18: أبو بكر محمد بن سيرين البصري الأنصاري(ت: 110هـ)
هو أبو بكر محمد بن سيرين، أصله من "عين التمر" وهي بلدة غربي الكوفة قريب من الأنبار، فتحها خالد بن الوليد عنوة سنة 12هـ في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكان سيرين والد محمد مولى لأنس بن مالك، وأمّه صفية مولاة لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وتزوّجا في المدينة، وحضر زواجهما جماعة من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا لهما بخير فبارك الله في سيرين وأولاده.
فأما سيرين فإنه كاتَبَ أنسَ بن مالك على أربعين ألف درهم فأدّاها قبل موعدها وعتق في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولد محمد عام 33هـ، قبل موت عثمان بن عفان رضي الله عنه بسنتين.
وكان لسيرين ستة أولاد حُمل عنهم العلم، وكان محمّد أشهرَهم بالعلم والرواية، وكان سيرين يُكنى بأبي عمرة، ولذلك ربما قيل: محمد بن أبي عمرة.
نشأ محمد بن سيرين في المدينة، وحفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه أحاديث كثيرة حتى عدّه الإمام أحمد بن حنبل أثبت الناس في أبي هريرة، وسمع مولاه أنس بن مالك، وزيد بن ثابت وابن عمر وأبا موسى الأشعري وعمران بن الحصين وأبا قتادة الأنصاري وعديّ بن حاتم وغيرهم.
ثم ارتحل إلى الكوفة وتعلّم من كبار أصحاب عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ومنهم: عَبيدة السلماني وشريح القاضي والربيع بن خثيم وعلقمة بن قيس النخعي وغيرهم، وكان من أروى الناس عن عَبيدة وشريح، ورحل مع عبيدة إلى المدائن كما في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وحجّ زمن ابن الزبير فسمع منه، وارتحل إلى مصر كما ذكر ذلك ابن يونس في تاريخ مصر، ثمّ استقرّ به الأمر في البصرة، وكان يحفظ ولا يكتب، إلا ما طال عليه من الأحاديث فيكتبه حتى يحفظه ثم يمحوه.
- قال محمد بن سعد: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري: من أين كان أصل محمد بن سيرين؟ فقال: (من سبي عين التمر، وكان مولى أنس بن مالك).
- وقال هدبة بن خالد: سمعت أخي أمية بن خالد، يقول: (كان سيرين مولى أنس بن مالك أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه، وابن عساكر في تاريخه.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: (محمد بن سيرين من عين التمر من سبي خالد بن الوليد، وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاما مختفين فأنكرهم، فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرَّقهم في الناس؛ فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس فعتَقَ في الكِتاب). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو العيناء محمد بن القاسم: حدثنا ابن عائشة، قال: (كان سيرين أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا، وكان يعمل القدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فَسَباه خالد بن الوليد، وكان يسار أبو الحسن البصري من أهل ميسان، فسُبى، فهو مولى الأنصار). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال حماد بن زيد، عن أنس بن سيرين قال: (وُلِدَ محمد بن سيرين لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وولدت أنا لسنةٍ بقيت من خلافته). رواه ابن سعد.
- وقال أحمد بن سليمان: سمعت ابن علية قال: (كنا نسمع أنَّ ابن سيرين ولد في سنتين بقيتا من إمارة عثمان، ومحمد أكبر من أنس). رواه البخاري في التاريخ الكبير والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
قال الخطيب البغدادي: يعني أنس بن سيرين.
- وقال بكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين: (حدثني أبي أنَّ أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة، طيَّبها ثلاثةٌ من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فدعوا لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً، فيهم أبيّ بن كعب، يدعو وهم يؤمّنون). رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال البخاري: (محمد بن سيرين، أبو بكر، مولى أنس بن مالك، الأنصاري، البصري).
- وقال العجلي: ( محمد بن سيرين بصري، تابعي، ثقة، يكنى أبا بكر، وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة، وإنما تأدب بالكوفيين من أصحاب عبد الله)
- وقال ابن حبان: (محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر، مولده لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان، وكان سيرين أبوه مكاتَبا لأنس بن مالك، وهم إخوة أربعة محمد وأنس ومعبد ويحيى وحفصة وكريمة أولاد سيرين، حُمل عن ستَّتِهم العلم).
- وقال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: (حجَّ بنا أبو الوليد ونحن سبعةٌ ولدُ سيرين؛ فمرَّ بنا على المدينة فلما دخلنا على زيد بن ثابت، قيل له: هؤلاء بنو سيرين.
قال: فقال زيد: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم، قال: فما أخطأ، وكان معبد أخا محمد لأمه). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
رؤيته وطلبه للعلم:
رأى ابن سيرين عدداً من الصحابة رضي الله عنهم وأخذ من علمهم وسَمْتِهم وأدبهم خيراً كثيراً، وكان الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في الأمصار وأكثرهم بالمدينة، وكان في كلّ مصرٍ من الأمصار جماعة منهم يقرئون الناس القرآن ويفقّهونهم في الدين، ويفتونهم فيما يستفتون فيه، فأخذ ابن سيرين من علم من لقيهم منهم، ومن لم يدركه منهم أخذ عن أصحابه الذين أدركوه، فاجتمع له بذلك علم غزير واسع مبارك.
فأخذ بالمدينة عن أبي هريرة وابن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وغيرهم، ولم يدرك أبيَّ بن كعب لكنَّه أخذ عن بعض أصحابه كأنس وأبي العالية الرياحي وغيره.
وبالبصرة أخذ عن أنس بن مالك وأبي موسى الأشعري وأبي بكرة الثقفي وسمرة بن جندب وعمران بن حصين وغيرهم.
وبالكوفة أخذ عن أصحاب عليّ بن أبي طالب وأصحاب ابن مسعود رضي الله عنهما، ومنهم: عَبيدة السلماني، وشريح القاضي، والربيع بن خثيم، وعلقمة بن قيس النخعي، وغيرهم.
وبمكة أخذ عن ابن الزبير وغيره.
وأخذ عن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري فأكثر، وكان كثيرٌ رجلاً من خيار التابعين وممن كتب المصاحف العثمانية بأمر عثمان بن عفّان، وممن كان يكتب عن زيد بن ثابت، وهو من أهل بلدته "عين التمر"، وبينهما مصاهرة.
ولقي عكرمة فأخذ عنه من علم ابن عباس ما شاء الله.
ورحل إلى المدائن مع شيخه عبيدة السلماني فكان ربما حدثهم من الظهر إلى العصر مجلساً واحداً، وروي أنه كان كاتباً لأنس بن مالك في فارس.
وروى ابن عساكر أنه قدم دمشق وأقام فيها أربع سنين، وذكر ابن يونس المصري أنه قدم مصر، ولم أظفر بخبر عمّن لقي فيهما من الصحابة والتابعين.
والمقصود أنّ تعدّد مصادره في الطلب عن علماء الصحابة والتابعين كان له أثر كبير في سعة معرفته، وبصره بالإجماع والخلاف.
- قال فضيل بن عياض: قلت لهشام بن حسان: (كم أدرك الحسن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثلاثين ومائة.
قال: قلت: كم أدرك ابن سيرين؟ قال: ثلاثين).رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال ابن حبان: (رأى ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
- وقال عفان بن مسلم: حدثنا شعبة قال: قالت أمي لهشام بن حسان: عن من يحدّث محمد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: عن ابن عمر وأبي هريرة.
قالت: وسمع منهم؟
قال: نعم). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن زيد، عن سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: حججت زمن عبد الله بن الزبير، فسمعت ابن الزبير). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال بشر بن منصور، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: كنا عند علقمة، فدخل الربيع بن خثيم، فقال: أقلوا الكلام، إلا من تسع). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال: (كنت ألقى عَبيدة بأطراف فأسأله). رواه أحمد في العلل.
- وقال عبد الله بن مسلمة القعنبي: حدثنا عقبة، عن محمد بن سيرين، قال: (صليت صلاة مع عَبيدة السلماني بالمدائن، فلما قضى صلاته دعا بعشاء، فأتي فيما أتي به بخبز ولبن وسمن، فأكل وأكلنا معه، ثم حدثنا حتى حضرت العصر، ثم قام عبيدة فأذن وأقام، ثم صلى بنا العصر لم يتوضأ لا هو ولا أحد ممن أكل معه فيما بين الصلاتين). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: (كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف والمعنى واحد). رواه الترمذي في العلل الصغير.
- وقال علي بن المديني: (أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين). رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر.
- وقال أحمد بن حنبل: « محمد بن سيرين في أبي هريرة لا يتقدم عليه أحد، وهو فوق أبى صالح ذكوان ». رواه ابن أبي حاتم.
- وقال العجلي: ( محمد بن سيرين ... من أروى الناس عن شريح وعبيدة).
- وقال أبو نعيم الأصبهاني: (أسند محمد بن سيرين عن عدة من الصحابة منهم أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وأنس بن مالك وجماعة).
- وقال أسد بن موسى عن ضمرة عن أبي عتبة عبّاد بن عبّاد قال: (قدم ابن سيرين دمشق فأقام بها أربع سنين لا يُعرف بها). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال الهيثم بن عدي: قال مجالد بن سعيد: (كان محمد بن سيرين كاتب أنس بن مالك بفارس).رواه ابن عساكر.
- وقال سليمان بن حرب: حدَّثنا السريّ بن يحيى عن محمد قال: (رحم الله شُريحاً كان يدني مجلسي)
قال سليمان: (كان أصمّ، يعني محمداً). رواه ابن عساكر.
علمه وفضله:
كان ابن سيرين من علماء التابعين وعُبَّادهم، فقيهاً مفسّراً، حافظاً ثبتاً، ناقداً بصيراً، حادّ الذكاء واسع المعرفة عالماً بالقضاء والفرائض والحساب وعبارة الرؤيا على صلاح واستقامة وحسن سمتٍ وَوَرَعٍ يتعجَّب منه العلماء، وقد أخذ العلم والهدي عن جماعة من علماء الصحابة وكبار التابعين، وكان مُقدَّما مع الحسن البصري لدى أهل البصرة، وقد أوصى إليه أنس بن مالك أن يغسله؛ وكان محبوساً في الدَّين فأخرجه الأمير حتى غسله وصلّى عليه، ولمّا تخفّى الحسنُ البصريُّ من الحجاج بعد فتنة ابن الأشعث وماتت ابنته أوصى أن يصلّي عليها ابنُ سيرين، وكانوا يرون أنّه لا يعدل بابن سيرين أحداً بالبصرة، وثناء الأئمة عليه كثير مستفيض.
- قال شعيب بن الحبحاب: كان عامر الشعبي يقول لنا: « عليكم بذاك الأصم، يعني محمد بن سيرين ». رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي خيثمة في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والخطيب البغدادي في تاريخه.
وكان فيه صمم يسير.
- وقال حماد بن زيد: سمعت عثمان البتي يقول: « لم يكن أحد بهذه النقرة أعلم بالقضاء من محمد بن سيرين » رواه ابن سعد والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال قريش بن أنس: حلف عوفٌ أنه « لم ير أحداً أعلم بكتاب الله ولا بطريق الجنة وطريق النار من الحسن، ولم أر أحدا أعلم بتجارة ولا بقضاء ولا بفرائض ولا بحساب من محمد ».رواه البخاري في التاريخ الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وعوف هو بن أبي جميلة من كبار أصحاب محمد بن سيرين.
- وقال جعفر بن سليمان عن عوف قال: « كان محمد حسن العلم بالتجارة، حسن العلم بالقضاء، حسن العلم بالفرائض ». رواه ابن أبي حاتم.
- وقال القاسم بن الفضل، قال: سمعت عمرو بن مُرَّة يقول: « إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين: الحسن ومحمد بن سيرين »رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر.
- وقال حماد بن زيد عن هشام بن حسان قال: قلت للقاسم بن محمد: محمد بن سيرين يقرئك السلام - وكان أمرني أن أسأله عن شيء - قال: (عافاه الله، ذاك شيخ ما بذلك البلد أحدٌ أحبّ إليّ لقاءً منه). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن خليف بن عقبة: قال: قال لي أبي خليف بن عقبة: (كان ابن سيرين نسيج وحده). رواه ابن سعد وابن عساكر، وقد تصحّف في المطبوع من طبقات ابن سعد إلى ( يسبح وحده).
- وقال سلام بن أبي مطيع عن يونس بن عبيد قال: (ما رأيت أحداً أعلمَ بمُعظَم هذا الدين من الحسَن، وكان محمّدٌ أفطنَ في أشياء). رواه ابن عساكر.
- وقال حميد الأسود سمعت ابن عون يقول: « كان بَصَرُ محمد بالعلم كَبَصَر التاجر الأريب بتجارته ». رواه ابن أبي حاتم.
يريد أنّه كان ناقداً بصيراً ، يفحص الأخبار ولا يرويها على علاتها.
- وقال قريش بن أنس عن حبيب يعني ابن الشهيد قال: كنت عند عمرو بن دينار فذكر طاووسا؛ فقال: ما رأيت أحدا قط مثل طاووس، قال وأيوب إلى جنبى فقال: « أما والله لو قد رأى محمدا ما حلف على هذا ». رواه ابن أبي حاتم وابن عساكر.
- وقال ابن علية: حدثنا حمّاد بن زيد قال: كنا عند عمرو بن دينار ومعنا أيوب، قال: فذكر عمرو طاووساً فقال: ما رأيت أعفّ عمّا في أيدي الناس منه، قال حماد: يقول لي أيوب: (إنَّه لم يَرَ محمّداً، إنّه لم يرَ محمّداً) مرتين). رواه ابن عساكر.
- وقال معاذ بن معاذ: سمعت ابن عون، يقول: « لم أرَ في الدنيا مثل ثلاثة: محمد بن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، ولم يك في هؤلاء مثل محمد ». رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر.
- وقال هشام بن حسان: « حدثنى أصدق من رأيت من البشر، محمد بن سيرين ».رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والخطيب البغدادي في تاريخه وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو يوسف القلوسي: حدثنا أبو همام قال: سمعت مالك بن أنس يقول: (ما بالعراق أحد أقدّمه على أيّوب ومحمد بن سيرين في زمانهما). رواه ابن عساكر.
- قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: قال مالك: (كان ابن سيرين أشبه الناس بأهل المدينة في ناحية ما يأخذ به).
- وقال مهدي بن ميمون: حدثني الجريري قال: كنا عند محمد بن سيرين فلما أردنا القيام قلنا: دعوة يا أبا بكر قال: «اللهم تقبل منا أحسن ما نعمل وتجاوز عنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون» رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب، قال: « رأيت الحسن في النوم مقيدا، ورأيت بن سيرين مقيدا في النوم ». رواه الخطيب البغدادي في تاريخه، وقال: « رُوي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عبر القيد في النوم ثباتا في الدين ».
- وقال ابن سعد: (محمد بن سيرين، ويكنى أبا بكر، مولى أنس بن مالك، وكان ثقة مأمونا، عاليا رفيعا، فقيها إماما، كثير العلم، ورعا، وكان به صمم).
- وقال ابن حبان: « كان محمد بن سيرين من أورع التابعين وفقهاء أهل البصرة وعبادهم، وكان يعبر الرؤيا ».
- وقال ابن منجويه: « وكان من أورع أهل البصرة، فقيهاً فاضلاً حافظاً متقناً ضابطاً يعبر الرؤيا ».
- وقال الخطيب البغدادي: « كان محمد أحد الفقهاء من أهل البصرة، والمذكورين بالوَرَع في وقته ».
أخلاقه وشمائله
- قال حماد بن زيد، عن هشام بن حسان قال: سمعت محمداً يقول: «ما حسدت أحداً شيئا قط، بَرًّا ولا فاجرا» رواه ابن سعد.
- وقال يونس بن عبيد : « عجبت من ثلاث كلمات:
عجبت من كلمة مورق العجلي : (ما قلت في الغضب شيئا فندمت عليه في الرضا).
وعجبت من كلمة محمد بن سيرين : (ما حسدت أحداً على شيء من الدنيا، إن كان من أهل الجنة؛ فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى الجنة ، وإن كان من أهل النار؛ فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو صائر إلى النار).
وعجبت من كلمة حسان بن أبي سنان : (ما شيء أهون عندي من الورع إذا رابني شيء تركته) ». رواه البيهقي في كتاب الزهد الكبير.
- وقال الأصمعي عن ابن عون قال: كان ابن سيرين يكره إذا اشترى شيئاً أن يستوضع من ثمنه بعد البيع، ويقول: (هذا من المسألة). رواه ابن عساكر.
- وقال عبيد الله بن سهل الغداني: حدثني عقبة بن أبي جسرة، عن محمد بن سيرين قال: «ما تمنيت شيئا قط»
قلنا له: وكيف ذلك؟
قال: «إذا عرض لي شيء من ذاك، سألته ربي» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "المتمنين" وابن مروان في المجالسة وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال ابن علية: حدثنا ابن عون قال: كان محمد يكون عند المصيبة كما يكون قبل ذلك يتحدّث ويضحك إلا يوم ماتت حفصة؛ فإنّه جعل يكشر وأنت تعرف في وجهه، وكان محمد يعزِّي عند المصيبة: أعظم الله أجرك وأعقبكم من مصيبتكم عقبى نافعة لآخرتكم ودنياكم).رواه ابن عساكر.
يَكْشِر: أي يبدي أسنانه كهيئة المتبسّم.
- وقال حماد بن زيد عن غالب القطان قال: (خذوا بحلم محمد ولا تأخذوا بغضب الحسن). رواه ابن عساكر.
- وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا مهدي بن ميمون قال: سمعت محمدا، وماراهُ رجلٌ في شيء، فقال له محمد: «إني قد أعلم ما تريد، وأنا أعلم بالمراء منك، ولكن لا أريد أن أماريك» رواه ابن سعد.
- وقال بكار بن محمد السيريني: حدثنا ابن عون، قال: « ما أتينا محمد بن سيرين في يوم قط إلا أطعمنا خبيصا أو فالوذجا» رواه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق إلا أنه قال: (في يوم عيد) وهو أشبه.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا أبو خلدة خالد بن دينار، قال: (دخلنا على محمد بن سيرين أنا وعبد الله بن عون، فقال: ما أدري ما أتحفكم؟ كل رجل منكم في بيته خبز ولحم، ولكن سأطعمكم شيئاً لا أراه في بيوتكم؛ فجاء بشَهْدَةٍ فكان يقطع بالسكين ويلقمنا). رواه هناد بن السري في الزهد وابن أبي الدنيا في "قرى الضيف" واللفظ له.
- وقال هشام بن حسان: كان ابن سيرين إذا دُعي إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول: (اسقوني شربة سويق) فيقال له: يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو إلى العرس تشرب سويقا؟!!
قال: « إني أكره أن أحمل جدَّ جوعي على طعام الناس » رواه الإمام أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية بلفظ (حرَّ جوعي).
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا إبراهيم بن حبيب، عن هشام، قال: «كان آل ابن سيرين لا يدخل عليهم داخل إلا قربوا له طعاما حتى إذا كان آخراً وخفَّت حالُهم كانوا يشترون من ذلك البُسْرِ المطبوخِ أو المغليّ فإذا دخل داخلٌ قدَّموا إليه من ذلك البُسْر» رواه أبو نعيم.
- وقال الأصمعي، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين « أنه حين ركبه الدين خفف مطعمه حتى كنت آوي له وكان أكثر ما يأتدم به السمك الصغار» رواه أبو نعيم.
- وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا عبد ربه القصاب قال: واعدت محمد بن سيرين رحمه الله أن اشتري له أضاحي، فنسيت وعده بشغل، ثم ذكرت بعد، فأتيته قريبا من نصف النهار، وإذا محمد ينتظرني، فسلمت عليه، ورفع رأسه فقال: «أما إنه قد يقبل أهون ذنب منك» فقلت: شغلت، وعنفني أصحابي في المجيء إليك، وقالوا: قد ذهب ولم يقعد إلى الساعة. فقال: «لو لم تجئ حتى تغرب الشمس ما قمت من مقعدي هذا إلا للصلاة أو حاجة لا بد منها» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت.
- وذكر أبو داوود السجستاني في كتاب الزهد أن عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين ومكحول - وعدّ جماعة - كانوا يغتسلون كلَّ يوم.
ضحكه ومزاحه:
- قال عمرو بن رسته: حدثنا يوسف بن عطية أبو سهل، قال: «رأيت محمد بن سيرين وكان كثير المزاح كثير الضحك» رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال يزيد بن زريع: حدثنا حسين المعلم قال: كان محمد بن سيرين يتحدّث فيضحك فإذا جاء الحديث خشع). رواه ابن عساكر.
- وقال خالد بن خداش، حدثنا مهدي بن ميمون، قال: «كان محمد بن سيرين ينشد الشعر، ويضحك حتى يميل، فإذا جاء الحديث من السنة كلح» رواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس".
- وقال قريش بن أنس: حدثنا حبيب بن الشهيد قال: «كان ابن سيرين لا يئنّ على بلاء وربما ضحك حتى تدمع عيناه» رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال قبيصة: حدثنا سفيان عن يونس قال: (كان محمد بن سيرين صاحب ضحك ومزاح) رواه ابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" وفي "مداراة الناس".
- وقال ضمرة بن ربيعة، عن السري بن يحيى، وابن شوذب قالا: «كان ابن سيرين ربما ضحك حتى يستلقي ويمد رجليه» رواه أبو نعيم.
- وقال هشيم، عن منصور، قال: «كان محمد بن سيرين يضحك حتى تدمع عيناه» رواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس".
- وقال عمر بن شبة النميري: حدثنا يوسف بن عطية الصفار قال: رأيت محمد بن سيرين، وكان قصيراً، عظيم البطن، له وفرة، يفرق شعره، كثير المزاح، كثير الضحك، يخضب بالحناء، وافر اللحية). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
قلت: يوسف بن عطية متروك الحديث متّفق على ضعفه وإن كنت لم أقف على من صرّح باتّهامه بالكذب، قال فيه البخاري: (منكر الحديث) وقال النسائي: (متروك الحديث وليس بثقة)، وقال الفلاس: (كان يهم، وما علمته يكذب، وقد كتبت عنه)؛ فلذلك لا تطمئنّ النفس إلى خبره.
- وقال الأصمعي: حدثنا أبو هلال قال: (رأيت ابن سيرين أحمر الرأس واللحية). رواه ابن عساكر.
- وقال حماد بن زيد، عن غالب القطان قال: أتيت محمداً - وذكر مزاحَه - فسألته عن هشام، فقال: «توفي البارحة ، أما شعرت؟»
فقلت: «إنا لله وإنا إليه راجعون» ، فضحك). رواه ابن سعد.
قلت: يريد أنّه توفي في منامه.
- وقال ضمرة، عن ابن شوذب، قال: (كان ابن سيرين يمازح أصحابه ويقول: « مرحبا بالمدرفشين » يعني أنكم تشهدون الجنائز وتحملون الموتى). رواه أبو نعيم.
- وقال قرة بن خالد: قلت لمحمد بن سيرين: هل كانوا يتمازحون؟ فقال: ما كانوا إلا كالناس كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر ويقول:
يحب الخمر من كيس الندامى ... ويكره أن تفارقه الفلوس). رواه أبو نعيم.
- وقال يحيى بن خليف بن عقبة، عن أبيه، قال: سُئل محمد بن سيرين أينشد الرجل وهو على وضوء؟ فقال:
أنبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
أسنانها مائة أو زدن واحدة ... سائر الخلق منها بعد ممطول
ثم قال: «الله أكبر»). رواه أبو نعيم.
برّه بأمّه:
- قال هشام بن حسان: حدثتني حفصة بنت سيرين قالت: «كانت أم محمد امرأة حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبا اشترى أَلْيَنَ ما يجد، لا ينظر في بقائه، فإذا كان كلَّ يومِ عيدٍ صبغَ لها ثيابها»
قالت: «وما رأيته رافعا صوته عليها قط، وكان إذا كلَّمها كلَّمها كالمصغِي إليها بالشيء» رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، قالت: «كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تحشما لها» رواه الإمام أحمد في الزهد.
- وقال معاذ بن معاذ عن ابن عون، قال: «كان محمد بن سيرين إذا كان عند أمه، خفض من صوته، وتكلم رويدا» رواه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق.
- وقال محمد بن نعيم: سمعت بشر بن الحارث يقول: (كان ابن سيرين إذا كان عند أمّه لا يتكلّم إلا مطأطئاً رأسه، فيقال: ما لمحمد؟ فيقولون: هو هكذا عند أمّه). رواه ابن عساكر.
- وقال بكار بن محمد: حدثنا ابن عون «أن محمدا كان إذا كان عند أمِّه، لو رآه رجل لا يعرفه ظنَّ أن به مرضا من خفضِهِ كلامَه عندها» رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، قال: حدثني بعض آل سيرين قال: «ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع» رواه أبو نعيم.
- وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثنا ابن علية عن ابن عون قال: نُبّئت أنَّ رجلاً دخل على محمد وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئا؟ قالوا: «لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه» رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه وأبو نعيم في الحلية.
صلاحه وعباداته:
- قال خلف بن هشام: «كان محمد بن سيرين قد أُعطيَ هَدْيا، وسمتا، وخشوعا، فكان إذا رأوه ذكروا الله» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الأولياء".
- وقال أبو عوانة: « رأيت ابن سيرين في أصحاب السُّكَّر؛ فكان الناس إذا رأوه سبحوا وكبروا ». رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وأبو نعيم في الحلية، وأبو القاسم الجرجاني في تاريخ جرجان ولفظه: « فكلما رآه القوم ذكروا الله »، والخطيب البغدادي في تاريخه ولفظه: « فجعل لا يمرّ بقوم إلا سبحوا وذكروا اللهَ عزَّ وجلَّ ».
- وقال عبد العزيز بن المختار، عن خالد الحذاء قال: «كان محمد بن سيرين يصوم يوما، ويفطر يوما، فإذا وافق صومه اليوم الذي يفطر، يشك فيه أنه من شعبان أو من رمضان صامه» رواه ابن سعد.
- وقال ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، قال: (كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما، وكان الذي يفطر فيه: يتغدى فلا يتعشى، ثم يتسحر ويصبح صائما). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه وأبو نعيم في الحلية.
- وقال حماد بن سلمة، عن أيوب وهشام «أن ابن سيرين كان يصوم يوما، ويفطر يوما» رواه ابن سعد.
- وقال ابن علية: أنبأنا ابن عون (أنّ محمد بن سيرين كان يصوم عاشوراء يومين ثم يفطر بعد ذلك يومين، وذلك أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً). رواه ابن عساكر.
- وقال معاذ بن معاذ، عن ابن عون، قال: «كان محمد يصوم العشر عشر ذي الحجة كله، فإذا مضى العشر ومضت أيام التشريق أفطر تسعة أيام مثل ما صام» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حماد بن زيد: أخبرنا أنس بن سيرين قال: «كانت لمحمد سبعة أوراد، فكان إذا فاته شيء من الليل قرأه بالنهار» رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر.
- وقال بشر بن عمر: حدثتنا أم عبدان امرأة هشام بن حسان، قالت: (كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في الدار، فكنا نسمع بكاءه بالليل، وضحكه ومزاحه بالنهار). رواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس" وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه وأبو نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخه واللفظ له.
- وقال الأصمعي: حدثنا الصقر، يعني ابن حبيب، قال: (مرَّ ابنُ سيرينَ بروَّاسٍ قد أخرجَ رأسَه فغُشي عليه). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال موسى بن المغيرة: (رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبّر ويسبّح ويذكر الله تعالى فقال له رجل: يا أبا بكر في هذه الساعة قال: «إنها ساعة غفلة» ). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه وأبو نعيم في الحلية.
- وقال ابن عون: أنبأني يوسف، عن عبد الله بن الحارث (أنَّ محمداً نام عن العشاء حتى تفرَّطت ثم قام فصلاها ثم أحيا بقية ليله) رواه أبو نعيم.
- وقال روح بن عبادة: حدثنا هشام، حدثنا محمد قال: «لا بد من قيام الليل ولو قدر حلب شاة» رواه الإمام أحمد في الزهد.
- وقال معتمر بن سليمان التيمي، عن هشام قال: «كان ابن سيرين يحيي الليل في رمضان» رواه الإمام أحمد في الزهد.
- وقال سفيان بن عيينة، عن عاصم الأحول قال: (كان عامة كلام ابن سيرين سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده). رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال أبو علي الحنفي: أخبرنا قرة بن خالد، قال: ( كان الحسن عند السكتة - يعني إذا سكت عن الحديث - يكون هجيراه: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وكان هجيرا محمد بن سيرين إذا سكت عن الحديث أن يقول: اللهم لك الشكر). رواه الخطيب في الجامع.
- وقال سفيان بن عيينة، عن زهير قال: (كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو له على حدته)
قيل: لسفيان: جالس محمداً؟
قال: (لا). رواه الإمام أحمد في الزهد والعلل والبيهقي في الزهد الكبير وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وروى البيهقي في الزهد الكبير من طريق أبي عمرو بن السماك: حدثنا الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: (كان ابن سيرين إذا ذكر الموت عنده مات كل عضو منه).
زهده وورعه:
- قال حماد بن زيد: حدثنا عاصم الأحول قال: سمعت مورقا العجلي يقول: «ما رأيت رجلا أَفْقَهَ في وَرَعِهِ، ولا أَوْرَعَ في فقهه من محمَّد» رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في التاريخ الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال عاصم الأحول: ذُكِرَ محمد عند أبي قلابة، فقال: (اصرفوه حيث شئتم، فلتجدنَّه أشدَّكم ورعاً، وأملكَكُم لنفسه). رواه ابن سعد في الطبقات والبخاري في التاريخ الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه والخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال أبو هلال: حدثنا غالب القطان، عن بكر بن عبد الله، قال: (من سرَّه أن ينظر إلى أورع من أدركنا في زمانه فلينظر إلى محمد بن سيرين، وإنه ليدع الحلال تأثما). رواه الإمام أحمد في الزهد وابن أبي خيثمة في تاريخه، وأبو نعيم في الحلية وزاد: (فوالله ما أدركنا من هو أورع منه).
- وقال محمد بن عمرو الباهلي: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: «لم يكن لكوفي ولا بصري ورعٌ مثل ورع محمد بن سيرين» رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن بعض أهله قال: (ما رابه شيء إلا تركه منذ نشأ، يعني محمدا). رواه ابن سعد.
- وقال النضر بن شميل، عن هشام بن حسان قال: «ما رأيت أحدا أورع من محمد بن سيرين»رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الورع".
- وقال كلثوم بن جبر: كان المتمني بالبصرة يقول: «فقه الحسن، وورع محمد بن سيرين، وعبادة طلق بن حبيب وحلم مسلم بن يسار» رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه.
- وقال رجاء بن أبي سلمة: سمعت يونس بن عبيد يصف الحسن وابن سيرين فقال: «أما ابن سيرين، فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما» رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه وأبو نعيم في الحلية.
- وقال حماد بن زيد، عن أنس بن سيرين قال: (لم يبلغ محمداً قطّ حديثان أحدهما أشدّ من الآخر إلا أخذ بأشدّهما) قال: (وكان لا يرى بالآخر بأسا، وكان قد طُوِّق لذلك). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن حسان: (ترك محمد بن سيرين أن يفتي في شيء ما يرون به بأسا).
قال: (وكان يَتّجر، فإذا ارتاب بشيء في تجارته تركه، حتى ترك التجارة). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال أشعث: كنت أسأل ابن سيرين فكان يقول: (ما أبالي سألتني عما لا أعلم أو عما أعلم). رواه أحمد في العلل، وابن عساكر في تاريخ دمشق وزاد: (لأني إذا سُئلت عمّا أعلم قلت ما أعلم، وإذا سُئلت عما لا أعلم قلت: لا أعلم).
- وقال إسماعيل بن زكريا عن عاصم الأحول قال: كان محمد بن سيرين إذا سُئل عن الشئ قال: (ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه) فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك؛ فيقول: (لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكن أخاف أن أرى اليوم رأيا وأرى غدا غيره؛ فلا بد حينئذ أن أتبع الناس في بيوتهم). رواه ابن عساكر.
- وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو شهاب عن هشام، عن ابن سيرين (أنه اشترى بيعا من منونيا وأشرف فيه على ربح ثمانين ألفا، فعرض في قلبه منه شيء، فتركه.
قال هشام: ووالله ما هو بربا) رواه البيهقي في كتاب الزهد الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
و"منونيا" قرية من قرى سواد العراق، وقد تصحّفت في بعض الكتب.
- وقال الأصمعي : حدثنا السريّ بن يحيى قال: (ترك محمد ربح أربعين ألفاً في شيء دخلَه).
قال: وحدّثنا السريّ بن يحيى قال: قال لي سليمان التيمي: (والله لقد تركها في شيء ما تختلف العلماء فيه أنّه لا بأس به). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق ضمرة بن ربيعة عن السريّ بن يحيى مثله.
- وقال سعيد بن عامر: سمعت هشام بن حسان يقول: (ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأساً). رواه ابن عساكر
- وقال قريش بن أنس: حدثنا عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار، قال: لما حبس ابن سيرين في السجن، قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك فإذا أصبحت فتعال، فقال ابن سيرين: (لا والله، لا أعينك على خيانة السلطان) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه، وقال: كان حبس ابن سيرين في سبب دين ركبه لبعض الغرماء).
- وقال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن هشام، قال: (أوصى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن يغسله محمد بن سيرين؛ فقيل له في ذلك، وكان محبوسا فقال: أنا محبوس قالوا: قد استأذنا الأمير فأذن لك.
قال: إن الأمير لم يحبسني، إنما حبسني الذي له الحق، فأذن له صاحب الحقّ؛ فخرج فغسله، وكفنه بخمسة أثواب إحداهن العمامة، وطلاه بالمسك من قرنه إلى قدمه). رواه الإمام أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية.
- وقال أيوب السختياني: ذُكر محمد بن سيرين عند أبي قلابة فقال: «وأينا يطيق ما يطيق محمد؟!! محمد يركب مثل حدّ السنان» رواه ابن سعد في الطبقات والبخاري في التاريخ الكبير وأبو نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال هشام بن حسان: قال محمد بن سيرين: (ما أتيت امرأة في نومٍ ولا يقظةٍ إلا أمَّ عبد الله) يعني: زوجته.
قال: وقال ابن سيرين: (إني أرى المرأة في المنام فأعرفُ أنها لا تحلّ لي، فأصرفُ بصري عنها).رواهما الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال ابن عون: سمعت محمداً يقول في شيء راجعته فيه: (إني لم أقل لك: ليس به بأس، وإنما قلت لك: لا أعلم به بأسا). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال يوسف بن عطية الصفار: حدثنا أبو بكر صاحب القوارير، قال: (جاء رجل إلى محمد بن سيرين فادعى عليه درهمين فأبى أن يعطيه، وقال له: تحلف؟ قال: نعم، قيل له: يا أبا بكر تحلّف على درهمين؟ قال: لا أطعمه حراماً وأنا أعلم). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون قال: «كانوا إذا ذكروا عند محمدٍ رجلاً بسيئةٍ ذَكَرَهُ محمدٌ بأحسنِ ما يعلم» رواه ابن سعد.
- وقال الهيثم بن عبيد: حدثنا سهيل أخو حزم القطعي لا أعلم إلا أنه هو ذكره قال: سمع ابن سيرين رجلاً يسبُّ الحَجَّاجَ فأقبل عليه فقال: «مَهْ أيها الرجل ! فإنَّك لو قد وافيتَ الآخرة كان أصغرُ ذنب عملته قط أعظمَ عليك من أعظمِ ذنبٍ عمله الحجاج، واعلم أن الله تعالى حَكَمٌ عدْل، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه؛ فسوف يأخذ للحجاج ممن ظلمه؛ فلا تشغلنَّ نفسك بسبِّ أحد» رواه أبو نعيم في الحلية، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه مختصراً من طريق أبي أسامة الحافظ عن أبي جعفر (أظنّه الخطمي) عن ابن سيرين.
- وقال جرير بن حازم: ذكر محمد بن سيرين رجلا، فقال: «ذاك الأسود» ثم قال: «أستغفر الله، أخاف أن أكون قد اغتبته » رواه وكيع في الزهد وهناد بن السري في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت.
- وقال ابن عون: بعث ابنُ هبيرة إلى ابن سيرين فقدم عليه فقال: كيف تركت أهل مصرك؟
قال: «تركتهم والظلم فيهم فاش»
قال ابن عون: كان يرى أنها شهادة يسأل عنها فَكَرِهَ أن يكتمها). رواه أبو نعيم.
قلت: كان ابن هبيرة والياً على العراق، ويريد بمصرِه البصرة؛ فأدّى الشهادة بما يعلم ولم يخش نقمة أمير البصرة.
- وقال جعفر بن مرزوق: بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي، قال: فدخلوا عليه؛ فقال لابن سيرين: يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا؟
قال: «رأيت ظلما فاشيا»
قال: فغمزه ابن أخيه بمنكبه، فالتفت إليه ابن سيرين؛ فقال: (إنك لستَ تُسأل، إنما أنا أُسأل) فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف وإلى ابن سيرين بثلاثة آلاف وإلى الشعبي بألفين، فأما ابن سيرين فلم يأخذها). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال يحيى بن أبي بكير: حدثنا شعبة قال: «أعطى ابن هبيرة محمد بن سيرين ثلاث عطيات فأبى أن يقبل» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الورع".
- وقال خالد بن أبي الصلت: قلت لمحمد بن سيرين: ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة؟
قال: فقال لي: « يا عبد الله - أو يا هذا - إنما أعطاني على خير كان يظنه فيَّ؛ فلئن كنت كما ظنَّ فما ينبغي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظنَّ فبالحري أنه لا يجوز لي أن أقبل » رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الورع".
- وقال ابن علية: حدثنا عبد الله بن عون قال: (لما توجّه محمد بن سيرين إلى ابن هبيرة دعا بوصيته فنظر فيها فلما أتى على ذكر دينه بكى). رواه ابن عساكر.
- وقال عاصم الأحول: حدثنا مخلد، عن هشام قال: « كانت هند ابنة المهلب تدعو الحسن وابن سيرين إلى الطعام فيجيبها الحسن ولا يجيبها ابن سيرين » رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال عفان بن مسلم: حدثنا معاذ عن ابن عون أنّ (عمر بن عبد العزيز بعث إلى الحسن فقبل، وبعث إلى ابن سيرين فلم يقبل). رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال معتمر بن سليمان، عن ابن عون، قال: «ما رأيت أحدا كان أعظم رجاء لهذه الأمة من محمد بن سيرين وأشد خوفا على نفسه منه». رواه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن" والخطيب البغدادي في تاريخه، ورواه ابن المبارك في الزهد من طريق سليمان بن المغيرة عن ابن عون بلفظ مقارب.
- وقال حماد بن زيد، عن أيوب، وهشام قالا: «ما رأينا أحدا أعظم رجاء لأهل القبلة من ابن سيرين» رواه ابن سعد.
- وقال ابن علية: أخبرنا ابن عون، قال: (ما رأيت أحدا كان أعظم رجاء للموحدين من محمد بن سيرين رحمه الله؛ كان يتلو هؤلاء الآيات {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} ويتلو {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين} ويتلو {لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى}). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "حسن الظن".
- وقال ابن أبي عمر: حدثنا سفيان [بن عيينة] عن عاصم [الأحول] قال: (كان ابن سيرين إذا اتبعه الرجل قام حتى يقضي حاجته ثم يمشي). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال الدارمي: أنبأنا سعيد بن عامر عن بسطام بن مسلم قال: (كان محمد بن سيرين إذا مشى معه الرجل قام فقال: "ألك حاجة؟" فإن كانت له حاجة قضاها، وإن عاد مشى معه قام فقال: "ألك حاجة؟"). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم قال: (لم يكن ابن سيرين يترك أحدا يمشي معه).رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
قلت: كان يخشى الشهرة وكثرة الأتباع.
- وقال هشيم: أخبرنا ابن عون قال: (كنت مع ابن سيرين وهو يريد المسجد فلقيه رجل؛ فقال: أين تريد؟) قال: (فما أخبره) رواه أحمد في العلل.
تنبيه:
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنبأنا أبو بكر بن الطبري أنبأنا أبو الحسين بن الفضل أنبأنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا أبو عمر النمري حدثنا حماد قال قال أيوب أما محمد بن سيرين فكان يراد على القضاء فيفر إلى الشام مرة ويفر إلى اليمامة مرة وكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي).
يعقوب بن سفيان هو الفسوي صاحب كتاب المعرفة والتاريخ ، والخبر في كتابه، قال: حدثنا أبو عمر النمري حدثنا حماد قال أيوب: (وجدت أعلم الناس بالقضاء أشد الناس منه فرارا وأشدهم منه فرقا، ثم قال: وما أدركت أحدا كان أعلم بالقضاء من أبي قلابة لا أدري ما محمد بن سيرين، فكان يراد على القضاء فيفر إلى الشام مرة ويفر إلى اليمامة مرة، وكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي حتى يخرج).
وقد ذكره في ترجمة أبي قلابة البصري، وهو المشتهر بهذا الخبر.
حبسه في الدَّين:
- قال ابن سعد: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين الذي ركب محمد بن سيرين حين حُبس له قال: «كان اشترى طعاماً بأربعين ألف درهم، فأُخبر عن أصلِ الطعام بشيءٍ كرهه، فتركه، أو تصدَّق به، وبقي المال عليه، فحُبس به، حبسته امرأة، وكان الذي حبسه مالك بن دينار» رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال بكار بن محمد: حدثنا أبي «أن محمد بن سيرين كان باع من أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي جارية، فرجعت إلى محمد، فشكت أنها تعذبها، فأخذها محمد - وكان قد أنفق ثمنها، فهي التي حبسته، وهي التي تزوجها سلم بن زياد - وأخرجها إلى خراسان، وكان أبوها يلقب كركرة»رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت البناني قال: قال لي محمد بن سيرين: (يا أبا محمد، إنه لم يكن يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بي البلاء حتى أُخذ بلحيتي، فأُقمت على المصطبة، فقيل: هذا محمد بن سيرين، أكل أموال الناس.
قال: وكان عليه دين).رواه ابن سعد وأبو نعيم والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أحمد بن عبيد: أخبرنا المدائني، قال: (كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتا بأربعين ألف درهم، فوجد في زقٍّ منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصبّ الزيت كله.
وكان يقول: "عيَّرت رجلا بشيء مذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به"، وكانوا يرون أنه عيَّر رجلا بالفقر فابتلى به). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال ابن المبارك: حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن عون قال: قال محمد حين ركبه الدَّين: (أُرى هذا أصابني بذنب أعرفه منذ أربعين سنة). رواه ابن عساكر.
- وقال إبراهيم بن حسن الباهلي: حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، أنه لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال: «إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة» رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال عمر بن بحر الأسدي: سمعت أحمد بن أبي الحواري، يخبر عبد الله بن السري قال: قال ابن سيرين: (إني لأعرف الذنب الذي حمل علي به الدين ما هو، قلت لرجل من أربعين سنة: "يا مفلس").
فحدَّث به أبا سليمان الداراني، فقال: (قلَّت ذنوبهم فعرفوا من أين يُؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى). رواه أبو نعيم وابن عساكر.
- وقال بكار بن محمد قال: حدثنا أبي قال: «قضى عبد الله بن محمد بن سيرين عن أبيه ثلاثين ألف درهم، فما مات عبد الله بن محمد حتى قومنا ماله ثلاث مائة ألف درهم، أو نحوا من ثلاث مائة ألف»رواه ابن سعد.
- وقال بكار بن محمد: حدثني أبي، عن أبيه عبد الله بن محمد بن سيرين قال: " لما ضمنت عن أبي دينه قال لي: بالوفاء؟ قلت: بالوفاء، فدعا لي بخير). رواه ابن سعد.
- وقال ابن سواء: حدثنا أبو هلال، قال: (مات محمد بن سيرين وعليه أربعون ألف درهم). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
موقفه من الفتن:
- قال العجلي: (لم ينجُ من فتنةِ ابن الأشعث بالبصرة إلا رجلان: مطرف بن عبد الله، ومحمد بن سيرين، ولم ينج منها بالكوفة إلا رجلان: خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي، وإبراهيم النخعي).
- وقال مرحوم بن عبد العزيز: سمعت أبي يقول: (لما كانت فتنة يزيد بن المهلب انطلقت أنا ورجل إلى ابن سيرين فقلنا: ما ترى؟
فقال: «انظروا إلى أسعد الناس حين قُتِلَ عثمان فاقتدوا به»
قلنا: هذا ابن عمر كفَّ يدَه) رواه أبو نعيم.
تحذيره من البدع والأهواء:
- قال عاصم الأحول عن محمد بن سيرين قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم). رواه مسلم في مقدمة صحيحه وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل لأبيه، والترمذي في العلل والعقيلي في الضعفاء والجوزجاني في "أحوال الرجال" وأبو نعيم في الحلية بلفظ مقارب.
- وقال ابن عون: جاء رجل إلى محمد، فذكر له شيئاً من القَدَر، فقال محمد: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} قال: ووضع إصبعي يديه في أذنيه، وقال: «إما أن تخرج عني، وإما أن أخرج عنك»
قال: فخرج الرجل
قال: فقال محمد: «إن قلبي ليس بيدي، وإني خفت أن ينفث في قلبي شيئا، فلا أقدر على أن أخرجَه منه، فكان أحبَّ إليَّ أن لا أسمعَ كلامَه» رواه ابن سعد.
- وقال سعدويه: حدثنا صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين وأنا شاهد؛ ففتح باباً من أبواب القدَر فتكلَّم فيه؛ فقال محمد بن سيرين: ( إما أن تقوم وإما أن أقوم). رواه ابن عساكر.
- وقال حماد بن زيد عن ابن عون عن محمد قال: (ما تنكرون أن يكون الله علم كلَّ شيء فكتبه). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن سيرين: سألت ابن عون عن القدَر فقال: (سألت جدَّكَ محمّداً عن القدر فقال: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}). رواه ابن عساكر.
تعبيره الرؤى:
- قال ضمرة عن ابن شوذب قال: جاء رجل يسأل الحسنَ عن رؤيا؛ فقال: ( أخطأت ، ذاك ابن سيرين الذي يعبر الرؤيا كأنه من آل يعقوب). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- قال شيبان النحوي: حدثنا سلام بن مسكين، قال: سمعت محمد بن سيرين، يقول: «إذا اتقى اللهَ العبدُ في اليقظة لا يضرّه ما رئي له في النوم» رواه أبو نعيم.
- وقال وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: كان الرجلُ إذا سألَ ابن سيرين عن الرؤيا قال له: «اتق الله في اليقظة لا يضرّك ما رأيت في المنام» رواه أبو نعيم.
- وقال رجاء بن أبي سلمة عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: «اتق الله في اليقظة ولا تبالِ بما رأيت في المنام» رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن بشير، عن ابن شبرمة قال: (دخلت على محمد بن سيرين بواسط فلم أرَ أجبن عن فتيا ولا أجرأ على رؤيا منه). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال إسحاق بن راهويه: أخبرنا المرجَّى بن وداعة قال: حدثنا غالب القطان قال: قلت لمحمد بن سيرين: إنَّك تحسن من العبارة على ما يجبن عنه فقهاؤنا، وتجبن من الفتيا عما يجسر عليه فقهاؤنا !!
قال: يا ابن أخ ما أنفس عليك أن تعلم مثل ما أعلم، إنما هو شيء فآخذه من القرآن، وليس كلَّ ما نقول كما نقول، إذا رأيت الماء فهو فتنة، وإذا رأيت السفينة فهي نجاة، وإذا رأيت اللؤلؤ فهو القرآن، وإذا رأيت النار فهي ثائرة، وإذا رأيت الخشب فهو نفاق، وإذا رأيت العقد فهو حكمة، وإذا رأيت التاج فهو ملك، وإذا رأيت الحرب فهو الطاعون، والكسوة كلها تعجبنا وأحبها إلينا البياض، وإذا رأيت الصعود فهو همّ). رواه حرب الكرماني في مسائله.
- وقال يحيى بن اليمان: ثنا مبارك بن يزيد البصري، قال: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهو لا ينقى قال: «أنت رجل مصارم لأخيك»
قال: وقال رجل لابن سيرين: رأيت كأني أطير بين السماء والأرض قال: «أنت رجل تكثر المُنى» رواهما أبو نعيم.
- وقال ابن المبارك عن عبد الله بن مسلم المروزي، قال: كنت أجالس ابن سيرين، فتركت مجالسته، وجالست قوماً من الإباضية، فرأيت فيما يرى النائم كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأتيت ابن سيرين، فذكرت له ذلك، فقال: ما لك جالستَ أقواماً يريدون أن يدفنوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟!). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو الهذيل مخلد بن عبد الواحد البصري عن هشام بن حسان قال: قصَّ رجلٌ على ابن سيرين قال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء؛ فانكسر القدح وبقي الماء؛ فقال له: (اتّق الله؛ فإنك لم ترَ شيئاً)
فقال له الرجل: سبحان الله أقص عليك الرؤيا وتقول لم تر شيئا!!
فقال له ابن سيرين: (إنه مَن كَذب فليس عليَّ مِن كذبه شئ، إن كنتَ رأيتَ هذا فستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها)
فلما خرج قال الرجل: والله ما رأيت هذه الرؤيا.
قال: وقد عبرها.
قال هشام: (فما لبث الرجل غير كثير حتى ولدت امرأته غلاما وماتت وبقي الغلام). رواه ابن عساكر.
- وقال العلاء بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن المعلى بن الأعلم، عن أبيه، قال: جاء عمرو بن عبيد وإسماعيل المكي إلى ابن سيرين فسألاه عن رجل رأى كأن نصف رأسه مجزوزة، ونصف لحيته، فقال لهما: (اتقيا الله، لا تظهرا أمراً وتسرّا خلافه)
قال: فقال عمرو: (والله لا نأخذ عنه في اليقظة، وكيف نأخذ عنه في المنام؟).رواه العقيلي في الضعفاء في ترجمة عمرو بن عبيد.
مواعظه ووصاياه:
- قال هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم» رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
- وقال هشام بن حسان أيضاً: قال محمد بن سيرين: « انظروا عمن تأخذون هذا الحديث، فإنما هو دينكم ». رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن عون عن محمد بن سيرين أنه كان يقول: « إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذونه ». رواه ابن سعد والجوزجاني في أحوال الرجال وأبو نعيم في الحلية.
- وقال القاسم بن معن عن عاصم الأحول، عن محمد بن سيرين قال: «التثبت نصف العلم» رواه الخطيب البغدادي في الكفاية.
- وقال حبيب بن الشهيد، عن ابن سيرين، قال: «إذا أراد الله تعالى بعبدٍ خيراً جعل له من قلبه واعظاً يأمره وينهاه» رواه أحمد في الزهد وهناد بن السري في الزهد وأبو نعيم في الحلية.
- وقال وكيع، عن ابن عون، عن محمد قال: كان يقال: «إن الرجل إذا أراد الخير كان له زاجرٌ من الله يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر» رواه الإمام أحمد في الزهد.
- وقال بكار بن محمد: حدثنا ابن عون قال: قال محمد: « لو يعلم الذي يتكلَّم أنَّ كلامَه يُكتَبُ عليهِ لَقَلَّ كلامُه » رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن حسان، عن محمد أنّه كان إذا ودَّع رجلاً قال: «اتق الله، واطلب ما قدر لك من حلال، فإنك إن أخذته من حرام لم تصب أكثر مما قدر لك» رواه ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية.
- وقال ابن علية، عن أيوب، قال: كان محمد بن سيرين يقول: «لا تكرم أخاك بما يشق عليك» رواه أبو نعيم في الحلية، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه من طريق ابن علية عن ابن عون عن محمد قال: كانوا يقولون: «لا تكرم صديقك بما يشق عليه»
- وقال حماد بن زيد، عن هشام، قال: سمعت ابن سيرين، يقول: «المسلم المسلم عند الدرهم والدينار»رواه أبو نعيم.
يريد أنّ المسلم الحقّ هو الذي يظهر أثر إسلامه في تعاملاته المالية.
- وقال الفضيل بن عياض عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين قال: «كنا نُحدَّث أنَّ أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الصمت".
- وقال ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: «كانوا يرون حسن السؤال يزيد في عقل الرجل» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العقل".
- وقال الربيع بن صبيح، عن محمد بن سيرين قال: «ظلما لأخيك أن تذكر فيه أسوأ ما تعلم منه، وتكتم خيره»رواه وكيع في الزهد.
- وقال أبو سلمة الخزاعي: حدثنا شبيب بن شبة قال: سمعت ابن سيرين يقول: (الكلام أوسع من أن يكذب فيه ظريف). رواه ابن حبان في روضة العقلاء.
- وقال ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين قال: (إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون). رواه ابن حبان في روضة العقلاء.
وفاته
- قال يزيد بن هارون: أخبرنا هشام بن حسان قال: كان أول وصية محمد بن سيرين: " هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة: أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأوصى بنيه وأهله، أن اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وزعم أنها كانت أول وصية أنس بن مالك). رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد وابن عساكر وزادا: ( وأوصاهم أن لا يرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدين، وأن العفّة في الصدق خير وأتقى من الرياء والكذب، وإن حَدَثَ به حَدَثٌ في مرضي هذا قبل أن أغير وصيتي هذه، ثم ذكر حاجته..).
- وقال هارون بن أبي يحيى عن الحسن بن دينار أن محمد بن سيرين كان يقول وهو في الموت: «في سبيل الله، نفسي أحب الأنفس عليَّ» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "المحتضرين".
- قال حماد بن زيد: (مات محمد بن سيرين لتسع مضين من شوال سنة عشر). رواه أحمد في العلل.
- قال حماد بن زيد أيضاً: « مات محمد يوم الجمعة، وغسله أيوب وابن عون، ولا أدري من حضر معهم » رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: قال هشام بن حسان: (مات محمد لثمان ليال خلون من شوال سحرا سنة عشر ومائة ليلة الجمعة). رواه ابن عساكر.
- وقال حماد بن زيد: (مات الحسن في أول يوم من رجب سنة عشر، وصليت عليه، ومات محمد لتسع مضين من شوال سنة عشر). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال السري بن يحيى: « مات الحسن سنة عشر ومائة قبل ابن سيرين بمائة يوم » رواه البخاري في التاريخ الكبير وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل لأبيه.
- وقال ابن شوذب: « توفي الحسن سنة عشر ومائة، وتوفي محمد بن سيرين بعده بمائة ليلة ». رواه أبو إسماعيل الربعي.
- وقال ضمرة، عن ابن شوذب، قال: (مات ابن سيرين بعد الحسن بمائة ليلة). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال عمرو بن علي الفلاس: « مات ابن سيرين في شوال» ذكره أبو إسماعيل الربعي.
- وقال ابن حبان: (مات في شهر شوال سنة عشرة ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، بعد الحسن بمائة يوم، وصلى عليه النضر بن عمرو المقرىء من أهل الشام، وقبره بإزاء قبر الحسن بالبصرة).
- وقال بكار بن محمد: « توفي محمد بن سيرين وقد بلغ نيفا وثمانين سنة » رواه ابن سعد.
- وقال ابن منجويه: (مات في شوال سنة عشر ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة بعد الحسن بمائة يوم).
قلت: قول ابن حبان وابن منجويه أقرب إلى الصواب، فإنّه ولد عام 33هـ.
ما رؤي فيه من الرؤى بعد موته
- قال حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن حفصة ابنة راشد، قالت: (كان مروان المحلمي لي جارا وكان ناصبا مجتهدا)
قالت: (فمات فوجدت عليه وجدا شديدا، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع بك ربك؟
قال: أدخلني الجنة.
قلت: ثم ماذا؟
قال: ثم رفعت إلى أصحاب اليمين.
قلت: ثم ماذا؟
قال: ثم رفعت إلى المقربين.
قلت: فمن رأيت ثم من إخوانك؟
قال: رأيت ثَمَّ الحسن، ومحمد بن سيرين، وميمون بن سياه).رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال حماد بن سلمة، عن أبي محمد (قال: حماد: وكان من خيار الناس وكان مؤذن سكة الموالي) قال: اشتكيت شَكاةً فأُغمي عليَّ؛ فأُريت كأني أُدخلت الجنة فسألتُ عن الحسن بن أبي الحسن، فقيل لي: هيهات، ذاك يسجد على شجر الجنة.
قال: وسألت عن ابن سيرين، فقيل لي فيه قولاً حسنا أحسن مما قيل لي في الحسن). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
شيوخه ورواياته:
أرسل محمد بن سيرين عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي الدرداء وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وعائشة وابن عباس وكعب بن عجرة وغيرهم.
وسمع أبا هريرة وزيد بن ثابت وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأنساً وأبا قتادة وأبا موسى الأشعري وسمرة بن جندب، وعمران بن الحصين، وعدي بن حاتم، وابن الزبير، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وروى عن جماعة من التابعين منهم: عبيدة السلماني، وشريح القاضي، والربيع بن خثيم، وعلقمة بن قيس النخعي، وكثير بن أفلح، وأبي العالية الرياحي.
واختلف في سماعه من مسروق.
وقال البخاري: (محمد بن سيرين لم يسمع من معقل بن يسار).
- وقال البخاري: (سمع أبا هريرة، وابن عمر، سمع منه الشعبي، وأيوب، وقتادة).
- قال ابن أبي حاتم: (محمد بن سيرين أبو بكر مولى أنس بن مالك البصري روى عن أبي هريرة وعمران بن حصين وابن عمر وأنس بن مالك وعدى بن حاتم وابن الزبير وحبيبة).
- وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: (قد سمع ابن سيرين من أبى قتادة الأنصاري حديثا أنه قال إذا انقض الكوكب فلا تتبعوه أبصاركم، وكان أبو قتادة نزل على ابن سيرين).
- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قال أبي: سمع محمد بن سيرين من: أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، ولم يسمع من ابن عباس شيئا، كلها يقول: نبئت عن ابن عباس، وقد سمع من عمران بن حصين). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي قال: حدثنا أمية بن خالد، قال: سمعت شعبة، قال: قال خالد الحذاء: كل شيء قال محمد: نبئت عن ابن عباس، إنما سمعه من عكرمة، لقيه أيام المختار بالكوفة). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
قال شعبة: (أحاديث محمد بن سيرين عن ابن عباس إنما سمعها محمد عن عكرمة لقيه أيام المختار). رواه ابن المديني في العلل وابن أبي حاتم في المراسيل وزاد: (ولم يسمع ابن سيرين من ابن عباس شيئا).
وقال أحمد بن حنبل: (محمد بن سيرين سمع من أبي هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وسمع من عمران بن حصين ولم يسمع من ابن عباس شيئا كلها يقول نبئت عن بن عباس).
وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: (أخبرنا حرب بن إسماعيل فيما كتب إلي قال قال أحمد بن حنبل ابن سيرين لم يجيء عنه سماع من ابن عباس).
وقال أبو حاتم: (ابن سيرين لم يسمع من عائشة شيئا).
- وقال مسلم في الكنى: (أبو بكر محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك، سمع ابن عمر وأبا هريرة، روى عنه الشعبي وأيوب وقتادة).
- قال ابن منجويه: (روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة وغيرهما وعمران بن حصين في العتق وغيره وقال في حديث السهو وأخبرت عن عمران أنه قال ثم سلم وعبيدة السلماني في الصلاة والزكاة وأنس بن مالك في الصلاة والحج واللعان والبيوع وعبد الله بن شقيق في الصلاة والصوم وأم عطية في الصلاة والجنائز وحفصة بنت سيرين وعبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري في النكاح وأخيه معبد بن سيرين في النكاح والطب ويونس بن جبير وحميد بن عبد الرحمن الحميري في الوصايا وابن عمر في الوصايا وعبد الرحمن بن أبي بكرة في الديات وحميد بن عبد الرحمن في الديات وقيس بن عباد في الفضائل وجندب في الفتن
روى عنه أيوب وابن عون وهشام وسلمة بن علقمة وداود بن أبي هند ويونس بن عبيد وقرة بن خالد ويحيى بن عتيق وقتادة وعاصم الأحول وجرير بن حازم وخالد الحذاء).
- وقال الخطيب البغدادي: (محمد بن سيرين أبو بكر البصري مولى أنس بن مالك سمع: أبا هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعمران بن حصين، وأنس بن مالك.
روى عنه: قتادة بن دعامة، وخالد الحذاء، وأيوب السختياني، وهشام بن حسان، وعبد الله بن عون، وجرير بن حازم، وغيرهم).
مذهبه في الرواية:
كان محمد بن سيرين يحدّث بالحديث على حروفه، وكان شديد التثبّت والتوقّي، وإذا شكّ في رفع حديث أو وَقْفِهِ وَقَفَه، وكان حافظاً لا يكتب الحديث إلا ما روي عنه من صحيفة أبي هريرة، وكان يستودعها أخاه، وكان لا يرضى أن يكون في بيته كتاب.
- قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا ابن عون قال: (كان محمد يحدث بالحديث على حروفه). رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال هشيم: أخبرنا ابن عون قال: (كان بن سيرين والقاسم بن محمد يحدثان كما سمعا قال وكان الحسن والشعبي يحدثان بالمعاني). رواه أحمد في العلل.
وقال أحمد بن حنبل: حدثنا معاذ بن معاذ قال: أخبرنا بن عون قال: (كان ممن يتبع أن يحدّث بالحديث كما سمعه: محمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة، وكان ممن لا يتبع ذاك الحسن، وإبراهيم، والشعبي).
قال ابن عون: قلت لمحمد: إن فلانا لا يتبع ذاك؛ قال: (أما إنَّه لو اتبعه كان خيرا له).
- وقال فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن ابن سيرين أنه (كان إذا حدّث لم يقدّم ولم يؤخّر، وكان الحسن إذا حدّث قدّم وأخّر).رواه ابن عساكر.
- وقال بكار بن محمد: حدثنا ابن عون قال: «كان محمد بن سيرين إذا حدَّث كأنه يتقي شيئا، كأنه يحذر شيئا» رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا الأشعث، عن محمد بن سيرين قال: «كنا إذا جلسنا إليه حدثنا وتحدثنا، وضحك، وسأل عن الأخبار، فإذا سئل عن شيء من الفقه والحلال والحرام تغيَّر لونُه وتبدَّل حتى كأنَّه ليس بالذي كان» رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال خالد بن خداش: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: «كان محمد بن سيرين يتمثل الشعر ويذكر الشيء ويضحك حتى إذا جاء الحديث من السنة كلح وانضم بعضه إلى بعض» رواه أبو نعيم.
- وقال سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول قال: (أتينا ابن سيرين بكتاب فقال: لا يبيت عندي) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "العلل" لأبيه.
- وقال أحمد بن حنبل: (كان مذهب محمد بن سيرين وأيوب وابن عون ألا يكتبوا).
- وقال علي بن المديني: (أتاني رجلٌ من ولد محمد بن سيرين بكتاب محمد بن سيرين عن أبي هريرة؛ فكان هذه الأحاديث التي يحدث بها هشام بن حسان مرفوعة كانت مرفوعة، كان أولها: هذا ما حدثنا أبو هريرة، قال أبو القاسم كذا، وقال أبو القاسم كذا، وكان فيه.
قال: كان كتاباً في رَقٍّ عتيق، وكان عند يحيى بن سيرين، كان محمد لا يرى أن يكون عنده كتاب، وكان في أسفل حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ منه: "هذا حديث أبي هريرة" بينهما فصل، قال أبو هريرة كذا، وقال: في فصل كل حديث عاشرة حوله نقط كما تدور، وكان محمد لا يدلس). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ، والخطيب البغدادي في الجامع، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عبد الرزاق عن معمر قال: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة وخرجت منها أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت مثل ما دخلت سواء.
فقال ابن سيرين: (أما الحمامة التي التقمت اللؤلؤة فخرجت أعظم مما دخلت فهو الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه، وأما التي خرجت أصغر مما دخلت فذاك محمد بن سيرين يسمع الحديث فيشك فيه وينقص منه، وأما التي خرجت كما دخلت فذاك قتادة أحفظ الناس). رواه أحمد في العلل.
مراتب رواة التفسير عن محمد بن سيرين:
رواة التفسير عن محمد من سيرين في كتب التفسير المسندة على مراتب:
المرتبة الأولى: الثقات المكثرون، ومنهم: هشام بن حسان القردوسي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وعبد الله بن عون، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، وعاصم بن سليمان الأحول، وعوف بن أبي جميلة الأعرابي.
المرتبة الثانية: الثقات المقلّون عنه في التفسير، ومنهم: قتادة، وسليمان التيمي، وجرير بن حازم، وسلمة بن علقمة التميمي، ومنصور بن زاذان الثقفي، وقرة بن خالد السدوسي، ويزيد بن إبراهيم التستري، وسعيد بن أبي صدقة البصري، ويحيى بن عتيق الطفاوي، ومهدي بن ميمون الأزدي، وحجاج بن أبي عثمان الصواف، وداوود بن أبي هند، وجعفر بن برد الراسبي البصري، وهارون بن إبراهيم الأهوازي، والقعقاع بن يزيد الضبي، وسعيد بن عبد الرحمن البصري أخو أبي حرّة.
وهؤلاء منهم من هو موصوف بأنه من خاصة أصحابه ومن أثبت الناس فيه لكن مروياته عنه في التفسير قليلة فيما بين أيدينا من المصادر.
المرتبة الثالثة: المقبولون، وهم الذين يترجّح قبول رواياتهم وقد تكلّم فيه بعض أهل العلم بما لا يتحقق به الجرح، ومنهم: أبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري، وأبو قتيبة البصري الكبير واسمه نعيم بن ثابت، وهو غير أبي قتيبة البصري الصغير سلم بن قتيبة.
المرتبة الرابعة: المختلف فيهم، ومنهم: الحكم بن عطية العيشي، وأشعث بن سوار، وأبو هلال الراسبي، وعمر بن شاكر البصري.
1. فأما الحكم بن عطية العيشي، مختلف فيه، وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد: لا بأس به إلا أن أبا داوود روى عنه أحاديث منكرة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: (يُكتب حديثه ولا يحتجّ به).
2. وأما أشعث بن سوار فالأكثر على تضعيفه، وعن يحيى بن معين رواية بتوثيقه.
3. وأما أبو هلال محمد بن سليم الراسبي، قال ابن أبي حاتم: (أدخله البخاري في كتاب "الضعفاء "وسمعت أبي يقول: يحول منه)، وقد تصحّف اسمه في موضع إلى محمد بن سليمان.
4. وأما عمر بن شاكر البصري، وهو شيخ بصريّ روى عن أنس نسخة أُنكرت عليه، وهو مقارب الحديث في الرواية عن غيره، له عن ابن سيرين رواية واحدة فيما وقفت عليه
قال إسماعيل بن موسى الفزاري: أخبرنا عمر بن شاكر، عن ابن سيرين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرن أربعون سنة» رواه ابن جرير، وهو مرسل.
المرتبة الخامسة: من كانت روايته عنه منقطعة، ومنهم: الأعمش، والأوزاعي.
- قال ابن أبي حاتم في المراسيل: (سمعت أبا زرعة يقول لم يسمع الأعمش من محمد بن سيرين).
- وقال أبو الأحوص محمد بن الهيثم بن حماد القاضي: سمعت محمد بن كثير يقول: قال الأوزاعي: خرجت إلى الحسن وابن سيرين؛ فوجدت الحسن قد مات، ووجدت محمد بن سيرين مريضاً، فدخلنا عليه نعوده فمكث أياما، ثم مات). رواه الخطيب البغدادي في الرحلة في طلب الحديث.
المرتبة السادسة: الضعفاء، ومنهم: ليث بن أبي سليم، وإسماعيل بن مسلم المكي، وزيد العمي.
المرتبة السابعة: المجهولون، ومنهم: رجل يقال له حماد أبو صالح روى عن ابن سيرين خبراً منكراً: (انتابوا الأيلة فإنّه قلّ من يأتيها فيرجع منها خائباً…) أخرجه ابن جرير.
المرتبة الثامنة: المتروكون، ومنهم: أبو بكر الهذلي، الحسام بن مصك الأزدي، وطريف العطاردي وهو أبو سفيان السعدي الأشل، وأبو عبيدة سعيد بن زربي الخزاعي البصري، ومحمد بن عون الخراساني.
- قال محمد بن عون الخراساني: سألت محمد بن سيرين، عن قول الله: {لولا أن رأى برهان ربه} قال: (مُثّلَ له يعقوب عاضًّا على أصبعيه يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، اسمك في الأنبياء، وتعمل عمل السفهاء). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وهذا خبر منكر.
من مروياته في التفسير:
مرويات محمد بن سيرين في كتب التفسير المسندة كثيرة جداً، لكن أكثرها مما يرويه عن عبيدة السلماني، وفيها شيء يسير من أقواله ووصاياه وما سُئل عنه من مسائل لها تعلق بأحكام القرآن، ومن أمثلة مروياته في التفسير:
أ: قال حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، قال: (كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى، وكان أصحابه يعظمونه، فذكروا له فذكر آخر الأجلين، فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث، عن عبد الله بن عتبة)
قال: فضمز لي بعض أصحابه، قال محمد: ففطنت له؛ فقلت: إني إذا لجريء إن كذبت على عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة، فاستحيا وقال: لكن عمه لم يقل ذاك، فلقيت أبا عطية مالك بن عامر فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة، فقلت: هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال: كنا عند عبد الله فقال: (أتجعلون عليها التغليظ، ولا تجعلون عليها الرخصة، لنزلت سورة النساء القُصْرَى بعد الطُّولى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}) ). رواه البخاري في صحيحه.
ب: وقال جرير بن حازم: سمعت محمد بن سيرين قال: سألت عَبيدة السلماني عن قول الله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال: (وأخذ عبيدة ثوبه فتقنع به وأخرج إحدى عينيه). رواه ابن وهب في جامعه.
ج: وقال ابن علية عن ابن عون عن محمد عن عَبيدة في قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قال ابن علية: فلبسها عندنا ابن عون، قال: ولبسها عندنا محمد، قال محمد: ولبسها عندي عَبيدة، قال ابن عون بردائه فتقنع به، فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب). رواه ابن جرير.
د: وقال ابن علية، عن أيوب، عن محمد في قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله } قال: (نُهيتم عن الأمانيّ، ودُللتم على ما هو خير منه:"واسألوا الله من فضله"). رواه ابن جرير.
هـ: وقال معاذ بن معاذ: حدثنا ابن عون، عن محمد، قال: (المهاجرون الأولون: الذين صلوا القبلتين). رواه ابن جرير.
و: وقال هشيم: أخبرنا عون، عن ابن سيرين أنه قال في قوله: (فطلقوهن لعدتهن) قال: يطلقها وهي طاهر من غير جماع، أو حبل يستبين حملها.
رواه ابن جرير.
ز: وقال أشعث بن سوار: سألت ابن سيرين، عن صلاة المنهزم، فقال: (كيف استطاع). رواه ابن جرير.
ح: وقال روح بن عبادة: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين أنَّ الحكمَ من أهلها والحكمَ من أهله يفرّقان ويجمعان إذا رأيا ذلك {فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها}). رواه ابن جرير.