دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:51 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي نصب المضارع في جواب الترجي، والنصب بـ(أن) المحذوفة


والفعلُ بعدَ الفاءِ في الرَّجَا نُصِبْ = كنَصْبِ ما إلى التَّمَنِّى يَنْتَسِبْ
وإنْ على اسمٍ خالصٍ فِعْلٌ عُطِفْ = تَنْصِبُهُ أنْ ثابِتًا أوْ مُنْحَذِفْ
وشَذَّ حَذْفُ أَنْ ونَصْبٌ في سِوَى = ما مَرَّ فاقْبَلْ منهُ ما عَدْلٌ رَوَى


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 07:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وَالفِعْلُ بَعْدَ الفاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ = كَنَصْبِ مَا إِلَى التَّمَنِّي يَنْتَسِبْ([1])
أجازَ الكوفيونَ قاطبةً أنْ يُعاملَ الرجاءُ معاملةَ التمنِّي، فيُنصَبُ جوابُه المقرونُ بالفاءِ، كما نُصِبَ جوابُ التمني، وتَابَعَهُم المصنِّفُ، ومما ورَدَ منه قولُه تعالى: { لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} في قراءةِ مَنْ نصَبَ {أَطَّلِعَ} وهو حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ.

وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ = تَنْصِبُهُ "أَنْ" ثَابِتًا أَوْ مُنْحَذِفْ([2])
يجُوزُ أنْ يُنصَبَ بأنْ محذوفةً أو مذكورةً، بعد عاطفٍ تقدَّمَ عليه اسمٌ خالصٌ أي: غيرُ مقصودٍ به معنى الفعلِ وذلك كقولِه:
330- وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي = أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ([3])
فـ "تَقَرَّ" منصوبٌ بـ "أَنْ" محذوفةً، وهي جائزةُ الحذفِ؛ لأنَ قبلَه اسمًا صريحًا، وهو لُبْسُ، وكذلك قولُه:
331- إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ = كَالثَّوْرِ يَضْرِبُ لَمَّا عَافَت ِالبَقَرُ([4])
فـ "أُعْقِلَهُ" منصوبٌ بـ "أَنْ" محذوفةً، وهي جائزةُ الحذفِ؛ لأن قبلَه اسمًا صريحًا، وهو "قَتْلِي"، وكذلكَ قولُه:
332- لَوْلاَ تَوَقُّعُ مُعَتَرٍّ فَأُرْضِيَهُ = مَا كُنْتُ أُوْثِرُ إِتْرَابًا عَلَى تَرَبِ ([5])
فـ "أُرْضِيَهُ" منصوبٌ بـ "أَنْ" محذوفةً جوازًا بعدَ الفاءِ؛ لأن قبلَها اسمًا صريحًا، وهو "تَوَقُّعُ" وكذلك قولُه تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} فـ{ يُرْسِلَ} مَنْصوبٌ بـ "أَنْ" الجائزةِ الحذفِ؛ لأن قبلَه " وحيًا" وهو اسمٌ صريحٌ.
فإنْ كانَ الاسمُ غيرَ صريحٍ أي: مقصودًا به معنى الفعلِ لم يجُزِ النصبُ نحو: "الطائرُ فَيَغْضَبُ زَيْدٌ الذبابُ" فـ "يَغْضَبُ" يجِبُ رفْعُه ؛لأنه معطوفٌ على "طائرٍ" وهو اسمٌ غيرُ صريحٍ؛ لأنه واقعٌ موقعَ الفعلِ، من جهةِ أنه صلةٌ لأل، وحقُّ الصلةِ أن تكُونَ جملةً، فوضَعَ "طائر" موضِعَ "يَطِيرُ" والأصلُ "الذي يطيرُ" فلما جِيءَ بأل عُدِلَ عن الفعلِ إلى اسمِ الفاعلِ لأجلِ أل؛ لأنها لا تدخُلُ إلا على الأسماءِ.
وَشَذَّ حَذْفُ "أَنْ" وَنَصْبٌ، في سوى = مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى ([6])
لمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الأماكنِ التي يُنصَبُ فيها بـ "أَنْ" محذوفةً، إِمَّا وجوبًا، وَإِمَّا جوازًا، ذَكَرَ أنَّ حَذْفَ أنْ والنَّصْبَ بها في غيرِ ما ذُكِرَ شاذٌ لا يقاسُ عليه ومنه قولُهم: "مُرْهُ يَحْفِرَهَا" بنصبِ "يَحْفِرَ" أي: مُرْهُ أَنْ يَحْفِرَهَا وَمَنْه قَوْلُهُمْ: "خُذِ اللصَّ قبلَ يَأْخُذَكَ" أي: قبلَ أَنْ يأخذَكَ ومنه قولُه:
333- أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى = وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْْلِدِي([7])
في روايةِ مَنْ نَصَبَ أَحْضُرَ أي: أَنْ أَحْضُرَ.


([1])(والفعل) مبتدأ (بعد) ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في قوله: (نصب) الآتي، وبعد مضاف و(الفاء) مضاف إليه (في الرجا) قصر للضرورة: جار ومجرور متعلق بقوله: (نصب) الآتي (نصب) فعل ماض مبني للمجهول. وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل نائب فاعل والجملة من نصب ونائب فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ (كنصب) جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف: أي نصب نصبا كائنا كنصب – إلخ، ونصب مضاف و(ما) اسم موصول: مضاف إليه (إلى التمني) جار ومجرور متعلق بقوله: (ينتسب) الآتي (ينتسب) فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة والجملة من ينتسب وفاعله المستتر فيه لا محل لها من الإعراب صلة (ما) الموصولة.

([2])(إن) شرطية على اسم جار ومجرور متعلق بقوله: (عطف) الآتي (خالص) نعت لاسم (فعل) نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وتقدير الكلام: وإن عطف فعل (عطف) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل والجملة من عطف المذكور وفاعله المستتر فيه لا محل لها من الإعراب مفسرة (تنصبه) تنصب: فعل مضارع جواب الشرط والهاء مفعول به (أن) قصد لفظه: فاعل تنصب (ثابتا) حال من (أن) (أو) عاطفة (منحذف) معطوف على قوله: (ثابتا) ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.

([3])330 - البيت لميسون بنت بحدل زوج معاوية بن أبي سفيان وأم ابنه يزيد.
اللغة: (عباءة) جبة من الصوف ونحوه، ويقال فيها عباية أيضا (تقر عيني) كناية عن سكون النفس وعدم طموحها إلى ما ليس في يدها (الشفوف) جمع شف – بكسر الشين وفتحها – وهو ثوب رقيق يستشف ما وراءه.
الإعراب: (ولبس) مبتدأ ولبس مضاف و(عباءة) مضاف إليه (وتقر) الواو واو العطف تقر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الواو العاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل (عيني) عين: فاعل تقر وعين مضاف وياء المتكلم مضاف إليه (أحب) خبر المبتدأ (إلي) جار ومجرور متعلق بأحب (من لبس) جار ومجرور متعلق بأحب أيضا، ولبس المضاف و(الشفوف) مضاف إليه.
الشاهد فيه: قولها: (وتقر) حيث نصبت الفعل المضارع – وهو تقر – بأن مضمرة جوازا بعد واو العطف التي تقدمها اسم خالص من التقدير بالفعل وهو لبس.
والمراد بالاسم الخالص: الاسم الذي لا تشوبه شائبة الفعلية، وذلك بأن يكون جامدا جمودا محضا، وقد يكون مصدرا كلبس في هذا الشاهد وقد يكون اسما علما كما تقول: لولا زيد ويحسن إلي لهلكت، أي لولا زيد وإحسانه إلي ومن هذا القبيل قول الشاعر:
ولولا رجال من رزام أعزة = وآل سبيع أو أسوأك علقما
أسوأك: منصوب بأن المضمرة والمعطوف عليه رجال، وعلقم: منادى بحرف نداء محذوف، وأصله "علقمة" فرخمة بحذف التاء على لغة من ينتظر الحرف المحذوف.
([4])331 - البيت لأنس بن مدركة الخثعمي وقد سقط برمته من بعض نسخ الشرح.

اللغة: (سليكا) بصيغة المصغر: هو سليك ابن السلكة – بزنة همزة، وهي أمه – أحد ذؤبان العرب وشذاذهم وكان من حديثه أنه مر ببيت من خثعم، وأهله خلوف فرأى امرأة شابة بضة فنال منها: فعلم بهذا أنس بن مدركة الخثعمي فأدركه فقتله (أعقله) مضارع عقل القتيل، أي: أدى ديته (عافت) كرهت وامتنعت وأراد: أن البقر إذا امتنعت عن ورود الماء لم يضربها راعيها لأنها ذات لبن وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب ويقال: الثور في هذا الكلام نبت من نبات الماء تراه البقر حين ترد الماء فتعاف الورود فيضربه البقار لينحيه عن مكان ورودها حتى ترد انظر حيوان الجاحظ (1 / 18) والأول أشهر وأعرف ووقع في شعر الأعشى ما يبينه وقال الهيبان الفقيمي وعبر عن الثور باليعسوب على التشبيه:
كما ضرب اليعسوب أن عاف باقر = وما ذنبه إن عافت الماء باقر
المعنى: يشبه نفسه إذ قتل سليكا ثم وداه – أي: أدى ديته – بالثور يضربه الراعي لتشرب الإناث من البقر، والجامع في التشبيه بينهما تلبس كل منهما بالأذى لينتفع سواه.
الإعراب: (إني) إن: حرف توكيد ونصب، وياء المتكلم اسمه (وقتلي) الواو عاطفة, قتل: معطوف على اسم إن، وقتل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله (سليكا) مفعول به لقتل (ثم) حرف عطف (أعقله) أعقل: فعل مضارع منصوب بأن محذوفة جوازا وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والهاء مفعول به (كالثور) جار ومجرور متلق بمحذوف خبر إن (يضرب) فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الثور، والجملة من يضرب ونائب فاعله المستتر فيه في محل نصب حال من الثور (لما) حرف ربط (عافت) عاف: فعل ماض، والتاء للتأنيث (البقر) فاعل عاف.
الشاهد فيه: قوله: (ثم أعقله) حيث نصب الفعل المضارع – وهو قوله: (أعقل) – بأن مضمرة جوازا بعد ثم التي للعطف، بعد اسم خالص من التقدير بالفعل وهو (قتلى).
والاسم الخالص من التقدير بالفعل هو الاسم الجامد سواء أكان مصدرا كما في هذا البيت وبيت ميسون بنت بحدل (رقم 330) والبيت الآتي رقم (332) أم كان غير مصدر كما قد ذكرنا لك ذلك واستشهدنا له في شرح البيت السابق.

([5])332 - البيت من الشواهد التي لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.
اللغة: (توقع) انتظار، وارتقاب (معتر) هو الفقير الذي يتعرض للجدى والمعروف (أوثر) أفضل، وأرجح (إترابا) مصدر أترب الرجل إذا استغنى (ترب) هو الفقر والعوز وأصله لصوق اليد بالتراب.
المعنى: يقول: لولا أنني أرتقب أن يتعرض لي ذو حاجة فأقضيها له ما كنت أفضل الغنى على الفقر. وللعلامة الصبان – وتبعه العلامة الخضري – هنا زلة سببها عدم الوقف على معاني الكلمات كما ذكرنا، وتقليد من سبقه والله يغفر لنا وله ويتجاوز عنا وعنه.
الإعراب: (لولا) حرف يقتضي امتناع الجواب لوجود الشرط (توقع) مبتدأ، وخبره محذوف وجوبا، وتقدير الكلام: لولا توقع معتر موجود، وتوقع مضاف و(معتر) مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله (فأرضيه) الفاء عاطفة، أرضي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الفاء العاطفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والهاء مفعوله (ما) نافية (كنت) كان: فعل ماض ناقص والتاء اسمه (أوثر) فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والجملة من أوثر وفاعله المستتر فيه في محل نصب خبر كان وجملة كان واسمه وخبره جواب لولا (إترابا) مفعول به لأوثر (على ترب) جار ومجرور متعلق بأوثر.
الشاهد فيه: قوله: (فأرضيه) حيث نصب الفعل المضارع – وهو (أرضي) – بأن مضمرة جوازا بعد الفاء العاطفة التي تقدم عليها اسم صريح وهو قوله: (توقع).

([6]) و(شذ) فعل ماض (حذف) فاعل شذ وحذف مضاف و(أن) قصد لفظه: مضاف إليه (ونصب) معطوف على حذف (في سوى) جار ومجرور متعلق بنصب وسوى مضاف و(ما) اسم موصول: مضاف إليه (مر) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى (ما) الموصولة والجملة لا محل لها صلة (فاقبل) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (منه) جار ومجرور متعلق باقبل (ما) اسم موصول: مفعول به لاقبل (عدل) مبتدأ (روى) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عدل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو عدل والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الموصول الواقع مفعولا به لاقبل والعائد ضمير منصوب بروى، والتقدير: فاقبل الذي رواه عدل.

([7])333 - هذا البيت من معلقة طرفة بن العبد البكري.
اللغة: (الزاجري) الذي يزجرني أي: يكفني ويمنعني (الوغى) القتال والحرب، وهو في الأصل،: الجلبة والأصوات (مخلدي) أراد هل تضمن لي الخلود ودوام البقاء إذا أحجمت عن القتال ومنازلة الأقران؟ ينكر ذلك على من ينهاه عن اقتحام المعارك ويأمره بالقعود والإحجام.
الإعراب: (ألا) أداة تنبيه (أيهذا) أي: منادى بحرف نداء محذوف، وها: حرف تنبيه وذا: اسم إشارة نعت لأي، مبني على السكون في محل رفع (الزاجري) الزاجر: بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة والزاجر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله (أحضر) فعل مضارع منصوب بأن محذوفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا و(أن) المحذوفة وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف: أي يزجرني عن حضور الوغى (الوغى) مفعول به لأحضر (وأن) مصدرية (أشهد) فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا (اللذات) مفعول به لأشهد (هل) حرف استفهام (أنت) مبتدأ (مخلدي) مخلد: خبر المبتدأ، ومخلد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله.
الشاهد فيه: قوله: (أحضر) حيث نصب الفعل المضارع – وهو قوله: (أحضر) – بأن محذوفة في غير موضع من المواضع التي سبق ذكرها وإنما سهل ذلك وجود (أن) ناصبة لمضارع آخر في البيت وذلك في قوله: (وأن أشهد اللذات).
واعلم أن البيت يروى بوجهين في قوله: (أحضر) أحدهما رفعه وهي رواية البصريين وعلى رأسهم سيبويه رحمه الله، وثانيهما نصبه وهي رواية الكوفيين قال الأعلم الشنتمري: (والشاهد في البيت – عند سيبويه – رفع (أحضر) لحذف الناصب وتعريه منه، والمعنى لأن أحضر الوغى، وقد يجوز النصب بإضمار (أن) ضرورة وهو مذهب الكوفيين) ا هـ.
واعلم أيضا أن النحاة يختلفون في جواز حذف أن المصدرية مع بقاء الحاجة إلى السبك – سواء أرفعت المضارع بعد حذفها، أم أبقيته على نصبه – فذهب الأخفش إلى جواز الحذف وجعل منه قوله تعالى: {أفغير الله تأمروني أعبد} جعل {أعبد} مسبوكا بأن المصدرية محذوفة والمصدر مجرور بحرف جر محذوف: أي بالعبادة، ومنه قولهم: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" أي سماعك، وذهب أكثر النحاة إلى أن ذلك لا يسوغ في السعة، فلا يخرج عليه القرآن الكريم.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 07:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلٌ: ويُنْصَبُ بـ (أنْ) مُضْمَرَةً جَوَازاً بعدَ خَمْسَةٍ أيضاً:
أَحَدُها: اللامُ إذَا لم يَسْبِقْها كونٌ نَاقِصٌ ماضٍ مَنْفِيٌّ ولم يَقْتَرِنِ الفعلُ بلا، نحوُ: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}([1])، {وَأُمِرْتُ لأَنَّ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}([2]).
فإنْ سُبِقَتْ بالكونِ المذكورِ وَجَبَ إضمارُ (أنْ) كما مَرَّ([3]).
وإنْ قُرِنَ الفعلُ بلا نافيةً أو مُؤَكَّدَةً وَجَبَ إِظْهَارُها، نحوُ: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}([4])، {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}([5]).
والأربعةُ الباقيةُ: أو والواوُ والفاءُ وثُمَّ، إذا كانَ العطفُ على اسمِ ليسَ في تأويلِ الفعلِ، نحوُ: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً}([6]) في قراءةِ غَيْرِ نافعٍ بالنصبِ عَطفاً على (وَحْياً)، وقولِه:
505- ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي([7])
وقولِه:
506- لَوْلاَ تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ فَأُرْضِيَهُ([8])
وقولِه:
507- إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكاً ثُمَّ أَعْقِلَهُ([9])
وتقولُ: (الطَّائِر فيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبَابُ)، بالرفعِ وُجُوباً؛ لأنَّ الاسمَ في تأويلِ الفعلِ؛ أي: الذي يَطِيرُ([10]).
ولا يُنْصَبُ بـ (أنْ) مُضْمَرَةً في غيرِ هذه المواضِعِ العَشَرَةِ إلاَّ شَاذًّا؛ كقولِ بَعْضِهِم: (تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ)([11])، وقولِ آخَرَ: (خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ يَأْخُذَكَ)([12])، وقراءةِ بَعْضِهِم: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغَهُ)([13]).

([1]) سورةُ الأنعامِ، الآيةُ: 71.

([2]) سورةُ الزُّمَرِ، الآيةُ: 12

([3]) اللامُ التي لم يَسْبِقْها الكونُ الماضي المنفيُّ هي لامُ التعليلِ، وقد يُعَبَّرُ عنها بلامِ كي، واللامُ التي سَبَقَها الكونُ الماضي المنفيُّ هي لامُ الجُحُودِ.
ومِن هذا الكلامِ يَتَبَيَّنُ لكَ أنَّ لأنِ المصدريَّةِ بعدَ اللامِ ثلاثُ حالاتٍ:
الأولى: وجوبُ الإضمارِ، وهذه الحالةُ فيما إذا كانَتِ اللامُ هي لامَ الجُحُودِ، نحوُ قولِه تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}.
الحالةُ الثانيةُ: وجوبُ الإظهارِ، وهذه الحالةُ فيما إذَا قُرِنَ الفعلُ المضارِعُ بلا النافيةِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}.
والحالةُ الثالثةُ: جوازُ الإضمارِ والإظهارِ، وهذه الحالةُ فيما إذا كانَتِ اللامُ هي لامَ التعليلِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} وهذا شاهدُ الإضمارِ، ونحوُ قولِه سُبْحَانَهُ: {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ}، وهذا شاهدُ الإظهارِ.
هذا، والقولُ بأنَّ ناصِبَ المضارِعِ بعدَ لامِ التعليلِ هو أنِ المُضْمَرَةُ جَوَازاً هو قولُ جُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ، وفي المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ أُخْرَى:
أَحَدُها: أنَّ الناصِبَ للمضارِعِ هو لامُ التعليلِ نفسُها، وهو قولُ جُمْهُورِ الكُوفِيِّينَ، وقالوا معَ ذلك: إذا ذُكِرَتْ (أنْ) بعدَ اللامِ، نحوُ: {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ} فأنْ مُؤَكِّدَةٌ لِلاَّمِ.
والقولُ الثاني: أنَّ الناصِبَ للمضارِعِ هو اللامُ؛ لِنِيَابَتِهَا عن أنِ المحذوفةِ، وهذا يَسْتَلْزِمُ أنه إذا ظَهَرَتْ أنْ بعدَ اللامِ كما في الآيةِ الكريمةِ، كانَ الناصِبُ حينَئذٍ هو أنْ؛ إذ لا عَمَلَ للنائبِ معَ وُجُودِ المَنُوبِ عنه، وليسَ العملُ حينَئذٍ لهما معاً؛ إذ لا يَعْمَلُ عاملانِ في معمولٍ واحدٍ، ولا يُمْكِنُ إنكارُ إظهارِ أنْ بعدَ لامِ التعليلِ، وهو وارِدٌ في القرآنِ الكريمِ، وهذا قولُ أبي العبَّاسِ أحمدَ بنِ يَحْيَى ثَعْلَبٌ.
والقولُ الثالِثُ: أنَّ الناصبَ للمضارِعِ ليسَ هو اللامَ، وليسَ هو أنْ مُضْمَرَةً بخُصُوصِها، بل يَجُوزُ أنْ يكونَ الناصِبُ هو أنْ مُضْمَرَةً، ويَجُوزُ أنْ يكونَ الناصِبُ هو كي مُضْمَرَةً، بدليلِ أنَّ كُلاًّ مِن أنْ وكي يَظْهَرُ بعد اللامِ في بعضِ التراكيبِ، فإظهارُ أنْ كما في قَوْلِهِ تعالى: {لأَنْ أَكُونَ}، وإظهارُ كي كما في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لِكَيْ لاَ تَأْسَوْا} وهذا قولُ السِّيرَافِيِّ وابنِ كَيْسَانَ.

([4]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 150

([5]) سورةُ الحديدِ، الآيةُ: 29.

([6]) سورةُ الشُّورَى، الآيةُ: 51.

([7]) 505-هذا الشاهِدُ مِن شواهِدِ سِيبَوَيْهِ (ج1 ص436) ولم يَنْسُبْه ولا نَسَبَه الأَعْلَمُ في شرحِ شواهدِهِ، ورَوَى الخالدِيَّانِ في (الأشباهِ والنظائرِ) (2/137) البيتَ رَقْمَ (505) راجِعْ خمسةَ أبياتٍ منسوبةً لِمَيْسُونَ بنتِ بَحْدَلٍ، وذَكَر قِصَّتَها، وكانَتْ – فيما ذَكَرُوا – امرأةً مِن أهلِ البادِيَةِ، فتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بنُ أبي سُفْيَانَ ونَقَلَها إلى الحاضرةِ، وهي أُمُّ وَلَدِهِ يَزِيدَ، فكانَتْ تُكْثِرُ الحَنِينَ إلى أَهْلِها ويَشْتَدُّ بها الوَجْدُ إلى حالَتِها الأولى، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الوافِرِ، وعَجُزُهُ قَوْلُها:
*أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ*

وروايةُ سِيبَوَيْهِ وجماعةٍ في صدرِ البيتِ: (لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ) بلامِ الابتداءِ.
اللغةُ: (ولُبْسُ) اللُّبْسُ – بضمِّ اللامِ وسكونِ الباءِ الموحَّدَةِ – اسْتِعْمَالُكَ الثوبَ ونحوَه فيما أُعِدَّ وهُيِّئَ له، (عَبَاءَةٍ) هي بفتحِ العيْنِ المهملةِ، بزِنَةِ سَحَابَةٍ – كِسَاءٌ معروفٌ يَلْبَسُه الأعرابُ، وليسَ مِن لِبَاسِ الحاضرةِ، (تَقَرَّ عَيْنِي) أصلُ معناه: تَثْبُتَ وتَبْرُدَ، وتُسْتَعْمَلُ هذه العبارةُ كِنايةً عن السرورِ؛ لأنَّ بُرُودةَ العيْنِ تَنْشَأُ عمَّا يَتَرَقْرَقُ فيها من دَمْعِ المَسَرَّةِ، كما أنَّ سُخُونَةَ العينِ كنايةٌ عن الحُزْنِ؛ لأنَّها تَنْشَأُ عمَّا يَجْرِي فيها مِن دَمْعِ الحُزْنِ، (الشُّفُوفِ) جمعُ شَِفٍّ – بكسرِ الشينِ المعجمةِ أو فتحِها معَ تشديدِ الفاءِ – وهو ضَرْبٌ من الثيابِ الرقيقةِ.
الإعرابُ: (ولُبْسُ) الواوُ حرفُ عطفٍ، لُبْسُ: مبتدأٌ مرفوعٌ بالابتداءِ، وعلامةُ رَفْعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، ولبسُ مضافٌ و(عَبَاءَةٍ) مضافٌ إليه، (وتَقَرَّ) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له، تَقَرَّ: فعلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بأنِ المُضْمَرَةِ بعدَ الواوِ العاطفةِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ، (عَيْنِي) عَيْنِ: فاعلٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، وعينِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (أَحَبُّ) خبرُ المبتدأِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (إِلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَحَبُّ، (مِنْ لُبْسِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَحَبُّ، ولُبْسِ مضافٌ و(الشُّفُوفِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وتَقَرَّ)؛ حَيْثُ نَصَبَ الفعلَ المضارِعَ الذي هو تَقَرَّ بأنْ مُضْمَرَةً بعدَ الواوِ؛ لِيَكُونَ المصدرُ المُنْسَبِكُ مِن أنْ ومَدْخُولِها معطوفاً على الاسمِ السابِقِ، فتكونُ قد عَطَفْتَ اسماً على اسمٍ؛ وذلك لأنَّ المعطوفَ عليه اسمٌ خالِصٌ من التقديرِ بالفعلِ، وهو لُبْسُ، وهذا الإضمارُ جائزٌ لا واجِبٌ، ولو كانَ الاسمُ مُقَدَّراً بالفعلِ كالصفةِ الصريحةِ الواقعةِ صِلَةً لألْ لم يَجُزْ نصبُ المضارِعِ، كالمِثالِ الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ؛ فإنَّ قولَه: (الطائر) في قُوَّةِ قولِكَ: (الذي يَطِيرُ)، والسرُّ في ذلك كلِّه أنَّه يَجُوزُ عَطْفُ الفعلِ المضارِعِ نفسُه على الاسمِ الذي يُشْبِهُ الفعلَ، ولا يجوزُ عَطْفُه على اسمٍ لا يُشْبِهُ الفِعْلَ.

([8]) 506- هذا الشاهِدُ من الشواهدِ التي لم أَقِفْ لها على نِسْبَةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ صَدْرُ بَيْتٍ مِن البَسِيطِ، وعَجُزُهُ قَوْلُه:
*ما كُنْتُ أُوثِرُ إِتْرَاباً عَلَى تَرَبٍ*

اللغةُ: (تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ) تَوَقُّعُ الشيءِ: انْتِظَارُه وتَرَقُّبُه، والمُعْتَرُّ – بضمِّ الميمِ وآخِرَه راءٌ مُشَدَّدَةٌ – الذي يَتَعَرَّضُ لكَ مِن ذَوِي الحاجةِ لِتَرَاهُ مِن غيرِ أنْ يَسْأَلَكَ بِلِسَانِه، وفي القرآنِ الكريمِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، وأرادَ في بيتِ الشاهدِ: الذي يُلِمُّ بِسَاحَتِكَ ويَرْجُو نَوَالَكَ، (أُرْضِيهِ) أرادَ: أُعْطِيهِ العَطَاءَ الكثيرَ الذي تَرْضَى نَفْسُهُ عنه، (إِتْرَاباً) مصدرُ أَتْرَبَ الرجُلُ إذا اسْتَغْنَى وصَارَتْ أَمْوَالُه كالتُّرَابِ فوقَ العَدِّ، (تَرَبِ) بفتحِ التاءِ والراءِ جميعاً هو الفَقْرُ، تقولُ منه: تَرِبَ الرجُلُ – مِن بابِ فَرِحَ – إذا لَصِقَ بالترابِ، وذلك يكونُ عن حاجةٍ وفَقْرٍ، وقَرَأَهُ العَيْنِيُّ بكسرِ التاءِ وسكونِ الراءِ، وفَسَّرَهُ بلِدَةِ الرجلِ ومَن يكونُ سِنُّه مِن سِنِّهِ، وتَبِعَه الصَّبَّانُ والشيخُ خالِدٌ، وليسَ من الصوابِ في قليلٍ ولا كَثِيرٍ، بل بعدَه عن الصوابِ، بعدَ الأرضِ عن ذاتِ السَّحَابِ.
الإعرابُ: (لَوْلاَ) حرفٌ يَدُلُّ على امتناعِ جوابِه؛ لِوُجُودِ شرطِه، (تَوَقُّعُ) مبتدأٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(مُعْتَرٍّ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وخبرُ المبتدأِ محذوفٌ وُجُوباً، والتقديرُ: لولا تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ مَوْجُودٌ، (فَأُرْضِيَهُ) الفاءُ حرفُ عطفٍ، أُرْضِي: فعلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بأنِ المصدريَّةِ المضمرةِ جَوَازاً بعدَ فاءِ العطفِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى المُعْتَرِّ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (ما) حرفُ نفيٍ، (كُنْتُ) كانَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، وتاءُ المتكلِّمِ اسمُه، (أُوثِرُ) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ كانَ، (إِتْرَاباً) مفعولٌ به لأُوثِرُ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ (على تَرَبِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بقولِهِ: أُوثِرُ. والجملةُ مِن كانَ واسْمِها وخَبَرِها لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ جوابُ لولا.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فَأُرْضِيَهُ)؛ حيثُ نَصَبَ الفعلَ المضارِعَ، وهو قولُه: أُرْضِِي بأنِ المُضْمَرَةِ جَوَازاً بعدَ الفاءِ العاطفةِ التي تَقَدَّمَهَا اسمٌ صَرِيحٌ ليسَ في تأويلِ الفعلِ، وهو قولُه: (تَوَقُّعُ).

([9]) 507-هذا الشاهدُ مِن كلامِ أَنَسِ بنِ مُدْرِكَةَ الخَثْعَمِيِّ، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ الْبَقَرُ*

اللغةُ: (سُلَيْكٌ) بضمِّ السينِ المهملةِ وفتحِ اللامِ، بزِنَةِ المصغَّرِ – هو سُلَيْكُ بنُ سُلَكَةَ، وسُلَكَةُ: أُمُّهُ، وقد اشْتُهِرَ بها، وأبوه عَمْرُو بنُ سِنَانٍ السَّعْدِيِّ التَّمِيمِيِّ، عَدَّاءٌ مَشْهُورٌ، قالُوا: إنه كانَ يَسْبِقُ الخَيْلَ، ويَلْحَقُ الظِّبَاءَ، (أَعْقِلَه) أَدْفَعَ دِيَتَهُ، وسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلاً؛ لأنَّ الدِّيَةَ عندَهم كانَتْ مِن الإِبِلِ، وكانوا يَعْقِلُونَهَا بِجِوَارِ بَيْتِ القَتِيلِ؛ أي: يَرْبُطُونَها، (الثَّوْرُ) هو فَحْلُ البَقَرِ، (عَافَتِ البَقَرُ) كَرِهَتْ، ويقالُ: الثورُ: مِن نباتِ الماءِ تَرَاهُ البقرُ فتَعَافُ وُرُودَ الماءِ، فيَضْرِبُه البَقَّارُ لِيُنَحِّيَهُ عن مكانِ وُرُودِها حتى تَرِدَ، وقد أَنْشَدَ الجاحِظُ البيتَ معَ أبياتٍ أُخْرَى في الحيوانِ (1/18) وبَيَّنَ معناه.
الإعرابُ: (إني) إنّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وياءُ المتكلِّمِ اسمُه، (وَقَتْلِي) الواوُ حرفُ عطفٍ، قَتْلِ: معطوفٌ على اسمِ إنَّ، وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، وهي مِن إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِهِ، (سُلَيْكاً) مفعولٌ به لِقَتْلِ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (ثُمَّ) حرفُ عَطْفٍ، (أَعْقِلَهُ) أَعْقِلَ: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بأنِ المُضْمَرَةِ جَوَازاً بعدَ ثُمَّ العاطفةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى سُلَيْكٍ مفعولٌ به، مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (كالثورِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ إنَّ، (يُضْرَبُ) فِعْلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، ونائبُ فاعلِه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الثورِ، والجملةُ مِن الفعلِ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ مِن الثورِ، (لَمَّا) ظَرْفٌ بمعنى حِينٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ بقولِه: يُضْرَبُ، (عَافَتْ) عافَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (البَقَرُ) فاعلُ عافَتْ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وجملةُ عَافَتْ وفاعلِه في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ لَمَّا الظرفيَّةِ إليها.
الشاهدُ فيه: قولُه: (ثُمَّ أَعْقِلَهُ)؛ حيثُ نَصَبَ الفعلَ المضارِعَ الذي هو قولُه: (أَعْقِلَ) بأنِ المُضْمَرَةِ جَوَازاً بعدَ ثُمَّ التي عَطَفَتْ هذا الفعلَ المضارِعَ على اسمٍ صريحٍ في الاسميَّةِ ليسَ في تقديرِ الفعلِ، وهذا الاسمُ هو قولُه: (قَتْلِي).

([10]) اعْلَمْ أَوَّلاً أنَّ المرادَ بالاسمِ الذي ليسَ في تأويلِ الفعلِ – وهو المعطوفُ عليه بأحدِ الحروفِ الأربعةِ: الواوِ، والفاءِ، وثُمَّ، وأوْ – هو الاسمُ الذي لا تَشُوبُه شَائِبَةُ الفعليَّةِ، وذلك بأنْ يكونَ جامداً جموداً مَحْضاً، وقد يكونُ مصدراً، مِثلُ (لُبْسُ) في الشاهدِ 505، و(تَوَقُّعُ) في الشاهدِ 506، و(قَتْلِ) في الشاهدِ 507، وقد يكونُ اسماً عَلَماً؛ كما تقولُ: (لولا زَيْدٌ ويُحْسِنَ إليكَ لَهَلَكْتَ)، فيُحْسِنَ: منصوبٌ بأنْ مُضْمَرَةٌ جَوَازاً، وأنْ ومَعْمُولُها في تأويلِ مصدرٍ معطوفٍ على زيدٌ، والتقديرُ: لولاَ زَيْدٌ وإحسانُه إليك لَهَلَكْتَ، ونظيرُه قولُكَ: (لولا أبوك ويَعْطِفَ عليكَ لم تَكُنْ شيئاً)، ونظيرُ ذلكَ قولُ الشاعِرِ:
وَلَوْلاَ رِجَالٌ مِنْ رِزَامٍ أَعِزَّةٌ = وَآلُ سُبَيْعٍ أَوْ أَسُوءَكَ عَلْقَمَا
فأَسُوءَكَ: منصوبٌ بأنْ مُضْمَرَةً، والمصدرُ معطوفٌ على رِجَالٌ، والتقديرُ: لولا رجالٌ مِن رِزَامٍ وآلِ سُبَيْعٍ أو إساءَتِي إيَّاكَ، وعَلْقَمَ: مُنَادًى مُرَخَّمٌ بحذفِ التاءِ، وقد عُومِلَ معاملةَ مَن يَنْتَظِرُ، وأصلُه: عَلْقَمَةُ.
ثم اعْلَمْ أنه قد تَحَصَّلَ لكَ مِن مجموعِ كلامِ المؤلِّفِ أنَّ إضمارَ (أنِ) المصدريَّةِ بعدَ الفاءِ والواوِ قد يكونُ إضماراً جائزاً، وقد يكونُ إضماراً وَاجِباً؛ وذلك لأنَّ الفاءَ قد تكونُ فاءَ السببيَّةِ وقد تكونُ فاءَ العطفِ، والواوُ قد تكونُ واوَ المَعِيَّةِ وقد تكونُ واوَ العطفِ، فإنْ كانَتِ الفاءُ فاءَ السببيَّةِ أو كانَتِ الواوُ واوَ المَعِيَّةِ كانَ إضمارُ أنْ بَعْدَهُما واجباً، وإنْ كانَتِ الفاءُ أو الواوُ للعطفِ كانَ الإضمارُ بعدَهما جائزاً، ويَلْحَقُ بهما في هذه الحالةِ الأخيرةِ ثُمَّ وأو العاطفتانِ، وقد رَأَيْتَ في الشاهدِ 506 العطفَ بثُمَّ، ورَأَيْتَ في البيتِ الذي رَوَيْنَاهُ لكَ في مَطْلَعِ هذا الكلامِ العَطْفَ بأوْ.

([11]) هذا مَثَلٌ مِن أمثالِ العربِ، ويُرْوَى برفعِ (تَسْمَعُ) وبنصبِه، وأَتَى المؤلِّفُ به هنا على روايةِ النصبِ، فإنَّ هذا النصبَ بأنِ المصدريَّةِ محذوفةً في غيرِ موضِعٍ من المواضِعِ العَشَرَةِ السابقِ بيانُها في وُجُوبِ إِضْمَارِها وجوازِه، والذي سَهَّلَ حَذْفَها وُجُودُ (أنْ) أُخْرَى في قَوْلِهِم: (أَنْ تَرَاهُ)، ونَظِيرُهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى = وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أَنْتَ مُخَلِّدِي
الروايةُ بنصبِ (أَحْضُرَ) بأنِ المصدريَّةِ محذوفةً، والذي سَهَّلَ حذفَها وجودُها في قَوْلِهِ: (وأنْ أَشْهَدَ اللَّذَاتِ).

([12]) ليسَ في هذا المثالِ ذِكْرُ (أنِ) المصدريَّةِ معَ فِعْلٍ آخرَ غيرَ المنصوبِ بها مُضْمَرَةً، وهو (يَأْخُذَكَ) ونظيرُ ذلك قولُ عامرِ بنِ جُوَيْنٍ الطَّائِيِّ (سِيبَوَيْهِ 1/155):
فلَمْ أَرَ مِثْلَهَا خُبَاسَةَ وَاجِدٍ = ونَهْنَهْتُ نَفْسِي بَعْدَ مَا كِدْتُ أَفْعَلَهْ
وحَمَلَ العلماءُ الآيةَ الكريمةَ التي تلاها المؤلِّفُ على ذلك، كما حَمَلُوا عليه قولَه تعالى: (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدَ) بنصبِ (أَعْبُدَ) في قِرَاءَةِ الحَسَنِ، وقالوا: إنَّ نَصْبَ (يَدْمَغَ) في الآيةِ الأولى ونَصْبَ (أَعْبُدَ) في الآيةِ الثانيةِ بأنِ المصدريَّةِ محذوفةً.
هذا، والقولُ بأنَّ حذفَ أنِ المصدريَّةِ معَ إبقاءِ عَمَلِها في غيرِ المواضعِ العَشَرَةِ السابقِ بَيَانُها شاذٌّ هو قولُ جمهورِ البَصْرِيِّينَ، وذهَبَ جُمْهُورُ الكُوفِيِّينَ إلى جوازِ حَذْفِها وبقاءِ عَمَلِها من غيرِ قَيْدٍ قياساً على ما وَرَدَ من ذلك من بيتِ طَرَفَةَ وبيتِ عامرٍ والمثلِ والقراءةِ في الآيتيْنِ الكريمتيْنِ، وما أَنْشَدْنَاه من الأبياتِ، وخَرَّجُوا على ذلك البيتَ الذي أَنْشَدْنَاهُ في ص 164، وهو قول الشاعرِ (سِيبَوَيْهِ 1/433):
سَأَتْرُكُ مَنْزِلِي لِبَنِي تَمِيمٍ = وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا
فقالوا: أرادَ هذا أنْ يقولَ: (فأنْ أَسْتَرِيحَا) فحَذَفَ أنْ وأَبْقَى عَمَلَها، وكذلك قولُ الأَعْشَى:
لنا هَضْبَةٌ لا يَنْزِلُ الذُّلُّ وَسْطَهَا = وَيَأْوِي إِلَيْهَا الْمُسْتَجِيرُ فَيُعْصَمَا
قالوا: أرادَ أنْ يقولَ: (فأَنْ يُعْصَمَا) فحَذَفَ أنْ وأَبْقَى عَمَلَها.
وذَهَبَ الأخفشُ إلى جوازِ حذفِ (أنِ) المصدريَّةِ، لكِنْ بِشَرْطِ أنْ يَرْتَفِعَ الفعلُ المضارعُ، فتُقَدَّرُ (أنْ) لِسَبْكِ الفعلِ بالمصدرِ إنِ احْتِيجَ لذلك، كما في المَثَلِ: (تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) لكنَّ حَذْفَها وبَقَاءَ عَمَلِها غيرُ جائزٍ عندَه هو أيضاً.
وذَهَبَ جماعةٌ مِن مُتَأَخِّرِي النُّحَاةِ إلى أنه لا يجوزُ حذفُ (أنْ) في غيرِ المواضِعِ العَشَرَةِ السابقِ بَيَانُها، لا معَ بَقَاءِ عَمَلِها كما يقولُ الكُوفِيُّونَ، ولا معَ رفعِ الفعلِ المضارعِ كما ذهَبَ إليه الأخفشُ.

([13]) سورةُ الأنبياءِ، الآيةُ: 18.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 07:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


692- والفِعْلُ بَعْدَ الفاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ = كَنَصْبِ مَا إِلَى التَّمَنِّي يَنْتَسِبْ
وِفَاقًا للفَرَّاءِ، لثُبُوتِ ذلكَ سَمَاعًا كقراءةِ حفص ٍعنْ عَاصِمٍ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} وكذلكَ {لَعَلَّهُ يَزَّكَى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكَرَى} وقولِ الرَّاجِزِ أَنْشَدَهُ الفَرَّاءُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1047- عَلَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ أَوْ دُوْلَاتِهَا = تُدِلْنَنَا اللَمَّةَ مِنْ لَمَّاتِهَا
فَتَسْتَرِيْحَ النفسُ مِنْ زَفَرَاتِهَا
ومذهبُ البصريينَ أَنَّ الرجاءَ ليسَ لَهُ جوابٌ منصوبٌ، وتَأَوَّلُوا ذلكَ بِمَا فيهِ بُعْدٌ، وقولُ أبِي مُوْسَى، وَقَدْ أَشْرَبَهَا، مَعْنَى "لَيْتَ" مَنْ قَرَأَ {فَأَطَّلِعَ} نَصْبًا يَقْتَضِي تَفْصِيلًا.
تنبيهٌ: القياسُ جوازُ جزمِ جوابِ التَّرَجِّي إذَا سَقَطَتِ الفاءُ عندَ مَنْ أَجازَ النصبَ، وذَكَرَ فِي (الارِّتَشافِ) أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ الجزمَ بَعْدَ التَّرَجِّي، وهو يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إليهِ الفَرَّاءُ، ا هـ.
693- (وإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فَعْلٌ عِطَفْ = يَنْصُبُهُ أَنْ ثَابِتًا أو مُنْحَذِفْ)
"فِعْلٌ" رُفِعَ بالنيابةِ بفعلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الفعلُ بَعْدَهُ، و"يَنْصِبُهُ" جَوابُ الشرطِ و"أَنْ" بالفتحِ فاعلُ يَنْصِبُهُ و"ثَابِتًا" حَالٌ مِنْ "أَنْ" و"مُنْخَذِفٌ" عَطْفٌ عَليهِ، وُقِفَ عليهِ بالسكونِ للضرورةِ.
أيْ: يُنْصَبُ الفعلُ بـ"أَنْ" مُضْمَرَةٍ جَوَازًا فِي مَوَاضِعَ، وهي خَمْسَةٌ، كَمَا يُنْصَبُ بِهَا مُضْمَرَةٍ وُجُوبًا فِي خَمْسَةِ مواضعَ، وقدْ مَرَّتْ، فالأوَّلُ مِنْ مَوَاضِعِ الجَوَازِ، بَعْدَ اللامِ إِذَا لَمْ يَسْبِقْهَا كونٌ نَاقِصٌ ماضٍ مَنفْيٍّ، ولَمْ يَقْتَرِنْ الفعلُ بـ"لَا" وقَدْ سَبَقَ فِي قولِهِ: "وإِنْ عُدِمْ لَا فَأَنَ اعْمِلْ مُظْهِرًا" أو مُضْمِرًا، والأربعةُ الباقيةُ هِي المُرَادَةُ بِهَذَا البيتِ، وهِي أَنْ تَعْطِفَ الفِعْلَ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ بِأَحَدِ هذِهِ الحروفِ الأربَعَةِ، الواوِ، وأوْ، والفاءِ، وثُمَّ، نحوُ قولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1048- لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي = أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لِبْسِ الشُّفُوْفِ
ونحوُ: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} فِي قِرَاءَةِ غيرِ نافعٍ بالنصبِ عَطْفًا عَلَى وَحْيًا، ونحوُ قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1049- لَوْلَا تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ فَأُرْضِيَهُ = مَا كُنْتُ أُوْثِرُ إِتْرَابًا عَلَى تَرَبِ
وكقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1050- إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ = كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ البَقَرُ
والاحُتِرَازُ بالخَالِصِ مِنَ الاسْمِ الذِي فِي تأويلِ الفعلِ، نحوُ: "الطائِرُ فيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبَابُ"، فـ"يَغْضَبُ" واجبُ الرفعِ، لأَنَّ "الطائرُ" فِي تأويلِ: الذِي يَطِيْرُ ومِنَ العطفِ عَلَى المصدرِ المُتَوَهَّمِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيْهِ إِضْمَارُ "أَنْ" كَمَا مَرَّ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: إنَّمَا قَالَ "عَلَى اسْمٍ" ولمْ يَقُلْ عَلَى مَصْدَرٍ كَمَا قَالَ بعضُهُم؛ لِيَشْمَلَ غَيْرَ المَصْدَرِ، فَإِنَّ ذلكَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فتقولُ: "لَوْلَا زيدٌ وَيُحْسِنُ إِلَىَّ لَهَلَكْتُ".
الثانِي: تَجَوَّزَ فِي قولِهِ: "فِعْلِ عَطْفٍ" فَإِنَّ المعطوفَ فِي الحقيقيةِ إِنَّما هُوَ المصدرُ.
الثالثُ: أَطْلَقَ العَاطِفَ، ومُرُادُهُ الأحرفُ الأربعةُ، إذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي غيرِهَا.
694- (وَشَذَّ حذفُ أَنْ ونَصْبٌ فِي سِوَى = مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى)
أيْ: حَذْفُ "أَنْ" مَعَ النصبِ فِي غيرِ المواضِعِ العَشْرَةِ المذكورةِ شاذٌّ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا مَا نَقَلَهُ العُدُولُ، كَقَولِهِمْ: "خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ يَأْخُذَكَ" و"مُرْهُ يَحْفِرَهَا" وقولُ بعضِهِمْ: "تَسْمَعُ بِالمُعِيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ"، وقراءةُ بعضِهِمْ {بَلْ نَقِذِفُ بالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغَهُ} وقراءةُ الحَسَنِ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدَ} ومِنْهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
فَلَمْ أَرَ مِثْلَهَا خُبَاسَةَ وَاجِدٍ = ونَهْنَهْتُ نَفْسِي بَعْدَ مَا كِدْتُ أَفْعَلَهْ
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: أَفْهَمَ كلامُهُ أَنَّ ذَلكَ مقصورٌ عَلَى السَّمَاعِ، لا يجوزُ القِيَاسُ عليهِ، وبِهِ صَرَّحَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، وقَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ)، وفِي القِيَاسِ عليهِ خِلَافٌ.
الثانِي: أَجازَ ذَلكَ الكوفيونَ ومَنْ وَافَقَهُمْ.
الثالثُ: كلامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ حَذْفَ "أَنْ" مَعَ رَفْعِ الفِعْلِ لَيْسَ بِشَاذٍّ، وهو ظاهرُ كلامِهِ فِي (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ)، فإنَّهُ جَعَلَ مِنْهُ قولَهُ تَعَالَى: {وِمِنْ آيَاتِهِ يُرِيْكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا} قَالَ فـ"يُرِيْكُمْ" صِلَةٌ لـ "أَنْ" حُذِفَتْ، وبَقِىَ "يُرِيْكُمْ" مَرْفُوعًا، وهذَا هُوَ القياسُ؛ لأِنَّ الحرفَ عاملٌ ضَعِيْفٌ، فإِذَا حُذِفَ بَطُلَ عملُهُ، هذَا كَلامُهُ، وهَذَا الذِي قالَهُ مَذْهَبُ أبِي الحَسَنِ، أَجَازَ حَذْفَ "أَنْ" وَرَفْعَ الفِعْلِ دُوْنَ نَصْبِهِ، وجَعَلَ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} وذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ حَذْفَ "أَنْ" مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ مُطْلَقًا فَلا يُرْفَعُ، ولَا يُنْصَبُ بَعْدَ الحذفِ إلا مَا سُمِعَ، وإليهِ ذَهَبَ مُتَأَخِّرُو المَغَارِبَةِ، قِيْلَ: وهو الصحيحُ.
الرابعُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ حَذْفَ "أَنْ" والنصبَ فِي غيرِ مَا مَرَّ شَاذٌّ، ليسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ؛ لِمَا سَتَعْرِفُهُ فِي قولِهِ فِي بابِ الجَوَازِمِ "، والفعلُ مِنْ بَعْدِ الجزَاَءِ إِنْ يَقْتَرِنْ إِلَخْ" ا هـ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 07:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


نَصْبُ المُضَارِعِ في جوابِ التَّرَجِّي:
692- والْفِعْلُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ = كَنَصْبِ مَا إلَى التَّمَنِّي يَنْتَسِبْ
أيْ أنَّ الفعْلَ المُضَارِعَ يُنْصَبُ بـ(أنْ) بعدَ الفاءِ الواقعةِ جَواباً للتَّرَجِّي، كما يُنْصَبُ بعدَ الفاءِ الواقعةِ جَواباً للتَّمَنِّي، وقدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذلكَ.
وإنَّما فَصَلَ هذا الْمَوْضِعَ عن الْمَواضعِ السابقةِ مِنْ أنواعِ الطلَبِ؛ لِمَا فيهِ مِن الْخِلافِ.
فإنَّ البَصْرِيِّينَ خَالَفُوا في ذلكَ، وقَالُوا: إنَّ الرَّجَاءَ ليسَ لهُ جوابٌ منصوبٌ، وتَأَوَّلُوا ذلكَ. والصوابُ قَوْلُ الكُوفِيِّينَ بِجَوازِهِ؛ لأنَّهُ مُؤَيَّدٌ بالسَّمَاعِ كما تَقَدَّمَ.
ومِنْ ذلكَ أيضاً قولُهُ تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}، فقدْ قرأَ عاصمٌ بنصْبِ (تَنْفَعَ) في جوابِ الترَجِّي، وقرأَ الباقونَ بالرفْعِ عَطْفاً على ما قَبْلَهُ، والتقديرُ: (لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى).
مِنْ مَوَاضِعِ إضْمَارِ (أنْ) جَوَازاً:
693- وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ = تَنْصِبُهُ أَنْ ثَابِتاً أَوْ مُنْحَذِفْ
ذَكَرَ الْمَوْضِعَ الثانيَ مِنْ مَوَاضِعِ إضمارِ (أنْ) جَوَازاً، وهوَ أنْ تَقَعَ (أنْ) بعدَ عاطفٍ مسبوقٍ باسمٍ خالصٍ مِنْ معنى الفعْلِ، والمرادُ بهِ: الاسمُ الجامدُ الْمَحْضُ الذي ليسَ في تَأْوِيلِ الفِعْلِ.
والعاطفُ واحدٌ مِنْ أربعةٍ، وهيَ:
1- الواوُ؛ كقولِ المَرْأَةِ:
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي = أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
فـ(تَقَرَّ) مضارعٌ مَنصوبٌ بـ (أنْ) مُضْمَرَةٍ جَوَازاً بعدَ واوٍ عاطِفَةٍ على اسمٍ خالصٍ مِنْ معنى الفِعْلِ، وهوَ (لُبْسُ).
2- الفاءُ، نحوُ: تَعَبُكَ فتَنَالَ الْمَجْدَ خيرٌ مِنْ رَاحتِكَ وإِهْمَالِكَ.
ومنهُ قولُ الشاعرِ:
لَوْلا تَوقُّعُ مُعْتَرٍّ فأُرْضِيَهُ = ما كُنْتُ أُوثِرُ إِتْرَاباً على تَرَبِ
فـ(أُرْضِيَهُ) مضارِعٌ منصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ جَوازاً بعدَ (الفاءِ)؛ لأنَّهُ معطوفٌ على اسمٍ خالصٍ ليسَ في تأويلِ الفعْلِ، وهوَ قولُهُ: (تَوَقُّعُ).
3- ثُمَّ، نحوُ: إِنَّ جَمْعِي المالَ ثمَّ أُمْسِكَهُ دَلِيلُ الْحِرمانِ. ومنهُ قولُ الشاعرِ:
إِنِّي وقَتْلِي سُلَيْكاً ثمَّ أَعْقِلَهُ = كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ البَقَرُ
فـ(أَعْقِلَهُ) مضارِعٌ مَنصوبٌ بـ(أَنْ) مُضْمَرَةٍ جَوازاً بعدَ (ثُمَّ)؛ لأنَّهُ معطوفٌ على اسمٍ صريحٍ، وهوَ قولُهُ: (قَتْلِي).
4- أَوْ، كَقَوْلِهِ تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} بنَصْبِ (يُرْسِلَ) بإضمارِ (أنْ)، و(أنْ) والفعلُ معطوفانِ على (وَحْياً)؛ لأنَّ معناهُ: إِلاَّ أنْ يُوحِيَ؛ أيْ: وَحْياً أوْ إِرْسَالاً.
قَرَأَ بذلكَ السَّبْعَةُ عَدَا نافعاً الْمَدَنِيَّ، فقدْ قَرَأَ برَفْعِ (يُرْسِلُ)، إمَّا على الاستئنافِ والقطْعِ عمَّا قَبْلَهُ، أوْ أنَّهُ على إضمارِ مُبتدأٍ؛ أيْ: أوْ هوَ يُرْسِلُ، أوْ أنَّهُ معطوفٌ على (وَحْياً) على أنَّهُ حالٌ؛ لأنَّهُ في تقديرِ الحالِ، فكأنَّهُ قالَ: إلاَّ مُوحِياً أوْ مُرْسِلاً.
وقَوْلُنا: (مَسبوقٍ باسمٍ خالصٍ) احترازٌ مِن الاسمِ غيرِ الخالِصِ، وهوَ ما فيهِ معنى الفعْلِ؛ كاسمِ الفاعلِ، نَحْوُ: المُتَكَلِّمُ فَيَسْتَفِيدُ الطالبُ هوَ الْمُحاضِرُ، فـ(المتكلِّمُ) اسمُ فاعلٍ فيهِ معنى الفعْلِ، وهوَ واقعٌ مَوْقِعَهُ، لأنَّهُ صِلَةٌ لـ(أَلْ)، والأصْلُ في الصِّلَةِ أنْ تكونَ جُمْلَةً، فهوَ بِمَنْزِلَةِ (يَتَكَلَّمُ)، والتقديرُ: الذي يَتَكَلَّمُ. فَلَمَّا جَاءَتْ (أَلْ) عُدِلَ إلى اسمِ الفاعلِ، لأنَّ الفعْلَ لا يَصْلُحُ صِلَةً لها، فيَجِبُ رفْعُ الفعْلِ (يَسْتَفِيدُ)؛ لأنَّهُ معطوفٌ على اسمٍ غيرِ خالصٍ مِنْ معنى الفِعْلِ.
وهذا معنى قولِهِ: (وَإِنْ على اسمٍ خالصٍ فِعْلٌ عُطِفْ.. إلخ)؛ أيْ: وإنْ عُطِفَ الفعْلُ المُضَارِعُ على اسمٍ خالصٍ؛ فإنَّهُ يُنْصَبُ بـ(أَنْ)، ويَجوزُ حِينئذٍ إظهارُها وإضمارُها.
وكانَ الأَوْلَى أنْ يَذْكُرَ هذا البيتَ عندَ ذِكْرِ (لامِ) التعليلِ؛ فإنَّها مِثْلُها في جوازِ الإظهارِ والإضمارِ؛ لِتَكُونَ مَوَاضِعُ الإضمارِ الجائزةُ مُتَوَالِيَةً.
النصْبُ بـ(أَنْ) محذوفَةٍ في غيرِ الْمَوَاضِعِ السابقةِ:
694- وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ فِي سِوَى = مَا مَرَّ فاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى
لَمَّا ذَكَرَ الْمَواضِعَ التي يُنْصَبُ فيها المُضَارِعُ بـ(أن) المُضْمَرَةِ وُجوباً أوْ جوازاً، ذَكَرَ أنَّهُ سُمِعَ مِن العرَبِ نَصْبُهُ بـ(أنْ) محذوفةٍ في غيرِ هذهِ الْمَواضِعِ، كَقَوْلِهم: خُذِ اللِّصَّ قبلَ يَأْخُذَكَ؛ أيْ: قَبْلَ أنْ يَأْخُذَكَ، وقولِ الشاعرِ:
أَلا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى = وأنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هلْ أَنْتَ مُخْلِدِي؟
فَنُصِبَ المُضَارِعُ (أَحْضُرَ) بـ(أَنْ) محذوفَةٍ في غيرِ مَوْضِعٍ مِن الْمَواضِعِ السابقةِ، وإنَّما سَهَّلَ ذلكَ وُجودُ (أَنْ) ناصبةٍ في آخِرِ البيتِ، وذلكَ في قولِهِ: (وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ).
وما وَرَدَ مِنْ ذلكَ مَحْكُومٌ عليهِ بالشُّذُوذِ، فلا يُقاسُ عليهِ؛ حِرْصاً على سَلامةِ اللُّغَةِ، وبُعْداً عن اللَّبْسِ والاضطرابِ في فَهْمِها.
وقولُهُ: (فَاقْبَلْ منهُ ما عَدْلٌ رَوَى): أيْ أنَّ ما رَواهُ العَدْلُ مَنصوباً مِنْ ذلكَ يُقْبَلُ كما رَوَاهُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المضارع, نصب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir