شرع الله الجهاد في سبيله لإعلاء كلمته ونصرة دينه ودحر أعدائه، وشرعه ابتلاءً واختبارًا لعباده، {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
والجهاد في سبيل الله له الأهمية العظيمة في الإسلام؛ فهو ذروة سنام الإسلام، وهو من أفضل العبادات، وقد عده بعض العلماء ركنا سادسا من أركان الإسلام.
والجهاد في سبيل الله مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال}، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو؛ مات على شعبة من النفاق)).
والجهاد مصدر جاهد؛ أي: بالغ في قتال عدوه، وشرعا: قتال الكفار، ويطلق الجهاد على أعم من القتال.
قال العلامة ابن القيم: "وجنس الجهاد فرض عين: إما بالقلب، وإما باللسان وإما بالمال، وإما باليد؛ فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع" انتهى.
ويطلق الجهاد أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق:
فأما مجاهدة النفس؛ فعلى تعلم أمور الدين، ثم العمل بها، ثم تعليمها.
وأما مجاهدة الشيطان؛ فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات. وأما مجاهدة الكفار؛ فتقع باليد والمال واللسان والقلب.
وأما مجاهدة الفساق؛ فباليد، ثم باللسان، ثم بالقلب؛ حسب التمكن من درجات إنكار المنكر.
والجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي؛ سقط الوجوب عن الباقين، وبقى في حقهم سنة.
وهو أفضل متطوع به، وفضله عظيم، والنصوص في الأمر به والترغيب فيه من الكتاب والسنة كثيرة جدًا؛ منها: قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وهناك حالات يجب فيها الجهاد وجوبا عينيا، وهي:
أولاً: إذا حضر القتال؛ وجب عليه أن يقاتل، ولا يجوز له أن ينصرف.
ثانيا: إذا حصر بلده عدو.
لأنه في هاتين الحالتين يكون جهاد دفع، لا جهاد طلب، فلو انصرف عنه؛ استولى الكفار على حرمات المسلمين.
ثالثا: إذا احتاج إليه المسلمون في القتال والمدافعة.
رابعا: إذا استنفره الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا استنفرتم؛ فانفروا))، وقال تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثبُتُوا}، وقال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة،
فيجب بغاية ما يمكنه، ويجب على القعدة؛ لعذر أن يخلفوا الغزاة في أهليهم ومالهم" انتهى.
ويجب على الإمام أن يتفقد الجيش عند المسير للجهاد، ويمنع من لا يصلح لحرب من رجال وخيل ونحوها، فيمنع المخذل الذي يخذل الناس عن القتال، ويزهدهم فيه، ويمنع المرجف الذي يخوف الغزاة، ويمنع من يسرب الأخبار إلى الأعداء أو يوقع الفتنة بين الغزاة، ويؤمر على الغزاة أميرًا يسوس الجيش بالسياسة الشرعية.
ويجب على الجيش طاعته بالمعروف، والنصح له، والصبر معه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}.
[الملخص الفقهي: 1/459-462]