دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 08:34 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ
مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ

وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا إِقْرَارُ وَضْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ, قَالًا أَوْ حَالًا, وَمِنْ ذَلِكَ رَكَاكَةُ أَلْفَاظِهِ, وَفَسَادُ مَعْنَاهُ, أَوْ مُجَازَفَةٌ فَاحِشَةٌ, أَوْ مُخَالَفَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ.
فَلَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ, إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ, لِيَحْذَرَهُ مَنْ يَغْتَرُّ بِهِ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالْعَوَامِّ والرِّعَاعِ.
وَالْوَاضِعُونَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ:
مِنْهُمْ زَنَادِقَةٌ، وَمِنْهُمْ مُتَعَبِّدُونَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا, يَضَعُونَ أَحَادِيثَ فِيهَا تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ, وَفِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ, لِيُعْمَلَ بِهَا.
وهؤُلاءِ طَائِفَةٌ مِنَ الكرَّاميَّةِ وغيرِهِم، وهُم مِن أَشَرِّ ما فَعَلَ هذا؛ لِمَا يَحْصُلُ بضَرَرِهِم مِنَ الغَرَرِ على كَثِيرٍ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ صَلاحُهُم فيَظُنُّ صِدْقَهُمْ، وهُم شَرٌّ مِن كُلِّ كَذَّابٍ في هذا البابِ.
وقَد انْتَقَدَ الأئمةُ كُلَّ شيءٍ فَعَلُوه مِن ذلك، وسَطَّرُوهُ علَيْهِم في زُبُرِهِمْ عارًا على واضِعي ذلك في الدُّنيا، ونارًا وشَنارًا في الآخرةِ، قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مِقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) وهذا مُتَوَاتِرٌ عنه.
قالَ بَعْضُ هؤلاءِ الجَهَلَةِ: نَحْنُ ما كَذَبْنَا عليه وإنَّمَا كَذَبْنَا له، وهذا مِن كَمالِ جَهْلِهِم، وقِلَّةِ عَقْلِهم، وكَثْرَةِ فُجُورِهِم وافتِرائِهِم؛ فإنه -عليه السلامُ- لا يَحْتَاجُ في كَمالِ شَرِيعَتِهِ وفَضْلِهَا إلى غَيْرِه.
وقَد صَنَّفَ الشيخُ أَبو الْفَرَجِ الجَوْزِيُّ كِتابًا حَافلًا في المَوْضُوعاتِ، غيرَ أنه أَدْخَلَ فيه ما لَيْسَ منه، وخَرَجَ عنه مَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذِكْرُه، فسَقَطَ علَيْهِ ولم يَهْتَدِ إلَيْهِ.
وقد حُكِيَ عن بعضِ المتكلِّمِينَ إنكارُ وُقوعِ الوَضْعِ بالكُلِّيَّةِ، وهذا القائلُ إمَّا أنه لا وُجودَ له أَصْلًا، أو أنه في غَايةِ البُعْدِ عَنْ مُمارَسَةِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
وقد حَاوَلَ بَعْضُهُمُ الرَّدَّ عليه بأنه قَدْ وَرَدَ في الحديثِ أنه -عليهِ السلامُ- قالَ: "سَيُكْذَبُ عَلَيَّ" فإن كانَ هذا الخبرُ صَحِيحًا فسَيَقَعُ الكَذِبُ عليه لا مَحالَةَ، وإن كانَ كَذِبًا فقد حَصَلَ المَقْصُودُ، فأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بأنه لا يَلْزَمُ وُقوعُه إلى الآنِ إِذْ بَقِيَ إلى يومِ القِيَامَةِ أَزْمَانٌ يُمْكِنُ أن يَقَعَ فيها ما ذُكِرَ.
وهذا القولُ والاستدلالُ عليه والجوابُ عنه مِن أَضْعَفِ الأشياءِ عِندَ أَئِمَّةِ الحديثِ وحُفَّاظِهِمُ الذين كانُوا يتَضَلَّعُونَ من حِفظِ الصِّحاحِ، ويَحْفَظُونَ أَمْثَالَها وأَضْعَافَها مِنَ المَكْذُوباتِ خَشْيَةَ أَنْ تَرُوجَ عَلَيْهِم أو على أحدٍ مِنَ الناسِ -رَحِمَهُمُ اللهُ ورَضِيَ عَنْهُم.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ


مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ الْمَصْنُوعِ:
وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا إِقْرَارُ وَضْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ, قَالًا أَوْ حَالًا, وَمِنْ ذَلِكَ رَكَاكَةُ أَلْفَاظِهِ, وَفَسَادُ مَعْنَاهُ, أَوْ مُجَازَفَةٌ فَاحِشَةٌ, أَوْ مُخَالَفَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ[1].
فَلَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ, إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ, لِيَحْذَرَهُ مَنْ يَغْتَرُّ بِهِ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالْعَوَامِّ والرِّعَاعِ.
وَالْوَاضِعُونَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ:
مِنْهُمْ زَنَادِقَةٌ، وَمِنْهُمْ مُتَعَبِّدُونَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا, يَضَعُونَ أَحَادِيثَ فِيهَا تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ, وَفِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ, لِيُعْمَلَ بِهَا.
وهؤُلاءِ طَائِفَةٌ مِنَ الكرَّاميَّةِ وغيرِهِم، وهُم مِن أَشَرِّ ما[2] فَعَلَ هذا؛ لِمَا يَحْصُلُ بضَرَرِهِم مِنَ الغَرَرِ على كَثِيرٍ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ صَلاحُهُم فيَظُنُّ صِدْقَهُمْ، وهُم شَرٌّ مِن كُلِّ كَذَّابٍ في هذا البابِ[3].
وقَد انْتَقَدَ الأئمةُ كُلَّ شيءٍ فَعَلُوه مِن ذلك، وسَطَّرُوهُ علَيْهِم في زُبُرِهِمْ عارًا على واضِعي ذلك في الدُّنيا، ونارًا وشَنارًا في الآخرةِ، قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: [مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مِقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ] وهذا مُتَوَاتِرٌ عنه.
قالَ بَعْضُ هؤلاءِ الجَهَلَةِ: نَحْنُ ما كَذَبْنَا عليه وإنَّمَا كَذَبْنَا له، وهذا مِن كَمالِ جَهْلِهِم، وقِلَّةِ عَقْلِهم، وكَثْرَةِ فُجُورِهِم وافتِرائِهِم؛ فإنه -عليه السلامُ- لا يَحْتَاجُ في كَمالِ شَرِيعَتِهِ وفَضْلِهَا إلى غَيْرِه.
وقَد صَنَّفَ الشيخُ أَبو الْفَرَجِ الجَوْزِيُّ كِتابًا حَافلًا في المَوْضُوعاتِ، غيرَ أنه أَدْخَلَ فيه ما لَيْسَ منه، وخَرَجَ عنه مَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذِكْرُه، فسَقَطَ علَيْهِ ولم يَهْتَدِ إلَيْهِ[4].
وقد حُكِيَ عن بعضِ المتكلِّمِينَ إنكارُ وُقوعِ الوَضْعِ بالكُلِّيَّةِ، وهذا القائلُ إمَّا أنه لا وُجودَ له أَصْلًا، أو أنه في غَايةِ البُعْدِ عَنْ مُمارَسَةِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
وقد حَاوَلَ بَعْضُهُمُ الرَّدَّ عليه بأنه قَدْ وَرَدَ في الحديثِ أنه -عليهِ السلامُ- قالَ: "سَيُكْذَبُ عَلَيَّ" فإن كانَ هذا الخبرُ صَحِيحًا فسَيَقَعُ الكَذِبُ عليه لا مَحالَةَ، وإن كانَ كَذِبًا فقد حَصَلَ المَقْصُودُ، فأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بأنه لا يَلْزَمُ وُقوعُه إلى الآنِ إِذْ بَقِيَ إلى يومِ القِيَامَةِ أَزْمَانٌ يُمْكِنُ أن يَقَعَ فيها ما ذُكِرَ.
وهذا القولُ والاستدلالُ عليه والجوابُ عنه مِن أَضْعَفِ الأشياءِ عِندَ أَئِمَّةِ الحديثِ وحُفَّاظِهِمُ الذين كانُوا يتَضَلَّعُونَ من حِفظِ الصِّحاحِ، ويَحْفَظُونَ أَمْثَالَها وأَضْعَافَها مِنَ المَكْذُوباتِ خَشْيَةَ أَنْ تَرُوجَ عَلَيْهِم أو على أحدٍ مِنَ الناسِ -رَحِمَهُمُ اللهُ ورَضِيَ عَنْهُم[5].


[1] نقل السيوطي في التدريب عن ابن الجوزي قال: ((ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع. قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجًا عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة)).

[2] هكذا بالأصل، ولعله (من فعل هذا) لأن (ما) لما لا يعقل، أو نزلهم منزلة ما لا يعقل.

[3] الكرامية -بتشديد الراء- قوم من المبتدعة، نسبوا إلى أحد المتكلمين واسمه محمد بن كرام السجستاني. وقولهم هذا مخالف لإجماع المسلمين، وعصيان صريح للحديث المتواتر عنه صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار).
وقد جزم الشيخ محمد أبو الجويني -والد إمام الحرمين- بتكفير من وضع حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدًا إلى ذلك عالما بافترائه. وهو الحق.

[4] ألف الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي كتابا كبيرا في مجلدين. جمع فيه كثيرا من الأحاديث الموضوعة، أخذ غالبه من كتاب الأباطيل للجوزقاني. ولكن أخطأ في بعض أحاديث انتقدها عليه الحفاظ.
قال الحافظ ابن حجر: (غالب ما في كتاب ابن الجوزي موضوع. والذي ينتقد عليه بالنسبة إلى ما لا ينتقد قليل جدًّا. وفيه من الضرر أن يظن ما ليس بموضوع موضوعا، عكس الضرر بمستدرك الحاكم، فبأنه يظن ما ليس بصحيح صحيحا. ويتعين الاعتناء بانتقاد الكتابين، فإن الكتابين في تساهلهما عدم الانتفاع بهما إلا لعالم بالفن، لأنه ما من حديث إلا ويمكن أن يكون قد وقع فيه التساهل)).
وقد لخص الحافظ السيوطي كتاب الجوزي، وتتبع كلام الحفاظ في تلك الأحاديث، خصوصا كلام الحافظ ابن حجر في تصانيفه وأماليه، ثم أفرد الأحاديث المتعقبة في كتاب خاص، هما: (اللآلئ المصنوعة)، و(ذيل اللآلئ المصنوعة).
وألف ابن حجر كتاب (القول المسدد في الذب عن المسند) أي مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ذكر فيه أربعة وعشرين حديثًا من المسند، جاء بها ابن الجوزي في الموضوعات وحكم عليها بذلك. ورد عليه ابن حجر ودفع قوله. ألف السيوطي ذيلا عليه ذكر فيه أربعة عشر حديثًا أخرى كتلك من المسند ثم ألف ذيلا لهذين الكتابين سماه:
(القول الحسن في الذب عن السنن) أورد فيه مائة وبضعة وعشرين حديثا -من السنن الأربعة- حكم ابن الجوزي بأنها موضوعة، ورد عليه حكمه.
ومن غرائب تسرع الحافظ ابن الجوزي في الحكم بالوضع، أنه زعم وضع حديث في صحيح مسلم، وهو حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر)). رواه أحمد في المسند (رقم 8059 ج2 ص 208) وهو في صحيح مسلم (ج2 ص 355). قال ابن حجر في القول المسدد (ص 31): (ولم أقف في كتاب الموضوعات لابن الجوزي على شيء حكم عليه بالوضع وهو في أحد الصحيحين غير هذا الحديث، وإنها لغفلة شديدة منه!).

[5] الخبر الموضوع: هو المختلق المصنوع، وهو الذي نسبه الكذابون المفترون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شر أنواع الرواية، ومن علم أن حديثا من الأحاديث موضوع فلا يحل له أن يرويه منسوبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا مقرونا ببيان وضعه. وهذا الحظر عام في جميع المعاني، سواء الأحكام، والقصص، والترغيب والترهيب وغيرها. لحديث سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكذابين)) رواه مسلم في صحيحه ورواه أحمد وابن ماجه عن سمرة. وقوله ((يرى)) فيه روايتان بضم الياء وبفتحها، أي بالبناء للمجهول وبالبناء للمعلوم. وقوله (الكاذبين) فيه روايتان أيضًا. بكسر الباء وبفتحها، أي بلفظ الجمع وبلفظ المثنى. والمعنى على الروايتين في اللفظين صحيح. فسواء أعلم الشخص أن الحديث الذي يرويه مكذوب، بأن كان من أهل العلم بهذه الصناعة الشريفة، أم لم يعلم، إن كان من غير أهلها، وأخبره العالم الثقة بها-: فإنه يحرم عليه أن يحدث بحديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مع بيان حاله فلا بأس، لأن البيان يزيل من ذهن السامع أو القارئ ما يخشى من اعتقاد نسبته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
ويعرف وضع الحديث بأمور كثيرة، يعرفها الجهابذة النقاد من أئمة هذا العلم:
منها: إقرار واضعه بذلك. كما روى البخاري في التاريخ الأوسط عن عمر بن صبح بن عمران التميمي أنه قال: أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. وكما أقر ميسرة بن عبد ربه الفارسي أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن، وأنه وضع في فضل علي سبعين حديثا. وكما أقر أبو عصمة نوح بن أبي مريم، والملقب بنوح الجامع، أنه وضع على ابن عباس أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة.
ومنها: ما ينزل منزلة إقراره: كأن يحدث عن شيخ بحديث لا يعرف إلا عنده، ثم يسأل عن مولده، فيذكر تاريخا معينا، ثم يتبين من مقارنة تاريخ ولادة الراوي بتاريخ وفاة الشيخ المروي عنه أن الراوي ولد بعد وفاة شيخه، أو أن الشيخ توفي والراوي طفل لا يدرك الرواية، أو غير ذلك. كما ادعى مأمون بن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار فسأله الحافظ ابن حبان: متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين، فقال له: فإن هشاما الذي تروي عنه مات سنة 245، فقال: هذا هشام بن عمار آخر!!
وقد يعرف الوضع أيضًا بقرائن في الراوي، أو المروي، أو فيهما معا.
فمن أمثلة ذلك: ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال: (كنت عند سعد بن طريف، فجاء ابنه من الكتاب يبكي، فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: (معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين!!). وسعد بن طريف قال فيه ابن معين (لا يحل لأحد أن يروي عنه). وقال ابن حبان: (كان يضع الحديث). وراوي القصة عنه، سيف بن عمر، قال فيه الحاكم: (اتهم بالزندقة. وهو في الرواية ساقط).
وقيل لمأمون بن أحمد الهروي: (ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟! فقال: حدثنا أحمد بن عبد الله- كذا في لسان الميزان (ج5 ص 7- 8) وفي التدريب: (ص 10) أحمد بن عبد البر- حدثنا عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس، مرفوعًا: (يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة، هو سراج أمتي).
وكما فعل محمد بن عكاشة الكرماني الكذاب. قال الحاكم: (بلغني أنه كان ممن يضع الحديث حسبة. فقيل له: إن قوما يرفعون أيديهم في الركوع وعند الرفع منه؟ فقال: حدثنا المسيب بن واضح حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له! فهذا مع كونه كذبا من أنجس الكذب، فإن الرواية عن الزهري بهذا السند بالغة مبلغ القطع بإثبات الرفع عند الركوع وعند الاعتدال. وهي في الموطأ وسائر كتب الحديث). اهـ من لسان الميزان (ج5 ص 288- 289).
ومن القرائن في المروي: أن يكون ركيكًا لا يعقل أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وضعت أحاديث طويلة، يشهد لوضعها ركاكة لفظها ومعانيها.
قال الحافظ ابن حجر: (المدار في الركة على ركة المعنى. فحيثما وجدت دلت على الوضع، وإن لم ينضم إليها ركة اللفظ؛ لأن هذا الدين كله محاسن. والركة ترجع إلى الرداءة. أما ركاكة اللفظ فقط فلا تدل على ذلك، لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغير ألفاظه بغير فصيح. نعم، إن صرح بأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكاذب).
وقال الربيع بن خثيم: (إن للحديث ضوءًا كضوء النهار، تعرفه، وظلمة كظلمة الليل، تنكره).
وقال ابن الجوزي: (الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب). قال البلقيني: (وشاهد هذا: أن إنسانًا لو خدم إنسانًا سنين، وعرف ما يحب وما يكره، فادعى إنسان أنه يكره شيئًا يعلم ذلك أنه يحبه، فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه).
وقال الحافظ ابن حجر: (ومما يدخل في قرينة حال المروي ما نقل عن الخطيب عن أبي بكر بن الطيب: أن من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفا للعقل، بحيث لا يعقل التأويل. ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة، أو يكون منافيا لدلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي. أما المعارضة مع إمكان الجمع فلا. ومنها ما يصرح بتكذيب رواة جمع المتواتر، أو يكون خبرا عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع، ثم لا ينقله منهم إلا واحد. ومنها الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعد العظيم على الفعل الحقير. وهذا كثير في حديث القصاص، والأخير راجع إلى الركة).
قال السيوطي: (ومن القرائن كون الراوي رافضيًّا والحديث في فضائل أهل البيت).
ومن المخالف للعقل ما رواه ابن الجوزي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده مرفوعا: أن سفينة نوح طافت بالبيت معا، وصلت عند المقام ركعتين! فهذا من سخافات عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم. وقد ثبت عنه من طريق أخرى نقلها في التهذيب (ج6 ص 179) عن الساجي عن الربيع عن الشافعي قال: (قيل لعبد الرحمن بن زيد: حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين!؟ قال نعم!). وقد عرف عبد الرحمن بمثل هذه الغرائب، حتى قال الشافعي فيما نقل في التهذيب: (ذكر رجل لمالك حديثا منقطعًا، فقال اذهب إلى عبد الرحمن بن يزيد يحدثك عن أبيه عن نوح).
وروى ابن الجوزي أيضًا من طريق محمد بن شجاع الثلجي -بالثاء المثلثة والجيم- عن حبان- بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة- بن هلال عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعا: إن الله خلق الفرس فأجراها، فعرقت، فخلق نفسه منها!! قال السيوطي في التدريب: (هذا لا يضعه مسلم، والمتهم به محمد بن شجاع. كان زائفًا في دينه، وفيه أبو المهزم، قال شعبة: رأيته، لو أعطي درهما وضع خمسين حديثًا!).
والأسباب التي دعت الكذابين الوضاعين إلى الافتراء ووضع الحديث كثيرة:
فمنهم الزنادقة، الذين أرادوا أن يفسدوا على الناس دينهم، لما وقر في نفوسهم من الحقد على الإسلام وأهله، يظهرون بين الناس بمظهر المسلمين، وهم المنافقون حقا.
قال حماد بن زيد: (وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث).
كعبد الكريم بن أبي العوجاء قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة، على الزندقة بعد سنة 160، في خلافة المهدي، ولما أخذ لتضرب عنقه قال: (لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل الحرام).
وكيان بن سمعان النهدي، من بني تميم، ظهر بالعراق بعد المائة، وادعى -لعنه الله- إلاهية علي -كرم الله وجهه- وزعم مزاعم فاسدة. ثم قتله خالد بن عبد الله القسري. وأحرقه بالنار.
وكمحمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب: قال أحمد بن حنبل: (قتله أبو جعفر المنصور في الزندقة، حديثه حديث موضوع).
وقال أحمد بن صالح المصري: (زنديق ضربت عنقه، وضع أربعة آلاف حديث عند هؤلاء الحمقى، فاحذروها). وقال الحاكم أبو أحمد: (كان يضع الحديث، صلب على الزندقة).
وحكى عنه الحاكم أبو عبد الله: أنه روى عن حميد عن أنس مرفوعا: أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، إلا أن يشاء الله. وقال: (وضع هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة والدعوة إلى التنبي).
ومنهم أصحاب الأهواء والآراء التي لا دليل لها من الكتاب والسنة، وضعوا أحاديث نصرة لأهوائهم، كالخطابية، والرافضة، وغيرهم.
كان عبد الله بن يزيد المقرئ: (أن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه! فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثًا!).
وقال حماد بن سلمة: (أخبرني شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث).
وقال أبو العباس القرطبي صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم: (استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبة قولية، فيقولون في ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا!! ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوى الفقهاء ولأنهم لا يقيمون لها سندا. نقله السخاوي في شرح ألفية العراقي ص 111، والمتبولي في مقدمة شرحه الجامع الصغير.
ومنهم القصاص يضعون الأحاديث في قصصهم، قصدا للتكسب والارتزاق، وتقريبا للعامة بغرائب الروايات. ولهم في هذا غرائب وعجائب، وصفاقة وجد لا توصف.
كما حكى أبو حاتم البستي: أنه دخل مسجدًا، فقام بعد الصلاة شاب فقال: (حدثنا أبو خليفة: حدثنا أبو الوليد عن شعبة عن قتادة عن أنس) وذكر حديثًا، قال أبو حاتم: (فلما فرغ دعوته، قلت: رأيت أبا خليفة؟ قال لا، قلت كيف تروي عنه ولم تره؟ فقال: إن المناقشة معنا من قلة المروءة! أنا أحفظ هذا الإسناد، فكلما سمعت حديثا ضممته إلى هذا الإسناد!).
وأغرب منه ما روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن جعفر بن محمد الطيالي قال: (صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب، وريشه من مرجان! وأخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة! فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال له: حدثته بهذا؟ فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة، فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات، ثم قصد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن معين بيده: تعال، فجاء متوهما لنوال، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟! فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين! فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققت هذا إلا الساعة! كأن ليس فيها يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما! وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين! فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما)!.
وأكثر هؤلاء القصاص جهال، تشبهوا بأهل العلم، واندسوا بينهم، فأفسدوا كثيرا من عقول العامة.
ويشبههم بعض علماء السوء، الذين اشتروا الدنيا بالآخرة، وتقربوا إلى الملوك والأمراء والخلفاء، بالفتاوى الكاذبة، والأقوال المخترعة، التي نسبوها إلى الشريعة البريئة واجترؤوا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إرضاء للأهواء الشخصية، ونصرا للأغراض السياسية، فاستحبوا العمى على الهدى.
كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي الكذاب الخبيث، كما وصفه إمام أهل الجرح والتعديل، يحيى بن معين:
فإنه دخل على أمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين، قال: حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح، فأمر له المهدي ببدرة، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم! ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه.
وفعل نحوا من ذلك مع أمير المؤمنين الرشيد، فوضع له حديثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطير الحمام. فلما عرضه على الرشيد قال: اخرج عني، فطرده عن بابه.
وكما فعل مقاتل بن سليمان البلخي، من كبار العلماء بالتفسير، فإنه كان يتقرب إلى الخلفاء بنحو هذا.
حكى أبو عبيد الله وزير المهدي قال: (قال لي المهدي: ألا ترى إلى ما يقول لي هذا -يعني مقاتلا-؟ قال: (إذا شئت وضعت لك أحاديث في العباس؟ قلت: لا حاجة لي فيها).
وشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضررا قوم ينسبون أنفسهم إلى الزهد والتصوف، لم يتحرجوا من وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، احتسابا للأجر عند الله، ورغبة في حض الناس على عمل الخير واجتناب المعاصي، فيما زعموا، وهم بهذا العمل يفسدون ولا يصلحون.
وقد اغتر بهم كثير من العامة وأشباههم، فصدقوهم، ووثقوا بهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، وليسوا موضعا للصدق، ولا أهلا للثقة.
وبعضهم دخلت عليه الأكاذيب جهلا بالسنة، لحسن ظنهم وسلامة صدورهم فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتميز الخطأ من الصواب، وهؤلاء أخف حالا، وأقل إثما من أولئك.
ولكن الوضاعون منهم أشد خطرًا، لخفاء حالهم على كثير من الناس، ولولا رجال صدقوا في الإخلاص لله. ونصبوا أنفسهم للدفاع عن دينهم، وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفنوا أعمارهم في التمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، وهم أئمة السنة وأعلام الهدى:
لولا هؤلاء لاختلط الأمر على العلماء والدهماء، ولسقطت الثقة بالأحاديث:
رسموا قواعد النقد، ووضعوا علم الجرح والتعديل، فكان من عملهم علم مصطلح الحديث، وهو أدق الطرق التي ظهرت في العلم للتحقيق التاريخي، ومعرفة النقل الصحيح من الباطل.
فجزاهم الله عن الأمة والدين أحسن الجزاء، ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين.
وقد قيل لعبد الله بن المبارك الإمام الكبير: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون).
ومن الأحاديث الموضوعة المعروفة: الحديث المروي عن أبي بن كعب مرفوعًا في فضائل القرآن سورة سورة. وقد ذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم، كالمثنى والواحدي والزمخشري والبيضاوي. وقد أخطئوا في ذلك خطأ شديدا.
قال الحافظ العراقي: (لكن من أبرز إسناده منهم كالأولين يعني الثعلي والواحدي -فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه. وأما من لم يبرز سنده وأورده بصيغة الجزم- فخطؤه أفحش).
وأكثر الأحاديث الموضوعة كلام اختلقه الواضع من عند نفسه. وبعضهم جاء لكلام بعض الحكماء، أو لبعض الأمثال العربية، فركب لها إسنادًا مكذوبا، ونسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من قوله.
وقد يأتي الوضع من الراوي غير مقصود له، وليس هذا من باب الموضوع، بل هو من باب المدرج، كما حدث لثابت بن موسى الزاهد في حديث: (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنار) وقد سبق تفصيلا في باب المدرج.


  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)



القارئ:
النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع
وعلى ذلك شواهد كثيرة؛منها: إقرار واضعه على نفسه قالا أو حالا، ومن ذلك ركاكة ألفاظه,وفساد معناه,أو مجازفة فاحشة,أو مخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة.
فلا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه؛ ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع.
والواضعون أقسام كثيرة:
منهم زنادقة,ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب وفي فضائل الأعمال وليعمل بها، وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم,وهم من أشر ما فعل هذا؛لما يحصل بضرره من الغرة على كثير ممن يعتقد صلاحهم,فيظن صدقهم,وهم شر من كل كذاب في هذا الباب.
وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك,وسطروه عليهم في زبرهم عاراً على واضعي ذلك في الدنيا ونارا وشنارا في الآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).وهذا متواتر عنه.
قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليك,إنما كذبنا لك.
وهذا من كمال جهلهم,وقلة عقلهم,وكثرة فجورهم وافترائهم؛فإنه عليه السلام لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره.
وقد صنف الشيخ أبو الفرج بن الجوزي كتابا حافلاً في الموضوعات,غير أنه أدخل فيه ما ليس منه,وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره,فسقط عليه ولم يهتد إليه.
وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية,وهذا القائل إما أنه لا يوجد له أصلاً,أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية.
وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه عليه السلام قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب عليه لا محالة,وإن كان كذباً فقد حصل المقصود.
فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن؛إذ قد بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه,والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم,الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات؛خشية أن تروج عليهم أو على أحد من الناس رحمهم الله ورضي عنهم.

الشيخ: النوع الحادي والعشرون: الموضوع وذكره,وإضافته إلى أنواع الأحاديث كما قال الخطابي: شر الأحاديث الموضوع.
ثم تتابع أهل العلم على ذلك؛إما لأنه يدخل في عموم ما يتحدث به، أو على حد زعم واضعه، الواضع يزعم أنه حديث وإلا ليس هو من السنة بقبيل,ولا دليل المختلق (غير مسموع) المكذوب المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً، لا تجوز روايته إلا على جهة التحذير منه,ولا يجوز إلقاؤه بين عامة الناس كما يفعله بعض القصاص والوعاظ إلا مقروناً ببيان درجته.
وإذا كان الأمر في السابق يكتفى فيه بذكر السند,ثم اكتفوا بقولهم: هذا حديث موضوع,أو باطل,أو لا أصل له فإنه في هذه الأزمان لا يكفي حتى يقال باللفظ المعروف أنه مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا خفي معنى الموضوع على بعض من ينتسب إلى العلم، فلأن يخفى على العامة من باب أولى.
فالحافظ العراقي رحمه الله حكم على حديث بأنه باطل مكذوب لا أصل له,فقال له شخصينتسب إلى العلم من العجم: كيف تقول هذا مكذوب وهو مروي في كتب السنة بالأسانيد.فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي بسنده,فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع.
وحينئذ لا يكفي في الوقت الحاضر أن يقال على المنبر: هذا حديث موضوع,أو يتحدث إلى عامة الناس ويأتي بحديث قد تشربه قلوبهم ثم يقول: موضوع,(إيش) معنى موضوع؟ ما يفهم؛لا بد أن يبين البيان الذي تبرأ به الذمة.
الموضوعات عليها دلائل,والواضعون أقسام وأصناف,وأهدافهم مختلفة، يقول: "على ذلك شواهد كثيرة" يعني مما يستدل به على وضع الحديث "إقرار واضعه على نفسه قالا أو حالا" يعني: بلسان المقال أو بلسان الحال,بأن يعترف بأنه وضع هذا الحديث.
وقد اعترف كثير من الوضاعين بأنهم وضعواأحاديث,لا سيما من تاب,إما وضعوا أحاديث روجوها منها لإفساد الدين على أهله,أو حسبة كما يزعم بعضهم,إقرار واضعه على نفسه,الرجل كذاب فكيف يقبل إقراره؟ ابن دقيق العيد ينازع يقول: كيف نقبل إقرار هذا الواضع وهو كذاب؟
نعم إذا لم يأت الحديث إلا من طريقه نقبل,واعترافه على نفسه بالكذب يجرحه ويجعلنا لا نقبله,لكن لو قدر أنه أقر بأنه وضع حديثاً وهو مروي من طرق أخرى,لا عبرة بإقراره,لا سيما وأنه قد يعترف بوضع حديث، يأتي إلى حديث يستدل به خصمه إما مخالفه في المعتقد أو في المذهب فيقول: هو الذي وضع هذا الخبر,يعترف على نفسه بأنه وضع الخبر,نقول: لا,إقرارك مردود عليك, نعم أنت كذاب,وجميع ما ترويه ساقط,لكن يبقى أن هذا الحديث مروي من طرق أخرى بدونك؛لأنه قد يعترف بأنه وضع الخبر لإبطال حجة الخصم, "قالا" يعني: بلفظه,يقول: إنه وضع ذلك,"أو حالاً" بأن يذكر أنه روى هذا الحديث (غير مسموع) هذا الحديث,فيذكر أنه رواه عن شخص نعرف أنه مات قبل ولادته,نعرف أنه كذاب,ما رواه عن أحد.
"ومن ذلك ركاكة ألفاظه" الرسول علية الصلاة والسلام في ذروة الفصاحة والبلاغة,فإذا جاءنا لفظ ركيك وزعم لنا روايه أنه رواه باللفظ,ما رواه بالمعنى,نقول:أبداً,الرسول ما يقول مثل هذا الكلام,لكن إذا كان الخبر مروياً بالمعنى والرواية بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء بشروطها, قد تقصر عبارة الراوي,وقد تعوزه.. يعوزه الموقف إلى عبارة تكون أقل من مستوى عباراته عليه الصلاة والسلام.
"وفساد معناه" قد يكون معناه فاسداومخالفا لما ثبت في الكتاب، من أحسن ظنه بحجر نفعه، مخالف لجميع آيات التوحيد في القرآن,"ومجازفة فاحشة" على عمل يسير جداً أجر كبير,فنحكم مباشرة بسبب هذه المجازفة؛لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقول مثل هذا,إذا لم نقف على إسناده ولم يوجد في دواوين الإسلام المعتبرة، لكن إذا وجد له إسناد يصح في دواوين الإسلام وجدت المجازفة حسبما يتصوره السامع,وإلا فضل الله لا يحد: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) في الصحيحين: سبحان الله وبحمده مائة مرة,في دقيقة ونصف,ما تصل إلى دقيقتين، نقول: هذه مجازفة؟ لا,فكلامهم هذا فيما إذا لم نقف له على إسناد، فنحكم عليه، أما إذا وجدناه مرويا بالإسناد في دواوين الإسلام ووجدنا لإسناد صحيح (إيش) المعنى؟فضل الله سبحانه وتعالى عمر الإنسان كله ستون,سبعون سنة يعمل، هذه العبادات التي أمر بها ويترك هذه المحرمات,وقد يزاول بعضها ثم يتوب ستين سنة (وإيش) الجزاء؟
الجزاء جنات عرضها السماوات والأرض,فيها ما لا عين رأت,ولا أذن سمعت,ولا خطر على قلب بشر.
إذا أردنا أن نطلق المجازفة,هذه المجازفة,لكن هذه ثابتة في الكتاب والسنة,ماذا تقول؟ فليس الكلام هذا على إطلاقه, ونسمع كثيرا ممن يتصدى لإجابة الناس يقول: حديث من صلى الصبح في جماعة,وجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس,ثم صلى ركعتين فله أجر حجتين. نقول: هذه مجازفة,تكفي (غير مسموع) ما هو بصحيح جرب يا شيخ (خلي) واحد يجلس إلى أن تطلع الشمس أثقل من جبل,لكن تمر (غير مسموع) فالأمر ليس بالسهل على النفوس,هذه ليست مجازفة، نعم الخبر بجميع طرقه ما يسلم من مقال,لكن بمجموعها لا يقف عن درجة الحسن وفضل الله واسع, فضل الله واسع.
هل تعلمون أن من الناس من تجري حسناتهم مئات السنين بسبب (إيش؟) سن سنة حسنة، سن سنة حسنة,لو تصورنا أنه في القرن الثاني الآن له ألف وثلاثمائة سنة تجري حسناته,فضل الله واسع,له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فليس هذا من باب المجازفة,ولا نأخذ هذا الكلام على إطلاقه، نعم هو قرين، فإذا لم نقف إن الخبر على إسناد نقول: هذه (غير مسموع) وجه حسن,ولكن فضل الله لا يحد، الذنوب والمعاصي وإن كانت مثل زبد البحر تحط عن الشخص بسبب (إيش؟) سبحان الله وبحمده مائة مرة,في دقيقة ونصف.والله المستعان.
يقول: "فلا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه؛ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع".
لا سيما وأن الوضاعين تفننوا في الإدارات وهولوا بعض الأمور فقبل الناس منهم هذه الموضوعات وأولعوا بها.
"والواضعون أقسام: منهم زنادقة" يريدون إفساد الدين على أهله,وهؤلاء أمرهم واضح ومكشوف، لكن الإشكال فيمن بعدهم,ولذا هم شر أصناف الوضاعين، "قوم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب في فضائل الأعمال يعمل بها" حسبة, فالناس لثقتهم بهم,الناس عموماً يثقون فيمن يميل إلى العبادة عموماً,عموم الناس يثقون بهم,وهو أهل للثقة إذا كان على الجادة.
فهؤلاء المتعبدون وضعوا أحاديث في فضائل القرآن؛ لأنهم رأوا الناس انصرفوا إلى فقه أبي حنيفة,والمغازي لابن إسحاق,وتركوا كتاب الله,فوضعوا في فضائل السور سورة سورة، فلمكانتهم وعبادتهم وثق الناس بموضوعاتهم,وتداولوها.
ومن المؤسف جداً أن يتداولها بعض المفسرين نقلوها,الواحدي,البيضاوي,والزمخشري,ذكروا هذه الأحاديث في نهاية كل سورة,يذكرون فضل هذه السورة من هذا الخبر الموضوع الطويل في فضائل السور.
ولا شك أنهم أخطؤوا في هذا,ويزداد الخطأ حينما تذكر هذه الأحاديث ويبرر لها,كما فعل صاحب فتح البيان صاحب روح البيان.. فتح البيان غيره، روح البيان إسماعيل حقي (غير مسموع) له تفسير كبير اسمه روح البيان,أما فتح البيان لصديق غيره كتاب طيب تفسير نظيف في الجملة,لكن روح البيان لإسماعيل حقي تفسير صوفي,فيه ألفاظ غير عربية,وفيه ذكر هذه الأحاديث,وقد برر لذكره إياها يقول: إن صحت بها ونعمت,وإن لم تثبت فقد قال القائل: إنا لم نكذب عليه فلم نقع في الوعيد الذي ذكره في قوله عليه الصلاة والسلام: ((من كذب علي متعمداً)).هم ما كذبوا، لكل قوم وارث,هذا القول قيل به من قبل.
" وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم,وهم من أشر ما فعل هذا,أو من فعل هذا الأصل,من فعل هذا؛ لما يحصل بضرر من الغرر على كثير ممن يعتقد صلاحهم فيظن صدقهم, وهم شر من كل كذاب في هذا الباب". نعم لركون الناس إلى روايتهم,وثقة الناس بهم.
"وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك,وسطروه عليهم في زبرهم؛عاراً على واضعي ذلك في الدنيا ونارا وشنارا في الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا متواتر"
وهذا ما تواتر لفظه ومعناه,وهو من طرق,ومن جمع غفير من الصحابة، (ما تواتر حديث من كذب,ومن بنى لله بيتاً واحتسب) وأهل العلم قاطبة يحكمون عليه بالتواتر، وهو مقطوع بنسبته إليه عليه الصلاة والسلام، ومثل به شيخ الإسلام للمتواتر اللفظي في منهاج السنة، ومثل بفضائل أبي بكر وعمر للمتواتر المعنوي,وتحدث عن الآحاد في مواطن,وذكر أنها تفيد العلم بالقرائن.
وأكرر هذا الكلام؛لأنه يتردد كثيراً؛لأن تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد من صنع المتكلمين,ولا ينبغي أن يعتمد ولا (غير مسموع).فالله المستعان.
"قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه وإنما كذبنا له. وهذا من كمال جهلهم وقلة عقلهم وكثرة فجورهم وافترائهم؛فإنه عليه السلام لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره".
يعني: الدين صفاؤه ونقاؤه ووضوحه ليس بحاجة إلى ترويج، الدين في المشرق والمغرب,في الغالب انتشر من غير جهاد,نعم أدخل الناس وأرغموا على الدخول في دين الله,لكن كثير منهم دخل من غير جهاد,ولولا أولئك الأشرار الذين يصدون عن دين الله ما يتصور بعد أن جرب الناس وعانوا من الانحلال والخواء الفكري الذي يعيشه الناس، الذي أدى إلى عدد كبير منهم إلى الانتحار,لو يعرض الإسلام عرضا صحيح ويطبق تطبيقا صحيحا في واقع الناس ما بقى على الأرض,والله أعلم,شخص لا يدخل في دين الله.
وقد وجد من يدخل في دين الله من غير دعوة الآن,من غير دعوة,يبحثون عن المسلمين ويريدون الإسلام، قد جاء شخص إلى مكتب من مكاتب الدعوة في الهند وأعلن إسلامه,قال: أنا مسلم.. هو مسلم,ما السبب؟ هو هندوكي, السبب في ذلك قال: إنه ذهب ليحرق أمه فأشعل النار فأكلت النار الكفن,وبقيت الأم عارية أمام الناس، ما مستها النار,فبادر بجمع حطب كثير فأحرقها تبعاً لديانتهم واعتقادهم,لكن يرى أمه أمام الناس عارية,ويرى المسلمين ماذا يصنعون بموتاهم؟ يعني: في حال الموت مؤثر فضلاً عن حال.. #
فالإسلام ليس بحاجة إلى ترويج ينشر الإسلام الصحيح فيسلم الناس, الإسلام دين العدل,دين الإنصاف.والله المستعان.
"وقد صنف الشيخ أبو الفرج بن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات,غير أنه أدخل فيه ما ليس منه,وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره,فسقط عليه,ولم يهتد إليه".
ابن الجوزي صنف كتاب الموضوعات,وهو كتاب حافل,لكنه أدخل فيه ما لا يصل إلى حد الوضع,بل فيه الضعيف الكثير,وفيه الحسن,ويوجد الصحيح وإن كان قليلا, بل فيه ما هو في صحيح مسلم,وفيه حديث ذكر أنه في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر,يعني: ما هوبالرواية المشهورة,لكن في رواية حماد بن شاكر,والذي أوقعه في ذلك أنه يحكم على الحديث بمجرد ما يوجد في سنده من اتهم بالكذب أو كذاب,فيحكم على الحديث بأنه موضوع,وإن كانت له أسانيد أخر, وأما الضعيف وهو كثير جداً,ولذا يقول الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:
وأكثر الجامع فيه إذ خرج لمطلق الضعف عنى أبا الفرج


استدرك عليه أحاديث ينبغي أن تذكر في الموضوعات,فاستدرك السيوطي في اللآلئ وذيل اللآلئ,ومن جاء بعدهم,كصاحب تنزيه الشريعة وصاحب الفوائد المجموعة وغيرها من الكتب في الموضوعات.
"وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية" يقول: ما يمكن يوجد حديث موضوع، هذا لا عناية له بعلم الحديث,فقال: إن الحديث يوجد حديث موضوع ما يمكن ما يتصور أن مسلما يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، والسنة من الوحي، {وما ينطق على الهوى إن هو إلا وحي يوحى} والوحي محفوظ: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ما يمكن أن يكذب عليه, عليه الصلاة والسلام.
يقول: "قد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية,وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً"هذا كلام ابن كثير "أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية. وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه عليه السلام قال: ((سيكذب علي))؛فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب لا محالة، وإن كان كذباً فيرد عمله، وقع حصل المقصود"
يقول ابن كثير: فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن" يعني: إلى أن قال هذا المتكلم ما قال,فهو نفى وجود الكذب إلى عصره، وقوله: ((سيكذب علي)) ما يلزم أن يكون الآن في هذه السنة, أوالتي قبلها,نعم أو في هذا العصر أو في الزمن الذي قبله إلى (غير مسموع).
"إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر" على كل حال الحديث يصلح للرد وإن قال الحافظ ابن كثير: "وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح,ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات؛خشية أن تروج عليهم أو على أحد من الناس رحمهم الله ورضي عنهم".
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في المنهاج,في منهاج السنة في الجزء السابع صفحة واحد وستين يقول: "نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً، وقد روي عنه أنه قال:((سيكذب علي)). فإن كان هذا الحديث صدقاً فلابد أن يكذب عليه,وإن كان كذباً فقد كذب عليه".
هذا كلام الشيخ رحمه الله,وكلام ابن كثير ما سمعته,الشيخ في المنهاج في الجزء السابع صفحة واحد وستين يقول: "نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً,وقد روي عنه أنه قال:((سيكذب علي)) فإن كان هذا الحديث صدقاً فلابد أن يكذب عليه,وإن كان كذباً فقد كذب عليه".
الرد حاصل على الوجهين (غير مسموع) نأخذ المقلوب نعم, إي هو طويل المقلوب,نأخذ المقلوب ها يا أحمد إي نأخذ المقلوب لا بأس نعم معرفة من تقبل روايته (مداخلة) إيش فيه؟ نعم من يتعمد الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام على خطر عظيم,مرتكب كبيرة موبقة من عظائم الأمور متوعد بالنار، ((فليتبوأ مقعده من النار)),لكنه لا يكفر عند جماهير العلماء,وإن قال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين بأنه يكفر,ونقل الحافظ الذهبي عن ابن الجوزي أنه إن كذب بتحليل حرام أو تحريم حلال أنه يكفر.
على كل حال هو على خطر عظيم، ومن كذب مرة واحدة ردت أخباره كلها وسقط الاحتجاج به,ولبس العار في الدنيا والآخرة,نسأل الله العافية.
والخلاف عند أهل العلم على ما سيأتي في قبول توبته,والخلاف في قبول توبته، وليس معنى هذا أنه إذا تاب التوبة النصوح شروطها أنه يتحتم عذابه في الآخرة,لا، هذا بينه وبين ربه,لكن معاملته في الدنيا إذا تاب يقبل خبره أو لا يقبل؟ نظيره من تاب من القذف، الذين يرمون المحصنات حكمهم الجلد ثمانين جلده {فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا}.فالاستثناء إذا تعقب جمل يعود إليها كلها,أو على الأخيرة منها,مسألة خلافية عند أهل العلم تأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى في حكم توبة الكذاب وفي قبولها,وخلاف أهل العلم في قبول توبته نعم.
(مداخلة) والله ما أدري (شوف) المقلوب إن كان أسعف وإلا لأن عندنا.. نريد نقف على معرفة من تقبل روايته ومن ترد، معرفة من تقبل روايته ومن ترد.
ـ.......
ـ نعم
ـ...................
ـإي ما يخالف (غير مسموع) نعم هات, نعم يا أحمد.


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع
وعلى ذلك شواهد كثيرة:
منها إقرار واضعه على نفسه قالا أو حالا،ومن ذلك ركاكة ألفاظه وفساد معناه،أو مجازفة فاحشة،أو مخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة .
فلا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه؛ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع.
والواضعون أقسام كثيرة:
منهم زنادقة،ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعا،ويضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب،وفي فضائل الأعمال؛ليعمل بها،وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم،وهم من أشر من فعل هذا؛لما يحصل بضررهم من الغرر على كثير ممن يعتقد صلاحهم،فيظن صدقهم وهم شر من كل كذاب في هذا الباب .
وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك وسطروه عليهم في زبرهم؛عارا على واضع ذلك في الدنيا،ونارا وشنارا في الآخرة .
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)). وهذا متواتر عنه .
وقال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه،إنما كذبنا له . وهذا من كمال جهلهم،وقلة عقلهم،وكثرة فجورهم وافترائهم؛فإنه عليه السلام لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره .
وقد صنف الشيخ أبو الفرج بن الجوزي كتابا حافلا في الموضوعات،غير أنه أدخل فيه ما ليس منه،وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره،فسقط عليه،ولم يهتد إليه .
وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية،وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلا،أو أنه في غاية البعد عن ممارسة علوم الشريعة،فقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((سيكذب علي)). فإن كان هذا الخبر صحيحا فسيقع الكذب عليه لا محالة،وإن كان كذبا فقد حصل المقصود .
فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن؛إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح،ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات؛خشية أن تروج عليهم أو على أحد من الناس رحمهم الله ورضي عنهم.

الشيخ: [كلام ليس له فائدة علمية] نعم انتهى بعده الحديث المقلوب .
(طيب) هذا الكلام الذي مر معنا يتعلق بالحديث الموضوع،وأردفه بقوله: المختلق المصنوع . فهذه ألفاظ مترادفة؛ فالمختلق والموضوع والمصنوع كلها بمعنى واحد،وكأنه أراد تعريف الحديث الموضوع من خلال هذا العنوان،لذلك لو أريد .. أو لو أردنا أن نضع تعريفا للحديث الموضوع،يمكن أن نقول: هو المكذوب أو المختلق أو المصنوع على النبي صلى الله عليه وسلم،كل هذا يمكن أن يكون تعريفا للحديث الموضوع،ونجد أن العلماء يدرجون الموضوع تحت أنواع الحديث الضعيف .
وههنا نكتة أحب التنبيه عليها: وذلك أن العلماء السابقين قد نجد الواحد منهم يذكر حديثا موضوعا ويحكم عليه بالضعف،فيأتي متعقب لا يعرف اصطلاحهم فيقول: هذا تساهل منه فالحديث موضوع،وإنما حكم عليه بالضعف .
وهذا يوقع في الوهم؛إذ قد يأتي إنسان فيغتر بحكم هذا الإمام ويعتقد أن هذا الحديث يمكن أن يصلح في الشواهد والمتابعات،ولعل من الأمثلة التي لو رجعتم إليها لوجدتم هذا الكلام صحيحا: حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من حديث عبد الله بن أبي أوفى،أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح))... إلى آخر كلامه في هذا المعنى فيما يتعلق بفضل الصائم .
فهذا الحديث لا يصح،ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،ولا عن ابن أبي أوفى،والذي رواه وتحمل تبعته -أي: هذا الحديث- راو يقال له: أبو داود سليمان بن عمرو النخعي،وهو كذاب،وكما قال الحافظ ابن حجر: رماه بالكذب ووضع الحديث أكثر من ثلاثين نفسا من أئمة الجرح والتعديل،فباتفاق أنه وضاع كذاب .
وهذا الحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان،ولكن حينما تنظرون إلى كلام البيهقي تجدون أنه حكم عليه بالضعف،ولذلك اغتر به بعض من جاء بعده كالسيوطي،فأورده في كتاب الجامع الصغير وحكم عليه بالضعف فقط،مع العلم أنه نص في خطبة الجامع على أنه تجنب ما تفرد به وضاع أو كذاب،فلا يورد في كتابه الجامع الصغير إلا الصحيح والحسن والضعيف .
ولذلك ما جعل رمزا للحديث الموضوع على اعتبار أن الموضوع لا يوجد في كتابه هذا، فهذا اغترار من السيوطي بحكم البيهقي،لكن البيهقي رحمه الله حينما حكم على هذا الحديث بالضعف إنما هو بناء على الحكم العام،على اعتبار أن الموضوع من أقسام الحديث الضعيف .
ومن تتبع كلام العلماء وجدهم فعلا يطلقون على الموضوع: الضعف،لذلك الضعف عندهم معناه واسع،فيدخل فيه الموضوع ويدخل فيه الضعيف جدا،ويدخل فيه الضعيف الذي ضعفه ضعف محتمل،كيف نستطيع أن نعرف هذا؟
من خلال تتبع الأسانيد،والنظر في كل حديث على حدة؛حتى نعرف أسباب الضعف ونحكم على الحديث بما يليق به وفق التقسيم الذي جاء بعد ذلك؛لأننا مضطرون إليه .
وأما الأوائل فلم يكونوا يهتمون بهذا التقسيم؛لأنهم كانوا يعرفون كل حديث على حدة،ويعرفون أن هذا الحديث يمكن أن يرتفع ضعفه،وهذا لا يرتفع ضعفه .
الحديث الموضوع أيها الإخوة هو شر أنواع الحديث،ونقصد بالحديث المردود؛وما ذاك إلا لأن الذي يرويه وهو المختلق له بالدرجة الأولى متهدد ومتوعد بعذاب منصوص عليه في الحديث المتواتر عنه صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).
وحتى لو لم يكن الناقل للحديث هو الذي وضعه،فإنه لا يجوز له بحال من الأحوال أن يروي ذلك الحديث إلا بأحد أمور ذكرتها لكم فيما سبق،ولا بأس أن أعيدها بهذا المقام؛لمناسبتها له:
فنستطيع أن نضع قاعدة عامة فنقول: لا تجوز رواية الحديث الموضوع بحال من الأحوال إلا بأحد ثلاثة أمور:
الأمر الأول: بقصد التحذير منه.
والأمر الثاني: بقصد التعليم . مثل ما سأورد عليكم في هذا المقام بعض الأحاديث الموضوعة لقصد التعليم والتنبيه على الحديث الموضع،وما هو الحديث الموضوع وهلم جرا .
والأمر الثالث: بقصد الامتحان،وسيرد معنا - إن شاء الله – بعض الأمثلة على الامتحان،ولكنهم اشترطوا في هذا أن يبين الممتحن أن ذلك الحديث موضوع قبل أن يفارق المجلس؛حتى لا يغتر به أحد فينقله على أنه حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ما عدا هذه الأمور الثلاثة فلا يجوز بحال من الأحوال رواية الحديث الموضوع،حتى لو رواه بسنده،لا تجوز له روايته إلا مع بيان أنه موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم .
ولذلك من ذكر الحديث الموضوع في مصنفاته من العلماء كما في كتاب (الحلية) لأبي نعيم،أو غيره،واعتبر أنه بمجرد روايته للسند يسقط التبعة عن نفسه،أخطأ في صنيعه هذا؛لأن الناس بعد ذلك ما كانوا يعرفون الأسانيد،فيظنون أن كل حديث مروي بإسناد أو كل.. بعضهم يعتقد أن كل حديث يقال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا،يعتقدون أن هذا ثابت وصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام .
بل أذكر أن حادثة وقعت،لا أدري هل هي للعراقي أو للسخاوي،أنه حينما سئل عن حديث من الأحاديث قال: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مكذوب وموضوع على النبي عليه الصلاة والسلام،فاعترض عليه معترض وقال: كيف تقول: إن هذا الحديث لا يصح ولا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام وابن الجوزي قد رواه في مصنفه الموضوعات؟!
اعتقد أن كتاب الموضوعات لابن الجوزي كتاب من كتب الحديث،ولم يعرف أن ابن الجوزي ألف هذا الكتاب لبيان أن هذه الأحاديث المودعة في هذا الكتاب كلها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم،فتعجب .
لا أدري هل هو العراقي أو السخاوي،لكن يغلب على ظني أنه السخاوي .
فتعجب من جهل الناس الذي أوصلهم إلى هذه الدرجة،بحيث لا يعرفون أن مثل هذا الكتاب متضمن الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم،ويأتي ليعترض عليه بهذا الاعتراض!.
على كل حال نخلص من هذا إلى أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يروى الحديث الموضوع إلا مع بيان وضعه،وأنه مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام .
ولذلك من يتساهل من الوعاظ أو الذين يتصدرون المنابر ولا يحققون ويدققون فيما يذكرونه من الأحاديث،هؤلاء على خطر عظيم،فليحتاطوا لأنفسهم،بل يجب على طلبة العلم أن ينشروا هذا المفهوم الصحيح في صفوف الناس،ومتى ما وجدوا إنسانا من الناس أخطأ وزل وأورد حديثا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكثر مناصحته؛حتى يعرف أن هناك أناسا ينتقدونه،فيتحرى ويبذل الجهد ولا يتقدم أمام الناس إلا بعد أن يمحص ويتأكد .
أما السكوت وطأطأة الرؤوس،فهذه لا تصلح؛لأن بعد ذلك ينتشر الجهل في صفوف الناس.
لكن هذا الإنكار على مثل هؤلاء،ينبغي أن يكون وفق الأدب،ووفق الحكمة التي ينبغي للداعي أن يستعملها،فيمكن أن يأتيه فيما بينه وبينه ويناصحه،أما لو قام وشهر به وفضحه على رؤوس الأشهاد،فهذه تعتبر فضيحة،وليست نصيحة،لكن لابد من البيان،ولابد من النصح،ولا يجوز السكوت بحال من الأحوال.

سؤال: ما هي طرق الوضاعين في صياغة الحديث الموضوع؟
جواب: نجد أن الوضاعين منهم من ينشئ كلاما من عند نفسه أساسا، لا يعني استقلالا،لا أساس لهذا الكلام،لا عن النبي صلى الله عليه وسلم،ولا عن صحابي،ولا عن حكمة من حكم القدماء،ولا عن بني إسرائيل،وإنما يأتي بالكلام من تلقاء نفسه فيضع له إسنادا وينسبه للنبي عليه الصلاة والسلام .
ومنهم من يأتي إلى حكمة قيلت فتعجبه،فيلفق لها إسنادا ويركبه على النبي صلى الله عليه وسلم،وهذه الحكمة إما أن تكون عن سالف أو خالف،فربما كانت عن أحد الأمم الماضية،وربما كانت عن أحد الصحابة أوالتابعين أو قول قيل في عصره .
ومنهم من يأتي إلى حديث ضعيف،ويسرق هذا الحديث فيركب له إسنادا من عند نفسه،إما إسنادا كاملا أو على الأقل ينسب هذا الحديث لنفسه عن شيخ من شيوخ ذلك الحديث.. أو من شيوخ ذلك الطريق،وهذا يحصل،وبخاصة من قبل الروافض الذين نشطوا في فترة معينة وبثوا كثيرا من الأحاديث بطريق التكثير الذي أوقع بعض الناس أحيانا في الحيرة،بل اغتربهم بعض الأئمة فظن أن ذلك الحديث يمكن أن يكون صحيحا بمجموع تلك الطرق،مثل حيث الطير أو حديث: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) .
حقيقة أنا حينما أورد مثل هذين المثالين؛لأنني عانيت منهما كثيرا، فقد خرجتهما في مختصر المستدرك؛لأن الحاكم أخرج هذين الحديثين،وهناك أحاديث غيرها ولكن هذان الحديثان من أشهر الأحاديث التي بهذه الصورة،وهما يدعوان للدهشة والعجب .
فأما حديث: ((أنا مدينة العلم)) ففيما أذكر أن مداره على أبي معاوية محمد بن خازم الضرير،يرويه عن الأعمش،والأعمش يرويه عن مجاهد،ومجاهد يرويه عن ابن عباس،وابن عباس يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه قال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها،فمن أراد العلم فليأت الباب)) .
نظر العلماء في هذا الحديث المروي عن الأعمش،وإذا بأساسه يرويه أبو الصلت عبد السلام بن صالح،عن أبي معاوية،هذا الذي يرويه عن الأعمش،وأبو معاوية من الأئمة الثقات،والأعمش ثقة أيضا،ومجاهد ثقة،وابن عباس صحابي،وكل من هؤلاء الرواة قد سمع ممن فوقه،تبقى مسـألة عنعنة الأعمش،هناك من يتساهل ويتسمح فيمشي عنعنة الأعمش، فيكون هذا الحديث الآن بهذه الصورة ظاهر سنده الصحة من عند الأعمش، فما فوق .
لكن من الذي روى هذا الحديث عن الأعمش؟ أبو الصلت عبد السلام بن صالح،اضطربت الأقوال فيه؛ فمن متهم له بالكذب،ومن موثق له،ثم نظر في هذا الحديث،وإذا به رواه متابعا لعبد السلام بن صالح،هذا جمع من الراوة،وأعدادهم كثيرة،أظنها تربو على الثلاثين،لكن فيما أذكر يبدو أنني جمعت منها حوالي أربع وعشرين طريقا،لكننا إذا ما تأملنا في تلك الطرق لا نجد منها طريقا واحدة تخلو من علة .
ومعظم هذه العلل كلها بسبب الجهالة،أو جهالة الحال،ولا نعرف أن هناك إسنادا سالما من العلة إلى أبي معاوية،أما ما بعد أبي معاوية فهذا يناقش مناقشة أخرى،لكن أن ينظر في الحديث في الأصل في ثبوته عن أبي معاوية،ولذلك من أحسن من تكلم عن هذا الحديث عبد الرحمن بن يحيى المعلمي،رحمة الله عليه،في تعليقه على فوائد المجموعة للشوكاني،فقال: ينبغي أن ينظر في هذا الحديث من جهتين:
الجهة الأولى: في ثبوته عن أبي معاوية .
والجهة الثانية: لا على فرض ثبوته عن أبي معاوية .
ثم بدأ يذكر العلل التي بعد ذلك،لكن الشاهد من هذا كله أن جميع من روى هذا الحديث عن أبي معاوية كلهم سرقوه من أبي الصلت عبد السلام بن صالح هذا،فما نوع السرقة؟
السرقة كأن ينظر أحد الروافض إلى هذا الحديث الذي رواه أبو الصلت هذا فيعجبه،فيريد أن يقويه ويعرف أن هذا الحديث تكلم فيه لأجل أبي الصلت،فيقول: حدثني أبو معاوية عن الأعمش،ثم يذكر الحديث،ولم يتتلمذ على أبي معاوية ولا رأى أبا معاوية،ولا شيء من ذلك .
هذا إذا كان بالإمكان أن يكون ممن روى عن أبي معاوية،كأن يكونا تعاصرا،فإذا ما طلبت ترجمة هذا الذي قال: حدثني أبو معاوية، لا تجد له ترجمة، وإن وجدت له ترجمة فلا تجد ما يشفيك في ترجمته .
وأحيانا قد يكون الذي أورد هذه الرواية المسروقة ممن تأخر عن عصر أبي معاوية،فيلصق هذا الحديث بأحد الثقات الذين يروون عن أبي معاوية،ولكن تأتي العلة فيمن دون ذلك الثقة،فيقول مثلا: حدثني أبو بكر بن أبي شيبة،عن أبي معاوية،فيكذب هذه الكذبة على أبي بكر بن أبي شيبة،وأبو بكر بن أبي شيبة بريء من هذا الحديث،فهذا يسمى سرقة الحديث،يأخذ حديث راو معين فينسبه إلى نفسه،فسرقة الحديث هذه أحيانا تكون لأحاديث ضعيفة،أو موضوعة .
والمراد من ذلك كله تقوية الحديث بتعداد الطرق،كما قلت لكم: إن هناك من اغتر من الأئمة بمثل هذا الحديث،وحديث الطير،فبعضهم اعتبر هذا الحديث صحيحا،وبعضهم اعتبره حسنا،وبعضهم ألف فيه رسالة مستقلة .
فعلى كل حال،من أراد الإسهاب في هذا،فليراجع التخريج الذي أشرت إليه في مختصر المستدرك،فأنا قد أطلت العبارة في ذلك الموضع،وليس مقصودي الآن بيان وضع تلك الأحاديث،ولكن المقصود الإشارة إلى ما هي سرقة الحديث أحيانا قد لا تكون السرقة لحديث ضعيف،وإنما لحديث صحيح،وهذا في الأعم الأغلب يصنعه بعض الوضاعين بقصد الشهرة واستمالة أنظار الناس إليهم؛حتى يكون عندهم ما ليس عند غيرهم،أي: يغربون بتلك الطرق ليلفتوا أنظار الناس إليهم.
وهذا كما صنعه حماد بن عمرو النصيبي في حديث أخرجه مسلم في صحيحه،أخرج مسلم في صحيحه من طريق سهيل بن أبي صالح،عن أبيه،عن أبي هريرة رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبدؤوا اليهود والنصاري بالسلام،وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه)). والحديث معروف،وإنما يرويه سهيل بن أبي صالح،عن أبيه،ولميروه عن أبي صالح إلا ابنه سهيل،فجاء حماد بن عمرو النصيبِي وعرف أن سهيل بن أبي صالح متكلم في حفظه،فلو أن هذا الحديث جاء من طريق الأعمش وهو جبل في الحفظ والإتقان،عن أبي صالخ،للفت أنظار الناس إليه،ومالوا إليه؛ليأخذوا عنه هذا الحديث الذي لا يوجد عند غيره،فقال: حدثني الأعمش،عن أبي صالح،عن أبي هريرة،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبدؤوا اليهود والنصاري بالسلام))... إلى آخر الحديث.
فهو سرق حديثا صحيحا مرويا في أحد الصحيحين،وإنما قصده من هذا الشهرة،وألصقه بالأعمش،والأعمش لم يرو هذا الحديث إطلاقا.
فهذه طرق الوضاعين في صياغة الحديث الموضوع .
أما كيف يعرف الحديث الموضوع؟ وكيف يستدل على أنه موضوع؟
فهذا يستدل عليه بقرائن كثيرة جدا،وهذه القرائن في الحقيقة لو أسهبت في ذكرها لما كفانا هذا الدرس،ولا درس يوم غد،ولكنني سأذكر أهمها وأحيل على الباقي في بعض الكتب،فأنصح من أراد الإفاضة في هذا أن يراجع كتاب (المنار المنيف) لابن القيم،وأن يراجع كتاب (الوضع في الحديث) لعمر حسن (غير مسموع) جزاه الله خيرا،والكتاب يقع في ثلاثة مجلدات،والحقيقة أنها دراسة جيدة للوضع في الحديث،فراجعوه إن شئتم .
لكن من أهم ما يستدل به على أن الحديث موضوع: أولا:وهو أعلى المقامات،إقرار الراوي نفسه بالوضع،ويمثلون لهذا بما فعله أبو عصمة نوح بن أبي مريم؛فإنه كان يروي حديثا عن عكرمة،عن ابن عباس،عن النبي صلى الله عليه وسلم،وهو حديث طويل في فضائل القرآن سورة سورة، ما من سورة من سور القرآن إلا ووضع لها فضلا،فسأله سائل وقال له: هذا الحديث الذي ترويه عن عكرمة عن ابن عباس من أين لك؟ فقال: هذا حديث وضعته؛حسبة وتقربا إلى الله؛لأني رأيت الناس شغلوا بفقه أبي حنيقة وبمغازي ابن إسحاق عن القرآن،فوضعت هذا الحديث حسبة لله.
فهذا الراوي أقر على نفسه بالوضع،والإقرار في الوضع هو أعلى المقامات التي يمكن أن يستدل على كذب الراوي بها.
إن لم يتحقق الإقرار،فهناك ما يتنزل منزلة الإقرار،وهذا هو الأمر الثاني أو القرينة الثانية التي يستدل بها على كذب الراوي،وعلى أن الحديث موضوع،قالوا: ما يتنزل منزلة الإقرار،والذي يتنزل منزلة الإقرار أسباب كثيرة جدا:
فمنها استحالة أن يكون ذلك الراوي أدرك ذلك الشيخ الذي أخذ عنه ذلك الحديث،وهذا مثل ما حصل لأحد الرواة الذين رووا بعض الأحاديث عن خالد بن معدان، فبلغ الخبر لإسماعيل بن عياش،وهو من تلاميذ خالد بن معدان، فقالوا: ههنا راو يحدث عن خالد بن معدان،فقال: سلوه متى لقي خالد بن معدان؟
فقال: لقيته في سنة ثلاث عشرة ومائة .
فقال: توفي خالد بن معدان قبل هذا التاريخ بسبع سنوات؛لأنه توفي في سنة ست ومائة .
فهذا يتنزل منزلة الإقرار بالوضع،يستدل من خلال التاريخ على أن هذا الراوي كذاب يضع الحديث .
ولذلك عني المحدثون بالتواريخ؛بتواريخ الولادة وتواريخ الوفاة،وغير ذلك من التواريخ،بل قالوا: لما استعملوا الرواة الكذب استعمل لهم التاريخ .
وهكذا صنع أيضا سفيان بن عيينة مع راو يقال له: أبو حذيفة البخاري؛فإنه أيضا ممن زعم أنه يروي عن عبد الله بن طاووس،فقال سفيان بن عيينة للذين نقلوا له الخبر: سلوه: متى لقي عبد الله بن طاووس؟ فقال: لقيته في سنة كذا وكذا،المهم أن سفيان قال لهم: أخبروه أن عبد الله بن طاووس توفي قبل ولادته بسنتين . فهذا أيضا يدلل على كذب ذلك الراوي .
ومن هذا القبيل أيضا حينما يكون هناك قرائن تدل أيضا على كذبه، وإن لم يكن بطريق التاريخ بهذه الصورة،مثل ذلك الراوي الذي أخذ يحدث عن عائشة رضي الله تعالى عنها،فقيل له: متى لقيت عائشة؟ قال: لقيتها بواسط . قالوا: هل رأيتها؟ قال: نعم،رأيتها أدماء . يعني: أن لونها يميل إلى السمار .
فهذا يستدل عليه بالكذب من ناحيتين:
أولا: أنه لا يمكن أن يرى عائشة رضي الله عنها؛لأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ما كن يبرزن لأحد إطلاقا،ولا يرى أحد منهن ولا ظفرا .
والأمر الآخر: أنه قال: لقيتها بواسط . وعائشة توفيت سنة ثمان وخمسين للهجرة،أو تسع وخمسين،ومدينة واسط إنما بناها الحجاج بن يوسف الثقفي بعد ذلك بأكثر من عشرين سنة .
فهذا يدل على كذب هذا الراوي،المهم أن مثل هذه القرينة قرينة يستدل بها على أن هذا الراوي كذاب يضع الحديث .
من القرائن أيضا حينما يروي ذلك الراوي رواية،أو يذكر حديثا يخالف الحقائق التاريخية،والأمثلة على هذا أيضا كثيرة،لكن من أهمها ذلك الحديث الذي روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه،أنه قال: دخلت الحمام فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: يا أنس من أجل هذا حرمت دخول الحمام بغير مئزر.
قالوا: فهذا الحديث فيه قرينة تدل على أنه حديث مكذوب،مفترى على النبي عليه الصلاة والسلام؛لأنه لم يكن بالمدينة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام حمامات،ولم يكن بالحجاز حمامات،وإنما كانت بالشام،ولم يدخل النبي عليه الصلاة والسلام الحمام قط .
ومن ذلك أيضا ذلك الكتاب التي افترته اليهود،وقصته طويلة،لا أريد أن أمضي الوقت فيها لكن راجعوه في كتاب (المنار المنيف) لابن القيم .
من القرائن أيضا مخالفة المتن لصريح القرآن،ويمثل لهذا بالحديث الذي روي في تحديد عمر الدنيا بسبعة آلاف سنة،وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في الألف الأخيرة،يقول ابن القيم: هذا يخالف قول الله جل وعلا: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} .
فهذا يخالف هذه الآية مخالفة ظاهرة؛لأنه لا أحد يستطيع تحديد متى تقوم الساعة،قال: وأما هذا الحديث فيدل على أنه لم يبق على قيام الساعة من عصرنا هذا إلا مائتان وخمسون سنة . هذا من عصر من؟ ابن القيم ؛لأنه رحمه الله توفي سنة سبعمائة وواحد وخمسين للهجرة،لكن نحن الآن عرفنا تماما ويقينا بأن هذا الحديث مكذوب ومفترى على النبي صلى الله عليه وسلم؛لأنه مضي بعد الألف سنة أكثر من أربعمائة سنة ولم تقم الساعة .
كذلك أيضا مخالفة الحديث المروي لما تواتر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم،والأمثلة أيضا على هذا كثيرة،ومن جملة ذلك:ذلك الحديث الذي فيه تجويز الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة معينة،ففي حديث: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) زادوا زيادة،وأظن هذه الزيادة جاءت بلفظ: ((من كذب علي متعمدا ليشين الإسلام)) أو نحو ذلك،بمعنى: أن ما لم يكن كذلك فإنه يجوز الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام،فهذا يخالف ما تواتر من هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام بدون هذه الزيادة،بل يخالف ما يقتضيه هذا الحديث من الظاهر الذي من أجله أورد النبي عليه الصلاة والسلام هذا اللفظ .
هناك التفات من المحدثين لمتون الأحاديث في مثل هذه القضايا التي ذكرت،وفي قضايا أخرى،وهي ركاكة اللفظ،وتفاهة المعنى،والوعيد الشديد على معصية ليست من الكبائر،والثواب الجزيل الذي لا يحد بحد على طاعة من الطاعات يسيرة،كصلاة ركعتين أو نحو ذلك من النوافل،كل هذه اعتبرها المحدثون من القرائن التي يمكن أن يستدل بها على كذب الحديث .
وهناك في الحقيقة أشياء وأحيانا يكون فيها دعابة،ولولا ضيق الوقت لأوردت عليكم شيئا من هذا،ولكن تعرفون أن وقتنا ضيق،وعلى كل حال أن أحلتكم على بعض الكتب التي اهتمت بهذا الموضوع،فراجعوها إن شئتم .
أما بالنسبة للوضاعين فكما قال الحافظ ابن كثير: إنهم أقسام كثيرة؛فمنهم أناس يضعون الحديث للطعن في الإسلام،وهؤلاء هم الزنادقة الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام،وهؤلاء كثروا في فترة معينة من تاريخ المسلمين،وبالذات في عصر الدولة العباسية،وبالأخص في أول عصر الدولة العباسية،وإنما كثر الزنادقة في ذلك العصر؛لأن معظمهم من العجم الذين يكرهون الإسلام وحقدوا على الإسلام؛بسبب إسقاطه لدولتهم دولة الفرس،فبناء على أن الدولة العباسية اتكأت على العنصر العجمي في إقامة دولتها؛لأن أبا مسلم الخراساني عجمي،ومعظم جيشه من العجم،بل كان يحقد هو والعجم في ذلك الوقت على العرب،ولذلك العرب الذين في خراسان أبادهم أبو مسلم الخراساني إبادة، ومن هنا نشأت الشعوبية .
والشعوبية بضد القومية العربية التي نعرفها في هذا الزمن،الشعوبية كره العرب وبغض العرب،ونصرة العنصر العجمي،إنما نشأت الشعوبية في ذلك العصر لهذا السبب،ففي تلك الفترة وفي تلك الأجواء المكهربة بهذه الصورة نشأت الزندقة،فدخل أناس في الإسلام للطعن فيه،وبعضهم كانوا مقدمين عند خلفاء بني العباس،وبعضهم كانوا كتابا مثل ابن المقفع صاحب (كليلة ودمنة)،وغيره من الكتاب،بل بعض الذين لا أحب ذكر أسمائهم لعدم التوثق من ذكر ما نسب إليهم، وإن كان ذكره عنهم بعض من كتب في تراجمهم،بل قالوا: إن النكبة التي حصلت للبرامكة في عهد هارون الرشيد كانت لهذا السبب؛فإن هارون الرشيد نظر إلى البرامكة وإذا بهم من الزنادقة،ولكنهم كانوا يتلبسون بالإسلام،ولكن العلم عند الله في مثل هذه المسألة .
المهم أن نشاط الزنادقة في ذلك العصر كان قويا جدا،بحيث اضطر بعض خلفاء بني العباس إلى إنشاء ديوان مستقل، مثل وزارة من الوزارات في هذا العصر، أنشأ ديوانا مستقلا لتتبع هؤلاء الزنادقة والفتك بهم،وقام بهذه المهمة خير قيام المهدي العباسي رحمة الله عليه،وتبعه على ذلك ابنه هارون الرشيد رحمهما الله تعالى .
ولعل في الحوادث التي تذكر،ومن جملتها مجيء هارون الرشيد بذلك الرجل الذي وضع كثيرا من الأحاديث،وأظن اسمه عمرو بن ميسرة،فعمرو بن ميسرة هذا حينما جيء به إلى هارون الرشيد ليضرب عنقه لأجل ما اتهم به من الزندقة،قال له: يا أمير المؤمنين،أين أنت من أربعة آلاف حديث وضعتها أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ؟ فقال له هارون الرشيد:يا عدو الله،وأين أنت من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك،ينخلانها لك نخلا؟
فعلى كل حال الزنادقة نشطوا في تلك الفترة،ووضعوا كثيرا من الأحاديث،وهي أحاديث تقشعر منها الجلود في الحقيقة،ولولا بشاعتها لذكرت بعضها .
فعلى كل حال يمكن أن تطلبوا في الكتب التي أشرت إليها من أيضا أصناف الوضاعين وأقسامهم أناس وضعوا أحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى الاحتساب والتقرب إلى الله،وهؤلاء هم الزهاد وأدعياء الصلاح والعبادة،وهؤلاء في الحقيقة خطرهم عظيم،والسبب في خطرهم أولا: أن الناس ينظرون إلى هؤلاء على أنهم عباد صلحاء،فلا يتصورون أنهم يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم،فيقبلون ما يأتي من طريقهم .
والسبب الثاني: أن هذه الأحاديث التي يأتي بها هؤلاء في بعض الأحيان تكون أحاديث تعظم طاعة من الطاعات،وترتب عليها ثوابا كثيرا جدا، بحيث يعتقد بعض العامة أنه لو فعل هذه الطاعة كصلاة ركعتين في الضحى مثلا،أو ما إلى ذلك،لو أتى بهذه الطاعة كأنه ضمنت له الجنة،فبعضهم يضع حديث: من صلى ركعتين قرأ في الأولى كذا،خلق الله له طائرا له منقار،هذا المنقار فيه كذا،ويسبح بعدد كذا من اللغات،أو أنشأ الله له قصرا في الجنة في ذلك القصر سبعون ألف خيمة،في كل خيمة سبعون ألف سرير،على كل سرير سبعون ألف جارية،عند كل جارية سبعون ألف من الخدم يخدمونها. إلى غير ذلك من التفاهات، كل ذلك بسبب ماذا؟
بسبب صلاة ركعتين،فحينما يصلي الواحد منهم هاتين الركعتين يظن أنه قد ضمنت له الجنة،فيتقاعس عن العمل .
والعكس كذلك: قد يرد في بعض الأحاديث التي يوردونها ترتيب عقاب شديد جدا على معصية من المعاصي،ليست كبيرة،وإنما من الصغائر،فحينما ينظر العامي إلى هذا العقاب المترتب على هذه المعصية يقول: إذن أنا هالك هالك،فييأس ويصيبه القنوط،وكما يقول بعض الناس:(خلاص ما دامت مطينة طينها).
فهذا الخطر لهؤلاء الذين ينتسبون للزهد والصلاح والعبادة خطر جسيم في الحقيقة،فلا ينبغي أن يتساهل معهم إطلاقا،ولذلك أنا أذكر أنهم حتى هذا الوقت يأتون أحيانا،فرجل كان معوقا يؤتى به على (عربية) يدف،يدفونه دفا حتى يأتون به في المسجد،وهو رجل عامي لا يحسن حتى اللغة،ولا يحسن يتكلم،ثم يبدأ: قال الله . ويأتي بكلام ما أدري من أين جاء به في المواعظ والرقائق،وما إلى ذلك،وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فالله المستعان،بحر لا ساحل له!
فأمسكته أول مرة ونهيته فيما بيني وبينه،نصحته فلم ينتصح،فوجدته يطوف في بعض المساجد،ثم جاء للمسجد مرة أخرى،فحينما جاء عرفت أنه سيعظ،فقبل أن يبدأ بدأت أنا وأخذت مكبر الصوت وبدأت أتكلم وأحذر من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم،وأتكلم بكلام حول هذا، فقال: أنا أريد أن أتكلم. قلت له: لن تتكلم . فأراد أن يتكلم،فكنت أقاطعه وأمنعه من الكلام، فأخذ يلهج بالأدعية التي لو كانت متقبلة لما أبقى على الدنيا أحدا لو كان صبَّها على أهل الدنيا .
فتخوف أهل المسجد علي من هذه الدعوات،فقلت: لتكن قلوبكم في أماكنها،لا تتخوفوا،مثل هذا هو الذي ينبغي أن يدعى عليه،ولكننا نتمنى الصلاح للناس كلهم،وأما أنا فقلبي مطمئن - إن شاء الله – بأن دعواته هذه ستعود عليه،ولن يصيبني بإذن الله منها أذى؛لأنني إنما أدافع عن دين الله،ما ظلمته ولا أخذت له مالا ولا انتهكت له عرضا .
على كل حال هم موجودون حتى هذه الأزمان،ولذلك ينبغي أن يوقف في وجههم،لكن بعد استنفاذ النصح معهم على كل حال،وخطرهم عظيم،وفعلا أنا وجدت أن مثل خطر ذلك الوعظ على العامة عظيم،يبدأ يتحدث والعامة يجلسون،وبعضهم يبكي وبعضهم يهز الرأس،وكأنهم يعتقدون أن ما يقوله صحيح،هؤلاء لا يسمح لهم بمثل هذه المواعظ التي يزعمونها .
هناك أصناف أيضا من الوضاعين لعلي - إن شاء الله – أكمل الحديث عنهم في يوم غد،ونقف عند هذا،وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

سؤال: أحد الإخوة يسأل عن الكتابين اللذين ذكرت في بيان الأحاديث الموضوعة؟
جواب: أنا قلت: هذان الكتابان،وإن كان فيهما بيان لبعض الأحاديث الموضوعة،لكن هما في الحقيقة عبارة عن دراسة لموضوع الوضع في الحديث،عموما الأول: كتاب (المنار المنيف في الصحيح والضعيف)،للحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى، والثاني: كتاب (الوضع في الحديث لعمر حسن (غير مسموع) حفظه الله تعالى.

سؤال: أحد الإخوة يسأل عن صحة حديث: ((من صلى الفجر في جماعة ثم مكث في مصلاه))... إلى آخر الحديث ((كان كحجة تامة تامة))؟
جواب: أقول هذا الحديث له طرق،وما من طريق إلا وفيها ضعف،ولكن بعض أهل العلم يعتقد أن الحديث بمجموع هذه الطرق يمكن أن يكون حسنا لغيره،وأنه صالح للعمل .
وأنا في الحقيقة يعني حتى الآن ما أسهبت في تتبع طرق هذا الحديث،واطمأن قلبي إلى القول بأنه يمكن أن يكون مقبولا أو غير مقبول،لكن المكث في المصلى إلى أن تطلع الشمس ثم صلاة ركعتين يمكن أن يستدل عليه بأدلة أخرى غير هذا الدليل،لكن مسـألة الأجر المترتبة على هذا،وهو: كحجة تامة تامة تامة. هذا هو الذي ينبغي أن يتوقف من إطلاق القول بقبوله،هذا بالنسبة لي أنا أتكلم عن نفسي حتى أعرف الأمر عن جلية ووضوح .

سؤال: (طيب) ههنا بعض الأسئلة التي وردت فيما يتعلق ببعض الذي ذكرناه من قبل, في بعض الأمور التي تكلمنا عنها بالأمس ورد أن يكون عارفا بما يحدث من الحديث وعاقلا بما يحدث من الحديث.
ثم هنا سؤال آخر ما المقصود من قوله: أن يكون متيقظا غير مغفل؟ ماذا يقصد بالمغفل؟
جواب: أقول: هذه المسائل وردت على ألسنة بعض العلماء,كالإمام مالك رحمه الله,وكابن حبان في مقدمة صحيحه حينما اشترط في الراوي أن يتصف بصفات خمس: كالصدق في الحديث,والشهرة فيه,والعدالة في الدين بالستر الجميل, وأن يكون عالما بمعاني ما يحيل من الألفاظ,وأن يكون عارفا بما يحدث من الحديث, وأن يكون مبرءا من وصمة التدليس.
هذه شروط خمسة اشترطها ابن حبان في الراوي الذي يخرج له في الصحيح الإمام مالك رحمه الله,ورد عنه بعض العبارات التي تدل على أنه لا يقبل رواية بعض الرواة,وإن كانوا صلحاء عباد,ويمكن تعرفون العبارة التي اشتهرت عنه أن بالمدينة سبعين رجلا,ما منهم من رجل إلا وهو يرجو أن يدعو له دعوة مستجابة,ولكنه لا يقبل حديثا واحدا منهم.
المقصود بهذا الكلام -أيها الإخوة- أن هناك بعض الرواة الذين الواحد منهم إذا حدث بحديث,إنما ينقله كما ينقل الببغاء الكلام, مجرد نقل كلمات وحروف لا يدري ما وراءها,فمثل هذا الراوي قد تسقط عليه كلمة,وقد يحصل عنده تقديم وتأخير,وقد يفوته بعض الكلام فيتغير المعنى رأسا على عقب,لذلك لا يكون عارفا بما يحمله من الحديث.
أما الذي يكون عارفا بما يحمله من الحديث,فإن المعنى راسخ في ذهنه,فإذا حدث وجدته مستحضرا للمعنى في ذهنه,إن أمكنه أن يؤدي العبارة التي تلقي بها ذلك الحديث أداها,وإن لم يمكن عبر بما يرادفها من عبارة أخرى,والمعنى واحد,ولذلك يمكن أن يضم إلى هذا ما سأل عنه.. آسف ما ورد في الكلام الذي تقدم أن يكون عارفا بما يحيل من معاني ما يروي,فإذا حدث بالحديث على المعنى فإنه يأتي بنفس العبارات التي تؤدي الغرض,ولكنها لا تؤدي إلى معنى زائد أو معنى قاصر أو معنى مخالف.
ويعبرون عن هذا أو يمثلون لهذا ببعض الأمثلة,لو قلت لإنسان من الناس: أقبل يا فلان,أو قلت: هلم يا فلان, أو قلت: تعال يا فلان. هذه الكلمات الثلاث بمعنى واحد أو لا؟ نجد أنها بمعنى واحد,لا تؤدي كلمة منها معنى زائدا عما تؤديه الكلمة الأخرى, فهنا يجوز له أن يعبر بأحد هذه الكلمات عن الكلمة الأخرى, مع العلم أن الأولى أن يؤتى بالكلمة نفسها,إن كان الراوي حافظا وضابطا لها.
ثم إنه إذا كان غير عارف بما يحمله من الحديث,ربما حصل عنده تقديم وتأخير في كلمة,فانقلب المعنى رأسا على عقب,وربما كان انقلاب المعنى أحيانا يبعد بعض الاستدلالات في الحديث على الأقل.
ولعلكم تتذكرون أنه من خلال الكلام عن الحديث المقلوب,نستطيع أن نستدل ببعض الأدلة التي وردت,أو بعض الشواهد التي أوردناها هناك في مثل هذا المقام, فالقلب بتقديم كلمة أو تأخير كلمة أحيانا قد يحيل المعنى كله, وأحيانا قد يغير بعض المعنى المراد, فيجعل مثلا النفقة يمكن أن تكون بالشمال فيخالف مثلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي تذكره عائشة عنه,أنه كان يعد يمينه للأخذ والعطاء,وما إلى ذلك,وشماله لما سوى ذلك, فما دام أنه يمكن أن يأخذ ويعطي بالشمال فذلك الحديث إذن معناه فيه شيء من التجوز, وهذا كلام غير صحيح.
فعلى كل حال هم حينما أرادوا من الراوي أن يكون عالما بمعنى ما يروي,إنما يريدون منه هذا الغرض, أن يحدث بالحديث على معناه الصحيح.
كذلك هذا الكلام الذي يسأل عنه الأخ, وهو قولهم: ليس مغفلا,اشترطوا أن لا يكون الراوي مغفلا, الغفلة أيها الإخوة عبارة عن قصور في العقل,لكنه لا يؤدي إلى.. أو يلحق صاحبه به مثلا بالمجنون أو ما إلى ذلك,ولكنه يكون فيه ما يسمى في هذا الزمن بالسذاجة,أو السطحية,بحيث يمكن أن تنطلي عليه بعض الأمور.
ولكن هذه الغفلة إما أن تكون ظاهرة في الراوي,بحيث يمكن أن يتلقن أو يمكن أن يدخل في حديثه ما ليس منه,وبالتالي تدخل الموضوعات والمناكير في حديثه, ويمكن في بعض الأحيان أن تكون غير مؤثرة؛لأنها ذكرت عن بعض الأئمة, ولولا أنها ذكرت لقلنا: ينبغي أن لا يوصف مثل هذا الإمام بجرح أبدا, مثل غندر,وهو من الأئمة الثقات,وبالذات إذا روى عن شعبة,وصفوه بأنه رحمه الله كان فيه غفلة,وأوردوا عليه بعض الحكايات التي قد تدل على مثل هذا, قالوا: إنه جاء لأهله بسمك فقال لهم: أصلحوه.ونام, فلما أصلحوه جاؤوا ولطخوا يديه بهذا السمك,ثم أكلوا السمك وتركوه,فلما قام طلب منهم السمك فقالوا: قد أكلت.قال: كيف؟ قالوا: شم يديك.فشم يديه وإذا بريح السمك في يديه,قال: نعم ولكنني لم أشبع.
ذكروا هذه الحكاية عنه,لكنها يبدو أنها لا تثبت؛لأنه رحمه الله يقال: إنه حينما ذكر له أن مثل هذا قد حدث له قال: أوما كان يدلني بطني؟! يعني: استهتر بالقائل,أو بالمورد عليه مثل هذه الحكاية,وقال: على فرض أن يدي كان فيهما ريح سمك,أوما كان يدلني بطني على أنني لم آكل؟!
وهذا كلام صحيح,فيدل على أن وصف الراوي بالغفلة قد يحدث وهو وصف غير صحيح, لذلك ينبغي أن يتحرى في هذا.
لكن متى ما عرف فعلا من أن الراوي تصيبه غفلة,وأن هذه الغفلة قد تؤدي به في الحقيقة إلى أن يدخل في حديثه ما ليس منه, فهذا هو الراوي الذي يتقى حديثه.
(طيب) بعض الأسئلة نكملها إن شاء الله عقب الفراغ من الدرس.
(طيب) في الكلام على الحديث المضطرب أحد الإخوة بالأمس جزاه الله خيراً بسؤاله ذكرني شيئا نسيته فيما يتعلق بمبحث الحديث المضطرب، وهو ما إذا كان الاضطراب واقعاً في اسم الراوي أو نسبه.
فهذا الاضطراب الواقع في اسم الراوي ونسبه،إما أن يكون يمكن أن يلتبس معه براو آخر أولا، فإذا كان الراوي الذي حصل ذلك الاضطراب في اسمه ونسبه لا يتجاوز ذلك الراوي،ولكن أحياناً يقدم اسمه على اسم أبيه، وأحياناً يقدم اسم أبيه على اسمه،وأحياناً ينسب إلى جده،وأحياناً يكون بينه وبين ذلك الجد أكثر من واحد،وأحياناً ينسب نسبة وهلم جرا.
فهذا الاضطراب الذي يقع في اسم الراوي،هذا إذا عرف أن هذا الراوي مهما قيل في هذا الاختلاف في اسمه فهو ثقة، فهذا الاضطراب، وإن كان مشعراً بعدم ضبطهم لاسم ذلك الراوي،إلا أنه لا يؤثر على صحة الحديث.
وعلى هذا أمثلة،بل أحياناً قد يرد في مثل الصحيحين بعض هذا الاختلاف في اسم الراوي،وإن لم يكن اختلافا إلى درجة كبيرة، فنقول: إن الاختلاف في اسم الراوي ونسبه لا يعد مؤثراً،كما يؤثر الاضطراب بما كنا قد ذكرناه بالأمس في السند أو في المتن.
يعني: الاضطراب في السند كأن يروى مرة مرسلاً ومرة موصولاً،ومرة موقوفاً ومرة مرفوعاً، ومرة يجعل صحابيه فلان،ومرة يجعل صحابيه فلان،وهكذا،مما يدل على عدم الضبط.
هذا يختلف عن الاضطراب الذي يقع في اسم الراوي نفسه، فكيفما دار فهو هو، لكن إذا كان ذلك الاختلاف في اسم الراوي أو نسبه يمكن أن يشتبه ذلك الراوي معه براو آخر،وذلك الراوي الآخر متكلم فيه،فإنه في هذه الحال يؤثر، ولا بد أن نتنبه لهذا.
أما إذا لم يكن هناك أي اشتباه فلا يؤثر إن شاء الله تعالى [ كلام ليس له فائدة علمية ]

(طيب) وقفنا في الكلام في يوم أمس على الحديث الموضوع،وكان كلامنا على أصناف الوضاعين،وقلنا: إن الوضاعين على أقسام، وهذه الأقسام تختلف بحسب اختلاف أيضاً المقاصد،فمنهم الزنادقة ومنهم الزهاد والعباد.
أما القسم،أو الصنف الثالث من هؤلاء الأصناف-أصناف الوضاعين-: فهم الذين يضعون الأحاديث،كما يقال: تلبية لرغبات الحكام،ولأجل أنه وجدت بعض الدلائل في بعض الكتب التي تدل على أن بعض الوضاعين كان يتقرب إلى الحكام بوضع أحاديث ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم،جعلوا هذا الصنف صنفاً من أصناف الوضاعين.
والذي يتردد دائماً في كتب المصطلح،وفي الكتب التي تتحدث عن الوضع في الحديث قصة غياث بن إبراهيم النخعي،وغياث بن إبراهيم هذا لا علاقة له بإبراهيم النخعي التابعي الجليل، فليس ابنا له ولا قريباً،ولكن التسمية وافقت،فغياث هذا لا شك في أنه كذاب وضاع مضعف عند أهل العلم.
لكن جاء في قصة أن المهدي الخليفة العباسي المعروف كان يحب الحمام واللعب به،فجيء له يوم من الأيام ببعض هؤلاء الأجناس، وقيل: إنه أدخل عليه بعض المحدثين وفيهم غياث بن إبراهيم النخعي،فقيل لغياث: إن الخليفة يحب الحمام،فلو حدثته بحديث في الحمام لكان أجود،أو لكان أحسن.فحدث بحديث أصله صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم،ولكنه زاد فيه زيادة،وهو حديثه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((لا سبق إلا في نصل،أو خف،أو حافر)).
ثم زاد فيه غياث: (أو جناح).
فهذه الزيادة زيادة مكذوبة موضوعة،أراد منها أن يضفي على صنيع الخليفة الشرعية،كما يقال،في أن ما يصنعه أمر مستحسن،وأنه أمر مشروع، فيقال: إن المهدي أعطاه مائة دينار وأمر بذبح الحمام.
ولما ولى قال: أشهد على قفاك أنه قفى كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وإنما دفعني لهذا.. أو أنا الذي دفعته لهذا،فأمر بذبح الحمام.
وهذه هي القصة أنا كنت قد نقلتها قديماً،والذي لفت انتباهي، وهذا الحقيقة دائماً نحمد الطلاب عليه،أنني حينما كنت أدرس في الجامعة وذكرت مثل هذه القصة بناء على أنه ذكرها المحدثون في كتبهم،ولم أعرف أن أحداً نقدها فسئلت: قيل لي: هل يمكن أن تثبت هذه القصة؟ فدفعني هذا السؤال إلى البحث،فذهبت لأبحث عن سندها وجمع طرقها،فما وجدت لها سندا يمكن أن تثبت به هذه القصة،وما وجدت إلا سندين،والسندان موجودان بعضهما عند ابن أبي خيثمة في كتابه: (التاريخ الكبير)،وعنه نقله بعض من نقل القصة،ورواه من طريقة الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد).
وكذلك أيضا يوجد لها بعض الأسانيد عند الحاكم في كتاب: (المدخل إلى الإكليل).
فالشاهدأن من ينظر في أسانيد هذه القصة في كتاب (تاريخ بغداد) وفي كتاب (المدخل إلى الإكليل) يجد أن لها طريقين:
إحدى الطريقين فيها انقطاع،فالراوي لم يدرك عصر المهدي حتى يحدث به،أو حتى يحدث عنه.
والأمر الآخر أو الطريق الآخر فيه راو مجهول أو مجهول الحال،لا نعرف عنه شيئا،فلم نجد للقصة إسناداً يمكن أن تثبت به.
قد يقول قائل: لعل القصة بمجموع الطريقين يمكن أن تثبت. نقول: الانقطاع الذي في سند القصة الثاني يمكن أن يكون الموجود فيه نفس ذلك الشخص المجهول أو المجهول الحال، فترجع القصة إلى إسناد واحد.
ثم إننا إذا ما سبرنا المتن وبعض القرائن الأخرى،نجد هناك ما يدل على أن هذه القصة لا تصح ولا تثبت، فبالنسبة للمتن الذي يمكن أن يكون اختلق هذه القصة ما أحسن الانتقاء، لو انتقى خليفة غير المهدي لكان يمكن أن ينطلي هذا الكذب، أما وهو الخليفة المهدي فلا؛ لأن المهدي هذا كان أشد خلفاء بني العباس على الوضاعين والزنادقة،وكما قلت لكم: إنه وضع ديواناً خاصاً لتتبعه،وكان لا تدركه شفقة ولا رحمة بهم.
ولي كتابة في هذا يمكن بعضكم اطلع عليها،وأظنها نشرت في مجلة المجاهد قديماً، من جملة ما أورده في هذا قصة لصالح بن عبد القدوس،وهو رجل له شعر يتصف هذا الشعر أحياناً بالحكم وبعض الفوائد،ولكنه ممن اتهم بهذه التهمة: تهمة الزندقة، فجيء به إلى المهدي،فلما مثل بين يديه أعلن توبته وأخذ يسترحم ويستعطف المهدي،وكان شيخاً كبيراً،فرق له المهدي، وكان قد أنشده قبل ذلك بعض الأبيات يقول فيها:


ما يبلغ الأعداء من جاهل = ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه = حتى يوارى في ثرى رمسه

فلما رق له المهدي أمر بإطلاقه،فلما بلغ الباب قال: ردوه. فلما رجع قال: أولست القائل:

والشيخ لا يترك أخلاقه = حتى يوارى فيثرى رمسه؟

أي: والشيخ لا يترك الأخلاق التي انطبع عليها وتخلق بها حتى يوسد التراب، هذه معنى: (حتى يوارى في ثرى رمسه) أي: حتى يوسد التراب،أي: حتى يموت، معنى ذلك: أنه لا يترك أخلاقه مطلقاً.
قال: بلى.
قال: وأنت كذلك لا تدع الزندقة حتى توارى في ثرى رمسك.
فأمر بالنطع فوضع ووضع عليه وقطعت عنقه.
فهذه الصلابة في المهدي جعلت العلماء يلقبونه بقصاب الزنادقة، راجعوا ترجمته في (سير أعلام النبلاء) يقولون: كان شديد الحنق والغيظ على الزنادقة،حتى سمي قصاب الزنادقة.
فمثل هذا الخليفة لا يتصور أنه يمكن أن يقبل لهذه الترهة من غياث بن إبراهيم،وليس هذا فقط يعطيه مائة دينار، يعني: يكافئه على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم يأمر بذبح الحمام، ما ذنب الحمام؟!
الأولى أن يذبح هذا الكذاب الأفاك،لذلك ما أحسن انتقاء ذلك الخليفة الذي أريد أن توثق به هذه الحكاية.
ثم إننا بالتأمل في ترجمة غياث بن إبراهيم النخعي هذا نجد أن الأئمة الذين تكلموا عنه وجرحوه،لم يوردوا فيه هذا الجرح المفسر، كان الأولى أول ما يجرح به هذا الراوي أن تورد في ترجمته هذه الحكاية؛لأنها ملفتة للنظر،ومستبشعة،ولا يمكن أن تقبل، فالإمام أحمد ويحيى بن معين، وغيرهم ممن تكلموا فيه،لكن بعضهم لم يتهمه بالكذاب،وإنما ضعفوه، والذي اتهمه بالكذب لم يورد هذه الحكاية، بل ابن عدي رحمه الله في كتابه (الكامل) معروف منهجه فيه، أنه يأتي بالراوي ويأتي بالروايات التي أخذت عليه وانتقدت عليه،وحكم لأجلها عليه إما بالوضع أو بالضعف،أو ما إلى ذلك، لم يورد هذا الحديث في ترجمته في (الكامل) وقد ترجم له،وكذلك العقيلي في (الضعفاء).
لذلك هذه القصة تحوم حولها الشبه،وإنما نقول هذا؛لتنزيه حكام المسلمين الأوائل بأنهم ما كانوا يقبلون هذه الترهات،حتى وإن انغمث مما غمث منهم في الترف والملذات، لكن كثيراً منهم، كانوا صلحاء،وفيهم غيرة على دين الله جل وعلا وزب عن دين الله وقام لهؤلاء الذين يريدون أن يطعنوا في الإسلام، مثل المهدي ومثل ابنه هارون الرشيد،كانا من صلحاء خلفاء بني العباس. هذا بالنسبة لهذه الحكاية.
ولسنا مع هذا ننفي أن يكون هناك من يضع تلبية لرغبات الحكام، قد يكون هناك من يصنع هذا الصنيع،ولكن المعول عليه في هذا كله الثبوت،فإذا ثبتت القصة يمكن من خلال ذلك أن نستشهد بها.
ولذلك من العجائب التي وجدتها في مبحث الوضع في الحديث، أن بعض العلماء يتساهل فيستشهد في مبحث الوضع في الحديث بحكايات وقصص موضوعة،أو شبيهة بالموضوعة، فوقعنا فيما فررنا منه، ووقعنا فيما ننبه الناس عليه،وهذا لا ينبغي، بل ينبغي إذا كان الإنسان يريد أن يستشهد أو يستدل أن يتثبت في كل ما يرويه أو يحكيه.
ولعل مثل هذا قصة أخرى سأنبه عليها إن شاء الله بعد قليل، أيضاً فيها مثل هذه النكارة فيما يتعلق بمبحث القصص والقصاصين، وذلك،أيها الإخوة، أن من الأسباب التي تدفع للوضع في الحديث، ومن أصناف الوضاعين، من يقال لهم: القصاصون والمذكرون والوعاظ،هؤلاء يختلفون عن الزهاد والعباد،أولئك يضعون حسبة وتقرباً، وأما هؤلاء فيضعون لأجل الدنيا.
ففي فترة مضت نشطت حركة القصاصين هؤلاء والمذكرين، يأتي الواحد منهم إما في المسجد أو في مجامع الناس،كالأسواق وغيرها،فينصب نفسه قاصا ومذكرا،فيورد من حكايات الأمم الماضية ومما هب ودب،ومما وجده من أي قول قيل،وبخاصة الغرائب والأشياء الملفتة للنظر،ويبدأ يسرد عليهم؛ وكل ذلك رغبة في استدرار أموال الناس، فحينما ينتهي تنهال عليه الأعطيات.
هؤلاء القصاصون وجد العلماء أن خطرهم أيضاً عظيم،فألفت فيهم مؤلفات،فأول من عرفناه ألف في هذا هو ابن الجوزي رحمه الله،ألف كتابه المطبوع القصاص والمذكرين، وممن ألف في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،ولعل هذا جاء على صفة سؤال وجه له ثم تكلم عن حال هؤلاء القصاص وما وضعوه من الأحاديث.
وهذا الكلام الذي أجاب به شيخ الإسلام أفرد وجعل في رسالة طبعها وحققها الشيخ محمد لطفي الصباغ جزاه الله خيراً بعنوان: (أحاديث القصاص) وذكر أن عنوان هذه الرسالة في الأصل هكذا: (أحاديث يرويها القصاص بعضها عن الله وبعضها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهي موجودة برمتها في المجلد الثامن عشر من الفتاوى.
كذلك أيضاً من جملة من ألف الحافظ العراقي،له رسالة في هذا،ولكن لا أعرف أنها طبعت، ومن جملة ذلك كتاب السيوطي وهو كتاب جيد: (تحذير الخواص من أكاذيب القصاص)،كل هذه المؤلفات ما جاءت إلا لأجل أن هؤلاء القصاص كان خطرهم عظيما على الأمة الإسلامية.
فمن جملة ما يورد في الاستدلال على أن هؤلاء القصاص اتسموا بالوقاحة وبالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة عجيبة، قصة يرويها رجل يقال له: إبراهيم البلدي،وأظنه عن جعفر بن محمد الطيالسي،يقول: إن الإمام أحمد ويحيى بن معين صليا يوما من الأيام في مسجد الرصافة،فقام قاص بين أيديهم فتقدم وأخذ يقص على الناس:
فقال: حدثني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. ثم أورد حديثاً طويلاً في نحو عشرين ورقة،أن من قال: لا إله إلا الله،خلق الله من كلامه هذا طائراً له منقار، وهذا المنقار فيه سبعون ألف لسان،وكل لسان يسبح الله جل وعلا بسبعين ألف لغة... وهلم جرا.
فلما ابتدأ يحدث وقال: حدثني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين،التفت كل واحد إلى صاحبه، وهو يقول: أنت حدثته بهذا الحديث؟ فيقول: والله ما سمعته إلا الساعة.أي: في هذا الوقت.
فانتظرا حتى فرع هذا القاص من قصصه،وابتدأت تنهال عليه أعطيات الناس، فلما انفض الناس ولم يبق في المسجد إلا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين،قال الإمام أحمد ليحيى بن معين: ناده.
فدعاه،فظن أنهما سيعطيانه نوالا من ذلك النوال الذي أعطاه إياه هؤلاء الناس،فحينما أقبل عليهم وجلس قال له يحيى بن معين: من الذي حدثك بهذا الحديث؟ قال: حدثني به أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
قال: أنا يحيى بن معين،وهذا أحمد بن حنبل،وما سمعنا بهذا الحديث إلا في هذه الساعة،فإن كان هناك كذب فعلى غيرنا.
فقال: كنت أسمع أن يحيى بن معين أحمق،وما تأكدت إلا هذه الساعة.
قال وكيف عرفت ؟ قال: كأنه ليس في الدنيا أحمد بن حنبل ولا يحيى بن معين إلا أنتما،أنا حدثت عن سبعة عشر كلهم يحيى بن معين وأحمد بن حنبل.
ثم قام كالمستهزئ بهما.
قال: فوضع الإمام أحمد يده على فمه يضحك،وقال ليحيى بن معين: دعه يذهب.
هذه القصة بهذه الصورة يمكن أن تكون لأجل ما فيها من الطرافة تنطلي وتمشي، ولكن طالب العلم والمحقق والمدقق،ينبغي أن يلتفت لكل لفظة فيها:
فأولاً: من حيث الثبوت سنداً هي لا تثبت، وأسأل الله جل وعلا أن يغفر لي وللأخ علي بن حسن بن عبد الحميد؛لأنه يعرف أننا طعنا في هذه القصة،ومع ذلك حاول أن يعلق على الكتاب بتعليق كأنه يوحي بأن القصة يمكن أن تكون ماشية.
الطعن في هذه القصة جاء من هذا الراوي الذي هو إبراهيم البلدي، وأظن اسمه: إبراهيم بن عبد الواحد البلدي، الذهبي رحمه الله أورد هذه.. أو أشار إلى هذه القصة في كتاب (الميزان) في ترجمة إبراهيم هذا ابن عبد الواحد البلدي - راجعوه إن شئتم - وفي ترجمة الإمام أحمد في (سير أعلام النبلاء)،وطعن في هذه القصة وحكم عليها بالوضع،واتهم بها إبراهيم البلدي هذا.
أما كون إبراهيم البلدي هذا يمكن أن يكون من شيوخ ابن حبان،فهذا يحتاج إلى إقامة الدليل،فانظروا فأنا لا أذكر أنه من شيوخ ابن حبان إلا بعد أن قرأت كلام الأخ علي ليلة البارحة.
لكن على فرض أنه من شيوخ ابن حبان،هذا لا يعفيه أبداً من طبعة هذه القصة، ثم إن المتأمل لمتنها طبعاً هو لم يوثق من إمام معتبر،وإنما هو نكرة من النكرات.
أما متن هذه القصة فلا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال؛ فالإمام أحمد ويحيى بن معين يتساهلان في الوضع في الحديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدرجة!
وقد صليا في مسجد الرصافة، والرصافة تقع في الجهة الشرقية من بغداد،وبغداد يعرفهما فيها القاصي والداني.
أرأيتم لو مر الشيخ عبد العزيز بن باز في أحد الشوارع،ألا يعرفه الناس ويعرفون أنه ابن باز؟!
فشهرة الإمام أحمد ويحيى بن معين في هذا الوقت أعظم من شهرة الشيخ عبد العزيز بن باز فيما بيننا، الكل يعرفهما،ولو أشارا فقط إلى الناس بأن يمسكوا بهذا الرجل لأمسكوه،ولو قيل للناس: قطعوه إرباً لقطعوه،وبالذات مكانة الإمام أحمد فيما بينهم كانت مكانة عظيمة فيصليان في مسجد الرصافة في بغداد البلد التي عاشا فيها،ويعرفهما فيها كل الناس،ويأتي هذا الكذاب الأفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبدأ يلعب بعقول الناس، ويدخل في دين الله ما ليس منه بهذه الصورة والوقحة المستقبحة،ثم يسكتا عنه،بل ويضحكا ويتركاه يذهب.
هذا أمر لا يتصور، فمكانة الإمام أحمد ويحيى بن معين عندنا تجعلنا نعتقد أنهما لا يمكن أن يسكتا عن هذا الراوي إطلاقاً، ثم لماذا لم يتكلما عنه في كلامهم عن الرواة جرحا وتعديلا؟ لم يقولا: هذا الرجل كذاب،وقد صلينا في المسجد الفلاني وأورد من الكذب كذا وكذا ويجرحانه،لماذا لم يرد هذا منهما؟!
فعلى كل حال هذه القصة من القصص المنكرة والموضوعة،ولا ينبغي أن تورد؛لأنها كأنها تدل على مبلغ الجهل الذي بلغ بالأمة الإسلامية في ذلك العصر إلى هذا الحد، ونحن نعرف أن مثل هذا القاص لو قام في مثل هذا العصر الذي وصل فيه الجهل بالأمة الإسلامية إلى هذا الحد، لما قيل مثل هذا منه،فكيف يقبل في ذلك العصر الذي هو أحد القرون التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير: ((خيركم قرني ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم))؟!
فهو من عصور الخيرية التي امتدحها النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا لا يمكن أن يقبل،لكن مع هذا فخطر هؤلاء القصاص خطر عظيم، ولعل الذي يراجع في الكتب التي أشرت إليها يجد من القصص أنواعاً كلها تدل على وقاحتهم،وعلى نشاطهم في الوضع في الحديث.
وقد جرت لابن حبان صاحب كتاب (المجروحين) بعض هذه القصص، وعلى كل حال فإذا راجعتم هذه الكتب وجدتم فيها إن شاء الله الإطالة في هذا الموضوع، بما يغني عن إضاعة الوقت فيه الآن.
هناك أصناف للوضاعين أخرى: فمنهم من يضع لقصد الدنيا؛ إما لتنفيق سلعة أو لذم سلعة لرجل آخر،أو للحث على صناعة من الصناعات،كالحث على الخياطة أو لأغراض في نفسه،كأن يكون الرجل أعمى،فيضع حديثاً في فضل قيادة الأعمى، وأن من قاده أربعين خطوة حصل له من الثواب كذا وكذا حتى يقتن له الناس فيقودوه إذا كان في الشارع.
ومنهم من كان يضع لأجل ابنه حينما ضربه المعلم، وهلم جرا في أنواع شتى من أنواع الوضع، لكن من أهم هذه الأنواع أنواع.. أو من أصناف الوضاعين ومما ذكر فيهم وفي أسباب الوضع: هناك من يضع بقصد الامتحان، بقصد امتحان الراوي، والوضع بهذه الصورة يجوز على ما كنا بيناه،لكن بشرط بيان أن الحديث موضوع قبل مفارقة ذلك المجلس.
وهذا حصل في مرة من المرات لحفص بن غياث، وأظنه إما عبد الرحمن بن مهدي أو يحيى بن سعيد القطان، جاءا إلى شيخ بمكة،وأرادا أن يكتبا عنه،ولكن أرادا امتحانه قبل الكتابة عنه ليعرفا هل هو ثقة أو غير ثقة، فقالا له: حدثك القاسم بن محمد،عن عائشة رضي الله عنها،عن النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا وكذا، فقال: نعم. وابتدأا يسردان عليه بعض الأحاديث ويقولان له: حدثك فلان عن فلان بكذا؟ فيقر بذلك.
وكان عندهما رجل آخر جالس جاء ليطلب الحديث على هذا الشيخ،فأخذ يكتب هذه الأحاديث التي يضعها حفص بن غياث وعبد الرحمن بن مهدي أو يحيى القطان على هذا الشيخ بقصد امتحانه.
فلما فرغا من امتحانه وتأكد لديهما أنه كذاب ضرب حفص بن غياث بيده على اللوح الذي كتب فيه ذلك الرجل،محا ما فيه من الأحاديث، فقال لهما: أنتما تحسدانني؟ فقالا له: لا،ولكن هذه أحاديث موضوعة ومكذوبة،وإنما وضعناها لقصد امتحان هذا الشيخ.
فهذا يمكن أن يوضع، لكن تنبهوا إلى صنيع حفص بن غياث حينما ضرب بيده على لوح ذلك الرجل وطمس ما فيه من الأحاديث؛لأنه خشي أن تنطلي هذه الأحاديث وتروج في الأمة، فمثل هذا جائز بقصد الامتحان،لكن بشرط بيان أنه موضوع قبل مفارقة ذلك المجلس.

الـوجـه الـثـانـي


تروج في الأمة، فمثل هذا جائز بقصد الامتحان،لكن بشرط بيان أنه موضوع قبل مفارقة ذلك المجلس، ومثاله أيضاً ما سأورده إن شاء الله في الكلام على الحديث المقلوب في قصة يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين،وفي امتحانه بقلب أحاديث عليه،وسيرد إن شاء الله في ذلك الموضع.
(طيب) الشاهد أن الوضع لهذا القصد جائز،لكن بهذا الشرط الذي بيناه.

سؤال: لماذا سمي الحديث موضوعاً،مع أنه مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
جواب: تكلم العلماء عن هذا السبب، ولكن من أوجه ما رأيت: جوابان اثنان:
الجواب الأول: قالوا: إنما هو بمراعاة المعنى اللغوي،فيجوز في اللغة أن تطلق على أي كلام أنه حديث،ومنه قول الله جل وعلا: { فبأي حديث بعده يؤمنون }.
والجواب الثاني: قالوا: هذا على اعتبار زعم الواضع والكذاب والمختلق لذلك الحديث،فإذا كان يزعم أن ذلك الحديث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نتمشى معه بحسب زعمه،إلى أن يتأكد لنا أنه ليس بحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا أوجه الأجوبة التي رأيتها مذكورة في سبب تسمية الحديث المكذوب حديثاً.

سؤال: ما حكم الوضع في الحديث؟
جواب: حكم الوضع في الحديث أنه لا يختلف في أنه كبيرة عن الكبائر، أما حكم الوضاع والكذاب فحصل فيه الاختلاف؛فمنهم من كفر الوضاع كما تجدونه مذكوراً عندكم في كلام والد الجويني وهو محمد الجويني؛ فإنه حكم على من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم بالكفر، وخالفه ابنه وبعض الذين جاؤوا بعد ذلك، ولكن.. وهناك من نصر قوله أيضا، ولكننا نريد أن نبين بعض الشيء في هذه المسألة:
فبالنسبة لطائفة الكرامية الذين استباحوا الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحجة التي يذكرونها دائماً: نحن نكذب له لا عليه.فلم أجد العلماء صرحوا بتكفيرهم بأعيانهم.
ولكن يمكن أن نضع قاعدة في هذا يسار عليها،فنقول: من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم،ولمس من خلال ذلك الوضع والكذب منه على النبي عليه الصلاة والسلام،أن وضعه هذا جاء نتيجة تأول واجتهاد،وإن كان اجتهادا ضائعاً وتأولاً بعيداً، ولكن مثل من ذكرنا.. عمن ذكرنا من الزهاد والعباد الذين يضعون تلك الأحاديث؛حسبة على حد زعمهم،ولحث الناس على الخير وللرغبة في الخير والدلالة عليه، إن كان الوضع بهذه الصورة فهذا لا يكفر،ولكنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب،وهو متهدد ومتوعد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
أما إن كان الكذاب والوضاع وضع حديثاً يشين به الإسلام،أو يحلل فيه الحرام ويحرم فيه الحلال،ونحو ذلك مما له صلة بالمعتقد، أي:مما يدل على فساد معتقده وفساد هويته،فهذا يكفر،وهذا إن شاء الله هو الرأي الراجح، وبظني أن الذهبي رحمه الله ممن قال هذا القول، ومال إليه، بخلاف ما تجدونه معلقاً في النسخة المعلقة عن الحافظ.. أو نقلاً عن الحافظ ابن حجر،وأظنه في فتح الباري؛ فإن كلامه ذلك لا يقر عليه، من أنه لا يحكم عليه بالكفر؛لأن هذه أمور قلبية وأمور غيبية.
نقول: نحن استدللنا من خلال صنيعه هذا على فساد معتقده، والذي يحرم الحلال ويحلل الحرام،أو يطعن في الإسلام ويروي أحاديث يطعن بها في الإسلام،، ويشين بها الإسلام، هذا أمره واضح في أنه فاسد المعتقد، بل من حرم الحلال المجمع على حله، أو أحل الحرام المجمع على تحريمه،فالعلماء نصوا على أنه يكفر بصنيعه هذا.
فعلى كل حال،أنا أرى أن هذا الرأي هو الصواب، وهو التفصيل في حال من كذب على النبي عليه الصلاة والسلام، صنفت في هذا.. أو في الحديث الموضوع عدة مصنفات،من جملتها ما أشرنا إليه سابقاً،هو كتاب الموضوعات لابن الجوزي،وجاءت بعد ذلك بعض المؤلفات التي هي ما بين تديير عليه وما بين استدراك وما إلى ذلك،مثل (كتاب التعقبات على الموضوعات) لابن الجوزي، ومثل (الذيل على الموضوعات) للذهبي رحمه الله، ومثل (اللآلئ المصنوعة) للسيوطي،(التعقبات على الموضوعات) هذه للسيوطي، و (اللآلئ المصنوعة) للسيوطي.
وكل من جاء بعد ذلك فإنما هو متكئ على كتاب ابن الجوزي،أو ما تفرع منه، مثل: (الفوائد المجموعة للشوكاني) أو غيرها من الكتب التي ألفت في هذا الفن، نعم هناك مثل موضوعات الصاغاني أو غيرها،لكنها ليست ككتاب ابن الجوزي،وكذلك كتاب (الأباطيل) للجوذقاني هو من هذا الصنف،لكن موضوعه أوسع؛فهو يأتي بالأحاديث المعلولة،سواء كانت موضوعة أو غير موضوعة.
لكن من أفرد الحديث الموضوع بالذات فهو ابن الجوزي، معظم الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي نعم يقر في الحكم عليها بالوضع، لكن هناك بعض الأحاديث التي أخذت عليه؛فمنها ما هو صحيح وثابت في أحد الصحيحين، ومنها ما هو صحيح،وإن كان في غير الصحيحين، ومنها ما لا يسوغ الحكم عليه بالوضع،وإنما يمكن أن يحكم عليه بالضعف وهلم جرا.
فابن الجوزي أورد حديثاً في صحيح مسلم، ولعلكم تجدونه عندكم في النسخة المحققة، وهو حديث أبي هريرة في ذكره أناساً في آخر الزمان يغدون في سخط الله ويروحون في سخطه، وهو الحديث الذي أصله قول النبي صلى الله عليه وسلم،أو إخباره عليه الصلاة والسلام بأناس يكون في أيديهم مثل أذناب البقر،لا يريحون رائحة الجنة،أو كما قال صلى الله عليه وسلم،عذب عني الحديث.والله المستعان.
فهذا الحديث هو في صحيح مسلم،وهو حديث صحيح،وطعن ابن الجوزي فيه ليس في محله.
أما من الأحاديث الصحيحة التي في خارج صحيح مسلم،فمثل حديث ابن عباس في ذكره عليه الصلاة والسلام القوم الذين يكونون في آخر الزمان يصبغون بالسواد كحواصل الحمام،لا يريحون رائحة الجنة.فهذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات،وحكم عليه بالوضع،وقد أخطأ في حكمه عليه،وإن شئتم الدفاع عن ذلك الحديث فراجعوا كتاب: (القول المسدد في الذب عن المسند) للإمام أحمد.. للحافظ ابن حجر، فقد دافع عن هذا الحديث دفاعا جيداً، والحديث صحيح إن شاء الله تعالى.
أما الأحاديث الضعيفة،والتي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع،فهي كثيرة،من جملتها أحاديث أيضاً أوردها الحافظ ابن حجر في الكتاب الذي أشرت إليه (القول المسدد) ودافع أيضاً عنها،فأخرجها عن حيز الوضع،ويمكن أن يكون يحكم عليها بالضعف فقط.
فعلى كل حال ابن الجوزي رحمه الله توسع في هذا الكتاب في الحكم على بعض الأحاديث بالوضع، لكن يسلم له عدد كثير جداً من الأحاديث التي حكم عليها بالوضع،ونلمس من خلال كلامه رحمه الله،ومن خلال انتقائه لتلك الأحاديث، أنه كان غيوراً على دين الله حينما أورد تلك الأحاديث، وما دفعه لإيرادها إلا الغيرة على دين الله جل وعلا.
إلى هنا ننتهي من الكلام على الحديث الموضوع.وصلى الله وسلم على نبينا محمد.بالنسبة لهذا الموضوع ونبدأ في موضوع آخر وهو الحديث المقلوب.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ:
النوع الحادي والعشرون

معرفة الموضوع المختلف المصنوع,وعلى ذلك شواهد كثيرة؛منها إقرار واضعه على نفسه قالا أو حالًا, ومن ذلك ركاكة ألفاظه وفساد معناه,أو مجازفة فاحشة,أو مخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة,فلا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه؛ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع.
والواضعون أقسام كثيرة:
منهم زنادقة,ومنهم متعبدون,يحسبون أنهم يحسنون صنعًا,يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب,وفي فضائل الأعمال,وليُعمل بها.
وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم,وهم من أشر ما فعل هذا؛لما يحصل بضرره من الغرة على كثير ممن يعتقد صلاحهم,ويظن صدقهم,وهم شر من كل كذاب في هذا الباب,وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك,وسطروه عليهم في زبرهم؛عارا على واضعي ذلك في الدنيا,ونارا وشنارا في الآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)). وهذا متواتر عنه.
قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه؛إنما كذبنا له,وهذا من كمال جهلهم,وقلة عقلهم,وكثرة فجورهم وافترائهم؛فإنه عليه السلام لا يحتاج في كمال شريعته وفضها إلى غيره.
وقد صنف الشيخ أبو الفرج بن الجوزي كتابًا حافلًا في الموضوعات,غير أنه أدخل فيه ما ليس منه,وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره وسقط عليه ولم يهتد إليه.
الشيخ: نعم.هذا موضوع أمره خفيف,ذكر فيه ابن كثير رحمه الله تعالى يعني عددا من الفقرات,أول ما ذكر فيه كيف يعرف الوضع؟
ذكر أنه في بعض كلامه أنه تارة يعرف عن طريق الإسناد,بأن يوجد في إسناده من هو وضاع,يعترف بالوضع؛إما قالا أو حالا,يعني: إما أن يقول: وضعت هذا الحديث,وإما أن يعرف عنه أنه يضع الحديث,وقد صنف بعض الأئمة كتابًا جمع فيه ( غير مسموع) بن العجمي جمع في مؤلفة هذا ,لكنه جمع فيه قدرًا كبيرًا ممن قال فيه الأئمة: إنه يضع الحديث, الأئمة رحمهم الله تعالى حكموا على الرواة,كما في علم الجرح والتعديل,وممن يعني حكموا عليهم,ونقبوا عنهم,كما قال ابن كثير,هؤلاء الوضاعون الذين ذكر ابن كثير أصنافهم.
وذكر ابن كثير أن الوضع قد يعرف بأمور,غير أن يكون في إسناده وضاع,مثل ركاكة اللفظ,وفساد المعنى,المجازفة الفاحشة في ثواب أو عقاب,أو في أمر من الأمور في منقبة,ورد في مناقب أبي حنيفة وفي مناقب الشافعي, وفي.. يعني ورد أحاديث في مناقب هؤلاء (غير مسموع) رضوان الله عليهم من بعض الجهلة,يعني: من بعض الجهلة,نعم أو..
وورد كذلك في فضائل البلدان,وفي فضائل الأئمة,وورد في الترغيب والترهيب,حتى يمكن أن يقال يعني: إذا ضممت إلى الوضع ما يرويه الرافضة والشيعة؛فإن أيها أكثر: الموضوع أو غير الموضوع؟ الموضوع,إذا ضممت ما رواه هؤلاء.
يقول:"أو مخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة" ألف ابن القيم رحمه الله تعالى كتابًا سماه (المنار المنير في الصحيح والضعيف) جمع فيه بعض القواعد التي يمكن للناظر المتمرس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم على الحديث,بمجرد أن يقرأ متنه,بدون النظر في أي شيء,بدون النظر في الإسناد,وذكر أمثلة,بعضها.. يعني ذكر عددا من الضوابط:
منها مثلًا إذا كان سنَة كذا وكذا.يعني الإخبار عن المغيبات,هذه قاعدة أنه في الغالب أنه موضوع: إذا كان سنَة كذا سيحدث كذا,وسيحدث كذا.
ومنها المبالغة في الثواب والعقاب مبالغة كبيرة؛ لأنه هو سئل رحمه الله عن حديث السوق معروف,وعن حديث صلاة بسواك أفضل من صلاة بسبعين سواك,ولأن من العلماء من يقويها (غير مسموع) تكلم عليهما,ثم عرج على سؤال وهو أنه: هل يمكن الحكم على حديث بالوضع بدون النظر في إسناده ؟
فذكر عددًا من الضوابط, يعني: يحسن لطالب العلم أن يقرأها؛لكي إذا مر عليه حديث يعني قد يستطيع أن يكشفه بسرعة,هل هو صحيح أو موضوع.
وذكر ابن كثير حكم رواية الموضوع,يقول: إن العلماء رحمهم الله تعالى قالوا: لا تجوز روايته لأحد من الناس,إلا على سبيل القدح فيه؛ليحذره كذا من يغتر به أو ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع.
هذا كلام صحيح أنه لا يجوز رواية الموضوع,إلا مع بيان,إلا مع بيان موضعه,ولكن مع الأسف يعني لم يُلتزم بهذا الحكم,لم يُلتزم بهذا الحكم,حتى من قبل بعض المؤلفين,ولعلهم يعني اتكؤوا على أن من أسند فقط أحال,يعني: من ذكر الإسناد,وقد أحالت على كشف حال الحديث أحالت على أي شيء؟ على النظر في إسناده.
ولما ذكر الذهبي رحمه الله تعالى ما جرى بين أبي نعيم وبين ابن منده من الاختلاف,جرى بينهما شيء من الاختلاف, قال: لا أعرف لهما ذنبًا أعظم من ذكرهما للأحاديث الموضوعة ساكتين عليها, تسمَّح كثير من الأئمة,وبعض الأئمة في يعني في القرن الرابع والخامس برواية أو بتأليف كتب في الترغيب والترهيب والفضائل,وذكْر أحاديث مع السكوت عليها,وأيضًا كذلك في التفسير ابتلي يعني.. نحن كما نعرف انتصب للتأليف في التفسير جماعة بعيدون أحيانًا بعيد جدا عن علم الحديث بعيد جدًّا مثل الزمخشري والثعالبي,وهؤلاء رحمهم الله تعالى صاروا يذكرون في التفسير أحاديث موضوعة,دون بيان,دون بيان لوضعها,ومنهم من فرق الحديث الموضوع,حديث فضائل السور: من قرأ سورة كذا, يذكر في كل سورة ما يناسبها,والحق هذا الحديث مشي على سور القرآن من أوله إلى آخره,ووضع لكل سورة طويلة.يعني هم عقول رحمهم الله, ويعني.. لكن استغلوها في الباطل.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- وأثر علم الحديث عليه في تأليفه لكتابه تفسير القرآن, حيث قام بتنقيحه تنقيح التفسير , ولذلك استفاد منه من جاء بعده , ذكر ابن كثير أقسام الوضاعين, ذكر منهم الزنادقة, وهؤلاء لا إشكال فيهم, ويعني: من أشهرهم شخص يقال له: محمد بن سعيد المصلوب. هذا الذي مر بنا, أنه غَيَّر اسمه على أنواع كثيرة, يقولون: إنه صلب على الزندقة, وقد وضع أحاديث كثيرة, ولكن العلماء -رحمهم الله- تنبهوا له, ومنهم متعبدون هم أصناف, لكن ذكر ابن كثير أخطر صنفين .

ذكر الزنادقة؛ لأنهم أكثروا من الوضع شينا للإسلام ولأهله, ويذكرون أحاديث, يعني: في معانيها, يعني: بعد وللتنفير كما يقولون عن الإسلام.
والنوع الثاني: وهو خطر جدا أيضا , وهم الصالحون هؤلاء المنتسبون للخير وللعبادة , ويضعونها حسبة في أحد الوضاعين, تقول جاريته: مولاي يسهر الليل كله يصلي وفي النهار أو كذا يضع الحديث, أو تقول عنه.. فكان بعضهم يحيي الليل كله , وبعضهم كان غلام خليل هذا معروف في بغداد, يعني: يقتات الباقل من جهده وورعه, ويجتمع عليه الناس للوعظ, ولكنه مع ذلك لا يفقه الحديث هو أصلا, وإنما هو يعني: يورد للترغيب والترهيب, ويرويها بالأسانيد , لا يعرف الحديث.
وفي كثير منهم لا يعرف الحديث, لا يعرف الحديث ولكن.. يعني: هذه هي العبادة بالجهل, يفعلون ما هو محرم شرعا , ويظنونه قربا, لما وضع هذا الواضع حديث فضائل القرآن قيل له: لم وضعته؟ قال: رأيت الناس انشغلوا بمغازي ابن إسحاق وابن أبي حنيفة, وتركوا القرآن؛ فأردت أن أرغبهم فيه. ويعني: هذا هو الذي وصفه ابن كثير بالجهل .
بالمناسبة هو الآن يقول: إن طائفة من الكرامية.. هذه الكرامية معروفة, يعني: عندهم غلو في الإثبات, لكنهم طائفة متأخرون قليلا, يعني: نسبة الوضع إليهم يعني: بأنهم ينقل عنهم أنهم استجازوه , وأما الوضع وأكثر الأحاديث فقد وضعت قبل وجود الكرامية وقبل وجود إمامهم المعروف محمد بن كرام, ذكر ابن كثير بعض القضايا مثل قول بعض الوضاعين: نكذب له.
وانتقد هذه العبارة: "نكذب", يقولون: نكذب للنبي صلى الله عليه وسلم, لا نكذب عليه, وهذا الكلام يعني: رده ابن كثير رحمه الله.
يقول: إن هذا جهل وقلة عقل, ويعني: افتراء عليه صلى الله عليه وسلم, فإن معناه يؤول في الحقيقة إلى أن شريعته غير الثاني, لو أنهم يشددون ما فيها, ثم ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن أبا الفرج بن جوزي نعم ألف كتابا في الموضوعات, وهو من أوائل ما ألف, أو من أول ما ألف, أو أول ما ألف تحت هذا الاسم الذي هو الموضوعات, وإن كان هو.. في أيِّ قرن هو؟ في القرن الخامس, عاش من أوله إلى آخره تقريبا؛ لأن ولادته بعد الخمس مائة بقليل بعشر سنوات, وعاش إلى نهاية القرن السادس, يعني: بعد الخمسمائة, ولد يعني في القرن السادس, هو عاش.. إذن هو يعتمد على كلامه أو كلام غيره؟ يعتمد في الغالب على كلام غيره, على كلام الأئمة, ولكنه هو -رحمه الله- هو جمع هذه, يقول ابن كثير: كتابه منتقد من جهتين:
الجهة الأولى: أنه بقي عليه شيء كثير, وهذا كما قاله ابن كثير, وألف بعض العلماء ألف السيوطي "الزيل" "الموضوعات" تكميلا لهذا يقول: إنه قد بقي عليه, يعني: يمكن مثل ما ذكر أو أكثر.
والانتقاد الثاني: وهو أكثر ما وجه إلى ابن الجوزي أنه أدخل أحاديث لا تصل إلى درجة الوضع, وهذا الذي قالوه صحيح, يعني: فيه أحاديث قد لا يحكم عليها بالوضع, لكن ننتبه.

في نظري.. ويمكن مراجعة كتاب الفوائد المجموعة وتعليقات الشيخ عبد الرحمن المعلم عليه, في نظري أن أكثر ما انتقد على ابن الجوزي الصواب فيه مع من ؟ مع ابن الجوزي, الصواب فيه مع ابن الجوزي؛ لأن المنتقدين أو.. لأن المنتقدين لابن الجوزي ساروا على منهج, وهو أنهم لكي يحكموا على الحديث بالوضع يطلبون أن يكون في إسناده وضاعا, أما ابن الجوزي فقد وسع الدائرة, وطبق ما ذكره ابن كثير هنا, أنه قد يحكم على.. وهو صحيح, قد يحكم على الحديث بالوضع وإن لم يكن في إسناده وضاع بقرائن, وهذا كثير مما انتقد على ابن الجوزي, هو بهذه المثابة.

ويمكن معرفة ذلك بمراجعة مثلا تعليقات المعلم -رحمه الله- ما تركها هو في أحكامه, كثيرا ما ينتسب لابن الجوزي, لا يريد الانتساب بابن الجوزي هو, لكنه يريد أن يبين أن الحديث موضوع رغم اعتراضهم على ابن الجوزي, ثم بعضهم يعترض ويقول: ليس بموضوع .
ولكنه واهي يعني: شديد الضعف جدا, والتمييز بين الواهي وبين.. لأن ابن الجوزي -رحمه الله- ألف كتابا سماه: العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. يعني: جمع فيه ما ليس بموضوع, وإن كان شديد الضعف, فبعض أحاديث كتاب الموضوعات يقول: من حقها أن تنقل إلى الكتاب الآخر والخطب يسير؛ لقرب الدرجة بين الواهي وبين الموضوع.

فالمقصود ينتبه لهذا الشيء؛ لأنه كثير ما يتداول أن ابن الجوزي أسرف في الحكم على.. نعم هو في بعض الأحاديث أسرف, حتى ذكر أحاديث من صحيح مسلم, ولكنه في غالب أحكامه -رحمه الله- مصيب فيها, ذكر ابن كثير مسألة ما نعرج عليها, هو قال -رحمه الله- هذا القول, والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث ؛ لأنه حكى عن بعض المتكلمين أن الوضع لن يقع بالكلية , يعني: ليس هناك أحاديث موضوعة أصلا, وإقحام.. ذكرت أكثر من مناسبة أن إقحام آراء المتكلمين بل وغير المحدثين في كتب المصطلح, يعني: وسع كتب المصطلح, ووسع من دائرة الخلاف, وربما تكون هذه الأقوال المنقولة ليست لأحد من أئمة الحديث, فالآن النقل عمن؟ هذا نقله ابن كثير ليرد عليها, نعم لكن كان الأولى ذكره أو إغفاله, كان الأولى إغفاله نعم؛ لأن الكتاب مختصر أصلا, قد يذكر في كتاب مطول, ولكن هذا الكتاب مختصر, وابن كثير -رحمه الله- قال: إن ذكر هذا الشيء وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء, نعم اقرأ النوع الذي بعده المقلوب نعم .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحادي, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir