دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 05:32 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

هذه الآية الجليلة من الوصية العظيمة التي وصَّى بها يوسف عليه السلام صاحبي السجن في جملٍ يسيرة الألفاظِ، واسعةِ الدلائل، جليلةِ المعاني.
قال تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}

وسنقف وقفات عند قوله في هذه الوصية: {إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه} ونتفكّر في معانيها وآثارها وسعة دلائلها.
{إن الحكم إلا لله} أسلوب حصر مؤكد، قاطع بنفي أيّ حُكْمٍ غير حكم الله تعالى على الحقيقة.
وحكم الله تعالى على ثلاثة أنواع: حكمٌ شرعي، وحكم قدريّ، وحكم جزائي.
- فالحكم الشرعي ما تعلق بالأمر والنهي.
- والحكم القدري متعلق بالقضاء والقدر.
- والحكم الجزائي متعلّق بالثواب والعقاب.
وهذه الأنواع تجتمع في حالات وتفترق في أخرى كثيرة؛ ولكل نوع حِكَمٌ عظيمة، وآثار جليلة، وهي أحكام متّسقة باتّساق بديع محكم يدلّ المتفكّرَ في عظمتها وشمولها وإحاطتها بأحوال المكلفين على القطع بأنّه لا حكم إلا لله تعالى، ويُظهر له بعض آثار اسم الله (الحَكَم)، ومعنى قوله تعالى: {إن الحكم إلا لله} وقوله: {له الحكم}.

والتفقّه في هذا الباب والتفكّر في معانيه وآثاره من أسباب تحصيل اليقين بالله تعالى.
1. فأحكام الله الشرعية غايةٌ في قيام المصالح ورعايتها، ودرء المفاسد والاحتراز منها، ولا يحصل ذلك إلا لمن اتّبع هدى الله تعالى؛ فامتثل أمره واجتنب نهيه؛ فإنَّ ذلك يفضي به إلى الحال الحسنة والعاقبة الحسنة.
ومن قصّر في اتّباع هدى الله حصل له من السوء في حاله وعاقبته بقدر مخالفته.
2. والأحكام القدرية غاية في العزة والحِكْمَة واللُّطْف.
3. والأحكام الجزائية دائرة بين العدل والإحسان.
ولا تخلو حالة من أحوال الإنسان من تعلّقٍ بهذه الأحكام شاء أم أبى.
فحكم الله محيط بجميع أعمال العباد وآثارهم، وهذه الإحاطة من دلائل وحدانية الله تعالى وعزَّته وقهره، وهذا الشمول العظيم يقضي على كلّ حكم سوى حكم الله بالعجز والضعف والبطلان مهما بدا لصاحبه من قوّة ظاهرة في هذه الحياة الدنيا فهو محكوم مقهور.

ومهما حصل من تقصير القضاة في إدراك الأحكام الشرعية والحكم بها، فإنَّ حكم الله محيط بكلّ ذلك، وتحاكم الناس إلى شريعة الله تعالى لا يقتصر على ما يمكن تقديمه من البيّنات عند الخصومات ونحو ذلك مما يحكم به القضاة بما يظهر لهم، بل هو تحاكم شامل لكل ما يُتنازع فيه؛ فلا يضيع حقّ صاحب الحقّ مهما دقّ، ولا يفوت المجرم بجرمه مهما قلّ و{من يعمل سوءا يجز به}.
ولذلك قد يفرّ المجرم بجرمه أو تعطّل الحدود في بقعة ما أو يغيّر المغيّرون بعض أحكام الشريعة لكنّهم جميعاً لا يخرجون عن دائرة الحكم القدري والجزائي.
وكم من شخص اقترف جرماً وفرح بنجاته من حُكَّام الأرض؛ فأصابه من العقوبة في نفسه وماله ما هو أشدّ عليه من عقوبة الجريمة التي اقترفها.

وأحكام التعاملات مع الناس لا يفقهها حقّ الفقه من قصرَ نظرَه على قوانين التحاكم إلى المخلوقين وإن كان حُكمهم بالشريعة في أصل الأمر؛ بل لا بد من الجمع بين هذه الأنواع.
وبهذا تندفع كثير من الإشكالات التي يثيرها بعض المعترضين على تحكيم الشريعة، بزعمهم أنَّ فوات الحقّ الخفيّ ظلم، وبراعة أحد المتخاصمين في الحجة قد يستميل بها بعض حقّ صاحبه، وهذه الاستشكالات فيها غفلة عن ضمانات الحكم القدري والحكم الجزائي.
وقد نبَّه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كما في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار»
فمن قُضي له بشيء لا يستحقّه حرمَ عليه أن يأخذه، ومن وقع عليه ظلم ورضي بالله حَكَماً لم يضع عليه شيء من حقّه مهما دقّ، فإنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة.
وإنما الخوف على المظلوم أن يتحوّل إلى ظالم بتسخّطه أو تعدّيه، كما قال ابن مسعود:(ما يزال المسروق منه يتظنّى حتى يصير أعظم من السارق). رواه البخاري في الأدب المفرد.
أي يتّهم الأبرياء تخرّصاً بظنّه.

وأما المظلوم الذي لا يتعدّى ولا يتسخّط حكمَ الله، ولا يتعدّى على عباد الله فهو في ضمان الله تعالى له؛ فيأتيه حقّه بالحكم القدري أو الجزائي، وبين هذين الحكمين فرق لطيف:
وهو أن الحكم القَدَري على العبد قد يقع عقوبة أو ابتلاء أو استدراجاً أو تنبيهاً، وأما الحكم الجزائي فمتعلّق بالثواب والعقاب الدنيوي والأخروي، هذا من وجه.
ومن وجه آخر: فالحكم الجزائي ينقسم إلى حكم جزائي شرعي، وحكم جزائي قدري.
إذا تبيّن لك ما تقدّم عرفت سعة معاني اسم الله "الحَكَم" و"الحكيم" الذي له الحكم كلّه بجميع أنواعه؛ فهو تعالى الحكَم بجميع هذه الاعتبارات، وإليه يرجع الأمر كلّه؛ فيحكم فيه بما شاء، لا يخرج عن حكمه شيء.
وقوله تعالى: {واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} يشمل هذه الأنواع الثلاثة: الحكم الشرعي المبيّن للهدى، والحكم القدري، والحكم الجزائي.
وقوله تعالى: {إن الحكم إلا لله} حصر مؤكد، يتبيّن للمتفكّر فيه أنَّه لا حكم لأحد دون الله تعالى، وأن الذين يُدعون من دون الله لا يَقضونَ بشيء، ولا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا حياة ولا نشوراً، فكيف يُطاعون في معصية الله تعالى الذي له الحكم؟!!
وكيف يُعبدون من دون الله وقد {أمر ألا تعبدوا إلا إياه}.
فمن تحقّق بهذه الحقيقة أسلم قلبه لله، وأخلص له الدين، لما قام في قلبه من اليقين بأن الحكم لله وحده، وأنَّ القضاء والقدر بيده وحده جلَّ وعلا، والثواب والعقاب من عنده؛ فكذلك الأمر والنهي يجب أن لا يكونا إلا من عنده.
وهذا الحكم عامّ في كبير الأمور وصغيرها، فكلّ معصية يُعصى الله بها هي خروج عن عبادته الواجبة، وفسق يستحقّ صاحبه العقاب عليه؛ كما قال تعالى: { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}
ولذلك عظمت خشية المؤمنين لربّهم جلّ وعلا، واستعاذوا به من الوقوع في الإثم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) متفق عليه من حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها.

والمتأمّل في هذه الأحكام الإلهية وسعتها وعظمة آثارها واتّساقها اتّساقاً بديعاً محكماً يدرك أن الدين قائم على إخلاص العبادة لله تعالى وحده، كما قال أبو العالية الرياحي رحمه الله في قوله تعالى: {إن الحكم إلاّ للّه أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه} قال: (أسّس الدّين على الإخلاص للّه وحده لا شريك له). رواه ابن جرير.
وهذه الكلمة العظيمة من هذا التابعيّ الجليل دليل على فقهه وإدراكه لمقصد الآية وحسن تنبيهه لذلك.
وقوله: {ذلك الدين القيّم} الإشارة بلفظ الإشارة البعيد (ذلك) فيه دلالة على الرفعة والسموّ العالي لهذا الدين، الذي يتعالى عن كل ما أريد به مضاهاته.
والقيّم شامل لثلاثة معانٍ
أحدها: المستقيم الذي لا عوج فيه ولا اختلاف ولا تناقض.
والثاني: القوّام برعاية المصالح وتحقيقها.
والثالث: المهيمن على شؤون العباد وأعمالهم وأحوالهم؛ فلكلّ عمل حكم، ولكل حال سبب وجزاء.

وقوله: {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} أي في غفلة عن تفرّد الله تعالى بالحكم، وعن قيوميّة هذا الدين.
والوصف بعدم العلم في هذا الموضع وصف ذمّ يستدعي التفكّر في أسبابه وآثاره.
فهو جهل مذموم ناشئ عن الغفلة والإعراض، والإمعان في التعامي عن هدى الله تعالى، والجراءة على معصيته والاسترسال في الغيّ حتى طمست البصيرة، وأظلم القلب، واستحكم الجهل؛ فهم لا يعلمون.
وهذا الوصف الذميم يقذف في نفس المؤمن الرهبة من أن يوصم بشيء منه فيكون من الجاهلين، فيحمله ذلك على أن ينأى بنفسه عن التخلق بأخلاق الجاهلين، والعمل بأعمالهم، والتشبّه بأحوالهم.
ولذلك لمّا دُعي يوسف عليه السلام إلى الفاحشة {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir