فهرسة مسائل قاعدة:
لا يتم الحكم حتى تجتمع الشروط و تنتفي الموانع
شرح قول الناظم - رحمه الله-:
و لا يتم الحكم حتى تجتمع كل الشروط و الموانع ترتفع
بين الناظم – رحمه الله - في هذا البيت أن إتمام الحكم الشرعي و الجزائي موقوف على توفر الشروط، و انتفاء الموانع.
فإذا عدم شرط من الشروط لم يتم الحكم، و كذلك إذا وجدت الشروط، و لكن قام معها مانع.
اقتباس:
نعنون له بقولنا :
المعنى الإجمالي للقاعدة
|
أدلة القاعدة:
الأدلة على هذه القاعدة كثيرة جدا، و ذلك أن ما من دليل من أدلة الشرط، و لا دليل من أدلة المانع، إلا و هو يصلح أن يكون دليلا عليها.
فمن هذه الأدلة:
- قول الله – تعالى-: { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}.
- و قول النبي - صلى الله عليه و سلم-: " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".
أهمية القاعدة:
هذه القاعدة عظيمة لأمور، منها:
- أنه يحصل لمن حققها نفع عظيم، و ينفتح له باب من أبواب فهم النصوص المطلقة التي كثر فيها الاضطراب، و الاشتباه.
- أنها عامة في كل المسائل، و الأبواب الفقهية، كما سيتضح في ذكر الأمثلة إن شاء الله.
و لما كانت هذه القاعدة ذا أهمية عظيمة؛ فإنه لا بد لنا من معرفتها، و ذلك بمعرفة كل من الحكم، و الشرط، و المنع، ثم أختم هذه الفهرسة بذكر بعض الأمثلة عليها.
اقتباس:
نجعل هذه المسألة قبل الكلام على دليل القاعدة
|
أولا: تعريف الحكم لغة، و ذكر أقسامه، مع بيان كل قسم:
الحكم لغة: القضاء.
و أقسامه ثلاثة:
-
الأول: الحكم الكوني، و نقول فيه مثل ما نقول في الإرادة الكونية، و القضاء الكوني و نحوهما.
-
و الثاني: الحكم الشرعي، و هو على نوعين:
-
النوع الأول: الحكم التكليفي، و هو: ما اقتضى طلبا أو تخييرا.
-
و النوع الثاني: الحكم الوضعي، و هو: جعل الشيء علامة، أو صفة لشيء آخر.
و الفرق بين الحكم الكوني، و الحكم الشرعي، كالفرق بين الإرادة الكونية، و الإرادة الشرعية.
-
و الثالث: الحكم الجزائي، و هو ما يترتب على الأعمال من ثواب و عقاب.
ثانيا: تعريف الشرط لغة و اصطلاحا:
الشرط لغة: العلامة.
و اصطلاحا: ما لا يوجد المشروط إلا بوجوده، و لا يلزم من وجوده وجود المشروط، و لا عدمه لذاته.
مثاله: الطهارة شرط ، فلا تصح إلا بوجودها، و لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة، و لا عدمها؛ لأنه قد يكون على الطهارة، لكنه غير ساتر لعورته.
ثالثا: أنواع الشروط:
-
النوع الأول: شروط صحة، مثل: شرط الطهارة للصلاة.
-
و النوع الثاني: شروط وجوب، مثل: شرط التمييز.
-
و النوع الثالث: شرط صحة و وجوب، مثل: العقل.
-
و النوع الرابع: شرط الأداء، و هو الذي ذكره الفقهاء في كتاب الحج.
مسألة: الفرق بين الشرط و الركن:
يجتمع الشرط و الركن في عدم صحة العمل عند تخلف أحد منهما، و يفترقان في كون الشرط قبل الفعل، و أما الركن فهو جزء من حقيقته.
رابعا: تعريف المانع لغة و اصطلاحا:
المانع لغة: الحائل بين الشيئين.
و اصطلاحا: ما يلزم من وجوده عدم الحكم، و لا يلزم من عدمه وجود الحكم، و لا عدمه لذاته.
مثاله: الحيض مانع من وجوب الصلاة، فيلزم من وجود الحيض عدم الحكم، و لا يلزم من عدم الحيض وجود الحكم، و لا عدمه لذاته؛ لأن هذه المرأة قد تكون عاقلة، و قد تكون مجنونة.
خامسا: أنواع الموانع:
-
النوع الأول: مانع من الابتداء و الدوام معا، مثل: الرضاع؛ فإنه تمنع من ابتداء النكاح، و من دوامه أيضا.
-
و النوع الثاني: مانع من الابتداء فقط، مثل: الإحرام؛ فإنه يمنع من ابتداء النكاح، و لا يمنع من دوامه.
-
و النوع الثالث: مانع من الدوام فقط، مثل: الطلاق؛ فإنه يمنع من دوام النكاح، و لا يمنع من ابتدائه.
و يبقى لنا أن نقول: إنه لا حاجة إلى تعريف الشرط, و المانع، و نحوهما كالسبب و غيره، و تصور هذه المعرفات ممكن من غير هذه التعريفات، و لذلك لم يحتج إليها القرون الأولى، بل ففهموا معاني الكليات بدلالتها اللغوية، و إنما هي دخيلة على العلوم الإسلامية من قبل الأعاجم، و المناطقة، و الكلام عن هذه المسألة يطول، و قد بحث عنها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن دجين السهلي - حفظه الله - " البدائل الإسلامية للحدود المنطقية "، و فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن علي الحربي في "حدوى التعريفات الاصطلاحية في علوم الشريعة و العربية".
سادسا: أمثلة القاعدة:
-
المثال الأول: التوحيد:
بين العلامة السعدي - رحمه الله- في شرحه أن التوحيد مثمر لكل خير في الدنيا و الآخرة، و دافع لكل شر فيهما، فأشار – رحمه الله- إلى الحكم الجزائي، و بين أنه لا يتم حتى تجتمع شروطه، و تنتفي موانعه.
شروط ثمرات التوحيد:
و شروط إتمام هذا الحكم على ثلاثة أنواع:
-
النوع الأول: ما يرجع إلى القلب، و هو: الإقرار بالتوحيد، و تصديقه، و محبته للتوحيد و أهله، و بغضه للشرك وأهله، و معرفة القلب لمعناه، و يقينه به.
- و
النوع الثاني: ما يرجع إلى اللسان، و هو النطق به، و جميع أقوال الخير التي تتمه.
-
و النوع الثالث: ما يرجع إلى الجوارح، و هو انقيادها للعمل بالتوحيد، و أعمال الظاهرة و الباطنة.
جماع موانع ثمرات التوحيد:
فإذا اجتمعت هذه الشروط، و انتفت الموانع تم الحكم، و إن قام معها مانع لم يتم، و جماع موانعه ثلاثة:
- الأول: الشرك بنوعيه الأكبر، و الأصغر.
- و الثاني: البدعة.
- و الثالث: المعصية.
مسألة: الفرق بين الشرك الأكبر، و بين سائر الموانع:
الفرق بينه و بينها أن الشرك الأكبر تبطل التوحيد بالكلية، و أما سائر الموانع من الشرك الأصغر، و البدع، و المعاصي، فإنها تنقصه بحسبها، و لا تزيله بالكلية.
-
و المثال الثاني: العبادات:
و منها: الدعاء، و الصلاة، و الزكاة،و الصوم، و الحج.
-
و المثال الثالث: المعاملات:
و منها: النكاح، و الميراث، و الحكم على المعين بالكفر.
فيتضح من خلال هذه الأمثلة أنها قاعدة عامة في كل مسائل الدين كما سبق.