التطبيق الأول من تطبيقات مهارات التخريج
اختر ثلاثة أقوال من الأقوال التالية وخرّجها ووجّهها:
(1) قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}: (النظر إلى وجه ربهم).
رواه ابن جرير في تفسيره والدار قطني في كتابه رؤية الله من طريق عامر بن سعد البجلي عنه .
" عامر بن سعد البجلي "، تابعي ثقة، له في الصحيح حديث واحد، وروايته عن أبي بكر الصديق، مرسلة.
-وقال بقول أبي بكر رضي الله عنه أيضًا أبو مُوسى الأشْعَرِيُّ، وحُذَيْفَةُ، وكعب بن عجرة ، وقَتادَةُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي لَيْلى، وعبد الرحمن بن سابط.
توجيه هذا القول :
وجه هذا القول هو ما ورَدَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ قالَ: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ نادى مُنادٍ: إنَّ لَكم عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، قالُوا: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا وتُنْجِنا مِنَ النّارِ وتُدْخِلْنا الجَنَّةَ، قالَ: فَيُكْشَفُ الحِجابُ، قالَ: فَواللَّهِ ما أعْطاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِ» . وهو أصْرَحُ ما ورَدَ في تَفْسِيرِها كما ذكر المفسرون .
وفي المراد بالزيادة خمسة أقوال أخرى :
الأول : أنَّ الزِّيادَةَ غُرْفَةٌ مِن لُؤْلُؤَةٍ واحِدَةٍ لَها أرْبَعَةُ أبْوابٍ، غرفها وأبوابها من لؤلؤة واحدة ،رَواهُ الحَكَمُ عَنْ عَلِي رضي الله عنه.
الثاني : أنها التضعيف إلى تمام العشر ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعلقمة والحَسَنُ.
الثالث : أنَّ الزِّيادَةَ: مَغْفِرَةٌ من الله ورِضْوانٌ، قالَهُ مُجاهِد .
الرابع:أنها ما أعطوا في الدنيا ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
الخامس : أنَّ الزِّيادَةَ ما يَشْتَهُونَهُ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ..
الراجح:
الراجح والله أعلم هو قول أبي بكر رضي الله عنه لأنه ثبت التفسير بذلك في الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير( الزيادة )
فلم يبق حينئذ لقائل مقال كما قال الشوكاني رحمه الله ، لكن هذا لا يمنع أن يكون من الزيادةأيضا ، أن يعطيهم غُرفا من لآلئ، وأن يزيدَهم غفرانا ورضوانًا، كل ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته ،فيعم ذلك كله .كما ذكر الطبري في ترجيحه .
(4) قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم الحجّ الأكبر قال: هو يوم عرفة.
رواه عنه ابن جرير من طريق أبي الصهباء البكري
أبوالصهباء اسمه صهيب وثقه أبو زرعة والعجلي وغيرهما وضعفه النسائي .
-وقال بقول علي رضي الله عنه أيضًا عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وابْنُ الزُّبَيْرِ،وابن عباس ،وأبو جُحَيْفَةَ، وطاوُوسُ،وعطاء ، وابن جريج .
توجيه هذا القول :
وجه هذا القول هو مكانة يوم عرفة في الحج وأهميته ،فالناس يجتمعون فيه في صعيد واحد ،وقد ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) فأشار بذلك إلى مكانته وأهميته ،وأيضا ما رواه أبو الصّهباء البكريّ عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه أنه سأله عن يوم الحجّ الأكبر فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث أبا بكر بن أبي قحافة رضي اللّه عنه يقيم للنّاس الحجّ، وبعثني معه بأربعين آيةً من براءة، حتّى أتى عرفة، فخطب النّاس يوم عرفة، فلمّا قضى خطبته التفت إليّ، فقال قم يا عليّ وأدّ رسالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقمت فقرأت عليهم أربعين آيةً من براءة ثمّ صدرنا حتّى أتينا منًى، فرميت الجمرة، ونحرت البدنة، ثمّ حلقت رأسي، وعلمت أنّ أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكرٍ يوم عرفة، فطفقت أتتبّع بها الفساطيط أقرؤها عليهم، فمن ثمّ إخال حسبتم أنّه يوم النّحر، ألا وهو يوم عرفة.
فبين هذا الأثر بأن المراد بالحج الأكبر أنه يوم عرفة .
- وورد في أن المراد ( بيوم الحج الأكبر ) ثلاثة أقوال أخرى :
الأول : أنه يَوْمُ النَّحْرِ،روي عن علي رضي الله عنه من طريق الحكم و الحارث ،وروي أيضا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ،وأبي مُوسى الأشْعَرِيُّ، والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أبِي أوْفى، وابن عباس ، وابْنُ جُبَيْرٍ،وأبي جحيفة.
والثاني :أنَّهُ أيّامُ الحَجِّ كلها لا يوم بعينه ،قاله مجاهد وسفيان الثوري .
قال سفيان الثوري : كَما يُقالُ: يَوْمُ بُعاثٍ، ويَوْمُ الجُمَلِ ويَوْمُ صِفِّينَ يُرادُ بِهِ: أيّامٌ ذَلِكَ، لا كُلُّ حَرْبٍ مِن هَذِهِ الحُرُوبِ دامَتْ أيامًا.
والثالث : أنه يوم الثاني من يوم النحر ،رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب .
الراجح :
رجح الطبري وجمهور المفسرين بأن "يوم الحج الأكبر، هو يوم النحر"،واحتج الطبري على ذلك بأن الأخبار تظاهرت عن جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ أن عليًّا نادى بما أرسله به رسول الله ﷺ من الرسالة إلى المشركين، وتلا عليهم "براءة"، يوم النحر. هذا، مع الأخبار التي رويت عن رسول الله ﷺ أنه قال يوم النحر: أتدرون أيّ يوم هذا؟ هذا يوم الحج الأكبر.
واحتج الطبري رحمه الله أيضا بأن "اليوم" إنما يضاف إلى المعنى الذي يكون فيه، كقول الناس: "يوم عرفة"، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة = و"يوم الأضحى"، وذلك يوم يضحون فيه = "ويوم الفطر"، وذلك يوم يفطرون فيه. وكذلك "يوم الحج"، يوم يحجون فيه، وإنما يحج الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر، لأن في ليلة نهار يوم النحر الوقوفُ بعرفة غير فائت إلى طلوع الفجر،وفي صبيحتها يعمل أعمال الحج. فأما يوم عرفة، فإنه وإن كان الوقوف بعرفة، فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، والحج كله يوم النحر.
(6) قول أبيّ بن كعب رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {مثل نوره} قال: (مثل نور من آمن به).
رواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي العالية .
أبو العالية الرياحي من كبار التابعين وثقه ابن معين وغيره .
وقال بهذا القول أيضًا سعيد بن جبير والضحاك
توجيه هذا القول :
توجيه هذا القول كما ذكر ابن كثير رحمه الله :وعَلى قَوْلِ مَن قالَ: "المُمَثَّلُ بِهِ المُؤْمِنُ" فالمِشْكاةُ صَدْرُهُ، والمِصْباحُ الإيمانُ والعِلْمُ، والزُجاجَةُ قَلْبُهُ، والشَجَرَةُ القُرْآنُ، وزَيْتُها هو الحُجَجُ والحِكْمَةُ الَّتِي تَضَمَّنَها، قالَ أُبَيٌّ: فَهو عَلى أحْسَنِ الحالِ يَمْشِي في الناسِ كالرَجُلِ الحَيِّ يَمْشِي في قُبُورِ الأمْواتِ.وكانَ أُبَيٌّ وابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَآنِ: " مَثَلُ نُورِ مَن آمَنَ بِهِ(.
وروي في مرجع الضمير في قوله تعالى :(مثل نوره )ثلاثة أقوال أخرى :
أحَدُها: أنَّها تَرْجِعُ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، قاله ابْنُ عَبّاسٍ..
والثاني : أنَّها تَرْجِعُ إلى مُحَمّد صلى الله عليه وسلم،قاله كعب الأحبار وسعيد بن جبير .
والثالث : أنَّها تَرْجِعُ إلى القُرْآنِ ،قاله ابن عباس والحسن وابن زيد .
الراجح :
القول الذي رجحه جمهور المفسرين في مرجع الضمير في قوله تعالى ( مثل نوره ) أنَّهُ يَعُودُ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّوالمعنى في ذلك كما قال ابن القيم رحمه الله : مَثَلُ نُورِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى في قَلْبِ عَبْدِهِ، وأعْظَمُ عِبادِهِ نَصِيبًا مِن هَذا النُّورِ رَسُولُهُ ﷺ فَهَذا مَعَ ما تَضَمَّنَهُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلى المَذْكُورِ، وهو وجْهُ الكَلامِ يَتَضَمَّنُ التَّقادِيرَ الثَّلاثَةَ، وهو أتَمُّ مَعْنًى ولَفْظًا.
وَهَذا النُّورُ يُضافُ إلى اللَّهِ تَعالى إذْ هو مُعْطِيهِ لِعَبْدِهِ وواهِبُهُ إيّاهُ، ويُضافُ إلى العَبْدِ إذْ هو مَحَلُّهُ وقابِلُهُ، فَيُضافُ إلى الفاعِلِ والقابِلِ، ولِهَذا النُّورِ فاعِلٌ وقابِلٌ، ومَحَلٌّ وحامِلٌ، ومادَّةٌ، وقَدْ تَضَمَّنَتِ الآيَةُ ذِكْرَ هَذِهِ الأُمُورِ كُلِّها عَلى وجْهِ التَّفْصِيلِ.