دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطلاق

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ربيع الثاني 1432هـ/31-03-2011م, 10:04 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
إِذَا اسْتَوْفَى مَا يَمْلِكُ مِنَ الطَّلاَقِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ في قُبُلٍ وَلَو مُراهِقاً،..................................................
قوله: «إذا استوفى ما يملك من الطلاق» أي: إذا استوفى المطلق ما يملك من الطلاق، الحر يملك ثلاثاً والعبد يملك اثنتين.
قوله: «حرمت عليه» والدليل قوله تعالى: {{اَلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}} [البقرة: 229] ، ثم قال: {{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} [البقرة: 230] .
قوله: «حتى يطأها زوج» نستفيد من قوله: «زوج» أنه لا بد أن يكون النكاح صحيحاً، أي: لا تثبت الزوجية إلا بنكاح صحيح، والنكاح الصحيح هو الذي اجتمعت شروطه وانتفت موانعه، وعلى هذا فلو تزوجها الزوج الثاني بنية التحليل للأول، أو بشرط التحليل للأول فالنكاح غير صحيح، ولا يعتبر في حلِّها للأول.
وقوله: «حتى يطأها» إذا قال قائل: القرآن ليس فيه «حتى يطأها» بل فيه {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} فعلق الله الحكم بالنكاح، والنكاح يحصل بالعقد.
قلنا: ذهب إلى هذا بعض أهل العلم، وقال: إنها تحل للزوج الأول بمجرد العقد لظاهر الآية الكريمة: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} والنكاح يكون بالعقد لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}} [الأحزاب: 49] فأثبت نكاحاً بدون مس، فعلى هذا تحل بمجرد العقد، ولكن هذا القول مردود بالسنة الصحيحة الصريحة، فإن امرأة رفاعة القرظي ـ رضي الله عنهما ـ طلقها زوجها ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده رجلاً يقال له: عبد الرحمن بن الزَّبِير، ولكنه ـ رضي الله عنه ـ كان قليل الشهوة، فجاءت تشتكي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقالت: إنها تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، يعني ما عنده قوة، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: «أتريدين أن ترجعي لرفاعة؟! لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته» [(105)]، وهذا نص صريح في أنه لا بد من الجماع، وعلى هذا تكون السنة قد أضافت إلى الآية شرطاً آخر، وهذا كما أضافت السنة إلى قوله تعالى: {{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}} [النساء: 11] أنه لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر[(106)]، والسنة تفسر القرآن وتبينه، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتنسخه ـ أيضاً ـ على القول الراجح، وإن كان لا يوجد له مثال، لكنه ممكن.
فإذاً نقول: الآية الكريمة يراد بها العقد على القول الراجح، لكن السنة أضافت إلى هذا شرطاً آخر وهو الوطء، وعلى هذا فلابد من الوطء، ولهذا قال المؤلف: «حتى يطأها زوج» والحكمة من اشتراط الوطء هو أن لا يظن أن النكاح لمجرد التحليل؛ ولأن الوطء دليل على رغبة الإنسان في المرأة.
وأما من قال من أهل العلم: إن المراد بالنكاح في الآية الوطء ففيه نظر، إلا إذا أراد أن المراد الوطء بنكاح فهذا صحيح؛ لأن الله يقول: {{حَتَّى تَنْكِحَ}} والمرأة موطوءة لا واطئة، فلا يفسر اسم الفاعل باسم المفعول، صحيح أنها يضاف إليها النكاح الذي هو العقد، لكن ما يضاف إليها النكاح على أنها الفاعلة، بل هي مراد به الوطء؛ لأنها موطوءة وليست واطئة.
فإذا قال قائل: إذا قلتم هكذا، فما الفائدة من قوله: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا}}؛ لأن ظاهر الأمر أن الزواج متقدم على النكاح، ولم يقل: رجلاً، وهذا يشعر بأن الزواج سابق على النكاح، إذ لا يمكن أن يكون زوجاً إلا بعقد، فيكون المراد بالنكاح الوطء؟
قلنا: إنما قال الله عزّ وجل: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} إشارة إلى أنه لا بد أن يكون هذا النكاح مؤثراً مترتباً عليه أثره، وهي الزوجية، وذلك عبارة عن اشتراط كون النكاح صحيحاً، هذا وجه، ووجه آخر باعتبار ما سيكون، فهو إذا عقد صار زوجاً.
قوله: «في قُبُل» احترازاً من الدبر، فلو جامعها في دبر ما حلت للزوج الأول؛ لأنه لا يحصل ذوق العسيلة بوطء الدبر، ثم ـ أيضاً ـ ليس الدبر محلاً لذلك، فالإيلاج فيه كالإيلاج بين الفخذين لا عبرة به.
قوله: «ولو مراهقاً» يعني ولو كان الزوج مراهقاً، والمراهق الذي لم يبلغ لكنه قريب البلوغ، فإذا جامعها زوج ولو مراهقاً فإنها تحل للزوج الأول، لكن بشرط أن يكون العقد صحيحاً كما سبق.

وَيَكْفِي تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مَعَ جَبٍّ فِي فَرْجِهَا مَعَ انْتِشَارٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ،...........................
قوله: «ويكفي تغييب الحشفة» الحشفة هي أعلى الذكر، فلابد من تغييبها كلها من الزوج الثاني.
قوله: «أو قدرها مع جَبٍّ» أي: إذا كانت مقطوعة فيكتفي بقدرها مما بقي من الذكر، يعني ليس بلازم أن يكون الجماع كاملاً، بل لو أدخل الحشفة، أو قدرها مع جَبٍّ فإنه يكفي؛ لأنه يحصل بذلك ذوق العسيلة ولا شك، لكن ما يحصل الكمال إلا بكمال الوطء، ولا شك أن هذا الذي وصفه من الوطء، يعني ـ تغييب الحشفة ـ يعتبر وطئاً في وجوب الغسل، وفي ثبوت النسب، وفي حد الزنا، وفي كل ما يترتب على أحكام الجماع؛ فإن العلماء لا يفرقون بين الإيلاج الكامل وعدمه، ما دام قد غيب الحشفة أو قدرها.
قوله: «في فرجها» هذا مع الأول كالتكرار؛ لأن الفرج هو القُبُل.
قوله: «مع انتشار» الانتشار يعني انتصاب الذكر، فيشترط أن يكون الإيلاج بانتشار، فلو أولج بدون انتشار فإنها لا تحل.
وظاهر كلامه: ولو أنزل؛ لأنه ما يحصل بذلك كمال اللذة، وقضية عبد الرحمن بن الزَّبِير رضي الله عنه تدل على أنه لا بد أن يكون الإيلاج بانتشار.
قوله: «وإن لم ينزل» الفاعل الزوج، يعني وإن لم يحصل إنزال، سواء لم ينزل مطلقاً أو أنزل خارج الفرج، فإنه لا يضر.
وقوله: «وإن لم ينزل» هذه إشارة خلاف، فإن بعض أهل العلم يقول: لا بد من الإنزال؛ لأنه ما يتم ذوق العسيلة إلا بالإنزال، فإن كمال اللذة لا يحصل إلا بالإنزال، ومجرد الجماع ما يحصل به كمال اللذة، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» [(107)]، ولكن جمهور أهل العلم على عدم اشتراط ذلك، فحينئذٍ يكون القول الصواب في هذه المسألة وسطاً بين طرفين: الطرف الأول أن مجرد العقد يكفي، والطرف الثاني أنه لا بد من إنزال، والوسط أن العقد مجرده لا يكفي وأن الإنزال ليس بشرط، وعلى هذا فيكون وسطاً.
وغالب أقوال أهل العلم إذا تأملتها تجد أن القول الوسط يكون هو الصواب؛ لأن الذين تطرفوا من جهة نظروا إلى الأدلة من وجه، والذين تطرفوا من جهة نظروا إليها من الوجه الثاني، والذين توسطوا نظروا إليها من الوجهين، فكان قولهم وسطاً وهو الصواب، ولو تأملت الخلاف بين الناس سواء فيما يتعلق بالعقائد، أو فيما يتعلق بالأعمال وجدت أن القول الوسط في الغالب هو الصواب.
فائدة: قال بعض الناس: يمكن أن نأخذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» ما يسمى بشهر العسل، فهل هذا صحيح؟
نعم، هذا صحيح، لكن العسل ليس بشهر إذا دام مع المرأة، فيكون العسل دهراً وليس شهراً.
أما السفر في هذا الشهر إلى بلاد لا ينبغي السفر إليها، فإن فيه إضاعة للمال، ثم إننا نسمع أن بعض الناس يخرج إلى بلاد خارجية، ويذهب إلى المسابح والمسارح والملاهي، وامرأته متبرجة كاشفة رأسها، ونحرها، وعضديها وما أشبه ذلك ـ والعياذ بالله ـ فهل هذا إلا من الذين بدلوا نعمة الله كفراً؟! فجزاء هذه النعمة أن يزداد الإنسان شكراً لله عزّ وجل، ومعاشرة حسنة لأهله، ولكن ما حكم من يقول بدلاً من هذا: أذهب أنا وإياها للعمرة؟ نقول: هذا حسن وغير حسن؛ لأن الظاهر أن أصله مأخوذ من غير المسلمين؛ لأننا ما عهدنا هذا في أزمان العلماء السابقين، ولا في عهد السلف، ولا تكلم عليها أهل العلم، فيكون هذا متلقى من غير المسلمين، هذا من وجه.
ومن وجه آخر أخشى أنه إذا طال بالناس زمان أن يجعلوا الزواج سبباً لمشروعية العمرة، ثم يُقال: يسن لكل من تزوج أن يعتمر! فنحدث للعبادة سبباً غير شرعي وهذا مشكل؛ لأن الناس إذا طال بهم الزمن تتغير الأحوال وينسى الأول، فلهذا نقول: اجعل شهر العسل في حجرتك، في بيتك، واجعل العسل دهراً لا شهراً، واحمد الله على العافية.

وَلاَ تَحِلُّ بِوَطْءِ دُبُرٍ، وَشُبْهَةٍ، وَمُلْكِ يَمِينٍ، وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلاَ فِي حَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَإِحْرَامٍ، وَصِيَامِ فَرْضٍ، وَمَنِ ادَّعَتْ مُطَلَّقَتُهُ المُحَرَّمَةُ ـ وَقَدْ غَابَتْ ـ نِكَاحَ مَنْ أَحَلَّهَا، وَانْقِضَاءَ عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَلَهُ نِكَاحُها إِنْ صَدَّقَهَا وَأَمْكَنَ.
قوله: «ولا تحل بوطء دبر» وقد سبق.
قوله: «وشبهة» الشبهة نوعان: شبهة عقد، وشبهة اعتقاد، أما شبهة العقد فمعناه أن يعقد عليها عقداً يتبين أنه غير صحيح، وأما شبهة الاعتقاد فأن يطأها يظنها زوجته وليس هناك عقد، فلا تحل بوطء شبهة.
والظاهر أن المراد بالشبهة في كلام المؤلف هنا شبهة الاعتقاد؛ لأنه قال: «ونكاح فاسد» .
فشبهة الاعتقاد كرجل طلق امرأته ثلاثاً وبَيْنَا هي نائمة، إذ أتاها رجل يظنها زوجته فجامعها، فهل تحل للأول؟ ما تحل؛ لأن هذا الوطء بغير نكاح.
قوله: «وملك يمين» يعني لو كانت زوجة الأول أمة فطلقها ثلاثاً وانتهت عدتها، فإنها تحل لسيدها؛ لأنه مالك لها؛ إذ إن تزويجها لا ينقل ملكها فإذا جامعها سيدها بملك اليمين، واستبرأها، أو أنها جاءت منه بولد وتركها فهل تحل لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثاً؟ ما تحل للزوج الأول؛ لأنها ما تزوجت، والله يقول: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} وهذه ما نكحت زوجاً.
وقوله: «ونكاح فاسد» وهو ما اختل فيه شرط من شروط الصحة، أو وجد فيه مانع من موانع الصحة، ولكن هل هو الباطل أو غيره؟ غيره، والفرق بينهما: أن الباطل ما أجمع العلماء على فساده، وأما الفاسد فهو ما اختلف العلماء في فساده، ولا فرق عندنا ـ في مذهب الحنابلة ـ بين الفاسد والباطل إلا في موضعين فقط: باب النكاح، وباب الحج؛ فإنهم يفرقون بين الفاسد وبين الباطل، يقولون: إن الحج الباطل ما حصل فيه مبطل كالردة مثلاً، فلو ارتد وهو في أثناء الحج ـ والعياذ بالله ـ بطل، والفاسد هو الذي جامع فيه قبل التحلل الأول، والنكاح، فالفاسد هو الذي اختلف فيه العلماء، والباطل هو الذي أجمع العلماء على فساده، فهذا رجل طلق زوجته ثلاثاً واعتدت وبانت منه، فتزوجها رجل آخر بعقد تامة شروطُه، ودخل عليها وجامعها، ثم شهدت امرأة ثقة بأنها أرضعت الزوج الثاني وزوجته، فهل تحل للأول؟ ما تحل للأول؛ لأنه تبين أن هذا العقد باطل، وأن الزوج ليس بزوج.
وكذلك لو تزوجها بلا ولي على رأي من يرى أن الولي شرط لصحة النكاح فإنها لا تحل، مثال ذلك: رجل طلق زوجته ثلاثاً واعتدت منه، ثم تزوجها آخر بلا ولي ـ على رأي من يرى أن الولي شرط لصحة النكاح ـ فإنها لا تحل للأول.
مثال آخر: رجل طلق زوجته ثلاثاً واعتدت منه، ثم تزوجها رجل آخر، وصار العاقدَ لها أبو أمها، ودخل عليها الزوج الثاني، ثم طلقها الزوج الثاني وانتهت العدة فهل تحل للأول؟ ما تحل؛ لأن أبا الأم ليس ولياً، وعلى هذا فقد تزوجت بدون ولي، فيكون النكاح فاسداً فلا تحل للزوج الأول.
قوله: «ولا في حيضٍ» يعني أن الزوج الثاني تزوجها بنكاح صحيح، وجامعها وهي حائض، ثم طلقها فلا تحل للزوج الأول؛ لأن هذا الجماع محرم لحق الله عزّ وجل، فلا تحل به كما لو صلى في مكان مغصوب، فإن الصلاة لا تصح.
قوله: «ونفاسٍ» كذلك ـ أيضاً ـ لا تحل بوطء في نفاس؛ لأن الوطء في النفاس محرم فلا تحل به، مثل ما لو طلقها زوجها الأول وهي حامل، فوضعت فتنقضي عدتها، فتزوجها آخر وهي في نفاسها وجامعها، فهل تحل للأول؟ لا تحل؛ وذلك لأن هذا الوطء محرم لحق الله، فلا يكون مؤثراً كما قلنا في الحيض.
قوله: «وإحرام» أي: لا تحل بوطء في إحرام بحج أو عمرة؛ لأن الجماع في الإحرام محرم، وما كان محرماً فإنه لا يترتب عليه أثره، ولا يكون مصححاً لشيء، كما لو صلى في أرض مغصوبة.
قوله: «وصيام فرض» أي: لا تحل ـ أيضاً ـ بوطء في صيام فرض، سواء صيام رمضان، أو صيام قضاء رمضان، أو صيام عن كفارة، أو عن فدية، أو عن أي شيء، المهم أن الصيام فرض؛ فلا تحل؛ لأنه وطء محرم.
وقوله: «وصيام فرض» مفهومه أنه لو جامعها في صيام نفل حلت؛ لأن الوطء جائز؛ إذ إن إتمام النفل ليس بواجب؛ فإذا كان إتمام النفل غير واجب فإنه يجوز للزوج أن يجامع زوجته في صيام النفل، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
وقال بعض أهل العلم: إنها تحل بالوطء في هذه الأحوال؛ لعموم الحديث، فإن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» يشمل ما إذا كان الوطء حلالاً أو حراماً، ولكنه يكون آثماً، وليس الوطء عبادة حتى نقول: لا يصح مع التحريم، كالصلاة في أرض مغصوبة، وإنما الوطء شرط للحل، وهذا القول أصح، ولذلك لو أنه سافر سفراً محرماً كان القصر والفطر فيه جائزين عند أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله وجماعة من أهل العلم؛ لأن الله علق الحكم على السفر مطلقاً، وهذا أيضاً عُلِّق الحكم فيه على الوطء مطلقاً، ولأنهم هم أنفسهم يقولون: لو أنه جامعها في وقت صلاة ضاق وقتها فإن ذلك يُحِلها للأول، مع أن الوطء في هذه الحال محرم؛ لأنه يلزم منه إخراج الصلاة عن وقتها.
فالصواب في هذه المسألة: أنها تحل ولو مع الوطء المحرم، وهو اختيار المُوَفَّق رحمه الله.
والخلاصة : أنه إذا وطئها وطئاً محرماً فلا يخلو، إما أن يكون لمانع يمنع الوطء فيها كالحيض والنفاس، أو لعبادة لا يجوز الوطء فيها كالصيام لفرض والحج والعمرة، فهذه لا تحل للزوج الأول، أو لمعنى آخر، مثل أن تكون مريضة لا يحل وطؤها لمرضها، فيطؤها في هذه الحال، أو تكون في وقت صلاة ضاق وقتها فيطؤها في هذه الحال، فإنها تحل للزوج الأول.
والصحيح في هذا: أنه لا فرق بين الصورتين، وأنها تحل للزوج الأول بالوطء المحرم، بالحيض، والنفاس، والإحرام وصيام الفرض، وضيق وقت الصلاة، والمرض، وغير ذلك؛ وذلك لأن الحديث عام.
قوله: «ومن ادعت مطلقته المحرمة وقد غابت» المطلقة المحرمة هي المطلقة ثلاثاً.
قوله: «نكاح من أحلها» أي: ادعت أنها تزوجت زوجاً جامعها بنكاح صحيح حصل فيه وطء بانتشار.
قوله: «وانقضاء عدتها منه» قالت: إنه طلقها بعد أن وطئها وطئاً محللاً، وانقضت عدتها.
قوله: «فله نكاحها» أي: فإنها تحل للزوج الأول، لكن بثلاثة شروط:
الأول : قوله: «إن صدقها» فإن لم يصدقها فلا تحل؛ لأنه لو أقدم عليها مع عدم تصديقه لها لأقدم على نكاح لا يعلم صحته، وهل له أن يصدقها وإن كانت ممن لا يوثق بخبرها؟ لا، لكن إذا صدقها وهي محل للتصديق، أما إذا كان لا يثق بها فإنه لا يجوز أن يصدقها.
الثاني : قوله: «وأمكن» بمعنى أنه مضى زمن يمكن انقضاء عدتها منه، وأن تتزوج الثاني ويطلقها، وتنقضي عدتها منه، ومقدار المدة الممكنة شهران فما زاد؛ لأن الفقهاء يقولون: إن ادعت انقضاء العدة في أقل من تسعة وعشرين يوماً ما تسمع دعواها، وفي تسعة وعشرين يوماً ولحظة إلى شهر تقبل ببينة، وفيما زاد على ذلك تقبل بلا بينة.
إذاً لا بد من شهرين فما زاد، إلا إذا كانت حاملاً فهذه ربما تنقضي بأقل، فيمكن أن تضع حملها يوم يفارقها زوجها الأول، وتتزوج زوجاً ثانياً ثم يطلقها وتعتدُّ ثلاثين يوماً منه، وإذا كانت من غير ذوات الحيض فعدتها ثلاثة شهور، فالمهم أن الإمكان هنا ما يمكن أن يتحدد بشيء معين، بل ينظر في ذلك إلى نوع العدة حتى نعرف ما هو الإمكان، وما عدم الإمكان؟
الثالث : قوله: «وقد غابت» فإن لم تكن غائبة فإن الغالب أن النكاح يشتهر، لا سيما إذا كنا في بلد يشتهر فيه النكاح فإننا ما نقبل كلامها.


[105] أخرجه البخاري في الطلاق/ باب من جوّز الطلاق الثلاث.... (5260)، ومسلم في النكاح/ باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح... (1433) عن عائشة رضي الله عنها.
[106] أخرجه البخاري في الفرائض/ باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (6764)، ومسلم في الفرائض/ باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر والمسلم (1614) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
[107] سبق تخريجه ص(204).


التوقيع :
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
فيما, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir