أما ولادته؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل، هكذا اتفق المؤرخون أنه ولد عام الفيل، وكان أهل مكة يؤرخون بالفيل السنة الأولى بعد الفيل، الثانية إلى أن جاء التأريخ الهجري، كانوا يؤرخون بعام الفيل؛ لأن حادثة الفيل حادثة شنيعة، حادثة كبيرة، ذكر في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الذين حددوا الشهر قالوا: في شهر ربيع الأول لليلتين خلتا منه يوم الاثنين، هكذا قال بعضهم.
أما يوم الاثنين فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الاثنين فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه)) فدل على أنه تحقق أن ولادته في يوم الاثنين، وكان أهل الجاهلية يعرفون أيام الأسبوع إلا أنهم يسمون الجمعة العروبة، وبقية الأيام على ما هي عليه.
يقول المؤلف: قيل في ولادته أنه بعد الفيل بثلاثين عاما، وقال بعضهم: بأربعين عاما، وكل هذه أقوال ظنية، والصحيح ولعل ذلك هو الذي ثبت عنه أنه ولد عام الفيل.
ذكر بعد ذلك وفاة أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاة جده.
قيل: مات أبوه عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم له ثمانية وعشرون شهرا أي: سنتان وأربعة أشهر بعد ولادته، وذكروا أنه أول من مات من أولاد عبد المطلب، وذكروا أنه يسمى الذبيح، ذكر ابن إسحاق قصة تسميته الذبيح، قصة مطولة حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا ابن الذبيحين)) يعني: عبد الله وإسماعيل.
قال بعضهم: مات أبوه وله سبعة أشهر هكذا.
وقال بعضهم: مات أبوه وهو حمل مات في دار النابغة، وكأن هذا هو الأشهر أنه مات وهو حمل، ولأجل ذلك لما ولد صلى الله عليه وسلم بشروا به جده، ولو كان أبوه حيا لبشروا أباه.
أما القول بأنه مات بالأبواء بين مكة والمدينة فهذا قول، ولكن لعل الأشهر أنه مات بمكة سواء في دار النابغة أو في غيرها.
الأبواء هذه قيل: إن أمه ماتت بها ماتت بالأبواء، ولما قيل ذلك اهتم القبوريون بها في هذه الأزمنة وسفلتوا لها طرقا، وصاروا يأتون إليها ويتبركون بها، الرافضة والقبوريون ونحوهم يتبركون بهذا المكان الذي يقولون: إنه دفنت فيه أم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يقولون أيضا: إنه مات به أبوه، والصحيح أنه لا دليل على ذلك إلا وفاة أمه.
وقال أبو عبد الله الزبير بن بكار -وله كتاب في الأنساب- يقول: توفي عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهرين، وقال بعضهم: له ثمانية وعشرون شهرا، وقال بعضهم سبعة أشهر، وقال بعضهم: وهو حمل، وقال بعضهم: ابن شهرين، وقال بعضهم: مات بالمدينة، وقال بعضهم مات في دار النابغة، وقال بعضهم: مات بالأبواء، ليدل على أن هذه كلها ظنية، ولا يترتب على موضع موته ولا زمان موته شيء إلا أننا نتحقق بأنه مات وهو صلى الله عليه وسلم صغير، ولأجل ذلك نشأ يتيما، واحتقره المشركون لهذا الوصف.
أما والدته؛ فقيل: ماتت وله أربع سنين، وقيل: ماتت وهو ابن ست سنين، ولعل هذا هو الأقرب؛ لأنها أرضعته في طفوليته بعض المدة، ثم جاءت مرضعته السعدية حليمة، وأخذته وأرضعته بقية رضاعه وقامت بحضانته؛ فيدل على أنه أدرك أمه أي: أنها عاشت بعد ولادته سنوات، الأقرب أنها ماتت وله ست سنين، أما جده عبد المطلب فإنه قد كفله بعد لما لم يكن له أب، كفله جده وقام بحضانته، وقام بالنفقة عليه، وكأنهم لم يختلفوا أن جده مات وله ثمان سنين وهذا قريب.
أما رضاعه؛ فقد ثبت أنه أرضعته ثويبة جارية أبي لهب، ذكروا أن أبا لهب لما بشر بهذا المولود أعتق هذه الجارية التي هي ثويبة، ثم إنها تزوجت وولد لها ولد اسمه مسروح أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم مع ولدها، وأرضعت أيضا عمه صلى الله عليه وسلم الذي هو حمزة، حمزة بن عبد المطلب، أرضعته أيضا من لبنها، وأرضعت أيضا أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة، أرضعته فكان هؤلاء إخوته، لما عرضت عليه بنت حمزة أن يتزوجها قال: ((إنها لا تحل لي، إني أرضعتني وحمزة ثويبة))، وكذلك عرضت عليه أم حبيبة أختها، فقال: ((لا تحل لي))، فقالت: إنا نحدث أنك تريد أن تتزوج بنت أبي سلمة فقال: ((لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي؛ لأنها بنت أخي من الرضاع أرضعتني وأبا سلمة ثويبة)).
ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وكانت لها بنت يقال لها: الشيماء، فجاءته بعدما نبئ أخته التي هي بنت حليمة وفرش لها بساطا تكريما لها، هؤلاء مرضعاته.