دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الجهاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي وصايا النبي لمن يرسله أميرًا على جيش أو سرية


وعنْ سُليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عنْ أبيهِ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَمَّرَ أميرًا على جيشٍ أَوْصَاهُ بتَقْوَى اللَّهِ، وبِمَنْ مَعَهُ مِن المسلمينَ خَيْرًا، ثمَّ قالَ: ((اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدُرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: ادْعُهْمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَفْعَلْ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ بَلْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لَا)). أَخْرَجَهُ مسلمٌ.

  #2  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


11/1190 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِن الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: ((اغْزُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُم: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوا أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلا تَفْعَلْ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي: أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لا)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ): هُم الْجُنْدُ، أَو السَّائِرُونَ إلَى الْحَرْبِ، أَوْ غَيْرُهُ.
(أَوْ سَرِيَّةٍ): هِيَ الْقِطْعَةُ مِن الْجَيْشِ، تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَتَرْجِعُ إلَيْهِ.
(أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِن الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا): بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْغُلُولُ: الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ مُطْلَقاً.
(وَلا تَغْدِرُوا): الْغَدْرُ ضِدُّ الْوَفَاءِ.
(وَلا تُمَثِّلُوا)؛ مِن الْمُثْلَةِ، يُقَالُ: مَثَّلَ بِالْقَتِيلِ: إذَا قَطَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَهُ، أَوْ مَذَاكِيرَهُ، أَوْ شَيْئاً مِنْ أَطْرَافِهِ.
(وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً): الْمُرَادُ غَيْرُ الْبَالِغِ سِنَّ التَّكْلِيفِ.
(وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ)؛ أَيْ: إلَى إحْدَى ثَلاثٍ، كما يَدُلُّ لهُ قَوْلُهُ: (فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ)؛ أَي: الْقِتَالَ. وَبَيَّنَ الثَّلاثَ خِصالٍ بِقَوْلِهِ: (ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ)، وَبَيَانُ حُكْمِ أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ). الْغَنِيمَةُ: مَا أُصِيبَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ.
(وَالْفَيْءِ): هُوَ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلا جِهَادٍ، (شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا)؛ أَي: الإِسْلامَ.
(فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ): هِيَ الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ مِن الثَّلاثِ، (فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ)، وَهَذِهِ هيَ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ.
(وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلا تَفْعَلْ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ). عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا): بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَالرَّاءِ مِنْ أَخْفَرْتُ الرَّجُلَ: إذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ.
(ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ. وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِكَ). عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
فِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَعَثَ الأَمِيرُ مَنْ يَغْزُو أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ يَصْحَبُهُ مِن الْمُجَاهِدِينَ خَيْراً، ثُمَّ يُخْبِرُهُ بِتَحْرِيمِ الْغُلُولِ مِن الْغَنِيمَةِ، وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ، وَتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ. وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالإِجْمَاعِ.
ويَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَدْعُو الأَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ إلَى الإِسْلامِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَتْهُم الدَّعْوَةُ، لَكِنَّها مَعَ بُلُوغِهَا تُحْمَلُ عَلَى الاسْتِحْبَابِ، كَمَا دَلَّ لَهُ إغَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَإِلاَّ وَجَبَ دُعَاؤُهُمْ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى دُعَائِهِمْ إلَى الْهِجْرَةِ بَعْدَ إسْلامِهِمْ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ نَدْباً؛ بِدَلِيلِ مَا فِي الْحَدِيثِ مِن الإِذْنِ لَهُمْ فِي الْبَقَاءِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالْفَيْءَ لا يَسْتَحِقُّها إلاَّ الْمُهَاجِرُونَ، وَأَنَّ الأَعْرَابَ لا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا، إلاَّ أَنْ يَحْضُرُوا الْجِهَادَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى خِلافِهِ، وَادَّعَوْا نَسْخَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَأْتُوا بِبُرْهَانٍ عَلَى نَسْخِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ، كِتَابِيٍّ وغَيْرِ كِتَابِيٍّ، عَرَبِيٍّ وَغَيْرِ عَرَبِيٍّ؛ لِقَوْلِهِ: ((عَدُوَّكَ))، وَهُوَ عَامٌّ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا لا تُقْبَلُ إلاَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس، عَرَباً كَانُوا أَوْ عَجَماً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ))، وَمَا عَدَاهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً}، وَاعْتَذَرُوا عَن الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ وَارِدٌ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ بِدَلِيلِ الأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ وَالْهِجْرَةِ، وَالآيَاتُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
فَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ مَنْسُوخٌ، أَوْ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدُوِّكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ عُمُومُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ هذا، وَأَمَّا الآيَةُ فَأَفَادَتْ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لأَخْذِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلا لِعَدَمِ أَخْذِهَا، وَالْحَدِيثُ بَيَّنَ أَخْذَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَحَمْلُ عَدُوِّكَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الإِرْشَادِ: إنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ إنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُزُولِهَا إلاَّ أَهْلُ الْكِتَابِ، قَالَهُ تَقْوِيَةً لِمَذْهَبِ إمَامِهِ الشَّافِعِيِّ.
وَلا يَخْفَى بُطْلانُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ إلاَّ أَهْلُ الْكِتَابِ، بَلْ بَقِيَ عُبَّادُ النِّيرَانِ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَغَيْرِهِمْ، وَعُبَّادُ الأَصْنَامِ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ.
وَأَمَّا عَدَمُ أَخْذِهَا مِن الْعَرَبِ؛ فَإنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلاَّ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَقَدْ دَخَلَ الْعَرَبُ فِي الإِسْلامِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَدُوٌّ يُحَارِبٌ، فَلَمْ يَبْقَ مِنهم بَعْدَ الْفَتْحِ مَنْ يُسْبَى، وَلا مَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، بَلْ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَن الإِسْلامِ مِنْهُمْ فَلَيْسَ إلاَّ السَّيْفُ أَو الإِسْلامُ، كَمَا ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ.
وَقَدْ سَبَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مِن الْعَرَبِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ، وَهَلْ حَدِيثُ الاسْتِبْرَاءِ إلاَّ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ؟! وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَ عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَتَحَت الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِلادَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَفِي رَعَايَاهُم الْعَرَبُ؛ خُصُوصاً الشَّامَ وَالْعِرَاقَ، وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ عَرَبِيٍّ مِنْ عَجَمِيٍّ، بَلْ عَمَّمُوا حُكْمَ السَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ عَلَى جَمِيعِ مَن اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ.
وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ فَرْضِ الْجِزْيَةِ، وَفَرْضُهَا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ من الفَتْحِ عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةَ؛ وَلِهذَا نَهَى فِيهِ عَن الْمُثْلَةِ، وَلَمْ يَنْزِل النَّهْيُ عَنْهَا إلاَّ بَعْدَ أُحُدٍ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَنَحَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ، وَلا يَخْفَى قُوَّتُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يتَضَمَّنُ الْحَدِيثُ النهْيَ عَنْ إجَابَةِ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُم الأَمِيرُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، بَلْ يَجْعَلُ لَهُمْ ذِمَّتَهُ، وَقَدْ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الأَمِيرَ وَمَنْ مَعَهُ إذَا أَخْفَرَ ذِمَّتَهُمْ؛ أَيْ: نَقَضُوا عُهُودَهُمْ، فَهُوَ أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَخْفِرُوا ذِمَّتَهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ نَقْضُ الذِّمَّةِ مُحَرَّماً مُطْلَقاً.
قِيلَ: وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، لا لِلتَّحْرِيمِ، وَلَكِنَّ الأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَدَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ لا تَتِمُّ.
وَكَذَلِكَ تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ إنْزَالِهِمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تعالى، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لا يَدْرِي أَيُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لا، فَلا يُنْزِلُهُمْ عَلَى شَيْءٍ لا يَدْرِي أَيَقَعُ أَمْ لا، بَلْ يُنْزِلُهُمْ عَلَى حُكْمِهِ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسَائِلِ الاجْتِهَادِ مَعَ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيباً لِلْحَقِّ، وَقَدْ أَقَمْنَا أَدِلَّةَ حَقِّيَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ.

  #3  
قديم 24 محرم 1430هـ/20-01-2009م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


1103 - وَعَنْ سُليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: كَانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جيشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بتَقْوَى اللهِ وبِمَنْ مَعَهُ مِن المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قالَ: ((اغْزُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فِي سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمُ: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ هُم أَبَوْا فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِاللهِ تَعَالَى وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلا تَفْعَلْ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ؛ فَإِنَّكُمْ أنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَلا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى أَمْ لا)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- فِي خَاصَّتِهِ: مُتَعَلِّقٌ بِـ (تَقْوَى اللَّهِ) وَخَاصَّتُهُ: مَا يَخُصُّ نَفْسَهُ مِنْ شُؤُونِهِ.
- بِمَنْ مَعَهُ: كَأَنَّهُ قَالَ: أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّتِهِ، وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِن الْمُسْلِمِينَ خَيْراً.
- خَيْراً: مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ.
- عَلَى اسْمِ اللَّهِ – فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مُتَعَلِّقٌ بِـ (اغْزُوا) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي ظَرْفاً لَهُ، وَيَكُونَ الأَوَّلُ حَالاً.
- قَاتِلُوا: جُمْلَةٌ مُعْتْرِضَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِـ (اغْزُوا) فَأَعَادَ (اغْزُوا)؛ لِتَعَقُّبِهِ بِالمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ.
- وَلا تَغُلُّوا: غَلَّ – مِنْ بَابِ نَصَرَ – غُلُولاً، فَهُوَ غَالٌّ، وَالْغُلُولُ: الْخِيَانَةُ مِنَ المَغْنَمِ، وَكُلُّ مَنْ خَانَ خِفْيَةً فَقَدْ غَلَّ.
- لا تَغْدِرُوا: بِكَسْرِ الدَّالِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالغَدْرُ: تَرْكُ الوفاءِ بالعهدِ.
- إِذَا لَقِيتَ: هَذَا مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ، فَبَعْدَ أَنْ خَاطَبَ الجيشَ عَامَّةً، خَصَّ الأميرَ وَحْدَهُ بالخِطَابِ، فَدَخَلُوا بالتَّبَعِيَّةِ.
- فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ: يَعْنِي إِلَى إِحْدَى الثَّلاثِ، وَهِيَ: الإِسْلامُ، أَوْ عَطَاءُ الجِزْيَةِ، أَو الْمُقَاتَلَةُ.
- التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِم: الْمُرَادُ بالتَّحَوُّلِ الانْتِقَالُ وَالْهِجْرَةُ مِنْ بلادِ الْكُفْرِ إِلَى بلادِ الْمُسْلِمِينَ.
- ثُمَّ ادْعُهُمْ: كَرَّرَ لِمَزِيدِ التأكيدِ.
- أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ: وَاحِدُهُ أَعْرَابِيٌّ، لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ؛ لأَنَّ البقاءَ بالباديةِ سَبَبٌ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الشريعةِ؛ لِقِلَّةِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
- الْغَنِيمَةِ: جَمْعُهَا غَنَائِمُ: يُقَالُ: غَنِمَ فُلانٌ غَنِيمَةً، فَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الغُنْمِ، وَأَصْلُهَا: الرِّبْحُ وَالفَضْلُ، وَهِيَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالٍ حَرْبِيٍّ قَهْراً بِقِتَالٍ.
- الْفَيْءِ: أَصْلُهُ: الرُّجُوعُ، يُقَالُ: فَاءَ الظِّلُّ: إِذَا رَجَعَ نَحْوَ المَشْرِقِ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَاصِلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: فَيْئاً؛ لأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ.
- وَهُوَ اصْطِلاحاً: مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ كَافِرٍ بِحَقِّ الْكُفْرِ بِلا قِتَالٍ.
- الْجِزْيَةَ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْجَزَاءِ، وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كُلَّ عَامٍ بَدَلاً مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا.
- حِصْنٍ: حَصُنَ الْمَكَانُ حَصَانَةً، فَهُوَ حَصِينٌ، وَالحِصْنُ: الْمَوْضِعُ المَنِيعُ: جَمْعُهُ: حُصُونٌ، وَالحَصِينُ: المُحْكَمُ الْمَنِيعُ.
- ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ: الذِّمَّةُ هُنَا مَعْنَاهَا: عَقْدُ الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يَنْقُضَ الذِّمَّةَ مَنْ لا يَعْرِفُ حَقَّهَا، وَيَنْتَهِكَ حُرْمَتَهَا مَنْ لا تَمْيِيزَ لَهُ مِن الجَيْشِ.
- تُخْفِرُوا: بِضَمِّ التاءِ، وَسُكُونِ الخاءِ، ثُمَّ فاءٍ مَكْسُورَةٍ، وَرَاءٍ، يُقَالُ: أَخْفَرْتُ الرَّجُلَ: إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ، وَخَفَرْتُهُ: بِمَعْنَى أَمَّنْتُهُ وَحَمَيْتُهُ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- هَذَا الْحَدِيثُ الشريفُ الصَّحِيحُ يَصِفُ أَحْسَنَ وَصْفٍ للجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مِنْ مصدرِهِ الأصليِّ؛ المُشَرِّعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ، وَمَا تَتَّصِفُ بِهِ تِلْكَ الحروبُ الإسلاميَّةُ مِن العدلِ والإنصافِ، وَمَا تَتَحَلَّى بِهِ مِن الرَّحْمَةِ، وَمَا تَهْدِفُ إِلَيْهِ مِن الْبِرِّ، وَالإحسانِ، وَمَا تَتَمَسَّكُ بِهِ مِن العهودِ والمواثيقِ، وَأَنَّهَا بِخِلافِ مَا يَصِفُهَا بِهِ أَعْدَاءُ الإِسْلامِ، مِن القسوةِ، والعُنْفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَوْصَافِ الَّتِي يُلْحِقُونَهَا بِهَا، إِمَّا جَهْلاً وَتَقْلِيداً، وإمَّا عَدَاوَةً وَحِقْداً.
2- أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَبْعَثُ أَمِيراً عَلَى سَرِيَّةٍ إِلاَّ أَوْصَاهُ، وَأَوْصَى سَرِيَّتَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَنْبَغِي لَهُم اتِّبَاعُهُ فِي غَزْوَتِهِمْ مِن الأحكامِ والآدابِ والفضائلِ.
3- الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِثِقَتِهِم الكبيرةِ بِنَبِيِّهِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإيمانِهِم العميقِ بِحُسْنِ وَصَايَاهُ وَكَبِيرِ فَائِدَتِهَا؛ فَإِنَّهُمْ يُنَفِّذُونَهَا وَفْقَ مَا رَسَمَهَا لَهُمْ، بِغِبْطَةٍ وَفَرْحَةٍ، مُتَمَثِّلِينَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. [الْحَشْر: 7] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [النُّور: 63].
4- كَانَ أَوَّلُ زَادٍ مِنْ وَصَايَاهُ الحكيمةِ الرشيدةِ هِيَ الوصيةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَتَقْوَى اللَّهِ كَلِمَةٌ صغيرةٌ تَجْمَعُ كُلَّ خَيْرٍ، وَتُبْعِدُ كُلَّ شَرٍّ، فَهِيَ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، وَإِذَا حَلَّتِ التَّقْوَى قَلْبَ الْعَبْدِ صَارَتْ هِيَ الرقيبَ الَّذِي لا يَغِيبُ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِ، فَإِنَّهَا تُرَاقِبُهُ وَتُصَرِّفُهُ؛ لِتَكُونَ دَائِماً المُهَيْمِنَ عَلَيْهِ، فَتَقِيَهُ شَرَّ نَفْسِهِ، وَشَرَّ غَيْرِهِ، مِنْ شَيَاطِينِ الإنسِ والجنِّ.
5- أَوْصَاهُ بِأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، فَلا يَسْتَغِلَّ سُلْطَتَهُ، وَإِمَارَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَيَغْتَنِمَ فُرْصَةَ اتِّبَاعِهِم أَمْرَهُ وَتَنْفِيذِهِم رَغْبَتَهُ بِمَصَالِحِهِ الخاصَّةِ وَطَلِبَاتِهِ المَحْدُودَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَمْرُهُ عَلَيْهِمْ وَنَهْيُهُ فِيهِمْ وفقَ المصلحةِ الْعَامَّةِ لَهُمْ وللمُسْلِمِينَ عَامَّةً.
6- تَصْحِيحُ النِّيَّةِ، وَسَلامةُ الطَّوِيَّةِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ غَزْوَتُهُم مَقْصُوداً بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، والدارُ الآخِرَةُ، بإرادةِ نُصْرَةِ الإِسْلامِ، وَنَشْرِ دَعْوَةِ التوحيدِ، فَإِنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، فَلا يَكُونُ الْقَصْدُ مِن الغَزْوِ الغنيمةَ، أَوْ مُجَرَّدَ الاستيلاءِ عَلَى الأعداءِ، أَوْ إرادةَ الشجاعةِ والظهورِ، فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَى اسْمِهِ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا.
7- ((قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ)). هَذَا هُوَ الهدفُ مِن الجهادِ، وَهُوَ قتالُ الْكُفَّارِ؛ لِيَدْخُلُوا فِي دِينِ الإِسْلامِ، فَإِذَا دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَدَخَلَ الإيمانُ قلوبَهُم، عَرَفُوا أَنَّ قِتَالَكُم لَهُمْ مَا هُوَ إِلاَّ علاجٌ لأنفسِهِم، وَدَوَاءٌ لِقُلُوبِهِم المريضةِ بالكفرِ والشركِ بِاللَّهِ تَعَالَى.
((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ رِجَالٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ‍!)). فَلَوْلا قَاعِدَةُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ بِبَقَاءِ الْكُفْرِ، والضلالِ، وامتدادِ الجهلِ، والظلامِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}. [البقرة: 251].
8- ((لا تَغُلُّوا)) الْغُلُولُ: الْخِيَانَةُ فِي الغنيمةِ، وَإِذَا وُجِدَتِ الخيانةُ فِي الغنائمِ فَسَدَتْ نِيَّةُ الجهادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَصَارَ الْغَرَضُ هُوَ الطَّمَعَ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَغْزُوا، وَلَنْ يُتَوَقَّعَ النصرُ إِلاَّ بِحُسْنِ نِيَّتِكُمْ وَقَصْدِكُمْ، فَإِذَا فَسَدَتِ النِّيَّةُ يُدَالُ عَلَيْكُمْ، وَيَنْتَصِرُ عَدُوُّكُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}. [آل عِمْرَان: 152].
9- ((لا تَغْدِرُوا))، الغَدْرُ: نَقْضُ العهدِ، فَهُوَ ضِدُّ الْوَفَاءِ، بَلْ أَتِمُّوا لَهُمْ مَا عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ.
10- ((وَلا تُمَثِّلُوا))، بِأَنْ تُقَطِّعُوا أَطْرَافَ القتيلِ: كَيَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ، وَأُذُنَيْهِ، وَأَنْ يُبْقَرَ بَطْنُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ تَشْوِيهِهِ، فَإِنَّ هَذَا قِتَالُ مَنْ يُرِيدُ الانتقامَ، لا قِتَالُ مَنْ يُرِيدُ الإحسانَ.
11- ((وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً)). النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ هُم دُونَ البلوغِ.
12- وُجُوبُ دَعْوَةِ الْعَدُوِّ والمُشْرِكِ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ، فَإِنْ هُم أَجَابُوكَ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، هِيَ: الإِسْلامُ، أَو الجزيةُ، أَو القتالُ.
وَإِذَا أَجَابُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَلا بُدَّ أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ؛ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِمْ، وَلِيُكْثِرُوا سَوَادَهُم، وَلِيَكُونَ لَهُمْ مَا للمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ.
13- قَائِدُ الجيشِ إِذَا عَقَدَ عَهْداً مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَهْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَهْدَ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ لَهُمْ عَهْدَهُ الخَاصَّ؛ لِئَلاَّ يَنْقُضَ العَهْدَ وَيَغْدِرَ، وَعَهْدُ اللَّهِ وَعَهْدُ الرسولِ مُنَزَّهَانِ عَن الغدرِ، وَلَكِنْ إِذَا جَعَلَ لَهُمْ عَهْدَهُ فَنُقِضَ كَانَ أَهْوَنَ إِثْماً.
14- إِذَا أَرَادَ قَائِدُ الجيشِ أَو السَّرِيَّةِ إنزالَ عَدُوِّهِ مِن الْمُشْرِكِينَ عَلَى حُكْمٍ، فَلْيَكُنْ عَلَى حُكْمِهِ هُوَ واجتهادِهِ، لا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ المجتهدَ لا يَدْرِي أَيُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ يُخْطِئُهُ؟ فَإِذَا أَخْطَأَهُ فَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
15- هَذِهِ هِيَ آدابُ الحروبِ الإسلاميَّةِ وَالجهادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: التَّقْوَى، والاعتمادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، والدعوةُ إِلَى الْخَيْرِ والدخولِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا دَخَلَ الإِنْسَانُ فِي الإِسْلامِ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَعْمَراً وَلا مُسْتَرَقًّا، وَلا مُضْطَهَداً، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْلِمٌ، لَهُ مَا للمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَلَهُم الحُرِّيَّةُ فِي البقاءِ عَلَى دِينِهِمْ، عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا جِزْيَةً، هِيَ لِحَقْنِ دِمَائِهِم، والحفاظِ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَرِعَايَةِ مَصَالِحِهِم.
فَإِنْ أَبَوْا عَنْ هَذَا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْوُقُوفِ فِي وَجْهِ الدعوةِ، فَلَمْ يَدَعُوهَا تَبْلُغُ المُسْتَعِدِّينَ لِقَبُولِهَا، فَالْمُسْلِمُونَ مُضْطَرُّونَ لِقِتَالِهِم؛ لِتَصِلَ دعوةُ اللَّهِ وَدِينُهُ حَيْثُ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا قامَ قتالُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عَدُوِّهِمْ، فَإِنَّهُ قِتَالُ رَحْمَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لا عَلاقَةَ لَهُ بالقتالِ لا يُقْتَلُ، فَلا يُقْتَلُ شيخٌ كَبِيرٌ، وَلا رَاهِبٌ فِي مَعْبَدِهِ، وَلا صَبِيٌّ، وَلا امْرَأَةٌ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ القتالُ إِلَى المُقَاتِلِينَ الْمُعَانِدِينَ، الصَّادِّينَ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّ هَذَا القتالَ لَيْسَ قِتَالَ ثَأْرٍ وَانْتِقَامٍ، يَحْصُلُ بِهِ تَمْثِيلٌ، وَتَشْوِيهٌ للقَتْلَى، فَلا تُمَثِّلُوا.
وَإِذَا أُبْرِمَ عَهْدٌ مَعَ الْعَدُوِّ، فَلْيُحَافَظْ عَلَى الوفاءِ بِهِ وَالْتِزَامِ شُرُوطِهِ وَبُنُودِهِ، وَلْيُعْقَدْ عَلَى ذِمَّةِ القائدِ، وَلا يُعْقَدْ عَلَى ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَحْصُلَ غَدْرٌ، فَتُنْسَبَ الخيانةُ والغدرُ إِلَى عهدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلا وَإِلَى رسولِهِ، وَهُمْا مُبَرَّآنِ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إِذَا أُرِيدَ نزولُ الْعَدُوِّ عَلَى الْحُكْمِ، فَلا يَنْزِلُونَ إِلاَّ عَلَى حُكْمٍ مَنْسُوبٍ إِلَى اجتهادِ القائدِ، لا إِلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِئَلاَّ تُخْطِئُوا فِي الْحُكْمِ، فَيَكُونَ الْخَطَأُ مَنْسُوباً إِلَى أحكامِ اللَّهِ، فَإِنَّ القائدَ بِاجْتِهَادِهِ لا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ عَلَى الْحَقِّ نَفْسُ الأَمْرِ - وَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَمُرَادُهُ - أَمْ لا؟
16- قَالَ الأُسْتَاذُ سَيِّدٌ قُطْبٌ: (إِنَّ الإِسْلامَ يَسْتَبْعِدُ الحروبَ الَّتِي تُثِيرُهَا المَطَامِعُ، وَالْمَنَافِعُ، وحروبَ الاستعمارِ والاستغلالِ والبحثِ عَن الأسواقِ والخاماتِ، وَاسْتِرْقَاقِ الْمَرَافِقِ وَالرِّجَالِ، كَمَا يَسْتَبْعِدُ أيضاً الحروبَ الَّتِي يُثِيرُهَا حُبُّ الأَمْجَادِ الزَّائِفَةِ، وَالْمَغَانِمِ الشَّخْصِيَّةِ، فَلا مَكَانَ لهذهِ الحروبِ، وَهُوَ يَأْمُرُ بالتعاونِ عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى، لا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النبي, وصايا

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir