّلِبِ؟ قالَ: ((نَعَمْ، أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ))، قَالَتْ أُمُّ أيمنَ: رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومئذٍ يَبْكِي خَلْفَ سَرِيرِ عبدِ الْمُطَّلِبِ.
وحَقَّ لرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يَبْكِيَ لموتِهِ؛ فقدْ كانَ يَجِدُ في كَنَفِهِ من الرعايَةِ والعِنايَةِ ما لا يَجِدُهُ أبناءُ عبدِ الْمُطَّلِبِ أنفسُهم، فكان يُقَرِّبُهُ ويُدْنِيهِ، ويَدخلُ عليهِ إذا خَلَا وإذا نامَ، وكانَ يَجْلِسُ في مَجْلِسِهِ وعلى فِراشِهِ.

[8]
ثَبَتَ ذلكَ في (صحيحِ البخاريِّ) في مواضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ منها (5101)، و( صحيحِ مسلِمٍ) (1449)، و(سنَنِ أبي دَاوُدَ) (2056)، و(النسائيِّ) (6/96).
وثُوَيْبَةُ: بضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، كانتْ مَولاةً لأبي لَهَبٍ، فأَعْتَقَها، تُوُفِّيَتْ سنةَ سَبْعٍ لِلْهِجْرَةِ، واخْتُلِفَ في إسلامِها.
وقدْ جاءَ في بعضِ الآثارِ، أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُرسِلُ إليها الصِّلاتِ والعطايا والكِسوةَ من المدينةِ إليها وهيَ بِمَكَّةَ؛ بِرًّا منهُ وإحسانًا، حتَّى جاءَهُ خَبَرُ وَفاتِها سنةَ سَبْعٍ.
انظرْ: (سِيَرَ أعلامِ النُّبلاءِ) (2/219).

[9]
على هذا دَلائلُ كثيرةٌ تُثْبِتُ رَضاعَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ، ومنْ ذلكَ ما أَوْرَدَهُ ابنُ كثيرٍ في (البدايَةِ والنهايَةِ): (2/335) عنْ خالدِ بنِ مَعدانَ، عنْ أصحابِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُم قالُوا لهُ: أَخْبِرْنا عنْ نَفْسِكَ؟ قالَ: ((نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ...)) الحديثَ. قالَ ابنُ كثيرٍ: إِسْنَادُهُ جيِّدٌ قَوِيٌّ، وقالَ في (السيرةِ) ص (34): رُوِّينَا ذلكَ بإسنادٍ صحيحٍ.
وأَوْرَدَ الشيخُ الأَلْبَانِيُّ في (السلسلةِ الصحيحةِ) رقم 1545.
وبكُلِّ حالٍ، فإنَّ رَضاعَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بني سَعْدٍ منْ حَليمةَ السعديَّةِ مِمَّا تَنَاقَلَهُ العلماءُ، واسْتَقَرَّتْ صِحَّتُهُ لَدَيْهِم؛ لإِطْبَاقِ شُهرتِهِ ورِوايتِهِ. ومِثلُ هذهِ الوقائعِ يُسْتَغْنَى بشُهْرَتِها عن النَّظَرِ في أَسانيدِها، كَتَحَقُّقِنا منْ كَرَمِ حاتمٍ الطائيِّ وَجُودِ عبدِ اللَّهِ بنِ جُدْعَانَ، ونحوِ ذلكَ ممَّا اشْتُهِرَ وتَوارَدَ نقْلُهُ، ولا يُحْفَظُ لهُ إسنادٌ. وانظُر: (البدايَةَ والنهايَةَ) (2/333 - 340)، (مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ) (8/ 222).
تَتِمَّةٌ:
أثناءَ مُكْثِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في باديَةِ سعدٍ جِهةَ الطائفِ عندَ مُرْضِعَتِهِ حليمةَ السعديَّةِ وَقَعَتْ مُعجِزَةٌ عظيمةٌ يُبَيِّنُها ما رواهُ مسلِمٌ في (صحيحِهِ) (261): عنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاهُ جِبريلُ عليهِ السلامُ وهوَ يَلْعَبُ معَ الغِلمانِ، فأَخَذَهُ فصَرَعَهُ، فشَقَّ عنْ قَلْبِهِ، فاستَخْرَجَ القَلْبَ، فاستَخْرَجَ منهُ عَلَقَةً، فقالَ: هذا حَظُّ الشيطانِ منكَ. ثمَّ غَسَلَهُ في طَسْتٍ منْ ذَهَبٍ بماءِ زَمزمَ، ثمَّ لَأَمَهُ [أيْ: جَمَعَهُ وضَمَّ بعضَهُ إلى بعضٍ]، ثمَّ أعادَهُ في مكانِهِ. وجاءَ الغِلمانُ يَسْعَوْنَ إلى أُمِّهِ، يَعْنِي: ظِئْرِهِ [أيْ: مُرْضِعَتِهِ]، فقالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا قدْ قُتِلَ. فاسْتَقْبَلُوهُ وهوَ مُنْتَقِعٌ [أيْ: مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ]. قالَ أَنَسٌ: وقدْ كُنْتُ أَرى أَثَرَ ذلكَ الْمَخِيطِ في صَدْرِهِ، يعني أنَّهُ كانَ يَرى أَثَرَ الغَرْزَاتِ والْخِياطةِ في صدرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذهِ الحادثةُ الْمُعجِزَةُ وَقَعَتْ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَالَي الأربعَ أو الخَمْسَ سنينَ.
ثمَّ تَكَرَّرَ شَقُّ الصدْرِ مَرَّةً أُخْرَى، وللرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوٌ منْ خمسينَ سنةً، وذلكَ ليلةَ الإسراءِ.
وشَقُّ الصدرِ في هذهِ المرَّةِ ثَابِتٌ في (صحيحِ البخاريِّ) (3207) ورقم (3887)، و(صحيحِ مسلِمٍ) رقم (62) كتابِ الإيمانِ. وفيهما: أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ آتٍ منْ رَبِّهِ عندَ البيتِ مَعَهُ طَسْتٌ منْ ذَهَبٍ مَملوءٌ إيمانًا وحكْمَةً، فَشُقَّ من النحْرِ إلى مَرَاقِ البطْنِ، ثمَّ غُسِلَ البطْنُ والقلْبُ بماءِ زَمزمَ، ومُلِئَ حِكمةً وإيمانًا، وأُعيدَ القلْبُ مكانَهُ... ثمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الإسراءِ والْمِعراجِ.
قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في (الفَتْحِ) (7/ 204 - 205): "وثَبَتَ شَقُّ الصدْرِ أيضًا عندَ البَعْثَةِ، كما أَخْرَجَهُ أبو نُعَيْمٍ في الدلائلِ، ولكلٍّ منهما حِكمةٌ، فالأَوَّلُ وكانَ زَمَنَ الطفوليَّةِ، فنَشَأَ على أَكْمَلِ الأحوالِ من العِصمةِ من الشيطانِ؛ حيثُ اسْتَخْرَجَ منْ قلبِهِ حَظَّ الشيطانِ منهُ. ثمَّ وَقَعَ شَقُّ الصدْرِ عندَ البَعْثِ زيادةً في إكرامِهِ؛ ليَتَلَقَّى ما يُوحَى إليهِ بقلْبٍ قَوِيٍّ في أَكْمَلِ الأحوالِ من التَّطَهُّرِ. ثمَّ وَقَعَ شَقُّ الصدْرِ عندَ إرادةِ الْعُرُوجِ إلى السماءِ؛ لِيَتَأَهَّبَ للمُنَاجَاةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تكونَ الْحِكمةُ في هذا الغُسْلِ؛ لِتَقَعَ المُبَالَغَةُ في الإِسْبَاغِ بحُصولِ المرَّةِ الثالثةِ كما تَقَرَّرَ في شَرْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وجميعُ ما وَرَدَ في شَقِّ الصدْرِ واستخراجِ القلْبِ وغيرِ ذلكَ من الأمورِ الخارقةِ للعَادةِ مِمَّا يَجِبُ التسليمُ لهُ دُونَ التَّعَرُّضِ لِصَرْفِهِ عنْ حقيقتِهِ؛ لصَلاحيَةِ القُدرةِ، فلا يَستحيلُ شيءٌ منْ ذلكَ".
اهـ
وهذا التنبيهُ الأخيرُ من ابنِ حَجَرٍ فيهِ رَدٌّ على مَنْ جاءَ بَعْدَهُ من الذينَ اسْتَعْظَمُوا تلكَ الْمُعجِزاتِ وحاوَلُوا تَشكيكَ المسلمينَ فيها معَ ثُبوتِها قَطْعًا، كما فَعَلَ عددٌ من المُسْتَشْرِقينَ ومَنْ نَحَا نَحْوَهم من العَقْلَانِيِّينَ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
صلى, ولادته

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir