دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب اللعان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الثاني 1432هـ/3-04-2011م, 09:10 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
مَنْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مَنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ لَحِقَهُ،........................
قوله: «من ولدت زوجته من أمكن كونه منه لحقه» هذه قاعدة عامة.
فقوله: «زوجته» معلوم أنها لا تكون زوجة إلا بعقد صحيح.
وقوله: «من أمكن كونه منه لحقه» ويكون ولداً له، والدليل لذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» [(151)].
وعلم من قوله: «من ولدت زوجته» أنه لو ولدت أنثى غير زوجته، مثل امرأة زنى بها ـ والعياذ بالله ـ فولدت ولداً منه يقيناً، فهل يلحقه أو لا؟ المذهب ـ وهو قول أكثر أهل العلم ـ لا يلحقه؛ لأن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: «للعاهر الحجر» ، والعاهر الزاني.
وإذا استلحقه ولم يدعه أحد، وقال: ولدي وينسب إليّ، فلا يلحقه؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وللعاهر الحجر» ، حتى لو قال الزاني: أنا أريد هذا الولد، انسبوه إليّ، وحتى لو تزوج المزني بها بعد، كما يجري عند بعض الناس، إذا زنى بامرأة وحملت منه، قالوا: نريد أن نستر عليها، فيتزوجها، ويستلحق الولد، ويكون في هذا ستر على الجميع، وتحل المشاكل، ولا تعير الأم، ولا يعير الولد! المهم أن كلام المؤلف واضح أنه ما يمكن أن يلحق به، إلا إذا كان من زوجته، أما إذا كان من امرأة أجنبية فلا يلحق به ولو استلحقه.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إذا استلحقه ولم يَدَّعِهِ أحدٌ فإنه يلحق به؛ حفظاً لنسب هذا الطفل؛ لئلا يضيع نسبه، ولئلا يعير، وإذا كان الإنسان في باب الإقرار بالميراث ـ كما سبق ـ إذا أقر بأن هذا وارثه، أو أنه ابنه، كإنسان مجهول قال: هذا ابني، فإنه سبق لنا أنه يلحق به، كل ذلك حفظاً للأنساب، فهذا الرجل الذي استلحق هذا الولد بدون أن يدعيه أحد يكون له، وهو مذهب إسحاق بن راهويه، واختاره بعض السلف أيضاً، وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» جملتان متلازمتان، فيما إذا كان عندنا فراش وعاهر، فلو زنى رجل بمزوجة، وقال: الولد لي، نقول: لا، ويدل لذلك سبب الحديث، فإن سبب الحديث هو أن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ ادعى أن غلاماً كان عهد به إليه أخوه عتبة؛ لأن عتبة فجر بوليدة لزمعة، وزمعة أبو سودة زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاختصم فيه سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة، أما سعد فقال: يا رسول الله إن هذا ابن أخي عتبة عهد به إلي ـ يعني وصاني عليه ـ وأما عبد بن زمعة فقال: يا رسول الله هذا أخي، ولد على فراش أبي، فقال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، انظر إلى شبه الولد، فلما نظر وجد أنه يشبه عتبة، ولكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: «الولد لك يا عبد، الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، لكن قال لسودة: «واحتجبي منه يا سودة» ، فأمر سودة ـ رضي الله عنها ـ بأن تحتجب منه، فحكم بأنه أخوها وقال: احتجبي منه، لماذا؟
قال بعض العلماء: إن هذا من باب الاحتياط؛ لأنه وجد عندنا أصل وظاهر، الأصل الفراش، والظاهر الشَّبَه البَيِّن بعتبة، فلما اجتمع عندنا أصل وظاهر صار الاحتياط أن نحكم بالأصل والظاهر ونحتاط، فنعمل بهذا وبهذا.
وقال بعض العلماء: إن هذا من باب إعمال الدليلين، وأن هذا ليس حكماً احتياطياً، بل هو حكم واجب، وفرق بينهما، فالحكم الاحتياطي ليس واجباً، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الحكم الاحتياطي لا يدل على الوجوب، لكن القول الثاني أن هذا حكم أصلي، أعمل فيه السببان وهما الأصل والظاهر، فيكون هذا الحكم ليس احتياطياً، لكن يعكر عليه أن الحكم بالسببين يستلزم العمل بالنقيضين وهذا بعيد، والأقرب ـ والله أعلم ـ أن هذا من باب الاحتياط وليس من باب الحكم بالدليلين.
وقوله: «من أمكن» أي: أمكن عقلاً، وإن كان بعيداً عادة.

بِأَنْ تَلِدَهُ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ، أَوْ دُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبانَهَا، وَهُوَ ممَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ كَابْنِ عَشْرٍ،..............................
قوله: «بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه، أو دون أربع سنين منذ أبانها، وهو ممن يولد لمثله كابن عشر» اشترط المؤلف شرطين:
الأول : أن يكون الزوج ممن يولد لمثله، وهو ابن عشر سنين، وهذا ممكن لكنه نادر، فإذا كان له تسع سنين وجامع زوجته وجاءت بولد، يقولون: لا يمكن أن يلحق الولد به؛ لأنه ما يمكن أن يولد له، ومَنْ له عشر سنين يمكن أن يولد له، ويقال: إن بين عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه ـ رضي الله عنهما ـ إحدى عشرة سنة، ويقول الشافعي رحمه الله: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة.
الثاني : أن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه، وإن لم نتحقق أنه وَطِئ، مثل ما لو تزوج امرأة في البلد ولم يدخل عليها وأتت بولد بعد نصف سنة منذ أمكن الوطء، لكنه ما دخل عليها وعاش الولد فإنه يكون للزوج؛ لأنه يمكن أنه اتصل بها فيكون الولد ولداً له.
وإذا ولدته قبل نصف السنة وعاش فلا يكون له؛ لأن أقل مدة الحمل الذي يمكن أن يعيش ستة أشهر، والدليل قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، وقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] أَسْقِطِ العامين من الثلاثين شهراً يبقى للحمل ستة أشهر، فعلى هذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر وعاش فالولد ليس له، وذكر ابن قتيبة في كتابه «المعارف» أن عبد الملك بن مروان وهو من أعظم الخلفاء ولد لستة أشهر.
وقوله: «وهو» الضمير يعود على الزوج.
وقوله: «ممن يولد لمثله كابن عشر» يعني الذي تم له عشر.
وقوله: «كابن عشر» هذا مثال لأدنى ما يمكن أن يولد لمثله، وهو من تم له عشر سنوات، وهل يمكن أن يولد لمن تم له عشر سنوات؟ قالوا: إنه يمكن، وهذا القول وسط بين قولين آخرين، أنه يمكن أن يولد له وله تسع سنين، وقول ثالث أنه لا يولد إلا وله اثنتا عشرة سنة، ودليل المذهب قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع» [(152)]، ولأن هذا الأمر قد وقع وإن كان قليلاً.
وقوله: «أو دون أربع سنين» بناء على المشهور من المذهب أن أكثر مدة الحمل أربع سنين، وسيأتينا ـ إن شاء الله ـ في كتاب العِدد، ولا دليل على أكثر الحمل، لكن قالوا: لأن هذا أكثر ما وجد، فنقول: تقييد الحكم بالوجود يحتاج إلى دليل؛ لأنه قد تأتي حالات نادرة غير ما حكمنا به، وهذا هو الواقع، فقد وجد من لم يولد إلا بعد سبع سنين! ولد وقد نبتت أسنانه، ووجد أكثر من هذا، إلى عشر سنين، وهو في بطن أمه حياً، لكن الله ـ عزّ وجل ـ منع نموه، فالصحيح أنه لا حَدَّ لأكثره وأنه خاضع للواقع، فما دمنا علمنا أن الولد الذي في بطنها من زوجها وما جامعها أحد غيره وبقي في بطنها أربع سنين، أو خمس سنين أو عشر سنين فهو لزوجها.
وقوله: «أمكن» فلا يشترط تحقق اجتماع الزوجين، يعني سواء تحققنا أنهما اجتمعا أم لم نتحقق، فما دام الأمر ممكناً فالولد له، وهذا قول بين أقوال ثلاثة، وهو مذهب الحنابلة.
القول الثاني : أنه يلحق به منذ العقد، سواء أمكن اجتماعه بها أم لم يمكن، وعلى هذا القول فإذا تزوج امرأة وهو في أقصى المشرق وهي في أقصى المغرب، ثم ولدت بعد العقد بنصف سنة فإنه يلحق به، ولو لم يسافر، يقولون: لأن المرأة تكون فراشاً بمجرد العقد ولا يشترط إمكان اجتماعهما، وهذا مذهب أبي حنيفة.
القول الثالث : أنها لا تكون فراشاً له حتى يتحقق اجتماعه بها ووطؤه إياها؛ لأنها فراش، وفراش بمعنى مفروش، ولا يمكن أن يفرشها إلا إذا جامعها، وعلى هذا القول إذا عقد عليها ولم يدخل بها، وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر فليس ولداً له، وهذا القول هو الصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فما تكون فراشاً إلا بحقيقة الوطء وإلا فلا، كما أن الأمة ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ أنها لا تكون فراشاً لمالكها إلا إذا وطئها، وهذا كما أنه مقتضى الدليل اللغوي، هو مقتضى دليل العقل، فكيف يمكن أن نلحقه به، وهو يقول: أنا ما دخلت عليها ولا جئتها؟!
أما القول الثاني الذي يقول: تكون فراشاً له أمكن وطؤه أم لم يمكن، بل بمجرد العقد، فهذا أبعد ما يكون عن المعقول! والعجيب أنه مذهب أبي حنيفة، والأحناف ـ رحمهم الله ـ دائماً تكون مسائلهم الفقهية مبنية على النظر والعقل، لكن في هذه المسألة قولهم بعيد جداً، كيف تكون فراشاً له، وهو في المشرق، وهي في المغرب، ونعلم أنها ما سافرت ولا سافر، أين الفراش؟!
والأمة المملوكة يلحقه ولدها كما سيأتي، والموطوءة بشبهة، سواء كانت الشبهة شبهة اعتقاد أو شبهة عقد ـ أيضاً ـ يلحقه ولدها.
والموطوءة بشبهة اعتقاد أن يظنها زوجته، وبشبهة عقد أن يعقد عليها عقداً فاسداً، أو باطلاً ويظنه صحيحاً.
مثاله: تزوج امرأة وأتت منه بأولاد، ثم ثبت أنها أخته من الرضاع، فما حكم الأولاد؟ الأولاد له، والشبهة هنا شبهة عقد؛ لأنهم ظنوا أن العقد صحيح، وهو باطل.
مثال آخر: تزوج امرأة عقد له عليها أبوها، وكان أحد الشهود أخاها، وأتت بأولاد، فالعقد فاسد لكن الأولاد له؛ لأنه يعتقد صحته، ولا يعرف أن الأخ لا يكون شاهداً على نكاح أخته إذا كان العاقد هو الأب؛ لأنه إذا كان الأب هو العاقد، والشاهدان أحدهما أحد الإخوة، والآخر عمها، فلا يصح العقد على المذهب؛ لأنهم يقولون: لا بد أن يكون الشاهدان ليسا من أصول الزوج ولا من فروعه، ولا من أصول الزوجة ولا من فروعها، ولا من أصول الولي ولا من فروعه.
وهذا القول ليس بصحيح، لكن نحن نحتاط ونتحرى؛ لأنا نخشى لو حصل خلاف بينهم وترافعوا للمحاكم ـ وهم يحكمون بالمذهب ـ فيفسدون النكاح وكل ما يترتب عليه، ولهذا مع اعتقادي أن هذا القول ضعيف فأنا أتحرز.
وقوله: «منذ أبانها» تحصل البينونة بكل فراق لا رجعة فيه، أو بتمام العدة في الطلاق الذي فيه رجعة، مثال ذلك: رجل طلق زوجته آخِرَ ثلاث تطليقات في آخر يوم من ذي الحجة، في عام ألف وأربعمائة، فبانت منه وولدت في يوم ثمانٍ وعشرين من ذي الحجة عام ألف وأربعمائة وأربعة، فيلحقه النسب لأنها ولدت دون أربع سنين منذ أبانها بيوم.
مثال آخر: رجل طلق زوجته في تسع وعشرين من ذي الحجة عام ألف وأربعمائة، وولدت في تسع وعشرين من محرم عام ألف وأربعمائة وخمسة، فينظر في الطلاق فإن كان بائناً، بأن كان آخر ثلاث تطليقات فالولد ليس له؛ لأنه فوق أربع سنين.
أما إذا كانت رجعية فمعروف أن الرجعية عدتها ثلاث حيض، أو تبقى ثلاثة أشهر حسب الحال، فالولد يلحقه؛ لأنها ما تَبِين بالطلاق الرجعي إلا إذا انتهت العدة، ثم تحسب مدة أربع السنوات.

وَلاَ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ إِنْ شُكَّ فِيهِ، وَمَنِ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ دُونَهُ فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ، أَوْ أَزْيَدَ لَحِقَهُ وَلَدُهَا، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ الاسْتِبْرَاءَ وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ، ........
قوله: «ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه» كولد له عشر سنوات تزوج، وجامع الزوجة، وجاءت بولد فيكون له، لكن هل يحكم ببلوغه؟ لا يحكم ببلوغه إذا شككنا فيه، كأن تكون عانته ما نبتت، ولم يتم له خمس عشرة سنة، ونشك في إنزاله، فما ندري هل أنزل أو لا؟ فلا نحكم ببلوغه؛ لأن البلوغ يترتب عليه أحكام كثيرة، وإنما ألحقنا الولد به مع الشك احتياطاً للنسب، وحفظاً له من الضياع، فالشارع له تطلع وتشوُّف لثبوت النسب، فيلحق بأدنى شبهة، أما أن نلزمه بالواجبات، أو نجعل حكمه حكم البالغين مع الشك فلا، بل لا بد في البلوغ من اليقين.
وعلى هذا فلو كان له مال، وقال: أعطوني مالي، أنا عندي أولاد، قلنا: لا؛ لأننا نشك في بلوغك، وهذا هو المذهب أنه لا يحكم ببلوغه إذا شككنا فيه؛ لأن الأصل عدمه.
ومن أين خلق الولد؟! قالوا: مسألة خلق الولد ما ترد علينا؛ لأن إلحاق النسب أمر يتطلع له الشرع، فيثبت بأدنى شبهة، ولهذا سبق في الفرائض أن الورثة لو أقروا بأن هذا أخوهم، وُرِّث وثبت نسبه أيضاً، ولو كان أبوهم ما يدري عن هذا الرجل، فما دامت المسألة ممكنة، وليس هناك مدعٍ، ونسبه مجهول، أي: بالشروط المعروفة، فالمذهب أنه يلحق بالميت ويرث.
قوله: «ومن اعترف بوطء أمته في الفرج، أو دونه فولدت لنصف سنة أو أزيد لحقه ولدها» الأمة لا تكون فراشاً إلا بالوطء، وانتبه لهذا الفرق بين الأمة والزوجة، فالزوجة تكون فراشاً بالعقد إذا أمكن الوطء وإن لم نتحققه، وأما الأمة فما تكون فراشاً إلا بالوطء، وبماذا يثبت الوطء؟ يثبت بواحد من أمرين: إما باعترافه، أو بقيام البينة التي تشهد بأنه جامعها، أما مجرد دعواها فلا تقبل؛ لأنها قد تدعي أنه جامعها لأجل أن تكون أم ولد لو أتت بولد وينكر.
والأمة هي المملوكة، والمملوكة ممن أحل الله تعالى وطأها لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *} [المؤمنون] ، والأمة إذا ثبت أنه وطئها سيدها تسمى «سُرِّيَّة»؛ لأن سيدها تسرَّاها، فإذا اعترف وأتت بولد لنصف سنة أو أزيد لحقه، والفائدة من ذلك أن يكون لهذا الولد نسب معلوم، وأنها تصير بذلك أم ولد تعتق بموته.
وقوله: «نصف سنة» يعني وعاش، فإن أتت به لأقل من نصف سنة ولم يعِش فهو ـ أيضاً ـ ولده؛ لأنه بوطئها صارت فراشاً له، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش» [(153)]، فلو قدر أنه جامعها ثم بعد أربعة أشهر أتت بولد مخلق، فإنه يكون له.
أما إذا أتت به بعد أربعة أشهر منذ وطئها وعاش فليس له، وإذا كان له يترتب على هذا أنها تكون أم ولد كما سبق في باب العتق.
وقوله: «في الفرج أو دونه» فيثبت حتى فيما إذا جامعها دون الفرج؛ لأنه ربما تأخذ شيئاً من مائه وتتلقح به، هذه وجهة النظر عندهم.
قوله: «إلا أن يدعي الاستبراء ويحلف عليه» أي: إلا أن يدعي السيد الاستبراء ويحلف عليه، والاستبراء معناه أن تحيض بعد وطئه، فإذا قال: إنه وطئها لكن حاضت بعد وطئه، فهذا هو الاستبراء، وهو مأخوذ من البراءة وهو الخلو، يعني إذا ادعى أنه انتظر حتى حاضت فإنه لا يلحقه الولد؛ لأن الغالب أن المرأة إذا حملت لا تحيض، وأن حيضها دليل على عدم حملها، فإذا قال: إنه وطئها ولكنه استبرأها وحاضت حيضة، وحلف عليه، فإن الولد لا يلحقه، وإذا لم يلحقه فإنه يكون مملوكاً له، فيَسْلم بكونه ليس له من أن تكون أمَتُه أمَّ ولد، يحرم عليه بيعها، وتَعْتِقُ بعد موته، ويحصل له ولد مملوك يبيعه؛ لأن الأمة إذا ولدت ولداً حتى من زوج صحيح، فالولد لسيدها مملوكاً له، إلا إذا اشترط، أو كان هناك غرور؛ يعني خدع، وأظهرت أنها حرة، وغُرَّ بها، فهذا شيء ثانٍ.

وَإِنْ قَالَ: وَطِئْتُهَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِيهِ وَلَمْ أُنْزِلْ، أَوْ عَزَلْتُ لَحِقَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بوَطْئِهَا، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ لَحِقَهُ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ.
قوله: «وإن قال: وطئتها دون الفرج أو فيه ولم أنزل أو عزلت لحقه» يدعي السيد هذه الدعوى؛ لأجل أن لا يكون الولد من مائه، فيقول: وطئتها دون الفرج، ومعلوم أن الوطء دون الفرج ما يحصل به الحمل، أو قال: في الفرج لكن لم أنزل، أيضاً ما يحصل حمل، أو قال: في الفرج وأنزل ولكن عزل، يعني عند الإنزال نزع، وأنزل خارج الفرج، يقول المؤلف: لحقه نسبه؛ لما سبق من أنه إذا جامعها في الفرج أو دونه صارت فراشاً له، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش» [(154)].
قوله: «وإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون نصف سنة لحقه، والبيع باطل» اعترف أنه وطئ أمته ثم باعها، ولما باعها ومضى خمسة شهور أتت بولد وعاش، فلمن يكون؟ الجواب: للسيد الأول، ولماذا لا يكون للسيد الثاني؟ لأنه لا يمكن أن تأتي بولد لأقل من ستة أشهر ويعيش، فيكون للسيد الأول، ويكون البيع باطلاً؛ لأن بيع أم الولد حرام، وكل بيع حرام فهو باطل، وهذا مبني على القول بأنه يحرم بيع أمهات الأولاد، والمسألة خلافية، وقد كانت أمهات الأولاد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وفي عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وفي أول خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ يبعن، ثم لما رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن الناس صاروا يفرقون بين المرأة وأولادها منع من ذلك[(155)]، مثل ما صنع في مسألة الطلاق الثلاث، ولهذا بعض العلماء يقولون: إذا أتت أم الولد بولد لسيدها ومات ولدها، فإنه يجوز لسيدها أن يبيعها؛ لأن المحظور الذي من أجله منع عمر رضي الله عنه زال، وهو التفريق بينها وبين ولدها، لكن المذهب أنه متى ما وضعت الأمة من سيدها ما تبين فيه خلق الإنسان، فإنها تكون أم ولد، تعتق بموته، ولا يحل بيعها، وبناء على ذلك إذا باعها على شخص وأتت بولد لأقل من ستة أشهر تبين أنها بيعت وهي أم ولد؛ لأنها ناشئ بولد، وعلى هذا يكون البيع باطلاً، والمشتري يأخذ دراهمه، ويرد الأمة إلى سيدها.
وقوله: «أعتقها أو باعها» فالبيع باطل، ولكن هل العتق باطل أو لا؟ لا يبطل؛ لأنه زادها خيراً، بعد أن كانت لا تعتق إلا بعد موته أصبحت عتيقة، ولهذا لم يقل: العتق باطل.
والخلاصة أن هذا الفصل آخره في حكم الأمة، والبحث فيه في أمور:
أولاً : تكون الأمة فراشاً إذا جامعها سيدها، أما قبل ذلك فليست فراشاً.
ثانياً : إذا كانت فراشاً وولدت لأقل من ستة أشهر منذ جامعها وعاش، فإن الولد لا يلحق بالسيد، ويكون ملكاً له؛ لأنه ولد من مملوكته.
ثالثاً : إذا باعها بعد أن اعترف بوطئها، وأتت بولد لأقل من ستة أشهر، فالولد له نسباً، والبيع باطل.
مسألة: الولد في النسب وفي الولاء يتبع أباه، فيقال: فلان بن فلان، ولا يقال: ابن فلانة، إلا إذا انقطع نسبه من جهة أبيه فينسب إلى أمه كما سبق.
في الولاء إذا أُعتق الأب فإنه يتبع أباه، فيكون ولاؤه لمن أعتق.
في الحرية والملك يتبع أمه، بمعنى أنه إذا كانت أمه حرة كان الولد حراً، ولو كان الأب رقيقاً، فلو تزوج رقيق بحرة فالولد حر، كذلك ـ أيضاً ـ في الملك يتبع أمه فلو تزوج حُرٌّ بأمة لغيره فالولد ملك لسيدها.
وفي الدِّين يتبع خيرهما، فولد المسلم من النصرانية مسلم، وكذلك لو وطئ كافر امرأة مؤمنة بشبهة فإن الولد يكون مسلماً، يتبع أمه؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى.
وفي الطهارة والحل يتبع أخبثهما، فولد الحمار من الفرس ـ وهو البغل ـ حرام نجس.
فهذه النسب التي ذكرها العلماء في هذا الباب، فإذا سئلت هل الولد يتبع أمه أو أباه؟ فعلى هذا التفصيل الذي سبق.



[151] سبق تخريجه ص(299).
[152] أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود في الصلاة/ باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ (495) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه في الإرواء (247).
[153] سبق تخريجه ص(299).
[154] سبق تخريجه ص(299).
[155] سبق تخريجه ص(267).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, ولد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir