أما ظننت وأخواتها فإنها تنصب المبتدأ والخبر،
وقلنا ما دامت تنصب المبتدأ والخبر فإن إدخالها في المرفوعات إنما هو استطراد وإلا ليست منها؛ لكي يكمل النواسخ ما دام بدأ بذكر بعضها، تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها وهي: (ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت، ورأيت، وعلمت، ووجدت، واتخذت، وجعلت، وسمعت) أفعال هذا الباب أكثر من هذا بكثير.
وهي أيضاً نوعان:
- أفعال قلوب.
-وأفعال تصيير.
والمؤلف ذكر من أفعال التصيير فعلاً أو فعلين، وذكر من أفعال القلوب أيضاً بعضها ولم يذكرها كاملةً، وهي كثيرة جدّاً، والباب فيها واسع، باب أفعال التصيير كأفعال الشروع باب واسع، يوصلها بعض العلماء إلى أعداد كبيرة.
نحن نأخذ هذه الأفعال التي ذكرها.
أولاً هذه الأفعال كما ترون تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما معاً، الأول على أنه مفعول أول، والثاني على أنه مفعول ثان لها.
بماذا تختلف عن باب (كان) و(إن)؟
أن (كان) و(إن) تعملان في المبتدأ والخبر، وهذه تعمل في المبتدأ والخبر أيضاً، لكنها قبلهما ترفع فاعلاً، ففي قولك: (ظننتُ محمداً قائماً)، التاء هنا ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل، ومحمداً مفعول أول، وقائماً مفعول ثان.
هذه الأفعال وهي ظن وأخواتها تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، ولا بد من هذا القيد،لماذا؟
احترازاً من باب آخر ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر:
فالباب الذي ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر هو الذي يسمى باب ظنّ.
والباب الذي ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر هو الذي يسمى باب أعطى وكسا.
فظن وأخواتها وأعطى وأخواتها يتفقان في نصب مفعولين، لكن مفعولي (ظن) وأخواتها مما أصله المبتدأ والخبر، أما مفعولا (أعطى) وأخواتها فإنه ليس أصلهما المبتدأ والخبر.
فإذا جئت لـ(محمدٌ قائمٌ)، تستطيع أن تسلط عليها (ظن)، ولكن لا تستطيع أن تسلط عليها (أعطى)، فتقول: (ظننت محمداً قائماً)، ولا تستطيع أن تدخل عليها(أعطى) بحال من الأحوال؛ لأن أعطى تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، تقول: (أعطيت الفقير درهماً)، المفعول الأول (الفقير) والمفعول الثاني (درهماً).
هل يمكن أن تركب منهما مبتدأ وخبراً؟
لا يصح أن تقول: (الفقير درهمٌ).
ويتفقان في: أنهما يرفعان فاعلاً قبل أن يصلا إلى نصب المفعولين.
إذا نظرنا إلى معاني هذه الأفعال التي ذكرها المؤلف وجدنا أنها على فئات، وهي مرتبة بحسب فئاتها.
فانظر للأربعة الأولى وهي (ظننت وحسبت وخلت وزعمت) تجد أن هذه الأربعه الأولى تشكل فئة من حيث المعنى، وهي أنها أفعال تدل على الرجحان، تدل على أن الشيء الذي بعدها أمر راجح وليس يقيناً، يعني فرق بين أن تقول: (علمت زيداً قائماً)، وأن تقول: (ظننت زيد قائماً).
(علمت) تفيد اليقين، لكن ظننت يعني ظن يترجح عندي أنه قائم.
فالفئة الأولى-الأربعة الأولى- تفيد الرجحان أو الترجيح وهي:
(ظننت)، ومثلها (حسبت) أيضاً ومثلها (خِلْت).
(خلت) بمعنى (ظننت)، (خلت محمداً مسافراً فتبين لي أنه ليس مسافراً).
و(زعمت) كذلك، (زعمت محمداً صديقاً ولكن فيما بعد تبين أنه ليس كذلك)
فالأربعة الأولى وهي: (ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت)، تفيد الرجحان أو الترجيح، أي أن ما بعدهما أمره راجح وليس بأكيد.
والثلاثة التى بعدها تعد فئةً ثانيةوهي: (رأيت، وعلمت، ووجدت).
(وجدت) هنا المراد بها: وجد التي بمعنى (علم)، التي تنصب مفعولين، وليس وجد بمعنى حصل على الشيء، يعني فقدت المفتاح؛ تقول: (وجدت المفتاح)، (وجدت المفتاح) هذه ليست هي التى تنصب مفعولين، وإنما التى تنصب مفعولين هي (وجد) التى بمعنى (علم)، تقول مثلاً: (وجدت العلم نافعاً) و(وجدت الاجتهاد موصّلاً إلى بَرِّ الأمان)، و(وجدت السهر ضارّاً) يعني: (علمت)، فـ(وجد) هنا التي من هذا الباب هي التي بمعنى (علم)، مثلها في المعنى ومثلها في العمل.
وكذلك (رأى) ليس المراد منها رأى البصرية، رأى بالعين، كما إذا قلت: (رأيت الهلال)، (رأيت الهلال) هنا هذه رأى بصرية ليست هي التي تنصب مفعولين.
وإنما التي تنصب مفعولين هي: (رأى) التى بمعنى (علم)، مثل إذا قلت: (رأيت العلم نافعاً)، يعني علمته كذلك بعد تجربة وبعد معايشة.
وكما في قول الشاعر:
رأيـت الـلــه أكـبـر كـل شيء ...............
(رأيت الله) أي علمت الله سبحانه وتعالى:
........أكبر كل شيء محــاولــةوأكــثـرهـم جنوداً
فهذه الثلاثة وهي:(رأى، وعلم، ووجد) تشكل الفئة الثانية، وهي أفعال العلم.
الفئة الأولى: الأربعة الأولى أفعال الظن والرجحان.
الفئة الثانية هي: أفعال العلم واليقين.
الفئة الثالثة وهي: (اتخذتُ، وجعلت).
اتخذت، وجعلت، ما معناها هنا؟
معنى صيرتُ هي (اتخذ) التى بمعنى (صيَّر)، و(جعل) التى بمعنى (صير)؛ لأن هناك (جعل) أخرى في أفعال الشروع، (جعل) يعني: (جعل) الرجل يتكلم، أي أخذ يتكلم، وشرع في الكلام، (جعل) هنا التي تنصب مفعولين هي التي بمعنى صيَّر تقول: (جعلت الطين إبريقاً)، أي صيرت الطين إبريقاً، (جعلت سعف النخل حصيراً)، أي صيرته حصيراً، هذه هي المراد.
و(اتخذ) هي التى بمعنى (صير) تقول: (اتخذت محمداً صديقاً) أي صيرته وجعلته صديقاً لي، قال تعالى:{واتخذ الله إبراهيم خليلا} فاتخذ التى بمعنى صير وجعل هي التي تنصب مفعولين.
فالفئة الثالثة هي: أفعال التصيير، وهي اكتفى منها المؤلف هنا: بـ(اتخذ، وجعل) وإلا فإنها في بعض كتب المطولات أكثر من ذلك.
والفعل الأخير -فيما أعلم- انفرد المؤلف بذكره، لم يذكره أكثر العلماء الذين تعرضوا لأفعال هذا الباب، لم يوردوا (سمع) ضمن أفعال هذا الباب، وهو مما انفرد به المؤلف فيما أعلم.
الأمثلة: تقول: (ظننتُ زيداً قائماً)، (رأيت عمراً شاخصاً)، (حسبت عليّاً مسافراً)، (خلت محمداً مقيماً)، (زعمت عليّاً أخاً)، (رأيت العلم نافعاً)، (علمت المثابرة مثمرة)، (وجدت القراءة نافعةً)، (اتخذت محمداً صديقاً)، (جعلت الطين إبريقاً)، (وسمعت محمداً يقرأ).
فقلت لكم إن (سمع) استخدامها قليل في هذا ويعني انفرد بها المؤلف عن غيره.
هذا خلاصة ما ذكره المؤلف في هذا، وأحكام هذا الباب واسعة جدّاً.
وأفعال هذا الباب تعمل هذا العمل بشرط أن لا يدخلها ما يسمى بالإلغاء أو التعليق، هناك حكمان يتسلطان على أفعال القلوب من هذا الباب، وهاذان الحكمان هما ما يسمى بالإلغاء والتعليق.
الإلغاء والتعليق ما هما؟
الإلغاء: هو إبطال العمل لفظاً ومحلاًّ.
بسبب توسط الفعل أو تأخره، إذا قلت مثلاً: (ظننت محمداً قائماً)، عملت حينئذٍ (ظنّ) فإذا قلت: (محمداً ظننت قائماً) فيحسن أن تلغي العمل حينئذٍ فتقول: (محمدٌ ظننت قائمٌ)، ويجوز لك الإعمال لكن الإهمال أكثر.
ومثله لو تأخر العامل نهائيّاً فقلت: (محمداً قائماً ظننت) فالإهمال أكثر حينئذٍ، فينبغى أن تقول: (محمدٌ قائمٌ ظننت)، فهذه الأفعال تعمل ما لم يحصل فيها الإلغاء، وهو إبطال العمل لفظاً ومحلاًّ بسبب توسط العامل، أو تأخره، أو يحصل لها التعليق.
التعليق: هو إبطال عملها في اللفظ، لكنها عاملة في المحل.
والتعليق سببه هو: أن يعترض بينها -بين هذا الفعل وبين معموليه- شيء من الحروف التى لها صدر الكلام، كـ (لام) الابتداء وما النافية ونحوها.
هذا خلاصة الحديث في أفعال هذا الباب.
وهناك أيضاً أحكام أخرى حول جواز حذف المفعولين أو حذف أحدهما اختصاراً أو اقتصاراً، ولكن نكتفى بما ذكره المؤلف.
[خلاصة]
الشيخ:انتهينا من الحديث عن النواسخ بأنواعها، بأبوابها الأربعة:
باب: كان وأخواتها.
وباب: أفعال المقاربة، والرجاء والشروع، وهي تكاد تكون ملحقة بكان أي أنها تعمل عملها.
والباب الثالث: باب (إنَّ) وأخواتها.
والباب الرابع: باب ظن وأخواتها.
والأبواب الثلاثة الأولى ينطبق عليها ما أدخلها المؤلف تحته، وهو أبواب المرفوعات لأنها تشتمل على مرفوع إما اسمها أو خبرها، أما الباب الرابع وهو باب ظن وأخواتها فإنه لا يشتمل على مرفوع جديد، لأن المرفوع الأول الذي فيه هو الفاعل وسبق الحديث عن بابه، وأما المفعولان اللذان أصلهما المبتدأ والخبر فهما منصوبان، والحديث عنهما كما قلنا لا يندرج تحت باب المرفوعات، وإنما ذكر المؤلف هذا الباب استطراداً، ليتم الحديث عن أبواب النواسخ.
هذه الأفعال وهي ظن وأخواتها تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما على أنهما مفعولان لها، المبتدأ مفعولها الأول، والخبر مفعولها الثاني.
وقلنا إن هناك أفعالاً تنصب مفعولين ولكن ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهو ما يعرف بباب أعطى وكسى، وأن باب ظن وأخواتها تعمل هذا العمل باستمرار ما لم يعرض لها أو إحدى أخواتها ما يسمى بالإلغاء أو التعليق.
الإلغاء هو إبطال العمل لفظاً ومحلا بسبب توسط العامل بين المفعولين أو تأخره عنهما معاً، كما إذا قلت في: (ظننت زيداً قائماً) لو وسطت العامل فقلت: (زيداً ظننت قائماً).
أو أخرته فقلت: (زيداً قائماً ظننت)؛ فإن العامل هنا الراجح فيهالإلغاءأي إبطال العمل لفظاً ومحلا.
فتقول: (زيدٌ ظننتُ قائمٌ).
وتقول: (زيدٌ قائمٌ ظننت)، ولو أعملت لجاز لكن الإعمال ضعيف، وإن كان الإعمال في العامل المتأخر أضعف منه في العامل المتوسط، يعني أن الإلغاء هو الأولى في نحو قولك: (زيدٌ ظننتُ قائمٌ)، والإعمال لا بأس به فتقول: (زيداً ظننتُ قائماً).
ولو أخرت العامل فقلت: (زيدٌ قائمٌ ظننت)، فإن الإلغاء حينئذٍ أرجح بلا شك، ولو أعملته فقلت: (زيداً قائماً ظننتُ)، لكان جائزاً لكنه قليل، وإن كان إعمال المتوسط على قلته أقوى من أعمال المتأخر هذا هو الإلغاء.
أما التعليق: فهو إبطال العمل لفظاً فقط مع بقائه في المحل، يعني أن العامل وهو (ظننت) وأخواتها بسبب التعليق لا تحدث أثر ظاهراً في المعمولين، وإنما أثر مقدر خفي، الجملة هذه تعرب مبتدأ وخبراً، أو تعرب أي شيء آخر، ثم تقول بعد ذلك وهي في محل نصب، مفعولي ظننت، أو سدت مسد مفعولي (ظننت)، إذاً (ظننت) مازال عاملاً في هذين المعمولين، لكنه عملاً ليس في اللفظ وإنما في المحل..
ما الدليل على أنه عاملٌ في المحل؟
ما دمنا لم نر عملاً في اللفظ فما الذي دلنا على أنه عمل في المحل؟
الدليل على أن العمل باق في المحل: أنك لو عطفت لنصبت المعطوف مراعاة لأنك عطفته على منصوب محلا…
ما سبب التعليق؟
قلنا إن الإلغاء سببه توسط العامل أو تأخره.
أما التعليق فسببه اعتراض شيء من الحروف التي لها صدر الكلام بين العامل والمعمولين.
إذا اعترض حرفٌ من الحروف التى لها صدر الكلام بين العامل وبين المعمولين فإنه حينئذٍ يبطل العمل في اللفظ فقط، ويبقى العمل في المحل، أي يبقى العمل مخفيّاً داخليّاً ولا يلغى نهائيّاً.
وقلنا إن الإلغاء لا يوجب إبطال العمل، وإنما يرجحه، فلك أن تعمل مع توسط العامل أو تأخره.
أما التعليق فإنه يوجب إبطال العمل لفظاً.
الفرق بين الإلغاء والتعليق:
- أن الإلغاء: مجوز
- والتعليق: موجب لإبطال العمل في اللفظ دون المحل.
الأشياء التي تعترض بين العامل والمعمولمثل:
(ما) النافية، ومثل (لام الابتداء)، ومثل (لا) النافية ومثل (همزة الاستفهام)، وغيرها.
مثلاً لو قلت: (علمت زيداً قائماً)، هنا عملت، فإذا أدخلت لام الابتداء فقلت: (علمت لزيد قائم)، بطل العمل في اللفظ حينئذٍ، ووجب أن ترفع المعمولين في اللفظ فقط، لكنك عندما تعرب تقول:
(علمت) فعل وفاعل.
(اللام): لام الابتداء.
(زيد) مبتدأ.
(قائم) خبر، والجملة سدت مسد مفعولي (علم)؛ لأن علم عاملة وتحتاج إلى مفعولين.
وبدليل أنك لو عطفت لقلت: (وعمراً) ولا تقل: (وعمرٌ).
ويستشهدون على ذلك بقول الشاعر، وأظنه كُثَيِّر عزة، وهو: كثير بن عبد الرحمن المشهور بكثير عزة، فأي شعر يأتى ويرد فيه اسم عزة ينسب إلى كُثير، وأي شيء يرد فيه اسم ليلى؛ ينسب إلى قيس بن الملوح المسمى بالمجنون، قوله:
وما كنتُ أدري قبل عزَّةَ ما البكى ولا مـوجـعـاتِ القلبِ حتـى تولتِ
(وما كنت أدري)، الفعل أدري وهو من أفعال العلم، مثل أعلم، (قبل عزة ما البكى) ما كنت أدرى قبل عزة (ما البكى ولا موجعات القلب حتى تولت) فهنا (ما البكى) كما ترون جملة اسمية سدت مسد مفعولي (أدري) أو (درى) وبطل العمل لفظاً، وبقي محلا.
والدليل على بقائه محلا: أنه عطف فقال: (ولا موجعاتِ القلب) ولم يقل: (ولا موجعاتُ) وإنما قال: (ولا موجعاتِ) فنصبه بالكسرة بدل الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، هذا خلاصة التعليق.
بقيت إشارة، وهي أن كان وأخواتها في هذا الباب أفعال ناقصة، يعني لا تكتفي بمرفوعها، وإنما ترفع مرفوعاً وتنصب منصوباً، اسماً وخبراً، أفعال هذا الباب أو بعض أفعال هذا الباب، وهي كان وأخواتها قد تستعمل تامة، تستعمل تامة مكتفية بمرفوعها، أي أنها تحتاج إلى فاعل، فتخرج عن هذا الباب وتصبح كبقية الأفعال التي ترفع فاعلاً.
فمثلاً (كان) إذا كانت بمعنى (وجد) أو كانت بمعنى: (حصل) فهي تامة، ليست كان الناقصة التي: كان فلان كذا.
أما التامة التي بمعنى (وجد) هي التي تقول: كان كذا، يعني: حصل كذا، يعني انتهى الأمر، كما في قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} كان هنا لا تحتمل إلا أن تكون تامة، لأن بعدها مرفوع وهو ذو، أي إن وجد ذو عسرة فأنظروه إلى أن ييسر الله عليه.
ما الذي يمنع أن تكون (كان) ناقصة وأن اسمها ضمير مستتر يعود إلى شيء متقدم؟
أي إن كان هذا المدين أو نحو ذلك ذو عسرة.
ما الذي يمنع من هذا؟
يمنع منه أن (ذو) جاءت مرفوعة، الذي يريد أن يجعلها ناقصة ويجعل اسمها ضميراً يعود إلى المدين المتقدم، لو كان كذلك لكانت: وإن كان هو -أي المدين- ذا عسرة، لو كانت "ذا عسرة" لصارت ناقصة واسمها مقدر، لكن الآية: (وإن كان ذو عسرة) أي: إن وجد ذو عسرة.
أيضاً كما في قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} هذه الآن تامة، ليست ناقصة، ما تحتاج إلى اسم وخبر، (كن فيكون) أي يأمره بالحصول فيحصل، (كن فيكون)، ليس يكون كذا وكذا، وإنما يكون أي يوجد ويحصل فقط، هذه تامة.
كذلك لو أخذنا الأفعال أغلبها لوجدناها بهذا الشكل، أصبح مثلاً إذا قلت أصبح فلان كذا، يعني على حالة معينة هذه هي الناقصة.
لكن إذا قلت مثلاً: (أصبحنا وأصبح الملك لله)، (أصبحنا) أي: جاءنا الصباح، {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} أي حين يدخل عليكم المساء وحين يدخل عليكم الصباح، ليس حين تمسون على هيئة كذا أو حين تصبحون على هيئة كذا حتى تكون ناقصة، وإنما هي كذلك، تقول: أمسى مثلاً..تقول: (أمسى الدجاج) يعني نام بمجرد ما يأتيه المغرب، لست تريد أمسى على هيئة معينة حتى تكون ناقصة.
كذلك (بات) إذا كانت بات على هذه الهيئة فهي الناقصة، أما إذا قلت بات محمد أي نام، فهذه تامة.
وكذلك (دام)، ما دام هذه لا تكون ناقصة إلا في هذه الهيئة، هذه الهيئة التي تسبق فيها بما المصدرية الظرفية وبصيغة الماضي فقط، لكن قد يأتي فعل (يدوم) كما قال أحد الإخوة، يقول:
هذه الدار لا تُبقي على أحد ولا يـدوم عـلى حال لها حال
هذه ليست ناقصة، هذه تامة، من دام يدوم، هذه تامة، مصدر دام التامة، فلا تقول: إن دام هنا متصرفة؛ لأنه جاء منها الدوام، الدوام هذه غير (مادام) التى معنا.
كذلك (ما زال).
زال لها ثلاثة معان:
- زال التي ماضيها يزال، ما زال وما يزال، هذه التي معنا، الناقصة.
- أما زال بمعنى: (ماز): يعني زال الكتب عن الدفاتر، يعني ميز هذه عن هذه، فهذه ماضيها يزيل، يعني: يميز، زل الماعز عن الضأن، يعني ميز هذه من هذه، هذه زال يزيل ليست هي الناقصة.
- أو كذلك زال يزول، (زالت الشمس)، (لا تزول هذه البقعة إلا بغسل شديد)، هذه من زال يزول، ليست هي الناقصة، الناقصة هي: زال التي مضارعها يزال.
فإذاً ليس كلما وجدتم فعل (يزال) أو فعل من (دام) أو فعل من (أصبح) أو فعل من (أمسى) تقول: أين اسمها أين خبرها؟
يعني لا تكون ناقصة باستمرار، وإنما هذه الأفعال يعرض لها التمام ويعرض لها النقصان.