السلام عليكم ورحمة الله.
اختلف العلماء في معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} على أقوال:
القول الأول: هو نبت يُقال له الشِّبْرِق، وتسميه أهل الحجاز الضَّريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشِّبْرق، وهو سمّ.
[الشبرق رطب، فإذا يبس سمي ضريعا]
وهو قول ابن عباس، وأبي الجوزاء، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وعطاء الخراساني، وشريك بن عبد الله، وابن زيد، والكلبي، ومقاتل، وأبي حنيفة، وابن الأعرابي.
وبه قال الخليل بن أحمد، والفراء وأبو عبيدة، والليث، وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم، وابن قتيبة، والزجاج.
قال الزجاج: وهو شوك كالعَوْسَج.
وهذا القول اختاره ابن جرير الطبري.
ونسبه مكي: إلى كثير من أهل اللغة.
وقال الواحدي: "ونحو هذا قال أكثر المفسرين".
ورجحه أيضا القرطبي ونسبه إلى عامة المفسرين.
وقال الألوسي أيضا: "والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة".
- أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشِّبْرق.
- أما قول أبي الجوزاء فرواه ابن أبي شيبة فقال: "حدثنا عفان قال: حدثنا سعيد بن زيد قال: حدثنا عمرو بن مالك قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} [الغاشية: 6] السلم كيف يسمن من يأكل الشوك".
ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي.
- أما قول عكرمة فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ، قال: ثنا عباد بن يعقوب الأسديّ، قال محمد: ثنا، وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان، عن عبد الرحمن الأصبهانيّ، عن عكرِمة في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشِّبرق.
ورواه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير الطبري من طريق سفيان ومن طريق مهران عن ليث ومن طريق ابن أبي نجيح عنه.
- أما قول قتادة فرواه عبد الرزاق من طريق معمر، وابن جرير الطبري عن سعيد عنه.
- أما قول عطاء الخرساني فهو في تفسيره الذي رواه رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد عنه.
- أما قول شريك بن عبد الله فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا شريك بن عبد الله، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشبرق.
- أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير الطبري فقال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشَّوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإنَّ الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
- أما قول الكلبي فذكره الواحدي، والبغوي.
- أما قول مقاتل فذكره الواحدي.
- أما قول ابن الأعرابي فرواه أبو نعيم الأصبهاني في "الطب النبوي" فقال: "أخبرنا أبو عُمَر غلام ثعلب في كتابه، عَن ثعلب، عَن ابن الأعرابي قال: "الضريع الشبرق وهي العوسج ما دام رطبا ويقال لقشوره: العرام".
ويستشهد له بقول أبي عيزارة الهذلي:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... جرباء دامية اليدين حرود
وبما قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان منه الخائض
القول الثاني: هو شي يرمي به البحر، يسمى الضريع، من أقوات الانعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلا.
وهذا القول روي عن ابن عباس من طريق الضحاك، كما ذكره القرطبي، وذكره ابن سيده، والراغب الأصفهانى، وابن منظور.
وضعفه ابن جزي في تفسيره.
القول الثالث: الحجارة.
وهو قول سعيد بن جبير، وعكرمة.
- أما قول سعيد بن جبير فرواه يحي بن اليمان وابن جرير الطبري من طريق جعفر عنه.
- أما قول عكرمة فذكره النحاس، ومكي بن أبي طالب، والقرطبي.
وهذا القول استغربه السمعاني فقال: "ويقال: "الضريع هو الحجارة"، وهو مروي عن سعيد بن جبير وغيره، وهو قول غريب".
واعترض عليه أيضا الشيخ مساعد الطيار فقال: "ولم أجد من فسَّره بهذا التفسير، كما لم أجده في كتب اللغة، فهل هي لغة علِمَها سعيد وجهِلَها غيره، أم ماذا؟!"
والظاهر أنه غريب من جهة اللغة، ولعل تزول غرابته إذا حمل على التفسير على المعنى، وربما يدل على هذا ما ذكره ابن عطية قال: "وقال سعيد بن جبير: "الضريع: الحجارة من النار"".
القول الرابع: هو الجلدة التي على العظم تحت اللحم من الضلع. وهو قول الليث، نقله عنه الأزهري في التهذيب، وذكره ايضا ابن عطبة.
قال ابن عطية: ولا أعرف من تأول الآية بهذا.
القول الخامس: هو الخمر أو رقيقها، ذكره الزبيدي عن ابن عباد.
القول السادس: هو مما لا تعرفه العرب.
ذكره ابن عطية، وذكره السيوطي في "معترك الأقران".
ورده ابن قتيبة قال: "وكان ما أراد الله بهذا معلوما عندهم مفهوما، ولو لم يكن كذلك لأنكروه..."
ولعله يراد به التفسير على المعنى، لا التفسير على اللفظ. ويؤيد هذا ما قال ابن سيده: "وَقيل: الضَّريع: طَعَام أهل النَّار. وهذا لَا تعرفه العَرَب".
وقال عبد الكريم يونس الخطيب: والرأى- والله أعلم- أنه من طعام أهل النار، لا يعرف له شبيه فى الحياة الدنيا، ولهذا وصفه الله سبحانه بأنه {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}، أي: أنه لا تتقبله الأجسام، ولا تتفاعل معه، كما أنه لا يشبع جوع الجياع.. ولو كان معروفا عند العرب، لما وصف هذا الوصف الكاشف!.
ولا تنافي بين هذه الأقوال؛ لأن أصل الضريع الخضوع والذل. قال الجوهري: "وضَرَعَ الرجلُ ضَراعةً، أي خضع وذلَّ. وأضْرعَهُ غيره. وفي المثل: "الحُمَّى أضْرَعَتْني لَكَ ". والضَرَعُ، بالتحريك: الضعيف. وإنَّ فلاناً لضارِعُ الجسم، أي نحيفٌ ضعيفٌ".
وإن قيل: تسمية النبت بذلك شاذ، يرد عليه بما قال ابن فارس: "...ومما شذ عن هذا الباب: الضريع، وهو نبت. وممكن أن يحمل على الباب فيقال ذلك لضعفه، إذا كان لا يسمن ولا يغني من جوع. وقال:
وتركن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود". ه
فكل قول يدل على هذا الأصل، وقد قال الراغب الأصفهانى: وأما قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}، فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر".
وقال ابن جزي: "ولله در من قال: الضريع طعام أهل النار فإنه أعم وأسلم من عهدة التعيين".
وفي معنى "ضريع" عدة احتمالات:
الأول: أنه بمعنى "مضرع"، أي: مضعف للبدن مهزل؛ ويستدل له بما رواه مالك عن حميد بن قيس المكي، أنه قال: "دخل على
[يُفضل تشكيل هذه الكلمات: " دُخِل علَى "حتى لا يُتوهم: "دَخلَ عليّ، وحُميد بن قيس ليس صحابيًا] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما: ما لي أراهما ضارعين؟ فقالت حاضنتهما: يا رسول الله، إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين". والحديث سنده منقطع.
ولكن يمكن الاستدلال بما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: "ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة"، قالت: "لا، ولكن العين تسرع إليهم"، قال: "ارقيهم"، قالت: فعرضت عليه، فقال: "ارقيهم".
الثاني: أنه من "فعيل" بمعنى مفعل؛ ويستشهد لهذا بقول عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد: السمع.
[الصواب: المُسمِع، " السمع" لعله خطأ في أحد الطبعات لكتاب المحرر الوجيز، ووردت المُسمع في طبعة وزارة الأوقاف القطرية، وهو تابعٌ للمعنى الأول]
الثالث: أنه من المضارعة، أي: الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به.
وهذا أيضا يدل على الضعف.
الرابع: أنه مشتق من الضارع، وهو الذليل، أي ذو ضراعة، والمعنى: من شربه ذليل تلحقه ضراعة. فسمي بذلك؛ لأن آكله يتضرع في أن يعفى منه للكراهة وخشونته. وهذا معنى قول النحاس، وابن كيسان، والبقاعي.