القارئ: التصديرُ: ويُسَمَّى رَدَّ العَجُزِ على الصدْرِ: هوَ في النثْرِ أنْ يُجْعَلَ أحدُ اللفظينِ المكرَّرَيْنِ أو المتجانِسَيْنِ أو المُلْحَقَيْنِ بهما، بأنْ جَمَعَهما اشتقاقٌ أوْ شِبْهُهُ، في أوَّلِ الفِقرةِ، والثاني في آخِرِها، نحوَ قولِه تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ}، وقولِكَ:
سائِلُ اللئيمِ يَرْجِعْ ,,,,,ودمْعُهُ سائِلٌ.
الأوَّلُ من السؤالِ، والثاني من السَّيَلانِ، ونحوَ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}، ونحوَ: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ}.
الشيخ:هذا اللون الذي يُسمى تصدير، وأين اختلف البلاغيون في هذا المصطلح لوجد أكثر من دلالة له؟ لأن اسم هذا اللون هو رد العجز على الصدر في كتب المتقدمين من البلاغيين.
ولا بأس أن يكون هذا الاسم هو تصدير؛ لأنه يعتمد على ورود كلمتين وإحداهما في صدر الكلام، والثانية في آخر الكلام، وهو يقع في الشعر والنثر كالكلام المنثور والكلام المنظوم، ولا يشترط في التصدير أن يكونا لكل واحدةٍ من الكلمتين معنًا مغاير، فيمكن أن تكونا الكلمة الأولى بمعنى الكلمة الثانية، ويمكن أن تكون بمعنًا آخر، ولهذا بينه وبين الجناس علاقة.
لأن ربما يرد الجناس ضمن شواهد رد العجز على الصدر، كما قال المؤلفون في النثر يُجعل أحد اللفظين المقررين أو المتجانسين، لاحظ: المكررين يعني أن ترد بمعناه، أو المتجانسين أو الملحقين بهما، ليس شرطًا أن يكون أيضًا هناك تجانس، بل هناك ما يلحق بالجناس وهو الذي لا يكون الاتفاق فيه في واحدٍ من الأربعة، بل يكون الاختلاف في أشياء أكثر.
بأن جمعهما اشتقاقٌ أو شبهه في أول الفقرة، واحد من اللفظين في أول الفقرة، والثاني في آخرها نحو قول الله عز وجل: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾[الأحزاب:37] تخشى في البداية وأن تخشاه في النهاية.
وقول القائل: (سائِلُ اللئيمِ يَرْجِعْ ودمْعُهُ سائِلٌ)، كلمة (سائِلُ) من السؤال، (ودمْعُهُ سائِلٌ) من السيلان، فهذا لونٌ من التصدير أو رد العجز على الصدر.
وقول الله عز وجل: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾[نوح:10]، استغفروا وغفارا، وقول الله عز وجل: ﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ﴾[الشعراء:168]، قال والقالين، وهكذا في جميع الشواهد التي يمكن أن يجتمع فيها في صدر الكلام كلمة، وفي عجز الكلام كلمة يمكن أن تعود على الكلمة السابقة.
القارئ: وفي النظْمِ: أنْ يكونَ أحدُهما في آخِرِ البيتِ والآخَرُ في صَدْرِ الْمِصراعِ الأوَّلِ أوْ بعدَهُ، نحوَ قولِه:
سريعٌ إلى ابنِ العمِّ يَلْطُمُ وجْهَهُ ......وليسَ إلى داعي النَّدَى بسَرِيعِ
وقولِه:
تَمَتَّعْ منْ شَميمِ عِرارِ نَجْدٍ .......فما بعدَ العشيَّةِ منْ عِرارِ
الشيخ: في النظم المسألة منضبطة بالشطرين، النظم يضبط الصدر ورود الكلمة في الصدر في صدر الشطر الأول، أو في الشطر الأول وهو ليس شرطًا أن تكون في صدره، ومثله العجز، العجز يكون إما أن يكون آخر الشكر الثاني، أو ترد في ثنايا الشطر الثاني، ورود واحدة من الكلمتين في الشطر الأول وواحدة في الشطر الثاني يدخل الموضوع في هذا اللون البديعي.
ويضربون للذي يرد في صدر الشطر الأول، وعجز الشطر الثاني يعني في كون البيت في أوله وآخره سريع:
سريعٌ إلى ابنِ العمِّ يَلْطُمُ وجْهَهُ ...... وليسَ إلى داعي النَّدَى بسَرِيعِ
كلمة سريع جاءت في الأول وجاءت في الآخر، وبعضهم يسميه المجنح؛ لأنها وقعت الكلمة في طرفي البيت كجناحي الطائر.
وقول الشاعر:
تَمَتَّعْ منْ شَميمِ عِرارِ نَجْدٍ .......فما بعدَ العشيَّةِ منْ عِرارِ
(تَمَتَّعْ منْ شَميمِ عِرارِ)؛ العرار يلحظ أنها لم ترد في البداية، وإنما وردت في ثنايا الشطر الأول، وجاءت الكلمة الثانية في آخر الشطر الثاني؛ ولهذا يدرج هذا الشاهد ضمن شواهد رد العجز عن الصدر أو ما يسمونه التصدير.